من قلم : د .منير وسّوف القوي
المتابعة اليوميّة المستمرّة لتطوّرات الحدث السوريّ ، والرصد المواقفيّ المجرّد لمختلف أطرافه ، الرئيسيّ من لاعبيه الفاعلين ـ واقعاً ـ في صناعة حدثه على الأرض ، أو الطرفي الثّانويّ الملحق ، وبأوامر" غرف عمليّات " تدير الجانب " الدعائيّ ـ الدعاويّ ـ الميديوي ـ البروباغاندي " ، يسمحان باستخلاص نتائج ، تتراوح في موضوعيتها بين :
ــ التقزيم المستهتِر المستهزِئ المستخِفّ ،
ــ و التهويل المضخَّم ـ المضخِّم ( بالفتح والضمّ ) ، مجافياً في كلا التّطرّفين ، صفة الموضوعيّة ، في التّعامل مع الحدث السّوري ، ودّقة خصوصيّاته التي يستحيل تجاهلها ، أو القفز فوق واقعها الفارض واقعيّة ضرورة الإمساك بكلّ خيوط تجاذب وتنافر ، اشتباك وتشابك ، جميع المعطيات ـ المؤثّرات ، المتعددة المشارب والأهداف ، وتحديد نسبيّة فعلها وفاعليّتها في صناعة الحدث السوريّ بامتياز خصوصيّة تمظهره ، فضلاً عن امتداداته العضويّة ـ إقليميّاً ودوليّاً ـ وانعكاساته الحتميّة ، جيوـ استراتيجيّاً ، على الإقليم وبلدان الحوض المتوسطيّ بالخاصّة ، وبالضرورة على كليّة بنيويّة التوازن الدوليّ ومرتكزاته ـ المسلّمات ، منذ طيّ صفحة " الحرب الباردة " ـ كما اعتُقِد وشُيّع ـ منذ بداية العقد الأخير من القرن العشرين ، والتي ، يبدو اليوم ، أنّها لم تكن إلاّ هدنة مؤقتة لالتقاط الأنفاس في نواة المعسكر الذي أُعلنت هزيمته ( الإتحاد الروسيّ ) ، وانكشاف نواقص النصر بارتكاب صاحبه ( الولايات المتحدة الأمريكيّة ) من أخطاء إدارويّة قاصرة ، وخطايا سياساتٍ امبراطوريّةٍ حمقاء وقاتلة ، تتساوى في ذلك الإدارات الجمهوريّة والديمقراطيّة ، مما لم يُطح بالنصر الناقص فقط ، بل جعله انتصار خادع وافتراضيّ مفترض ، يتطلب تكريسه واقعاً ، خطوات تكتيكيّة ،واستراتيجيّات ـ مشاريع مطبقّة ، من الجانب الأمريكي ، والتي ، يبدو اليوم ، أنها لم تقدْ مطلقاً إلى بلوغ هدفها الموضوع ، بل بالعكس تماماً ، فقد قادت الولايات المتحدة الأمريكيّة ، أولاً ، " لا " لإضاعة هدف إنجاز النّصر الناقص فقط ، أو بشارته على الأقلّ ، بل وضعت نفسها ( الولايات المتحدة الأمريكيّة ) ومعها العالم كلّه ، تالياً ، في خضمّ عاصفة أزمة انهيارات ماليّةٍ ، وركودات اقتصاديّة ( لا أزمات فقط ) ، وسياسات تدخليّة عدوانيّة ، ومنها ــ وفي بعض وجوهها الأبشع ــ ، سلوكيّات تآمريّة مافيوية ، وإجراميّة مخزية ، لا تليق بأخلاقيّات دبلوماسيّة دولة عظمى مسؤولة ، بل ولا تنحطّ إلى سويّاتها سياسة دولة مارقةٍ بحصريّ التعريف !!
هذا البسط للسياسات الأمريكيّة اقتضاه وحمل على ابرازه ما تلعبه سياسات تلك الدولة ، ومراكز دراساتها وأبحاثها ، وأنشطة مخابراتها وعملائها ، ومثقفوا " مارينزها " ، وحديثاً مثقفوا " أُوتانها " من كبير الدّور ، بل مركزيّته وقياديّته في ( الحرب النفسيّة ) المستعرة ضدّ سوريّة ، شعباً وجيشاً ونظام ، وعلى الجميع ، موالاة ومعارضة ، وخاصّة المعارضة النظيفة ، وبلا تكافؤٍ ـ لا إمكانيّاتي ولا تخصصي ، ولا لوجستيٍّ تعبويّ ممنهج ، وكلّه حقائق لا يفيد فيها التجاهل الإنتهازيّ ، ولا الإنكار السياسويّ المرضيّ ، بل يقود إلى المزيد من الأذيّة الواقعة ــ مع سبق التّرصّد والإصرار ــ ليصبّ ، ولو عفويّاً سذاجويّاً ، أو عمداً تواطئيّاً ، في طواحين مسببيها ، ويزيد رافد سلبيّ " النكران " المكابر ، لنفيّ القصور الماديّ المنطقي المفهوم ، أوالتقصير الحقيقيّ اللامُبَرَّر القائم في استثمار وتوظيف المتاح ، إلى روافد أسبابها .
من تلك الزّاوية ، تصبح القراءة السياسيّة للتسريبات المترددة لتسرّب ( المقاتلين الإسلامويين ) إلى السّاحة السّوريّة ، ونتائجه الحسمويّة !! والتغييريّة النوعيّة !! ، ضرورة منطقيّة ، وحاجة موضوعيّة ، لاتُخرجها من بعدها " التعبوي " في سياق الحرب النفسيّة المشرعة التسعير والسُعار ، ولا تخرج بها عن واقعيّة التحليل ، في محاولة وضع النقاط على حروفها ، فلا تخطئ القراءة بحَوَل منهجيّ ، ولا ينتصرغرضيّ التضليل بإحلال مكان الواقع الفعليّ آخر افتراضيٍّ قصدويّ التوظيف .
فهذا التسرّب الماديّ للمقاتلين سيكون بلا جدال عبر الحدود السّوريّة البريّة ، فليس المعروف عن هؤلاء ( المقاتلين الإسلامويين ) مهارات ( عيسى العوّام ) ، فضلاً عن عقباتها ، التي ليس آخرها يقظه سلاح البحريّة السوري ، بحكم حالة الحرب القائمة مع العدوّ الصهيونيّ ، ومهمّة الجيش السوريّ الدائمة في المواجهة المفتوحة على امتداد الجبهات ، ومنها " الجبهة البحريّة " بمفردات التعبويّات الحربيّة وتسمياتها .
وإذاً تبقى الحدود السّوريّة البريّة طريقهم إلى الدّاخل السّوري ، ولئن كان لا يجب التقليل من خطورة تلك الظاهرة ، مهما ضؤل شأنها ، فإنّه بالمقابل لا يجب التهويل بتأثيراتها ومنعكساتها على مسارات الحدث السوري واحتمالات مآلاته ، فليس هؤلاء المقاتلون الإسلامويّون كلّاً واحدًا متجانس ، وليسوا جيشاً مغوليّاً عرمرماً ، فليكنْ لهم حسابهم ، ودقّة تقدير تموضعهم ، وحقيقة قوتهم بلا بروبّاغاندات ، لتجنّب الإنزلاق إلى الرغبويّة ، ومن كلّ الأطراف اللاعبة لذاتيّة أغراضها المختلفة والخلافيّة في الأزمة السوريّة الملتهبة ، والدّالفة إلى شهرها التاسع دون وضوحٍ في تحديد ، لا تاريخ الولادة ولا جنس المولود !! فالكل لا يتقيّد بالمواعيد المعلنة فتتغيّر " روزماناتها " ( تقاويمها ) ، ويبقى جنس المولود أمنية لا حقيقة واقع ، والمشكلة تكمن في أنّ يكون قد أصبح مشوَّهاً بمديد الحمل المتعسِّر ، وباختلاف اجتهادات وكفاءة " القابلات " المتنطعات لرعايته وتحديد تاريخ الوضع المنتظر بلهفةٍ ، ومن الجميع ، ولكلٍّ رغبويته ومصالحه ، الأهل المزعومون قبل الحقيقييّن ، والأباعد قبل الأقارب والجيران ، وخاصّة العدوّ الشّامت على عتبة الدّار ومنتهك " جولانها " :
لذلك سأبدأ بجبهة المواجهة " السّوريّة ـ الصهيونيّة " ، لتكون الخاتمة بالحدود الطويلة " السوريّة ــ التركيّة " التي انتقلت بسرعةٍ " انقلابيّةٍ " سياسيّة ، خلال بضعة أسابيع ، إلى نقيضها على امتداد عقد من الزمن !!! :
ــ أولاً : جبهة المواجهة السّوريّة ـ الصهيونيّة :
منذ عام 1974 ، وبعد ( اتفاقيّة الفصل ) بين القوات المتحاربة " السورية ـ الصهيونيّة " في أعقاب ( حرب استنزاف ) سوريّةٍ مديدةٍ ، تلت ( حرب 6 تشرين 1 ـ أكتوبر ) لعام 1973 ، فرضت على الوسيط الأمريكي الكيسنجري التدخل ، لإنجاز تلك الإتفاقيّة على الباقي من الجولان المحتلّ برسم خطوطٍ لوقفٍ إطلاقٍ للنار على الأرض ، وعلى جانبي منطقة عازلةٍ بين المتحاربَين ، إذاً إنّها منطقة عسكريّة ممسوكة لا تسمح بتسللٍ ، ولو تمنى الصهيونيّ ذلك أو أراده ، أو وُجِد من الإسلامويين البراغماتيين المرتبطين من يقبل بذلك مسلك ، وهم قلّة على كلّ حال .
ــ ثانياً : الحدود السوريّة ــ الأردنيّة :
إنّ الشارع الأردني المشدود ـ بشبه كليّته ـ إلى القضيّة الفلسطينيّة بحكم واقعه البنيوي الديمغرافي والتاريخي ، والذي جعل اتّفاقيّة ( وادي عربة ) وثيقة " تواطؤٍ فوقيٍّ " بين نظامين حاكمين يتبادلان الخدمات ، يجعل من الشعب الأردنيّ ، بغالبيّة تياره المسلم المسيّس " حمساوي الحراك " على الأرض ، وإنْ بقيت أدبيّاته السياسة وبياناتها تزخر بالدّعويّة والتعاطف والدّعاء بالنصر والسؤدد لـ ( ثوّار " الجمعات " ونداء : تكبير ...... !!) ، أمّا قواه القوميّة والوطنيّة ، فقد أصبح موقفها ـ بالمجمل ـ واضحاً من الحدث السوري بالقلم والوفود والتجمعات الداعمة لسوريّة الرسميّة ، وصل بعضها ، في واضح تعبيريّته ، إلى عراك بالأيدي على الشاشات !! ، ويصل المجتمع الأردنيّ لعيش الحدث السوريّ أكثر كلما اقترب من الحدود " السايكس ـ بيكويّة " بين الأردن وسوريا ، حيث تصبح الديموغرافيّة واحدةً عابرةً للحدود ، والأزمة السوريّة تنوء بكلكل إيقاع يوميّاتها على الواقع المعاش ، فالمشاكل وآثارها لا يمكن لجمها في الجانب السوريّ خلف الحدود ، وما حصل من اضطرابات عاصفةٍ في ( الرمثا ) ، بسبب تجارة السلاح وتجّاره وسماسرته أجبر الحكم الأردني للإسراع إلى الزّج لا بالقوى الأمنيّة المدعّمة فقط ، بل بالجيش ودباباته للإمساك بالشارع وضبطه في منطقة مثلثٍ حدوديّ أردني ــ سوري ــ فلسطيني ( حيث الكيان الصهيوني الغاصب ) !!!
كلّ ذلك والحكومة السوريّة لم تبد رد فعلٍ محدد ، أوتتقدّم بأيّ طلبٍ معلنٍ إلى الحكومة الأردنيّة !! فكيف إذا أُخذ بالإعتبار الأمور التالية :
ــ إنّ الحدود السوريّة في ذلك المثلث هي امتداد لجبهة الجولان وعمقها ، وطريقها إلى دمشق العاصمة ، وتتمركّز في تلك المنطقة ، وجوارها الحورانيّ ، فرق من الجيش العربيّ السوريّ وأمنه منذ العام 1948 .
ــ أنّ سكّان الجانب الأردني من الحدود يعتمدون اقتصاديّاً ، وبعضه تهريب لا شرعي " أحياناً مسكوت عنه " ، وحتى في معاشهم اليوميّ يقصدون السوق السوريّة .
ــ مثلت سوريّة للأردن دائماً مصدر معونة أخويّة ــ واجبة لا متوجّبة ــ من الماء والدواء إلى القمح واللحوم ، وتلك حقيقة تُستدعى لا " لِمَنٍّ " أبداً ، ولكن للإشارة إلى واقع واجب اقتسام الرّغيف بين الإخوة ، في لحظة انهيارِ أخلاقٍ وقيمٍ سمحت بالخوض ــ ولو افتراضيّاً ــ في سود سيناريوهات التآمر من الأخ على أخيه ، وطعنه في الظهر، وشهر سلاح الغدر عليه !!! .
ــ وجود آلاف الطلاب من الأشقاء الأردنيين في الجامعات الرسميّة السوريّة " المجّانيّة " ، في حين يدفع الطلاب السوريون باهظ الأقساط في جامعات الأردن ، فالأردن رابح مرتين !!! .
ــ تجارة الترانزيت ، ونافذة الأردن الحقيقيّة لتجارته البحريّة ، طريقها الفعليّ عبر سوريّة ، ولا بديل في المستقبل المنظور .
لكل تلك الأسباب ، بين أُخرى ، ومنها ـ خاصّةً ـ الطبيعة الجيوـ ديمغرافيّة للبادية السورية في الباقي من التواصل السّوريّ ـ الأردنيّ ، فإنّ الحدود " السوريّة ــ الأردنيّة " تفقد كل إغراءٍ عمليٍّ لتسلل العنف الإسلامويّ المنظّم الفعّال إلى الأزمة السوريّة ، وأمّا التسلل الفرديّ فيبقى معزولاً ولا يعوّل عليه .
في الجزء الثاني يستكمل المقال رؤيوية استعراضه للباقي من الحدود السورية مع الجار التركيّ والشقيقان العراقي في الشرق ، واللبنانيّ في الغرب .
( يتبع ) .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق