مؤسف واقعنا العربي ، ولكنْ متى كانْ على مستوى آمال جماهيرِ أمّة العرب في عصرها الحديث؟ حتى في أوج النهوض القومي العربي ، في خمسينيات وستينيات القرن المنصرم ، كانت أرض العرب وأمّة العرب، ساحة صراع مشاريعمتناحرة ،وتجاذب مصالح متنافرة .وذلك كلّه مفهوم في ظلّ سلطات (الأمر الواقع ) لنظام إقليمي (لاعربي) ـ سايكسبيكوي ـ بلفوري ،فكيف والحال الآن في ظلّ الفجاجة السياسية ،والنضوج اللاعقلاني لمسارات التشتت والشرذمة باسم السيادات (الوطنية) ،والإستقلالات الشعاراتية ، والتبعيّة المفضوحة حتى في ""رغيف العِيش"" ؟ مقدّمة متشائمة ،في احتفالية إعلان الرئيس الفرنسي السيّد "ســاركوزي" : قيام الإتحاد من أجل المتوسط رسميّاً ،وبرئاسة الرئيس المصري لسنتين . لن أدخل في الكيفيّة ،ولا الآلية ، ولا المعايير التي أهّلت الرئيس مبارك لتبوء سدّة الرئاسة ، ففخر لكلّ عربي أنْ تتبوأ مصر ذلك الموقع للمولود الجديد ، وإنْ كانَ إشكالياً بكليّته ،مما يعطي الآراء المتعارضة ،المتحمسة والرافضة ، والتي بين بين ، مقادير متفاوتة من قويم المنطق الشارح والموضح لآرائها ، إلاّ أنّ ما يحزّ في النفس (لعربيّ) ،مشهد المسؤول العربي بعيداً عن آمال جماهير العرب ، عن رؤيوية مستقبل أمّة العرب .ففي الوقت الذي تدخل أُوروبا مجتمعة ،دولها المشاطئة للمتوسط أو للقطب الشمالي ،إلى المشروع بتنسيق وتفاهمٍ مسبق ، نجد معظم حكّام العرب المشاركين،وعلى رأسهم الرئيس مبارك ،رئيس الإتحاد الوليد ،في خضم تصفية الحسابات ، و(تدويل) الخلافات ، حتى لا أقول المشاحنات ومواقف ( العناد الطفولي) . فإلى الرئيس العتيد للإتحاد، ولسنتين أتوجه بسؤال بسيط : كيف ستنجح في مهمتك الجمّة والرئيس السوري بشّــار الأســـد يعلنُ ،وفي مساء إعلانك رئيساً للإتحاد : أنَّ علاقات سورية بشقيقتها مصـر ليست على مايُرام ؟ وما قرنُ السعودية مع مصـر في ذات البعد العلائقي ،إلاّ التعبير الصارخ عن المرارة ، لا العتب فقط ،فعلى مايبدو تجاوزناه بعيداً ، فرئيس القمّة العربيّة ، والذي يفترض المنطق التشاور معه ، بل وتكليفه بمهام بحكم رئاسته لمؤسسة القمّة العربيّة ،لم يستطع إخفاء المرارة والأسف ( هكذا بدا لي على الأقل ) ،مكّرماً في فـرنسا ، مأخوذاً برأيه، معتبراً في موقفه وكلمته ، فهو رئيس سورية يا رئيس الإتحاد المتوسطي (ولسنتين) ، سـورية التي بسطت على البحر الأبيض المتوسط لونها الفينيقي ،وأقامت ممالكها على شطآنه وجزره ، وجعلته مجال نهضةٍ وبناء حضارة وعمران ، لا زالت أوابده ناطقة بـ "قرطاج " و "نيس " بـ " كريت" و" مالطة " ، ولا زال " هانيبال " مشروع عبورٍ لجبال الـ "بيرينيه " ،لا لاستعمار "روما "،ولكن لكسر شوكة جبروتها الإمبراطوري ، وحتى في حاضرة الإمبراطوريّة الرومانيّة ، رومــا ، كان وجود سوريا مؤثّراً ومقرراً وبأباطرة سوريين : كركلا ، فيليب العربي ، جوليا دومنا ..... وفي حوران سورية كانت إهراء ات قمح الإمبراطورية الرومانية ، سـورية هذه يا سيادة رئيس الإتحاد، ولسنتين، منها انطلق اسطول معركة (ذات السواري) برايته العربية المحمّدية ،ليعلن العصر العربي الصراح للبحر المتوسط ،بعد إذ كان (بحيرة الروم) ،سورية هذه لم تختر جغرافية تموضعها ،فقررت أنْ تصنع في تموضعها جغرافيا حياتها ،وقد نفذت قرارها بنجاح الموهوبين ، ولئن كان ـ آنياً ـ في الجوار ـ الكيان الصهيوني ـ المتمم الموضوعي للنظام الإقليمي،والمحور الفعّال لسياسات أنظمة التطبيع ،وبوصلة اتجاهات رياحها ،فإنّ سورية العربية في حضورها لإعلان قيام الإتحاد المتوسطي تأكيد لوقائع التاريخ ،وحقائق الجغرافيا ، وللفعل الإيجابي المؤثر ،ولو نسبياً ، فصحيح أنَّّ موازين القوى القائمة تفرض منطقها ، ولكنّ الصحيح أيضاً أنَّها ليست أبديّة ،وليست قدر ، وبالمجمل فالمشاركة قد لا تجيب على كل ماتريده سورية والعرب، ولكن الغياب استجابة للغة " شعاراتية " ، أو "جعجعات" تخوينية ،انتهازيّة ومزاودة ،يحمل الخسارة المحققة ،بإخلاء الساحة في شرق المتوسط للكيان الصهيوني ، ليتمدد في محاولة استحضارٍ عصرية ،للتجربة السورية ـ المتوسطية واستنساخ "جغرافيّة حياته المغتصِبة " لا لبعض ساحل بلاد الشام (فلسطين) فقط ، ولكن على، وفي كلِّ مواقع التأثير في كيان الإتحاد المتوسطي الوليد ، وفي السماح بذلك : تعميدٌ لجريمة تمزيق الوطن العربي ،وقيام الكيان الصهيوني فاصلاً بين مشرقه ومغربه ،حائلاً بين طموحه وتحققه ،وتلك مسؤولية ليس لسـورية مفرّ من مواجهتها ،وقد أظهرت في مشاركتها ،وقوة حضورها،ووضوح رؤيتها ،مستوىً يثلج صدر المحّب ،ويغيظ قلب الحقود ، ومع ذلك يبقى التساؤل : هل يُؤمل منكم ياحكام العرب يوماً أنْ تدخلوا منظمة إقليمية أو دوليّة بصوتٍ متناغم ،على الأقل ، فالصوت الواحد بعيد المنال كما يبدو؟ ويا فخامة رئيس الإتحاد الوليد : ماذا لو كان موقف الرئيس السوري من رئاستك " العرمرميّة" مشابهاً لموقفك من رئاسته لمؤسسة القمّة العربيّة ـ وهو لن يفعلها بالتأكيد ـ أكنتَ أول رئيسٍ اتحاديٍ متوسطي ؟ أمْ لأنك كذلك رسى القرار عليك ،ومنذ شهور ؟ والمفارقة ،المضحكة ـ المبكية : رئيس أفارقة ، آسيويين وأوروبيين ، يهود ، مسيحيين ومسلمين ، ومع ذلك فردّ الفعل فعله ، وأمر "كوندوليزا" نهجه ، وروتين موظف الدرجة الأولى مساره ، أمّا ما يُروى عن عناده ،فحدّث ولا حرج ، ولذلك يا سيادة الرئيس : رئاستك مراسمية ، وصلاحيتك شكلية ، وتسميتك بالتراضي وبالرضى من (مركز القرار )...... وهو بالتأكيد ليس بيد : لا " العربان" ولا أسلافهم من "الفراعنة" و "الأنباط" وبني " فينيق وكنعان" و " آرام وآشور وســومر" ، وعلى العموم يا ســيادة الرئيس الإتحاديّ المتوسطي (والعابر للقارات القديمة ، ولو حول المتوسط ) : ما هكذا تساق الإبل في مراعي الأشقاء ، إلاّ إذا مازال في ذهنية (داحس والغبراء) ،بعضنا يقيم،وعلى الثارات مقيم ، وهو ما يبدو عليه الحال بكل الأسف ، وإذاً فاسمح لي يا سيّدي الرئيس بلفت النظر أنَّ أُوروبا ـ الجزء الأهم في رئاستكم ،ولسنتين ـ ليست أرض ،لا الجمل ولا البعير ، ولا النوق العصافيرية خاصة الملك ""النعمان بن المنذر بن ماء السماء"" وإذاً فلتغيّروا ، إذا استطعتم ، عقلية الفرعون ، وراعي القطيع ، وسلوك البدوي ، وإلاّ فمسرحيّة هزليّة رئاستكم ، أو مملكة خارج الزمن ،من لا معقول انتاج " فانتازيا" الكوميديا السوداء ، وذلك يحزن ويحزن ... فليس مقبولاً أنّ رئيس أكبر دولة عربية (تشريفاتي وقطعة ديكور) ، مع أنّ ذلك ليس نادراً في عالم الحاكم العربي ، لكنّه هذه المرّة ،دور على مسرح في الهواء الطلق ، وقد مُزِّقت الستائر ، حتى التي من ورق التّوت ،وخيط العنكبوت .
تعليقات حول الموضوع
من بعد اذنك
23:50:22 , 2008/07/15 الفارس
حضرة الدكتور منير القوي المحترم اشكرك جزيل الشكر على موضوعك افدتنا بكثير من الامور لم اكن اعلمها ولكن المحير بموضوعك هو ذكر ان سوريابسطت على المتوسط لونها الفينيقي منذ متى كان لسوريا علاقة بلفينيقين رجاء اطلاعنا ولكم الشكر سيدي
في أحضان " أولمرت " وبلا خجل
00:30:04 , 2008/07/16 عربيّ الإنتماء ... ويفتخر
إنه مشهد الإعتزاز بالإثم ،صورة الرئيس المصري في " العناق ـ العبطة " مع أولمرت ... ما شعورك أيها المصري وأنت ترى شاغل كرسي الزعيم العربي "جمال عبد الناصر" في لقطة سقوط أخلاقي لا مسؤولة، واستهتار بلا نظير بتضحيات شهداء أرض الكنانة ،وأخصهم من اغتالتهم يدُ "تساحال "وهم أسرى في سيناء ، جريمة الحرب التي يعرفها هذا الـ " مبارك " ولم تهز شعرة من شعر رأسه الدائم "الشباب"في فحميته الفجة ،بنعمة الصباغ والصبّاغين ، حسناً فلنعاني منه فهماً مصبوغاً بكل الموبقات ،ما دامت العصرنة فهلوة ، والمرونة تنازلات ،والرئاسة وظيفة ،والزعامة عناد و" تتريس" ودماء الشهداء تراث وقصص من زمن غابر ؟؟؟ أمّا الآخر رئيس سلطة رام الله ، الـ "بلا سلطة" ،فقرود السيرك لم تبلغه ،لاهزلاً ،ولا أداءً ، ولا تدجيناً ، ولا إتقاناً لفن الشعوذة ، ففي الوقت الذي تنجح المقاومة البطلة في لبنان بتحرير رفاة شهداء فلسطين العربية ، أسرى المقابر الرقميّة المهينة لكل قيمة إنسانية ، هذا الـ " أبو مازن " ، المنحدر من "عصر الأبوات "، الذي في جلّه لا يشرف النداء المعني ، ويغتال فيه معنى الأبوة وعلامة الرجولة ، يرقص في أحضان " أولمرت " ،يشد على يده المخضبة بدماء أطفال غزّة وكل فلسطين ، شيءٌ لا يمكن استيعابه إلاّ عند العبيد بقناعة ،والقطعان المدجنّة .... لكن لا .... في ذات الصورة ، وذات اللقطة ،أدار العربي الحرّ ظهره لهؤلاء ، احتقرهم ، همشهم ، أظهر مسخيّة قاماتهم .... نعم هكذا تصرف الرئيس العربي "الدكــــتور بشـــار حــافظ الأســــد" ، وهكذا راية العروبة لن تُتْرَك ممسحة بيد خدم مطابخ التطبيع ، لها لواؤها ، وللواء حملته ، وفي دمشق الغار والرجل الوفيُّ ،لعروبته ،لشرفه ، وللغد المأمول .... فليسقط الساقطون لا في أحضان أولمرت ، بل وعلى أقدامه " المباركة".... فسيبقون هناك ،والعروبة الحرّة ماضية إلى ما تستحقه من شرف ،وكرامة ، وعزّة ، وللقيمة من يقدرها ، وللقيم حماتها ، وبالتأكيد : مملوك مصر ليس منها ، مع أشد الإعتذار من أبطال المماليك الذين قلبوا مفاهيم النشأة ببطولاتهم ، لتُبعث ـ وبكل الأسف ـ وفي أبشع الصور على يد هذا الـ "مبارك" اللامبارك .
توضيح للأخ الفارس ...مع الشكر والمحبة
03:42:16 , 2008/07/16 دكتـور منـير القـوي
الحقيقة التاريخية أنَّ الفينيقيين العرب سكان سواحل الشام هم نفسهم الكنعانيون سكان الداخل والسهول السورية القريبة من الساحل السوري ( والشامل لشواطئ سوريا الحالية ، ولبنان ، وفلسطين ،وسـيناء ، فسيناء تاريخياً هي جزء من جغرافية بلاد الشام ، أو سورية الطبيعية ) ، والأنباط ، سكان المرتفعات الصخريّة ،وبناة الـ "بتراء" هم منهم ، ولكن بهجرات متعاقبة ، ومن جزيرة العرب ، بما عُرف بالهجرات( السامية) ، إذاً هم عرب يا سيّدي ، أمّا المتنطعون لتزوير هوية هؤلاء بدعاوى ، أقل ما يقال فيها : أنّها عنصريّة ، واستشراقيّة معروفة الأهداف ، فهؤلاء ونحن من ذات المنابع الديمغرافية ، والفرق يتلخص بتواريخ الهجرة ، فنحن الهجرة الأخيرة إلى بلاد الشام تحت الراية المحمدية ، إكمالاً لرسالة أمّة العرب الحضارية المُحَضِّرَة ، وإنها لمستمرة ، ........... وأملي أنني أجبت الفارس ........... فهل جليتُ، وهل أوفيت ؟ ذلك ما آمله ... مع شكري ... وجزيل الإحترام .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق