الأحد، 28 سبتمبر 2008

تمزق موقف مواطن حرّ ،بين واقع حكم الضرورة وحلم العيش الكريم - الإجرام وثقافة الردّة /رأي/ بقلم الدكتور منـير القـوي :

1- تمزق موقف مواطن حرّ ،بين واقع حكم الضرورة وحلم العيش الكريم :
بعد إعادة لقراءة المقال المكتوب بمداد لحظة الصدمة ،للفعل الإجرامي ـ الفجيعة ،للقتل العبثي الأعمى ،لكل ذلك الحقد ،وتلك الضغينة ،صهيونيّة كانت ،أمريكيّة ثبتت ،أو من فعل بعض الزعانف التُّبع المرتزقة ،منبوذي وطرداء أهل الدّار،لا على سياسة سورية فقط ،ولا على العروبة الحقّة ،عبر سورية فقط ،،ولا على قيادة سورية فقط ،بل بالإضافة لكل ما سبق ،وكله جلي،عداءٌ ،ووجهٌ جديد ـ قديم للمعركة المفتوحة على الوجود الجيوبوليتيكي لسورية العربية ،في محاولة استنزاف لطاقتها ،وتشويهٍ للحمة بناء مجتمعها ،وإضعاف لقوة مقاتلها ،وزرع القلق ومشاعر الخوف في التطلع المستقبليِّ لمواطنها ، و إنني لأجزم أنّه :
ــ ليس من مواطن ،متحضِّر آمن ،يفخر بنص عقوبة الإعدام في قانونه ،ولا يسعده قانون استثنائي ،أومحكمة استثنائية ،أو أحكام استثنائيّة ،أو ظروف استثنائية .
ــ وليس من حاكمٍ عاقل ،أوحكمٍ رشيد متحضِّر،يسعده أن تكون عقوبة الإعدام من أحكامه ،أو السجون من وسائله ، أو التعامل مع المجرم من اختصاصاته ،أو أن تكون ملاحقة الإجرام من مهماته .
ــ وأنَّهما الإثنان ،المواطنَaن ،المحكوم والحاكم ،والحاكم قبل المحكوم ،لايسعدهما ،وليس من طموحهما ،ممارسة حياة ركيزتها قلق على أمن وطن ومجتمع ،يسمم الهدوء ،ويغتال الطمأنينة ،ويزرع الرعب ، ويجعل من المواطن المحكوم مشروع ضحية عنف تخريبيٍّ أعمى ،مقيّد المطلب والوسيلة ،مختاراً بالضرورة ـ وبعقلانية مطلق إنسان ـ حفظ الوجود شرطاً لازماً لممارسة كل حياة ،ومن المواطن الحاكم المسؤول ،رجل أمْنٍ بأولويّة ، فيصبح كل مشروع ديمقراطي معلق بشرط الأمن الوطني والمجتمعي ،وكلّ مطالبة بحياة ديمقراطية كاملة ،موضع شبهة ،خاصة إذا جاءت في لحظة حرجة كاللحظة التي نعيشها ،وفي هوجة الصراخ (الديمقراطي) الزائف المضلِّل ،لآلة الإعلام الأمريكي ، وتوابعه ،وأدواته ،من إعلام البترودولار ،وكتبة المارينز العربان ،ومعسكر "الإعتدال" بقفل ومفتاح أمريكيين ،وانتهازيي الموقف السياسي ،الباحثين عن دور ،ولو رقصاً على جثة العرب ،أو في أحتفالات انتهاك أعراض أمهاتهم، وأخواتهم ،في أعراس شلالات دم عروبتهم وشرفها المداس بالقدم اليانكية ـ الصهيونية ـ التُّبعة المرتزقة ،في فلسطين ولبنان ،في العراق والصومال والسودان ، إنّها لمن أصعب لحظات خيارات الإنسان (وطن ومواطن ،محكوم وحاكم) :
طموحٌ بحياة كريمة ديمقراطية حقّة ،وواقع ضرورة مفروضة تهدد أمن الوجود ،ومع كل سديمية اللحظة وحلكة أفقها ،فالجهد مطلوب لجعل الأحلام حقائق ، بنفس القدر من التفهم المطلوب لضرورة اللحظة واستيعاب مفاعيلها ،والتعامل مع الواقع بمسؤولية وإيجابية ،وبثقة بين المواطنّين ، المحكوم والحاكم ، فكلاهما مستهدف في الحالة العربية السورية ،وكلاهما في ذات المركب ،والعواصف عدوانيّة عاتية ،وكل ما حصل حتى الآن ،لا يعدو النذر والبدايات المنبآت ،ففي الأفق سواد سديم ،فالوحش الرأسمالي الكاسر جريح ،وقد اعتادت أمتنا على دفع الثمن ، ودائماً بلا حق ، ونكبة العرب في فلسطين شاهد ، والتمزيق ـ التقسيم السايكسيكوي لأمة العرب ووطنها شاهد ، والتصريحات العلنية لإدارة المحافظين الجدد ،ومؤدلجيها ،وساستها ،حول خرائط ،ومشاريع ،لمنطقتنا شاهد .
وهكذا فجريمة التفجير ـ المجزرة على طريق المطار،ليست الأولى ،ولن تكون الأخيرة - نعلم ذلك - والعربي السوري مستعد للتضحية ، ولن يبدل تبديلا .
فإلى المقال ـ الرأي :
2- الإجرام وثقافة الردّة /رأي/:
لو كان هدف التفجير الإجرامي زعزعة الأمن فقط :
لكان للسيارة المجرمة كل تجمع مأهول هدف ، أيّ شارع ،أي حيّ ،أيّ مدرسة أو سوق أو جامعة ، وربّما كان عدد الضحايا أكبر .
لوكان هدف التفجير الهمجيّ إصابة أجهزة السلطة فقط :
لكان اختيار مخفر شرطة ،أو مركزٍ أمني ،أو تجمع عساكر صباحي ،في طريقه إلى عمله ،حقق للمجرم إصابات نوعيّة منتقاة ،وربّما بعدد ضحايا أكبر ، وجريمة مدرسة المدفعية بحلب ،أخدوداً في ذاكرة سورية العربية .
لوكان الهدف من التفجير القذر أمن المسافر فقط ،وتهديد الذين طرقوا أبواب دمشق ،فقط ، بحثاً عن حلول لما زرعته السياسات التدخلية العدوانيّة اليانكية ،من نظريات " العمه الهدّام " ، لا "الفوضى الخلاّقة" كما ادّعوا ،فليس في قاموس إجرامهم مفردة "خلاّقة" ولا "خلاّق" : لكان بإمكان السيارة القاتلة أن تنفجر على باب صالة القادمين ،في مطار دمشق الدولي مثلاً.
بالطبع ،لا أعمل هنا مُحَذِّراً للأمن من استهدافات محتملة للإجرام ـ فلست بين ظهرانيي المجرمين ـ ولا مرشداً للمجرم إلى أهداف ممكنة ، فكلاهما (الأمن والمجرم ) له استراتيجياته ، ومفاهيمه ، وخططه ،ووسائله ،بالتأكيد ،المتعاكسة كلياً ،في الحالات : مثالية المنطق ،دقيقة التطبيق .
لكن اختيار الموقع : (طريق المطار ـ مفرق السيدة زينب) ،فبالإضافة إلى كل الأهداف السابقة وغيرها مما لا مجال لحصره ،فإنّه يتمتع بميزة مزدوجة :
الأولى :
إعلانية صاخبة ،فالتفجير في وسط مزدحم ، على طريق دولي ، وبالتالي فالحادث الإجرامي يتحدّث عن نفسه مباشرة ،ويفعل مفاعيله ، دون إعطاء فرصة لرأي آخر ، صحفي ،أو أمني ،أو سواهما ، بمعنى أنَّ الضجّة الإعلاميّة متحققة في لحظة صدمة لا تترك مجالاً لتحليلٍ أو اجتهاد ، وبالتأكيد فهذه الميّزة مقصودة ومرسومة باختيار الموقع ـ البث المباشر ، لمسرح الدم المقزز ،وجريمة البرابرة المأجورين .
الثانية :
اسم الموقع ،( مفرق السيدة زينب ) ،وأحسب أنّه هنا يتمركز الهدف ـ الضجيج وتوظيفاته التي لن تتأخر ، بكل حقد الشحن الطائفي ، وثقافات الوريقات الصفراء الساقطة ،نتاج تهافت الإنتاج الفكري لعصور الإنحطاط ، الملتقطة من قبل مراكز دراسات ،وتصميم ،مخططات تمزيق ،وتهشيم مقوّمات قيامة أمّة العرب ،ليس ذلك فقط ،بل القضاء كليّاً على أسس وجودها ، بإنكار كلّ خلاّق في حضارتها وحضورها ،وتقديمها :
عصابات قتلة ، ومتعطشو دم ، وحملة راية عنف سفّاكة (بن لادنية ) ،تصدّق منطوقها ممارسة عقوبة ضرب الأعناق الهمجيّة ،في مملكة( قطع الرقاب) الوهابيّة ،لصاحبها كارتل شركات النفط الأمريكية .
نعم هكذا ستتدحرج كرة الضجيج الإعلامية ،غرضيّة الهدف ،( مفرق السيدة زينب ) ،(السيدة زينب )،(رمزية الإسم )،نبش ألوان السواد من تاريخ أمّة العرب ،ومن عثرات مسيرة الإسلام والمسلمين : التناحر الطائفي "لا" الإسلامي ، الشيعة ، التشيّع ، السنّة ،الجمهور ،الإحتجاج ، الصراع ،وفي دمشق ؟!!! ـ وإنني إذْ أورد المفردات السابقة ،فليس إلاّ على سبيل السردية التاريخية الدلالية ،مع التأكيد على المعنى السياسي ـ بتحديد المعنى ـ فليس من ثقافتي القوميّة، ولا من انتمائي لعروبتي الحضارية ،مايمكنني من قبول المعاني المفاهيمية : الشعبويّة التعبويّة ،المعطاة للمفردات السابقة بغرضيّة منحطّة الأهداف ، مباعة الضمير ،موظّفة البندقية ،منذ دخول بعض الناطقين بلسان الضاد ،أجراء ،وكلاء ،وعملاء في النظام (الإقليمي اللاعربي ـ السايكسبيكوي ـ البلفوري ـ الصهيوني) .
وإذاً وليكن واضحاً :
إنَّ وصفة تفجير مقامي (الإمامين العسكريين ـ "ص" ـ ) في سامرّاء العراق ،لا مجال لصرفها في سورية ، حتى لو طال التفجير المجرم مقام (السيّدة زينب ـ "ص") بالذات ، فعلى المجتمع العربي السوري ،مارست عصابات الإجرام المتلحفة الإسلام زوراً ،مجازر مدرسة المدفعية ، وقتل العلماء ، والأطباء ،وأساتذة الجامعات ، والضباط ، وحتى الزبّالين ،أهداف حيّة للمتدربين على الإجرام .
وماذا كانت النتيجة ؟
هزيمة شنعاء للفكر التكفيري المجرم ، نعم دفعت سورية من دمها ، واقتصادها ، وأمنها ، وحريّة أبنائها ،وحتى من عصرية بنيتها الدستورية والقانونية ، والنتائج ما زالت قائمة بيّنة ،وسورية تعرف ،وتؤمن ،وتحفظ :( وما نيل المطالب بالتمني..... ) وأنَّ الأمن القومي والوطني ،والقومي قبل الوطني ، والأمان والسلم الإجتماعيين ، لم ،ولا ،ولن يكون كل ذلك هديّة ،ولا صدقة ، ولا تسوُّلاً ولا مجّان ،واليوم يعيدون الكرّة ،أداة عمالة مجرمة ، ويد تآمرٍ مأجور ، اليوم يكتبون بمداد دم الأبرياء ،بيانهم العملياتي ، فأقلام منظريهم مستنفرة ،منفّرة ،في الركب الأمريكي المحافظ التوسعي المتوحش ، منذ سنوات ، مع نفثة أباليسية شيطانية في إعلام البترودولار ، والمأجور له ،في الأسابيع الأخيرة .
وإنّها لأقذر المعارك تلك التي تُفرض على سورية العرب ، وعلى ما يبدو يا أمّة العرب :أنَّ قدر سورية أن تكون مصد الرياح الصفراء ، وما تنكّر حرّ يوماً لواجب ،ولا ركع أمام قدر ،وتلك حال سورية العرب ،وقدرها ، وإلاّ ما كانت ، وبدونه لن تكون ، وسيهزم المجرمون ،خاسئين ، وسيتحمل العربي في سورية ضريبة الدم ، أوليس ذلك قدره ؟
أليس ذلك تاريخه ؟

ليست هناك تعليقات: