الأحد، 11 ديسمبر 2011

لحقيقة والدعاية في مكرور تسريبات تسلل ( المقاتلين الإسلامويين ) إلى السّاحة السّوريّة ج ( 3 ) :

مُركَّب الأزمة السوريّة والدّورالذيليّ للسياسة الانتهازيّة التركيّة :



إنّه العنوان الذي وجدته مناسباً لهذا الجزء الأخير من الأجزاء الثلاثه لمقالي المعنون : "" الحقيقة والدعاية في مكرور تسريبات تسلل ( المقاتلين الإسلامويين ) إلى السّاحة السّوريّة "" : ( ج 3 ) :‏‏ حيث يتابع الجزء الثالث ـ هذا ـ من المقال استكمال استعراضه لبانوراميّة رؤية الموضوع ـ أعلاه ـ خاصة مع المستجدات العلائقيّة المشدودة ،والمنذرة بالسيّء حكماً ، ولا محمود العواقب على حامل العلاقات السوريّة ــ التركيّة ، المهدّدة بالإنفجار ، بل بالتفجير شبه المتعمّد مع مواقف التصعيد السياسيّ التدخليّ لساسة ( حزب العدالة والتنمية التركيّ ) في الشأن الدّاخلي للجار السوري ، مستغِلّاً طارئ أزمة الحدث السوري ، في مزايدة فاقعة ، حتى على الدورالغربيّ ، والرسميّ العربيّ المندرج في سياساته التابعة ، في بحثٍ محمومٍ ، وسياسيٍّ انتهازيٍّ ، عن دور رأس الحربة التدخليّة في الساحة السورية ، مما يبرر للمقال بعض الإستفاضة ، وتخصيص معظم جزئه الثالث ـ هذا ـ للجوار التركيّ ـ السوري بالمجمل ، ومحاولة مقاربة أساسيّاته المحدِّدة :

فلقد اشتمل الجزء الأول على :

ــ أولاً : جبهة المواجهة السّوريّة ـ الصهيونيّة :

ــ ثانياً : الحدود السوريّة ــ الأردنيّة :

واشتمل الجزء الثاني من المقال على :

ــ ثالثاً : الحدود ( السوريّة ــ العراقيّة ) :

ــ رابعاً : الحدود ( السوريّة ــ اللبنانيّة ) : ليصل المقال ، في ثالث أجزائه هذا ، إلى :

ــ خامساً : ( الحدود السّوريّة ــ التركيّة ) : هنا ، حيث يلتقي التّاريخ بجدليّة بنيويّته وخلاصة عِبرته ، مع الديموغرافيّ بخصوصيّة تموضعه ودواخل دقّته ، مع السّياسيّ في ديناميّتة ، بتذبذبه وتغيّره ، وحتى انقلابيّته وتقلبه !! ، و ما يترتب على كلّ ذلك من نتائج ، ترسم مسارات إلى مآلات ، تُصدّق واقعيّة معادلاتٍ أوتسقط وهم رغباتٍ وحالم أمنياتٍ .

فعلى الإمتداد المئوي الكيلومتري ( 850 ـ 900 كم ) لتلك الحدود يحتفظ التاريخ بذاكرته ، وتصبح أوابد مدنه منارات صفحاته ، بكل ألوان مكوّناتها ، وجلّها معمّد بالدم وسواد المداد ، فيصبح شبح السلطان العثمانيّ ( سليم الأول ) حاضراً ، مغادراً التأريخ ، مندفعاً من عام 1516 إلى العام 2011 !! ليخوض معركة ( مرج دابق ) أخرى ، وهذه المرّة ، لاضدّ ""المملوكيّ المحتلّ"" مثله ، في استبدال محتلٍّ هَرِمٍ بمحتلٍّ فاتحٍ صارخ الشباب ، بل ضدّ الجار السوريّ ابن البلد الأصيل !! الذي يجد نفسه أمام مراجعات تفتح أبواب ازدحام الذاكرة الوطنيّة ، على واقعٍ يبحث عن هويّة ، وحواضر ترفض التغريب وقد طال ، من ( تل كوجك ) شرقاً ، مروراً نحو الغرب بمدن ومناطق : (ماردين ــ أورفة ــ غازي عنتاب ــ كلس) وحتى مياه خليج الإسكندرونة في اللواء السوريّ السليب ، دون نسيان ( أضنة ) وسهولها ، فكلّها تصبح مستدعاة ــ مستدعيّةً ( اتفاقيّة كوتاهيّة ـ 8 أبريل 1833) بين القائد العربيّ ( ابراهيم محمّد علي باشا ) والسلطنة العثمانيّة المهزومة ، أمام زحف جيش ( محمّد علي باشا القولي ) ، بعد معركة ( قونيه ) التي انتصفت لمعركة ( مرج دابق ــ 24 آب ،أغسطس 1516 ) ، وأرست حدود بلاد الشّام عند مضيقها الإستراتيجي ( مضيق قونية في جبال طوروس ) ، ولا أدلّ على ذلك من استمرار التململ " الإنتمائي ـ الهويتي " لما أصبح يعرف في قاموس السياسة الطورانيّة " القديمة ـ الجديدة " بوضع الأقليّات ( العربيّة ، الكرديّة ، الأرمنيّة !!! ) ، المستبعدة من تعريف المواطنيّة وشموليّة حقوقها ، إلاّ الإضطراب الجيوبولوتيكي الراهن في العلاقة السويّة ـ التركيّة والتي لا تتوقف عند تسلل ( المقاتلين الإسلامويين ) إلى الداخل السوري ، وهو خطير ، وصاعق تفجير مرعب ، مهما ضؤل شأنه ، للأسباب الآتية :

آ ــ إعادة العلاقات العربيّة ــ التركيّة ، وليس السوريّة فقط ، إلى مربع العداء التاريخي المنوه عنه أعلاه ، واستدعاء تناقضاتها ، التي سمحت السنوات الأخيرة من التعاون السوري ــ التركيّ ببعث أمل إمكانيّات مقاربتها بالتعاون البنّاء وروح الأخوة وحسن الجوار ، ولا ينخدعنّ أحد بدخان السياسات العابرة ، والحركات التلفزيويّة الوظيفيّة المتغيرة ، فلقد شهدت المنطقة شبيهها من سياسات وتحالفات أنظمة في خمسينيّات القرن المنصرم ، في ما عُرف بـ ( حلف بغداد ) ، لتذهب جميعها مع أنظمتها ــ الأعمدة بحمّامات دم ، من نظام ( عبد الإله ونوري السعيد ) في بغداد ، إلى نظام ( جلال بايار و عدنان مندريس ) في أنقرة ، مع نهوض شعبيٍّ عربيٍّ ، مُسقِطٍ لأنظمة الردّة والتبعيّة ، واسمٍ لذلك العقد مكللٍ له بميلاد ( الجمهوريّة العربيّة المتّحدة ) برئاسة الزعيم العربيّ ( جمال عبد النّاصر ) ، فما أشبه اليوم بالأمس ، وليعتبر أُولوا الألباب ، إنّ أمّة العرب أذكى من محاوليّ استغفالها ، فألعاب الخديعة وبهلوانات التضليل للشارع العربيّ هو كذب رخيص ، وحبل الكذب على الجماهير واهن وقصير ، فليسألوا أبطال ( حلف بغداد ) الدّارس إنْ كانوا لتلك المرحلة من الذاكرين ، أو لها من الجهلة أو الجاهلين !!!

ب ــ إنّ تركيّا "" أطلسيّة "" محدودة وظيفيّة الدور في حلفه ، ولن تُعطى يوماً حتى أهميّة دور اليونان الأوروبيّة !! لأسباب ضاربة في تعقيد مركباتها ، لا لماضي معطياتها فقط ، بل وللريبة المقيمة وعدم يقينيّة مستقبلاتها ، وعلى كل السويّات وتأثيراتها من جغرافيّة ــ تاريخيّة ، أواثنيّة ــ ثقافيّة ، أو تطورات سياسات لم تعرف صادق التحالفات ، لا الآنيّة فقط تجاه الحدث السوريّ ، بل ومنذ بداية الإنحدار في الحضور العثمانيّ على ساحة السياسة العالميّة منذ نهايات القرن السابع عشر وبداية تعامل القوى الإمبرياليّة الأوروبيّة الصاعدة معها كمشروع ( رجل مريض ) ، وصولاً إلى تمزيق واقتسام سلطنتها بعد الحرب العالميّة الأولى ، وهو الجرح النرجسي النّازف للطورانيّة بطوريها ، الأتاتوركيّ ــ المؤسس ، واسلامويّها ــ الجديد الحالي ، الواهم بلعب دور"" رجل بوليس "" المنطقة الغربي ( خاصّة الوكيل الأمريكيّ بالذات !! في تقديم أوراق اعتماده كوجه مقبول في الشارع العربي ، ونموذج اسلامها السياسيّ الصاعد ، مع ما أصبح يُعرف "" بالربيع العربيّ "" وذلك كتعويضٍ معقولٍ ، وبلسم ممكنٍ لمأساة امبراطوريّة دارسة تبحث بقاياها عن دورٍ ، ولو وظيفيٍّ ذيليٍّ يزكي افتراضيّ فاعليّة حضورها !!! ،؛ فليكف ثلاثيّ ( حزب العدالة والتنمية التركيّ ) عن بيع فارغ الوعود لمريديّ الفتنة في الساحة السوريّة ، وإطلاق خلبيّ التهديدات ضدّ ( النظام السوري ) ، الذي يعرف وهم يعرفون ــ ربما أكثر ـ بمحدوديّة قدرتهم ، أولاً ، وهامش دورهم ، المسموح به أطلسيّاً ، ثانياً ، ـ في الذهاب أبعد وراء الأوهام النيوـ طورانيّة ــ المتكشّفة منذ الشهر الثالث لبدء الأزمة السوريّة ، فالجيوـ استراتيجي الدوليّ ومعادلاته ، وخاصة في حساسيّة مفصله السوري ، لا تسمح بالمغامرات غير المحسوبة ، فكيف بصبيانيّات السياسة ؟ !! التي تنطلي فقط على الرغبويين الراغبين من هواة السياسة ، من أمثال المنتَج الهجين لمطبخ مسلوق السياسات : التركيّة ـ القطريّة ـ بعض الغربيّة : مجلس اسطمبول ( المجلس الوطني السوري ) وأضرابه .

ج ــ إنّ بحث الدّور التركيّ عن فرضٍ لمركزيّته المفترضة على سياسات المنطقة تنقصه الحصافة والعقلانيّة ،وحسابات الواقعيّة السياسيّة ، ويوهمه الغرور المدّعي ، لا الطموح المشروع ، فمهما غاب الدّور الإقليميّ لمصر فهو عائد ، لأنها البلد المركز في العالم العربيّ ، لأسباب منطقيّة ليس المقال مجال تبيانها ، ومرّة أخرى مفيدٌ استذكار التاريخ ، فـ (مصر ــ محمّد عليّ ) ردّت تركيّا ــ السلطنة خلف جبال طوروس في القرن التاسع عشر ، و( مصر ــ عبد الناصر ) لجمت تركيّا الأتاتوركيّة الأطلسيّة في منتصف القرن العشرين ، و (مصر الثورة ) ناهضة وقادمة ، فلا يُعوِّلَّن على قيود ( معاهدة كامب ديفيد ) المحكوم تاريخيّاً عليها وعلى مفاعيلها ، ولا على التيّارات الإسلامويّة الطّافية ، وهي مختلفة على كلّ حالٍ عن اسلامويّة ( حزب العدالة والتنميّة التركيّ ) ، بل ومخالفة لها ( من رصد زيارة آردوغان الأخيرة لمصر وتمظهراتها وآراء اسلاموييّ مصر بآرائه و " توفيقاته " الإسلامويّوــ علمانيّة ) ، فحقاً ، ليس أكثر مأساةً من حماقات السياسة إلاّ الإمساك بعنانها من سياسيٍّ يُخرج عِبَرالتاريخ من معادلة حساباته ، مستبدلاً تلك العبر بالرغبات ، بالآنيّ العابر، وأوهام الغرور ، لقد أضاعت السياسات التدخليّة المغامرة الحاليّة لـ ( حزب العدالة والتنميّة التركيّ )، ببهلوانيّةٍ خفيفة ، تقودها الإنتهازيّة السياسيّة فرصة ــ هي بحقٍّ تاريخيّة ــ بتضييع المشروع ــ الإقليم ( سوريّة ـ العراق المحرر ـ تركيا ـ إيران ) ، وواقعيّة نظريّة ( البحار الخمسة ) في لحظة إمكانيّة التدشين ، وخاصّة فرصة إمكانيّة تحرّر تركيّا ، بالتموضع الجديد ، من تاريخيّة ذيليّتها الوظيفيّة الأطلسيّة ، وأوهامها الأوروبويّة ، لتأخذ مكانها المنطقيّ الواقعيّ ، الجيوـ بوليتيكيّ التشاركيّ ، في الإقليم الذي تنتمي إليه ، بحقيقيّة الهويّة ، لا بالزيف التغريبيّ ، الردّ فعليّ ـ الأتاتوركيّ ، مع كل ( عقد نقص المغلوب المقهور المستبطِن لنموذج قاهره الغالب ) الذي يبدو أنّه استشرى شعبويّاً تركيّاً بإزمانه ، والإبلال منه يحتاج ، لا للسياسات البهلوانيّة لثلاثيّ ( حزب العدالة والتنميّة التركيّ ) ، بل وعلى ضوء واقع ومعطى تلك السياسات ، فإنّه يحتاج إلى معجزة ، في زمن العلم الذي هجرته المعجزات .

د ــ تتكشف الحقائق يوماً بعد يوم ، وبغض النظر عن التبريرات الدعاويّة ، أنّ في الأزمة السوريّة ومنذ لحظتها الأولى ، فعل تخريبيّ معدّ ومرتبط بمحاور وسياسات ، بل وبارتهانات ( تصريحات السادة : برهان غليون ، مأمون الشقفة ، هيثم المالح ، عبد الحليم خدّام ، سمير النشّار .............. والقائمة تطول ) ، الأمر الذي يجعل الكتلة الشعبيّة الساحقة من الشعب السوريّ تحتكم لتلك الحقائق المتكشفة ، في اصطفافاتها المواقفيّة ، وانتظام مسؤول فعلها الهادف ، وخاصة بعد انحدار بعض المعارضات إلى سويّة ممارسات خطرة ، مخلّة ومهدِّدة لوحدة المجتمع السوري ، وتناغم غنى فسيفسائه التاريخيّ ، بل ووصولها إلى جديّ التهديد الوجوديّ للوطن ، ووحدته الترابيّة ، ورهن خارطتة القائمة بمشاريع هيمنة ، ليس أبسطها وآخرها مشروع ( الشرق الأوسط الجديد ) !!! فكيف إذا أضيفت إليها أوهام الطورانيّة ــ الجديدة ؟ !! وثلاثينات القرن الماضي مستمرّة في الحاضر السياسي ، واقعاً ماديّاً حيّاً لا دعاويّاً وطنويّاً ، و لا هيام حنينٍ و" نستالجيا " ذكريات ، من قبيل ( يا زمان الوصل ) !! ، فما زال في مفردات كلّ سوريّ مفردة ( السّليب ) ــ وبأل التعريف ــ عندما يُذكر ( لواء الاسكندرون ) وتلك حقيقة معاشة ، لا قومجية أيديولوجيا سياسويّة ، ولا عابر لغويّة لافتة شعار .

لذلك ، وبناءً على ما تقدّم ، وعلى ماسيلي ، يصبح مطلب انتصار منطق العقلانيّة والواقعيّة السياسيّة مشروعاً ، لا من مقالٍ قد يُرمى كاتبه بتهمة انحيازٍ لا تُعيبه ، ولكنْ فوق ذلك ، من قراءة تُشدّد ، زيادة على السابق أعلاه ، على النقاط الآتية : ــ إنّ الحدود السوريّة الشمالية ، حدود دولة ذات سيادة ، وسيادة مسلحة ، لا بعتاد "" حماة الديار "" ، وحدات الجيش العربيّ السوري فقط ، بل وبالوعيّ الوطنيّ الإستثنائيّ الجامع للمواطن العربيّ السوريّ ، والوعيّ القوميّ للإنسان العربيّ من خلفه ، وأمّا التعويل على بعض فلول الفارّين ، فليس إلاّ قبض ريحٍ واعتماد رخيص خيانةٍ ليست نادرة في تاريخ المنطقة ، فجيش الفار ( رياض الأسعد ) وشلّته : ( الجيش السوريّ الحرّ ) !! يذكِّر بجيش ( سعد حدّاد وأنطوان لحد ) : ( جيش لبنان الحرّ ) ، فنفس الدور ، ولن يكون إلاّ نفس المصير ، وأمّا المؤسف فهو أنْ يصبح دور الجار التركيّ لسوريّة في أزمتها اليوم ، نسخةً كربونيّةً للدور الصهيوني في لبنان أثناء أليم أزمته بالأمس !!!

ــ إنّ حرص سوريّة على ممارسة أقصى درجات العقلانيّة في ردودها ، يصدر بالدرجة الأولى عن عدم الرغبة في الإستجابة لسياسة الإستفزاز والإنجراف إلإنفعاليّ إلى مربّع "" ردّ الفعل "" المجافي لبارد الحسابات العقلانيّة وصوابيّة عطاءآتها ، سيّما في النظر الموضوعيّ البارد إلى الجار التركيّ ، لا ككتلة واحدة ، صماء ومصمتة ، فتركيا ليست كلّها ، ولا يختزلها ، ثلاثيّ ( حزب العدالة والتنميّة ) ، فشارع معارضتها العلمانيّ ، واليساري خاصةً ، يأخذ اصطفافاته تصاعديّاً ضدّ السياسة التدخليّة الذيليّة الأطلسيّة للحكومة التركيّة في الشأن السوري الداخلي ، في ذات الوقت الذي لاتتردّد فيه الحكومة السوريّة ، وعلى الأرض ، في اللجوء إلى كلّ الممارسات السياديّة ، ومنها العسكريّة الردعيّة المشروعة "" اللاعدوانيّة "" ، واتخاذ كلّ الإجراءآت الدبلوماسيّة والقانونيّة والتجاريّة والإقتصاديّة والنقل و .... بما يحفظ للسلطات السوريّة حقها ، ويكرس واجب دورها في الحفاظ على أمن وسيادة الجمهوريّة العربيّة السوريّة .

ــ إنّ تسلل المسلحين ، العنفيين الإسلامويين ، أو المرتزقة ( الكونتراوستيين ) ، أومجرمي الحق العام الفارين إلى الأراضي التركيّة ، للقيام بأعمال التخريب في الدّاخل السوري المجاور لتركيّا ، يدخل في باب العدوان وخرق السيادة لدولة مؤسسة وعضو في هيئة الأمم المتحدة ، يمكّنها من التقدّم بشكوى أمامها ضدّ الجار التركيّ المساهم في انتهاك سيادة الجمهوريّة العربيّة السوريّة ، ولئنْ كان التسييس والتحيّز المعروف في تلك المنظمة الدولية يسيء إلى صدقيّة دورها ويدينه ، فإنّ مثل تلك الشكوى تضيف اختباراً لعجزها ، وبرهاناً لحقيقتها تابعاً أخر لسياسات الهمايونيّة الأمريكيّة ، وكشفاً أمام العالم في ناديه الأمميّ ـ وفيه صداقات سوريّة وازنة ـ بحقيقة الواقع ، وما يمكن أنْ يترتب عليه من خطير النتائج إنْ لم يقم العالم بمسؤوليّاته ، مع احتفاظ سوريّة بحقها المشروع في الدفاع عن النفس وبكل الوسائل المشروعة .

ــ على قاعدة ( المعاملة بالمثل ) ، بعد ضرب السياسات التركيّة عرض الحائط بقواعد حُسن الجوار ، فإنّ توظيف السياسة السوريّة للتنوّع الديمغرافيّ العابر للحدود ، وبكلّ الأشكال ، يصبح مبرَراً ومفهوم ، وسورية تحجم حتى الآن ـ وبمنتهى التعقّل ـ عن استعمال تلك الورقة المتاحة والمجرّبة . ــ إنّ التلويح الميديوي بالمقاتلين الإسلامويين ، وتوفير معسكرات تجميعهم ، ولوجستيّ تسليحهم ، وتيسير تسريبهم عبر الحدود إلى الدّاخل السوري ، هو سلوك عدوانيّ صريح ، ويندرج في مندرجات الحرب النفسيّة ( كتلويح ) ، وأمّا وضعه موضع التنفيذ فهو إعلان حرب من دولة أطلسيّة يجر إلى ساحتها قوى تحالفات إقليميّة ودوليّة ، لا تجهلها السياسة التركيّة ، ولا تجهل سوء عواقبها ، وإنْ بدا حتى اللحظة سوء التقدير في تعاملها مع احتمالات نتائجها !!! ــ ثمّ ، ورغم قرع طبل ( المقاتلين الإسلامويين ) المبالغ في ضجيجه ، فإعطاؤه ـ سوريّاً ـ استثنائيّة الأهميّة تبقى مبررة وواجبة ، لا لفعاليّته ـ المشكوك بها ـ في الواقع السوري أبداً ، ولكنْ لاحتمال محاولة البعض التخفف من عبء هؤلاء المرضى ، بإيجاد " صرفة " لهم ، بعد استنفاذ الحاجة إلى التدميريّ ، الساكن منهم في أعماق منحرف التكوين النفسيّ المؤدلج ،؛ وباستعراضٍ موجزٍ لهؤلاء ، فئاتهم ، وتنوّع مشاربهم ، وساحات عملهم والتزاماتهم ، يُلحظ التالي :

آ ـ فرعهم اللاعربي : من أفغان وشيشان وسواهم ، وهؤلاء يندر منهم القادر على التعامل مع الساحة السوريّة ، لا بسبب العائق اللغويّ فقط ، بل وخاصّة لسهولة التعرّف على سيمائهم وأشكالهم في الديمغرافيا السوريّة . ب ـ فرعهم العربي : وهو تبعاً لساحاته ، من المشرق إلى المغرب :

1ــ الساحتان العراقية ـ الأردنيّة : وهما فعل تكامل وتفاعل ، بُرهن عليه خاصّة مع أفعال ( الزرقاوي ) الإرهابيّة ، وقد تلقّى موجع الضربات ، والباقي منه ، مشغول الآن ، بترتيب أوراقه العراقيّة مع إتمام انسحاب المحتلّ الأمريكي نهاية العام .

2 ــ ساحة شبه الجزيرة العربيّة : إنّ الوضع المشتعل في اليمن يشدّ إليه هؤلاء ، حيث تتوفر البيئة الحاضنة لهم ، وظرف تداعي تأثير مركزيّة الدولة على أطرافها ، خاصّة الأقاليم الجنوبيّة ، وفي الشمال يتربصهم الحوثيون بوضعهم الخاص ، مما يجعل من الفصيل اليمنيّ في حال " اكتفاءٍ ذاتيٍّ " بمشاكله ، وأمّا الفصيل السعوديّ فقد أنهكه ـ آنيّاً ـ الصراع مع عسس الأمير ( محمّد بن نايف ) ، وقد دُجِّن بعضه ، إلاّ أنّه من غير المعروف عن الأمير ( محمّد بن نايف ) ميلاً تدخليّاً في الشأن السوريّ ، كبعض آخرين ، كالبندرييّن مثلاً .

3 ــ ساحة الخليج : وأكثرها شهرة نسبيّاً في هذا المجال ( الكويت ) حيث التيّار السلفيّ ومنابره ، ومع ذلك فمساهمة هؤلاء تمويليّة وميديويّة ، ودعائيّة ذاتيّة موجهة للمسيّس من الكتلة الناخبة في الكويت ، أو حيث لا انتخابات ولا من يحزنون ، تصبح لإرضاء نرجسيات متورمة ، أو دفعٍ لمخاوف من جارٍ ، وقد عاينّا بعض نماذج نشاطاتهم على الجانب التركيّ من الحدود .

4 ــ الساحة اللبنانيّة : إنّ الخطورة في تلك الساحة تكمن في كونها امتداد جيوـ ديموغرافيّ للداخل السوري ، خاصّة التداخل المذهبيّ ، ووجود تيّار طائفيّ سياسوي (المستقبل) معادٍ للحكم في سورية ، تدعمه وتموّله دولّ "عربيّة" نفطوـ غازيّة ، ويرتبط ـ وتيار 14 آذاره ـ بالتوجيه والأمر اليومي للسفارة الأمريكيّة في (عوكر ) ، تلك السّاحة من ( لبنان ) ، والمقتصرة ـ فعليّاً ـ حتى الآن على بعض شماله في منطقة الجوار من ( محافظة حمص ) السوريّة ، تشكّل واقعاً متفجِّراً للبنان كما لسورية ، بالنظر لمعقّد الواقع اللبنانيّ الذي يعرفه الجميع ، ومع كلّيّة عدم الإستهانة بالخطورة ـ مهما ضؤلت ـ لتلك الساحة ، فإنّ المعرفة المعروفة للأمن السوري بها ، ووجود تيّار لبنانيّ عريض صديق لسوريا ، والتجاوب اللبنانيّ الرسميّ ( على لسان ابن طرابلس ، الرئيس ميقاتي ) ، يقزّم الخطورة إلى حدودٍ ضيّقة ، محدودة الفعل وتأثيره ، ويجعل اندراج تهويله في عدّة الحرب النّفسيّة أقرب إلى المنطق المسؤول .

5 ــ الساحة المصريّة : لم يعد للجماعات الإسلامويّة العنفيّة من وجود فعليٍّ في تلك الساحة منذ عقد الثمانينات من القرن الماضي ، وإنْ ترددت أسماء بعض أفرادها ــ الرموز في بعض الساحات الخارجيّة ( أفغانستان ، العراق ... ) ، إلّا أن مباشر خطرها غير موجود ، فضلاً عن أنّ المخاض السياسيّ في مصر يستهلك جهد الجميع في البحث عن التموضع ، وقطف موسم المواقع المتخاطفة التي وفّرها الواقع السياسيّ الرّجراج للشارع المصري منذ تنحية الرئيس المصريّ المخلوع ( حسني مبارك ) .

6 ــ الساحة الشرق أفريقيّة : يتزعّم الوضع الصوماليّ حالة اضطرابها ، بنشاط تنظيم ( شباب المجاهدين ) الباحث عن المدد والأنصار ، في واقع الصوملة التي أصبحت حالة مدولنة ، واشتباك إقليميّ دولاتيّ شرق افريقي ، مما يستبعد امكانيّة تصدير المقاتلين الإسلامويين من تلك الساحة المستورِدة !!! .

7 ــ ساحة الشريط الجنوبيّ للشمال الأفريقي ، حيث تنشط جماعات ما يعرف اختصاراً بـ آكمي ( القاعدة في المغرب الإسلامي ، الترجمة العربيّة لـ : Al-Qaida au Maghreb islamique ) ،فإنّ عملها يقتصر على الساحة المشتق منه اسمها ، خاصّة وأنها منشغلة الآن بمغانمها " الليبيّة " في الواقع الحالي المضطرب للوضع الليبي .

8 ــ الساحة المغاربيّة : ليس من خطورة ملحوظة أو محتملة لساحات ( الجزائر أو المغرب أو تونس ) في تصدير المقاتلين الإسلامويين إلى سورية ، ليبقى الواقع الحالي للساحة الليبيّة مجال الأخذ والردّ وحديث الساعة الميديويّ ، خاصّة بعد الإعتراف اليتيم الناتوي ( المجلس الوطنيّ الإنتقاليّ ) الليبي ، بشبيهه الإسطمبوليّ ( المجلس الوطنيّ السوريّ ) ، والقصص الخرافيّة الطرزانيّة لـثورجيّة ( طرابلس ) الفاتحين لخيمة ( القذافي ) ، في ثكنة ( باب العزيزيّة ) المدمّرة بقنابل قاذفات الناتو ، لا بالسلاح الفردي والخفيف للثورجيّة الأبطال !!! بقيادة الرّامبو ( عبد الحكيم بلحاج ) الملمّع ميديويّاً ، بكليّة حضوره المكانيّ !!! ، توقيفاً معلناً في المطارات الليبيّة من قبل فصيل ناتويّ آخر ، إلى إعطائه " اسماً حركيّاً " جديداً في معسكرات التدريب للفارّين السوريين على التراب التركيّ ، وصولاً إلى التهديد بقيادته لأحد " فراديس المجاهدين" المتربصة على الجانب التركيّ من الحدود ( السوريّة ـ التركيّة ) !!! ، في تهويلٍ كاريكاتوريٍّ للبطل الخرافيّ الأسطورة !!! مما يجعل الإدانة للدور التدخليّ التركيّ أكثر رسوخاً على قاعدة "" وشهد شاهد من أهله "" ، ويبقى منطق الأمور ناطقاً : أنّ المدعو ( عبد الحكيم بلحاج ) يقبع حارساً لمكافأته ـ الحصّة من فتات الحكم الليبيّ ، وكعكتة المتناهشة بين الفصائل المتصارعة على الساحة الليبيّة ، وبالتالي فالتلويح به لا يعدو فعل وفعاليّة شهر سلاحٍ خلبيٍّ في لحظة جديّة لا تحتمل المزاح ، ولكنّها بروباغاندة الحرب النفسيّة وبعض ألاعيب توظيفاتها المكشوفة ، التي تؤكّد شيئاً واحداً ، هو انتهازيّة السياسة التركيّة ، ورخيص ماكيافيلّية وسائلها ، وتهافت أخلاق توسّلاتها . من هنا ولكل الوقائع أعلاه ، من أسباب ومعطيات وأهداف ،يبقى لثلاثيّ المسرح السياسيّ التركيّ الحالي ( آردوغان ـ اوغلو ـ غول ) قصب السبق في احتماليّة الذهاب بالأمور إلى الهاوية ، لا حافتها فقط ، بالدّورالذيليّ التدخليّ للسياسة الانتهازيّة التركيّة ، في إذكاء أوار الأزمة السوريّة ، فهل ينتصر منطق التعقل والواقعيّة السياسيّة ، على الحماقة ومنطق المغامرة اللامسؤول ؟ !!! إنهما لفي مراهنات وسباق محموم ، فلننتظر مقبل الأيام الحبلى ( بما لم تُعلمِ ) .... ومرّة أخرى ، أونملك غير الإنتظار ، ولو القلِق المتوجّس ؟ !!!


ليست هناك تعليقات: