استهداف إيران ليس لذاتها ، فإيران الشاهنشاهيّة كانت أثيرة مستهدفيها اليوم ، بخلاف سوريا وخط المقاومة العربيّة ، اللتين ـ بتموقعهما ـ هما دائماً تحت التصويب ، وضُمّت إليهما إيران ـ الثورة الخمينيّة منذ انتقالها الثوريّ صراحة إلى قطبٍ مقاومٍ للهيمنة الإمبرياليّة باكراً ، قبل حتى جديّة تصديق احتماليّة انهيار الإتحاد السوفيتيّ ومنظومته ، رغم دراساتٍ جادة تنبأت ، بل ووضعت التواريخ التقريبيّة بحصول الزلزال الجيوـ استراتيجيّ ـ السياسيّ الصاعق ، ( انظر: بول كندي " صعود وانهيار الامبراطوريّات "" ) .
فبالحديث عن استهداف التموضع يتحدّد سمت الرؤية ، فلا يُعدَم الماضي على مذبح الحاضر ، ( فمصر ـ الأمس ـ مثلاً ـ ، هي إيران ـ اليوم ـ تموضعاً ـ ) ، ولا يُضخَّم الحاضر وكأنه استثنائيّة تاريخ ، أو في قطيعة طُفريّة عن سيرورته ، مع الإعتراف بنوعيّة الإنعطافات وحدّتها ، وأقصى درجات الحدّة هو ذهابها إلى النقيض المطلق ( الحالة الإيرانيّة مثلها ) ، فهنا لا مكان للعبة الخانات الفارغة ، في عبثيّة ألعاب البحث عن الكلمة الضائعة ، المعروفة دائماً لمصمم اللعبة ، موزِّع ـ بفهلويّةٍ ـ حروفها بين تقاطع الكلمات المتشابكة .
هكذا تماماً ، ترصد بانوراميّة الرؤية الفاحصة الممحّصة ، استمراريّة إرادويّة التخطيط الهادف المبرمج ( لا المؤامرة ) وموضوعيّة الشروط الممّكِّنة تحقيق غاياتها ـ الهدف ، وقد وفرت الساحة العربيّة المشتعلة ، منذ قرابة العام ، فرصةً نادرةً لها ، فرصةً زلزاليّةَ التوصيف ، وتوقيتاً حرجاً على ميقاتيّات الإقليميّ والدوليّ ، واشتباك مصالحٍ فاقدٍ الحسم ، مشتت الإتجاه ، حيث برز مرتزقة عمالقة ، وممولون ""حديثوا نعمة "" جاهزون للدفع لقاء دورٍ ، أيّ دور ، لايبحثون عن معقلن الإستثمار إلاّ نادراً ، بينما هم ـ دائماً ـ في بحث القزم عن قامة العملاق ، بعقدة عصابيّة مستحكمة قاهرة ،يدارون بذكيّ استثمارها ، وفي عقم مساراتها يتحرّكون . في لحظة آننا المأزوم ـ هذا ـ لا يمكن لتحليل في العمق يحترم العقل وناطق التاريخ ، وهو يتتبع سرديّة حوادثيّته المستمرّة ترابطاً سببيّاً في مسار ذات الموضوع ، بين نفس اللاعبين ، الذين ثبت بعضهم في تموضعه ، أو ثُبِّت قسراً فيه ، بيدقاً لا يملك إلاّ خيار العبد المأمور ، بينما ذهب بعضهم الآخر إلى تموضعاتٍ نقيضة تماماً لخندق مواقعهم السابقة ، وبخياراتهم حتماً ، بغض النظرعن تنوعيّة الدوافع ومنابع صدورها ، والسبل المتّبعة في تفعيلها واستثمارها .
تحليلً هذا منطقه وذلك منطلقه ، لا يمكنه بدايةً ، بل ولا بدّ له موقفاً ، من إظهار استسخافه واستخفافه بغوغائيّة وضجيج ذلك المنطق المتهافت لببغاوات الردّ المعلّب ، باتّهام كلّ ذي رأيٍّ تعجزها ضحالتها المعرفيّة ، ورقيق إيمانها الديمقراطيّ القاصر عن احترام ( الرأيّ الآخر ) ـ فضلاً عن فعليّ عدم احترامه ـ برميّ كلّ مخالفٍ بأنّ ما يأتيه ، أو يؤتيه ، إنّما يصدر عن اعتناقه ( نظرية المؤامرة ) ومرض زَوَرِها ، وعقد اضطهاد المحبَطين أصحابها ، إلخ !!! ...
مما لا يستحقّ التوقّف لردٍّ أو مجادلة ، فذلك مضيعة للوقت صُراح ، فكليّة العبثيّة وضائع الجهد هما محاولة تغيير قناعات متمذهبٍ مغسول الدّماغ !!! . فخارج فضاءآت ذاك الغسيل الممنهج المدروس ، وبعيداً عن مياه سباحاته العكرة الآسنة ، لا تختلف رؤية متابعان جدّيان لمجريات الأحداث ـ المنعطفات في المنطقة العربيّة ، أنّ عميق قراءة ديناميّاتها المركّبة (من داخليّة تراكميّة مفجِّرة ـ متفجرة ، وخارجيّة مستفيدةٍ ، فموجّهةٍ ومؤثِّرة ) ، بشموليّة سردية حوادثيّتها ، لا تستقيم منهجيّاً إلّا باحترام ـ المرجعيّة ـ الإسناد ـ درس التاريخ ، فهوالمؤطِّر لتتابعات وقوعها ، المترابطة تصاعديّاً لولبيّ النموّ ، أحاديّ مشيمة الديمومة ـ الفعل الخالق ، المشمولة دائماً برعايةٍ هيمنيّةٍ مصمّمةٍ لضبط فعلها ، إلى الصيرورة ـ التعبير الوقائعيّ لمآلاتها ، وإنْ بدا من انقطاعاتٍ زمنيّةٍ بينها ، فذلك ليس أكثر من خادع سرابٍ مضلِّلٍ ، تُسارع لالتقاطه سطحيّة التحليل المستسهِلة ، من نسق الإتهاميّة أعلاه وتنميطيّة تصنيفاتها ، لأنّه ـ وفي العمق القواعديّ ـ المؤسِّس ـ عِليّاً ـ لتلك الأحداث ـ المنعطفات ـ تشكّلُ تلك الإنقطاعات الزمنيّة محطات كمونٍ في بُعْدٍ تراكميٍّ بنيويٍّ لديناميّةٍ متحرّكةٍ بلا انقطاع ، تعبّر في لحظة التحوّل النوعيّ بتمظهراتٍ ، تختلف في حدّتها طرديّاً مع كينونة الكم المتراكم على محمولٍ محدَّد المنحى والهدف ، حيث يعجز الواقع الآنيّ ـ رحمه الحاضن لتطورات نموّه ومغذيها ـ عن لجم ضاغط ديناميّة حراكه ، أو ضبط نبض إيقاع فعله ، ولو باستعمال كلّ مافي ترسانة ذلك الواقع من أسلحة المحافظة على استمراريّةٍ مستحيلةٍ ، في نقطةٍ ترفض ـ غباءً ومكابرة ، ولا مكابرة بلا قسط غباء ـ ترفض الإعتراف أنّها تحاول ـ وبلا جدوى ـ تعطيل قانون حتميّة التغيّر ، فالتغيير ، فالتلاؤم ، فالإندماج في مسارديمومة التطوّر الأزليّة للكائن الجدليّ ـ الإنسان ، حين تحلّ لحظة حتميّة استحقاق المخاض .
ذلك البسط ـ المدخل ينقلنا عفويّاً ، وباستدعا ئيّة مفهومة ، بل وضروريّة للفهم أيضاً ، للربط المنطقيّ تحليليّاً ، وجدليّاً تاريخياً ، بمنطق شموليّة الرؤية المؤسَّسة على :
١ ــ حقائق الجغرافيا الثابتة موضعاً مُعطى ( منطقتنا ) ، وتموضعاً ، جيواستراتيجي علائقيّ حكماً ، قسريّاً غالباً ، منذ قرون .
٢ ــ تغيّرات التاريخ على ثبات الجغرافيا باستمراريّة الزمن ، في سرديّة تأريخٍ ـ واقعاً متحركاً ـ ولو بدا ـ لوهلاتٍ ـ سكونيّ مستنقعيّ ، وهذا ـ ثانيةً ـ خادع ومخادع ، ويزيد القراءة عمهاً ، حين تسمح بعض التسرّعات ـ التسارعات ، بادعاء علميّة التحليل ، وموضوعيّة نسبيّة المعطى المحايد ، برؤية الحركيّة الإنقلابيّة نكوصاً ـ عكس السير ـ بما لا يتفق بحالٍ مع حقيقة أنّ ذات الماء لا يمر تحت ذات الجسر مرتين !!!
نعم يدعونا للربط المنطقيّ بين حقبتين ، بل ثلاثة ـ تفاعليّاً ـ ، من تاريخ منطقتنا : ــ حقبة الخمسينات ـ الستّينات من القرن المنصرم ، وقد انتهت ولم تنته تأثيراتها ـ المفاعيل . ــ حقبتنا المعاشة المستمرّة ، المبتدِئة في العام الأخير من سبعينات القرن العشرين ( عام الثورة الإسلاميّة الخمينيّة الإيرانيّة ) ، ولا زالت في معركة تبلورٍ لم ينجل غبار ساحاتها . ــ أربع سنوات بالتحديد بين الحقبتين ،، بين ( 1973 ـ 1977 ) ، شكّلت مرحلة تحوّلات ـ جسر عبورٍ ، لانقلابات سياسيّة جيوـ استراتيجية ، بعضها ارتقى إلى مرتبة الخيانة ، وللذات قبل الآخر ( مثالها : الإنقلاب الساداتي ، والدّاخلي قبل الخارجي !!) ، بلورت اصطفافات إقليمية مرتبطّة بقطبي الحرب الباردة ، وبالقطب الأمريكي بالتحديد بعدها ، خاصّة مع بروز مصطلح البترو ـ دولار الخليجي ، وأسطوريّة أرقامه الفلكيّة بعد طفرة الأسعار ، عقب استعماله ـ المُدّعى ـ سلاحاً في الحرب العربيّة ـ الصهيونيّة عام 1973 ، والحقيقة أنّ بسيط عقلانيّ التفكير، يصل بسهولة إلى أنّ شركات البترول الغربيّة ، القابضة على زمام ذلك النفط ـ المسمّى عربيّاً نسبّاً لتربة مخزونه العربيّة ،أو هكذا كانت تسمّى !!
ـ استخراجاً ونقلاً وتكريراً وتسويقاً ، قد اهتبلت المناسبة لتحقيق ربحيّة فلكيّة الرقم ، ومن جيب المستهلك في العالم الأوّل ، المستهلك الرئيس للسلعة النفطيّة ، أي من جهد مواطنها أولاً ، مما جعل محاولات " موطنة النفط وتجنيسه " وشعاراتها : ( بترول العرب للعرب ، لكل أمّة العرب ، يمْناخد منهُ حقّنا الكامل ، يمْنشعلو لهب " تنشد المؤدية الصادحة " ، لهب ، لهب ، لهب لهب لهب ، يردّد الكورس ، وخلفه جماهيرالمخدوعين العرب !!! ) في تمثيليّةٍ هابطة المستوى من كوميديا سوداء سخيفةٍ ، بلون الزفت ، سليل النفطّ ، كابر عن كابر !!!
من هذه النقطة الأخيرة ( تراكم الثروة البتروليّة المفاجئة ) بيد الأسرالقرنوسطيّة ـ الحاكمة الخليجيّة ، سيتابع الجزء الثاني وربّما الثالث و الرّابع ...، تفقير الموضوع ( من فَقَرَة ، لا فقر ) حيث ستستعرض الأجزاء اللاحقة : ــ الفرصةً النّادرةً القائمة ودقّة توقيتها . ــ المستهدِفون ودرجاتهم ومدروج المصالح .
ــ المرتزقة بين العملاق والقزم . ــ الممولون وطبيعتهم . ( يتبع ،فللموضوع لواحقه ـ الصلة ) .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق