بقلم : دكتور منير القـوي
أرجوفة هي ،بل ولغوٌّ كذّبته الوقائع ،وأسقطته الأحداث ، فباستعراض بسيط ، ولكن بعميق الرؤية ،سنجد المقولة ـ الأرجوفة بلا سند حقيقي ،وأنها من سقط المنطق الإيديولوجي الرغبوي ، لا المتفائل ،ولكن المحبط المأزوم والمهزوم : ١ـ الحرب العدوانية الصهيونية ،ما زالت مستمرّة منذ عام 1948 ،تاريخ إعلان الكيان الصهيوني لدولته ،فيما سمّاه أصحاب الأرجوفة إياها بـ ( نكبة فلسطين ) .٢ـ كل قرارات المعارك الساخنة من تلك الحرب ،كانت صهيونية ، حتى معركة تشرين 1973 ،والتي كانت بقرار مصري ـ سوري مشترك ، لم تكن إلاّ كسر لوقف إطلاق النار على بعض خطوط المجابهة التي فرضتها معركة 1967 ،بالعدوان الصهيوني الأشهر .٣ـ هذا الشعار ـ المقولة والذي وُلِد من رحم تنظيرات اتفاقيات ( كامب ديفيد ) ،كذّبه الغزو الصهيوني للبنان ،واحتلال بيروت عام 1982 ، إذاً الحرب استمرّت . ٤ـ العدوان الصهيوني المتنقل ، من سوريا ، إلى لبنان ،وحتى إلى العراق ( تدمير مفاعل تمّوز ـ أوزيراك ـ عام 1982 )،وصولاً إلى الحمّامات في تونس .٥ـ العدوان الصهيوني المبرمج على لبنان ـ المقاومة ،صيف 2006 ،والمجهَض بعمل المقاومة الإستباقي ،بأسر الجنود الصهاينة ، وما تبعه ،ويتبعه من استمرار الصهيوني في انتهاك سيادة لبنان ، جواً ،وبحراً ، وتجسساً ، واغتيال .إذاً فالحرب مستمرّة ،واقع ديناميكوـ سياسي لم يتوقف ،فما معنى الشق الأول من المقولة ( لا حرب دون مصر ) ؟!! أليس لغوّ بلا رصيد من واقع ـ سند ؟ !! ثمَّ هل كان لمصر المحتلّة انكليزياً ،أيامها ،دورٌ في إطلاق شرارة الحرب عام 1948 ؟ والتي لم تتوقف إلى يومنا هذا ،أمْ أنَّ المقصود من المقولة ـ الفارغة ،ملء مرحلة بالتنظير لها ، وعلى هوامش التاريخ ،ليستمر الصهيوني ـ الكيان ،في كتابة المتن منه ،تحت عنوانه المعلن ،وبلا مواربة :النضال الصهيوني لإنجاز مشروع إسرائيل الكبرى ،ولو بمسميات أخرى : الشرق الأوسط (الجديد) أو (الكبير) ...أو ...أو وبرعاية عرّاب بريطانيٍّ بالأمس ، أمريكيٍّ اليوم ، ومن يدري ،فربما أوروبيٍّ غداً ؟!!يبقى الشق الثاني ( لا سلام دون سورية ) من المقولة ـ المفروضة على واقع يدحضها ،وبمجريات الأحداث وتسلسلها :١ـ إنّ الوضعية القانونية للعلاقات الـ (مصرية ـ الإسرائيلية) ،هي حالة سلام وفق الشرعية الدولية ، والقواعد الناظمة للعلاقات بين الدول ذات السيادة ،منذ اتفاقيّات كامب ديفيد ( 17 سبتمبرـ أيلول 1978 ) ،وما أعقبها من تبادل السفارات بين مصر ـ السادات و(إسرائيل) . ٢ـ الإعتراف المتبادل بين الكيانين التوأمين ،(الأردني ـ الصهيوني) ،منذ اتفاقية وادي عربة (الإسرائيلية ـ الأردنية ) في 26 تشرين أول 1994 ، أليس حالة سلام قانونية كاملة ،وفق الشرعية الدولية ؟ ٣ـ التبادل الدبلوماسي الكامل ،بين موريتانيا و (إسرائيل) ،والحرص على استمرارها، أليس وضعية سلام موصوفة قانونياً ؟ ٤ـ فتح مكاتب الإرتباط ،والبعثات التجارية ، الصهيونية ، في أكثر من عاصمة ،لسلطات الأمر الواقع ، أليس تطبيعاً في الطريق إلى علاقات "سلام"،معظمها منجز بانتظار اللحظة المناسبة لإعلانها ؟ ٥ـ اتفاقيات (اوسلو) ،بين العرفاتية الإقليمية ،التي أقرتها مؤسسة القمة (العربية) ،بإقرار : منظمة التحرير الفلسطينة ممثلاً شرعياً وحيداً للشعب الفلسطيني ،دون حتى ذكر انتمائه العربي !! ،وبين الكيان الصهيوني ، أليست خطوة تنازلية ، تطبيعية في الطريق إلى سلام ، يعلنون له التواريخ والأجندات ؟ ٦ـ المفاوضات غير المباشرة بين سورية و ( إسرائيل ) في تركيا ،وبرعاية تركية ،أفضت إلى مفاوضات مباشرة ،أو لم تفض ، إلى اتفاقيات عادية أم لا ـ وهي لا يمكن أنْ تصل أبداً ، لتباعد الرؤيتين ، وتناقض المشروعين ،إلاّ إذا غيّرت(إسرائيل) جوهرها ،وسلوكها العدواني،ونهجها التوسعي ،لا جلدها فقط ولا خطابها السياسي ، وإلاّ إذا تخلّت الصهيونية عن عنصريّتها وايديولوجيتها الدموية التوراتية ، وكلّ ذلك بعيد الإحتمال ، بل مستحيل الحصول ، والأكثر استحالة منه أنْ تكون القيادة العربية السورية ،بوارد عقد اتفاقيات شبيهة بتلك المتخاذلة : (اتفاقية وادي عربة ) أو (اتفاقيّات كامب ديفيد ) ـ وإذاً : فالطريق مسدود ،ولكن للسياسة منطقها وتكتيكاتها ،وتبقى المبادئ ـ الثوابت ،الضابط والمعيار ، وهو ماثبت ،ويثبت كلّ يوم .بعد كل ذلك ،هل بقي للمقولة :( لا حرب دون مصر ولا سلام دون سورية ) من منطقيّة ،أوصدقيّة ؟ بل هل كان لها من رصيد واقعي ،حين إطلاقها ؟ والغريب أنَّ لها من يرددها ،حتى يومنا هذا ، ببغائية الجوقات ، وتصلبية ألسنة الإيديولوجيات ،التي تنفي الواقع وتلغي سجلاّته ، ما دامت لم تورده نصوصها ،بنوع من محاولة إلغاء العقل وإعدام الوعي الجمعي ،في نقله المراحلي ،من سويّة إلى أخرى ضمن ذات الأفقية التسطيحية ،ومن مرحلة إلى أخرى ، في انقطاعات حديّة ،لا تعترف إرادوياً ، بمفاعيل استمرارية الزمن وآلية تراكميته ، إنها ايديولوجيا المراحل المأزومة بعقمها ،بمنطقها التبريري المهزوم ، وآليات إرجائية الأهداف التي تعجز أمامها ،فتحيلها إلى معادلات ،متحققة بتحقق شروطها ،وتعلم أنها تشترط تحقق المستحيل ،وبالتالي تعيد متبنيها إلى المربع السفسطائي ،في معركته الجدالية حول جنس الملائكة .ويبقى السؤال القائم افتراضياً: ماذا سيكون عليه الحال ،لو أدت المفاوضات السورية ـ ( الإسرائيلية ) إلى اتفاقِ (سلام) وعلاقات عاديّة ؟ والجواب من البساطة بمكان ، ففضلاً عن استبعاد حصوله في المستقبل المنظور ،فإنّ حصوله لن يكون إلاّ حلقة عقيمة أخرى تنضاف إلى شقيقاتها في بحث النظام الإقليمي (اللاعربي) ـ السايكسبيكوي ـ البلفوري ـ الصهيوني القلق ،عن توازن مستحيل ، بحكم بنيوية ولادته المصطنعه ، وأهداف أطرافه المتنافرة ، رغم وظيفيته المكرسة بغائية إنشائه ،في اغتصاب حقيقة جيوبوليتيكية : هي الوطن العربي ، وتمزيق هوية أمّة : هي الأمّة العربية ، ومحاولة الإجهاز على المشروع السياسي النقيض : الدولة العربية الواحدة ، ولكنّ رصد تاريخانية مساره ، وصراعات أطرافه اللامنتهية ، تقدّمه كياناً مريضاً قاصراً ،أشبه بصاحب الشخصية المرضية العدوانية ، بحاجة للرعاية الدّائمة ،والتأهيل المستمّر،والوصاية القائمة ، من متعهده الخارجي ،مايسترو إيقاعه ، في المركز الأمبريالي المهيمن ، وإلاّ :١ـ ما معنى حروبه البينيه ، والأهلية ، والوظيفية ؟ ٢ـ ما معنى الصراعات السلطوية ـ في معظمه ـ ، وانقلاباته العسكرية ،وغير العسكرية اللامنتهية ؟ ٣ـ ما معنى أنْ تصل بعض مكوناته إلى وضعية انحلال كيان الدولة فعلياً ؟ أو إلى اختزالها في شخص وخيمة ؟ ٤ـ ما معنى أنْ تتفكك البنى المجتمعية الإقليمية إلى شظايا ومكونات البنى الماـ قبلية لمجتمع الدولة الذي يتغنى به ،وترفع له الأعلام ، وينشد النشيد الـ (وطني) ؟٥ـ ما معنى أنْ تقيم (إسرائيل) جدارها الغيتوي ،في استرجاع لا شعوري ، بل وسحري لرمز أمان الحارة المغلقة على مرعوبها السرمدي ،اليهودي البارانو المضطهد !!، وهي الكيان ـ الدولة بمئتي رأس ذريّ ؟٦ـ ما معنى التصادم المستمر بين الكيانات،وهي توائم في ميلادها،ومعتمديها ،تلامذة الصف الواحد ،والمعلّم الواحد ، والراعي الواحد ؟ !!إذاً الجواب ببساطة :
سيستمّر العربيُّ حامل راية مشروعه القومي ، الوحيد الشرعي والمشروع ، وسيبتكر الوسيلة الموصلة إلى غايته ، بحمل هوية أمته ، في وطنه الواحد ودولته ،بالغاً ما بلغت عدوانية المشروع المصطنع القائم ، وأدوات دعمه وحراسته ، فقدر الإنسان أن تقود خطاه دروب حريته ،ولا حريّة لعربي مع اغتصابه الوجودي ،واستباحته بـالنظام الإقليمي (اللاعربي) ـ السايكسبيكوي ـ البلفوري ـ الصهيوني """الغاصب""" بكل التعريفات والقواميس .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق