الثلاثاء، 30 سبتمبر 2008

مقال: هذه الـ (ألمانيا) - بقلم: د.منير القوي


في الأزمة الإقتصادية الكارثيّة ،التي يعيشها عالم الساعة المعولَّم ،أو المُؤمْرَك قسراً ،بمديونيّته الفلكيّة الأمريكيّة ،بمجاعاته ،بأوبئته ، بأعاصيره ـ جناية السياسات اللامسؤولة المستخفّة بالبيئة ـ ،بحروبه المتعددة الوجوه ،والمجرمة ،بأنانيّة رأسماليّةٍ ،وصلت إلى التوحش في سياساتها التدخليّة ،التي ،ومنذ قرابة العقدين ،أصبحت آلة الحرب العدوانية السافرة أداة عربدة أباطرة عصرها ،وبجرعة مفرطة ،ربّما قاتلة ،مع إدارة المحافظين الجدد للبيت البيضاوي ،لا (الأبيض) ،في (واشنطن) ،وخاصة منذ 11/09/2001 :
تفاجئنا المستشارة الألمانية ( آنجيلا ميركل ) ،النصيرة العاتية ،عادةً ،للسياسات الأمريكية ،وإدارة محافظيها الجدد ،وفي جملة قصيرة تستدعي التاريخ الرأسمالي ،تكثِّفه : ولادة ،مساراً ،ومصيراً ـ مآل ، وتحكم عليه بقساوة حكم الإعدام : لقد انتهت(أيام دعه يمرّ ) .
وزير ماليتها الألماني (بيتر شتاين بروك ) ، لا يتردد ،ولا يداور في كلماته ،فقال مامعناه :
من غير الممكن أن يستمر الوضع الإقتصادي العالمي بعد الأزمة الإقتصادية الحالية ، (لا المالية أو النقدية فقط ) ،كما كان في السابق ،فالولايات المتحدة ستفقد مكانتها المركزية في الإقتصاد العالمي ،وإنْ بالتدريج ، وإنَّ ولادة نظام اقتصادي عالمي ،متعدد الأقطاب أصبحت حتميّة ،( يبدو أنّ هذا : "المتعدد الأقطاب " قد أصبح مفتاح ايديولوجية مرحلة جديدة ، يمكن تسميتها : مرحلة مابعد ايديولوجية العولمة الليبرالية المتأمركة ؟!!) ،وأنّه لايمكن أنْ يُقبَل من الولايات المتحدة ألاّ تتحمَّل نتائج الأزمة المالية ( ـ الكارثة )،التي هي أمريكية بالدرجة الأولى ،وبالتالي ،قبولها خسارتها لمكانتها المالية (الإقتصادية) ،كقوة مالية عظمى .
فجأة كارل ماركس ( الألماني كذلك ) ،يجد مكانه في المعمعة ،منتصراً على أعدائه التاريخيين ،الليبراليين ،وعلى يدهم بالذات ،هؤلاء الذين طالما رفضوا النزعات التدخلية لمؤسسة الدولة في آليات السوق ،نجدهم ،وهم عتاة ليبراليّو الحزب الجمهوري ،يقبلون ،صاغرين ،مبدأ تدخليّة الدولة في الإقتصاد، في انعطاف أساسي ،مناقض حديّاً ،بل ودامغ الشهادة على العقم والإفلاس للإيديولوجيات الليبرالية ، قديمها والجديد ،وإلاّ ما معنى خطوتهم (الخيانيّة) ،للنظافة المدَّعاة ،للرأسمالية طاهرة الرأس والذيل ،حسب كل تاريخ مواقفهم ،وايديولوجيات أخلاقياتيهم الدعويَّة ؟ !!
هذا الثالوث الألماني : (ماركس ، ميركل ، شتاين بروك ) ،هل هو محض مصادفة ؟
أبداً ،فإذا كانت الدراسة الماركسيّة في نقد الإقتصاد السياسي ،قد وسمت عصراً وأنظمة ،فإنها لم تكن أبداً في قطيعة مع ثقافة ألمانيّة ،وفلسفة مدرسة ألمانية ،كان الشاب ( كارل ماركس) أحد تلامذة نموذجها الهيغلي ،قبل أنْ يقلب الهرم ،ليضعه على قاعدته الماديّة ، كما رأى ،لم ينكره ،لم يهدمه ، وإنّما اجتهد في توظيفه ،فكان استمراراً ،بقراءة أخرى ،للثقافة المعرفية الألمانيّة ،بل لروح أمّة تعاق بلورة كيانيتها ، وولادة هويتها القوميّة الشرعيّة من رحم التاريخ (قومية ابنة للتاريخ )، بآليات سوق تفرض بديلاً لها أمّة من صناعة السوق الرأسمالية (أمّة سوقية ) ،بهوية (قوميّة سوقيّة )،ولعلّه هنا يجد الموقف الماركسي ،تفسيره البسيكولوجي الحاطّ ،في نظرته إلى القوميّة وإيديولجيتها ،باعتبارها مجرّد بناءٍ ذهنيّ فوقي ،لمرحلة تطور برجوازي انتقالي ،زائل وعابر في مسار النمو الرأسمالي ،العابر هو أيضاً ،وبالتالي فالهوية القومية ،والدولة ـ الأمّة ،إلى زوال لمصلحة الإشتراكية المنتصرة حتماً ،في بعدها الشيوعي الأممي الآتي لا محالة .
يوتوبيا ،وموقف ايديولوجي عقيديّ وإيمانيّ بامتياز ،نابع من (أنا جمعية) ،لم تأت من فراغ ،رغم كل الدعاوى العلميّة ،التي أصرّ ،ويصرّ الماركسيون ،على صبغ الماركسيّة بطابعها الأوحد ،والذي يجعل من الماركسيّة ،أداة قراءة قاصرة ،وميكانيكية ،لتطور المجتمعات البشرية ،لا تختلف في شيء عن رصد ظاهرة تحول الماء إلى بخار عند تسخينه إلى الدرجة 100 المئوية ،وهذا لعمري تشييء للإنسان ،وظلم للماركسيّة ذاتها ، كونها نتاج فكر إنساني ،وفلسفة تراكم معرفي ـ معارفي ،ومحاولة تفسير وجودي : ولادة ،وتاريخاً ،وحاضراً ،ومستقبلاً مسار ،وكينونة مآل ،لهذا الكائن ـ الإنسان .
من هذه الزاوية ،لا أجدني مجحفاً في القول :
إنّ الماركسية نابعة من (أنا جمعية) ـ (أنا أمّة تتبلور) في لحظة (إعاقة ـ أزمة ) ،لولادة هوية وجودها المشروع : (قومية تاريخية) لأمة كاملة الخلقة ،ولست في موقفي هذا ،بمنتصر لـ ( فرويد أو يونغ ) أبداً ، بل لعله التفسير الممكن لفهم بسيكولوجية المفكر الفيلسوف (كارل ماركس) ،أم أنَّ للبافلوفيين رأيّاً آخر ،لا زال يصرُّ على حصر رؤيتها في خانة المنعكسات المشروطة ،مع تجربة الكلب الشهيرة ،دون كبير اكتراث بالفروقات ، حتى البيولوجية ،بين الأنواع ،فكيف بفروقات الذكاء والنتاج الفكري ؟!!
بل أزيد فأقول : إنَّ (أوديب ـ كارل ماركس) ،لم يتردد في محاولة قتل الوالد الكلاسيكيّة ، لإشباع تثبته الليبيدي الطفلي ،قفزاً على العجز ،وفرضاً لوجودٍ لم يتح له فرصة النضوج العاطفي ـ الإنفعالي ،وفق مسار طبيعي بلا إحباطٍ أو قمع ،ليجد التعبير ""السلبي البنّاء""سبيلاً بديلاً ،ومحاولة تحقيق ذات ،بل حتى فرضها برغبويّة متطرّفة ،هكذا وجد الكائن الأوديبي نفسه ،في شخصية كارل ماركس الغاضبة ،المقموعة ،والمهزومة في تعبيرها الليبيدي القاصر اللامشبع ،كياناً عدوانيّاً تعويضيّاً ،في موقف تصفية حساب ،مع الوالد ـ الإعاقة ،الذي انهزم في معركة إثبات كيانه الأبوي المسؤول ، على الأقل ،في مسؤوليّتة عن عجزه الوجودي :أن يكوّن ،ويكون الراعي المجسّد للمثل الإيجابي في تكوين كيان الشخصية الناضجة ،عاطفيّاً ـ انفعاليّاً ،لـ (كارل ماركس) ،بدل التخلي عنها ،في مرحلتها التطورية الليبيدية الباكرة ،في يُتمٍ عاطفيٍّ قاسٍ ، يجعل من اليتيم جفافاً إحساسياً في الأعماق ،دكتاتوراً كلّيّ القدرة ،إلهاً بلا تحديد ،دعاويّاً في التّطلُّب ،و متطرفاً في السلوك ،في الحكم والتنفيذ ،
من هنا نجد (أوديب ـ كارل ماركس) الثأري ، القاتل ، ينقض على هوية الأب ( القومية) ،مسفِّهاً ، حاطّاً ،مؤكّداً على :
ــ مرحليتها : مرحلة اتهامها ،و تبيان تابعيتها السوقية البرجوازية الرأسمالية .
ــ حتميّة زوالها : لكونها ترجمة لوعيٍّ فوقي ،تابع لواقع مادي متغيّر،فهي زوال متواصل ، وموت مستمر،وصولاً إلى الموت الأخير ،الأكيد والنهائي (المنتهى الأممي المحتوم) المُعلِن :موت الأب ـ المعاق ،في تنفيذِ قتل إرادويّ له ،بإعدام هويته المدّعاة ،بل ودفنه الماديّ كأمّة، حتى بلا مراسم التشييع ، فلا جنازة للخطيئة ،ولا كرامة لنتاجٍ زنيويٍّ عابر.
موقف يتكرر في التاريخ الألماني ،وبعد قرابة عقود ثمانية تقريباً ،مع الظاهرة النازيّة ،وهنا لن أقارب ،حتى مجرد مقاربة ،الحرب الإمبريالية الثانية ،والمعروفة بـ (الحرب العالمية الثانية ) غربيّاً ، و بـ (الحرب الوطنية العظمى) سوفتيّاً ،بل سأرصد (أوديب ـ ادولف هتلر) ،الذي لن يقل شراسة وانتقامية ،عن (أوديب ـ كارل ماركس) ،بل ويزيد عليه دموية فعليّة في حربٍ طاحنة ،غيّرت الخريطة الجيوبوليتيكية للعالم .
ففي حين بقيت عند الثاني حبيسة التفكير ،وما أنتجه من فكرٍ ايديولوجي ،حمّل الزمن مسؤولية تنفيذ إعدام الأب ـ الإعاقة ، نجد عند (هتلر) ،أنَّ عدم الإشباع الليبيدي ،المتثبت أوديبياً ،وما تبعه ونتج عنه من قصورٍ انفعاليٍّ ـ عاطفيّ ،قد أخذ منحىً ""ايجابيّاً هدَّام ""، ويا للمصادفة ـ وهي ليست مصادفة بالتأكيد ـ في تواجه الإتجاهين الأوديبيين، لذات الأوديب الألماني ،باسمين حركيين :( الشيوعية والنّازية )،لا في ثنائيّة كلاسيكية ، بل في ثنائية صراعيّة جدليّة ،بكل جملتها الدينامية ،فـ (هتلر) والإيديولوجيا النازية ـ (هتلر ليس النازي الوحيد) ـ وأخذاً بالمقولة النيتشويّة ـ التعريف ،المُمجِّدة للقوَّة ، وخاصة الذاتيّة : (القويُّ قويٌّ بنفسه) ،ترجما في أفكارهما ،وفي السلوك ،لا قتل الأب ـ الإعاقة فقط ، بل محاكمته ،ومحاسبته ، وتعذيبه ، قبل الإجهاز عليه ،هكذا تترجمت الإيجابيّة الهدّامة :
فمثلُ (الوالد ـ الإعاقة) ،العاجز المهزوم ،قوبل بالمثل القوي المنتصر (الإبن الأوديبي الرافض المتمرد)،الذي لم يُسفِّه دوره فقط ، بل ذهب إلى تعليمه كيف يكون الدّور ،وكيف يُلعَبُ ،وفي تقريظٍ احتقاري ،باستكبار متجبِرٍ منتقم ،لعدم قدرته على بلورة هويته أو صيانتها ،اندفعت الإيديولوجيا النّازية إلى أقصى ما يمكن أنْ يصله تفكير مرضي منحرف ، بتقديم مفهوم في القومية ، شوفينيٍّ ، عنصريّ ، وحتى فجٍّ كاريكاتوري ،بلا احتراف ،في اندفاعة هوجاء ،للمتعطّش في إشباعه الليبيدي ،مستنكراً على الأب المدان ،لا عجزه الإرادوي المشين فقط ،ولاهزيمته الوجودية المذلَّة فقط ، بل وجوده ـ الأساس عديم الجدوى بحضوره ،والعبء في استحضاره ،وبالتالي فالتخلص منه ،مبرر أخلاقياً ،ولعله في ""التلفيفة المخيّة تلك "" يكمن الإجرام النازي الذي استهدف المعاقين ،وخاصة العقليين منهم ،مما تعافه وتستنكره النفوس السويّة ، وتحاربه العقول القويمة .
ولنعد من محاولة التحليل النفسي لأعلام ،في المديح والمذمّة ،في محكامتهم ،أخلاقياً أوقانونياً ، في صلاحيتنا أو عدمها . ومن محاولة الرؤية المراجِعة ـ الإسترجاعية لسيرة أشخاص ،وإيديولوجيات ،وحوادث كبرى وحروب زلازل ، ولنعد إلى طرح السؤال :
هذا الثالوث الألماني : (ماركس ، ميركل ، شتاين بروك ) ،هل هو محض مصادفة ؟ والذي لم أتردد بإجابة نفيٍ فورية لمحضيّة المصادفة ، معلِّلاً بما استطعتُه من استعانة بمدارس علم نفس متداولة ،وطبٍّ نفسي ممارَس ، لأصل إلى ردٍّ ينفي المصادفة ، ويقرر الظاهرة ، فالمصادفة يتيمة ، والظاهرة تكرار ، وإن بتمظهرات مختلفة ، لكنّها في جوهرها واحدة ،دينامية ،فاعلة في الظرف المكاني والزماني ،مستجيبة لمتطلباته ، لا منفعلة بها فقط ، ولئن كان موقف المستشارة (ميركل) يمكن رده إلى شبابها الشيوعي ،كألمانيّة شرقيّة سابقة ، مع قبول مرجعيٍّ تعسّفيٍّ ، فموقف وزير ماليتها ،الألماني الغربي السابق ،الذي لم يعش تاريخ الحزب الشيوعي ،ولا قيادة الرفاق الحمر ، إلى أيّة مرجعيّة تحليلية تاريخيّة ،يمكنُ رده ؟!! هذا أولاً .
وثانياً : كل العالم متأذٍّ من السياسة الإقتصادية الأمريكية ، فلماذا كان للصوت الألماني نبرته الإحتجاجية خارج السرب المدجّن ، ومفردته الإتهاميّة الواضحة ،بلا تردد ولا استحياء ،في مطالبتة المسؤول ( ـ الأمريكي ـ ) عن الكارثة :
أن يتحمّل مسؤوليته ، بل وأن يقبل بتقويض أسس أحادية قيادته ، و تسلُّط مركزيتة الدكتاتورية على القرار الإقتصادي الدولي .
أهو (الأنا الألماني الجمعيّة ) ؟ أم هو ( أوديب الألماني ) المقهورالغاضب ، يقتل اباه مرّة أخرى ؟ !! على الأقل بالحد الممكن .
داسك سيريا

الأحد، 28 سبتمبر 2008

تمزق موقف مواطن حرّ ،بين واقع حكم الضرورة وحلم العيش الكريم - الإجرام وثقافة الردّة /رأي/ بقلم الدكتور منـير القـوي :

1- تمزق موقف مواطن حرّ ،بين واقع حكم الضرورة وحلم العيش الكريم :
بعد إعادة لقراءة المقال المكتوب بمداد لحظة الصدمة ،للفعل الإجرامي ـ الفجيعة ،للقتل العبثي الأعمى ،لكل ذلك الحقد ،وتلك الضغينة ،صهيونيّة كانت ،أمريكيّة ثبتت ،أو من فعل بعض الزعانف التُّبع المرتزقة ،منبوذي وطرداء أهل الدّار،لا على سياسة سورية فقط ،ولا على العروبة الحقّة ،عبر سورية فقط ،،ولا على قيادة سورية فقط ،بل بالإضافة لكل ما سبق ،وكله جلي،عداءٌ ،ووجهٌ جديد ـ قديم للمعركة المفتوحة على الوجود الجيوبوليتيكي لسورية العربية ،في محاولة استنزاف لطاقتها ،وتشويهٍ للحمة بناء مجتمعها ،وإضعاف لقوة مقاتلها ،وزرع القلق ومشاعر الخوف في التطلع المستقبليِّ لمواطنها ، و إنني لأجزم أنّه :
ــ ليس من مواطن ،متحضِّر آمن ،يفخر بنص عقوبة الإعدام في قانونه ،ولا يسعده قانون استثنائي ،أومحكمة استثنائية ،أو أحكام استثنائيّة ،أو ظروف استثنائية .
ــ وليس من حاكمٍ عاقل ،أوحكمٍ رشيد متحضِّر،يسعده أن تكون عقوبة الإعدام من أحكامه ،أو السجون من وسائله ، أو التعامل مع المجرم من اختصاصاته ،أو أن تكون ملاحقة الإجرام من مهماته .
ــ وأنَّهما الإثنان ،المواطنَaن ،المحكوم والحاكم ،والحاكم قبل المحكوم ،لايسعدهما ،وليس من طموحهما ،ممارسة حياة ركيزتها قلق على أمن وطن ومجتمع ،يسمم الهدوء ،ويغتال الطمأنينة ،ويزرع الرعب ، ويجعل من المواطن المحكوم مشروع ضحية عنف تخريبيٍّ أعمى ،مقيّد المطلب والوسيلة ،مختاراً بالضرورة ـ وبعقلانية مطلق إنسان ـ حفظ الوجود شرطاً لازماً لممارسة كل حياة ،ومن المواطن الحاكم المسؤول ،رجل أمْنٍ بأولويّة ، فيصبح كل مشروع ديمقراطي معلق بشرط الأمن الوطني والمجتمعي ،وكلّ مطالبة بحياة ديمقراطية كاملة ،موضع شبهة ،خاصة إذا جاءت في لحظة حرجة كاللحظة التي نعيشها ،وفي هوجة الصراخ (الديمقراطي) الزائف المضلِّل ،لآلة الإعلام الأمريكي ، وتوابعه ،وأدواته ،من إعلام البترودولار ،وكتبة المارينز العربان ،ومعسكر "الإعتدال" بقفل ومفتاح أمريكيين ،وانتهازيي الموقف السياسي ،الباحثين عن دور ،ولو رقصاً على جثة العرب ،أو في أحتفالات انتهاك أعراض أمهاتهم، وأخواتهم ،في أعراس شلالات دم عروبتهم وشرفها المداس بالقدم اليانكية ـ الصهيونية ـ التُّبعة المرتزقة ،في فلسطين ولبنان ،في العراق والصومال والسودان ، إنّها لمن أصعب لحظات خيارات الإنسان (وطن ومواطن ،محكوم وحاكم) :
طموحٌ بحياة كريمة ديمقراطية حقّة ،وواقع ضرورة مفروضة تهدد أمن الوجود ،ومع كل سديمية اللحظة وحلكة أفقها ،فالجهد مطلوب لجعل الأحلام حقائق ، بنفس القدر من التفهم المطلوب لضرورة اللحظة واستيعاب مفاعيلها ،والتعامل مع الواقع بمسؤولية وإيجابية ،وبثقة بين المواطنّين ، المحكوم والحاكم ، فكلاهما مستهدف في الحالة العربية السورية ،وكلاهما في ذات المركب ،والعواصف عدوانيّة عاتية ،وكل ما حصل حتى الآن ،لا يعدو النذر والبدايات المنبآت ،ففي الأفق سواد سديم ،فالوحش الرأسمالي الكاسر جريح ،وقد اعتادت أمتنا على دفع الثمن ، ودائماً بلا حق ، ونكبة العرب في فلسطين شاهد ، والتمزيق ـ التقسيم السايكسيكوي لأمة العرب ووطنها شاهد ، والتصريحات العلنية لإدارة المحافظين الجدد ،ومؤدلجيها ،وساستها ،حول خرائط ،ومشاريع ،لمنطقتنا شاهد .
وهكذا فجريمة التفجير ـ المجزرة على طريق المطار،ليست الأولى ،ولن تكون الأخيرة - نعلم ذلك - والعربي السوري مستعد للتضحية ، ولن يبدل تبديلا .
فإلى المقال ـ الرأي :
2- الإجرام وثقافة الردّة /رأي/:
لو كان هدف التفجير الإجرامي زعزعة الأمن فقط :
لكان للسيارة المجرمة كل تجمع مأهول هدف ، أيّ شارع ،أي حيّ ،أيّ مدرسة أو سوق أو جامعة ، وربّما كان عدد الضحايا أكبر .
لوكان هدف التفجير الهمجيّ إصابة أجهزة السلطة فقط :
لكان اختيار مخفر شرطة ،أو مركزٍ أمني ،أو تجمع عساكر صباحي ،في طريقه إلى عمله ،حقق للمجرم إصابات نوعيّة منتقاة ،وربّما بعدد ضحايا أكبر ، وجريمة مدرسة المدفعية بحلب ،أخدوداً في ذاكرة سورية العربية .
لوكان الهدف من التفجير القذر أمن المسافر فقط ،وتهديد الذين طرقوا أبواب دمشق ،فقط ، بحثاً عن حلول لما زرعته السياسات التدخلية العدوانيّة اليانكية ،من نظريات " العمه الهدّام " ، لا "الفوضى الخلاّقة" كما ادّعوا ،فليس في قاموس إجرامهم مفردة "خلاّقة" ولا "خلاّق" : لكان بإمكان السيارة القاتلة أن تنفجر على باب صالة القادمين ،في مطار دمشق الدولي مثلاً.
بالطبع ،لا أعمل هنا مُحَذِّراً للأمن من استهدافات محتملة للإجرام ـ فلست بين ظهرانيي المجرمين ـ ولا مرشداً للمجرم إلى أهداف ممكنة ، فكلاهما (الأمن والمجرم ) له استراتيجياته ، ومفاهيمه ، وخططه ،ووسائله ،بالتأكيد ،المتعاكسة كلياً ،في الحالات : مثالية المنطق ،دقيقة التطبيق .
لكن اختيار الموقع : (طريق المطار ـ مفرق السيدة زينب) ،فبالإضافة إلى كل الأهداف السابقة وغيرها مما لا مجال لحصره ،فإنّه يتمتع بميزة مزدوجة :
الأولى :
إعلانية صاخبة ،فالتفجير في وسط مزدحم ، على طريق دولي ، وبالتالي فالحادث الإجرامي يتحدّث عن نفسه مباشرة ،ويفعل مفاعيله ، دون إعطاء فرصة لرأي آخر ، صحفي ،أو أمني ،أو سواهما ، بمعنى أنَّ الضجّة الإعلاميّة متحققة في لحظة صدمة لا تترك مجالاً لتحليلٍ أو اجتهاد ، وبالتأكيد فهذه الميّزة مقصودة ومرسومة باختيار الموقع ـ البث المباشر ، لمسرح الدم المقزز ،وجريمة البرابرة المأجورين .
الثانية :
اسم الموقع ،( مفرق السيدة زينب ) ،وأحسب أنّه هنا يتمركز الهدف ـ الضجيج وتوظيفاته التي لن تتأخر ، بكل حقد الشحن الطائفي ، وثقافات الوريقات الصفراء الساقطة ،نتاج تهافت الإنتاج الفكري لعصور الإنحطاط ، الملتقطة من قبل مراكز دراسات ،وتصميم ،مخططات تمزيق ،وتهشيم مقوّمات قيامة أمّة العرب ،ليس ذلك فقط ،بل القضاء كليّاً على أسس وجودها ، بإنكار كلّ خلاّق في حضارتها وحضورها ،وتقديمها :
عصابات قتلة ، ومتعطشو دم ، وحملة راية عنف سفّاكة (بن لادنية ) ،تصدّق منطوقها ممارسة عقوبة ضرب الأعناق الهمجيّة ،في مملكة( قطع الرقاب) الوهابيّة ،لصاحبها كارتل شركات النفط الأمريكية .
نعم هكذا ستتدحرج كرة الضجيج الإعلامية ،غرضيّة الهدف ،( مفرق السيدة زينب ) ،(السيدة زينب )،(رمزية الإسم )،نبش ألوان السواد من تاريخ أمّة العرب ،ومن عثرات مسيرة الإسلام والمسلمين : التناحر الطائفي "لا" الإسلامي ، الشيعة ، التشيّع ، السنّة ،الجمهور ،الإحتجاج ، الصراع ،وفي دمشق ؟!!! ـ وإنني إذْ أورد المفردات السابقة ،فليس إلاّ على سبيل السردية التاريخية الدلالية ،مع التأكيد على المعنى السياسي ـ بتحديد المعنى ـ فليس من ثقافتي القوميّة، ولا من انتمائي لعروبتي الحضارية ،مايمكنني من قبول المعاني المفاهيمية : الشعبويّة التعبويّة ،المعطاة للمفردات السابقة بغرضيّة منحطّة الأهداف ، مباعة الضمير ،موظّفة البندقية ،منذ دخول بعض الناطقين بلسان الضاد ،أجراء ،وكلاء ،وعملاء في النظام (الإقليمي اللاعربي ـ السايكسبيكوي ـ البلفوري ـ الصهيوني) .
وإذاً وليكن واضحاً :
إنَّ وصفة تفجير مقامي (الإمامين العسكريين ـ "ص" ـ ) في سامرّاء العراق ،لا مجال لصرفها في سورية ، حتى لو طال التفجير المجرم مقام (السيّدة زينب ـ "ص") بالذات ، فعلى المجتمع العربي السوري ،مارست عصابات الإجرام المتلحفة الإسلام زوراً ،مجازر مدرسة المدفعية ، وقتل العلماء ، والأطباء ،وأساتذة الجامعات ، والضباط ، وحتى الزبّالين ،أهداف حيّة للمتدربين على الإجرام .
وماذا كانت النتيجة ؟
هزيمة شنعاء للفكر التكفيري المجرم ، نعم دفعت سورية من دمها ، واقتصادها ، وأمنها ، وحريّة أبنائها ،وحتى من عصرية بنيتها الدستورية والقانونية ، والنتائج ما زالت قائمة بيّنة ،وسورية تعرف ،وتؤمن ،وتحفظ :( وما نيل المطالب بالتمني..... ) وأنَّ الأمن القومي والوطني ،والقومي قبل الوطني ، والأمان والسلم الإجتماعيين ، لم ،ولا ،ولن يكون كل ذلك هديّة ،ولا صدقة ، ولا تسوُّلاً ولا مجّان ،واليوم يعيدون الكرّة ،أداة عمالة مجرمة ، ويد تآمرٍ مأجور ، اليوم يكتبون بمداد دم الأبرياء ،بيانهم العملياتي ، فأقلام منظريهم مستنفرة ،منفّرة ،في الركب الأمريكي المحافظ التوسعي المتوحش ، منذ سنوات ، مع نفثة أباليسية شيطانية في إعلام البترودولار ، والمأجور له ،في الأسابيع الأخيرة .
وإنّها لأقذر المعارك تلك التي تُفرض على سورية العرب ، وعلى ما يبدو يا أمّة العرب :أنَّ قدر سورية أن تكون مصد الرياح الصفراء ، وما تنكّر حرّ يوماً لواجب ،ولا ركع أمام قدر ،وتلك حال سورية العرب ،وقدرها ، وإلاّ ما كانت ، وبدونه لن تكون ، وسيهزم المجرمون ،خاسئين ، وسيتحمل العربي في سورية ضريبة الدم ، أوليس ذلك قدره ؟
أليس ذلك تاريخه ؟

السبت، 20 سبتمبر 2008

مقال:خريف البوشية ،لا رحيل بوش - بقلم: د.منير القوي

(قراءة أخرى ،لانمطيّة) :
أزمة مصالح فوق ـ امبراطورية، تقودها ايديولوجيا رجعية :
لن أناقش المؤهلات الشخصية للرئيس (بوش الإبن) ،بل أجد في ذلك اختطاف للحظة ـ الرؤية إلى مسار عقيم ، فغباء الرئيس ـ وقد أفاض الكثيرون من مباشري كتابة الحدث ورصده في وصفه ـ لا يمثل شيئاً ، ولو كان نابغة ،لما اختلف الأمر، فصناعة الرئيس الأمريكي ـ وأشدّدُ على صناعة ـ هي تفصيل على المقاس لهدف مرحلي ،في سياق تنفيذ المشروع الأمريكي ، والذي سميّ ( مشروع من أجل قرن أمريكي جديد )، فالقرن الماضي يرونه أمريكياً أيضاً خاصة بالإنتصار الأمريكي على النازي ،والفاشي ،وختاماً على امبراطورية الشّر السوفيتية ،وفق التسميّة الشهيرة التي أطلقها الرئيس الأمريكي السابق ( رونالد ريغن ) على الإتحاد السوفيتي السابق :
ولنعد للتاريخ القريب القريب ،ففي 03/06/1997 أعلن ما أصبح يعرفون بـ (المحافظين الجدد) برنامجهم المرحلي ،الذي هو بالذات ،المشروع أعلاه ،وأنشؤوا مركز دراسة ( معهد أمريكان انتربرايز) لتحديد الأدوات ،وحشد الإمكانيات المتوفرة ،خاصة بعد انفراد الولايات المتحدة ،بقرار دكتاتوري كوني ،وفرته لها الأحادية القطبية ،منذ نهاية ثمانينيات القرن المنصرم ، بل ربما قبل ذلك بقليل ،منذ الرئاسة الثانية للرئيس الأمريكي ( رونالد ريغن ) ،وبداية ترنّح الإتحاد السوفيتي ،قبل تفككه ،مكرساً الإنتصار الغربي ،الأمريكي ـ الأطلسي ،في الحرب الباردة ،بزعامة مطلقة أمريكية ،بعد قيادة الولايات المتحدة ،ولقرابة نصف قرن ،لمعسكرها الأمريكي ـ الأطلسي ـ وتوابعه وحواشيه ،في تلك الحرب الطويلة ،على امتداد قارات المعمورة ، بحارها وبرّها ، وفضائها الكوني كذلك .
لقد أصبح المركز أعلاه ( معهد أمريكان انتربرايز) ،نقطة استقطاب لمجموعة من الإيديولوجيين الرجعيين العتاة ،متعددي المشارب ،لكنّهم الممثلين ،بآن ، لرؤية أصحاب المصالح في المشروع الأمريكي ،في لحظة انفراده بموقع دكتاتورية القرارالكوني ،ومركزية قطبيته الأحادية في السياسات العالمية ،لم يفوّت هؤلاء ـ ببراغماتية انتهازية ـ التقاط اللحظة السانحة لإطلاق برنامج رؤيوي ،يعتمد :
1 ـ استثمار نتائج الإنتصارات ،التي تحققت أثناء سنوات الحرب الباردة ،وخاصة بانتهائها محسومة لصالح الرؤية السياسية الأمريكية للعالم .
٢ـ التأكيد على تدعيم المشروع المنتصر ،باستمرار الإرادة، وتقويتها ،وتصعيد أدوات تنفيذها ،بما يتفق والمصلحة الأمريكية ،والحلم الأمريكي ،ونموذج الحضارة الأمريكية ، بالمختصر :
أمركة العالم ، لاعولمته فقط ، وحسم المعركة نهائياً ، وربّما تأكيد النظرية السابقة :( نهاية التاريخ )" لفوكوياما "،ليصبح الكون سيرة ذاتية لرأسمالية انتصرت ،وحلم أمريكي تحقق ،ولم يبقى من حدثٍ مهمٍ ،إلاّ مناسبة الإحتفال بعيد ميلاده السعيد .
من أين جاء هؤلاء ،ومن هم هؤلاء، الذين أصبحوا يعرفون بالليبراليين الجدد ؟ إنّ الولايات المتحدة التي قامت ـ ديمغرافياً ـ على الغازي الأوروبي الأبيض ،لتدخل معه ،فيما بعد فى صراعٍ ،كرسها كياناً مستقلاً تحت اسم (العالم الجديد) ،في تسمية ـ تعريف ـ نبوءة، وفي تمايزٍ قاطعٍ مع (العالم القديم ) !! باعتماد عزلتها ،فلسفة وجود ،مع ما عُرف بعقيدة (مونرو) منذ عام 1854 ،لتسقط ،كمبدأ ، بالتدخل الأمريكي في الحرب الإمبريالية الأولى ( الحرب العالمية الأولى )عام 1916 ،مع بداية وراثة متدرجة ،متنامية، للإمبراطوريات الإستعمارية ( البيضاء) القديمة ، وراثة لن تقتصرعلى مواقع النفوذ ،ومواقع القرار ، بل ثقافية أيضاً ، أفكار وتاريخ ، تبني أو رفض ،مما سيظهر إقصائياً ، تطهيرياً ،مع المكارثية المعادية للشيوعيّة في خمسينيات القرن الماضي ،بعقلية محاكم التفتيش ،الموروثة أيضاً :
ففلسفة الأمريكي اليهودي ـ المهاجر الألماني ـ (ليو شتراوس) ،صاحب التوليفة "" الفلسفية ـ الإيديولوجية "" المعاصرة ،بين الفلسفة المحافظة لـ (ادموند بيرك) (1729ـ 1797) ،الإيرلندي ،عدوّ الثورة الفرنسية ،وتلك الليبرالية لـ (جون ستيوارت ميل ) (1806ـ 1873) ،مع ميل نقديٍّ سلبي للعقلانيّة الديكارتيّة ،والمثاليّة الهيغليّة ،والماديّة الماركسيّة ،من موقف نيتشوي ،وثقافة فلسفة هايدغريّة ،يجعلها توليفة تتموضع في نسق أفلاطوني سياسي ،في تضاد مع الفكر السياسي الماكيافيلي ،وتيارات البراغماتية الحداثوية ،بإسقاط ظاهري لمبدأ النفعيّة ،وتبرير الوسائل ،لمصلحة شعار ايديولوجي عصري، تتضمّنه صياغة :( غاية المشروع الأمريكي الرسالي ،والوضوح الأخلاقي فيه) ،بما ينسجم والديمقراطية الليبرالية ،هدف الدور الأمريكي المعلن ،في كل تمظهرات السياسة التدخليّة، للإدارة الأمريكية البوشية ـ التشينية ،وتبريرات حروبها العدوانية المشتعلة ،ليأتي شارحاً لها ومؤطِّراً ،اليهودي الآخر ، الروسي المهاجر إلى (إسرائيل) : (ناتان شارانسكي) في كتابه ( قضيّة من أجل الديمقراطية ) عام ( 2004 )،والذي سيتخذ منه الرئيس الأمريكي (جورج.و. بوش) وفريقه (ديك تشيني ،دونالد رامسفيلد ،لويس ليبي ،آبرامز ، زلماي خليل زاد ،جون بولتون ) انجيلاً سياسياً ،براديكالية يعاقبة الثورة الفرنسية ، وبتقديس مبدأ الإشتراكية عند تيارات اليسار المختلفة ، إلاّ عليه ( المبدأ الإشتراكي )، أمّا المحتوى فموضوع آخر .
على أنّ مِن بعض مَن استقطبهم المركز ،قد جاء من مشارب ثقافية ،فلسفية ،وايديولوجية ،متنوعة ،(بيرل ،فايث ،وولفوفيتز :من الوسط التروتسكي) ، لكنّها كلّها من الموروث الأوروبي ، وتجمع أصحابها إلى سابقيهم نزعة الميل التفوقيّة للإنسان السوبرمان الأبيض ،الذي يقود الإنسانية التي يحتكرتعريفها ،يفصلها على قياس طموحاته ،مصالحه ونموذجه ، مبادئه ورؤيويته ،ويخوض معاركه ،لا الفكرية فقط ،بل والحروب أيضاً ، ضارباً عرض الحائط بالآخر ،بكل منظومة وجوده المادية والقيميّة ،بل وممارساً عليه سياسة إلغاء ،متدرجةً ،من إقصاءٍ وتهميش بوسائل النفي الإيديولوجيّة ـ البرواباغاندية : الإحتقار ،التسفيه ،التشييء، الشيطنة ،التجاهل المتعمّد لحاجاته ،حتى الأساسية منها : صحة ،تعليم ،غذاء ، وإلى إلغائه المادي بقوة النار والبارود ،بما توفره آلة الدمار الأمريكية المرعبة .
هكذا جاء 11 أيلول 2001 ـ ودون الدخول في حيثيات حدوثه ، على يد القاعدة ،حسب الرواية الرسمية ؟، مدبّر حسب المشككين (أصحاب نظرية المؤامرة )؟، وهم كُثُرفي العالم ، وفي الولايات المتحدة نفسها ـ ليوفر الأرضية المثلى ،واللحظة المؤاتية ،للوضع الناشط لمشروعهم في التطبيق ،لإعادة رسم الخريطة الجيوبوليتيكية للعالم، كل العالم ،والذي بدؤوه عملياً ،بتسلمهم المراكز ـ المفاتيح في إدارة الرئيس الأمريكي ( جورج .و.بوش ) عام 2000 ،فبدأت حملة إعلامية تسونامية ،ضد الإرهاب العالمي ،هكذا ،ضدّ منابعه ودينه (صار له دين !! وتحديداً :الإسلام !! حليف الأمس في الحرب المقدسة ضد الملاحدة الشيوعيين !!) ،وضد الأنظمة الراعية له والداعمة ،في (الدول المارقة) ،الشمولية ،الدكتاتورية ،حتى المعروفة تاريخياً ،بالولاء لأمريكا ،قيادة وانقياداً ،بل وتنصيباً ، ولكنّها ضرورة التسويق الإيديولوجي للديمقراطية ـ الذريعة ،والليبرالية الإقتصادية ،وعولمة الحضارة ،بل أمركتها(وهل توجد عولمة أخرى لا أمريكية ؟) ،وبكل أبعادها الثقافية :الفكرية ،الفنية ،الموسيقية ،وحتى اللباس وقصة الشعر وتسريحته ،ووجبة الـ (هامبرغر) السريعة ،وبدأ حشد الأعوان والمتعاطفين مع أمريكا ـ الجريحة المغدورة ،المستهدَفَة بالإجرام المنظم ،والإرهاب الإسلاموي ،ثم الإسلامي ،في تموضعها ضحيّةً أمام الحس الإنساني ،والرأي العام العالمي ،في نسجٍ على منوال الدعاية الصهيونية المجرَّب بفعاليّةٍ ،في دعاوى المحرقة(الهولوكوست) ،والضحية اليهودي الأبدي ،.... إلخ.... من الإسطوانة المعروفة ، وبدأت تظهر شعارات قديمة :( الحرب الصليبية !!،من فم الرئيس بوش ) وجديدة : (الإسلام الفاشي !! ومن فمه أيضاً ) ، أخفيت إرادة السيطرة على البترول ،ومنابع الطاقة ،وقراراتها المتخذة ، إرادة السيطرة على سياسات العالم ،ومخططاتها الجاهزة في المعهد إياه :( معهد أمريكان انتربرايز) ،وحتى تمددات ـ ما أصبح معلناً ـ : المجال الحيوي للمصالح الأمريكية كان توقعاً واستقراءً حتى ذلك الحين ، إذْ غلبت على الموجة الغوبلزية ( نسبة لغوبلز ،وزير الدعاية النازي ) ألوان محتوى : ( غاية المشروع الأمريكي الرسالي ،والوضوح الأخلاقي فيه) ،فكان التدشين باحتلال أفغانستان ،وإسقاط حكم الطالبان ،وتشتيت القاعدة التي يحتضنها ،وهوهدف بحدِّ ذاته ،ولكنّهُ المعلن فقط ، أمّا المضمر فهو وضع اليد الأمريكية على نفط آسيا الوسطى،في الجمهوريات السوفيتية السابقة ،وحقول بحر قزوين ،وحوضه ،بما فيه الإيراني في مرحلة لاحقة من حرب مفتوحةٍ ،مبرمجة ،ليس ذلك فحسب ،بل ضعضعة نواة الإتحاد السوفيتي السابق (روسيا الإتحادية )،الغارقة أنذاك في حربها الشيشانيّة ،والتي اضطرت صاغرة لقبول كل ذلك ،وفوق ذلك قدّمت أجواءها ـ مفتوحةً ـ للطيران الأطلسي ،وقواعدهاـ لوجستياًـ لقواته الغازية، المحتلة ،لأفغانستان !! ، أقل من سنتين ،بعد ذلك التاريخ ،وتغزوالولايات المتحدة العراق عام ( 2003 ) لتحريره من ( الطاغية) وأسلحة (الدمار الشامل) التي يمتلكها ،والتي تهدد الأمن الدولي، والسلام العالمي ،واستجابة لطلب (أحرار العراق)،حملة شرسة من الأكاذيب ،التي أصبحت معروفة ،ومع ذلك لم تنجح الولايات المتحدة في انتزاع تفويض دولي بالحرب على العراق ،بل على العكس ،وقفت شوارع عواصم العالم وحواضره ضدّها ،فلم تبالي ،وغزت العراق واحتلته ،وأعلنت نصرها المؤزر في أيام ، واحتفلت به ،مؤكدة انتهاء الحرب رسمياً ،على لسان القائد الأعلى للجيوش الأمريكية ، الرئيس الأمريكي : جورج.و.بوش ،من على حاملة الطائرات الأمريكية ( اوكلاهوما ) ،ثم لتبدأ معاناة الواقع بعد نشوة نصر عابرة ،حققته حفنة من المغامرين الإيديولوجيين ،في ظرف اجتمعت فيه أسباب تحققه :
1ـ قوة المعتدي الساحقة ،وإرادته المصممة على بلوغ الهدف ،في إطار المخطط المرسوم للمشروع الهمايوني الآمريكي .
2ـ ترنّح وضعف الهدف المراد ،بما لا يقاس ،بالمقارنة مع قوة الأول .
3ـ تسنم المعتدي قمة القرار الدولي ،بدكتاتورية كونية ،وقطبية أحادية بلا منازع.
4ـ آلة إعلامية جبّارة بيد المعتدي ، (بثوب الضحية) ،وخاصة امتلاك قرار توجيهها ،وإظهار وجه الحدث ،بالشكل الذي يخدم مشروع الغزوِ وأصحابه ،ومسرح عالمي معدّ .
5ـ انتماء الأمريكي للحضارة المهيمِنة ، والعراق وأفغانستان لإيديولوجيا أصبحت توصف ،وبالفم الملآن ، بالعنفية ،والإرهابية ،والفاشية ، والخطرة على الحضارة والإنسانية ،لكأن العراق وأفغانستان بشر بدائيون ،ومن ساكني الكهوف!!
6ـ الإستغلال العاطفي لجريمة الحادي عشر من أيلول ،وتوظيفها ايديولوجياً ،واستثمارها شعبوياً ، وحتى عنصرياً بالحض على كراهية معتنقي دين بعينه ،فيما صار يعرف لاحقاً بالـ (اسلاموفوبيا : رهاب الإسلام) .
تلك الحرب الأمريكية ،المتعددة الألوان والذرائع والأهداف ،وضعت الإيديولوجيا النيوليبرالية (اليمينية ـ اليسارية ) ،الهجينة والراديكالية ، بمواجهة الواقع الذي لم يُتعب منظروها النفس ،حتى في محاولة دراسته ،فهو هامشي ،من عالم محيطي هامشي ، من تارخ انقطعت سيرورته ، وإنْ لم تكن ،فهو، وعلى الأكثر ،في تموضع انكفائي يجترُّ الماضي ، إنْ لم يكن في سياق عملية انحلال وتفكك ،تحيله إلى متاحف الإنتربيولوجيا ،في حلقة خَرِقة ، لا تنتمي لروح العصر وحضارته ،حكم قطعي ايديولوجي ،مُسبَق ومُبرَم ، جعل أصحابه يصطدمون بالواقع الذي لا يفهمون ،والأهم بالتاريخ الذي ينفون ولا يعبّرون ،أخطاءٌ راكمتها الإدارة الأمريكية بمجلسها من "" المحافظين الجدد"" المتطرفين ،وبدأت الرؤوس تتدحرج ،فلم يبق منهم في إدارة (جورج.و.بوش ) الثانية ،بعد سنوات خمسة على لإحتلال الأمريكي للعراق ،إلاّ (ديك تشيني ) ،نائب الرئيس ، و(اليوت ابرامز) مسؤول منطقة (الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي الأمريكي) ،فماذا يعني ذلك ؟
ــ هل فشل المشروع الأمريكي ؟ والجواب ببساطة : إن غزو العراق واحتلاله ،واحتلال أفغانستان قبله ،هما صفحة في المشروع الأمريكي الهمايوني "فوق ـ الإمبراطوري" ،فلا يمكن الحكم ـ إلاّ رغبوياً ـ على مشروع توسعي،عمره قرن من الزمان ،بمعاينة صفحة من سفره ،أو خطوة تنفيذية من مخططه ،سواء نجحت أو فشلت ،فكم من الأقلام قد تبارت في الحكم عليه : بالعجز والترهل والهزيمة الماحقة النهائية ،بعد الخروج الأمريكي المذِّل من فيتنام في بداية سبعينيات القرن العشرين ؟ فأين نحن من تلك الأحكام وأمنيات محلليها ؟ بل من واقع العلاقات الوثيقة جداً بين عدوي الأمس ؟!!
ــ هل الخطوة العدوانية الأمريكية الإحتلالية فشلت ،أو بدأت بوادر فشلها ؟ والجواب ببساطة بـ ("نعم" أو "لا") ،يسطّح المسألة ،ويجعل جديّة الجواب موضع تساؤل ،لصدوره عن موقف ارادوي ،وانتماء إيديولوجيٍّ رغبوي ،ولاعلمي ،يتعارض مع الواقع المضطرب البوصلات ،لا البوصلة الواحدة ، ويصادر مسارات المستقبل في قوالب جاهزة ،فإذا كان المقياس هو الإحتلال وتدمير الهدف ؟ فالجواب واضح ،وإذا كان المعيار الإستيلاء على منابع النفط العراقي ،بحصرية أمريكية ،وتمكين السيطرة على نفط الجوار ؟ فالجواب أوضح ،وإذا كان دعاوى نشر الديمقراطية ،ومحاربة الدكتاتورية ،والأنظمة (المارقة) ومحور (الشّر)،وتكريس القيم العصرية ،وبناء دولة المواطنة ،فالفشل مريع ، ولم يكن كل ذلك هدفاً للمحافظين الجدد ،بل ربّما هدفهم هو العكس تماماً ،بتجزئة المجزأ ،وتفكيك المركب ،وتمزيق الملون إلى مفردته البسيطة ،تسهيلا لاستعمالٍ أكثر مطواعية ،وأنجع مردودية ،وهو ماتقرُّه وتقرره وتشهد على مساره نتائج واقع ملموس ، وإذاً فالأجوبة ،لا أحادية الجواب ،برسم المستقبل ،لتعدد العوامل والمؤثرات ،المحليّة والإقليميّة والدولية ، وتدخّل وتداخل المتغيّرات ـ التشابكات ـ الإشتباكات ،وموازين القوى بكل المفردات ، والمصالح المتلاقية ،أو المتقاطعة ،أو المتناقضة ،وما يعتور دينامياتها من تغيّراتٍ واصطفافات.
ولكن تبقى حقيقتان :
ــ الأولى :
أنّ كل خطوة بحجم القرار الأمريكي ،هو إضافة للفعل المؤثر في مسار ومآل حركية التاريخ ،وتطور الحضارة ،وحتى الخطوة الخاطئة ،هي إضافة خاطئة ،تأخذ مكانها وتفعل فعلها ،لأنه لا يمكن استرجاعها للتصحيح والتنقيح ،فهنا لا مجال للإعادة إلى المختبر ،فما وقع قد وقع ،وأصبح من التاريخ ، ولئن كان يستطاع فعل شيء ،فعلى النتيجة ،لا على سببها .
ــ الثانية :
وهنا لا يصدر القول عن موقف ايديولوجي ،ولست مبرّئاً النفس من لوثته بالمطلق ،إنّما القول هنا يرتكز على رصد تاريخيٍّ للإيديولوجيا ،باعثاً ومساراً ،أدواتاً ومآل ـ مصير :
إنَّ أيديولوجيا المحافظين الجدد ،بدأت تظهر ازدواجية لغتها ،وذاتية أنانية ،متورمة بأنا مستعلية ،مستغرقة في تقديس إيكوي ،حتى حدود تصديق ترهاتها واختلاقاتها الدعوية الذرائعية ،بل وأهلاس بعض منظرين ،يفصلون الكون وصراعات البشرية الأزلية ،من فوق مكاتب إحصاء موجهة ،بمعايير وروائز انتقائية ،واستنتاجات تحليلات ،في المعظم من منطقها مصالح ذاتية ،ومهام وظيفية ،وفوق ذلك صناعة ذهنية مبرمجة : صناعة ( كائنٍ ـ إنسانٍ ) مبرمج لوظيفة دعوية ـ دعائية ،لمنتجٍ استهلاكي ،كما لحرب نووية ، باطنية تذكّر بايديولوجيات شرقية ،أصبحت من صفرصفحات التاريخ ،ولكن ،هنا ،بسرعة قياسية ،بحكم تكنولوجيات عصر السرعة وكفاءة أدائها ، وليس ذلك فحسب ،فقد انكشف مقدار النفاق في تدرج تطور شعارها ـ الرسالي الخلاصي ،وحججها ـ الأكاذيب ،حتى المعادة بلا حياء .
وإذاً:
لن يكون لتلك الإيديولوجيا أكثر من وظيفتها المرحلية ،مهما أصرّ أصحابها على إطلاقيتها ،وانطلاقها فلسفة خلاصية ،ونظريّة كاملة التكوين ، فقد سبقتها ،ومنذ فجر المجتمع الإنساني نظريّات إيديولوجية ، وضعية وسواها ، أخذت أدوارها ، وأنتجت مفاعيلها ،سادت أم بادت ،فقد التزمت حيّزاً في مرحلة ما ،في مكان ما ،ودوراً ، سواء انقضى لعجزها عن قسر واقع ،بكل مكوناته ،وميكانيزمات ديمومته ،لمنطوقها ،فسقطت أمامه وفيه ،لمصلحة أخرى صاعدة ،أم يحافظ على استمراريةٍ ،باستجابةٍ تطوريةٍ ديناميةِ التغير ،لتحولات الواقع ومستجدات إضافات حاجاته المتجددة ؟
وعلى ما يبدو فإنَّ ايديولوجيا المحافظين الجدد ليست من الصنف الأخير .
تبقى الكلمة الأخيرة للمستقبل ، وربّما لن تتأخر كثيراً ( ؟ ؟ ؟ !!! ) . داسك سيريا

جمعيّات بلا حدود: الجمعيّات ـ المؤسسات المشبوهة المشتبهة ...مؤسسة روبير مينار مراسلون بلا حدود مثلاً ( 1) :

( 1 )
بقلم الدكتور منير وسـّوف القوي - باريس

تناقلت وكالات الأنباء الخبر التالي : منعت السلطات السورية دخول الصحفي الفرنسي (روبير مينار) من دخول الأراضي السورية ، وزادت : لقد انتظر لساعات ليتلقى الردّ القاطع ، أنّه ممنوع من دخول سورية ، لا لهذه المرّة فقط ، بل دائماً ،و نهائياً ، انتهى الخبر . وخرج مينار ،كعادته ، يصرّخ ،لا يصرّح ، وبطريقته العصابيّة المعروفة : أنّ النظام الدكتاتوري الأعتى عالمياً ( حسب عباراته وبالحرف قد منعه !! ) . حسناً إذا كان تشخيص السيّد (مينار) لطبيعة النظام السوري ، هي تلك ،فلماذا جشّم نفسه عناء المحاولة ؟ قبلالإجابة ،من المفيد أنْ نردّ على سؤالين أساسيين :١ـ من هو (روبير مينار) ، وما هي ،حقيقة ،طبيعة منظمته ( مراسلون بلا حدود )، وأدوارها ؟ ٢ـ مالسلوك الذي ميّز مواقف تلك المؤسسة ( مراسلون بلا حدود ) من القضايا العربيّة ، وخاصة الموقف من سوريا ، وبخاصة في السنوات الأخيرة ؟ـ ففي الإجابة على الشق الأول من السؤال الأول ،من هو(روبير مينار)؟ :السيّد (مينار) ،من مواليد (وهران في الجزائر في 06/07/1953 ،من عائلة مستوطِنة ،متعصبة كاتوليكياً ،استقرت في الجزائر منذعام 1850 ،وطُردَت إلى فرنسا عند استقلال الجزائر عام 1962 ، وللصبي (روبير ) تسع سنوات من العمر، مما يشرح جزئياً : كراهيته للعرب ، وكراهية عائلته للديغولية ( والشيوعية كذلك ،كمايصرح مينار ،وبالحرف ) ،وانتمائها لمنظمة الجيش السرّي الفرنسي ( و .آ.س ) المشهورة بمجازرها في الجزائر ، وبانقلابها الفاشل ضدَّ الرئاسة الديغولية ،ومحاولة قتل الجنرال (دوغول) ،لإعترافه بحق الجزائر في تقرير مصيرها ،وبدء المفاوضات مع (ج ـ ت ـ و) الجزائرية ، التي أفضت إلى اتفاقية ( ايفيان) 1962 ،واستقلال الجزائر .هذا هو المحيط الإجتماعي ـ العائلي لطفولة الصبي (روبير) ،الذي سيتبع ،وبتشجيع عائلي دراسة دينية ليصبح (قِسّ كاتوليكي) ،يختار دراسة الفلسفة اللاهوتية ، ليس فقط ،لشعور وجداني أونداء رباني ( وهذا قوله هو ) ,إذاً لماذا ؟ جوابه في سلوك ( مينار) الذي سينتقل إلى الصحافة الإذاعية ،مع العديد من الدعاوى المرفوعة ضدّه ، والتي أنقذته منها شهادة الرئيس الفرنسي السابق ( ميتيران ) الذي شهد بأخلاقيته (؟!!) ،ثم ليؤسس ،بالتعاون مع الإسرائيلي (روني برومان) ،وبإيحاءٍ من المنظمة التي يرأسها الأخير ، في حينه ،منظمة أطباء بلا حدود ، التي أماطت اللثام عن حقيقة دورها في (كوسوفو) و(أفغانستان المحتلة) ، و ( دارفور) وسواها من مناطق التدخل الأمريكي ـ الأطلسي كواجهة إنسانية ، وغطاء طبيّ خادع ،وفي حقيقتها مساهم مضلِّل بقناع إنساني ،في تنفيذ المخططات الإمبريالية ،ومسحة تجميليّة أوروبيّة ،للوجه القبيح المتوحش ،للكابوس الأمريكي ، لا (الحلم الأمريكي) كما يروِّجون ويصّرون ،في بروباغاندا الخداع الفجّ ،والسافر بلون الجريمة والدم .هكذا وُلدت منظمة (مدونات بلا حدود ) أو (تقارير بلا حدود ) أو ( مراسلون بلا حدود ) ، في 25/08/1985 في مدينة (مومبلييه) الفرنسية .أمّا في الإجابة على الشقّ الثاني ،من السؤال الأول :ـ ما هي ،حقيقة وطبيعة منظمته ( مراسلون بلا حدود )، وأدوارها ؟ في هدفها المعلَن :منظمة للدفاع عن الصحفيين السجناء ،وحرية الصحافة في العالم ،بمعنى : الحق في الإطلاع ،وحرية الخبر والنشر ،والإعلام الحرّ ،وحرية التعبير المنطوق والمكتوب ،وحريّة التفكير والمعتقد .... إلخ من الصياغات المستندة إلى الفقرة الـ (19 من الإعلان العام لحقوق الإنسان ) ، هدفٌ نبيل ، وإنساني بامتياز ، هذا في إعلان التأسيس ،الذي لا يختلف بشيء عمّا نسمعه ،من كل الميديا الغربية منذ سبعين سنة ، والذي طغت موجته منذ سنوات الحرب الباردة ، وأصبح ( تسونامي ) ،وغسلاً للدماغ البشري ، بل قصفاً مركزّاً عليه ، مع الهجمة الأمريكية الهامايونية ، بعد إذْ تسنّمت الولايات المتحدة ،قيادة العالم ، بأحاديّة قطبيّة ، دكتاتوريّة كونيّة ،بلا منازع منذ انهيار الإتحاد السوفيتي ،في بداية العقد الأخير من القرن الماضي ، وبداية الحروب الأمريكية التي نعرف ، ولكن ماذا في التطبيق ، وعلى أرض الواقع ؟ !!فحقيقة ( مراسلون بلا حدود ) : أنها من تلك المؤسسات التي ترعاها ،الإدارة الأمريكية ، وتجنّدها لأهدافها ،والشواهد لا تندر ، بل إنّها لفي المتناول السهل ، وهاكم بعضها :١ـ إنّ تمويل تلك المنظمة من مؤسسة (جورج سوروس) ،الملياردير الأمريكي ،من أصلٍ بلغاري ،المضارب في البورصات العالمية ،الشريك المالي للرئيس (بوش) الأب ،ومنقذ الرئيس (بوش) الإبن من الإفلاس ،" أيام كان رجل بترول تكساسيٍّ فاشل" ،وداعية الليبراليّة الجديدة .... إلخ .... هو معروف ومعلَن .والسيد (سوروس) هو نفسه مؤسس وممول منظمة (هيومن راييس ووتش) الشهيرة ،وقد تناولتها في مقال سابق ،على موقع شامبريس بتاريخ : 26/07/2008 .٢ـ إنَّ علاقة (ربير مينار) بمؤسسات المخابرات الأمريكية معروف ومثبت .ولعّل ذلك يكفي : التمويل والإرتباط ، لفهم تلك المنظمة و شخصية ر ئيسها المؤسس ودوره ،منذ التقطته ،الأجهزة إياها ، والتقطت أمثاله ، ممن ظهروا ، على مسرح النضال الديمقراطي الأمريكي "النزيه المنزه والنبيل" ، فوق بحر من دماء الأبرياء ،وبأقنعة إنسانوية ،ثقافوية ، فلسفويّة ، ماكرة،خادعة للسّذج ، عازفة على أوتار المارقين ،الموتورين ،ومقتنصي الفرص ، ولو على جثث الأهل والأوطان ، المارينزيون العربان ، لا العرب . وأمّا طبيعة أدوارها التي ستكون موضوع مقال لاحق ، ومقال متمم يتعلق ،على الأقل ، بإحدى وزارات حكومة الجمهورية العربية السورية ، وزارة المغتربين ، وأرجو بعض الصبر ،للإجابة على السؤال العفوي ،وربّما المتسائل المتعجِّب : مالرابط بين ( وزارة المغتربين السورية) ومنظمة ( مراسلون بلا حدود ) ؟!!. انتهى الجزء الأول ،دون انتهاء الإجابة على الجزء الثاني من السؤال الأول : فيما خصّ أدوارمنظمة ( مراسلون بلا حدود ) والتي ستكون لاحقاً بداية المقال التالي . لقارئ الفرنسيّة ،بعض المراجع الدامغة ، للإطّلاع :
__ Le dossier Robert Ménard Pourquoi Reporters sans frontières s'acharne sur Cuba?de Jean-Guy Allard__ RSFL’argent de RSF intrigue le Médiateur européen.par VIVAS Maxime 29 juillet 2007 __ RSFRSF préfère l’Internationale à la chanson du Veau d’or.par VIVAS Maxime 20 septembre 2006RSFREPORTERS SANS FRONTIERES : L’ART DE SE TIRER UNE BALLE DANS LE PIEDpar DEDAJ Viktor 19 septembre 2006__ RSFRSF Un accord secret avec Otto Reich pour ruiner l’économie de Cubapar BARAHONA Diana 31 mai 2005__ Reporters sans Frontières et les coups d’états de Washington : le financement parl’IRI révélé
شام برس



تعليقات حول الموضوع :

ماذا يمكن لشخص أن يحوز من المزايا أكثر
01:29:51 , 2008/09/18 مراقب بلا اندهاش
هكذا إذاً ابن مستوطنين سابقين ، يعني ابن لصوص لمدة 112 سنة في الجزائر ، مطرود من الدورادو فرنسا الجزائري ، تربية متعصِّبة حاقدة ، وعميل في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية ، وشريك صهيوني في منظمته ، ماذا يمكن لشخص أن يحوز من المزايا أكثر من ذلك ليحقد على العروبة والعرب ،وعلى سورية العربية بالذات ؟ !! شكراً لك يا دكتور منير ،يا سفيرنا دون تكليف ، أين العرب السوريون الآخرون ؟ بل أين أصحاب الرواتب في السفارات ؟ !!

عين لا تخطئ
19:34:27 , 2008/09/17 ماهر حسوانية
سلّم الله العين البصيرة بقلب بصير ، هذا أنت يا دكتور منير القوي ،حباك الله بالبصيرة ، لا بالبصر فقط ، إنّه إيمان العربي بربّه وأمته ، أينما ساقته الظروف في بلاد الله الواسعة ، يبقى القلب خافق بحبّ الوطن ، والروح لاهجة بأنفاسه ، ألف شكر لك ، وإنْ كان لا شكر على واجب ، وأنتم للواجب أهله .

أتابعك
19:37:06 , 2008/09/17 لحسن الهمامي
إنّ التمحيص يكشف الكثير مما خفى ، وها أنت يا دكتور منير تعرّي صاحب القدم السوداء هذا ، الذي تفوّق في سواد قلبه ،على سواد تاريخية قدمه ، لكنه بعون الله ، والمؤمنين بالله ،بالوطن والعروبة ،ليكوننّ من الخاسئين ،بل من الأبواق الساقطين ، والنصر للحقّ وإن صال البغي وجال .

بيكفي واحد
19:46:35 , 2008/09/17 برهوم اللقيس
يَمّا منير وسّوف ،يَمّا منير القوي ، واحد بيكفّي يا شام برس ، ولاّ مزحومين ؟ لَكْ شو هترتيب المفشكل ؟ ضيعان التعب يا دكتور منير ، روح دوِّر عشي محل تنشر فيه أحسنلك ، العمى كأنن ما بيعرفو كيف بتتنضدد السطور ، بعرف مارح تنشر تعليقي شامبرس ، بس فشيت خلْقي ،إيْ العمه !!!.

الواثق
19:56:20 , 2008/09/17 نسمة ساحلية
هكذا حين تكون المعلومة موثقة ، تسقط أصوات المشككين ،وما كنت يا دكتور منير إلا الواثق دوماً مما يقول ، بالنسبة لي ، كلامك الوثيقة ،ومع أنني أتقن الفرنسيّة ، إلاّ أنني لست بحاجة المراجع للتأكد ، ربما للإستزادة سأرجع إليها ، لك كل الإحترام من أختٍ فخورة ، وكنت أتمنى أنْ يكون الترتيب أفضل من ذلك ، سواء في مقالة رئيس التحرير الأستاذ جمالو ، أو هنا ، ومع ذلك ،وبأمل الإنتباه لملاحظتي بلا حساسية ، أقول شكراً لشامبريس .

بوركت
20:23:34 , 2008/09/17 راهب طرطوسي
بوركت يادكتور منير ،فبمثلك تحترم الأوطان ، كنت أردد : خسارة إغلاق عيادتك في طرطوس ،ومغادرة البلد ، لكنك تثبت أنَّ العطاء للأهل لا تعيقه المسافات ، فمعنا أنت ، تحملنا ونحملك في القلب ،إنّ الوجدان الحيّ رابطة أصحاب الضمائر النقية ، وإننا بعون الرّب لمالكوه ، وبقيادة رئيسنا المفدّى لحارسوه ،وتحيا سوريا ،منارة الحضارة ، وأرض التقديس المقدسة .

كبير يا بلدي
20:27:04 , 2008/09/17 ابن البلد
وطني كبير ،وبأبنائه أكبر،فيابن الدريكيش الجميلة ،لك كلّ الإحترام والمحبة ،بك تطول الأعناق ، وإنّها والله لحاملة رؤوساً شامخة عزيزة ، وأنت يا شام برس ،دمت ذخراً ، ومنبر وطنٍ عصيّ على السوء ومريديه .

نباح الكلاب
20:29:41 , 2008/09/17 حارس
يبدو أنَّ النباح لا لغة له ولا حدود ،فهو فعلاً ( بلا حدود ) ، وإلاّ ما معنى أنْ ينبح هذا المسعور "الفرنسي" - وفرنسا أكبر منه وأسمى - على البوابة السورية من أرض لبنان ؟ إنها جوقة الكلاب الأربعطعش شباطيّة في طلب الدّعم ، من وراء الحدود ، و( بلا حدود ) ،شكراً يادكتور منير ،ياحارس بضميرالعربي ،حدود الوطن وحياضه المحمولة في نبض القلب "المغترب" ،وخلجة الوجدان الحاضرة ، وشكراً لشام برس ،حصن الصوت الوطني الحرّ المقيم .

أحلى سحور
20:37:04 , 2008/09/17 صائم
وفقك الله يا دكتور منير القوي في غربتك ،وأعادك لأهلك وأحبابك ، وحماك من أولاد الحرام ، آمين يا ربّ الصائمين ، ربّ العالم أجمعين ، نعم سحور يزكيه حبُّ الوطن ،إضافة مباركه ، أوليس حبّ الوطن من الإيمان ؟ شكراً شام بريس ،ووفقكم الله لما فيه خير وطننا الحبيب سوريا .

إدمان
20:54:31 , 2008/09/17 حنا ماضي
أخي بالعروبة ، دكتور منير حين أقرأ ما تكتب ، لا أقرأ الكلام المكتوب فقط ، بل انتماءنا العربي ،آراه يقفز من السطور إلى القلوب ، هكذا نحن أبناء أمّة ( وُلدت في التاريخ ) كما تقول ، ولن ينجح ،لا هذا المينار ، ولا عبد الدولار ،في تشويه وجه عروبةٍ ،سورية قلبها ، لا تفاخراً على الأشقاء ، فهم سويداء القلب وقطرات الدم في عروق عروبتنا الحيّة الخالدة ، وأمّا مارقوا لبنان ،فأحراره بهم أولى ،وإنّهم لمحاسبون ، طال الزمان أو قصُر .

أوباش ad شباط
01:31:57 , 2008/09/18 كابي زيدان
لا أشكُّ أنَّ أوباش ad شباط من دفش هذا السوقي ـ البوق ، بطل همروجة ad تموز ،في جادة الشانزيليزيه ، أثناء زيارة الرئيس الأسد لفرنسا ،وحضوره احتفالات العيد الوطني الفرنسي ،والتي انتهت بتوقيفه كمشاغب هامشي ، أوباش ad شباط الذين لا يعرفون أنّ هذا المينار ، وأمثاله ،مرصودون من شرفاء يحركهم حسهم الوطني ،فبوق مأجور هو ، والسؤال كم نقده سعدو أجراً على تحرشه المبتذل الرخيص ؟ أم أنّ الطيور على أشكالها تقع يا سعد المسعود ؟ كان الله في عوننا ،نحن اللبنانيون .

حقوق الإنسان
04:08:23 , 2008/09/18 إنسان أداة
إنسان أداة ،نعم هكذا يروننا ، وحيوانات تجارب مخبرية ، لأسلحتهم وأدويتهم ، واقنائنا في منازلهم باسم التبني ،يعني بدل اقتناء كلب ، وفوق ذلك ،قد يصبح الطفل المتبَنّى ضحية شذوذهم ، فيختصرون على أنفسهم السياحة الجنسيّة في جنوب شرق آسيا خاصة ، إنهم يروننا أشياء للإستعمال ، تفكير من عصور الرِّق ، ويتذكرون (إنسانيتنا ) حين تصبح ورقة في مصالحهم وإيديولوجياتهم المضلِّلة ، والعراق ودارفور والصومال ، والقائمة تطول .... أمّا هذا المينار فموظف صغير في ماكينتهم الإعلامية الجبارة في كل شيء إلاّ الصدق والحقيقية ، والحرص على حقوق الإنسان ، إلا إذا كان مقتصراً عليهم بحصرية تعريف السيد الأبيض = الإنسان ،ولون الجلد لايهم ، بل لون الإيديولوجيا هو الذي يقرر .

سؤال
04:18:59 , 2008/09/18 حائر
والله حائر أنا ،تُرى لو ذهب أيّ سوري ليثير الشغب في المجتمع الفرنسي ، وتحت أيِّ مسوّغ ،هل سيسلم من المساءلة ؟ وعلى الأقل تحريك الدعوى القانونية ضدّه ، وضدّ المحرضين والمسهّلين ، بما فيها صاحب السيادة على الطرف الآخر من الحدود ، الذين يدّعون الأخوة والبحث الحريص عن أفضل العلاقات ، لكنْ الشكلة هي هي ،فذيل الكلب لا يستقيم ،أيّاً كان القالب ، ومربى (اللقلقة ) لن يسلك مسلك أبناء الأصل .

المارينزيون العربان
08:19:32 , 2008/09/18 جورجيت
المارينزيون العربان ،بل الغربان ،في كل زمنٍ هم ، لكنهم المذكورين دائماً على الهوامش والحواشي ،رخويات وزواحف ، وفي أقصى طموح لهم ،مطايا لركوب كل طامع ، ذلك هو التاريخ ،والوصف الحقّ ، وغداً سيخجل أطفالهم من الإنتساب إليهم ،فالنسبة للرجال الرجال ، لا للخنّع الرقَّع المصوِّتين ،صفقاء الوجوه ،كوالحها الشوهاء .

روبير مينار للإيجار
08:37:13 , 2008/09/18 دلاّل
هذا الموظف الصغير الذي يجيد التشويش والتشويه ،لا يبحث عن مكانه ، فمكانه معروف ، لكنْ ليذهب بعيداً عن سورية ، إذا كان يبحث عن تقديم الفرض اليومي لسيده اليانكي ، فعلى سيده لا تردّ سورية ولا تأبه ،وصوته ليس أعلى من ضجيج المدمرة س .س.كول ،ومع ذلك فسورية في موقعها وموقفها ، ورحلت س.س.كول ،فليقبض الخرجية ، وليتذوق ذوق السوقيّة الذين استوردوه ،مأجوراً ،منخدعين بمسرحه الهزلي ،وعلى همروجته يراهنون ، فعلاً عقول الأطفال ،وتتنزه عنهم حلوم ربّات الحجال ،اللواتي يحترمن الرجال ،لا الأطفال (المعجزة) ولا الذين أفسدهم الدلال وسعة المال ، دون الخجل من حرام مصدره ،لأنّه أبداً لم يصدر عن طريق الحلال .
روبير(غيفارا) !!

09:46:10 , 2008/09/18 أم أسامة
إنه زمن المسوخ ،من كان يتصور أنّ رجل الثورة وقضايا الحرية ،أرنستو تشي غيفارا ،الذي حمل قضية حرية الشعوب ،واستشهد من أجلها ، خمسون سنة بعده بالتمام والكمال ،ستشهد مرتزقاً ، سليل مستوطنين لصوص ،سيتكلم زوراً وباطلاً ، بل ومأجوراً ، وهو يدنس كلمات الحرية والعدالة وحرية التفكير والمعتقد ، ليس أمام سجن (غوانتانامو) و(أبو غريب) ،ولا ضد (تجّار اطفال تشاد من أبناء جلدته ) ، بل على بوابة سورية ، رافعة راية عزّة العروبة ،والكرامة القومية ، هذا الوضيع ، النبيّ الدّجال يجب متابعته قضائياً ، لتطاوله على نظام شرعي ،لدولة ذات سيادة ،ولسماحه بالتدخل ، كأجنبي ،في مجريات قضاء نزيهٍ ،مستقل ،في مجتمع سيّد لدولةٍ مستقلة ، حتى لا يأتينا كل يوم ،(طوم أو جيري) ،منصباً نفسه وليّاً ووصي ، فعلاً منتهى الوقاحة والعنجهية ، أوليس على دين مولاه بوش الأبله ؟
إلى متى ؟........

05:37:49 , 2008/09/19 سيادي مُستنكر
إلى متى سيستمر هؤلاء التدخليّون ،الإستعلائيون، ورثة المستعمِر وثمرته ،دولاً ،ومنظمات ،وأفراد، في عنجهيتهم ، ووصاية مواقفهم ،واعتبار العرب وأمثالهم ،قُصَّر بحاجة للتأهيل المدني ،وإعادة التربية ،في إصلاحاتهم الغوانتيناموية ؟ هل يظنون أنّ صبية 14 شباط ،مثالاَ وصورة لأهل المنطقة العربية ؟ ما الدماغ العنصري العفن الذي يحملون ؟ !!!!!!!!!

تلك هي الوطنية
05:45:14 , 2008/09/19 عفاف
نعم تلك هي الوطنية ،موقفك يا دكتور منير الذي تحمل الوطن في القلب والعقل ، في الأحداق وكل الحواس ،كل التقديرلك ،وجزيل الشكر لشامبريس ،الموقع الوطني ،فاتح القلب والكتابة لكل وطنيٍّ حُر .

الوقاحة = مينار
18:21:07 , 2008/09/18 شامية
والله إن دخل هذا الصفيق مينار إلى سوريا أم لم يدخل وإن وقف كالشحاذ على حدودنا أم استقبلوه وأهلوا ورحبوا به فكل هذا لايعنيني فأنا لم أعد أثق بهؤلاء البلا حدود في كل شيئ إلا بالأخلاق .. لانسمع أصواتهم وإداناتهم بمآسي أبو غريب و مجازر الصهاينة في غزة وقتل اطفالنا في جنوب لبنان! يصابون بالصم والعمى وبتوقف اللسان عن الحركة هكذا وفجأة ياسبحان الله ! أما إذا قرر الواحد منا اصطياد عصفور اشتهاه ليأكله وبالسنة مرة مرة وحدة الله وكيلكون ! يخرجون علينا كالكلاب المسعورة يريدون نهشنا وتتحرك (ضمائرهم) فجأة بعد أن أن أصيبت بالشلل الريمونت كونترولي لينسبون لنا التخلف والهمجية منذ الخليقة إلى الآن ! كفى كفى لم نعد نثق بأحد منهم عربيا كان أم أجنبيا كلهم منافقون دجالون لانريدهم في بلادنا وحتى ولو دخلوا إليها لن نستقبلهم إلا ب: لا أهلاً ولاسهلاً بغربان البين .

الاثنين، 15 سبتمبر 2008

الأرجوفة التاريخية في المقولة ـ المسلمة : ( لا حرب دون مصر ولا سلام دون سورية ) :


بقلم : دكتور منير القـوي
أرجوفة هي ،بل ولغوٌّ كذّبته الوقائع ،وأسقطته الأحداث ، فباستعراض بسيط ، ولكن بعميق الرؤية ،سنجد المقولة ـ الأرجوفة بلا سند حقيقي ،وأنها من سقط المنطق الإيديولوجي الرغبوي ، لا المتفائل ،ولكن المحبط المأزوم والمهزوم : ١ـ الحرب العدوانية الصهيونية ،ما زالت مستمرّة منذ عام 1948 ،تاريخ إعلان الكيان الصهيوني لدولته ،فيما سمّاه أصحاب الأرجوفة إياها بـ ( نكبة فلسطين ) .٢ـ كل قرارات المعارك الساخنة من تلك الحرب ،كانت صهيونية ، حتى معركة تشرين 1973 ،والتي كانت بقرار مصري ـ سوري مشترك ، لم تكن إلاّ كسر لوقف إطلاق النار على بعض خطوط المجابهة التي فرضتها معركة 1967 ،بالعدوان الصهيوني الأشهر .٣ـ هذا الشعار ـ المقولة والذي وُلِد من رحم تنظيرات اتفاقيات ( كامب ديفيد ) ،كذّبه الغزو الصهيوني للبنان ،واحتلال بيروت عام 1982 ، إذاً الحرب استمرّت . ٤ـ العدوان الصهيوني المتنقل ، من سوريا ، إلى لبنان ،وحتى إلى العراق ( تدمير مفاعل تمّوز ـ أوزيراك ـ عام 1982 )،وصولاً إلى الحمّامات في تونس .٥ـ العدوان الصهيوني المبرمج على لبنان ـ المقاومة ،صيف 2006 ،والمجهَض بعمل المقاومة الإستباقي ،بأسر الجنود الصهاينة ، وما تبعه ،ويتبعه من استمرار الصهيوني في انتهاك سيادة لبنان ، جواً ،وبحراً ، وتجسساً ، واغتيال .إذاً فالحرب مستمرّة ،واقع ديناميكوـ سياسي لم يتوقف ،فما معنى الشق الأول من المقولة ( لا حرب دون مصر ) ؟!! أليس لغوّ بلا رصيد من واقع ـ سند ؟ !! ثمَّ هل كان لمصر المحتلّة انكليزياً ،أيامها ،دورٌ في إطلاق شرارة الحرب عام 1948 ؟ والتي لم تتوقف إلى يومنا هذا ،أمْ أنَّ المقصود من المقولة ـ الفارغة ،ملء مرحلة بالتنظير لها ، وعلى هوامش التاريخ ،ليستمر الصهيوني ـ الكيان ،في كتابة المتن منه ،تحت عنوانه المعلن ،وبلا مواربة :النضال الصهيوني لإنجاز مشروع إسرائيل الكبرى ،ولو بمسميات أخرى : الشرق الأوسط (الجديد) أو (الكبير) ...أو ...أو وبرعاية عرّاب بريطانيٍّ بالأمس ، أمريكيٍّ اليوم ، ومن يدري ،فربما أوروبيٍّ غداً ؟!!يبقى الشق الثاني ( لا سلام دون سورية ) من المقولة ـ المفروضة على واقع يدحضها ،وبمجريات الأحداث وتسلسلها :١ـ إنّ الوضعية القانونية للعلاقات الـ (مصرية ـ الإسرائيلية) ،هي حالة سلام وفق الشرعية الدولية ، والقواعد الناظمة للعلاقات بين الدول ذات السيادة ،منذ اتفاقيّات كامب ديفيد ( 17 سبتمبرـ أيلول 1978 ) ،وما أعقبها من تبادل السفارات بين مصر ـ السادات و(إسرائيل) . ٢ـ الإعتراف المتبادل بين الكيانين التوأمين ،(الأردني ـ الصهيوني) ،منذ اتفاقية وادي عربة (الإسرائيلية ـ الأردنية ) في 26 تشرين أول 1994 ، أليس حالة سلام قانونية كاملة ،وفق الشرعية الدولية ؟ ٣ـ التبادل الدبلوماسي الكامل ،بين موريتانيا و (إسرائيل) ،والحرص على استمرارها، أليس وضعية سلام موصوفة قانونياً ؟ ٤ـ فتح مكاتب الإرتباط ،والبعثات التجارية ، الصهيونية ، في أكثر من عاصمة ،لسلطات الأمر الواقع ، أليس تطبيعاً في الطريق إلى علاقات "سلام"،معظمها منجز بانتظار اللحظة المناسبة لإعلانها ؟ ٥ـ اتفاقيات (اوسلو) ،بين العرفاتية الإقليمية ،التي أقرتها مؤسسة القمة (العربية) ،بإقرار : منظمة التحرير الفلسطينة ممثلاً شرعياً وحيداً للشعب الفلسطيني ،دون حتى ذكر انتمائه العربي !! ،وبين الكيان الصهيوني ، أليست خطوة تنازلية ، تطبيعية في الطريق إلى سلام ، يعلنون له التواريخ والأجندات ؟ ٦ـ المفاوضات غير المباشرة بين سورية و ( إسرائيل ) في تركيا ،وبرعاية تركية ،أفضت إلى مفاوضات مباشرة ،أو لم تفض ، إلى اتفاقيات عادية أم لا ـ وهي لا يمكن أنْ تصل أبداً ، لتباعد الرؤيتين ، وتناقض المشروعين ،إلاّ إذا غيّرت(إسرائيل) جوهرها ،وسلوكها العدواني،ونهجها التوسعي ،لا جلدها فقط ولا خطابها السياسي ، وإلاّ إذا تخلّت الصهيونية عن عنصريّتها وايديولوجيتها الدموية التوراتية ، وكلّ ذلك بعيد الإحتمال ، بل مستحيل الحصول ، والأكثر استحالة منه أنْ تكون القيادة العربية السورية ،بوارد عقد اتفاقيات شبيهة بتلك المتخاذلة : (اتفاقية وادي عربة ) أو (اتفاقيّات كامب ديفيد ) ـ وإذاً : فالطريق مسدود ،ولكن للسياسة منطقها وتكتيكاتها ،وتبقى المبادئ ـ الثوابت ،الضابط والمعيار ، وهو ماثبت ،ويثبت كلّ يوم .بعد كل ذلك ،هل بقي للمقولة :( لا حرب دون مصر ولا سلام دون سورية ) من منطقيّة ،أوصدقيّة ؟ بل هل كان لها من رصيد واقعي ،حين إطلاقها ؟ والغريب أنَّ لها من يرددها ،حتى يومنا هذا ، ببغائية الجوقات ، وتصلبية ألسنة الإيديولوجيات ،التي تنفي الواقع وتلغي سجلاّته ، ما دامت لم تورده نصوصها ،بنوع من محاولة إلغاء العقل وإعدام الوعي الجمعي ،في نقله المراحلي ،من سويّة إلى أخرى ضمن ذات الأفقية التسطيحية ،ومن مرحلة إلى أخرى ، في انقطاعات حديّة ،لا تعترف إرادوياً ، بمفاعيل استمرارية الزمن وآلية تراكميته ، إنها ايديولوجيا المراحل المأزومة بعقمها ،بمنطقها التبريري المهزوم ، وآليات إرجائية الأهداف التي تعجز أمامها ،فتحيلها إلى معادلات ،متحققة بتحقق شروطها ،وتعلم أنها تشترط تحقق المستحيل ،وبالتالي تعيد متبنيها إلى المربع السفسطائي ،في معركته الجدالية حول جنس الملائكة .ويبقى السؤال القائم افتراضياً: ماذا سيكون عليه الحال ،لو أدت المفاوضات السورية ـ ( الإسرائيلية ) إلى اتفاقِ (سلام) وعلاقات عاديّة ؟ والجواب من البساطة بمكان ، ففضلاً عن استبعاد حصوله في المستقبل المنظور ،فإنّ حصوله لن يكون إلاّ حلقة عقيمة أخرى تنضاف إلى شقيقاتها في بحث النظام الإقليمي (اللاعربي) ـ السايكسبيكوي ـ البلفوري ـ الصهيوني القلق ،عن توازن مستحيل ، بحكم بنيوية ولادته المصطنعه ، وأهداف أطرافه المتنافرة ، رغم وظيفيته المكرسة بغائية إنشائه ،في اغتصاب حقيقة جيوبوليتيكية : هي الوطن العربي ، وتمزيق هوية أمّة : هي الأمّة العربية ، ومحاولة الإجهاز على المشروع السياسي النقيض : الدولة العربية الواحدة ، ولكنّ رصد تاريخانية مساره ، وصراعات أطرافه اللامنتهية ، تقدّمه كياناً مريضاً قاصراً ،أشبه بصاحب الشخصية المرضية العدوانية ، بحاجة للرعاية الدّائمة ،والتأهيل المستمّر،والوصاية القائمة ، من متعهده الخارجي ،مايسترو إيقاعه ، في المركز الأمبريالي المهيمن ، وإلاّ :١ـ ما معنى حروبه البينيه ، والأهلية ، والوظيفية ؟ ٢ـ ما معنى الصراعات السلطوية ـ في معظمه ـ ، وانقلاباته العسكرية ،وغير العسكرية اللامنتهية ؟ ٣ـ ما معنى أنْ تصل بعض مكوناته إلى وضعية انحلال كيان الدولة فعلياً ؟ أو إلى اختزالها في شخص وخيمة ؟ ٤ـ ما معنى أنْ تتفكك البنى المجتمعية الإقليمية إلى شظايا ومكونات البنى الماـ قبلية لمجتمع الدولة الذي يتغنى به ،وترفع له الأعلام ، وينشد النشيد الـ (وطني) ؟٥ـ ما معنى أنْ تقيم (إسرائيل) جدارها الغيتوي ،في استرجاع لا شعوري ، بل وسحري لرمز أمان الحارة المغلقة على مرعوبها السرمدي ،اليهودي البارانو المضطهد !!، وهي الكيان ـ الدولة بمئتي رأس ذريّ ؟٦ـ ما معنى التصادم المستمر بين الكيانات،وهي توائم في ميلادها،ومعتمديها ،تلامذة الصف الواحد ،والمعلّم الواحد ، والراعي الواحد ؟ !!إذاً الجواب ببساطة :
سيستمّر العربيُّ حامل راية مشروعه القومي ، الوحيد الشرعي والمشروع ، وسيبتكر الوسيلة الموصلة إلى غايته ، بحمل هوية أمته ، في وطنه الواحد ودولته ،بالغاً ما بلغت عدوانية المشروع المصطنع القائم ، وأدوات دعمه وحراسته ، فقدر الإنسان أن تقود خطاه دروب حريته ،ولا حريّة لعربي مع اغتصابه الوجودي ،واستباحته بـالنظام الإقليمي (اللاعربي) ـ السايكسبيكوي ـ البلفوري ـ الصهيوني """الغاصب""" بكل التعريفات والقواميس .

الأحد، 14 سبتمبر 2008

مقال:العلاقات السورية ـ التركية والأمن القومي العربي (3 ) .بقلم: د. مـنير الـقـوي

الحلقة الثالثة :
لعلَّ سورية (إقليم الشّام)، هو السّباق إلى تحسس الأمن القومي العربي ،قبل الكيانات السياسيّة الحالية ،بقرنٍ من السنين على الأقل ، منذ وصول جيوش ( ابراهيم باشا) إلى مضيق (قونية) في جبال طوروس ، وتوقيع اتفاقيّة ( كوتاهية ) مع السلطنة العثمانية في أيارـ تموز 1833 ،الأمر الذي حدا بأوروبا الطامعة للتدخل،حيث تحالفت ضده الدول الأوروبيّة (بريطانية وروسية وبروسية والنمسة التي عقدت فيما بينها معاهدة لندن "تموز 1840م" وقضت بإجبار محمد علي على سحب قواته من بلاد الشام حتى عكا. والاكتفاء بولاية مصر وراثية لـه ولأولاده من بعده) ،صفحة طوت طموح قائد عربي الإنتماء ،ونهضة خذلها الحليف الفرنسي ،وخانها ملوك الطوائف في لبنان ـ وما أشبه اليوم بالأمس ،ويقال التاريخ لا يعيدُ نفسه !! ـ ليبدأ القرن العشرون مع محاولة الحركة الصهيونية الحصول على موافقة السلطان العثماني ( عبد الحميد الثاني ) بتسليمهم أوتسهيل بيعهم (فلسطين) ،لإقامة وطنهم القومي ،بعد المؤتمر الصهيوني الأول 29ـ31/8/1897 المنعقد في مدينة (بازل) السويسرية ،والذي دعا رسمياً لإنشاء وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين ،ولكنّ السلطان ( خليفة المسلمين ) لم يستجب للمحاولة ، ليبدأ ( يهود الدولما ) بالتغلغل في مؤسسات الدولة العثمانيّة ،وخاصة مؤسسة الجيش ، والتنظيمات السياسية ،وخاصة المعارِضة لمؤسسة الخلافة والسلطان ( جمعية الإتحاد والترقي ، جمعية تركيا الفتاة )،التي أعلنت بعد خلع السلطان (عبد الحميد الثاني ) سياسة التتريك في البلاد العربية ، الأمر الذي حمل شباباً عرباً ، تحسسوا الخطر القادم على الوجود العربي ، بالحرب الطورانيّة على لغة الضّاد ، إلى تأسيس جمعيّة ( العربيّة الفتاة ) ،التي قادهم نشاطها إلى مشانق السّفاح ( جمال باشا ) في 06/05/1916 ،ليكونوا دفعة مبكرة من ثمن ( الأمن القومي العربي ) ،الذي سيدخل ،دون انتظارٍ ،في علاقته الحصرية ،بعد ذلك مع النفوذ الإستعماري الغربي المهيمن ،والوارث لرجل أوروبا المريض ( الدولة العثمانيّة ) ،ولتصبح (سوريا ـ إقليم الشّام) ميدان استباحة (الأمن القومي العربي المستقبلي) ،بتقطيع أوصالها إلى : دولة لبنان الكبير عام 1920 ،سلخ لواء اسكندرون عام 1936 ،مشاريع الدويلات (الإستشراقيّة الساقطة) : دويلات المدن ( دمشق ،حلب ) ،والدويلات الطائفيّة ( الدروز ، العلويون ) ،وصولاً إلى إمارة (شرقي الأردن) ـ المملكة الأردنية الهاشميّة فيما بعد ،وتوأم الكيان الصهيوني عند قيامه عام 1948على الجزء السوري الجنوبي ( فلسطين ) ،ليبقى من (سورية ـ اقليم الشام )،ما يعرف حالياً : بالجمهورية العربية السورية ،وليصبح النظام الإقليمي (اللاعربي) ـ السايكسبيكوي ـ البلفوري ـ الصهيوني أمراً واقعاً رغم التضحيات ،والثورات ،والنضالات ،وارادة المقاومة ،وصدق الإنتماء العربي التي أبداها الشعب العربي على امتداد جغرافية بلاد الشام ، والتي عمدها بالدم شهداء السادس من أيار 1916في ساحتي شهداء (بيروت ودمشق) ،ودم شهداء معركة الشرف في ميسلون في 24/تمّوز/1920 .وتسهيلاً للعرض ،سأحاول تلخيص الحوادث والمواقف ـ الصوى ،وتوجيزالمراحل وأوجه تمظهراتها ،(وربما سيكون مفيداً إلحاق مقال لي منشورٍ على موقع شامبريس (*) في جلاء ما عانته سورية ،والأثمان التي تحمّلتها في سبيل (الأمن القومي العربي ) ،مما يسمح بالدخول الفوري إلى العلاقات (السورية ـ التركية ) الحاليّة ،واقعها وواقعيتها ، آفاقها ،والمفهوم الأشمل للأمن القومي العربي ، ففي :١ـ ،واقعها وواقعيتها : مرت العلاقات (السورية ـ التركية ) بمراحل متعددة ،سادتها ،في الأغلب الأعم ،تجاذبات وتوترات ،بخلفيّات تاريخية ،ايديولوجية ،سياسية محاورية ،بل وتناحرية كادت تصل إلى حروب ساخنة ، قبل المرحلة الحالية من علاقات حُسن الجوار، والصداقة المبنية على حقائق الجيوبوليتيك ومقتضياته (التي لم يخترها أحد) ،ومن هنا تأخذ واقعيتها ،وعقلانيتها ، بل وكلّ بنّاء براغماتية الدول الباحثة عن مصالحها ، صحيح أنَّ اللواء السليب مازال سليباً ، ولا يفكِّرْن أحد أنَّ عربياً سورياً واحداً قبل بسلبه ، أو يقبل باستمرار الحال الشاذّة، بل يرفضه تماماً ،كما يرفض كيانات الأمر الواقع : مخافرالنظام الإقليمي (اللاعربي) ـ السايكسبيكوي ـ البلفوري ـ الصهيوني ،ولكنْ :ــ هل يفيد أهلنا في اللواء السليب (قبل خلق الكيان السياسي السوري الحالي) قطع علاقات ذوي الأرحام والقربى ،وجعل التواصل بين عرب اللواء ووطنهم الأمّ ، عبر حقول ملغمة ،وعلاقات مقطوعة ،وحدود مغلقة ،بين سورية وتركيا ؟ــ هل يفيد سورية أن تساق المياه التركية إلى الكيان الصهيوني عبر المتوسط ،وأنْ تجفف بحيرة سدِّ الفرات ( بحيرة الأسد ) بسياسات النكاية والمحاور بأنواعها ؟ ــ من المستفيد الأول من تحوُّل الجيش العربي السوري إلى جبهة شمالية ساخنة مع تركيا ، بغض النظرعن انتمائها الأطلسي، أليس الكيان الصهيوني ؟ ــ هل من الحكمة ترك الأمور ،كما رُسمت في الدوائر (الإمبريالوـ صهيونية )، أنْ تذهب سورية ـ بحماقة ـ إلى الدخول في حربٍ صهيونية بالوكالة ،تخوضها تركيا المتحالفة عسكرياً مع الكيان الصهيوني ،في حرب احتواءٍ مزدوج من نوعٍ جديد ؟ حرب تجعل الجولان وراءنا ، وتجعل تركيا أكثر تبعيّة أطلسية ـ صهيونية ، وتترك للكيان الصهيوني يداً مطلقة في لبنان ، فضلاً عن شلِّ كل فعل فلسطينيٍّ مقاومٍ لسياسات البطش العنصري ،والإستيطان القضمي الإبتلاعي المبرمج للأرض العربية .ــ هل يجوز،أوتسمح سياسة عقلانيّة مسؤولة ألاّ تأخذ في المركز من اعتباراتها ما يطبق من مخططاتٍ معلنة ،وخرائط جاهزة ،بتجزئة المجزأ ،وتمزيق الممزق ،والعراق شاهد بقيام الكيان الكردي ـ المنجزتقريباً ـ في شماله ؟ــ هل يطلب من سورية الإستسلام والمشاركة في نحرها ،وخنقها ،وحرقها ،بحزام نار معادية ،فالكيان الصهيونيّ المغتصب لفلسطين والمحتل للجولان،ونظام التطبيع الأردني ،في جنوبها ،وأمريكا المحتلة للعراق في شرقها ،ومحاولة اختطاف لبنان (أمريكوـ صهيونياً) في غربها ،وفي المتوسط (س .س. كول ) وشقيقاتها ،فهل يطلب من سورية ،أنْ تتبع سياسة ايديولوجية شوفينية حمقاء ،معادية للجار التركي ـ بغض النظرعن خلل موازين القوة ـ فتغلق الدائرة على نفسها ،لتنفذ إرادة أعدائها ،انتحاراً ،وبيدها ؟ سؤال للأصوات البائسة التي تريد تحرير اللواء السليب ،اليوم اليوم وليس غداً ، تماماً كما نادت بالأمس بتحرير عربستان في معركة البوّابة الشرقيّة المجنونة ، فتخلعت البوّابة وطارت الديار ، وارتاح الكيان الصهيوني من كابوس الجبهة الشرقية ،ومن تكرارمعركة الكرامة ،ومن ذكر الزعيم (محمود عْريْم) ،الذي كان ضابطاً في جيش عراقي حُلَّ بقرار ( بريمر) رقم (1) بعد الإحتلال الأمريكي للعراق .ــ ثمَّ أليس من الحكمة ،وعالي المسؤولية ،استثمار الوجود العربي في الجنوب التركي ،وليس في اللواء السليب فقط ،كجسر تفاهم بين أمتين ،تركية وعربية ؟ أوليس في ذلك تقوية لانتماء ذاك الوجود بعروبته ،وإشعاره بمرجعيّة هويته القوميّة ؟ ــ ثم مالفرق بين بطاقة تعريف تركية ،وتلك التي يقدمها النظام الإقليمي (اللاعربي) ـ السايكسبيكوي ـ البلفوري ـ الصهيوني لإنساننا العربي بين المحيط الأطلسي(الخائر) والخليج العربي (العاقر) ،(طبعاً عربيّاً )،ما دامت كلها بطاقات تعريف مؤقت ،إنْ بالنسبة للعربي القومي ،أو بالنسبة لصاحب مشاريع الشرق الأدنى السابق ،أو الأوسط الحالي ، أو الجديد ،أو الكبير ،أو... أو ... إلخ ، وإنها لنقطة تلاق صدفوية ،ولكن موضوعيةً تاريخياً ، بين متقابلَين عكسيّاً ،متناقضَين رأسياً ،متلاغييَن صراعيّاً ،متنافيَين وجودياً ،كإرادة قدر واجبة النفاذ ،وكأساطير آلهة الإغريق الملحمية.٢ـ آفاقها : إنّ الدولة التركية ثقل إقليمي ،صحيح أنّها مشروع دولة يبحث عن بلورة كيانه ،بين ماضٍ امبراطوريٍّ عثمانيٍّ انقضى ،ولازال له بعض دعاته النستالجيين من تيار اسلاميٍّ موجود ،وبين تطلعٍ إلى انضمام أوروبيٍّ معاقٍ بعقد التاريخ والجغرافيا ،وبين تجانس اجتماعيٍّ إشكالي بتعدد قومي وإثني ،تمظهر ويتمظهر حتى عنفيّاً، لكنَّ الحقيقة الجيوبوليتيكيّة أنَّ تركيا هي جارة سوريا الشمالية ،وأنَّ التداخل الديمغرافي ،والمعاشي اليومي، والتبادل حتى التسوقي السلعي ،والتمويني المنزلي،والعادات ،والتقاليد ،والمعتقد ،والمشاكل الأمنية شبه وحيدة المصدر وعلى امتداد كل الحدود الشمالية السورية (والعراقية) ،ومصادر المياه الرئيسية السورية (والعراقية)، أنهار : دجلة ،والفرات ،والخابور ،كلها تفرض حقائق ،وتقرر سياسات : أنّ تركيا عمق سوري يوصل إلى قلب أوروبا الوسطى والقوقاز ، وأنَّ سورية (والعراق الواحد) جسر تركيا ومصالحها، نحو العمق العربي ،ومحطة لابدّ من الإستثمار في تدعيمها، وتقوية الصلات والتعاون معها ، وفي كل مجالات علاقات الدول الجارة ،المسؤولة عن تحسين شروط حياة مواطنيها ،كهدف أسمى لكل دولة مواطنٍ :احترامهُ، ورقيهُ ،ورفع سوية معيشته ، هدف كل سياسة ، وكل خطة إنماء .٣ـ المفهوم الأشمل للأمن القومي العربي : صحيح إنَّ امتلاك الجيوش القوية يشكل ضمانة (لازمة) للأمن القومي ، حدودياً ضدّ العدوان ،وداخلياً ضدّ الإخلال بالسلم الإجتماعي ،ولكنها ضمانة (غير كافية) ،خاصة في الحالة العربية السورية ،التي يتجاوز همّها واهتمامها الأمني القومي حدود (الدولة ـ القطر) ، إلى امتداد (الوطن ـ الأمّة) : (الوطن العربي والأمّة العربية ) ،وإنّه لهم كبير ،ومسؤولية ثقيلة على دولة كالجمهورية العربية السورية ، بالغ ما بلغ الإيمان بالإنتماء العربي ، وعظيم ما عظمت الإرادة المصممة ،فحقائق القوة وموازينها تفرض محصلات معادلاتها ، ولقد كان للسياسة العربية السورية فلسفة رؤيتها ،التي تجسدت في العلاقة الإستراتيجية بالجمهورية الإسلامية الإيرانية ،بموقف متفرّدٍ ،مخالف لسياسات سلطات النظام الإقليمي (اللاعربي) ـ السايكسبيكوي ـ البلفوري ـ الصهيوني التي تضامنت مع الحرب الصدامية المجنونة ،على النظام الذي أقامته الثورة الإسلامية الإيرانية المنتصرة ،على أنقاض النظام الشاهنشاهي الوظيفي ـ الزبائني المعادي لأمّة العرب ،والصديق الصدوق للكيان الصهيوني ، وكان ذلك من طبيعة الأشياء ، فهذا النظام لايمكنه أن يكون ضد نفسه ودوره ،مما أصبح جلياً في موقفه من العدوان الصهيوني على لبنان صيف عام 2006 ، وبلا ورقة التوت ،ولا برقع الحياء الخادع . بذات الفلسفة وذات الرؤية الإستراتيجيّة ،وفي استمرارية حمل مسؤولية الهم القومي العربي ،بادرت السياسة العربية السورية إلى التواصل مع الجار التركي ، لا بعُقَد العلاقة مع العثماني وجرائمه ، وهي ثابتة مثبتة ، ولا بنسيان اللواء السليب ،وهو كذلك ،ولا باشتراطٍ على سياسات وتحالفات تركيّة ،تعرف أنّها ليست في موقعٍ آنيٍّ يسمح لها بالفرض في مجرياتها ،فضلاً عن احترام سيادة الدولة التركية ،وخياراتها النابعة من مصالحها ، التي يعود لها وحدها حقُّ تقديرها، لكن بتطلع إلى المستقبل ،إلى المصالح المشتركة التي يمكن تنميتها ،والخلافات القائمة التي يمكن مناقشتها وحلحلتها ، والمشاكل التاريخية التي يمكن انتظار ظروف أوان مقاربتها ،بصيغة أو أخرى ، ربما بالمنطق التقليدي البسيط للسياسة في الممارسة : حصّل وطالب ، ولا تضع عقبة : كلّ شيء أو لا شيء ، وقد كان لتلك السياسة الحكيمة بعض ثمارها :ــ سياسياً : انتقل الحليف التركي لـ (إسرائيل) من موقع الحليف لها ،إلى موقع الوسيط بينها وبين سورية ،وعلى مسافة واحدة ، وهذا إنجازٌ يسجّل ، ثم إلى موقع الناقد لها ،لعدم جديّتها وتسويفها ،في مفاوضات السلام غير المباشرة التي تلعب تركيا فيها دور الوسيط النشط ،وهذا إنجاز آخر وتقريب أكثر للجار التركي في فهمه معاناة العرب مع سياسات الكيان الصهيوني الغاصب ، بل أصبح الموقف التركي بخصوص الحصار على غزّة ،متقدّم على معظم مواقف سلطات الأمر الواقع في أصقاع الوطن العربي ، فيا للخزيِّ !!ــ اقتصادياً : أصبح التعاون السوري ـ التركي واقعاً حيوياً ،مبشراً وواعداً ، مؤطراً باتفاقيات متكافئة في المجالات كافة : التجارية والجمركيّة وقمع التهريب،الصناعية ومشاريع التطوير،الزراعية على الحدود المشتركة ،والمائية (وفق القوانين الدولية للمشاطأة) بلا السياسات الكيدية ،والسلوكيات الإبتزازية الغابرة .ــ أمنياً : مشروع تنظيف الحدود المشتركة من الألغام ، وفتح المزيد من المعابر النظاميّة ،والإشراف المشترك عليها ، وتسهيل إجراء ات العبور،والعلاقات والزيارات للأهل على طرفي الحدود ،والإتفاقيات الأمنية ووضعها موضع التطبيق بالتعاون بين الطرفين ، لما فيه أمن البلدين ،وسلامة مواطنيهما.ــ إنسانيّاً : تنظيم الزيارات الجماعيّة ،ورعايتها من مسؤولي المحافظات الحدودية ،في الأعياد الرسمية ،والمناسبات الفلكلورية الإجتماعية ، مما يعيد اللحمة والأواصر للأهل على طرفي الحدود .وبالمحصلة : فإنّ توفرالنوايا الطيبة ،ورجالات الدولة عند الجانبين ،والإرادات السياسيّة ،المسؤولة المصممة ،على التعاون البنّاء ، أدت إلى خطوات متقدمة جداً في علاقات التعاون وحسن الجوار ، لابمعرفة مايُتَّفَقُ عليه فقط ، فينفذ ، ولكنْ بتحديد ما يختلف فيه أيضاً ،فيتفاوض بشأنه ، وهكذا تبنى علاقات البشر في إطار حضاري ، يحترم الذات فيعليها ، ويحترم الآخر فلا يحط من سوية قيمته ، فيكون لقاء الإنسان بذاته ،قيمة بذاتها ،ومعيار تقييم ، حيث كل مصادر الأمن والأمان ، ومنها الأمن القومي العربي ، ولكن أين العربي ؟ فعربي سورية موجود ،ولكنه رغم لزوميته إلاّ أنّه غير كاف ، وتلك حقيقة ويا للأسف .
(*):
الســّاركوزية و سـاركوزي وسـياسـة فـرنســا الخـارجيـّة.. رؤية من الـدّاخل: الجزء الرابع - القسم الثاني.. بقلم : د. منـير الـقوي
جدلية الحب والكراهية ، تاريخ علاقة...وعلاقة تاريخ ... من اللاتوازن العلائقي التاريخي ،للآني ،إلى استشراف علاقة توازن مستقبلي .. القسم الثاني :
العلاقة الفرنسيّة ـ العربيّة ،من الحرب الإمبريالية الأوروبية الأولى ، وإلى يومنا مع انطلاقة السّاركوزيّة :
في بداية القرن المنصرم ،حيث الإمبراطورية العثمانية المتهاوية ،أو رجل أوروبا المريض ، (ولماذا أوروبا فقط ؟! ) ،تصل مع الإرهاب الحميدي ، وحركة جنرالاتها، الغلاة طورانياً ،المنتسبين إلى الجمعيّة العلمانية ( تركيا الفتاة) ،القومية المتطرفة ،والمعادية للسلطان ـ الخليفة : عبد الحميد الثاني ،كانت الإمبراطورية البريطانية ، في أوج قوتها ، لا تغيب الشمس عنها ، وتحتل موقعاً في السياسة الدولية ،شبيه إلى حدٍّ كبير، بالموقع الذي تشغله الولايات المتحدة في حقبتنا ،خاصة وأنها صاحبة البحرية الإمبراطورية، المسيطرة على الممرات والمضائق البحرية الإستراتيجية ، ومناطق أعالي البحار والمحيطات ،مستفيدة من انكفاء الولايات المتحدة ،واكتفائها بحديقتها الخلفية ( الأمريكتين : الوسطى والجنوبية ) ،التزاماً بعقيدة (مونرو ـ الرئيس الأمريكي الخامس :1817ـ 1825) ،والمؤكد عليها بمبدأ (ولسون ـ الرئيس الأمريكي الثامن والعشرين : 1914ـ 1922) الذي أعلن في رئاسته الأولى : سياسة أمريكية ""حياديّة ولاتدخليّة ""،في السياسات والصراعات الأوروبية ، قبل أنْ أنْ يعود للطلب من الكونغرس ،في رئاسته الثانية : إقرار سياسته للتدخل في الحرب الإمبريالية الغربية الأولى ( المعروفة بالحرب العالمية الأولى ) ،في إسقاط نهائي لمبدئه بالذات ،وبداية ظهور للتدخلية الأمريكية على المسرح العالمي اعتباراً من 06/04/1917 ،تاريخ دخول أمريكا الحرب المذكورة . في تلك الحرب التي كانت فيها فرنسا وبريطانيا حلفاء، وكانت الإمبراطورية العثمانية ـ المحتلة لمعظم القسم الآسيوي من الوطن العربي ـ حليفة لألمانيا في المحور المعادي ،مما أعطى لفرنسا سبباً إضافياً،ومباشراً ،في زيادة اهتمامها بالمنطقة العربية المشرقية ،منذ الحروب الصليبية ، إلى حملة (نابوليون) على مصـر والشـام ،إلى دعم فرنسا لـ ( محمد علي باشا القوني)، والي مصـر،في صراعه مع السلطنة العثمانية ،إلى تبني بعض المسيحيين بسياسات الإرساليات، والتبشير،والمنشآت التعليمية ،والمنح ... إلخ... وأول وثيقة رسميّة ظهرت ،مبيِّنة حقيقة السياسة الفرنسية، ومشروعها المستقبلي للمشرق العربي ،أعلنها البولشفيك ،بعد ثورة أكتوبرعام 1917 ،والتي لم تكن إلاّ إياها : ( اتفاقية سايكس ـ بيكو) ،مكملة( بوعد بلفور) ،في تأسيس جيوبوليتيكي ،يضمن للكيان الصهيوني المستقبلي شرعية وجود سياسي ،بذات السوية التي للكيانات الإقليمية الأخرى ،على خريطة سايكس ـ بيكو ،لا بل يجعل منه واسطة عقدها ،وهو ما وُضِع موضع التطبيق ،بالسياسات الإستعمارية ،قبل ، وبعد وضع الحرب الإمبريالية الغربية الثانية (المسماة :الحرب العالميّة الثانية ،أو الكونية الثانية ) أوزارها ،هكذا شهدنا على مراحل ولادة الكيان الغاصب اللاشرعي : النظام الإقليمي اللاعربي ـ الصهيوني ،بكل مآسيه وجرائمه ،بحق الإنسان العربي ،ليس أقلها : تمزيق وطنه ، وأدماها نكبة فلسطين ،وتزويرهويته، بإعطائه 23 بطاقة تعريف ،بعدد السجون ـ سلطات الأمر الوقع ، بما فيها ،الكيان العنصري ( اسرائيل) ، هكذا شاركت السياسة الفرنسية الإستعمارية ،في رسم مستقبل أمتنا الذي نعيش واقعه ـ الوقيعة ، فبانتهاء الحرب الإمبريالية الأولى، وبعد عامين من الحكم الفيصلي في دمشق 1918ـ 1920 ،تصل الجيوش الفرنسية ،بقيادة الجنرال (فيلكس ماري غورو) ،لتعبر إلى دمشق فوق جثث شهداء ميسلون ،تطبيقاٌ للإتفاق الإنكليزي الفرنسي ،الذي جعل سورية ولبنان ،نصيباً فرنسياً في شراكة ( سايكس ـ بيكو ) ،لتبدأ السياسة الإنتدابية، بقرار(عصبة الأمم)المنتصرة، تطبيق مفاهيم استشراقيتها ،خاصة الدورالذي لعبه المستشرق (ماسينيون)، زميل (لورنس العرب ،يا للمصادفة )،والضابط في (جيش الشرق الفرنسي)،وعالم الإسلاميات ، المتخصص في دراسة المتصوِّف (الحسين بن منصور الحلاّج ـ 244هـ ) ،بالإضافة لما يُروى من حقد (غورو) المتعصّب (؟!) ، وتعاون معظم أعضاء الحكم العربي الفيصلي ،الذين تركوا (الملك فيصل الأول) يهرب بحاشيته ،وينسحب إلى بغداد تنفيذاً لتعليمات الإنكليز الملتزمة بـ ( اتفاقية سايكس ـ بيكو)، هؤلاء الذين تركوا الشهيد (يوسف العظمة) ،يذهب إلى ميسلون ليستشهد في معركتها في 24 تموز 1920 ،والرعاية التي أولاها المندوب السامي (غورو) لمطالب البطريرك الماروني (الياس الحويك) ،حيث كانت أوّل الخطوات ، إعلان دولة ( لبنان الكبير) ،بضم الأقضية الثلاثة (حاصبيّا ،راشيّا، والبقاع )إلى المتصرفية ،الخطوة التي مازلنا نعاني مفاعيل نتائجها إلى يومنا هذا .إذاً بدأ الإنتداب الفرنسي بتمزيق الممزق ، ليكمله بإعلانه مجموعة دويلات(مستقلة ؟!) تنهي الحلم العربي السوري ،بالطبع انفجرت بوجه المستعمر الفرنسي قوى الأمّة العربية الحيّة ، رافضة غدر الوعود ، ونقض العهود ،وخاصة وثيقة ( اتفاقية سايكس ـ بيكو) ،وتشويه التاريخ العربي ، ومسخ المجتمع التاريخي الجامع لأمّة العرب ،إلى مجموعة من الكيانات الإثنية ، الدينية ـ الطائفية ، ودويلات المدن ، فكانت الإعتراضات المدنية ،والعرائض الإحتجاجية ، في طول سورية وعرضها ، لتصل إلى العصيان ، فالثورة المسلحة ،حيث تحركت الثورة في ،ومن كل أصقاع سوريا بقياده عدد من الابطال المجاهدين ، منهم :المجاهدون ( سلطان باشا الأطرش ، ابراهيم هنانو ، حسن الخراط ،الشيخ صالح العلي )واشترك فيها كافة فصائل الشعب وسُميَّ المجاهد (سلطان باشا الاطرش )عام 1925، قائداً عاماً للثورة السورية الكبرى،والتي لم تتوقف ،رغم تعزيزات الجيوش الفرنسية ،لا بالفرنسيين فقط ، بل بأبناء المستعمرات ،حيث عرفت شوارع سوريا العسكري السنغالي ،والمدغشقري ،وحتى الجنوب شرق ـ آسيوي ،( من كلّ الألوان) ،ورغم جسيم التضحيات ،وموازين القوى اللامتكائة ،بما لا يقاس، لم تتوقف الثورة حتى تراجع المستعمر الفرنسي عن مخططات تقسيم سوريا، والدول الأربع المهزلة ،والقبول بالمفاوضات مع السوريين الوطنيين ،وإقامة المجالس التمثيلية، بإسقاط حكومات المندوبين ،ورؤساء الدولة المعينين المتعاونين ، وصولاً إلى إتفاقية عام 1936 مع الإنتداب الفرنسي ،وقيام الحكم البرلماني ،الذي دخل في نزاع مع سلطات الإنتداب بسبب سلخ لواء اسكندرون وتسليمه لتركيا عام 1936،وقد استغلّت سلطات الإنتداب قيام الحرب الأمبريالية الأوروبية الثانية ( المسماة :الحرب العالمية الثانية ) لتحل كل المؤسسات الشرعية المنتخبة ،وتضع سورية تحت الحكم العسكري الفرنسي المباشر ،ورغم الموقف السوري المؤيد لحركة فرنسا الحرّة بزعامة الكولونيل( شارل دوغول) الفار إلى لندن ، متمرداً على حكومة (فيشي) المتعاونة مع الألمان الذين احتلوا فرنسا ، معلناً المقاومة ، واستقباله في سورية ، قائداً لجيوش فرنسا الحرة ، فإنَّ الفرنسيين لم يتركوا سورية في 17نيسان عام 1945 إلاّ بحمام من الدم ،في هجومهم ـ العدوان على البرلمان السوري ،وتدخل الإنكليز ضد عدوانهم ، لا حباً انكليزياً بالإستقلال السوري ، ولكن استمرار تصفية حساب بين الأخوين ـ اللدودين ،انكلترا وفرنسا . على أنّه لابُدَّ من الوقوف عند بضعة نقاط ،أثبتتها حقبة ماسميت فترة الإنتداب الفرنسي في الواقع ،والنسيج المجتمعي السوري :١ـ اتباع سياسة تعليمية موجهة ،تنطلق من قاعدة ثقافيّة استشراقية ،ونشاط تبشيري لافت ،بالتركيزعلى التنوع الإثني والديني ،والتشكيلات المجتمعية الضيقة المنكفئة التي تطورت في مرحلة الإستعمار العثماني المديد ،وخاصة في مرحلته التتريكية الأخيرة ،التي تُوِّجت بمشانق أحرار العرب ،في السادس من ايار ،عام 1916 ،على يد (جمال باشا) ،المعروف بالسّفاح .٢ـ التركيز في العلائق النفعية على ربط لونٍ دينيٍّ بالذات ( العنصر العربي عيسويِّ الدين )،وبعض المذاهب الإسلاميّة التي عانت أكثر من غيرها ،ظلم التعصّب العثماني وزبانيته ، خاصة في جبل العرب ،وجبال الساحل ،ولبنان ،وتخوم الباددية .٣ـ التركيز على أبناء العائلات المدينية ،والزعامات الدينية والدنيوية، ذات الثقل الإجتماعي ،وزعماء العشائر ، ووجهاء الأرياف ،بتخصيصهم بالتعليم ،طبعاً المفرنِس ،كليّا أو جزئياً ،وبرقابة جزويتية غالباً ، في المدارس التبشيرية والمعاهد الإرسالية ،وحتى الجامعات / جامعة القديس يوسف / ،وعلمانية عابراً ،كمدارس اللاييك (العلمانية) ، وتفضيلهم في استلام الوظائف والإدارات .٣ـ إجراء تعدادٍ سكاني ،يركّز عوضاً عن عدد السكّان الصحيح، على أرقام غير دقيقة بل مزورة أحياناً،وعلى اعتماد معايير دون المواطنية ، تعتمد الأديان والطوائف والمذاهب ،وتسييسية عمادها التعاون مع سلطة الإنتداب ،وولاؤها لسلطاته .٤ـ نشر شبكة طرقات وجسور ،ومدارس منتقاة التموقع ،ترسّخ للوجود الفرنسيّ القدم ، وللمرتبطين به الرفعة الإجتماعية ، والهيمنة المؤسساتية ، ربّما برسم الآتي من الأيام (؟!!) .٥ـ التمكين للمتعاونين من تملك الأرض ، لا المشاع فقط ، بل والمشغولة توارثاً ،منذ أجيال لأسرٍ فلاحية ، فيما عُرف بتوثيق (الطابو التركي) وإنشاء دوائر السجل العقاري ،مما أورث سورية، شكل الإقطاع التركي الريعي وعلاقاته ، في خطوة هي معاكسة بل معادية لكل ما بشّر به الإنتداب من مبادئ التنوير ،وشعارات وأدبيّات الثورة الفرنسية ، لكنْ على ما يبدو هذا يعني إنسانهم ، هم ، لا بشر ،أو أشباه بشر المستعمرات،وفق مفاهيم التفوق والتحضر لديهم ، وربما التصنيف العنصري للبشر،الذي بمفاهيمه يتصرفون ،وبعكسه دعاوياً يعلنون ، فيكون (هتلر) ونازيته وعنصرييه ، أنظف وأشرف وأصدق أبناء الكلب ،كما يقال .على أنَّ فترة الإنتداب الفرنسي ،ورغم أهدافها الإستعمارية ،لم تكن صفحة سوداء بالمطلق ، رغم سواد الإستعمار،فقد تبلورت مفاهيم وبنى ،بتوجهات عصرية ،وحركية تقدميّة مجتمعية ،وسياسية ،وإدارية ، لا شكلية فقط ، بل بنيوية مؤسسة ،بحكم منطق الأمور،مؤيدها أو الرافض:١ـ على الصعيد الإجتماعي : ساعد الإنتداب بعدوانيته ومقاومتها ،على تنشيط فتح المجتمع السوري وانفتاحه على بعضه ، وكانت (الثورة السورية الكبرى )،أكبرتعبيرعن الحراك الإجتماعي الوطني ،لا السياسي فقط ، مما أتاح للوعي الوطني امتلاك وعائه ـ الأداة ،مجتمع الوطن ، لا العائلة ولا القبيلة ، ولا العشيرة ،أو الدين أو الطائفة ، وترسخ الشعار المؤسس سياسياً ( الدين لله ،والوطن للجميع). ٢ـ سياسة نشر التعليم،ولوالإنتقائي النخبوي ،لم تخرِّج للمنتدب كوادره فقط ،بل أنتجت عقولاً متفتحة ،بل معادية للإنتداب وسياساته ،فأبناء أجيال شهداء السادس من ايار، وشهيد ميسلون ، والثورة السورية الكبرى ، باحتكاكهم بأحرار فرنسا ومثقفيها ،المعادين للإستعمار والمستفيدين منه ،من عتاة الرأسمالية الأوروبية الدموية ، قد طوروا حركيتهم السياسية ،وأشكال التعبير عنها ،في أحزاب تعدت في أهدافها ،وحتى في أدواتها حدود الإنتداب ، لا الفرنسي فقط ،ولكنْ الإنكليزي أيضاً ، فكانت الأحزاب لا الوطنية فحسب ، بل القومية والأممية أيضاً .٣ـ الأنظمة الإدارية التي أدخلها الإنتداب لخدمة أهدافه بلا شك ، قد زرعت مفهوم الدولة والإنتماء إليها ، في تجاوز لمفاهيم الإنتماء للبنى قبل ـ دولة ، وبالتالي مفهوم المواطنية بحقوق وواجبات الإنتماء ، ومنها مفهوم الإنتخابات وآلياتها ،الجديدة كلياً على ذهنية مجتمعات الرعيّة ومبايعة وجهائها .٣ـ تبلورالشعور القومي العربي ،في صراعه مع المستعمِر المنتدَب ، بمفاهيم محددة متمايزة في الموقف القومي من قضايا : تقسيم الوطن العربي ، وسلخ لواء اسكندرون ، ومن ثورات عرب فلسطين الرافضين بالثورات المتتالية للتواطؤ البريطاني وقلّة من باعة الضمير التُّبَّع ،في إقليم بلاد الشام ،مع الوكالة اليهودية في هدفها الإستيلائي على التراب الفلسطيني ، واستجلاب كل يهود الأرض ، إذا أمكنها ، إليها ،بل وصل العرب القوميون في سوريا ،ومثقفيهم إلى تبني مطالب الشعب العربي في الجزائر ،والتضامن معه في معركته ضد الوحشية الإستعمارية الفرنسية ،قبل عقدين تقريباً ،من انطلاقة الثورة الجزائرية ، التي تُوجَت بالإستقلال .بجلاء المستعمر الفرنسي عن سورية في 17 نيسان 1946 ،تدخل العلاقات السورية ـ الفرنسية طور علاقات الدول السياديّة ، يطبعها مدٌّ وجزر ، والأخير هو الغالب ،خاصة بعد دخول الولايات المتحدة بنفوذها إلى سياسات المنطقة ،ودخول المصالح البترولية ، شركات وإنتاج ،وخطوط نقل ،وصراع الإستعمارين القديم والجديد على النفوذ ووراثته ،وبروز الإتحاد السوفيتي ،أحد قطبي السياسة الدولية ، وخاصة بعد قيام الكيان السياسي الصهيوني (اسرائيل) في فلسطين ،والنكبة العربية ، وهزائم أنظمة النظام الإقليمي عام 1948 ، والتزام الغرب والشرق ، لا فرنسا فقط ،بأمن الكيان المغتصِب ، لكن كان لفرنسا خصوصية موقف ، معادي للعرب والعروبة ، لا لسورية فقط ،نابع من سياساتها الإستعمارية في الشمال الإفريقي العربي ،وخاصة في الجزائر،ومن العداء لحركة التحرر العربية ،في مرحلة المد والصعود القومي العربي في المرحلة الناصرية ، وتصدر الجماهير العربية وأحزابها القومية العربية في الساحة السورية لحمل لوائها ،وقد تجلى الموقف الفرنسي الإستعماري ،عملياً بما يلي :١ـ المشاركة الفرنسيّة في العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 .٢ـ تبني الكيان الصهيوني استراتيجيا نووياً ، فمفاعل ( ديمونا) النووي ،فرنسي النشأة ،حتى قبل أنْ تنتج فرنسا قنبلتها النووية الخاصة بها !!٣ـ الطائرات التي اعتدت بها ( اسرائيل) على العرب عام 1967 (ميراج) فرنسية ،من إنتاج مصانع (داسو) الفرنسية .ولئن كان موقف الرئيس الفرنسي ،أنذاك ، الجنرال( دوغول) ،قد أخذ جانب الحق العربي ،إلاّ أنَّ ذلك لم يدم ، باستقالة الجنرال بعد ما عُرف بـ ( ثورة الطلاب ) عام 1968، لتأتي فرنسا الجيسكاردية ، الأمريكية الهوى ،فتقلب الصفحة ،وبوصول الرئيس الفرنسي الإشتراكي ( متران) ،تدخل السياسة الفرنسية ( الشرق ـ أوسطية ) رمادي اللون ،مع تفضيل لـ ( إسرائيل ) ،خاصة حين يحكمها حزب العمّال وحلفائه ، ثم وبوصول الرئيس الفرنسي ( جاك شيراك ) إلى الأليزيه ، تتوطد في البداية العلاقة السورية ـ الفرنسية ، في رئاسته الأولى ، لتصبح السياسة الفرنسية معادية لسوريا ، على خلفية اتهامات ودعاوى ، وأنانية وحقد شخصي ،أوصل معها العلاقات السورية ـ الفرنسية حدّ القطيعة ،ووضع الجمود ، ميراث حاول الرئيس الحالي سـاركوزي تحريكه ، فعاني عقبات موروثة ، وحبكات شيراكية مدروسة ،لكنه ببراغماتيته ،وبإرادويته ، وبالموقف العربي السوري المبدئي ، الواضح والصريح ، وصلت السورية ـ الفرنسية ، إلى تبادل الزيارات الرئاسية ، وفتح أبواب التعاون المسترشدة بالمصالح المشتركة ،وعلاقات الإحترام ، المناقضة كلياً للصفحة الشيراكية في رئاستها الثانية .
(المقـاومـة والنهـوض الـعربـي) : بقلم المفكر عزمي بشارة
ليس مجرد نقاش حول الوسائل: لم تتجذر فكرة المقاومة في أذهان ووجدان الشعوب العربية كما في هذه المرحلة منذ انسحاب إسرائيل من لبنان دون اتفاق سلام في العام ٢٠٠٠ وحتى فشل العدوان الإسرائيلي على لبنان. وكان آخر عناوين هذا الفشل صفقة تبادل الأسرى الأخيرة. ومن خلالها اعترفت إسرائيل للمرة الثانية بفشل عدوانها على لبنان في تموز من العام .٢٠٠٦ وطبعا ساهمت حركة »حماس« والمقاومة العراقية التي انطلقت في زمن قياسي بعد الاحتلال في ترويج الإعجاب بالمقاومة والتفاعل مع المقاومة شعبيا. لم تكن هذه التيارات المقاومة ظواهر موحدة، وهي ليست موحدة الآن. والأهم من ذلك أنه حتى مجتمعاتها الوطنية غير مجمعة عليها. فالخلاف ينشب حولها في مجتمعاتها المحلية أساسا كتعبير عن الصراع السياسي في هذه المجتمعات. ويكاد الخلاف على المقاومة في هذه المجتمعات يتحول إلى تعبير عن هويات ثقافية أو سياسية أو طائفية، أو يستخدمها. وحتى لو تألفت المقاومة من حركات دينية أو مذهبية، فلا شك أن المزاج الشعبي العربي العام الذي يرنو إليها، ويتوق لها، وينفعل لأخبارها هو مزاج موحد... لا ينفصل فيه الإسلام عن العروبة عن الموقف الوطني. إنه مزاج شعبي عربي رافض للاحتلال الأجنبي لأي بلد عربي، ومحبط من رد فعل الأنظمة العربية على احتلال فلسطين والعراق ولبنان، ويعول على المقاومة لتحرير الأراضي المحتلة، أو على الاقل لتدفيع الاحتلال ثمنا يحفظ للواقعين تحت الاحتلال إنسانيتهم وللشعوب العربية كرامتها... إنه مزاج فقد الأمل بتسوية سياسية عادلة مع إسرائيل، ولا يثق بالنوايا الأميركية، ولا بالأنظمة العربية. ربما بدا ما نقول وصفا لمزاج يبدو بلغة العصر وصفا غير عقلاني لحالة هلامية، ولكني لا أقترح على أحد الاستخفاف به. فلنمعن الفكر قليلا بما يدفع شعوبا إلى احترام مقاومة حتى لو لم توحٍ برامجُها، أو سلوكُها، أو ظروفُها بأفقٍ سياسيٍ واضح. خذ مثلا حالة المقاومة العراقية البطولية، فإن سرعة نهوضها وتطورها تكاد تكون غير مسبوقة في التاريخ قياسا بموعد الاحتلال. ولكنها غير قادرة على طرح أفق سياسي مقنع بسبب تعدديتها، وإقصائية بعض فصائلها الطائفية، وفوضى البيانات التي تحجب عن المواطن العربي الرؤية لما يجري فعلا على الأرض في العراق... ومع ذلك نراه يقف مع المقاومة (ما عدا حالة فصائل تنفذ عمليات قتل ضد المدنيين العراقيين). ما هو الأفق السياسي الذي تطرحه حركة حماس حاليا؟ يصعب تحديد هذا الأفق، أهو الحفاظ على السلطة ام فك الحصار عن غزة، أم غيرها من الأهداف التي لا تشكل أفقا سياسيا حقيقيا مقنعا للناس. ومع ذلك تتضامن الأمة مع حماس كحركة مظلومين تواصل المقاومة تحت الاحتلال وتتحدى طريق التسوية غير العادلة بعد أوسلو. لا اعتقد ان الجمهور العربي يدعم حماس ويتضامن معها لأنه يرى أفقا قريبا لتحرير فلسطين على يدها. ليست هنالك علاقة دائمة وضرورية بين دعم المقاومة وبين الأفق السياسي الذي تفتحه المقاومة. وطبعا تحاول حركات المقاومة الجدية والتي تحترم نفسها وجمهورها ان تبني دعم الجماهير لها على أسس سياسية اصلب من المزاج السياسي الاحتجاجي القائم، وذلك بواسطة تحقيق انجازات فعلية أو خسائر حقيقية للاحتلال لا تحققها الأنظمة بالمفاوضات مثلا... يجب التمييز بين المزاج الشعبي الداعم للمقاومة وبين توفر رؤية استراتيجية للمقاومة على المدى البعيد تتجاوز إغراء الاكتفاء بالمزاج الشعبي الآني المؤيد دون قيد أو شرط، مع أنه مزاج يعبر عن نبل الفئات الشعبية عندما يتعلق الأمر باحتلال أجنبي. ولكن تبرير المقاومة عقليا باستراتيجية بعيدة المدى للتحرير، لا يعني التبرير البراغماتي في ظل ما هو قائم من منطق الأنظمة الحاكمة. فهذا قد يؤدي إلى السقوط في الذرائعية التي تطمس الفرق في الأهداف وإلى الإسراع في إعلان الانتصارات بهدف التبرير. وأحيانا يفترض هذا الجهد السياسي والخطابي الذي يحاول ان يثبت نجاعة المقاومة أن النقاش مع الأنظمة هو نقاش على الأساليب وليس على الأهداف. فتجد المقاومة نفسها مضطرة أن تفترض لغرض مثل هذا النقاش مثلا: أن الأنظمة تريد تحرير فلسطين، أو المناطق المحتلة كأولوية، وتفشل، فتلجأ إلى الوسائل الدبلوماسية. ويقدم نفس الخطاب المقاومة في المقابل كنموذج للتحرير بالسلاح دون اعتراف ولا دبلوماسية. ولكن النقاش الحالي مع الأنظمة العربية هو في الواقع صراع على الأهداف ذاتها وتترتب عنه سلوكيات وحتى منظومات قيمية مختلفة. وتقاس العقلانية البراغماتية، اي الأداتية المتعلقة بنجاعة الوسائل، بالأهداف التي تخدمها هذه الوسائل وليس قياسا بأهداف الآخرين... لا توجد بهذا المعنى معايير موحدة قائمة بغض النظر عن الأهداف للحكم على عقلانية الأدوات. وكمثال على ذلك انتشر مؤخرا خطاب مستقى من حالة تحرير الأسرى ومفاده أن الدول العربية التي عقدت سلاما مع إسرائيل لم تنجح في تحرير أسراها في إطار اتفاقيات سلام، في حين حررت المقاومة الأسرى بواسطة عمليات مقاومة تلخصت بأسر الجنود والتبادل. ويزداد هذا الخطاب قوة إزاء موقف ما يسمى بقوى »الاعتدال« التي عارضت علنا عمليتي الأسر الأخيرتين (من العام ٢٠٠٦) في لبنان وفلسطين، واعتبرت »تجاوب« إسرائيل مع »الخاطفين« بالتبادل دعما لقوى التطرف يقوي نفوذها على الساحة... هذا وصف متواضع وحرفي لسلوك قوى السلطة السياسية في فلسطين وسلوك الأنظمة العربية حاليا في قضية الجندي المختطف في غزة، ما يزيد من آلام الأسرى ويؤخر تحريرهم. وقبل ان نلج لب موضوعنا، نود ان نتريث هنا قليلا. فإن شرح الموقف من هذه المقارنات سوف يضيء الطريق إلى صلب موضوع المقاومة وما يميزها. .١ لا يدور النقاش مع الأنظمة العربية حول الوسائل، بل هو غالبا نقاش على الأهداف. فمن قال أصلا ان الأنظمة العربية التي عقدت اتفاقيات سلام مع إسرائيل مهتمة بتحرير مواطنيها الأسرى، خاصة أولئك الذين تعتبرهم هي ايضا مجرمين بمعنى أنهم قبلوا أن ينتظموا ويحملوا السلاح في إطار غير جيشها (أو غير قواتها الأمنية في حالة السلطة الفلسطينية)؟ تعتبر هذه الدول تلقي مواطنها أوامر من تنظيم فلسطيني او عربي سلوكا يمس بسيادة البلد وبالمواطنة. ليس السؤال بحاجة الى جواب ونحن نرى بعض محرري غوانتانامو يعاد اعتقالهم في دولهم العربية بعد تحريرهم. وهذا مصير بعض محرري السجون الإسرائيلية الذين هم في أفضل الحالات يخضعون للمراقبة في دولهم. الدول العربية لا تريدهم اصلا. ولو كانت تريدهم لحررتهم في إطار علاقاتها مع إسرائيل، وهي قادرة على ذلك لو أرادت. .٢ أسر العرب والفلسطينيين بالنسبة لإسرائيل ليس هدفا بذاته بل هو جزء من الصراع. فإذا قبل الفلسطينيون شروط إسرائيل السياسية يتم تحرير أسراهم. ولا مانع لدى اسرائيل من تحرير أسرى في إطار اتفاق مقابل التنازل عن القدس مثلا... في هذه الحالة اي اذا تحول تحرير الاسرى الى هدف سياسي قائم بذاته فإنه بدل أن تنبت فائدة من التضحية تصبح التضحية والأسر عبئا على النضال والقضية التي من أجلها اسر الانسان. يناضل الناس ويتعرضون للأسر من أجل قضية، وهذه القضية هي ليست التحرر من الأسر. والتحرر من الأسر مقابل تنازلات سياسية تقدمها القيادة، وفي إطار اتفاق سياسي يجري فيه التنازل عن القضية هو انجاز للسجان. فهو الذي أخذ المناضلين رهائن بهذا المعنى، وهو يطالب صاحب القضية ان يتنازل عنها مقابل تحرير رهائنه. هل حاولنا مرة ان نرى الأسرى العرب والفلسطينيين كرهائن تحتفظ بهم إسرائيل في إطار الصراع؟ من هذه الزاوية فإن النظام الرسمي العربي الذي يساوم عليهم، ويحررهم في إطار قبول الشروط السياسية الاسرائيلية يُنجِح عملية الخطف الاسرائيلية ويقبل بالشروط وينفي هدف النضال الذي دفع الأسير ثمنه. فالتنازل السياسي العربي والفلسطيني هو أيضا انجاز إسرائيلي تتم التغطية عليه وإظهاره كإنجاز فلسطيني او عربي بزغاريد استقبال الأسرى، وهي تعبير عن فرحة مفهومة. أما التحرير في إطار النضال، بالتبادل مقابل أسرى إسرائيليين مثلا، فهو مسار آخر لا يخضع للشروط. .٣ من هنا لا يدور النقاش في قضية تحرير الاسرى حول من يستطيع ومن ينجح في تحريرهم وكيف؟ بل هو نقاش حول الهدف، هدف النضال الذي في سياقه اسروا، وفي سياقه حرروا. الاسر والسجن ليسا هدفا قائما بذاته. وهنالك فرق بين تحرير الاسرى في خضم النضال كإنجاز يجري اثناء النضال، وبين تحرير الأسرى في اتفاق سياسي دبلوماسي بعد الانتهاء من الصراع. هذا هو الفرق بين إطلاق سراح الاسرى في عملية التبادل الاكبر حتى الآن بين »الجبهة الشعبية ـ القيادة العامة« وإسرائيل عام ،١٩٨٥ وعملية التبادل الأخيرة التي فرضها حزب الله من جهة، وبين ما يمكن لأنظمة ان تفعله في إطار السلام مع إسرائيل. .٤ وأخيرا نريد ان نضيف أن الأسر والتحرر من الاسر ليسا ولم يكونا هما الهدف الأصلي، بل جرى هذا كله من أجل هدف. وفي كافة الحالات لا يسمى اطلاق سراح اسرى في عملية اسر وتبادل او حتى باقتحام سجن كما فعلت حركات تحرر في الماضي انتصارا، طالما لم يتحقق أي انتصار يتعلق بالهدف ذاته... تحرير الأسرى هو إنجاز في مسيرة النضال وليس انتصارا. وهذه ليست مجرد كلمات. فالنصر يقاس نسبة بالتقدم نحو هدف النضال. كانت عملية التبادل التي قامت بها »الجبهة الشعبية ـ القيادة العامة« في العام ١٩٨٥ أكبر وأهم عمليات التبادل حتى اليوم. أطلق فيها سراح اكثر من الف اسير فلسطيني وعربي. وكان اثرها السياسي المباشر هائلا اذ شكلت بالكوادر التي أطلقتها إحدى مولدات الانتفاضة الأولى. ومع ذلك، لم يسمها احد انتصارا. لا يجوز استخدام كلمة انتصار بهذه السهولة حتى صار هنالك نصر يسجل كل بضعة أيام مرة على إسرائيل. تبادل الأسرى مع إسرائيل هو إنجاز على طريق النضال. وعملية التبادل الأخيرة ليست الإنجاز الأكبر. فقد جرت في الماضي عمليات تبادل من هذا النوع بل أضخم بكثير ودفعت فيها إسرائيل، بلغتها، ثمنا أعلى مما دفعت هذه المرة، ولم يعقبها هزائم لإسرائيل ولا انتصارات للعرب. والحقيقة أنه رغم وجاهة النقاش حول بقاء جثامين الشهداء في أرض فلسطين حتى التحرير وبعد التحرير، فلا شك ان العرس الجماهيري في كل دولة عربية تستقبل جثامين الشهداء هو إحراج للأنظمة المعادية لطريق المقاومة وهدفها. وما بدا كأنه تقليد لا حاجة له لاسرائيل التي تستعيد جثامين قتلاها ولو بثمن تحرير الأسرى، تبين كتعطش عربي حقيقي لتكريم الإنسان البسيط، المواطن، خاصة إذا كانت عودته شهيدا تشكل كفيلا لمشروعية هذا الفعل. مرة أخرى يتأكد ما قلناه أعلاه عن عمق دوافع دعم الناس للمقاومة. لا تقف الشعوب العربية إذاً مع المقاومة بسبب نجاعتها كما نعتقد. هذا، رغم ان المقاومة اللبنانية تميزت عن سابقاتها بدرجة التنظيم والنجاعة ووضوح الهدف عندما يتعلق الامر بالصراع مع إسرائيل. وقد نجحت بطرد إسرائيل من لبنان دون اتفاق بسبب استراتيجيتها النضالية المثابرة التي لا تحاول أن تثير إعجاب الغرب وتدفِّع الاحتلال ثمنا بأقل كلفة ممكنة للبنان ذاته، يضاف إلى ذلك في حينه عدم توصل سوريا وإسرائيل الى اتفاق سلام إثر جولة المفاوضات المباشرة بينهما في تلك المرحلة. تقف الشعوب العربية مع المقاومة معبرة عن هويتها وكرامتها في النضال ضد الاحتلال الأجنبي، وتعبيرا عن سخطها واحتجاجها ضد الوضع العربي الرسمي القائم العاجز أو غير الراغب في مقاومة الاحتلال الاجنبي أو المتحالف معه موضوعيا. وطبعا من واجب المقاومة أن تقدم برامج سياسية واستراتيجيات تصلِّب هذا الدعم الشعبي وترسيه على قاعدة النجاعة والنجاح في مهمة التحرير، فتحول هذا الدعم الى رأس مال سياسي حقيقي. مسألة ثقافة؟ لا شك أن المقاومة كحركة إنسانية هي اكثر من فعل ورد فعل فيزيائي مثل أصلها اللغوي في قانون »لكل فعل رد فعل«، أو في مقاومة الاحتكاك أو الجاذبية مثلا. إنها فعل عنف ثانوي، رد فعل، مضاد لفعل عنف الاحتلال الأولي الاصلي. ولكنها اكثر من ذلك ايضا، لانها ليست مباشرة بل متوسطة تمر عبر الفكر والعاطفة والتنظيم الاجتماعي وغيره. ولكن المقاومة ليست ثقافة مميزة ومحددة كما يروج جزء من معسكر المقاومة حاليا. بل هي موقف وممارسة. وهي غالبا موقف برفض الخضوع للاحتلال الأجنبي ويرفض التواطؤ معه. ويتم التعبير عن هذا الرفض بدرجات أرقاها الكفاح المسلح المنظم وصاحب الاستراتيجية الموحدة. ويرافق هذا الموقف تأكيدٌ على الوطنية وحرية الوطن وفهمٌ وطني لتاريخه، ورفضٌ للخيانة وتعبيراتها الأخلاقية والسلوكية والسياسية، متحولا الى مكون ثقافي على مستوى الهوية وتعريف الذات. ولكن ليس هنالك بالضرورة ثقافة سياسية محددة هي ثقافة المقاومة. فقد ثبت أن المقاومين يحملون ثقافات سياسية مختلفة ومتناقضة. وقد شهدنا في التاريخ مقاومات حملت ثقافة قومية، وأخرى يسارية، وثالثة دينية، وحتى مذهبية. لا يمكن الحديث عن ثقافة سياسية واحدة للمقاومة، أو عن ثقافة بعينها تحملها المقاومة. أما إذا كان الحديث حول »ثقافة المقاومة« كمصطلح، فالمقصود هو موقف سياسي يرفض التعامل مع الاحتلال ويرفض العزوف عن السياسة في ظل الاحتلال، ويؤمن بأنه يجب فعل شيء لكي يندحر. ويترتب على هذا الموقف، كما يترتب على نقيضه، مجموعة مسلكيات... وكل هذا لا يكفي لكي يعيِّن ثقافة تميز المقاومة وتتميز عن غيرها. من الواضح مثلا أن غالبية التيارات المقاومة المنظمة حاليا في الوطن العربي هي تيارات دينية. وطبعا هذا لا يعني ان كل تيار ديني هو تيار مقاوم... فهنالك تيارات دينية او تتلبس بالدين تتعاون مع (وفي) حكومة الاحتلال في العراق وتعارض المقاومة في غيره. ولا تشكل الإيديولوجية الدينية بالنسبة للمقاومة مفارقة او صدفة، بل تستخدم هذه التيارات الإيديولوجية الدينية في النضال ذاته ولا تحيِّدها عنه، إن كان ذلك في شرح معاني الجهاد والاستشهاد، وإن كان ذلك في قدسية الهرمية التنظيمية، أو الاستفادة من الولاء الأهلي الطائفي. ولا يمكن القول ان اي قومي او وطني عربي (إن كان متدينا او علمانيا) مساند للمقاومة يشارك في هذه الثقافة. إنه يشارك المقاومة الموقف، ولكنه لا يشاركها الثقافة نفسها، ولا التصور نفسه لما يجب ان يكون عليه المجتمع في الدولة العربية. وهذا ليس موضوعا مؤجلا بعيدا، كما كان في عصر حركات التحرر. إنه موضوع راهن في دول عربية مستقلة ومجتمعات قائمة وغير منشغلة ولا مستنفدة في المقاومة. فماذا يفعل علماني عربي يدعم المقاومة؟ إنه لا يستطيع ان ينضم اليها لأنها مؤدلجة بثقافة سياسية وتصورات لكيفية تنظيم المجتمع لا يوافق عليها. وهي أيضا ترفض أن تدفع وحدتها الإيديولوجية وانسجامها الفكري القائم، والذي يشكل احد مصادر قوتها، ثمنا لانضمام الآخرين إليها. علينا ان نتخيل موقف متدين اصولي من الانضمام الى منظمات علمانية قومية وماركسية عندما كانت تلك تتميز بمقاومة الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين ولبنان، وكان المزاج الشعبي معها في حينه. وتذكرنا حاليا بذلك جثامين شهدائها. ولذلك فإن الإنسان القومي او الوطني إذ يدعمها ويقنع الناس بالانضمام إليها إنما يدفعهم في الواقع عن ثقافته السياسية إلى الإعجاب بثقافتها. فالقومي او الوطني لا يستطيع ان يستخدم المقاومة كمجرد مرحلة يلتقي معها حتى يصل مرحلة الافتراق. فسوف يكتشف في حينه انه لا توجد قاعدة شعبية يستند اليها لانه تخلى عن هذه القاعدة وساهم في دفع القاعدة للتخلي عنه. ما ميز حركات التحرر الوطني، خلافا لحركات المقاومة حاليا، هو ان حركة التحرر كانت تضم تيارات سياسية وفكرية عدة تمثل المجتمع وتجتمع على برنامج للمقاومة وللتحرير، وغالبا حتى لما بعد التحرير. ولا يغير في ذلك وقوع انشقاقات وحتى احتراب أهلي بينها بعد الاستقلال، أو عشية الاستقلال، صراعات على الزعامة أو على السلطة التي باتت قاب قوسين مثلا. المهم ان لحظة حركة التحرر كانت لحظة وحدة وطنية بين تيارات فكرية وسياسية مختلفة يجمعها برنامج المقاومة والتحرير، ويجمعها تصور حد أدنى لبناء الدولة. وغالبا ما كان النضال والتنوع والنقاش في إطار هذين البعدين يولِّد برامج وقيما تحررية تشمل تصورات لتحرير الإنسان والمجتمع إضافة لتحرير الوطن. وشكل هذا تحديدا اساسا للتحالف والتضامن من قبل قوى معادية للنظام الاستعماري في الغرب والشرق. حركات المقاومة الحالية إن كانت في دول مستقلة او في بلاد محتلة هي حركات مؤدلجة دينيا. وهي غالبا ما تحاول عدم بحث العلاقة بين إيديولوجيتها الحالية وسلوكها السياسي في مرحلة ما بعد التحرير، فهذا كلام يفرق ولا يساعد على الوحدة طبعا. ويجب ان نذكر أنها لا تتجنب هذا الموضوع مع جمهورها. في المقابل فإن ما ميز حركات التحرر الوطني أن الوحدة كانت تتم من خلال التنوع والاتفاق على برنامج حد ادنى لما بعد التحرير. ولذلك فهنالك مكان للتمييز بين المقاومة وحركات التحرر الوطني. أما من ناحية القوى القومية فإن السؤال يصبح أكثر إلحاحا. يجري الحديث عن تعميم نموذج المقاومة. تعميمه؟ كيف إلى اين؟ المقاومة التي يجري الحديث عنها هي كفاح مسلح ضد احتلال أجنبي. (ونحن نقصد هذا المفهوم الضيق للمقاومة، وليس كل معارضة سياسية أو ثقافية للاحتلال) والدول العربية التي تحيط بإسرائيل ليست دولا ضعيفة بل دول مركزية تمنع تطور مقاومة مسلحة تكسر احتكارها للعنف والسلاح ولا تسمح بعمليات مقاومة ضد إسرائيل منذ العام .١٩٧٣ لقد انتهت حالة الضبابية بين مقاومة إسرائيل وسلوك الأنظمة العربية التي كانت تسمح بوجود مقاومة ضد إسرائيل على اراضيها أو تشجع او تتغاضى عن تجند مواطنيها في اطر مسلحة من أجل فلسطين. وحدها فلسطين كانت تبرر ذلك. وهي لم تعد تبرر ذلك بالنسبة للنظام الرسمي العربي وثقافته السياسية. وهو تغير جوهري في موقف النظام الرسمي العربي من القضية الفلسطينية ومما كان يسمى الالتزام القومي. الحالة الوحيدة التي تستمر منها المقاومة هي لبنان (والسلطة الفلسطينية)، وسبب تمكن المقاومة من الاستمرار في هذه الحالات خارج نطاق الدولة (او السلطة في الحالة الفلسطينية) هو ضعف الدولة. وحتى في لبنان نشك ان تستمر المقاومة اللبنانية بمبادرات هجومية فلسطينية الأهداف ضد إسرائيل بعد حرب تموز وقرار ،١٧٠١ وإلا فما المقصود بالانتقال لتبرير وجودها لبنانيا من القدس وفلسطين الى لغة الدولة، أو الى لغة تحاول ان تكون مقبولة على منطق الدولة: الاندماج الاستراتيجية الدفاعية. ما التعميم إذاً؟ نحن لا نشهد نضالا تخوضه القوى القومية أو الإسلامية يطالب الدول العربية بفتح حدودها والسماح للمقاومة الشعبية بالعمل (من دول أخرى غير لبنان والسلطة الفلسطينية). وحتى في لبنان مُنِعَت المقاومة الفلسطينية من تنفيذ اي عملية منذ العام ،١٩٨٢ فلبنان الضعيف في العلاقة مع الطوائف، بات دولة قوية في العلاقة مع الفلسطينيين. ولا بد للقوى العربية المؤيدة للمقاومة ان تنظر في هذا الموضوع إذا أرادت تعميم النموذج. أما إذا كان المقصود بتعميم المقاومة تعميم ثقافة تقاوم الظلم والتعسف والقهر ولا تقف إزاءه مكتوفة الأيدي ولا تتواطأ معه، ففي هذه الحالة لا يفترض أن المقصود هو القمع الاجنبي بالضرورة، بل المقصود هو الظلم والتعسف والاستبداد، حتى ذلك القائم في دول عربية مستقلة. ولكن ثقافة المقاومة ضد الأجنبي، وهي القائمة حاليا لا تفي بهذا الغرض. فلدى المقاومة، أية مقاومة في العراق ولبنان وفلسطين، علاقات متفاوتة بدول استبدادية تتطلَّبها وتحتِّمها أولويات النضال. وكل »المقاومات« الحالية تتوق الى توسيع علاقاتها مع الدول العربية القائمة وتسعى الى اعتراف النظام العربي الرسمي القائم. وهي بنفسها تدعو الى تأجيل النضال من أجل العدالة إلا اذا كان ضد احتلال اجنبي. وإضافة الى ذلك فإن فكرها وثقافتها السياسية لا تشكل بديلا اكثر عدالة من الأنظمة القائمة في إدارة المجتمعات. هذا هو منطق المقاومة ضد احتلال أجنبي. ولا شك ان القوى القومية مقتنعة تماما أن النهوض العربي غير ممكن دون إذكاء روح مقاومة الاحتلال الأجنبي في الأمة. هذا شرط للنهضة. فالخنوع للاحتلال ينشر قيما تقبل الظلم وتقبل المس بالسيادة واعتبار الخيانة واقعية أو وجهة نظر، كم ينشر عقد النقص امام المحتل، ويكرس قيم الاتكالية وأجواء التخلف الاجتماعي التي تساهم في تهميش الجمهور تماما عن قضاياه... وكلها قيم تعيق النهضة. وهذا صحيح. وفي المقابل فإن المقاومة ضد الاحتلال الاجنبي قد تولد روحا تحررية في الامة حتى في الدول المستقلة، خاصة في قضية إرادوية الفعل السياسي. ولكنها لا تولد بالضرورة جرأة ضد الظلم المحلي ولا تولد بالضرورة نضالا وبرامج ضد الدكتاتورية ولا من اجل المواطنة المتساوية، ولا تساهم بالضرورة حتى في نشر العقلانية، ناهيك بالوحدة العربية... وكلها قيم ضرورية للنهضة العربية في عصرنا. المقاومة ورفض الاحتلال الأجنبي بما فيه القيم الاجتماعية التي تسانده مثل الخنوع وقبول الوصاية والتعاون مع الاحتلال، هي شروط ضرورية لأية نهضة عربية. ولكنها ليست شروطا كافية. فيمكن أن تشمل المقاومة برامج غير ديموقراطية في بناء المجتمع بعد الاحتلال، وفكرا مذهبيا يفرق الأمة، ويشق وحدة الوطن، ويفرغ المواطنة من أي مضمون. أما من يدعون طرح برامج تحررية وحدوية وديموقراطية للمجتمع، ويدّعون التحلي بالقيم العقلانية والمنهج العلمي، فلا يستطيعون تتميم الشروط الكافية وتكميل المقاومة من خارجها، كأن هنالك تيارات وظيفتها أن تقاوم وأخرى وظيفتها أن تنظِّر. لا بد ان يتم التفاعل والتكامل الفكري من خلال المقاومة. ولذلك ففي البلدان التي تتعرض لاحتلال أجنبي مباشر لا يجوز للتيار القومي الديموقراطي أن يتغنى بالمقاومة من خارجها. من ناحية أخرى يخطئ هذا التيار إذ يعود على مقولة وعرف »لا صوت يعلو فوق صوت« المقاومة. ويتجلى هذا الخطأ في شكلين رئيسيين: .١ تجنب أي نقاش مع اي تنظيم أو طرف مقاوم، مما يؤدي الى الاكتفاء بالتغني به وبإنجازاته دون نقاش يميز الفكر عن الفكر، ودون نشر مواقف من أخطاء ترتكبها المقاومة داخليا وخارجيا. .٢ السكوت عن كل من يدعم المقاومة ولو كان الدعم بالكلام فقط. إن الثقافة السياسية الكلامية التي تغفر حتى لمن يتآمر على المقاومة إذا صرح فقط تصريحا لصالحها، هي نفس الثقافة السياسية الني كانت تكتفي بالتزامات لفظية للوحدة العربية مانعة النقاش حول جوهر السلوك والسياسات الفعلية... إنها ثقافة تقع أسيرة صنمية اللفظ والشعار السياسي. إن من يسمح أن يختزل نفسه من مقاوم الى متضامن مع المقاومة في بلد تحتل اراضيه لا يمكنه ان يحصد نتائجها، فهو لا يتصرف كتيار سياسي بل كأنه عبارة عن فرد لا يطرح برنامجا سياسيا للمجتمع. أما التيار السياسي في بلد محتلة أراضيه فلا يمكن ان يكون متضامنا فقط. وكذلك فإن تيارا سياسيا في بلد لا يتعرض لاحتلال اجنبي وتتلخص مساهمته ضد الظلم في بلده بالتضامن مع المقاومة في بلد عربي آخر يتعرض للاحتلال الأجنبي، ولا يجسد »ثقافة المقاومة« هذه بمقاومة الظلم في بلده، مصيره ان يتواطأ مع الظلم في ذلك البلد. فهو يحول المقاومة الى تبرير لكي لا يناضل ضد النظام بل ليطالب النظام ان يدعم المقاومة ضد إسرائيل أو ضد اميركا. وهو يعلم ان النظام لا يعادي إسرائيل وأميركا، بل يتحالف معهما. وحتى لو دعم المقاومة لفظيا نظامٌ معاد لها بعد ابتزازه شعبيا أو نتيجة لحاجة لحظية لمسايرة المزاج الشعبي العام، فإن وظيفة التيار السياسي المقاوم هي فضح لفظية هذا الدعم وتناقضه مع الممارسة وليس التحجج به ليشعر بالشراكة مع النظام. لم تعد مسألة الموقف من المقاومة مسألة ترف لدى قوى النهضة العربية، فأمامهم شارع يستخدم قناة التضامن مع مقاومة ضد الاحتلال الأجنبي لكي يعبر عن ضيق بالأوضاع السائدة، ولكنه لا يجد مشروعا سياسيا فكريا منظما يوجه هذه الطاقة الهائلة باتجاه تحرري. وقد آن الأوان للتفكير مليا بهذا التفاوت وسبل معالجته وطرح البديل الفكري السياسي في ظروف نضجت له. ([) نص المحاضرة التي ألقيت يوم ٢٥ تموز ٢٠٠٨ في بيروت بدعوة من المنتدى القومي العربي
وقفة حوار مع المفكر العربي الدكتور عزمي بشـارة حول بعض ما جاءهُ في محاضرتِه.. المقـاومـة والنهـوض الـعربـي..
بقلم : د. منـير القـوي
ابتغاء حوار واضح ،يُستخلَصُ منه ،ويُبنى عليهِ ـ ربّما ؟ ـ أجدُني مُلزماً بتحديد جملة: مسلّمات ـ مصطلحات ـ وقائع ومواقف ـ حقائق ،ربّما ؟ ،ولكنّها تعابير ـ مفاتيح لإدارة حوارٍ ، بلا مبهمات ، تلك وجهة نظري ، بتواضع ، وهي ليستْ مُلزِمة لأحد ، وبالخاصة للمفكر العربي الدكتور (عزمي بشـارة) ، الذي لم يُلزمْني ، بدوره ، بقراءة ماكتبه ، فهو قدمه لمستمعين وقارئين ، ولم يفرض عليَّ أحد، أنْ أكون في عدادهم ، لكنْ يحدوني أمل أنْ أكونَ من المقبولين حوارياً ، فوجهة نظر لا أكثر ، وهي حقٌّ طبيعي ، لي وللجميع . فلنعدْ إلى البداية : لجملة المسلّمات ـ المصطلحات ـ والوقائع ـ المواقف:١ـ الكيان الصهيوني ،حتى قبل إعلان كيانه السياسي، بقرار الجمعية العامّة للأمم المتحدة ، (الأشهر والوحيد) ، بخلقه كيان سياسي ـ وطن ، حلاً (" للمشكلة اليهوديّة ") ،الأوروبيّة الموقع ، والإنتاج ، والمعضلة ،هو جزءٌ من التصميم الجيوبوليتيكي للمشرق العربي ،على الجسر الواصل لهذا المشرق بالجزء الإفريقي من الوطن العربي ، تماماً ،كأنظمة سايكس ـ بيكو القائمة ، وإنْ بتعديلات طفيفة . ٢ـ الكيان الصهيوني ، كيان وظيفي، وشريك ،في منظومة المصالح الدولية المهيمِنة، والطامعة بثروات العرب ، والبترول في المُلِّح من أولوياته ، وضروراته ،وبالتالي : فإضعاف العرب ، بالجملة والمفرق ، هو وسيلة استسهال النهب للثروة العربية ، وهنا تجد إسرائيل مكانها ، مصلحة وأداة : مصلحة وجود صهيوني، وأداة تمزيق لأرض العربية ، وقمع إرادة بلورة (وجود) كيان عربي ، نقيض ، ومتناقض ، بالضرورة مع الكيان الوظيفي المزروع ، ومع المصالح الكولونيالية ، قديمها والجديد .وأزيد : هذه الدّول العرجاء الكسيحة المسنودة ،كيانات قلقة ،لامستقبل لها ، إلاّ الزوال، وهي زائلة : إمّا إيجابياً باتجاه حركة التاريخ المستجيب لإرادة الأمّة وكيانها ، أو سلبيّاً نحو تفتيت المفتت ، وتجزئة المجزأ،لعوامل لامجال لاستعراضها ، فالدعم الخارجي الذي تلقاه من قوى الهيمنة ، مرهون بالحاجة إلى دورها الوظيفي ، الزبائني التابع ، وبتحولات موازين القوى ، على مسرح الفعل الدوليّ ، وبوادر تغيّراته ليستْ في الأفق للامرئي ، في زمن الأنترنيت وسرعة الضوء ، ومصير الكيان الصهيوني كمصرها ،مربوط قرين .٣ـ (إسرائيل) ،كما أنظمة (حكم الأمر الواقع) ، الأنظمة الإقليمية ،على التراب العربي ،بمخافرها الـ (٢٢ ) ،بتواريخ ميلادها المتوالية، اللامباركة، هي بالمحصّلة ، نتيجةٌ ـ مُعطى لما يسمى : " استقلالات دول عربية " في إطار حقائق موازين قوى لدول استعمارية مهيمِنة، فرضت نواميسها عصبة الأمم ،ووريثتها:منظمة الأمم المتحدة ،وتوابعها)،ومصالحها، والتزاماتها ، ومنها (وعد بلفور) الشهير ،وبالتالي تكوّن لدينا هذا : النظام الإقليمي (اللاعربي)ـ السايكسبيكوي ـ البلفوري الصهيوني ، المتكامل تصميماً ونشأة ، ولادة ورعايةً، ومسارتطورٍ موضوعي التكامل . بناءً على ماتقدّم ، تبرز الحقائق ـ النتائج التالية : ١ـ النظام الإقليمي (اللاعربي)ـ السايكسبيكوي ـ البلفوري الصهيوني ، لم ، ولنْ ، ولا يمكنْ أنْ يدخل في تناقض مع طبيعته ، ووظيفيته ، ففي ذلك بداية نهايةٍ لوجوده اللامشروع ،ومشروع ولادةٍ لبديله الوجودي الشرعي: الكيان العربي المجسّد للتطلعات المشروعة لأجيال أمّة العرب ، وما محاولة كسر قواعد اللعبة ، بقيام (الجمهوريّة العربيّة المتحدة )المعلنة في ٢٢ شباط ١٩٥٨، على يد (مصر ـ عبد الناصر ) ،والجماهير العربيّة الوحدويّة ، وأحزابها القومية ( خاصة حزب البعث العربي الإشتراكي ) في سورية ، في هجومٍ وحدويٍّ مضاد لمشاريع الهيمنة، والأحلاف المرتبطة بالمشاريع الكولونيالية الغربية ( النقطة الرابعة ، والحلف المركزي ، والإسلامي و... و... و ) ، إلاّ تعبير عن إرادة القوى الحيّة لأجيال أمّة العرب ، الرافضة لكيانات سايكس بيكو ـ ، وما قتْلُ دولة الوحدة، بمسرحيّة الانفصال الجريمة في٢٨ أيلول ١٩٦١ إلاّ تعبير أيضاً عن شراسة المعركة ، بين أمة العرب وأعدائها ، في الدّاخل والخارج ، وعدوّ الدّاخل ،قبل عدوّ الخارج .ولذلك نرى باستمرار تكالب قوى الهيمنّة ، وتُبَّعِها ، واستنفار كل أدوات الإعاقة والتخريب والتشويه ،بمواجهة كل بارقة أمل ، أو موقف مشرِّف، أو إنجاز تحققه القوى الحيّة في أجيال أمّة العرب ، وموقف هؤلاء ، وسفور استشراسهم، بأمرٍ يوميٍّ كولونديزاويٍّ ، على المقاومة ، والموقف العربي السوري القوميّ ، الداعم والشريك ، أثناء عدوان تمّوز 2006 ، لدليل جرم مشهود ،تام الأركان ، بلا حتى محاولة إخفاء أداة الجريمة ، لإبقاء ستر ورقة التوت ، لكنْ حتى هذا ،لم يعُد مهماً كما أظهرت أفعالهم الوقحة، قبل اقوالهم الفضيحة .٢ـ لم يطلب نظام اقليمي واحد، مجسد لوظيفة إقليمه واقليميّته ،يوماً ، تحرير فلسطين فعليّاً ، أو شارك في إرساء استراتيجية ـ هدف ( تحرير فلسطين) ، بل كان النظام البورقيبي ، أصدق الحكام الإقليميين ، حين دعا رأسهُ ورئيسهُ ، الرئيس (الحبيب بورقيبه ) إلى القبول بقرار التقسيم ، أمّا في سورية ،ومصر في بعض مرحلة المدّ القومي ، ففلسطين شكلت، وتشكل رافعةً لمحاولة نهوضٍ قوميّ ، واستنهاض إرادة عربيّة في السمت ،من أهدافها الوحدة وتحرير فلسطين ، وهما هدف واحد لا يتبعّض ، ولا يحتمل قسمة ولا اقتسام .٣ـ إنّ السياسات الرسميّة للنظام الإقليمي ، وخاصة عبر قرارات تجمعه الكسيح ( جامعة الدول العربية ـ البريطاني الفكرة ) ، وتلك الصادرة عن ( مؤسسة القمة العربية ) فقد أفضت إلى التنصل من كل موقف ، أو التزام بتحرير فلسطين ، خاصة بعد قمة ١٩٧٤ ، التي أقرت لمنظمة عرفات ( منظمة التحرير الفلسطينيّة ) بحصريّة التمثيل للقضية الفلسطينيّة ، كممثل شرعيّ ووحيد ، وفي ذلك ، ليس الحكم على الوسيلة ( منظمة التحرير) بالعجز والعقم ، كأداة إقليميّة ،عاجزة لألف سبب ،وفي اولها: إقليمية إمكاناتها ،ووجودها على أراض سلطة أقاليم لن تقبل لها شراكة في سلطانها ،عن تحقيق تحرير فلسطين ( الهدف القومي ) ،المستهدَف صهيونياً ـ امبريالياً بذات الرؤية والتعريف ، بل همّشتْ ،ونفت عن فلسطين ونكبتها ، البعد العربي القومي ، وحجّمته إلى (قضية عدالة ،ومأساة إنسانية ) في الجوار ، تستحقُّ التأييد الخطابي والإعلامي ، والمساندة الممكنة ، لكنْ لا الإلتزام المقاوم ، ولا المالي المخصص الدائم ، بل بما تجود به عطايا المحسنين!! ، وما الغرابة ؟ فالقضيّة بالنسبة لهؤلاء ، لتعيس فهمهم ، لوظيفيّة أنظمتهم ،لمصالح عروشهم ، وبنوكهم ، وكروشهم ، أصبحت قضيّة لاجئين ! ، لا حقوق أمّة عربيّة ! ، ولا تشريد جزءٍ من شعبٍ عربي! ، ولا اغتصاب للقلب من التراب العربيّ ! ، إنّها قضيّة الإنتماء المزيف لهؤلاء ، ولإيديولوجيا أوطان مصطنعة على يد سيدهم المستعمر ، راعي ( اسرائيل ) وحاضنة وجودها ، بعد إذ كان ( القابلة اللاقانونيّة ) لولادة الإبن السفاح .٤ـ أمّا المنظمات والأحزاب القومية ، بتقدميتها وتقليديتها ،بعلمانيتها وغيبيتها ، من وصل منها إلى استلام سلطة في دول الأمر الواقع ، أو من صارع ويصارع لاستلامها ، فالجميع لم يقدّم لفلسطين مشروع (تحرير ـ هدف) قابل للتحقيق ، بل استثمر ،ـ في الغالب الأعم ـ ، قضيّة فلسطين لأغراض سلطانه ، لخدمة دعويته ،ودعاويه ، وتسفيه خصومه المنافسين لمطامحه ،بمساهمةٍ غالباً ، من فصيل فلسطيني ، متواطئٍ ـ عميل ،أومقتنعٍ ـ شريك ، أو مضطرٍ بحكم التواجد اللوجستي خارج تراب فلسطين .وإذاً فالحرب على فلسطين ، أشرسها ،مصدره هذا "النظام الإقليمي (اللاعربي)ـ السايكسبيكوي ـ البلفوري الصهيوني " الذي يعمّدُ وجوده ، كل صباح ، بدم النكبة القوميّة في فلسطين ، منذ تصميمه الجنيني ، وحتى قبل رؤية ابن السفاح ضوء الشمس ، ونور القمر ، بكل مالديه من امكانيّات هو عدوّ فلسطين ـ القضيّة القوميّة ، هو عدوّ كلّ منتمٍ إليها بهذا المعنى ، عدوه بالمال المسروق ، باعلامه الموجّه ، بفنّه الهابط ، بايديولوجيات الحرب على المفهوم القومي،وتسقط عثراته وانتكاساته ، بالمناهج التربوية المعدّلة وفق مقتضيات مصلحة السيّد ، الإنكليزي بالأمس ، والأمريكي ـ اليانكي اليوم ،حملة تشويه عقول وحقائق ومفاهيم تُصرف عليها ميزانيّات فلكيّة بترودولارية ، وشعب عربي يموت جوعاً في غزّة والصومال والعراق والسودان ، في حملة إبادة للجنس (العربي) ، قتلاً بالحصار، بالتهجير ،بالجوع ،بالذُّل ، بقهرالإحتلال ، وبأصوات النّشاز !!!! والدكتور (عزمي بشارة) يتحدث عن مزاج شعبيٍّ عربيّ ، يقول : (فلا شك أن المزاج الشعبي العربي العام الذي يرنو إليها، ويتوق لها، وينفعل لأخبارها هو مزاج موحد... لا ينفصل فيه الإسلام عن العروبة عن الموقف الوطني ) ، في تجاوزٍ إرادويٍ لكل ماساقه قبل قوله ـ الأكيد من معوقات إرثية،وخلافات حدّيّة صراعيّة، واختلافات هويّة ( لم تكن هذه التيارات المقاومة ظواهر موحدة، وهي ليست موحدة الآن. والأهم من ذلك أنه حتى مجتمعاتها الوطنية غير مجمعة عليها. فالخلاف ينشب حولها في مجتمعاتها المحلية أساسا كتعبير عن الصراع السياسي في هذه المجتمعات. ويكاد الخلاف على المقاومة في هذه المجتمعات يتحول إلى تعبير عن هويات ثقافية أو سياسية أو طائفية، أو يستخدمها. ) ، أولستَ متفائلاً قليلاً يا دكتور عزمي ؟ ومأخوذ بمزاج اللحظة لمجموعةٍ تنتمي إليها ؟ خاصةً في ستخلاصك ـ الوصيّة ( ربما بدا ما نقول وصفا لمزاج يبدو بلغة العصر وصفا غير عقلاني لحالة هلامية، ولكني لا أقترح على أحد الاستخفاف به.) ، أتمنى مشاركة الدكتور عزمي بشارة ، التفاؤل، والإستنتاج ، واليقينيّة ، ولكنْ ما أراه فهو أمزجة ، لكلٍ منها شارعه ، وشرعيته ، وأهله ، فالمزاج المؤيد للمقاومة هو ذاته الذي عاضدها ، وشاركها ، وتماهى بها ، بل هو مزاجها في تصدّيها للعدوان الصهيوني في تموز ـ آب 2006 ، وهو الذي عبّر عن انتمائه وفرحته ،في عيد تحرير جسامين الشهداء ، أسرى المقابر الرقميّة منذ سنوات وعقود ، بالمقابل هناك مزاج الذي رأى في أسر الجنديين الصهاينة ، في 12/07/2006 ، حماقة ،ومغامرة ، وأصّر، رغم البراهين،على أنَّ العدوان مبرمج أمريكياً ، و" إسرائيل " أداة تنفيذ ، بل أكثر من ذلك ،لم يغادر ،أصحاب المزاج إيّاه ، مائدة ، قابلة الشرق الأوسط الكبير ، التي بشّرت بولادته (كوندوليزا رايس ) ، وقدّموا الشاي احتفالاً ،في ثكنة (مرج عيون) ، لأبطال تنفيذ مشروع (الشرق الأوسط الكبير ) ، ولم يتردد "كبيرهم" في إطلاق توعدّه ـ الوعيد بالحساب ، وسوء العاقبة ، ولمن ؟ لرجال عاهدوا الله والوطن ، وتحت جنون نار العدوّ الوجودي للبنان ، ولأرض وأمّة العرب ، وعِيدٌ ،قرارهُ تبين في موقف أنظمةٍ عاضدت المعتدي، وبررت عدوانه ، وإني لأعجب ممن يتفاجأُ بمواقفها ، أو ينتظرُ منها غير ذلك ، سلطاتُ النظام الإقليمي (اللاعربي)ـ السايكسبيكوي ـ البلفوري الصهيوني . ثم إنَّ المزاج آنيٌّ ، لا عقلاني ، لا تفسير معيّن له ، ارتكاسيّ في الأغلب الأعم ، لظرف تختلف تأويلات بواعثه وحيثيّاته ، ربّما بهذا المعنى أتفق مع (الدكتور عزمي) بعدم الإستهانة به ، قوة اندفاع هيجان عواطف وأحاسيس لا عقلانيّة ، غريزية ربّما ،وبذلك فتوظيفها ، يحتمل الشيء ونقيضه ، وفق جمهورها ، وشارعها ،وايديولوجيات أهلها الذين صلّبوا هلاميّته ، في ماديّة فعل بنّاءٍ ، أو كارثيٍّ هدّام .أمّا فيما خصّ حماس ، موقفها والموقف منها : إنَّ الدكتور بشارة لم ينصفها ـ حسب رأيي ، وكما استطعتُ الفهم ، فربّما أنا مخطئ ؟ !! ـ فلقد اختزلها في التقييم النهائي إلى السلطة المحاصَرة، المجوَّعة في غزّة ،المتواضعة تدرجيّاً في أهدافها،لتصل إلى الحفاظ على السلطة ،ربّما، كهدف ممكن ؟ بل أكثر من ذلك ،إلى تجريدها من الأفق السياسي !! وفي ذلك قصور تحليلي ، فحماس ليست حبيسة غزّة ، فهي في عموم فلسطين ،وعلى امتداد الشتات الفلسطيني ، وقيادتها السياسية في (دمشق ) ، وأكثر من ذلك ، فالدكتور عزمي يقع في التناقض حين يقول : (وتتحدى طريق التسوية غير العادلة بعد أوسلو.) ، بماذا تتحدى ؟ وكيف تتحدّى إنْ كانت كما تراها بلا أفقٍ سياسي ؟ لكنْ حسب معرفتي المتواضعة : هدف حماس : تحرير فلسطين ،وهو الأفق الذي تسترشدُ به ، إلاّ إذا كان وراء الأكمة ماوراءها ، مما لاعلم لي بهِ ، وتعلمهُ ، والعلم عند الله ؟ !! . أمّا فيما خصَّ ثقافة المقاومة ، ومقاربة الدكتور عزمي لها ، يقول : ( لا شك أن المقاومة كحركة إنسانية هي اكثر من فعل ورد فعل فيزيائي ) ،( ولكنها اكثر من ذلك ايضا، لانها ليست مباشرة بل متوسطة تمر عبر الفكر والعاطفة والتنظيم الاجتماعي وغيره.) ، ( ولكن المقاومة ليست ثقافة مميزة ومحددة ) ، ( بل هي موقف وممارسة ) ،( متحولا الى مكون ثقافي على مستوى الهوية وتعريف الذات ) ، مع كلّ ذلك يصل الدكتور بشارة إلى استخلاص قطعيّ ، مرتبك ، بل مناقض لمقدماته : ( ولكن ليس هنالك بالضرورة ثقافة سياسية محددة هي ثقافة المقاومة ) ؟ !! معتدّاً بالقرينة التالية : ( فقد ثبت أن المقاومين يحملون ثقافات سياسية مختلفة ومتناقضة. وقد شهدنا في التاريخ مقاومات حملت ثقافة قومية، وأخرى يسارية، وثالثة دينية، وحتى مذهبية. ) ، إنْ دلَّ ذلك على شيء ، فعلى الرؤية الإيديولوجية التي يصدرُ الدكتور عزمي بموجبها ، قطعية أحكامه ، وأحاديّة المنهج ( سلم تصحيح الإمتحانات ) الذي يستخدمه ، مطلقاً من الزمان والمكان ، كليّ الصواب محدده ، وهذا لا يختلف عن قطعيّات الأديان المنزلة، وأحكام فقهائها ومفسريها، مع فارق أنَّ الأديان من عالم الغيوب ، أمّا الدكتور (بشـارة) ففقيه بمنهجٍ بشري الإستنباط ، وكتابه ايديولوجيا وضعيّة ، وستبقى كذلك ، نقدها مباح ، ورفضها اختيار ، بلا خوف من التكفير ، ولا عقوبة المرتد ، بلى يوجد ثقافة مقاومة من الكلمة ،إلى الأغنية ،إلى الفن بأشكاله ،إلى الموقف ، من سلبية الإضراب عن الطعام ،مروراً بسيرة غاندي ،وصولاً إلى حمل السلاح ، وحتى الأبسط ـ الأصعب : كلمة الحق أمام سلطانٍ جائر ... أمّا إعطاء المقاومة بعداً إيديولوجياً محدَّداً في لحظة اشتباكها ، والاشتراط عليها في رؤية مستقبلية انتصارها ،إنْ تحقق ، وكيفية اقتسام مغانم الإنتصار !!، فهو وضع للعربة أمام الحصان ، و عمل إعاقة مضاف ،على كاهل المقاومة ، فمن يستطيع الجزم بشكل المجتمع المنتصر ودينامياته ؟ من يستطيع قراءة حقيقة التحوّلات ونتائجها ؟ في زمن مختلف ، بمعطيات مختلفة ، ربّما مناقضة تماماً ، على الأقل بخلوّها من العدوّ المندحر ، أشتم في شرطيّة الإنتماء لثقافة المقاومة في الميدان ، رائحة عدوى بعض ( دكاكين النضال) التي كانت وما زالت عالية السقوف في ضجيجها ، وفعلها في خبر كان ، بالتأكيد ليس ذلك غمزاً من قلم الدكتور عزمي ، الذي أحترم فيه الإنسان المناضل ، القومي العربي " الناصري " ، لكنني أخاف العدوى ،و(فيروسات) نضالاتها التنظيرية الإحتفالية ، وإننا بشر . تبقى نقطة أخيرة ، وقد أطلت ، بالتأكيد إن قضية فلسطين ليست قضيّة تحرر وطني ، وما كانت يوماً ، إنها قضيّة تحرر قومي عربي ، نوعيّة المنطلق، والأداة ، والهدف ، غير مسبوقَةٍ فتقلِِّد ، ولا منجزَةٍ فتُوَّلِّد ، هي قضيّة مختلفة عمّا سبقها من قضايا الحريّة والتحرر ، ربّما أدليتُ فيها بمساهمةٍ متواضِعةٍ ذات يوم ، آمل ألاّ يكون بعيد .
تعليقات حول الموضوع :
الأمر بالمعروف03:51:37 , 2008/08/02 أستاذ !!!!!!!!:
يادكتور منير: اترك لنا بصيص أمل !!!!!!!!، حسناً فليكن بينك وبين الدكتور عزمي بشارة اختلاف في وجهات النظر ، حلوُّها بينكم ،معشر،المثقفين ،اعملوا ندوة حوار مثمر ، لكنْ لا تجعلوا من كل اجتهاد منبر اتهام .القراءة الصحيحة بشجاعة18:16:09 , 2008/08/01 ابن البلديسلم تمّك يا دكتور منير ، قارئ بجد أنت ، قبل أنْ تكتب وبعده ، كبير الدكتور المناضل عزمي بشارة ، لكنْ صدقاً وجدت نفسي غير متفق معه في عدّة نقاط ، شكراً لك ، كأنك في قلبي ،و شكراً لشامبريس ، يبقى سؤال ، هل تعتقد أنَّ الدكتور المناضل عزمي بشارة قد أنصف المواطن العربي ؟
بخصوص القضية الفلسطينية18:32:58 , 2008/08/01 ماركسي منفتح:
تتلمذتُ على الخطاب القومي في اعتبار قضية فلسطين قضية العرب المركزية ، وعاينت واقع ممارسات أنظمة ،وقادة سياسيين ،لم تكن فيها فلسطين لامركزية حتى ولا من الأولويات ، وجدت في الفهم الماركسي ومنهجه التحليلي ، أنّ قضية فلسطين هي قضية تحرر وطني ، ونضال طبقي ، وجبهة مواجهة متقدمة لقوى الإمبريالية ، وكان ولا زال يثير حيرتي الإعتراف السريع من قبل الإتحاد السوفيتي السابق بإسرائيل ، ربّما أجد جواباً في مساهمتك الموعودة قريباً ، شكراً لك .
ما ****18:59:57 , 2008/08/01 قارئ منزعج:
يا دكتور منير تبحث عن الخلاف حتى مع الدكتور عزمي بشارة المناضل المُشّرد ،شو بدّك ؟
هذا المنتدى القومي العربي.19:14:51 , 2008/08/01 فهمان:
أليس هو نفسه الذي انعقد في بغداد لدعم العراق ضد الحصار،طبعاً مجاناً ؟ يظهر أنّ خطابه تحول إلى موضة الديمقراطية ، ما الأمر ؟ هل هو تطوّر طبيعي ؟ أم مصدر تغطية المصاريف قد تغيّر ؟ ما عدت أصدق أهل التنظير ،فقد قال الشهداء كلمتهم ، وما عداها ،لعي ومضيعة وقت .والسلام
ثقافة المقاومة19:23:41 , 2008/08/01 حنّا ماضي :
فعلاً عجبت كيف ينفي الدكتور عزمي بشارة وجود ثقافة المقاومة ، لكن نقد الدكتور منير القوي أوضح لماذا ،شكراً لك ، وللدكتور عزمي بشارة ،شكراً شامبريس
أكره الوحدة19:57:37 , 2008/08/01 سجين في منتهى السعادة:
أحبّ النظام الإقليمي (اللاعربي)ـ السايكسبيكوي ، وأنا سعيد بسجونه الـ bb وأطالب برفع جدرانها ،خاصة مع لبنان سعد الحريري وتياره ، مع لبنان السنيورة ودموع التماسيح ،مع صاحب ديوان العدل سمير جعجع وقواته ، ومؤتمراته الصحفية وتحليلاته ، ومع وليد جنبلاط ،الكذاب باعترافه لمدة be سنة ، فقط لا غير ،وتعمير الطاسة ،وتاريخ نضالاته وتقلباته ، يا دكتور منير اتق الله فينا ، جماعة صرعوا الدنيا بعنصريتهم ،وبجنون عظمتهم ،حمّلوا الربّ ( منيّةْ وجْميلةْ ) أنّه خلقهم ، فهم حجّته ، وشاهد خلقه البديع ، الكامل المكمل ،وبرهان وجوده (أستغفر الله) على العالمين ، وخاصة السوريين ، هم في لبنان "السيّد الحرّ المستئَل" ،وراسنا منهم ( شوي وشويات) ،ناقصنا وجودهم بينا ؟ أنا سعيد بسجون سايكس بيكو ، والله يديمها نعمةألف... باء... سياسة...
04:58:05: , 2008/08/02 مبتدئ:
يبدو أنّني في خريف العمر " عمري fb سنة " مضطر لمراجعة المفاهيم والقناعات !! ، لماذا الوضوح والبساطة غطته الضبابية والضجيج ؟ هل ذلك مقصود ؟ وهل بعد ذلك يُشكُّ بالمؤامرة ، ومن كل وجهة ، على مصير أمّة العرب ؟ وأخصُّ أُميّة المثقف المقولب ايديولوجياً ، في ظهراني أمّة الضاد النكوبة .
كتابتك ليست لي12:42:15 , 2008/08/02 محتّج مانو مسموع :
يا دكتور منير ،عسير عليّ اسلوبك ، يبدو أنكَ تكتب (للنخبة) ، ولستُ منها ، شكراً لك على كل حال ، أرجو أن تنتبه للغتك المعقدة غالباً ، بسطها أحسن .



وقفة حوار "ثانيّة" مع المفكر العربي الدكتور عزمي بشـارة حول بعض ما جاءهُ في محاضرتِه :
(المقـاومـة والنهـوض الـعربـي)...// مقالة رديفة من وحيِّ القرّاء المهتمّين// :
بقلم د . منـير القـوي

وقفة الحوار مع المفكّر ،والعربيّ المناضل ،الدكتور (عزمي بشـارة) ،وإنْ توجهت إليه ، إلاّ أنّها بالقطع لا تحملُ سمة الحصريّة بمعنىً ما ، ولا قالب الخصوصيّة بشكلٍ ما ، إنّها لكل مهتمٍّ بالموضوع ـ الأصل : (المقـاومـة والنهـوض الـعربـي) ،فإليه تَوَجّه صاحب المحاضرة الدكتور ( بشـــارة ) ، وإليه توجّهتُ سياقاً واتساق ، من فهمي المتواضع هذا ، أجدُ وقفة الحوار تتموضع حيث يجب ، وتستدعي بالتداعي ، استدراكاً ،ومحاولة إتمامٍ ـ ما أمكن ـ ، مدعوٌّ إليه أنا ، أمام مساهمات المعلّقين ، وما أوحتهُ آراؤهم ، وتطّلبتهُ بعض تساؤلاتهم ، في إغناء حوارٍ ، ابتدأ وقفةً ، لينتقل بمنطق تطوُّره ، إلى شبه منتدى ، مرسحه موقع شامبريس المتكرّم ،المشكور ، وللتبسيط والوضوح سأحاول محاورة كلّ مساهم ، احترامًا لدلوٍ أدلاه ، ومحاولةً تأطّيرٍ بحدود المنتظر ـ ربّما ـ من غائيّة الحوار . فإلى المشاركين : ١*المشارك :أستاذ ( تعليق : الأمر بالمعروف ) : نعم بيني وبين الدكتور ( بشـــارة ) اختلاف في وجهات النظر ، لكنّه لا طابع شخصيٍّ له ، تماماً كاختلافي معك الآن ،سواء في تشخيصك طبيعة الإختلاف ، شخصنتهُ ، أو حصريّة الحلِّ بقطاعٍ بعينه (معشر،المثقفين) ، أو في النفي القاطع لِما ذهبتَ إليه من استنتاج ـ حكم ( لا تجعلوا من كل اجتهاد منبر اتهام ) !!. فلنحاول أن نكون لبعضنا متفهّمين ، ببعضنا رُحَماء !!٢* المشارك :ابن البلد ( تعليق :القراءة الصحيحة بشجاعة ) :إجابتي على تساؤلك ـ السؤال : هل تعتقد أنَّ الدكتور المناضل عزمي بشارة قد أنصف المواطن العربي ؟ ستكون ختاماً لوقفتنا هذه ، سؤال في وقته ومكانه ، استدركَ ما سهوتُ عنه ، أو ما لم تتسع له وقفة الحوار الأولى مع المناضل عزمي بشارة .٣* المشارك :ماركسي منفتح ( تعليق :بخصوص القضية الفلسطينية ) : اتفاقنا عفوي بما عرضته عن الخطاب (القومي) ، والأقوم: القوماوي ، سطحيته ، وفجاجة جعجعة طواحين بؤسه ، نفاقه وذرائعيته، واستثماره الإنتهازي ،وتعيُّشه من بائر تجارته بالألم القومي ، في الجرح الصديدي الفلسطيني المزمن . وأمّا الفهم الماركسي ،ومنهجه التحليلي ،في رؤيته للقضية الفلسطينيّة ، ومنه : الإعتراف السريع من قبل الإتحاد السوفيتي السابق بإسرائيل ،فحديث ذو شجون ، طويل بمنحنيات وتعرجات ، بمحطات وتراجعات ، بمراجعات وانشقاقات في الحركة الشيوعية (على الأرض العربية) ، ولا يمكن تسميتها بالعربيّة ، إلاّ بعض فصائلها التي تمايزت في موقفها عن الموقف الستاليني في رفضها قرار تقسيم فلسطين عام ١٩٤٨ والذي قبِله الإتحاد السوفيتي، وساهم به ،ودعمه ، وبالتأكيد لم يكن الحزب الشيوعي السوري ،بقيادة الرفيق بكداش بينها ، بل كان بحماسةٍ في الصف الستاليني ،وبراغماتيّة دولته، التي لم يرها الماركسيون المقولاتيون، المؤمنون الكتابيون ،الإيديولوجيون المُسَلِّمون ،الغيبيون اللاعلميون، رغم ضجيج الدعوية ،والمعياريّة المدّعاة للمنهج الديالكتيكي العلمي،(الذي لاينطق عن الهوى ،"أستغفر الله" ) حسب زعمهم ،ودقّة الماديّة التاريخيّة، في تحديد المسارات المجتمعيّة، وسيروراتها الحتميّة الوجوب ؟!!،كلّ تلك الترسانة الإيديولوجيّة ،لم تمكِّنْ شيّوعيو المنطقة العربيّة ،أنذاك ،من رؤية الواقع في منطقتهم، وحجم النكبة ـ الجريمة ،بل الألعن أنّ بعض المنظِّرين رأى في المهاجر اليهودي إلى فلسطين طليعة بناةٍ ،لمجتمعٍ اشتراكي، بكيبوتزاتة، ومستوطناته، ومجتمعه التعاوني !! لم ير هؤلاء ، أنذاك ،حقيقة مصلحة الدولة الستالينيّة ، ورددوا كالببغاوات خطابها الإيديولوجي ،وحتى عندما أقرت الحل " التاريخي" للـ (مسألة اليهودية) الأوروبيّة ،استمراراً لتفاهمات (مؤتمر يالطا) بين المنتصرين، وساهمت فيه ،في حلِّ مشاكل ومخلفات ماسُمِيَّ بـ ( الحرب العالميّة الثانيّة ) ،والمنطق أنْ تُسمى (الحرب الإمبرياليّة الثانيّة) حتى ولو كان ساحها كلَّ الكون وفضاء اته ، لم ير الرفاق الموسكوبيون، أنذاك، ذلك ، فتموضعوا نقيض مناخات مجتمعاتهم ،ولصيق معناتها، فخسَّروها واتُهِموا ، وأخطؤوا بحق أمتّهم، التي بوجودها شككوا ، بل لهُ أنكروا ، وبذلك نكبة شعب فلسطين لم تعنهم ،فلم يروا ، وكانوا قوماً من المخطئين ، حتى لا أقول أكثر .... ولذلك فحتى عندما قدّموا أنفسهم ثوار تحرير فلسطين ، لم يفارقهم قصورهم المفاهيمي الإيديولوجي، ولا كلالة منهجهم التحليلي ( الديالكتيكي العلمي ) ، فلم يتجاوزوا كلاسيكية المقولة الماركسيّة ،قضية فلسطين (قضية تحرر وطني ، ونضال طبقي ، وجبهة مواجهة متقدمة لقوى الإمبريالية ) ، سبحان الله ، ذات المشروع يتطوَّر عكساً ، أو بأعجوبةٍ ،يعكس التطور وحتميّاته ، من نواة مجتمع تعاونيٍّ اشتراكي إلى قاعدة متقدّمة للقوى الإمبرياليّة ! ! ! إذاً عاشت الماركسيّة وأسفار علميّتها ... وإلى مزيدٍ من انتصاراتها الحتميّة ، حتى في حيازة قصب سبق الخائبين !!! وبالتأكيد لستَ من هؤلاء يا صديقي ، أقلهُ : لاستهجانك الدور الستاليني ، فلستَ كتابيّاً مقولاتيّاً ، بل كما تقول من المتفتحين . ٤* المشارك :قارئ منزعج ( تعليق : ما **** ) : أولاً ،لا يوجد خلاف ، ولستُ عن ذلك من الباحثين ، ففي الحياة أشياء أهم ، أجملها " برأيي" تلاقي البشر المختلفين حتماً ، وثانياً ، أنَّ الدكتور (عزمي بشـارة ) مُشـرَّد ، فإننا جميعاً شركاؤه في " نعمته " ، كلُّ عربيٍّ محرومٍ من الإنتساب إلى هويته العربية ، محكوم بالنفي والتشرد ، كلُّ عربيٍّ ممنوعٍ من الإنتماء ،وحصريّاً ،إلى أمته العربيّة ،وقضايا إنسانه العربي ،وبالمِحْرَق منها قضية فلسطين، هو سجين وأسير، ومخلوق مُهَرَّب ببطاقة مزوّرة اسمها بطاقة شخصيّة ( عددها المضبوط : ٢٣ ، بإضافة واسطة عقدها ، تلك "الإسرائيليّة" التي أُجْبِرَ على حملها الدكتور عزمي بشـارة ) ،إذاً التشرُّد فقد ميزته ، وتميزه ، بتعميم " نعمته " على الإنسان العربي ، ذو الحق الأساسي المصان ،وبحكمٍ اكتسب الدرجة القطعية ،في : السجن ، والتشرّد ،والأسر ، والنفي الداخلي والخارجي ، والغربة "في الوطن ،وفي الذّات" ، وفي إلغائه جسداً وروح ، وفي انكاره أمّة وفرد ، وله الحق " الطبيعي " في المتلازمة الثلاثيّة : ""الفقر والجوع والمرض"" ،وله حقّ الموت قهراً ، وفطيساً إذا أراد !!!أبعد كلّ هذا تراني أبحثُ عن خلاف ؟ وهل لديَّ الوقت ؟ أمّا العمر فمفروض عليّ ولم أُسْتّشَرْ ( لبستُ ثوبَ العيشِ لم أُسْتّشَرْ..... ) .٥* المشارك :فهمان ( تعليق : هذا المنتدى القومي العربي.) : نعم هو نفسه الذي انعقد في بغداد لدعم العراق ضد الحصار،و المُلفتُ للنظر :توالي الخيبات التي تعقبُ انعقاده !!، وغالباً استدعاءً لأنظمة بعينها ، تُكثر الضجيج القوماوي ، وتُحجم عن العمل القومي ، أمّا تغطيّة مصاريفه : فلم أشارك به ،وككل عربيّ عادي أشارككَ السؤال ، وأمّا تطوُّر الخطاب فلا أراه ،وإنْ كانت المقبلات تتبع المواسم ،ويبقى أهلُ التنظير وضرورتهم ،فالآراء فيهم متباينة ، وهم في كلّ العصور والأمم ، وسيبقون .٦* المشارك :سجين في منتهى السعادة ( تعليق : أكره الوحدة ) : مساهمتكَ أيّها المتألّم رسالة بالبريد المضمون ،مع إشعارٍ بالإستلام، للدكتور المناضل (عزمي بشارة ) ،تؤكّدُ وجود أمزجة متعددة،لامزاج واحد،ولو أضيف إليه وصف (العام) ،باعثها لحظة انفعال ،آنية هي ،لاعقلانية هي ، وتحتمل في ترجمتها أفعالاً في كلّ اتجاه ،وأما الصورة البانوراميّة للبنان الذي ترى ، فأرى عكسها طردياً ، وبالمرآة ، لاتوازياً بالتلازم ، فلبنان في جوهره ،هو المقاومة التي هزمت المحتل ، وحررت التراب والإنسان ، حيّاً وميّتاً ،وأصرّت على عروبة هذا الإنسان في صفقات تبادله ، وأنكرها ،بل جرّمها ( الإقليميون ،وعربان الإعتدال ،والمطبّعون ) ،ورفاة بعض الشهداء ـ اسرى المقابرالرقميّة الصهيوية ،ناطقة ،في انتظار وصولها إلى مساقط رأسها ، في عقوبة لم يصل إلى ابتكارها الإجرامي، إلاّ بعض حكّام هذا : النظام الإقليمي (اللاعربي)ـ السايكسبيكوي ـ البلفوري الصهيوني ، وسدنته "الميامين" ، لبنان الحقيقي هو الذي أكّد على حقوق الأمّة ،بالدم الزكيّ ، ولغة المقاوم ، ولتكنْ الأمّة بكل تعاريفها : السـوريّة ، العـربيّة ، الإسـلاميّة ، فكلّها متقدّمة على الإقليميّة المصطنعة، والإنغلاق الديني المستحدَث، والتمترس الطائفي والفئوي ، الذي تراه في لبنان ، إنَّ هؤلاء لترجمة ""مزيِّفة ،مزيَّفة "" وظاهرة مرضيّة ،من ظواهر واقعٍ لاطبيعي ، مُفَبْرَك ومفروض ،على التاريخ والجغرافيا ،وعلى إرادة الإنسان في التطور ،وإنهم لزائلون ،ككل الموانع والعوائق التي تعترض إرادات الشعوب ،في الحريّة والتقدم والعيش الكريم .٧* المشارك :مبتدئ ( تعليق :ألف... باء... سياسة....) : أتفق معك 100% ، في أسئلتكَ التي تحمل أجوبتها ، وقديماً كما قيل : (العلم في الصّغر كالنقش في الحجر) ، قيل أيضاً : ( طلبُ العلم ،من المهد إلى اللحد ) ،والصين ليست ببعيدة بوجود الإنترنيت ، فكيف والتعّلم لا يحتاج الذهاب بعيداً ، بل رؤية واقعنا المعاش كما هو ؟!! ٨* المشارك :محتّج مانو مسموع ( تعليق : كتابتك ليست لي) :أعترفُ أنّها ليست المرّة الأُولى التي أُنبّهُ فيها إلى أسلوب كتابتي ، محقٌّ أنت ، وبمحبّة أجيب :(من شبَّ على شيءٍ ،شاب عليه) ،فهل تنفعُ الأصباغُ ؟ سأُحاول ،ورجائي ألاّ أكوننّ من الخائبين !! .وأعود إلى السؤال المُحّق :هل أنَّ الدكتور المناضل عزمي بشارة قد أنصف المواطن العربي ؟ والجواب ببساطة : (لا)،لأنّ المثالية التي تذهب في طلب بلورة التيار السياسي المقاوم، دون اعتبار المعوقات التي تعترضه ،تحديدها ،واقتراح الحلول العملية لها ، هي من صنف ذات القصائد العصماء المنابرية ،التي تشدُ الحضور المتجانس ، أو بعضهُ ، قد تُثير حماسهُ وتصفيقهُ استحساناً،وتُرضي مُعتلي المنبر المُحتفى بهِ ، ولكنْ تُترَك في القاعات ،حين الذهاب إلى المآدب الإعتياديّة ،في مثل تلك المناسبات الشعائريّة ، ويبقى السؤال الأهم : أينَ الجماهير المُعوَّل عليها ؟ لنجد الجواب عند الدكتور المناضل (عزمي بشارة ) ذاتيّاً نرجسيّاً، كمعظم المثقفين ، اتهاميّاً تطهريّاً ،في جلدٍ للذات ،يجيده بامتيازٍ الهاربون إلى الأمام ، والمفوهون الشعبويون ، فالنضال في سبيل الحريّة كلٌّ لايتجزأ، صحيح بالمطلق ،ومثالي الهدف مشروعه، ولكنّ مرحلية برامجيتة ، في سبيل مقاربة الحريّة ـ الهدف ،ولا أقول بلوغه لاستحالته واقعياً ، تقتضي في رأس أولوياته : رؤيةً واقعية ،علمية ،للإنسان المعني ، أداة النضال وغايته ، فلا يكفي من المثقف مطالبتُهُ ، في محيط نخبوي ، ولا تُقبَلُ منهُ لغةً رغبويةً تنظيرية ، وكلُّ ذلك مارسه الدكتور (عزمي بشارة ) وزاد عليه اتهام الإنسان العربي بالتواطؤِ مع أنظمته :( وكذلك فإن تيارا سياسيا في بلد "عربي" لا يتعرض لاحتلال اجنبي وتتلخص مساهمته ضد الظلم في بلده بالتضامن مع المقاومة في بلد عربي آخر يتعرض للاحتلال الأجنبي، ولا يجسد »ثقافة المقاومة« هذه بمقاومة الظلم في بلده، مصيره ان يتواطأ مع الظلم في ذلك البلد. فهو يحول المقاومة الى تبرير لكي لا يناضل ضد النظام بل ليطالب النظام ان يدعم المقاومة ضد إسرائيل أو ضد اميركا. وهو يعلم ان النظام لا يعادي إسرائيل وأميركا، بل يتحالف معهما. وحتى لو دعم المقاومة لفظيا نظامٌ معاد لها بعد ابتزازه شعبيا أو نتيجة لحاجة لحظية لمسايرة المزاج الشعبي العام، فإن وظيفة التيار السياسي المقاوم هي فضح لفظية هذا الدعم وتناقضه مع الممارسة وليس التحجج به ليشعر بالشراكة مع النظام ) !! يا سبحان الله لايرى الدكتور (عزمي بشارة ) ،لا السجون ، ولا مزري الواقع العربي ، ولا أنظمة الأمر الواقع وفاتك أدواتها ، يريدُ إنسانا عربياً ،متخيلاً (سوبرمان) ، وليس هذا الإنسان ،من لحم ودم ومعاناة ، والمستلب في هويته وانتمائه ووجوده ، والذي يصفهُ صراحة بالمتواطئ الخانع المقعد ،وكل ذلك بإرادته الجبروتية السوبرمانية !!!،التي يعطّلها إرادوياً وبخيارٍ حرّ !!، هكذا يظهر استعلاء المثقف ، وهكذا تنكشف نرجسيته الهشة ، وتطهريته من مسؤوليتة عن واقع هو صنع (الآخر) المخطئِ أبداً ، بمقابل ( الأنا) المتورمة ،والتي تمتلك الحقيقة ،فهي الصواب المطلق ، المحِقُّ دائماً ، إنَّ الدكتور(عزمي بشارة ) في اتهام الضحيّة بمسؤوليتها عن ساديّة جلاّدها ، لم يصفها بالمازوشية المرضيّة فقط ، بل بارتكابها التشاركي التواطئي ،فعلاً إجرامياً مداناً ،لا خُلُقياً فحسب ، ولكن بنصوص قوانين العقوبات الوضعيّة ، وهنا يمارس الدكتور(عزمي بشارة ) أقصى درجات جلد ذاته (الفردية) ، باسقاط ممارسته على الذات (الجمعيّة) التي تتفاعل معها بديناميّة لا واعيّة ،في تقييمٍ (ذات) شخصيّة انتماء مشترك، منتقصة الإحترام ،مهزوزة الثقة ، حائرة البلورة ، مترددة الإنتماء ، فهل غريب في منظومة منطقٍ كهذا أنْ تُقتلَ الضحيّة ثانية ، وثالثة ، وعشرة ، لا مرّتين فقط ؟ !! كلمة أخيرة ،أجدني ملزماً بقولها : كلمة شكرٍ للراحل الكبير الأستاذ (ممدوح عدوان )،الإنسان الكليّ ، قبل المفكر، والشاعر، والأديب، والمنتمي ، فله الفضل في السبق وتحبيذ اللغة الحواريّة النقديّة ، وبضراوة رأس المخرز حين تقتضي الضرورة ، وللعربي السرمدي ،المفكر القومي : الدكتور (عصمت سيف الدولة ) خاصة في مؤلفه :( حـوار الشـــباب الـعــربي ) الذي كانت مقارباته لكتابات كتّاب جيلنا : على السّفود ، ماتا ،رحمهما الله ، وشاخ جيلنا ، لكنَّ الشباب العربي متجدِّدٌ كلّ يوم .