الأربعاء، 28 ديسمبر 2011

إشكاليّة الديمقراطيّة ولعنةالدم


من قلم : د. منير وسوف


نّ دم الإنسان حرمة بالمبدأ ، وربّما كلّ دم ، حتى ماحُلِّل منه ،لارتباط سفكه بعنيف الفعل وغلبة الحيلة ، بغض النظر عن تبريراتٍ تحملها إيديولوجيّات وضعيّة أو مقدّسة ، ولو كان حلال تقديم أضحية ( هنا أنوّه أنني لا أتعرّض لأحكامٍ شرعيّة ، أبداً ، فليس ذلك هدفي ، وليس هنا المكان المناسب ، فضلاً عن أنّني لا أسمح لنفسي بالخوض في جدلٍ محسوم النتيجة بمنطق المقّدس ، ولكنّه رصد ظاهرة موضوعيّة ، من الإجحاف واللامنطق تجاهلها ، فكيف بنكرانها ؟ !!! ) ، من وجهة النظر تلك ، ربّما يستطاع فهم ( فلسفة النباتيين ) الرافضين تناول اللحوم ، وعدم حمل موقفهم هذا على حامل مرضيّ أو اضطراب بنيويّة نفسيّة ، حرمة تقررت منذ أدرك الإنسان صفته ـ الميّزة ملكة العقل ، مما يمكن من استيعاب حاسم موقف السرديّات كلها ، والمقدّسة منها بالخاصّة ، التي وصّفت قتل ( قابيل ) أخيه ( هابيل ) بالجريمة الشنعاء ، واستباحة لحرمة الدم ، بإلغاء الآخر ماديّاً ، في سلوكٍ إقصائيٍّ استئصاليٍّ ، بل ولم تقف عند بُعد جنائيّة الجريمة دنيويّاً ، وإنّما رفعتها إلى سويّة المقدّس في حكمٍ أبديٍّ يجعل من لعنة سفك الدم ذنْباً في عنق سافكه ، إلى يوم الدينونيّة والحساب ، ولو كان مرتكب الجريمة (هابيل النبيّ بن النبيّ آدم أبي البشر) !!!



هكذا يتضح ـ بلا لبْسٍ ـ أنّه إذا احتملت حرمة """ الدم اللابشريّ """ موقفين واجتهادين ، فحرمة """ الدم البشري """ حازت قطعيّة الإجماع ، مما يضع على مشروعيّة سفينة الديمقراطيّة المبحرة فوق بحرٍ من الدماء عريض سؤالٍ مبرّرٍ مشكِّكٍ ومفهوم ، لا بسلامة وجهتها ، ورجاحة عقول ربابنتها ونظافتهم فقط ، بل يتجاوز ذلك إلى التشكيك بطبيعة الديمقراطيّة ومنعة حياضها ، فعجزها عن صون نبلها ، وخطوته الأولى ـ المؤسِّسة ، تنزّهها ـ بمفترض طهارة أخلاقيّة وسيلتها وأهدافها ـ عن السقوط في مهاوي الرذيلة ، وأقصى تمظهرات الرذيلة ما تجسّده الجريمة ولعنة الدم ، فضلاً عن انهيار الأمان والأمل بالديمقراطيّة حين لا تملك حماية نفسها من استعمالها ـ موسميّاً عبوريّاً انتهازيّاً ـ مركوباً للثأريين الحاقدين والموتوري الدمويين ، المرضى بإحباط الإيديولوجيّات الصفراء وعقمها ( ومنها ماحرّف المقدّس ودنّس رحيم مقاصده ) ، وبعضها مازال يحارب الديمقراطيّة ـ معطى مؤامرة كفرة ضدّ المؤمنين !!! ، ويروّج أنّها بدعة ، و( كل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار ) ............



وللوقوف على حقيقة مأزيّة ـ إشكاليّة الديمقراطيّة والدم ، بل وتعارضهما الإلغائيّ الصراح ، ضروريّ استدعاء شهادة التاريخ الحاسمة ، السادة لكل احتماليّة مصالحة ، أو مؤدى ، أو لقاء بين الدم والديمقراطيّة ، بل بات حكم التاريخ ييّن وبالوقائع ـ البرهان ، أنّ الدم كان دائماً حامل ظلم الدكتاتويّة وعسفها ، فالديمقراطيّة يصنعها الديمقراطيون ، والثأريّ ليس ديمقراطيّ ، ومثله الحاقد والموتور والمتعصّب وضيّق الأفق وسجين التخلّف و أيديولوجيّات الإقصاء وثقافات سمّ عطاءآتها و.... إلخ .... فكلّهم لا ديمقراطيون ، سيكررون درس المقصلة وأفران الغاز الهتلريّة ( فهتلر وصل ديمقراطيّاً إلى الحكم ، كي لا ننسى !! ) ، ومجازر الكولاك ، وجرائم ( بول بوت ، و سيريك ماتاك ) وخميرهم الحمر أثناء نكبة كمبوديا بهم .



وإذاً أفليس من حلّ ؟ !!!
بالتأكيد يوجد حلول ، ولكن ليس منها ـ أبداً ـ طريق الدم ، المفضي دائماً ، وبحتميّة الإقتضاء - منطقيّاً وتاريخيّاً - إلى الدكتاتوريّة وانتقاميّة ظلاميّتها ، فليُلفظ الدمويّون ، أعداء الديمقراطيّة وقتلتها

ليست هناك تعليقات: