الأربعاء، 28 ديسمبر 2011

آردوغان ظاهرة صوتيّة بامتياز


من قلم : د. منير وسوف


حين أعود إلى بواكير مقالاتي السابقة ، التي تطرّقتُ فيها للعلاقات السوريّة ـ التركيّة ، وارتباطاً عضويّاً حتميّ الحصول من خلالها ، العلاقات العربيّة ـ التركيّة ، المنشورة بعنوان : ( لعلاقات السورية ـ التركية والأمن القومي العربي ) ، لم يدر بخلدي ، - أعترف - ، أنّ رجلّ الدّولة التركيّ السيّد ( رجب طيّب آردوغان ) وفريقه المؤسس لحزب ( العدالة والتنمية ) ، المتمرّد على أبيه الرّوحي المهندس ( نجم الدّين آرباكان ) زعيم حزب ( الفضيلة ) ، الأمّ المرضع والحاضنة لذلك الفريق حتى وقوفه على قدميه ، بل ولم آخذ على محمل الصدقيّة اتّهامات السيّد ( ارباكان ) الثقيلة العيار للسيّد ( آردوغان ) وفريقه ، ووضعتها ـ بموضوعيّة منطق التحليل المحايد ـ في خانة اتّهامات نجمٍ آفل ، لا يريد تصديق أنّ ( العيال كبرت ) ومن حقّها تبوّء مكانها المؤهلة لملئه ، وأنّ ذلك هو منطق الحياة دون اللجوء المبالغ فيه غالباً إلى علوم السوسيولوجيا و ( نظريّة صراع الأجيال ) الأشهر ، أو إلى (سيغموند فرويد ) وميدان التحليل النفسي و ( نظريّة قتل الأب ) للزواج بالأمّ ـ السلطة هنا ـ أو أكثر من ذلك ، لم أجد لميكانيزمات العصاب لزوماً ، ولا لبعض تداعيات مرض ( آلزهايمر) مقاماً في شكوى السيّد ( ارباكان ) من تلامذته العاقّين ، مع أنّ شكواه تلك تجاوزت أحياناً حدّ الزَّوَرِ ، وجاورت بارانويا موَّصّفة .

أعود لتلك الأيّام ـ بضع سنوات لا أكثر ـ لا لأجلد الذّات بعقدة الذنْب أبداً ، فلست مدّعيّاً " كشف الغطاء " ولا " علم الغيب " ـ استغفرعالمه ـ ولكنْ لممارسة " نقد ذات " ذهبت أكثر من اللازم في تفاؤلها ، ربّما لكبير أحلام جيلٍ قوميٍّ عربيٍّ مجهَضة ـ وأنا من شاربي ، حتى التخمة ، مرارة خيبته ـ فلقد مثّل لي السيّد ( آردوغان ) نموذج القائد العالم ـ ثالثي ، الآتي ديمقراطيّاً ، بصوت الشعب وصندوق الإقتراع ، على رأس حزب حقق أغلبيّته ، في دولة علمانيّة الدستور والمؤسسة ، وهو الحزب ذو التوجهات الإسلاميّة ، بعد فترة حرمانٍ سياسيٍّ ومروراً بالسجن وملابساته ، لم أستطع على تلك القاعدة عقد مقارنة بينه وبين الحاكم العربيّ في كلّ جمهوريّاته ، على بسيط استثناء ، ومطلقاً مع ذلك الحاكم في الممالك العربيّة ، والمشيخات ـ إماراتها ، وكم عقدت المقارنة بينه وذاك الكونغوليّ الشهيد (بتريس لومومبا ) ، وكرهت المقارنة للمصيرـ الإغتيال الذي انتهى إليه الأخير !!!، ومع أنّ الزمن غير الزمن ، فإعدام ( عدنان مندريس ) بعد محاكمة شكليّة تمّ في تركيّا لا غيرها منذ نصف قرنٍ تقريباً .


لم يخطر ببالي أنّ السيد ( آردوغان ) هذا ، كان رغبويّة تسكنني ، دعمها ـ خاصّة ـ موقف انسحابه ـ الخبطة ،المدويّ ميديويّاً ، من مؤتمر ( دافوس ) ، بعد شبه مشادّة ، ـ قيل ـ !!! مع الصهيونيّ ( شيمون بيرس ) ، وعدم ارتكاس السيّد ( عمرو موسى ) : أمين عام ( جامعة الدول العربيّة ) ، بل ابتلاعه الإهانه ، بتنفيذ أمر أمين عام الأمم المتحدة ،السيّد ( بان كي مون ) ، الذي أمره ـ بلا أيّة لياقة ـ بالعودة إلى مكانه ، حين همّ بالوقوف لمصافحة السيد ( آردوغان ) المنسحب احتجاجاً لعدم إعطائه " الميكروفون " ، ـ قيل ـ ليردّ على ادعاءآت الصهيوني ( بيرس ) وافتراءآته ، فعاد أمين عام الجامعة إلى مقعده صاغراً حسيرا ،!!!

نعم ، لم يخطر ببالي أنّ السيد ( آردوغان ) هذا سيصبح نسخة سوء الحاكمٍ العربيّ المتفرّغ لمشاكل " الزاروب العربي " وتفاهاته ، وأنّه سيجعل من تركيّا أحد أنظمة "" النظام الرسميّ العربيّ السايكس ـ بيكويّ ـ الصهيونيّ أو المتصهيّن "" ، وأنّه سيشغل ثمين وقته !!! بالإنضمام لمحورٍ عربيٍّ ، كان الأجدر بـ " رجل الدولة " التركيّ المنتخب ديمقراطيّاً أنّ لا ينسجم مع ذهنيّات سلطاته المنادية بتطبيق ديمقراطيّة ـ هنا أو هناك ولكن بعيداً عن عروشهم ـ ، ديمقراطيّة لايميّزون فيها ـ بعراقة ديمقراطيتهم المجرّبة !! ـ بين الهدف والسبيل ، وإنْ كان فعل حلولها على مضاربهم هدفاً وتأثيراً ـ وسوف تصل ـ سيحاكي ذاك الذي للمبيدات الحشرية على أسراب البعوض ، بل أكثر من ذلك ، كان الأجدر به أكثر، وهو الجار القادم من مورد آخر ، وتجربة مختلفة أنْ يلعب دور رجل الحوار لا المَحاوِر، التقريب لا الفتنة ، وخاصة دور الإسلام الجامع بتسامحه واستشرافيّتة المستقبل الإنسانيّ ، لا الطّائفيّ الظلاميّ المفرّق بين المسلمين ، المنهك لهم ، الصالب تطلعاتهم خارج كلّ ريادة إنسانيّة ، أو مؤثّر فعل في صياغة التاريخ .


الظاهرة الصوتيّة الأردغانيّة ، يمكن عدّها ماركة مسجلة ببراءة اختراع ـ تجديد، فالشعبويّة التي تميّز كل ظاهرة صوتيّة ، تعدّت عند السيد ( آردوغان ) إلى قرارات وفرمانات ، تخرج من أفران هوسٍ نوستالجيٍّ ماضويّ يبعث على الرثاء ، وفوق ذلك فكلّها خلبيّة الفعل ، اللهمّ إلاّ ماتجلبه من أذيّة على الإنسان التركيّ ، نكالاً بما اقترفت يداه المنتخبة للسيّد زعيم حزب العدالة والتنمية وشلّة فريقه الميامين ، فلنستعرض لتلك لظاهرة الصوتيّة الأردغانيّة أهم محطّاتها ، للحكم على موضوعيّة ما أقول ، وسأبدأ ، احتراماً للسرديّة ـ تأريخاً ـ في سياقها الزمنيّ :

ــ المحطّة الصهيونيّة :

لن أعود إلى انسحاب السيّد ( آردوغان ) من مؤتمر ( دافوس ) ، وما تبعها من إهانةٍ لسيادة تركيّا وكبريائها ، بالمعاملة المهينة والمذلّة للسفير التركيّ لدى الكيان الصهيونيّ ، المستدعى من وزارة الخارجيّة الصهيونيّة ، وعلى يد موظّفٍ من الدّرجة الثانيّة ، وهو السفير الممثل للدولة التركيّة !!! وما حرّك ذلك الموقف المخزي من مشاعر، تراوحت بين الغضب والشفقة والإزدراء ، بل سأمضي مباشرة إلى مجزرة الجيش الصهيوني المنقضّ بوحشيّة الضواري ، في سلوكيّة قراصنة ، تختصر ذهنيّة ذلك الكيان المتفلّت ـ المحميّ أمريكيّاً ـ ، والخارج على كلّ شرعية قانونيّة مرعيّة ، أوعرفٍ معمولٍ به باتّفاق احترامه ، مع سبق تخطيطٍ وتصميمٍ معلنين ، على ( اسطول الحريّة ) ، المتوجه إلى (غزّة هاشم ) ، أكبرسجنٍ في تاريخ العالم ، لفكّ حصارها ، أو تحدّيه بأضعف الإيمان ، مع عدم نسيان مشاركة بعض أعضاء الحلف الأطلسي في الحصار الظالم ، بذريعة مراقبة ( تهريب الأسلحة لحماس عبر البحر!! ) ، وتركيّا ـ ويا للمفارقة ـ دولة أطلسيّة !!! فماذا فعل السيّد ( آردوغان ) فوق ظاهرته الصوتيّة ، وتهديداته الشعبويّة الجوفاء الإستهلاكيّة ؟ !! لقد قدّم لائحة مطالب :

آ ــ طالب ( إسرائيل ) بالإعتذار ، ورفضت ( إسرائيل ) ، رغم شكليّة الطلب ، وهدفه الذي لا يعدو حفظ الباقي من ماء الوجه للسيّد ( آردوغان ) ، المزبِد المرعِد في بعض تمظهر ظاهرته الصوتيّة !!

ب ــ التعويض على ذوي الضحايا الأتراك على المركب ( آفي مرمرة ) المهاجَم ـ المقرصَن إلى ميناء أشدود !!! وهنا تبلغ المهزلة صارخ فضيحتها ، فالكبرياء التركيّ ، والشرف التركيّ ، والمواطن التركيّ الذي جاء بـ ( آردوغان ) انتخاباً ، كلّه يضعه "" الزعيم "" النيوـ عثمانيّ ، سليل الفاتحين !!! في بازار المساومة والتسليع والتسعير، والمطالبة بقبض الثمن !!! ومع تقزّم الهدف وتافه قيمته ، فقد رفضته ( إسرائيل ) !!!

ج ــ لجأ إلى سلوكٍ صبيانيّ بإزعاج المسافرين الصهاينة في مطار ( اسطمبول ) ، ولمرّة يتيمة ، حين رأى العين الحمراء الصهيوـ أمريكيّة ، فأكمل السلوك الصبيانيّ بالتنصّل من المسؤوليّة ، وتحميلها لسلوكيّات موظّفين ، مما لايقبله عقل ،ولا تقرّه أخلاق ، صفة أخرى من صفات الظاهرة الآردوغانيّة ।


د ــ اتخذ قراراً بوقف صيانة بعض طائرات سلاح الجو التركيّ في ( إسرائيل ) ، وتعليق ـ لا إلغاء ـ المناورات المشتركة ، والأكثر إيلاماً ، ماساقه من تبريرٍــ تعليل لتوقيف بعض المستوردات التجاريّة من ( إسرائيل ) ، بوصفه الأخيرة أنّ لا أخلاقيّة تجاريّة لديها لأنها لا تحترم المواعيد !!! ، وكأنها في بقيّة ممارساتها مثال كريم الأخلاق وتمامها !!! نعم هكذا تفتقت عبقريّة القائد ـ الأمل ، لا فضّ فوه ، وتلك مزيّة أخرى لكلّ ظاهرة صوتيّة ، عجزها عن شموليّة الرؤية ، وتعلّقها بتلابيب تفصيل إجرائيٍّ تافه ।


ج ــ خفّض مستوى التمثيل الدبلوماسي ، وهو إجراء شكليّ ، ومع ذلك ربطه بشكليّة شرطيّة مضحكة، من مستوى الإعتذار المهزلة . ولإلقاء مزيد من إيضاحٍ على تلك المحطة الأولى ، فقد شاركت تركيّا ، مع أطلسيي أوروبا ، في تعطيل وإفشال قافلة الحرية ( 2 ) ، هذا العام ، مما يبرز جانب النفاق والتقيّة السياسيّة دعائم بنيويّة في الظاهرة الآردوغانيّة الصوتيّة ، وزاد في طمبورها نغماً ، موافقة ( آردوغان ) على نشر مشروع الدرع الصاروخيّة الأمريكيّة في تركيّا ، والكلّ يعلم أنّ في رأس أهدافها حماية ( إسرائيل ) !!! .

ــ المحطّة القبرصيّة :

عارض السيّد ( آردوغان ) ووزير خارجيته ـ السيّد ( أحمد داوود أوغلو ، أو صفر كيسنجر التركي ) انضمام ( قبرص ـ قسمها اليوناني) إلى الإتحاد الأوروبي ، ممثلة لقبرص بقسميها ، فرفض وتوعّد وهدد وإلخ .... ، والنتيجة ؟ دخلت قبرص الإتحاد الأوروبي ، وبقي السيّد ( آردوغان ) يتسوّل لتركيّا القبول ، ويجرجرها على أعتاب أبوابه الموصدة !!! وأخيراً ـ وليس آخراً ـ إرساله " الإعلاني ـ الإعلاميّ " لسفينةٍ تركيّة إلى المياه القبرصيّة ( قسم الجمهوريّة التركيّة ) !! ، وهي رحلة عاديّة تجري كل ساعة بين تركيّا والقسم التركيّ من قبرص ، لكنّ السيّد ( آردوغان ) ، وبمناسبة إعلان قبرص عن عزمها البدء بالتنقيب عن الغاز المكتشف قرب شواطئها ، لم يجد في جعبة ظاهرته الآردوغانيّة الصوتيّة إلا تحويل رحلةٍ روتينيّةٍ لسفينةٍ إلى طلائع اسطول غزوّ لن يدع ولنْ يذر !! مع أنّه وللتاريخ ـ سواء كنّا مع أو ضدّ ـ حين غزا سلفه ( بولنت أجاويد ـ حزب الشعب الجمهوري ) الجزيرة القبرصيّة واحتلّ جزءها التركيّ في 20 حزيران/يونيو 1974 رداً على قرار الحكومة العسكرية اليونانيّة بضم قبرص ، فقد تم ذلك بهدوء فاجأ الرأي العام الذي استيقظ على السفن التركيّة في ميناء (ليماسول) !! ولكنّ السيّد ( بولنت أجاويد ) كان رجل قرار ينفذ لا شخصيّة تحكمها عقدة النجويميّة ، وخاصة لم يكن ـ بالبرهان على الأرض ـ ظاهرة صوتيّة !!

3 ــ المحطّة الأطلسيّة :

هنا يُظهِّر السيّد ( آردوغان ) ظاهرته الصوتيّة ، بكل تناقضات الظاهرة ، فهو الباحث عن تموضعٍ جيوـ استراتيجيٍّ جديدٍ في الإقليم ـ ولسنوات بدا !! ـ مستقلٍ بعلاقته مع سوريّة وإيران المعاديتان للسياسات الأطلسيّة ، وخاصّة للمخططات الصهيوـ أمريكيّة ، ليعود إلى حظيرته الأطلسيّة بعد دروس تأديبيّة غربيّة ، ليس أخرها إفشاله فيما سعى إليه ـ مبادراً !! ـ مع البرازيل في التصدّي للملف النووي الإيراني وإشكاليّته ، ليأتي أخيراً ( قانون إدانة نكران المجازر الأرمنيّة الفرنسيّ ) ، مكافأة مستحّقة لخنوعه الأطلسيّ بنشر رادارات ما يسمّى ( مبادرة الدرع الصاروخيّة الأمريكيّة ) على التراب التركيّ ، ليكشف السيّد ( آردوغان ) عارياً لايملك إلّا ظاهرته الصوتيّة التي أضافت إلى ترسانتها شعارات ( الإسلاموفوبيا ) ، وصليبّة الساركوزيّة ، والتذكير بمجازر المستعمر الفرنسيّ في الجزائر ـ وكلّ ذلك صحيح ـ بشعبويّة لا يحسد عليها ، فعوضاً عن شعبوية ادّعائه الدفاع عن الإسلام ـ المفترى عليه حقاً ـ وتنصيبه لنفسه قيّماً مدافعاً عن بلاد المسلمين ـ التي يكتشف فجأةً مظلوميّتها ـ أما كان الأجدر به أن يتصرّف كرجل دولة مسؤول ، يتحرّك مؤسساتيّاً ، فيدعو البرلمان التركيّ لاجتماع يناقش المجازر التاريخيّة للمستعمر الفرنسي ـ وهي كثيرة ، تاريخياً ومعاصرة ـ فيردّ على قانونٍ بقانون ؟ !!! بدل التصرف بلغة المتظاهر المحتجّ الصّارخ ضدّ التّحيّز واللاعدالة ، المشروعة للمواطن ، ولكنْ المجلجلة الإدانة للسيّد رئيس الوزراء بحكم مسؤوليّاته ، والأدق رقبة ، أنها تكشف مقدارتدني ثقة مسؤول مثله ببلده ومؤسساتها واستقلال قرارها ، ومقدار تحكّم عقدة تفوّق الرجل الأبيض بسلوكه الذي يظهره ـ كما تصرّف ـ عاجزاً متشكيّاً بارانوياويّاً مضطهدا !!! لكنّها ظاهرة الصوتيّة الحابسة للسيّد ( آردوغان ) في خلّبيّة ثأثيراتها ، تتركه هكذا مهرّجاً بجمهور ملّ دوراً فقد حتى القدرة على الإضحاك ، إلّا أصفره المشفق أو المزدري !!!

أما في محطتي الآردوغانيّة ، تركيّا داخليّاً ، وسوريّاً جواريّاً ، فالسيّد ( آردوغان ) يتفوّق على نفسه ويصبح ظاهرة فوق ـ صوتيّة ، وذلك ماسيكونه موضوع المقال القادم ذي الصلة


إشكاليّة الديمقراطيّة ولعنةالدم


من قلم : د. منير وسوف


نّ دم الإنسان حرمة بالمبدأ ، وربّما كلّ دم ، حتى ماحُلِّل منه ،لارتباط سفكه بعنيف الفعل وغلبة الحيلة ، بغض النظر عن تبريراتٍ تحملها إيديولوجيّات وضعيّة أو مقدّسة ، ولو كان حلال تقديم أضحية ( هنا أنوّه أنني لا أتعرّض لأحكامٍ شرعيّة ، أبداً ، فليس ذلك هدفي ، وليس هنا المكان المناسب ، فضلاً عن أنّني لا أسمح لنفسي بالخوض في جدلٍ محسوم النتيجة بمنطق المقّدس ، ولكنّه رصد ظاهرة موضوعيّة ، من الإجحاف واللامنطق تجاهلها ، فكيف بنكرانها ؟ !!! ) ، من وجهة النظر تلك ، ربّما يستطاع فهم ( فلسفة النباتيين ) الرافضين تناول اللحوم ، وعدم حمل موقفهم هذا على حامل مرضيّ أو اضطراب بنيويّة نفسيّة ، حرمة تقررت منذ أدرك الإنسان صفته ـ الميّزة ملكة العقل ، مما يمكن من استيعاب حاسم موقف السرديّات كلها ، والمقدّسة منها بالخاصّة ، التي وصّفت قتل ( قابيل ) أخيه ( هابيل ) بالجريمة الشنعاء ، واستباحة لحرمة الدم ، بإلغاء الآخر ماديّاً ، في سلوكٍ إقصائيٍّ استئصاليٍّ ، بل ولم تقف عند بُعد جنائيّة الجريمة دنيويّاً ، وإنّما رفعتها إلى سويّة المقدّس في حكمٍ أبديٍّ يجعل من لعنة سفك الدم ذنْباً في عنق سافكه ، إلى يوم الدينونيّة والحساب ، ولو كان مرتكب الجريمة (هابيل النبيّ بن النبيّ آدم أبي البشر) !!!



هكذا يتضح ـ بلا لبْسٍ ـ أنّه إذا احتملت حرمة """ الدم اللابشريّ """ موقفين واجتهادين ، فحرمة """ الدم البشري """ حازت قطعيّة الإجماع ، مما يضع على مشروعيّة سفينة الديمقراطيّة المبحرة فوق بحرٍ من الدماء عريض سؤالٍ مبرّرٍ مشكِّكٍ ومفهوم ، لا بسلامة وجهتها ، ورجاحة عقول ربابنتها ونظافتهم فقط ، بل يتجاوز ذلك إلى التشكيك بطبيعة الديمقراطيّة ومنعة حياضها ، فعجزها عن صون نبلها ، وخطوته الأولى ـ المؤسِّسة ، تنزّهها ـ بمفترض طهارة أخلاقيّة وسيلتها وأهدافها ـ عن السقوط في مهاوي الرذيلة ، وأقصى تمظهرات الرذيلة ما تجسّده الجريمة ولعنة الدم ، فضلاً عن انهيار الأمان والأمل بالديمقراطيّة حين لا تملك حماية نفسها من استعمالها ـ موسميّاً عبوريّاً انتهازيّاً ـ مركوباً للثأريين الحاقدين والموتوري الدمويين ، المرضى بإحباط الإيديولوجيّات الصفراء وعقمها ( ومنها ماحرّف المقدّس ودنّس رحيم مقاصده ) ، وبعضها مازال يحارب الديمقراطيّة ـ معطى مؤامرة كفرة ضدّ المؤمنين !!! ، ويروّج أنّها بدعة ، و( كل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار ) ............



وللوقوف على حقيقة مأزيّة ـ إشكاليّة الديمقراطيّة والدم ، بل وتعارضهما الإلغائيّ الصراح ، ضروريّ استدعاء شهادة التاريخ الحاسمة ، السادة لكل احتماليّة مصالحة ، أو مؤدى ، أو لقاء بين الدم والديمقراطيّة ، بل بات حكم التاريخ ييّن وبالوقائع ـ البرهان ، أنّ الدم كان دائماً حامل ظلم الدكتاتويّة وعسفها ، فالديمقراطيّة يصنعها الديمقراطيون ، والثأريّ ليس ديمقراطيّ ، ومثله الحاقد والموتور والمتعصّب وضيّق الأفق وسجين التخلّف و أيديولوجيّات الإقصاء وثقافات سمّ عطاءآتها و.... إلخ .... فكلّهم لا ديمقراطيون ، سيكررون درس المقصلة وأفران الغاز الهتلريّة ( فهتلر وصل ديمقراطيّاً إلى الحكم ، كي لا ننسى !! ) ، ومجازر الكولاك ، وجرائم ( بول بوت ، و سيريك ماتاك ) وخميرهم الحمر أثناء نكبة كمبوديا بهم .



وإذاً أفليس من حلّ ؟ !!!
بالتأكيد يوجد حلول ، ولكن ليس منها ـ أبداً ـ طريق الدم ، المفضي دائماً ، وبحتميّة الإقتضاء - منطقيّاً وتاريخيّاً - إلى الدكتاتوريّة وانتقاميّة ظلاميّتها ، فليُلفظ الدمويّون ، أعداء الديمقراطيّة وقتلتها

الجمعة، 23 ديسمبر 2011

التموضع هو هدف التصويب ، كان ويبقى وسيستمر




استهداف إيران ليس لذاتها ، فإيران الشاهنشاهيّة كانت أثيرة مستهدفيها اليوم ، بخلاف سوريا وخط المقاومة العربيّة ، اللتين ـ بتموقعهما ـ هما دائماً تحت التصويب ، وضُمّت إليهما إيران ـ الثورة الخمينيّة منذ انتقالها الثوريّ صراحة إلى قطبٍ مقاومٍ للهيمنة الإمبرياليّة باكراً ، قبل حتى جديّة تصديق احتماليّة انهيار الإتحاد السوفيتيّ ومنظومته ، رغم دراساتٍ جادة تنبأت ، بل ووضعت التواريخ التقريبيّة بحصول الزلزال الجيوـ استراتيجيّ ـ السياسيّ الصاعق ، ( انظر: بول كندي " صعود وانهيار الامبراطوريّات "" ) .

فبالحديث عن استهداف التموضع يتحدّد سمت الرؤية ، فلا يُعدَم الماضي على مذبح الحاضر ، ( فمصر ـ الأمس ـ مثلاً ـ ، هي إيران ـ اليوم ـ تموضعاً ـ ) ، ولا يُضخَّم الحاضر وكأنه استثنائيّة تاريخ ، أو في قطيعة طُفريّة عن سيرورته ، مع الإعتراف بنوعيّة الإنعطافات وحدّتها ، وأقصى درجات الحدّة هو ذهابها إلى النقيض المطلق ( الحالة الإيرانيّة مثلها ) ، فهنا لا مكان للعبة الخانات الفارغة ، في عبثيّة ألعاب البحث عن الكلمة الضائعة ، المعروفة دائماً لمصمم اللعبة ، موزِّع ـ بفهلويّةٍ ـ حروفها بين تقاطع الكلمات المتشابكة .

هكذا تماماً ، ترصد بانوراميّة الرؤية الفاحصة الممحّصة ، استمراريّة إرادويّة التخطيط الهادف المبرمج ( لا المؤامرة ) وموضوعيّة الشروط الممّكِّنة تحقيق غاياتها ـ الهدف ، وقد وفرت الساحة العربيّة المشتعلة ، منذ قرابة العام ، فرصةً نادرةً لها ، فرصةً زلزاليّةَ التوصيف ، وتوقيتاً حرجاً على ميقاتيّات الإقليميّ والدوليّ ، واشتباك مصالحٍ فاقدٍ الحسم ، مشتت الإتجاه ، حيث برز مرتزقة عمالقة ، وممولون ""حديثوا نعمة "" جاهزون للدفع لقاء دورٍ ، أيّ دور ، لايبحثون عن معقلن الإستثمار إلاّ نادراً ، بينما هم ـ دائماً ـ في بحث القزم عن قامة العملاق ، بعقدة عصابيّة مستحكمة قاهرة ،يدارون بذكيّ استثمارها ، وفي عقم مساراتها يتحرّكون . في لحظة آننا المأزوم ـ هذا ـ لا يمكن لتحليل في العمق يحترم العقل وناطق التاريخ ، وهو يتتبع سرديّة حوادثيّته المستمرّة ترابطاً سببيّاً في مسار ذات الموضوع ، بين نفس اللاعبين ، الذين ثبت بعضهم في تموضعه ، أو ثُبِّت قسراً فيه ، بيدقاً لا يملك إلاّ خيار العبد المأمور ، بينما ذهب بعضهم الآخر إلى تموضعاتٍ نقيضة تماماً لخندق مواقعهم السابقة ، وبخياراتهم حتماً ، بغض النظرعن تنوعيّة الدوافع ومنابع صدورها ، والسبل المتّبعة في تفعيلها واستثمارها .

تحليلً هذا منطقه وذلك منطلقه ، لا يمكنه بدايةً ، بل ولا بدّ له موقفاً ، من إظهار استسخافه واستخفافه بغوغائيّة وضجيج ذلك المنطق المتهافت لببغاوات الردّ المعلّب ، باتّهام كلّ ذي رأيٍّ تعجزها ضحالتها المعرفيّة ، ورقيق إيمانها الديمقراطيّ القاصر عن احترام ( الرأيّ الآخر ) ـ فضلاً عن فعليّ عدم احترامه ـ برميّ كلّ مخالفٍ بأنّ ما يأتيه ، أو يؤتيه ، إنّما يصدر عن اعتناقه ( نظرية المؤامرة ) ومرض زَوَرِها ، وعقد اضطهاد المحبَطين أصحابها ، إلخ !!! ...

مما لا يستحقّ التوقّف لردٍّ أو مجادلة ، فذلك مضيعة للوقت صُراح ، فكليّة العبثيّة وضائع الجهد هما محاولة تغيير قناعات متمذهبٍ مغسول الدّماغ !!! . فخارج فضاءآت ذاك الغسيل الممنهج المدروس ، وبعيداً عن مياه سباحاته العكرة الآسنة ، لا تختلف رؤية متابعان جدّيان لمجريات الأحداث ـ المنعطفات في المنطقة العربيّة ، أنّ عميق قراءة ديناميّاتها المركّبة (من داخليّة تراكميّة مفجِّرة ـ متفجرة ، وخارجيّة مستفيدةٍ ، فموجّهةٍ ومؤثِّرة ) ، بشموليّة سردية حوادثيّتها ، لا تستقيم منهجيّاً إلّا باحترام ـ المرجعيّة ـ الإسناد ـ درس التاريخ ، فهوالمؤطِّر لتتابعات وقوعها ، المترابطة تصاعديّاً لولبيّ النموّ ، أحاديّ مشيمة الديمومة ـ الفعل الخالق ، المشمولة دائماً برعايةٍ هيمنيّةٍ مصمّمةٍ لضبط فعلها ، إلى الصيرورة ـ التعبير الوقائعيّ لمآلاتها ، وإنْ بدا من انقطاعاتٍ زمنيّةٍ بينها ، فذلك ليس أكثر من خادع سرابٍ مضلِّلٍ ، تُسارع لالتقاطه سطحيّة التحليل المستسهِلة ، من نسق الإتهاميّة أعلاه وتنميطيّة تصنيفاتها ، لأنّه ـ وفي العمق القواعديّ ـ المؤسِّس ـ عِليّاً ـ لتلك الأحداث ـ المنعطفات ـ تشكّلُ تلك الإنقطاعات الزمنيّة محطات كمونٍ في بُعْدٍ تراكميٍّ بنيويٍّ لديناميّةٍ متحرّكةٍ بلا انقطاع ، تعبّر في لحظة التحوّل النوعيّ بتمظهراتٍ ، تختلف في حدّتها طرديّاً مع كينونة الكم المتراكم على محمولٍ محدَّد المنحى والهدف ، حيث يعجز الواقع الآنيّ ـ رحمه الحاضن لتطورات نموّه ومغذيها ـ عن لجم ضاغط ديناميّة حراكه ، أو ضبط نبض إيقاع فعله ، ولو باستعمال كلّ مافي ترسانة ذلك الواقع من أسلحة المحافظة على استمراريّةٍ مستحيلةٍ ، في نقطةٍ ترفض ـ غباءً ومكابرة ، ولا مكابرة بلا قسط غباء ـ ترفض الإعتراف أنّها تحاول ـ وبلا جدوى ـ تعطيل قانون حتميّة التغيّر ، فالتغيير ، فالتلاؤم ، فالإندماج في مسارديمومة التطوّر الأزليّة للكائن الجدليّ ـ الإنسان ، حين تحلّ لحظة حتميّة استحقاق المخاض .

ذلك البسط ـ المدخل ينقلنا عفويّاً ، وباستدعا ئيّة مفهومة ، بل وضروريّة للفهم أيضاً ، للربط المنطقيّ تحليليّاً ، وجدليّاً تاريخياً ، بمنطق شموليّة الرؤية المؤسَّسة على :

١ ــ حقائق الجغرافيا الثابتة موضعاً مُعطى ( منطقتنا ) ، وتموضعاً ، جيواستراتيجي علائقيّ حكماً ، قسريّاً غالباً ، منذ قرون .

٢ ــ تغيّرات التاريخ على ثبات الجغرافيا باستمراريّة الزمن ، في سرديّة تأريخٍ ـ واقعاً متحركاً ـ ولو بدا ـ لوهلاتٍ ـ سكونيّ مستنقعيّ ، وهذا ـ ثانيةً ـ خادع ومخادع ، ويزيد القراءة عمهاً ، حين تسمح بعض التسرّعات ـ التسارعات ، بادعاء علميّة التحليل ، وموضوعيّة نسبيّة المعطى المحايد ، برؤية الحركيّة الإنقلابيّة نكوصاً ـ عكس السير ـ بما لا يتفق بحالٍ مع حقيقة أنّ ذات الماء لا يمر تحت ذات الجسر مرتين !!!

نعم يدعونا للربط المنطقيّ بين حقبتين ، بل ثلاثة ـ تفاعليّاً ـ ، من تاريخ منطقتنا : ــ حقبة الخمسينات ـ الستّينات من القرن المنصرم ، وقد انتهت ولم تنته تأثيراتها ـ المفاعيل . ــ حقبتنا المعاشة المستمرّة ، المبتدِئة في العام الأخير من سبعينات القرن العشرين ( عام الثورة الإسلاميّة الخمينيّة الإيرانيّة ) ، ولا زالت في معركة تبلورٍ لم ينجل غبار ساحاتها . ــ أربع سنوات بالتحديد بين الحقبتين ،، بين ( 1973 ـ 1977 ) ، شكّلت مرحلة تحوّلات ـ جسر عبورٍ ، لانقلابات سياسيّة جيوـ استراتيجية ، بعضها ارتقى إلى مرتبة الخيانة ، وللذات قبل الآخر ( مثالها : الإنقلاب الساداتي ، والدّاخلي قبل الخارجي !!) ، بلورت اصطفافات إقليمية مرتبطّة بقطبي الحرب الباردة ، وبالقطب الأمريكي بالتحديد بعدها ، خاصّة مع بروز مصطلح البترو ـ دولار الخليجي ، وأسطوريّة أرقامه الفلكيّة بعد طفرة الأسعار ، عقب استعماله ـ المُدّعى ـ سلاحاً في الحرب العربيّة ـ الصهيونيّة عام 1973 ، والحقيقة أنّ بسيط عقلانيّ التفكير، يصل بسهولة إلى أنّ شركات البترول الغربيّة ، القابضة على زمام ذلك النفط ـ المسمّى عربيّاً نسبّاً لتربة مخزونه العربيّة ،أو هكذا كانت تسمّى !!

ـ استخراجاً ونقلاً وتكريراً وتسويقاً ، قد اهتبلت المناسبة لتحقيق ربحيّة فلكيّة الرقم ، ومن جيب المستهلك في العالم الأوّل ، المستهلك الرئيس للسلعة النفطيّة ، أي من جهد مواطنها أولاً ، مما جعل محاولات " موطنة النفط وتجنيسه " وشعاراتها : ( بترول العرب للعرب ، لكل أمّة العرب ، يمْناخد منهُ حقّنا الكامل ، يمْنشعلو لهب " تنشد المؤدية الصادحة " ، لهب ، لهب ، لهب لهب لهب ، يردّد الكورس ، وخلفه جماهيرالمخدوعين العرب !!! ) في تمثيليّةٍ هابطة المستوى من كوميديا سوداء سخيفةٍ ، بلون الزفت ، سليل النفطّ ، كابر عن كابر !!!

من هذه النقطة الأخيرة ( تراكم الثروة البتروليّة المفاجئة ) بيد الأسرالقرنوسطيّة ـ الحاكمة الخليجيّة ، سيتابع الجزء الثاني وربّما الثالث و الرّابع ...، تفقير الموضوع ( من فَقَرَة ، لا فقر ) حيث ستستعرض الأجزاء اللاحقة : ــ الفرصةً النّادرةً القائمة ودقّة توقيتها . ــ المستهدِفون ودرجاتهم ومدروج المصالح .

ــ المرتزقة بين العملاق والقزم . ــ الممولون وطبيعتهم . ( يتبع ،فللموضوع لواحقه ـ الصلة ) .


ديمقراطيّ تائب خيّبته أيقونة الديمقراطيّة


لا أشكُّ أنّ العنوان صادم ، كإعلان الكفر بين جماعة المؤمنين ، وأنّني أفتح على نفسي بوّابات جحيم ردود يمتدّ اتساعها بين الإعراض والإزدراء ، إلى الإستنكار والتسفيه ، وربّما إلى اتهاماتٍ بانتماءٍ إلى مدارس الدكتاتوريّات المنقرضة أو في طريقها ، أو إلى ولاءآتٍ ضيّقة ، متقوقعة في تاريخ ذكرويّ خوفها من تجربتها الممتدة على مساحة قرونٍ أربعة عشرة من القهر ومعاناته ، على يد حكمٍ شموليٍّ مسلحٍ بأيديولوجياتٍ إلهيّة ، طالما وظّفت الإيمان سيفاً يشهره الحاكم بأمره على أعناق الفكر ، فكيف بحال حامليه المطالبين بالحقّ في الإعتراف بإنسانيّتهم ، وشرطها الأوّل عدم اعتبارهم ( رعيّة ) ، وهو التخفيف والترشيق للتعريف ـ التحديد واقعيّاً : مفردة ( قطيع ) ، وحتماً وبالتلازم ، خانع ومطيع ، وإلّا فسيف الحاكم بأمره ، وليّ الأمر وظلّ الله ـ والواقع عدوّ الله ـ المغتال لعدالته وأس أقنوميّة ترجمتها بتكريم خلقته المكرّمة بمحكم تنزيله ( ولقد كرمنا بني آدم ) ، وبنعمة العقل تحديداً ـ شرطاً ، فهي مفتاح جنّة الحريّة المفجِّرة لكمون ومكامن الإبداع في الطاقة اللامتناهية في أعماق الإنسان الحرّ ، المتخفف من العسف والكبت والقمع التي يشخصنها الحاكم بأمره ، بسيفه أو بذهبه ، لا فرق ، أو بما مورس ، بمديد ومرير الخيبةٍ ، من لدن نمطييّ أصحاب نظريات ( الطليعة الثوريّة ) الوصائيّة ، التي لم تفعل أكثر من استبدال شخصنة الحاكم بأمره " الفرد " ، بشخصنة أخرى أشدّ فتكاً ، ( مجلس قيادة الثورة ، المكتب السياسيّ للحزب ، اللجان المركزيّة ... إلخ من تسميات مخترعة لكل وافد إلى منصات القيادات ـ الضرورة ، وحكماً الملهَمة فالملهِمة !!! ) ، وبعصبويّة استبداديّة دمويّة أين منها دمويّة سيف الحاكم بأمره ، الذي في يده الثانية ذهباً ـ كما يُقال ـ !!!

أمّا هنا ـ مع ( الطليعة الثوريّة ) ـ فالسيف ثمّ السيف ، في مباراة دمويّة بين السيفين بكلتا اليدين الطليعيتين ، والتاريخ ـ البعيد والقريب والمعاش ـ كريمًٌ بتقديم الأمثلة لكلّ النماذج الحاكمة ، ومنها ، النموذج الديمقراطيّ ـ الخدعة دائماً ، والخادع لنفسه أولاً ، بتقديمه ظهر فرس ( ديموقراطيّة انتهازيّة ) يسير ٌامتطاؤه من قبل نصّابَ سياسةٍ نهّازٍ ، في أوّل سانح فرصةٍ على أيسر منعطف ، قبل أنْ يخدعني ، الغادر للذات تاريخيّاً ـ بدايةً قبل أنْ يغدر بي ( عبرة الرئيس التشيلي " اللندي " ) ، والمبيّن العجز ـ واقعاً ـ عن حماية النفس في بعض ( ديمقراطيّةٍ بطقم أسنانٍ مستعارٍـ لجان مراقبات الإنتخابات الدوليّة الملغومة ، وقيمة صوريّة شهاداتها !!! ) قبل أنْ يحميني ، بل ويسلّم عنقي بيدي لسيف جلّادي المشرعَن بصوتي ، المشارِك بدعوتي لممارسة ( ديمقراطيّة عارية من هدفها ـ المبدأ ، تحقيق صادق تمثيلي ) في مهرجان احتفاليّةِ اقتراعيّةٍ مضللةً ، تُحشر فيه أيقونيّة الديمقراطيّة الحقّة في رثّ جلباب الردّة ، وتهريجيّة عرّابين دّعاة ، غرباء عنها ، يسوّقونها بضاعة سوق نخاسةٍ تحكمها الرغبويّات ـ المطامع ، ويقرر مصيرها المزاد

بطوطميّة ممارسة طقوسيّةٍ ، طُردت العقلانيّة وأُقصي الفكر النقديّ عن مراسحها ـ القناع ، عبر صندوق عجائب ـ معجزاتٍ مدّعاة ( صندوق الاقتراع ) ـ الفخّ المنصوب ، رغم كلّ سيناريوهات محاولة إضفاء كليّة القدسيّة عليه وتهويماتها !!! ، لأنّه ما كان يوماً ولن يكون في محصلته ـ النتيجة إلّا ترجمةً لدرجة الوعيّ في جماعة بشريّة ، خاضعةٍ لغلبة طرف قوىً متصارعةٍ تفرض توجهاتها ، بسيف الغالب أو بذهبه ، لا فرق في ذلك بين الأنظمة التوتاليتاريّة وتلك الليبراليّة إلاّ بدرجة إتقان المخرج وتقنيّة الإخراج ، على أنّ الذّهب يبقى الأخطر بين السلاحين لأنّه يستطيع إنتاج وعيٍّ "" مزيّفٍ جمعيٍّ "" ، لم تبدأ تمظهرات ترجمته مع خلافة معاوية الأمويّ ومُلْكها العضوض ، وخاصّة مرحلة خلافة يزيد ، الإبن الوارث لها ، خلافاً ومخالفة لمبدإ الشورى ( وأمرهم شورى بينهم ) ، بل ، وبلا أيّة كفاءةٍ ـ مزيّةٍ تمتّع بها الأب الموّرث ـ الموروث

وما انتهت تلك التمظهرات بولادة النّازيّة الألمانيّة ، من رحمِ ( ديقراطيّة زنىً ، مزنيًٌّ بها اغتصاباً ، أو بطبيعتها تحمل مورّثة قبول الإنحراف ، واستعداد المومس ؟ !!! ) ، لتُخرج من ( صندوق الإقتراع ) لعنة مؤسس رايخها الثالث ، فوهررها ( آدولف هتلر ) ، وبالتزامن معها شقيقتها الفاشيّة الإيطاليّة وزعيمها ( بينيتو موسوليني ) ، ولن تكون آخر صفحاتها خروج أصحاب شعار ( الإسلام هو الحلّ ) من تلك الصناديق منتصرين ، بعد أن رفضوها طويلاً لأنها تسمح لغير المؤمن ( الذميّ والعلمانيّ والملحد و .... إلخ ) بالمشاركة في رأيٍّ يخصّ شؤون الأهمّ في حياة ـ دنيا المسلم ، ( نظام الحكم )، وخاصّة يخالف أساسيّ شريعيّة ممارسته ، حصريّة مبدأ الشورى بجمهرة ( علماء المسلمين !! ) ، فضلاً عن تكريسها اعتماد بدعةٍ مستوردةٍ من فسطاط ( دار الإحتراب ) إلى فسطاط ( دار المسلمين ) ، بما تمثّله من تغريبٍ عن المنابع ـ الأصول ، وفعل "" إساءةٍ إلى ـ ومؤامرةٍ على "" قويم نموذج اسلوب سلفنا المؤمن في تنصيب الحاكم ، والصالح لكل زمان ومكان ( حيث المسلم ) ، منذ مجلس شورى ( سقيفة بني ساعدة ) وإلى أنْ يرث الله الأرض وما عليها !!! وأمّا أنّها ممارسة ـ بدعة ؟ !!! فيكفي أنّها تندرج كآليّة ممارسة تطبيقيّة للديمقراطيّة ـ البدعة الأمّ ، مغتصبة شرعيّة الشورى ، ومحيلتها إلى المعاش في بطون دواوين التصنيف !!! وستظلّ شبهة البدعة قرين الديمقراطيّة الملازِم في نظرالأصولية الإسلامويّة ، لتظل رهينة ابتزاز سيف الإنقلابيّة المشهر في وجهها عند اللزوم ـ الوظيفي البراغماتي دائماً ـ وعلى فقه قاعدة : ( كلّ بدعة ضلالة وكلّ ضلالة وأصحابها في النّار ) !!! في واقعٍ كهذا ، كيف يُستطاع دفن سؤالٍ حيٍّ ـ وأداً ـ بعدم أو بتجنّب الإجابة عليه ؟

والسؤال هو كيف قبل الإسلامويون ممارسة ديمقراطيّة ـ بدعة ومؤامرة ، وبالإحتكام إلى صندوق الإقتراع ؟ ومع بوليصة تأمينٍ بالفوز المبين !!! هنا لابدّ من التشديد على مصطلح " اسلامويين " من إخوان ، وسلفيين أو إسلافيين ، من صوفيين ، وغيرهم من السياسويين والمسيّسين ، تمييزاً لهؤلاء عن سواد الشارع المسلم المسيَّر دعاويّاً ، وإنْ جادل البعض ، وأصرّ السواد الكثير : أنّ الإسلام ربّانيّ شموليّ وشامل ، دين ودنيا ، شريعة ودولة ، وبالتالي فكلّ مسلم مؤمنٍ مسيَّس ، فرض عين عليه ، فالإيمان ما وقر في القلب ، نعم ، ولكنّ تمامه ما صدّقه العمل . من ذلك الباب الواسع يدخل تزييف الوعيّ لينتج وعياً مزيَّفاً ، تترجمه نتائج الغزوات المباركة على صناديق الإقتراع ، "" نصراً ـ خديعة ذات جمعيّة "" ، تواطئيّتها على ذاتها لا تخفى على ذي حجى ، ولو كانت نزاهة الصناديق ــ وخاصّة تلك النزاهة المقدسة حينها ــ في ابهى درجات النقاء . وبالعودة المراجعيّة ـ الإسناديّة إلى المرحلة النّازيّة ، ورفيقتها الفاشيّة ، من التاريخ ، للدلالة القطعيّة على خطورة الوعيّ المزيَّف ، في إنتاجه ـ وديمقراطيّاً ـ بقوّة ايديولوجيا " وضعيّة " ، أنظمة حكم ديكتاتوريّة طغمويّة ، شموليّة مستبدّة وعدوانيّة ، فإنّ الخوف يصبح ـ لا مبرَّراً فقط ، بل ومشروعاً ـ مطلوباً وضروريّاً ، حين تصبح الأيديولوجيا " سماويّة " مقدسة بقاطع النصّ ، ودكتاتوريّة حرفيّة التزامه ، لا استيعابه واستيحائه وفهمه ، ليس ذلك فقط ، بل يمتدُّ التقديس إلى إنتاج الفقهاء ولو تناقضوا ، والمفسرين وإنْ شطحوا ، والرواة وإنْ دسّوا

والمفتين وإنْ أفتوا على أبواب وموائد السلاطين ، وخاصة سلاطين البترو ـ غازو دولار المتخمين !!! دون اعتبارٍ لاختلافات عاملي الزمان والمكان ، بل وبالقفز الشعبويّ على خصوصيّتهما ، واستحضارهما توظيفيّاً إسقاطيّاً قسروياً على الظرف المعاش ، أيّ ظرف ، وحكم الطالبان في أفغانستان ، وحربه المعلنة لا على المساواة بين الجنسين ، والسوفيت والأمريكان ، فقط ، بل وعلى " تماثيل بوذا " في الحرب المؤمنة المقدسة الضروس ، المستمرة الجهاد على " الأصنام والأوثان " لمثل قائم ودامغ الدليل !!!

تلك العودة كان لا بدّ منها لمحاولة الإجابة على السؤال أعلاه ، وفيها : هؤلاء المسيّسون الاسلامويون لا يقلّون قحّةً براغماتيّة عن الليبرالي والعلماني وكلّ ( حيوانٍ سياسيٍّ ) ، بل وفي جعبتهم ـ من المزايا ـ ما يكسّبهم على الأرض بسهولة عريضة نسبيّاً ، فعموميّة الثقافة الإسلاميّة مجتمعيّة الطابع ، تشمل ـ وبدرجات ـ المسلم وغير المسلم ، وتسيطر ثقافويّة شعبويتها على لغة النشطاء والدعاة وخطب الجمعة ، وتجد بسهولة أذن البسطاء ـ المؤمنين بالفطرة ، وقليل نسبة تسكن منزلة الآحاد بالمئة من متصلّبي اعتناق الإيديولوجيا ـ هؤلاء المأزومون في حياتهم اليوميّة ، المفقرون بآلة الفساد والإحتكار والنهب المنظّم ، في كاثوليكيّة زواج السلطة والمال ، يبحثون عن لقمة العيش المتصاعبة المنال ، وعن وجود مستلَبٍ بسلطة حاكمٍ بأمره ، متألّهٍ نمرود ، هؤلاء هم " بوليصة التأمين " التي شجعت الإسلاموية السياسية البراغماتيّة ، وأغرتها بقبول لعبة المتاح بلا مخاطر ، لعبة الديمقراطيّة ـ البدعة الضلالة !!! ، التي تجد فتوى تبريرها بمقولات جاهزة ، سماويّة أو وضعيّة ، فكله مجلبب بقداسة لا تُطال بنقد ، ولا تُقارَب باعورار ""معاذ الله وحاشاه "" : فقواعد : ( الضرورات تبيح المحظورات ) ، ( وأنتم أدرى بدنياكم ) ، ( وأهل مكّة أدرى بشعابها ) ، كل قاعدة منها ، بما يلحقها من تفسيرات وأسانيد وشواهد ، تكفي لإمرار الجمل من ( خرم الإبرة )، فكيف لورقة عابرة في صندوق اقتراع ؟ !!! قد يصبح ـ هو ـ عابراً بدوره ، ولمرّة واحدة ، يتيمة الأبوين ، أو لقيطة ، وباتّجاه وحيد .

وبعد أليس في استغلال سذاجة سواد الكتلة الشعبيّة الأعظم ، وتعبيرات صافي إيمانها ، وانتهازيّة توظيف ضاغط حاجاتها ، وواضح أميّة وبساطة إحاطاتها بأسباب إعاقاتها ، بدغدغة مشاعر إحباطاتها بوعود عرقوبيّة ، يعلم أصحابها قبل غيرهم أنهم يكذبون أو يروِّجون ـ بساذج الطويّة ـ لكذبٍ باستحالة تحقيقها ، وخاصّة ترويج شعارات فضفاضة ، لا برمجة زمنيّة لتحقيقها ، ولا آليّات محددة لتنفيذها ، تعني كلّ شيءٍ ولا تعني أيّ شيء ، رأس قيميّة عريض فعلها يكمن في امتلاكها سطوة الحضور وقدرة التجييش والتحشيد من مثل مثالها التاريخي الأشهر ، البرنامج السياسيّ ــ المختصر المبسّط لحركة الإخوان المسلمين المصريّة الأمّ : ( الإسلام هو الحلّ ) !!! يبقى استكمالاً للموضوع ، لا إلحاقاً به ، بل في صلبه ، هذا الطلب الملح من بعض الأقلام اللامحايدة رغم لبوس معظمها عباءة النّاصح المحبّ الشفوق ، وعمامة الفقيه ـ الإمام بآنْ ، أنّه على الجميع قبول نتائج صناديق الإقتراع ، وترك الفرصة للمنتصر الإسلامويّ قبل الحكم عليه ، وهو طلب حقٍّ بظاهره ، يريد باطلاً في باطنه ، أو باطنيّته لافرق ، ففضلاً عن الإستهتار بضروريّة وضوح وتوضيح ، وبرمجيّة ملّح برامج الحلول المقترحة ، لحاجات الجماهير المفقرة المسحوقة ، فإنّه يحمّل ظهرها المثقل بمهمّة جديدة ، بتحويلها إلى حقل تجارب عليها ، تتحمّل مسؤوليّة احتماليّة نتيجة الفشل إذا وقع ، أفليس ذلك هو اختيارها ؟ !!!

فإنّه يشي بنفسٍ دكتاتوريٍ لايختلف باستبداده عن منطق أيّ شموليّ دكتاتوريٍّ يطلب مصادرة ومنع "" الرأي الآخر"" وقمع كلّ بادرة احتجاج أيّاً كانت ، وهذه المرة متسلّحاً بدكتاتويّة صندوق الإقتراع ، وطوطميّة قدسيّته اللا مجال لنقدها ، مع أنّه صندوق لا أكثر يجمع ما يوضع فيه ، وقد سبق أنْ أخرج من بطنه وحش النازيّة ، ولعنة الفاشيّة ، كما سبق وأشرنا ، فكم كثرت العبر وقلّ الإعتبار !!! أمّا الحلّ لمن يريد ـ بارادة بنّاء الإستفهام ـ أو الهادف لوضعي أمام حائط العجز واللا جدواتيّة ـ بسوء الطويّة ولغة الإتّهام ـ فلن يكون بطرح عويص أسئلة مصيريّة ، لا أمتلك عميق إجاباتها ، وهذا ليس عيباً يقيم حجّة ، والإعتراف به لا يمنح " فيتو " مصادرةٍ واعتراض ، فناقد الشعر لا يلزمه قرض الشعر ، ومع ذلك فمفيد دائماً العودة بالموضوع إلى مرجعيّة نجاحات الأمم الأخرى في مجاله ، فليكنْ لنا في تجربة الديمقراطيّة اليابانيّة ، خطواتها ومراحليتها ، في أعقاب استسلام اليابان ودمارها في الحرب العالميّة الثانية ، درس نهوض وبناء من بلاد الشمس والميكادو ـ الإمبراطور ابنها .

إشارة أخيرة :

إنّ موقفي المعلن في هذا المقال ليس جديداً مستحدث في ضوء صاخب الحدث العربيّ الحاليّ ومنعكساته ـ النتائج الإنعكاسات ، أبداً ، بل إنّ الواقع العربيّ اليوم جاء شاهد إثبات لموقفي الذي عبّرت عنه ، ولقي استنكاراً كثيراً ، وتفهّماً قليلاً ، ونادر تأييد ، في مقالٍ منشورٍمنذ سنتين ونيّف ، بعنوان ( لستُ توتـالـيتـاريّـاً أبـداً ) وقد أعيد نشره على ( عرب تايمز ) ـ بتعاون هيئة تحريرها مشكورة ـ لا ليكون فقط " توطئةً ـ مدخلاً" لمقالي هذا، وهو جزئيّاً كذلك ، ولكن لأنّي وجدت ، وربّما هيئة التحرير كذلك ، أنه كُتب بمداد راهنيّة الحدث ، بانغماس القلم مبضعاً ، بإرادويّة تفاعل الموقف مع السرديّة ـ الحدث في مساراتها المنتهية إلى مآلاتها بكل يقين

________________

لستُ توتـالـيتـاريّـاً أبـداً



مقدّمة ـ إشارة ، لا بدّ منها لفهم سبب عودتي لقراءة مقال كتبته منذ سنتين ونيّف ، في شهر أيلول 2009 ، ونشر على موقعٍ في سوريّة ( بلدي الأمّ ) يتصفحه غالباً من يصفون أنفسهم ، أو يوصفون ـ جديّة أو تهكّماً ـ بالأنتلّنجسيا !!! ولأنني وجدت فيه ذات الموقف ـ موقفي تقريباً ، بل ووجدت ـ حسب رأيي الشخصيّ بالتأكيد ـ أنّ صاخب الحدث العربيّ الحاليّ ومنعكساته ـ النتائج الإنعكاسات ، جاء اليوم شاهد إثباتٍ لموقفي الذي عبّرت عنه ، ولقي استنكاراً كثيراً ، وتفهّماً قليلاً ، ونادر تأييد . والمقال هو التالي بحرفيّته وتاريخه ، إعيد نشره على موقع ( عرب تايمز ) ، تعميماً لفائدة أرجوها ، فذلك هو ـ ببساطةٍ ـ طموحي ، وخدّمتي التي أستطيع أو أزعمها كذلك ، ولغاية أخرى ، أنْ يشكلّ مقدّمة ـ توطئة لمقال قادم يتصدى لحدثٍ يشغل الجميع

: تاريخ 12 سبتمبر, 2009

في العقد الأول من القرن الواحد والعشرين ،قرننا الحالي ، وأمام كل انتخابات "تقريباً"،وخاصة في ما يسمّى بـ (العالم الثاني = بالتحديد العالم خارج الأوروبي الغربي ـ الأمريكي الشمالي )،أصبح لدى المهتمّين بالسياسة وتطوراتها ،ميدان بحثٍ مستجدٍّ يتعلق بتوقعات الإجابة ،لا عن النتيجة في صناديق الإقتراع التي اختزلت إلى حدود تقنيّةٍ ،مُراقبَة بنزاهةٍ أوبغرضيّةٍ ووصايات ،ولكن عن "نتائج النتيجة" ومستتبعاتها ،عن أيّة ألوان ،ومنها لون الدم ،ستصبغ الساحات على وقع انقسامات المجتمعات وتحشيد الأنصار المترافضين ،وعن رصد لغة الحملات الدعائيّة المرافقة للـ "معارك الإنتخابيّة"وعوامل التأثير في مجرياتها ،خاصة في مناخ "عولمة" تُنصِّب من سادتها "قيِّمين وأوصياء"على جزءٍ من عالم ـ (العالم الثاني) ـ ،يُصّرون على أنّه " قاصر" يحتاج إلى رعايتهم وهديِّهم ليمتلك أسباب النضوج ،والسياسي بالتحديد ،طبعاً من وجهة نظر " المرشد العولمي الأعلى" ،ومختبراته ومراكز دراساته ،وهو هنا الأمريكي بلا لَبْس . فإذا جاءت صناديق الإقتراع بنتيجة تتوافق مع ريح شراع السياسة الأمريكيّة ـ الأطلسيّة ومصالحها ،فهي مقبولة ،ولا بأس أنْ يُشار إلى بعض العيوب والسلبيّات ،وحتى بعض التزوير،لكنْ "الموضوعيّ المحدود"!! الذي لا يؤثِّرعلى النتيجة !! ،وتلك هي الشفافية !!التي تُطهِّر الإرتكاب ،حتى لو كان تدمير بلدٍ ،ومجازر قتلٍ أعمى لمدنيين أبرياء ،بالمئات والآلاف ،كما تظهرها لوحة الإجرام السوريالية ،على ساحة الدم الممتدة على مساحة رقعة البلاد الأفغانيّة ،وبعض الباكستانية ،دون نسيان المأساة العراقية .

أمّا إذا كان العكس ،وجاءت النتيجة مخالفة للمطلوب "العولمي" ومخططاته ،فهي عمل شيطانيّ تخريبي ،ومُعطى إرهابيّ ،يهدد الأمن والسلم الدوليّ !! وهنا لا يعتدُّ لا بالشفافية ،ولا بالنزاهة ،ولا برأيِّ الناخب ،الذي يصبح إرهابي ،وفي أحسن الأحوال مُضَلَل أو انتخب تحت ضغطٍ وابتزاز !!،كما ولا يعتدُّ لا بشهادة المراقب النزيه المحايد ، ولو كان رئيس أمريكيّ سابق (الرئيس كارتر) ،حتى ولا بإقرار المهزوم بالنتيجة !! كما حصل ويذكره الجميع في ،ومع الإنتخابات الفلسطينية "اليتيمة" التي هُزمت فيها "فتح" ،وأقرت فيها بانتصار" حماس " التي وصلت "انتخاباً" إلى السلطة الأوسلوية الهزيلة ،المستكثَرة على "بعض" شعب فلسطين على هزالها !! . ورغم إيماني بالديمقراطيّة أسلوباً في ممارسة السياسة وإدارة العملية السياسية ،ولستُ هنا بمناقض نفسي أبداً ،وليس ذلك استباقاً لدفع اتِّهام باللاديمقراطيّة أومعاداة الديمقراطية ،وقد قلتُ في العنوان مستبقاً إنّني (ضدّ الديمقراطيّة) ،ولكنْ أينَ وكيف ؟!! وليس ذلك لدفع اتِّهام بالدعوة إلى نموذجٍ مُحدّدٍ في الحكم ،أوبتأييدٍ بلا تفكيرٍ لصيغ تعتورها الكثير من النواقص والسلبيات ،أبداً . فللحقيقة والواقع أعترف أنني شاركتُ وأشارك في كل الإنتخابات الفرنسية ،لا لأنّ الديمقراطيّة في فرنسا "كاملة الأوصاف" ومثالية ،أبداً ،فالكثير من الإنتقادات المحقّة تطالها ،بل ومن عصيِّ السلبيّات تشوبها ، ومنها :

1ـ نسبة المشاركة الضعيفة ، حتى في الرئاسيات ،فهي لم تتجاوز الـ (30 بالمئة) ،بمعنى أنَّ قرابة الـ ( 70 بالمئة ) لا يشاركون ، هامشيوا الرأي انتخابيّاً ،ولكنّه "خيارهم الحرّ" ،ومع ذلك فذلك "العزوف الإختياري" سـلبية لها أسبابها ،والتي لا يمكن قبول تحميل مسؤوليتها للناخب فقط فذلك ليس بمنطق عادل أومقبول .

2ـ أنّ الـ (30 بالمئة) المشاركون ،هم من يقرر توجهات الـ ( 100بالمئة) من الفرنسيين،لا سياسيّاً فقط ،ولكن في كلِّ شؤون الحياة ،وكما هو واضح :فذلك لا عادل بالمطلق ،وتلك شائبة أخرى تعتور الديمقراطيّة في فرنسا ،لكنّها هكذا . 3ـ بالتأكيد فهؤلاء الـ (30 بالمئة) ،يراعون مصالحهم "هم" ويخدمونها بالتشريعات ،والقوانين والمأسسة ،برغم كل محاولات الحلول التصالحيّة ،التي يحاولونها في برامجهم لخلق حالة من التوازن المصالحي المجتمعي في مجتمع طبقي رأسمالي ،مُتفقٌ على تعريفه ،متوافق عليه ،بلا ايديولوجية ديماغوجيا شعاراتيّة ،ومن الجميع ،وهذا لا عادل أيضاً رغم الإتفاق والتوافقية.

لكنَّ كل ذلك ،وانتقادات أخرى كثيرة ،لم تحل دون المشاركة الإنتخابيّة ،وإنْ كانت أقلوية ،والقبول شبه الإجماعي الفرنسي بالآليّة الديمقراطيّة ،وبنتيجة ما يقرره صندوق الإقتراع ،وبالإحترام شبه المقدّس للدستور وللنظام العام ،ومن الجميع ،الأقليّة قبل الأغلبيّة ، ففي الرئاسيات الأخيرة عام( 2007 )،كانت بعض استطلاعات الرأيّ ،ومعظمها أحياناً ،ترجِّح فوز المرشّحة الإشتراكيّة (سيغولين رويال) على مرشّح اليمين (نيقولا ساركوزي) ،وحملت النتائج السيّد (ساركوزي) رئيساً إلى قصر الأليزية ،حسناً ،لم يسمع أحد اتهاماً بالتزوير ،ولا باللانزاهة ،ولا بنقص الشفافية ،وخاصّة ،لم يسمع أحد بلجان مراقبين ،لا دوليين ولا محليين ،ولم تخرج المظاهرات العارمة ،لا "العفويّة" ولا "المفبركة" ،ولم تعم الإضطرابات ومعارك الشوارع الدموية ،ولم يتخوف أحد على فرنسا ومستقبلها الذي أصبح على (كفِّ عفريت ) !!،وخاصة لا ذكر للثورات البرتقاليّة ،ولا الزرقاء أو الرماديّة ،المتروكة لفلكلوريّات" ديمقراطيّة شوارعنا الحيّة".

ببساطة شكلت الإنتخابات الرئاسية آلية ممارسة حياة سياسيّة ،مشرعنة دستوريّاً ،وتقريراختيار توجهات مجتمعية ،معروضة برامجيّاً ،بانتظار تطبيقاتها على مدى سنوات خمس ،والحكم على نجاح أو فشل "ساركوزها" وسياسته في محطة الرئاسيات المقبلة عام(2012). هكذا هو الإستحقاق الرئاسي الفرنسي ،وكلّ استحقاقٍ اقتراعي أو انتخابي فرنسي آخر ،ولذلك أُدلي بصوتي ،وأعتبره حقاً وواجب ،بل واجب قبل أنْ يكون حقّ ،وكثيرون مثلي بالتأكيد ،ولو كنّا أقليّة الـ (30 بالمئة) من الفرنسيين فقط . هكذا أعيش الحياة السياسية في فرنسا ،بصيغة مواطنيّة ،حقوقاً وواجبات ،بعيداً عن استعراضيّة فارغة بتلك الـ (فرنسا) ،أو ادّعاء تواضع بائس بانتماءٍ لا يزيد عن وثيقة رسميّة ،شرفٌ هي "نعم" ،بل وأكثر، تستحق الإخلاص والإحترام ،عرفاناً ممن كُرِّم بها ،وعليه فلا أعتقد أنَّ مُنصفاً يمكنه الإنتقاص من سلوكي الديمقراطي ،وعرفاني بالفضل ،بل وإيماني بالديمقراطيّة ،في رحاب مجتمعٍ يقدّم الحد الأدنى لإمكانيّة ممارستها ،ولو ببعض عيوب ،أو حتى شوائب ،تقرربعض تفارق المثال المتوخّى " داليّاً " عن محموله "أو مدلوله"واقعيّاً ،كما يقول بعض المعرفيّين المتخصصين بفقه الألسنيّة وتصانيف أقسام علم الكلام .

هكذا لا أجد حرجاً في معاداتي للديقراطية على إطلاقها دون اعتبار لشرطيّة صحتها ،نشأة تاريخيّة وثقافة مجتمعيّة ومأسسة تطبيق ،في استنكاري للديقراطيّة ـ الفتنة ، للديمقراطية ـ الطوطم والمطيّة ، للديمقراطية ـ العجائبيّة الشافية من كل العلل وتراكمات التخلّف ،إنّها "تعويذة وتميمة" العولمة المعاصرة ،تماماً كماركسية الأمس وعلميتها " المقدّسة "المعصومة ـ العاصمة. إنَّ غوغائيي "النيوليبرالية" ،بكل الإمكانيّات الميدية واللوجستيّة المتاحة لهم ،قد وصلوا ،وبغسل العقول الساذجة ،وبشراء الأبواق الكتبة "المارينزيين" ،من نهّازي الفرص ومتورِّمي الأنا ،وضدّ كلِّ منطق علمي ،نعم قد وصلوا إلى تسويق (روشيتا) الديمقراطيّة ،وتعميم ببغائية اعتناقها ،وتأكيد مفعول وصفتها الشافية حتى لتحضيرالقبائل البدائية في أدغال الأمازون وغابات الكونغو !!! ديماغوجيّة ايديولوجيّة ممنهجة ،وتكنولوجيا فائقة التطوّر،وأقلام للبيع ،وألسنة بكل اللغات ،لاالسياسيّة فقط ،كلّها موظفة في خدمة "السيّد" المتفوِّق الحضاري ،الأبيض "البشرة" ،أومستبطنه المتماهي بقاهره لقدأصبحت "انفلونزا ثقافيّة" وبائيّة النشر والإنتشار،أين من خطرها خطر"انفلونزا الخنازير" ؟!! فالعلميّة وبلا تواضع العلماء (وقد كثروا !!)،حتى بتبسيطها لمفهوم الديمقراطيّة واشتراطاتها ،وبغضٍّ اتّفاقيٍّ عن أصل النشأة والتطور ومساراته ،تتطلب في الممارسة حدّاً ضروريّاً أدنى ،تختزله أقانيم ثلاثة ،تقيم عمادها ،وتمنحها الحيويّة والحياة :

1ـ الحـريّـة :بجناحيها ،للوطن وللمواطن ،فأين نحن ،كعربٍ ،منهما ،وأوطاننا مزقٌ سايكس ـ بيكويّة وكيانات استعماريّة التأسيس والتنفيذ ،وحتى تلك ،فبعضها محتلٌ كلُّه (فلسطين ،العراق) أوبعضه (الجولان وأجزاء من جنوب لبنان ،ومدن وجزر مغربيّة)،وبعضها مشاريع تقسيم مقسّم ،وتجزئة مجزأ (العراق ،الصومال ،اليمن ،السودان ،لبنان ،وحتى الباقي للفلسطينيين تحت الإحتلال....... ) !!أمّا المواطن !! فتسمية مجازية ،إذْ لا مواطن بلا وطن ،فضلاً عن مفهوم "الرّعيّة" التي تشربناها بلا تفكير،وبتربية خنوعيّة ،تسلطيّةٍ ومتخلّفة ،فغدونا معها "قطيعاً آدميّ القسمات" مُفرغ من آدميته ،وبلا مبالغةٍ أوخجل ،غدونا قطيعاً من الدواب على قدمين ،في حظائرمسوّرة بالحديد والنّار،أُريد إقناعنا أنّها أوطان !!.

2ـ العـقلانيـّة : وهنا تبلغ حيرة التفكيرذروة الإرتباك والتشتت ،حين تصفع محاولة بحثه عنها (عن العقلانيّة) ظواهر الخرافيّة الغبيّة ،لا الأساطيرية المؤسِسة ،بل الخرافيّة المستسلمة لمعطى الطبيعة وخوارقه الموهومة المتوهمة ،في نكوصيّة حتى عن "الإيمان المسطح المريح " بلا إعمال العقل ،فكيف بالإيمان بدلالات براهين العقل وإعمال آلياته التي أنعم الله بها على الكائن المفكِّر الإنسان ؟ !! هذا معرفيّاً .

وأمّا الواقع ،فألعن وأدق رقبة ،حين تشلُّ عاديَّ الحياة الإنسانيّة وقدسيّتها أفعالٌ مقزِّزة دنيئة ،لاتكفي بشاعة الجريمة لوصفها ،حين تنفلت الغرائز في سفالاتها العرقيّة والإثنيّة ،المتعصّبة الدينيّة والطائفيّة السياسيّة ،الجاهليّة القبليّة والهمجيّات العشائريّة العمياء ،ولنا في عراق "اليوم " في السودان والصومال ،في اليمن والجزائر ،وفي لبنان ولسنوات خمسة عشرة ،سيرة عارٍ سلوكي وخيبة لا تشرِّف ،وصفحة تاريخ عِبرة سوداء لانفلات العصبيّات وسقوط العقل والعقلانيّة ،لا مرّة ،بل مرّات ،مما يسمح بطرح سؤالٍ " استفزازي " : إذا كان من أهم صفات الكائن البشري مقدرته على التعلم ومراكمة الخبرات ،فكيف يُصنّف فاقد تلك المقدرة الموجودة بالمبدأ ؟!! وما الإسم الذي يدعى به عندما يُعطِّلها ويتخلّى ،إرادوياً ،عن استعمالها في حال ثبات وجودها ؟!!

3ـ صندوق الإقتراع :الأقنوم الثالث ،هو ما نراه ،وهو الجانب التقني ،والبعد العملياتي لممارسة الديمقراطيّة ،في شكلها دون المضمون أو بصرف النظرعنه ،مما يصرف الإهتمام ،ولو آنياً ،عن الإقنومين الأولين المؤسسين بالعمق لمضمون الديمقراطية والتي لاتستقيم بتجاهلهما أوإهمالهما ،في تركيزٍ " فينومينولوجي" على الديكور ،وحركات الممثلين إيقاعيّة الإخراج على المسرح ،دون اعتبار للموضوع ـ العرض ،مما يحيلها إلى شكلانيّة فارغة من المضامين ،المغيّبة بسابق ترصُّدٍ أوسهو دعيٍّ جهول !! فإذا كانت مقولة : " لا ديمقراطيّة بلا ديمقراطيين " تظلُّ صحيحة بقويم المنطق وحكم العقلانيّة ،فبهما كذلك "لا ديمقراطيّة بلا تربة مؤهِلةٍ وواقع ـ رافعة من تراكم تاريخٍ : ثقافيٍّ ـ تربويٍّ ـ ذهنيٍّ بنيويٍّ ديمقراطي ،مع دفع الثمن المتوجب ،وفي كل الأوقات ،فلا مجانيّة في المكاسب إلاّ في المنطق الإنتهازي ،والديمقراطيّة مكسب حقيقي مكتسب بالتضحيات ،لا واجهة انتهاز وشعار يهدهد أحلام يقظة "مناضلي الصالونات وأرصفة المقاهي وأقلام كتبة الموسم المارينزي الآفل " . تبقى الديمقراطيّة في بلدان (العام الثاني) ،وبأسفٍ لكنّه الواقع ،تأمين لقمة العيش الكريم ،الطبابة المدروسة وإنجازبرامج الصحة والتعليم ومحو الأميّة ،التقدّم المدروس بثبات في مشاريع البنى التحتيّة ،في الخطط الزراعيّة والتصنيعيّة ،في إصلاح وتطوير بنى الإدارة وإجهزتها ،في الخروج بالمنظومة التشريعيّة من القروسطيّة إلى العصرنة .......إلخ والأهم بلورة هويّة الأوطان واقعاً حتى لا يصبح الطموح الحق حنين حالمٍ وقصائد وقوفٍ على الأطلال !

نعم مازالت الديمقراطيّة في بلداننا ثوريّة التأسيس والإنجاز ،وبالتالي كان ومازال الديمقراطي في مجتمعاتنا هوالثوري فقط ،وفي كلّ سويّة وموقع ،لا النيوليبرالي الثقافوي المتغرِّب والمبهور ،ولا الوسيط ـ المرتبط (الكومبرادور) । الديمقراطيّة ـ الديكور لإرضاء الآخر الوصيّ ،" المرشد العولمي الأعلى" و"الأخ الكبير" ليست لمجتمعاتنا ،ليست من طبيعتها ولن تقدّم حلاً لمشاكلها وحاجاتها ،بل بالعكس فلتتحضر المجتمعات الواهمة بنعيمها إلى المزيد من الأزمات والخنادق المتواجهة ،وإلى المنتقى لها ولشعارات بؤس لاعبيها من ألوان "قوس قزح" ،طبعاً بالإضافة إلى لون الدم الحاضر أبداً ،وكافيّاً معبّراً ما حصل في إيران مؤخّراً . فليس ارتجالاً ولا مزاجيّة ،لا وليس التزاماً بصيغة من الصيغ في التطبيق ،بل بعد ملّي التفكيرإنّني أكرر : لســـتُ توتـالـيتـاريّــاً أبـداً ،ولكـنّي "ضـــدّ الـديـمــقـراطـيّـة ،وآملي أنّني لستُ وحيداً



الاثنين، 19 ديسمبر 2011

العراق والنصر ... وعديد القراءآت ؟


من قلم د . منير وسوف القوي

الرئيس الأمريكيّ ( باراك حسين أوباما ) يخطب في كارولينا الجنوبية ، بمناسبة الإنسحاب المعلن ـ رسميّاً ـ لقوّاته الغازية من أرض الرافدَن ، والمحتفلة في بغداد بتلك المناسبة !! ، أنّ الحرب الأمريكيّة على العراق تمثّل نجاحاً ونصراً تطلّب انجازه تسع سنوات ، بدأ بغزوٍ تأسس على أكاذيب ( أسلحة دمارٍ شامل لم تثبتها يوماً بعثات التفتيش الأمميّة العديدة ، ولكن مهزلة " كولن باول " في مجلس الأمن يبدو أنّها كانت كافية البرهان حينها !! ، تبعتها بعد انكشاف كذبها الفاضح ، وتهافت حججها ، دعاوى المهمام الأخلاقيّة ـ الرساليّة ـ والأمريكيّة حصريّاً ـ ،لإسقاط الدكتاتوريّة الصدّاميّة وتحرير شعب العراق !!!، بل والقضاء على ( إرهاب القاعدة ) التي لم يكنْ لها في العراق قدم ، واستجلبها الغزوّ ، فيما بعد ، في جملة وسائله المشبوهة اللامعلنة ( اللعب بالورقة الطائفيّة في العراق وتوظيفها ، وقد نجح ، وتخفيف ضغط القاعدة على وجوده في أفغانستان ، وقد فشل ) !! والأدهى ، إعلان الهدف الأسمى بتأسيس ديمقراطيّة ــ قاعدة ، تنشر مثالها وشموس أنوارها على المنطقة والمحيط ) !!! هذه قراءة أمريكيّة ، لايستحي فيها الرئيس الأمريكي ، حتى من نفسه ، وهو الذي عارض تلك الحرب اللا أخلاقيّة ، باعتبارها فضيحة مجلجلة عالميّة ، هشّمت الصورة الأمريكيّة ، بدوافعها المتهافتة الملفقة !! ( وكأنّ صورة الأمريكيّ ـ قبلها ـ جسّدت سماحة المسيح !! ) ، بل واعتبرها ـ في توضيح معارضته لها ـ كارثة قوميّة للأمة الأمريكيّة ، بمسارها والنتائج المترتبّة عليها ، من مجتمعيّة إنسانيّة ، واقتصاديّة مرعبة بتكلفتها ، وسوء حساباتها ، وارتجاليّة إدارتها ، كلّ ذلك قبل أنْ يصبح "الرئيس أوباما " ، وارث تلك الحرب وأوزارها ، لكنْ وعلى ما يبدو ، فـ ( أوباما المرشح ضدّ بوش الإبن ) ليس ذاته ( أوباما الرئيس المرشح لوراثة نفسه ) ، بل بالتأكيد ليس هو ، إلاّ إذا كان المنافق الموهوب اللاعب الدّور ونقيضه !! ، أوالمتأرجح في ثنائيّة أزمة الصراع الداخليّ بين الخير والشرّ ، ومرضيّة أعنف تمظهراتها ، في تجسيدها الصدامي واقعاً تناوبيّاً ،بتعاقب الليل والنهار ، كما في الرواية الخيالية : ( دكتور جايكل ومستر هايد ) للأديب الأسكتلندي روبرت لويس ستيفنسون !! ولئن كان للخياليّة مشروعيّة تصوّراتها ، فإنّه ليس للإنتهازيّة السياسيّة أيّة مشروعيّة ، خاصّة حين تنظّم مهرجان احتفاليّة للتزييف والتضليل و " روتشة " وجه الجريمة البشع ' لأبطال ' ملحمة الإنحطاط في سجن ( أبو غريب ) ــ اللوحة المعبّرة عن فظائع ذلك الغزوّ الرهيب . فأين النصر الأمريكيّ ، أيّها الرئيس ( اوباما ) ؟ !! ــ أبالآلاف الخمسة من القتلى الأمريكيين في حربك القذرة ؟ !!!

ــ أبعشرات الآلاف من مشوهي الحرب الأمريكيين ، أو المرتزقة الموعودين ـ رشوةً ـ بالجنسيّة الأمريكيّة ، وجنّة الحلم الأمريكي ، وها هم ،على أبوابها ، ينتظرون ،مشوّهين جسديّاً ونفسيّاً وأخلاقيّاً ، أفجنّة موعودة لهؤلاء ـ هي ـ أم مصحّة عقليّة وإصلاحيّة مجرمين ؟ !!! ــ أبسفه تبديد البلايين الفلكيّة المهدورة من ثروات العالم ـ لا الأمريكيّ فقط ـ مما يضع الإنسانيّة ـ لا الأمريكيّ المدلل فقط ـ لا في عنق زجاجة الأزمة الإقتصاديّة ، الخانق لكل تطوّرٍ وازدهار ، ولكنْ يصلبها على جدار الركود الإقتصاديّ ، بكل تبعاته المدّمرة ، والتي تشكّل الحروب العدوانيّة بعضاً من الآليات الجانبيّة في ترجمة الفشل بتقديم ناجع الحلول لها ؟ !!!

ــ أبالعراق المتروك لتشريعات المواد " المقدّسة " لدى الصنائع ـ المستفيدين من دستور ( بريمر ) ـ لا ( حمورابي ) ـ ، والتي جعلت من " العراق ـ الوطن " مشروع " أوطانٍ ـ فتات ـ أقاليم " قيد التنفيذ ، برايات إثنويّة ( كرديّة ، عربيّة ، تركمانيّة ، آثوريّة ) ، دينيّة ( إسلام ، مسيحيّة ، عبدة الشيطان : ولم لا ؟ فأكثريّة ـ هم ـ بلغة الواقع !! ) ، أو طائفويّة فتنويّة موقظة من ( طائفيّة سياسيّة : سنيّة ـ شيعيّة ) مستدعاة من عفن دهاليز ظلاميّة تاريخ ثأريّ مشين ؟!!! نعم أين النصر أيّها الرئيس الأمريكيّ ( اوباما ) ـ وخاصة الأخلاقيّ ـ ؟ !!! ــ أبمئات آلاف العراقيين ـ الضحايا ، أم بملايين اللاجئين منهم ـ داخليّاّ وخارجيّاً ـ أم بالملايين الخمسة من اليتامى وعذابات الأرامل أمّهاتهم ، أو بجعل ـ بعض ـ اللحم العراقي الحيّ الحرّ ، رخيص بضاعةٍ في سوق تجارة الرقيق الأبيض وكلّ لون ؟ !!! ــ أبجرائم ( بلاك ووتر ) ، أم بإنجازات ( لصوص الآثار ) سرقة التاريخ ؟!!!

ــ أبتمزيق اللحمة الوطنيّة للمجتمع العراقي ، وتشويه ديناميّة البنى المفاهيميّة لحركيّة نموّه الحضاريّ ، وإعادته ـ قسراً نكوصياً وبالقوّة الغازية السافرة ـ إلى مركّبات التشكّلات قبل ـ الوطنيّة وهدّام صراعاتها ؟ !!! ــ أبهدم وتدمير البنيّة التحتيّة والأسس الماديّة لإرساء أساسيّات العمران المدني ، الذي بدأه إنسان أرض الرافدين ، فاتحاً به باب التاريخ ، لآلاف سنواتٍ عشرةٍ خلت ، ممتدّةٍ بين أمس ولادته الميزوبوتانيّة ويومنا المعاش على إيقاع رسميّ الإنسحاب الأمريكيّ ، بعد إنجاز مجازر انتصاراته على الجسور التي دمّر ، وشبكات الطرق التي محا ، ومشاريع المياه التي عطّل وخرّب ، ومستوى خدمات الصحة التي أهمل وألغى ؟ !!!

ــ أبإخراج العراق من نهضة تصنيعه التي كانت قبل الغزوّ ، ورغم سنوات الحصار الظّالم ، وإنْ تلطّى وتغطّى بقرارات المجتمع الدوليّ نظريّاً ( والأمريكيّ واقعاً ) ، متقدّمة نسبيّاً على تلك الموجودة في دول الجوار العراقيّ ؟ !!!

أمْ بإعادة زراعته بدائيّةً إلى عصر اكتشافها ، بالتدمير المبرمج بقصف بنية مشاريع الريّ وخاصّة ـ عمودها الفقريّ ـ السدود ؟ !!! ــ أبإفراغ العراق من علمائه اغتيالاً وتهجيراً وإغراءً ، والأكثر أذيّةً ، شيطنتهم وأبلستهم بربطهم ـ تسمية وأوصافاً ـ بأسلحة الدمار الشامل ، فتلك العالمة أصبح اسمها : الدكتورة جرثومة ( يعنون الدكتورة هـدى صالح مهـدي عمـاش المختصّة بالعلوم البيولوجيّة) ، وذاك العالم أصبح اسمه غاز" السارّ السّام " إلخ....، لتقديمهم رموز شرٍّ يحقّ للخيّر ،الكوبوي الأمريكي ، بل ويصبح من واجبه بصفته تلك ، اسئصال شأفتهم ، نيابة عن الإنسانيّة جمعاء ، وخدمة لخير التطوّر السلميّ الآمن لحضارة البشر ؟ !!!

ــ أبإيصال دولة العراق ومركزيّة قرارها إلى أثرٍ بعد عينٍ بتحطيم مؤسساتها ، خاصة الجيش والتعليم ، والتاريخ ، و....، وليس ما يستحق حرص الجيش البوشيّ الغازي إلّا وزارة النفط وشركة النفط الوطنيّة العراقيتين ؟ !!! كلّ سواد أفعال الغازي في الواقع ـ المعطى ، الناطق بإجرامه ، والتي لا تفعل الأسئلة أعلاه ـ ومئات أخرى تكملها ـ إلّا حمله استفهاماً ، وتضمّنه االإستفهام جواباً ، وتحميله تصوير واقع الجريمة الكاملة الأركان وثوقاً وتأكيداً ، كلّ ذلك يسميّه الرئيس الأمريكيّ ( اوباما ) : ( نجاحاً ونصراً !!! ) ، فبأيّ القياسات والمعايير ؟ !!!

ربّما هي قياسات خاصّة ومعايير مخفيّة ، نقيضة للمعلنة التي ثبت تهافت مصداقيّتها وكذب ادعاءآتها ، لكنّه الأمريكيّ ، الذي يصدق فيه المثل الذي لطالما سمعته من أقران جدّتي : ( اثنان محكومان بالنسيان : فضيحة الغنيّ ، وميتة الفقير ) ، إنّه تكثيف ـ فلاش لفضيحة ـ جريمة الأمريكيّ ( الغنيّ ) ، وواقع ضحيّته العراقيّ ( الفقير ) ، أو أنّه ـ وباختصارـ نصر المجرم على ضحيته المغدورة ، ونجاحه ـ السقوط بإجهازه عليها ، وإلاّ فكيف يجوز ـ وأخلاقيّاً قبل كلّ شيء ـ اعتبار الخراب والقتل والإجرام ، وفظاعات التعذيب الصريحة والمعترف بها : نجاحاً ونصراً ؟!!!، لكنّه قانون منطق القوّة الفارض مفهوم مصطلحه ، مزيحاً واقعيّة الفعل القائم ، لمصلحة فرض واقع سورياليّةِ عالمِ تزييفٍ غريب !!! على الضفّة الأخرى والمواجِهة ، محلياً عراقيّاً ، تيارات وتحالفات ودول ، إقليمياً ودوليّاً ، الجميع يتبادل أنخاب النجاح بنشوةٍ هنا ، وشماتة هناك ، فالجميع منتصر ، إنها حفلة لامعقول غرائبيّ ، مهرجانٌ تنكريّ لاحتفال تكاذب وتنافق للبعض ، ومشاركة تعويضٍ هروبيٍّ للبعض ، وقنابل تضليل دخانيّة من البعض ضدّ البعض ، أمام استحقاقات واقعٍ مستجدٍّ ، ومحاولات تموضعات متغيّرة ، لكل القوى والأطراف ، المتصادقة المتحالفة قبل المتعادية المتصارعة ، فوق واقعٍ رمليٍّ متحرّك . في ذلك السديم ـ المصطنع معظمه ـ برز فريق مختلف الأهداف مستقلّها ، مخالف التوجه للإملاء الأمريكي ، بل أكثر من ذلك ميّز نفسه بتموضعه في خندق مقاومة المشروع الأمريكيّ للمنطقة بلا لبْس ، وتعرّض لحربين ـ عدوانيين ، شنتهما الدّولة الصهيونيّة ، قاعدة الإمبرياليّة المتقدمة في المنطقة على الجبهة اللبنانيّة ، ضدّ مقاومتها الجاهزة للرد بصلابة وتصميم عمودها الفقري : ( حزب الله ) المجاهد ، الذي هزم صموده الاسطوريّ عام 2006 آلة الحرب الصهيونيّة وجيش تساحالها ( الذي لا يقهر !!! ) ، ونقل المعركة إلى داخل الكيان الصهيونيّ لأولّ مرّةٍ في تاريخ مسار الصراع العربيّ ـ الصهيونيّ ، وعلى ( غزّة هاشم ) عام 2007 ـ 2008 ، حيث صمدت مقاومة غزّة ، وبقيت واقفةً بعزّة المؤمن الصّادق بوجه وحشيّة ( عمليّة الرصاص المصبوب ) ومحرّم أسلحتها ( اليورانيوم المنضّب والفوسفور الأبيض و........... ) ،

وبالطبع كان لهيب الحربين السابقتين رسماً بالنار على مساحة اللحم الحيّ ، إلّا أنّه لم يكن كلّ المبتغى ونهاية المطاف ، بل لعلّ الظاهر الطّافي من جبل الجليد يقارب توصيفهما !!! فللمواجهة بين الفريق المختلف ـ المخالف لمشروع الهيمنة الأمريكيّ ـ الصهيونيّ ( الشرق الأوسط الجديد ) وبيادقه المحليّة ، أشكال ، وسويات مواجهاتٍ ، لم تتوقف ، بل تعددت ساحاتها ، وتنوّعت أدواتها ، من استثمارٍ لاضطرابٍ مفتعلٍ أو حراكٍ مُطالبٍ بحقٍّ مشروعٍ ، لإذكاء الفتنة وهزّ تماسك الجبهات الدّاخليّة (حالتا إيران و سورية ) ، إلى استنفار المنظمات الأمميّة الخاضعة للهمايونيّة الأمريكيّة ، إلى التلويح بالعصا الناتويّة المجربة من ( يوغزلافيا السابقة إلى ليبيا اليوم ) .

إنّ استعراض أهل هذا الخندق المقاوم ، المختلف والمخالف ، للأسئلة أعلاه ، ببارد عقلانيّة التحليل ، في محموم الهجمة الصاخبة التي يتعرضون لها ، والعمل على توظيف معطياتها ، كما فعل المستشار الألماني ( اديناور ) في خمسينيات القرن الماضي ، محوِّلاً خراب المانيا الخارجة من جحيم الحرب العالميّة الثانية إلى فرصة نهوضٍ اغتنمها ، فلم يقف باكياً على الأطلال ( ربّما لأنّه لم تشكل ذهنيته حكمة شعرنا العربيّ ومعلّقاته المعلِّقة !! ) ، مما قد يوفر إمكانيّة التلويح بنصرٍ لشعوب المنطقة ، من المبكّر جدّاً الإحتفال بحصوله ، فواقع رسميّة انسحاب الأمريكيّ من العراق لا يعني أنّه ناجز منجز إلاّ شكلاً ، فالإتفاقيّات الأمنيّة الأمريكيّة ـ العراقيّة لم يجف حبرها ، وأكبر سفارة أمريكيّة في العالم تقيم في المنطقة الخضراء !! من بغداد ، والعالم متعدد الأقطاب في رحلة مخاضه المستمرة العسيرة ، وأحياناً المتعثّرة ، ولغة التسويات والمساومات ، وتبادل المنافع على نقاط تلاقي المصالح وتقاطعها قائمة على قدمٍ وساق ، وأمّا المبدئيّة والأخلاقيّة ، والطهرانيّة المثاليّة ، فقد تركها منطق البراغماتية النفعيّة أيقونة " يوتوبيا " وقصيدة رومانسيّة حالمة . لستُ ـ أبداً ـ رسالة شؤمٍ ولا مرسالها ، لكنّ حقائق الواقع تقول : إنّ النصر ممكن ولكن دربه شاق وطويل ، فلا يجوز قرع طبول الفرحة لبشارته على أهميّتها ، لأنّ المحتفل بربح ورقة اليانصيب بأرقام غير مكتملة الظهور قد يخذله الرقم الأخير ويحيل فرحه اللحظيّ إلى مشاعر خيبةٍ وإفلاس رهان ، فلينتبه ، وليتعقلن ، فليس موسم البذار دائماً حتميّ موسم الحصاد ، فليُذكرْ دائماً حاسم دور المطر ، وإلّا ............


رسالة إعجابٍ تأخرت ، للسوريّ الوطني الدكتور قدري جميل

من قلم د . منير وسوف القوي
حين جمعتني بك مائدة غداءٍ في مطعم فندقٍ دمشقيّ ، كنتُ للتوّ قد عرفتُ شيئاً عنك ، من رفيقٍ سابقٍ لك ، حزبيٍّ شيوعيٍّ " سابق " ، صديق طفولةٍ لي ، " سابق أيضاً " ، وكان معظم ما قدمه لي سلبياً ، حتّى لا أقول أكثر من ذلك !! تحامليّاً مثلاً .... يشي بالموقف الشخصيّ ، وكنمطيّة عادة معظم ــ " مناضلينا الآنويين المأزومين السابقين والآنيين والمستقبليين اللاحقين ، وإلى ما شاء الله " ــ ، بشخصنة كلّ خلاف سياسيّ ، والخلط الممنهج اللاعقلانيّ بين الخلاف المعلَّل وموجباته ، والإختلاف الحتميّ ومنطقيّة تمظهراته ، بين الذاتيّ والموضوعيّ ، بين الحقيقة برأسها المنتصب وجبهتها للشمس وبين ليّ عنقها لحشرها في رغبويّة امتلاكٍ جنونيٍّ عظمويّ التعبير ، كلّ ذلك كان في الإطار لصورتك المقدّمة لي ، دون دفعي لأخذ موقفٍ مسبق من شخصك

وزاد في الطّين بلّةً تنوُّع المتحلّقين على مائدة الغداء تلك ، بين استراتيجيّ الرأيّ قاطعه ، ومدّعٍ تمليه الظروف ، بين متكلّمٍ للكلام ، وصامتٍ يجمّع معطياته للخروج بحكمٍ يدّعي الموضوعيّة ، وأزعم أنني كنتُ من الصنف الأخير الصامت خلافاً لعادتي ، فبكل الإنتباه أصغيتُ إليكَ ، وأنتَ المتخصص بالإقتصاد ، ولكن دارسه في جدلية الإقتصاد والسياسة ، بنائَين تحتيّ وفوقيّ ، متلازميّ الديناميّة والجدل ، نعم أصغيتُ إليك وأنت ترسم بوضوحٍ ، وتربط بمنطق الإيمان القاطع جيوـ استراتيجيّة القيادة السياسيّة للإتحاد الروسيّ ، وخاصّة ما يخصُّ منها الموقع الجيوـ استراتيجيّ الإقليميّ لسورية ، في قطعيّة جازمة ، وكأنّك كنت تتحدّث بلغة حنين إلى الإتحاد السوفيتيّ السابق واستراتيجيّات الحرب الباردة وساحات صراعها ، مما زاد في تشوّش صورتك في ذهني ، وجعل عدم تبنّي حكماً مسبقاً بحقّك فضيلة أغبط النفس عليها ، وتمر الأيام ، سنتان ونيّف ، ويأتي البرهان مُصدّقاً ماقلتَه أيّها الوطنيّ في ( الفيتو ) الروسي ، يدعمه ويصلّبه مثيله الصينيّ ، في جلسة مجلس الأمن الملغومة ، المنعقدة بدعوة " ملائكة السلام الدموي النيتوي " لإدانة سورية الضّحيّة ، وشرعنة التدخليّة في شؤونها ، لا لمساعدتها في ضروريّة ومشروعيّة الحراك المجتمعيّ لشعبها ، بل لركوب موجة المطالب الجماهيريّة المحقّة ، والسير بسوريّة التاريخ والوطنيّة إلى التنازلات ــ العروض وأوراق الخيانة الوطنيّة والقومية ــ الإعتماد في بازارالمهزلة ( الغليونيّة) وبائس أضرابها ، من المعارضات ــ التعارضات ، في داخل الساحة السوريّة قبل خارجها .

نعم أيها المعارض الوطني النظيف ، وإنْ لا يمكنني إلاّ الإصرار على اختلافنا الموقفيّ السياسيّ ، المتضائل طرداً مع اشتداد شراسة الهجمة على وطننا سورية ، فإنّه لايسعني إلاّ الإعتراف لك بصائب نظرتك في الشأن الروسي ، فمن رضع مع الحليب رفض الإمبرياليّة وعدوانيّة سياساتها ، لايمكنه ــ سوفيتيّاً كان أو روسيّاً بعد سوفيتيّاً ــ إلاّ أنْ يرفض تغوّلها وتوحّشها وإجرامها ، فصدقت في تحليك وقراءتك السياسيّة ، على مائدة ذلك الغداء الدّمشقيّ ، وسعيد ـ أنا ـ بذلك التعارف ، وتلك المعرفة اللاعابرة بدليل كتابتي اليوم إليك ، لا كرسالة شخصيّة أبداً ، ولكنْ إضاءة على موقف وطنيٍّ شريفٍ ، يستحقّ حتى ـ بأضعف ورقيق الإيمان ـ الإشادة به ، لا التنويه به فقط ، في عالم أقلام السمّ وأصوات الردّة والنشاز ، ممن يصح في بعضهم القول : ( نكبتنا الأخيرة ) لا آخر النكبات ، فلستُ متفائلاً كثيراً برغم وجود أمثالك الوطنيين ، ولستُ ، بالمقابل ، رأس المتشائمين من نعيق الغربان الكثر ، وجوقات الساقطين بامتحان الوطنيّة ، وبدرجة قحّة الأرزقيّة وامتياز الخسّة الزنيم .

أمثالك أيها الوطنيّ الواضح يستحقون الإعجاب ، بل الثناء والعرفان أيضاً بخصائص يملكون .


الأربعاء، 14 ديسمبر 2011

انقلب السحر على الساحر و فعلها ( آردوغان ) ، وأخيراً ، الأزمة الدّاخليّة السّوريّة ( شأن داخليّ تركيّ !!! ) :

من قلم : د. منير وسوف القوي :

في سلسلة مقالاتٍ سابقة ، في رصدٍ وتحليلٍ لتطوّرالعلاقات السورية ــ التركيّة ، بعنوان ( العلاقات السورية ـ التركية والأمن القومي العربي ) ، كان للتحذيرمن التوجهات المستحدثة لسياسات ( حزب العدالة والتنمية التركي ) ، اتجاه الجار السوري ، ـ والمنقلبة على مسارها أولاً ـ ، شديد التنبيه لخطورة نتائج تدخليتها ،والقدح المعلّى في التشديد على مغامريّتها ولا عقلانيّة حساباتها ، وبالتحديد منذ بدايات الأزمة السوريّة في 18 آذار ـ مارس 2011 ، نعم لقد فعلها ( آردوغان ) ومكمليّ ثلاثيّ مسرحه السياسي ( أحمد أوغلو وعبد الله غُل ) ، فعلوها "" بخطإ حسابات صاحب عقليّة لاعب البوكر حين يلعب الشطرنج "" ، لينبّه ويستفيق ــ لا لينتبه ــ ، للاعب الشطرنج المحترف مقابله ، بصوته الهادئ الواثق ، وعينه على رقعة الشطرنج ، يختتم الجولة ، بشهير الجملة : ( كشّ ملك ، أو شاه مات ) ، وتلك ـ موضوعيّاً ـ إحدى أوراق النظام السوريّ ، ولن أضع العبارة بين قوسين ، فلفظة " نظام " توصّف عقلانيّة حسابات لاعب الشطرنج ، وتستدعي الضدّ :

فهلويّة وفوضويّة عقليّة بوكريٍّ أمام الحركات المحسوبة للقطع المنقّلة بـ " نظامٍ " حديديٍّ محسوبٍ على مربّعات رقعة الشطرنج ـ الإمتحان !!!
وفعلاً : ( الضدّ يظهر حسنه الضدّ ) ، والعكس صحيح ، وهذا العكس ، هو بالضبط مافعله ثلاثيّ مسرح سياسات ـ لا سياسة واحدة ـ حزب العدالة والتنمية التركيّ ، فأخطؤوا وانقلب السحر على الساحر ، كما يقال ، فباستعراضٍ بسيطٍ للوحة المسرح السياسيّ التركيّ ، وحتى بلا جهد الإجتهاد والتحليل ، يخرج المرء بخلاصات عجاب في ضوء النتائج ـ الوقائع ، تجعل التساؤل مشروعاً :
أسياساتٌ تلك فعلاً ، يا ثلاثيّ حزب العدالة والتنمية، أم هي رهانات مراهقات سياسية ؟ !!!
لن أستعرض هنا السياسة الخارجيّة التركيّة ، فإفلاس سياسة ( تصفيرالمشاكل مع الجوار ) الداوود أوغليّة ، والتي أصبحت فعليّاً فعل " تصفير" ، ومفتوح العدد ، ولكنْ بتموضع الأصفار على يمين الرقم ( 1 ) ، وليست ( صفر عاليسار بالعاميّة الدارجة !!! ) ، فموضوع المقال لا يتضمنها ، ولكنّ الإشارة إليها تقتضيها أمانة شموليّة النظر إلى السياسة التركيّة ، بلا انتقائيّة ذاتويّة ولا انتقاص تكامليّة موضوعيّة ، بلا بترٍ ولا ابتسارٍ ولا رؤية باعورار .
ففي المشهد السياسي الدّاخليّ التركيّ ، تقف المعارضة الحزبيّة المنظّمة ، والبرلمانيّة منها خاصّة ، من السياسة المستجدّة لثلاثيّ حزب العدالة والتنمية ، اتجاه الجار السوري ، لا موقف المعارضة العاديّة ، بل تذهب إلى التنديد والإتهام بالإرتهان والتبعيّة ، ومسخ الحضور التركيّ إلى قامة أداة ذيليّة التنفيذ لأجندات أطلسية ، بتوجهاتها التدخليّة المستجدّة في الشأن السوريّ ، بعد أن كانت العلاقات السوريّة ـ التركيّة ، ولقرابة العقد من سنوات عمرها المتأخّر ، شهادة نجاحٍ إقليميّ لساسة حزب العدالة والتنمية ، ونجاعة خيارٍ جيوـ استراتيجيّ واقعيٍّ ، ردّاً على الشروط المهينة ، والصدّ المتعالي لتركيّا على أبواب الإتحاد الأوروبيّ .

أفلا يصبح مفهوماً ومبرراً ، وبمنتهى درجات الواقعيّة السياسيّة ، ونقاء الوطنيّة الحقّة ، موقف زعيم الحزب الثاني وزناً في البرلمان التركيّ الحالي ، ( حزب الشعب الجمهوري التركي ) المعارض ، السيّد ( كمال كيليتش دار أوغلو ) ، الهجومي على سياسة ( حزب العدالة والتنمية التركيّ ) حيال الأزمة السوريّة ، حين يؤكّد متّهِماً بالذيليّة ، والأداتيّة المسيَّرة ، بمرارة وازدراء : ( أنّ حكومة رجب طيب اردوغان لعبة بيد الدول ذات السيادة العالمية يتحكمون بها ويقودونها حسب مصالحهم، وأنّ مثل هذا الانقياد لا يليق بتركيا ) ، مضيفاً ـ في نقده الصريح ـ حكمه الجازم ، الواصف باللا حصافة واللاحكمة : ( سياسة الحكومة التركية إزاء الأحداث في سوريا بغيرالحكيمة ولاسيما بعد تحسن العلاقات الثنائية بين البلدين قبل أن تعلن تركيا موقفها السلبي مما يجري في سوريا ) ?!!

وقبله كان ( جورسل تيكين ) نائب رئيس الحزب ( حزب الشعب الجمهوري التركيّ) قد هاجم حكومة ( حزب العدالة والتنمية الحاكم ) مشككاً بديمقراطيّتها وعقليّة أركانها ، في تصريح ناريٍّ قال فيه : ( إنّ الحزب " حزب العدالة والتنمية " تهيمن عليه فكرة إن لم تكن معي فأنت عدوّي وان عقلية الحزب مستبدّة متسلطة ليس من السهل أن تدرك معنى الديمقراطية ) .

واليوم يشن ( دولت باهتشلي ) ، زعيم ( حزب الحركة القومية ) ، الحزب الثالث في البرلمان التركيّ ، هجوماً عنيفاً على سياسات رئيس الحكومة التركية ( رجب طيب اردوغان ) حيال سورية ، معتبراً أن أنقرة تُستخدَم كأداة لتنفيذ مشروع "الشرق الأوسط الكبير" !!! وتُستخدَم فـي مخطـط الغـرب لاحتـلال سـوريا ، بل وأكثر من ذلك يتهم السياسة التركيّة الحاليّة باللامسؤوليّة وقصرالنظر ، وتعريض الأمن القوميّ التركيّ للخطر ، وبالجهل التاريخي بالغرب ومخططاته ، وبما يُرسَم للمنطقة من خرائط ، ويحاك من مؤامرات ، قائلاً :
( يخططون لكردستان الكبرى الموزعة على تركيا وسوريا والعراق وإيران في إطار المسألة الشرقية। وهذا المخطط يتقدّم خطوة خطوة، والهدف الأول بعد بغداد ودمشق هو التحول نحو أنقرة وطهران ) ، ماضياً في نقدٍ مباشرٍ للتدخليّة الأردوغانيّة في الشأن السوريّ الدّاخليّ ، سائلاً باستهجان : ( ما الذي سيكون عليه موقف الحكومة التركية إذا ما طبق الآخرون السياسة نفسها تجاه بلدنا ؟ !! ) ، مضيفاً بمنطقيّ الإستنتاج المسؤول :
( إن تركيا تقع وسط حزام من نار، حيث الأزمة الاقتصادية في أوروبا والاحتجاجات في العالم العربي، وتركيا هي في مواجهة تهديدات غير مسبوقة ، وبذلك فإنّ الحكومة التركية في ظل غياب رؤية لديها تعرّض تركيا لتكون في دائرة الأزمات والفوضى ) ، متابعاً بلغة رجل السياسة المسؤول :
( إننا نتابع بقلق كيف أن تركيا وسوريا قد وصلتا إلى حافة الحرب ، والعقوبات الاقتصادية المتبادلة ، والتوترات على الحدود نتيجة لتلك السياسة " التدخليّة في الشأن الدّاخليّ للجار السوري ") !!! .

فإذا أُضيف لمشهد المواقف السياسيّة المندّدة المستنكرة ـ أعلاه ـ وقائع على الأرض منذرة بمستطير الشرّ ، وتهديد المنطقة كلّها بالزلزال الكبير ، والتي يترجمها :

1 ــ تحويل الجنوب التركيّ لساحة تصدير الإضطراب إلى الساحة السوريّة بتحويلها إلى ملجإٍ للفارين من وجه العدالة في بلدهم ( سورية ) ، ومقرٍّ لعصابات المجرمين والمهربين ، وقاعدة متقدّمة رسميّة ، لوجستيّة وإعلاميّة ، لنشاطات " المدعوّ ـ الألعوبة " ( الجيش السوريّ الحرّ ) ، ومنطلقٍ لما يشاع من تجمعات مقاتلين اسلامويين ، من مجانين الدم وحملة الثارات .

2 ــ فتح الساحة التركيّة لنشاطات ومؤتمرات المعارضات السوريّة الخارجيّة والملتحقين بها من مستعجليّ بعض الداخليّة ، بدعاوى الديمقراطيّة وحريّة التعبير !!! وكأن سوريّة ولاية للباب العالي تشكّل ساحتها بعضاً عضويّاً ـ لا امتداداً حتى !! ـ من الساحة التركيّة ، بل والإمعان في الصّلف والجفاصة والجلافة ، بالمساهمة والشراكة المادية الفعليّة في تشكيل المجالس والهياكل التمثيلويّة لتلك المعارضات العرجاء ، الوظيفية ـ المصطّنعةِ أغلبها ، وبالأمر الأمريكي دوراً مرسوماً ، والتمويل النفطوي الخليجيّ فعلاً تنفيذيّاً ، وبتوفير المنابرالميديويّة لها ، والمتابعة ـ حتى المخابراتيّة المعلنة ـ في تنسيق وتوجيه ورعاية تحولات مطالباتها المندرجة بوقاً كاشفاً لحقيقة أهداف سياسات الهيمنة على المنطقة والإقليم ، ومنها :

آ ــ الآنيّ التكتيكيّ :

ــ لتغطية الإنسحاب الأمريكيّ من العراق قبل نهاية العام
ــ والدّخانيّ التغطوي على العودة التركيّة إلى الإندماج في صلب السياسات الأطلسيّة المشبوهة ( نشر الدرع الصاروخيّة الأمريكيّة في " ملاطيّة " من هضبة الأناضول ) .

ب ــ البعيد الإستراتيجي :

ــ السياسات الطاقويّة الأمريكيّة المصرّة على الهيمنة على مصادرالطّاقة النفطيّة والغازيّة ـ وخاصّة الغازيّة ـ ، بتنافس محموم مع تروست غازبروم الروسيّ وشريكه الألماني ، وخصوصاً بعد اكتشاف المخزون الغازي الواعد بأهميّته ، في حوض المتوسط الشرقيّ ، وفي الأرض السوريّة ، ويا لغرابة المصادفة ، قرب ( حمص بالتحديد ) !!!

ــ المراهنة على إحياء مشروع خط ( نابوكو ) المتعثّر ، لنقل غاز آسيا الوسطى وبحر قزوين إلى شواطئ المتوسط وأوروبا ، بالمقارنة مع شبه إنجاز وتدشين خطيّ الغاز الروسي إلى أوروبا ( سيل الشمال وسيل الجنوب ) .

ــ إعاقة ، ومنع ـ إنْ أمكن ـ تنفيذ مشروع خط نقل الغاز الإيراني عبر العراق وسورية إلى شاطئ المتوسط ، في حسابات بعيدة ، لإجبار ضم الغاز الإيراني كرافدٍ إلى خط ( نابوكو ) المتعثّر بأمل إنعاشه . ــ قطع الطريق على الإستئناف الفعّال لنقل النفط العراقي عبر سورية إلى شواطئ المتوسط السوريّة ـ اللبنانيّة ، واستمرار احتكار خط نقل " النكايّة السياسيّة الصدّاميّة لسورية " لنفط العراق إلى ميناء الإسكندرونة .

ــ التمهيد لتنفيذ الأمر الأمريكيّ باستئناف العمل بالإتفاق الإستراتيجي التركيّ ــ الصهيونيّ ، لأهميّة فعاليّته في الإستراتيجية الأمريكيّة ، التي لاتعنيها كثيراً الكرامة التركيّة ولا الصراخ الشعبوي الأردوغاني وشروطه الشكليّة الفارغة ، وربّما بوعد أمريكيّ بمساندة أنقرة في مشكلتها المزمنة القبرصيّة ، المتجددة اليوم بالخلاف على حقل الغاز المكتشف بين شواطئ قبرص الشرقيّة والشواطئ االشّاميّة للبحر المتوسط ، وما المانع أنْ تلعب السياسة الأمريكيّة دور العرّاب لإرساء تعاونٍ صهيونيٍّ ــ تركيّ في السطوّ على حصّة الجانب العربيّ ( الفلسطينيّ ـ اللبنانيّ ـ السوريّ ) من الثروة الغازيّة المكتشفة ؟ !!!

أمّا الحصّة القبرصيّة فمصانة لقبرص ببديل حصة الجانب العربي ، أوليست تلك استعادة لسيناريوالتبرّع الفرنسيّ الترضوي لتركيّا بـ ( لواء الإسكندرون السليب ) ؟!! وربّما أكثر من ذلك !! ، بوعدٍ لتركيّا بالشمال السوريّ حتى مدينة ( حلب ) ، أولم تطالب تركيّا الأتاتوركيّة في ثلاثينات القرن الماضي بذلك من سلطة الإنتداب الفرنسيّ ؟ !!! । يستطاع الذهاب بعيداً ومطوّلاً في التحليل لمعطيات ودوافع السياسة الرسميّة التركيّة حيال الجار السوريّ ، لكنه مقال لا أطروحة ، ومع ذلك فلا يمكن القفز فوق المعاناة اليوميّة على امتداد الحدود السوريّة ــ التركيّة ، فبعد الحضور المستهجَن لوزير الخارجيّة التركيّ السيّد ( داوود أوغلو ) لاجتماعات مجلس ( جامعة الدول العربيّة ) المستنفرة من سباتها !! في الرباط ، وانضمام تركيّا لقرارات الحصار ، والمقاطعات ، والعقوبات ، والإنذارات ، بل والتهديدات ، والتي اتخذتها الجامعة المستأسدة بحق سوريّة ، ما هو المشهد على الأرض ؟ !! :

ــ التوقف شبه الكامل لحركة " الترانزيت " على بوّابات العبور المقفلة بين البلدين ، وأرتال الناقلات والشاحنات تمتد مئات الكيلومترات ، ليصل شلل ازدحام الشاحنات التركيّة إلى الأردن ولبنان على الحدود السوريّة ، ولاملامة على القرار السوري المعامِل بالمثل للقرار التركيّ الإستفزازيّ المبادر .
ــ كمّ من المشاريع السياحيّة والخدميّة والإنتاجيّة الواعدة على جانبيّ الحدود تجد نفسها في ساحة وغىً وقعقعة سلاح مستفر ، وسكان آمنون ، وأقرباء ، كان انتقالهم عبر الحدود المنظّفة من الألغام حرّاً ، بعد العمل باتفاقيّة إلغاء التأشيرات المتبادل ، يجدون أنفسهم على الحواجز الثابتة والمتنقلة ، وتحت رحمة مسلحين غرباء !!

والألعن ذلك الإستجداء الرخيص " للاجئين " ومخيماتهم المعدّة على عجل لاستثمارها في التوظيف الدعاوي ، والمتاجرة السياسيّة بها ، ولأشياء أخرى .... !!!
ــ انخفاض مردويّة القطاع السياحي عامّة ، وفي بعض المناطق إلى سويّة شبه صفريّة "" تعميماً لبركات نظريّة أوغلو الصفريّة بامتياز """ .

يستطاع المضيّ في اسعتراض أضرار القطاعات البنكيّة والإجتماعيّة والإقتصاديّة والسياحيّة بمطولات ، ولكنّه حجم المقال ، ومع ذلك فسؤال افتراضيّ بشعبٍ ثلاثة يفرض نفسه :

ــ ماذا لوكان لتركيّا طبيعة الموقف العراقي ، وكيف كانت الصورة ستكون ؟ !!
ــ لماذا لم يكن لتركيّا موقفاً مجاريّاً أو مشابهاً للموقف الأردني ، على كلّ عيوبه وتردده ؟ !!!
ــ لماذا ماثلث تركيّا في موقفها موقف فريق 14 آذار اللبناني ، الذي يحاول جعل الجوار اللبنانيّ ــ السوريّ ، ملجأ فارين سوريين ، ومأوى مجرمين ومهربين ، وقاعدة انطلاق لمرتزقة وقتلة متعصّبين ، ومعبر سلاح قتلٍ وقاتلين إلى الداخل السوري ، كل ذلك بمغافلة القرار الرسمي اللبناني ، المصّر بالحدّ الأدنى على انسحاب سلبيّ من الشأن السوري ؟!!!
ــ ولماذا يستنسخ التركيّ ذات لخطاب السياسيّ التحريضي التدخليّ الحاقد والثأري لفريق 14 آذار اللبناني ، وخاصة تميّزه بمفهومٍ كاريكاتوريٍّ للسيادة الوطنية باتجاهٍ واحد ، فكلاهما سيّد وويل للسوري لوفكر حتى بالحقّ المشروع بالدفاع عن النفس ، أما السيادة السوريّة فطفلة وغريرة وكلاهما لها الحاضن والوصيّ ؟ !!!

حقيقة لقد هزلت وفعلها ثلاثيّ ( حزب العدالة والتنمية التركي ) ، بخطإٍ سياسيٍّ ــ خطيئة في اقترابهم من الحالة السوريّة الحاضرة ، وأسفوا بقيمة تركيّا ومركزها في جيوـ استرايجيّة الإقليم ، حتى لم يعد من فرقٍ بين ثقل سياسة الدولة التركيّة ، وتلك التي لمراهقي سياسة فريق 14 آذار اللبناني ، لكنه اصطفاف البيادق بحضور السيّد الأمريكيّ ، وأمره النافذ الذي لا يعترف لها ولا يرى فيها إلاّ دوراً تسقط معه فروقات الوزن ، واختلافات الحجوم ، وقد أصبت يا سيّد ( كمال كيليتش دار أوغلو ) :
( أنّ مثل هذا الانقياد لا يليق بتركيا ) ، واقع يبعث على الأسى نعم ولكنه ـ وللأسف ـ واقع الحال الأليم

الأحد، 11 ديسمبر 2011

لحقيقة والدعاية في مكرور تسريبات تسلل ( المقاتلين الإسلامويين ) إلى السّاحة السّوريّة ج ( 3 ) :

مُركَّب الأزمة السوريّة والدّورالذيليّ للسياسة الانتهازيّة التركيّة :



إنّه العنوان الذي وجدته مناسباً لهذا الجزء الأخير من الأجزاء الثلاثه لمقالي المعنون : "" الحقيقة والدعاية في مكرور تسريبات تسلل ( المقاتلين الإسلامويين ) إلى السّاحة السّوريّة "" : ( ج 3 ) :‏‏ حيث يتابع الجزء الثالث ـ هذا ـ من المقال استكمال استعراضه لبانوراميّة رؤية الموضوع ـ أعلاه ـ خاصة مع المستجدات العلائقيّة المشدودة ،والمنذرة بالسيّء حكماً ، ولا محمود العواقب على حامل العلاقات السوريّة ــ التركيّة ، المهدّدة بالإنفجار ، بل بالتفجير شبه المتعمّد مع مواقف التصعيد السياسيّ التدخليّ لساسة ( حزب العدالة والتنمية التركيّ ) في الشأن الدّاخلي للجار السوري ، مستغِلّاً طارئ أزمة الحدث السوري ، في مزايدة فاقعة ، حتى على الدورالغربيّ ، والرسميّ العربيّ المندرج في سياساته التابعة ، في بحثٍ محمومٍ ، وسياسيٍّ انتهازيٍّ ، عن دور رأس الحربة التدخليّة في الساحة السورية ، مما يبرر للمقال بعض الإستفاضة ، وتخصيص معظم جزئه الثالث ـ هذا ـ للجوار التركيّ ـ السوري بالمجمل ، ومحاولة مقاربة أساسيّاته المحدِّدة :

فلقد اشتمل الجزء الأول على :

ــ أولاً : جبهة المواجهة السّوريّة ـ الصهيونيّة :

ــ ثانياً : الحدود السوريّة ــ الأردنيّة :

واشتمل الجزء الثاني من المقال على :

ــ ثالثاً : الحدود ( السوريّة ــ العراقيّة ) :

ــ رابعاً : الحدود ( السوريّة ــ اللبنانيّة ) : ليصل المقال ، في ثالث أجزائه هذا ، إلى :

ــ خامساً : ( الحدود السّوريّة ــ التركيّة ) : هنا ، حيث يلتقي التّاريخ بجدليّة بنيويّته وخلاصة عِبرته ، مع الديموغرافيّ بخصوصيّة تموضعه ودواخل دقّته ، مع السّياسيّ في ديناميّتة ، بتذبذبه وتغيّره ، وحتى انقلابيّته وتقلبه !! ، و ما يترتب على كلّ ذلك من نتائج ، ترسم مسارات إلى مآلات ، تُصدّق واقعيّة معادلاتٍ أوتسقط وهم رغباتٍ وحالم أمنياتٍ .

فعلى الإمتداد المئوي الكيلومتري ( 850 ـ 900 كم ) لتلك الحدود يحتفظ التاريخ بذاكرته ، وتصبح أوابد مدنه منارات صفحاته ، بكل ألوان مكوّناتها ، وجلّها معمّد بالدم وسواد المداد ، فيصبح شبح السلطان العثمانيّ ( سليم الأول ) حاضراً ، مغادراً التأريخ ، مندفعاً من عام 1516 إلى العام 2011 !! ليخوض معركة ( مرج دابق ) أخرى ، وهذه المرّة ، لاضدّ ""المملوكيّ المحتلّ"" مثله ، في استبدال محتلٍّ هَرِمٍ بمحتلٍّ فاتحٍ صارخ الشباب ، بل ضدّ الجار السوريّ ابن البلد الأصيل !! الذي يجد نفسه أمام مراجعات تفتح أبواب ازدحام الذاكرة الوطنيّة ، على واقعٍ يبحث عن هويّة ، وحواضر ترفض التغريب وقد طال ، من ( تل كوجك ) شرقاً ، مروراً نحو الغرب بمدن ومناطق : (ماردين ــ أورفة ــ غازي عنتاب ــ كلس) وحتى مياه خليج الإسكندرونة في اللواء السوريّ السليب ، دون نسيان ( أضنة ) وسهولها ، فكلّها تصبح مستدعاة ــ مستدعيّةً ( اتفاقيّة كوتاهيّة ـ 8 أبريل 1833) بين القائد العربيّ ( ابراهيم محمّد علي باشا ) والسلطنة العثمانيّة المهزومة ، أمام زحف جيش ( محمّد علي باشا القولي ) ، بعد معركة ( قونيه ) التي انتصفت لمعركة ( مرج دابق ــ 24 آب ،أغسطس 1516 ) ، وأرست حدود بلاد الشّام عند مضيقها الإستراتيجي ( مضيق قونية في جبال طوروس ) ، ولا أدلّ على ذلك من استمرار التململ " الإنتمائي ـ الهويتي " لما أصبح يعرف في قاموس السياسة الطورانيّة " القديمة ـ الجديدة " بوضع الأقليّات ( العربيّة ، الكرديّة ، الأرمنيّة !!! ) ، المستبعدة من تعريف المواطنيّة وشموليّة حقوقها ، إلاّ الإضطراب الجيوبولوتيكي الراهن في العلاقة السويّة ـ التركيّة والتي لا تتوقف عند تسلل ( المقاتلين الإسلامويين ) إلى الداخل السوري ، وهو خطير ، وصاعق تفجير مرعب ، مهما ضؤل شأنه ، للأسباب الآتية :

آ ــ إعادة العلاقات العربيّة ــ التركيّة ، وليس السوريّة فقط ، إلى مربع العداء التاريخي المنوه عنه أعلاه ، واستدعاء تناقضاتها ، التي سمحت السنوات الأخيرة من التعاون السوري ــ التركيّ ببعث أمل إمكانيّات مقاربتها بالتعاون البنّاء وروح الأخوة وحسن الجوار ، ولا ينخدعنّ أحد بدخان السياسات العابرة ، والحركات التلفزيويّة الوظيفيّة المتغيرة ، فلقد شهدت المنطقة شبيهها من سياسات وتحالفات أنظمة في خمسينيّات القرن المنصرم ، في ما عُرف بـ ( حلف بغداد ) ، لتذهب جميعها مع أنظمتها ــ الأعمدة بحمّامات دم ، من نظام ( عبد الإله ونوري السعيد ) في بغداد ، إلى نظام ( جلال بايار و عدنان مندريس ) في أنقرة ، مع نهوض شعبيٍّ عربيٍّ ، مُسقِطٍ لأنظمة الردّة والتبعيّة ، واسمٍ لذلك العقد مكللٍ له بميلاد ( الجمهوريّة العربيّة المتّحدة ) برئاسة الزعيم العربيّ ( جمال عبد النّاصر ) ، فما أشبه اليوم بالأمس ، وليعتبر أُولوا الألباب ، إنّ أمّة العرب أذكى من محاوليّ استغفالها ، فألعاب الخديعة وبهلوانات التضليل للشارع العربيّ هو كذب رخيص ، وحبل الكذب على الجماهير واهن وقصير ، فليسألوا أبطال ( حلف بغداد ) الدّارس إنْ كانوا لتلك المرحلة من الذاكرين ، أو لها من الجهلة أو الجاهلين !!!

ب ــ إنّ تركيّا "" أطلسيّة "" محدودة وظيفيّة الدور في حلفه ، ولن تُعطى يوماً حتى أهميّة دور اليونان الأوروبيّة !! لأسباب ضاربة في تعقيد مركباتها ، لا لماضي معطياتها فقط ، بل وللريبة المقيمة وعدم يقينيّة مستقبلاتها ، وعلى كل السويّات وتأثيراتها من جغرافيّة ــ تاريخيّة ، أواثنيّة ــ ثقافيّة ، أو تطورات سياسات لم تعرف صادق التحالفات ، لا الآنيّة فقط تجاه الحدث السوريّ ، بل ومنذ بداية الإنحدار في الحضور العثمانيّ على ساحة السياسة العالميّة منذ نهايات القرن السابع عشر وبداية تعامل القوى الإمبرياليّة الأوروبيّة الصاعدة معها كمشروع ( رجل مريض ) ، وصولاً إلى تمزيق واقتسام سلطنتها بعد الحرب العالميّة الأولى ، وهو الجرح النرجسي النّازف للطورانيّة بطوريها ، الأتاتوركيّ ــ المؤسس ، واسلامويّها ــ الجديد الحالي ، الواهم بلعب دور"" رجل بوليس "" المنطقة الغربي ( خاصّة الوكيل الأمريكيّ بالذات !! في تقديم أوراق اعتماده كوجه مقبول في الشارع العربي ، ونموذج اسلامها السياسيّ الصاعد ، مع ما أصبح يُعرف "" بالربيع العربيّ "" وذلك كتعويضٍ معقولٍ ، وبلسم ممكنٍ لمأساة امبراطوريّة دارسة تبحث بقاياها عن دورٍ ، ولو وظيفيٍّ ذيليٍّ يزكي افتراضيّ فاعليّة حضورها !!! ،؛ فليكف ثلاثيّ ( حزب العدالة والتنمية التركيّ ) عن بيع فارغ الوعود لمريديّ الفتنة في الساحة السوريّة ، وإطلاق خلبيّ التهديدات ضدّ ( النظام السوري ) ، الذي يعرف وهم يعرفون ــ ربما أكثر ـ بمحدوديّة قدرتهم ، أولاً ، وهامش دورهم ، المسموح به أطلسيّاً ، ثانياً ، ـ في الذهاب أبعد وراء الأوهام النيوـ طورانيّة ــ المتكشّفة منذ الشهر الثالث لبدء الأزمة السوريّة ، فالجيوـ استراتيجي الدوليّ ومعادلاته ، وخاصة في حساسيّة مفصله السوري ، لا تسمح بالمغامرات غير المحسوبة ، فكيف بصبيانيّات السياسة ؟ !! التي تنطلي فقط على الرغبويين الراغبين من هواة السياسة ، من أمثال المنتَج الهجين لمطبخ مسلوق السياسات : التركيّة ـ القطريّة ـ بعض الغربيّة : مجلس اسطمبول ( المجلس الوطني السوري ) وأضرابه .

ج ــ إنّ بحث الدّور التركيّ عن فرضٍ لمركزيّته المفترضة على سياسات المنطقة تنقصه الحصافة والعقلانيّة ،وحسابات الواقعيّة السياسيّة ، ويوهمه الغرور المدّعي ، لا الطموح المشروع ، فمهما غاب الدّور الإقليميّ لمصر فهو عائد ، لأنها البلد المركز في العالم العربيّ ، لأسباب منطقيّة ليس المقال مجال تبيانها ، ومرّة أخرى مفيدٌ استذكار التاريخ ، فـ (مصر ــ محمّد عليّ ) ردّت تركيّا ــ السلطنة خلف جبال طوروس في القرن التاسع عشر ، و( مصر ــ عبد الناصر ) لجمت تركيّا الأتاتوركيّة الأطلسيّة في منتصف القرن العشرين ، و (مصر الثورة ) ناهضة وقادمة ، فلا يُعوِّلَّن على قيود ( معاهدة كامب ديفيد ) المحكوم تاريخيّاً عليها وعلى مفاعيلها ، ولا على التيّارات الإسلامويّة الطّافية ، وهي مختلفة على كلّ حالٍ عن اسلامويّة ( حزب العدالة والتنميّة التركيّ ) ، بل ومخالفة لها ( من رصد زيارة آردوغان الأخيرة لمصر وتمظهراتها وآراء اسلاموييّ مصر بآرائه و " توفيقاته " الإسلامويّوــ علمانيّة ) ، فحقاً ، ليس أكثر مأساةً من حماقات السياسة إلاّ الإمساك بعنانها من سياسيٍّ يُخرج عِبَرالتاريخ من معادلة حساباته ، مستبدلاً تلك العبر بالرغبات ، بالآنيّ العابر، وأوهام الغرور ، لقد أضاعت السياسات التدخليّة المغامرة الحاليّة لـ ( حزب العدالة والتنميّة التركيّ )، ببهلوانيّةٍ خفيفة ، تقودها الإنتهازيّة السياسيّة فرصة ــ هي بحقٍّ تاريخيّة ــ بتضييع المشروع ــ الإقليم ( سوريّة ـ العراق المحرر ـ تركيا ـ إيران ) ، وواقعيّة نظريّة ( البحار الخمسة ) في لحظة إمكانيّة التدشين ، وخاصّة فرصة إمكانيّة تحرّر تركيّا ، بالتموضع الجديد ، من تاريخيّة ذيليّتها الوظيفيّة الأطلسيّة ، وأوهامها الأوروبويّة ، لتأخذ مكانها المنطقيّ الواقعيّ ، الجيوـ بوليتيكيّ التشاركيّ ، في الإقليم الذي تنتمي إليه ، بحقيقيّة الهويّة ، لا بالزيف التغريبيّ ، الردّ فعليّ ـ الأتاتوركيّ ، مع كل ( عقد نقص المغلوب المقهور المستبطِن لنموذج قاهره الغالب ) الذي يبدو أنّه استشرى شعبويّاً تركيّاً بإزمانه ، والإبلال منه يحتاج ، لا للسياسات البهلوانيّة لثلاثيّ ( حزب العدالة والتنميّة التركيّ ) ، بل وعلى ضوء واقع ومعطى تلك السياسات ، فإنّه يحتاج إلى معجزة ، في زمن العلم الذي هجرته المعجزات .

د ــ تتكشف الحقائق يوماً بعد يوم ، وبغض النظر عن التبريرات الدعاويّة ، أنّ في الأزمة السوريّة ومنذ لحظتها الأولى ، فعل تخريبيّ معدّ ومرتبط بمحاور وسياسات ، بل وبارتهانات ( تصريحات السادة : برهان غليون ، مأمون الشقفة ، هيثم المالح ، عبد الحليم خدّام ، سمير النشّار .............. والقائمة تطول ) ، الأمر الذي يجعل الكتلة الشعبيّة الساحقة من الشعب السوريّ تحتكم لتلك الحقائق المتكشفة ، في اصطفافاتها المواقفيّة ، وانتظام مسؤول فعلها الهادف ، وخاصة بعد انحدار بعض المعارضات إلى سويّة ممارسات خطرة ، مخلّة ومهدِّدة لوحدة المجتمع السوري ، وتناغم غنى فسيفسائه التاريخيّ ، بل ووصولها إلى جديّ التهديد الوجوديّ للوطن ، ووحدته الترابيّة ، ورهن خارطتة القائمة بمشاريع هيمنة ، ليس أبسطها وآخرها مشروع ( الشرق الأوسط الجديد ) !!! فكيف إذا أضيفت إليها أوهام الطورانيّة ــ الجديدة ؟ !! وثلاثينات القرن الماضي مستمرّة في الحاضر السياسي ، واقعاً ماديّاً حيّاً لا دعاويّاً وطنويّاً ، و لا هيام حنينٍ و" نستالجيا " ذكريات ، من قبيل ( يا زمان الوصل ) !! ، فما زال في مفردات كلّ سوريّ مفردة ( السّليب ) ــ وبأل التعريف ــ عندما يُذكر ( لواء الاسكندرون ) وتلك حقيقة معاشة ، لا قومجية أيديولوجيا سياسويّة ، ولا عابر لغويّة لافتة شعار .

لذلك ، وبناءً على ما تقدّم ، وعلى ماسيلي ، يصبح مطلب انتصار منطق العقلانيّة والواقعيّة السياسيّة مشروعاً ، لا من مقالٍ قد يُرمى كاتبه بتهمة انحيازٍ لا تُعيبه ، ولكنْ فوق ذلك ، من قراءة تُشدّد ، زيادة على السابق أعلاه ، على النقاط الآتية : ــ إنّ الحدود السوريّة الشمالية ، حدود دولة ذات سيادة ، وسيادة مسلحة ، لا بعتاد "" حماة الديار "" ، وحدات الجيش العربيّ السوري فقط ، بل وبالوعيّ الوطنيّ الإستثنائيّ الجامع للمواطن العربيّ السوريّ ، والوعيّ القوميّ للإنسان العربيّ من خلفه ، وأمّا التعويل على بعض فلول الفارّين ، فليس إلاّ قبض ريحٍ واعتماد رخيص خيانةٍ ليست نادرة في تاريخ المنطقة ، فجيش الفار ( رياض الأسعد ) وشلّته : ( الجيش السوريّ الحرّ ) !! يذكِّر بجيش ( سعد حدّاد وأنطوان لحد ) : ( جيش لبنان الحرّ ) ، فنفس الدور ، ولن يكون إلاّ نفس المصير ، وأمّا المؤسف فهو أنْ يصبح دور الجار التركيّ لسوريّة في أزمتها اليوم ، نسخةً كربونيّةً للدور الصهيوني في لبنان أثناء أليم أزمته بالأمس !!!

ــ إنّ حرص سوريّة على ممارسة أقصى درجات العقلانيّة في ردودها ، يصدر بالدرجة الأولى عن عدم الرغبة في الإستجابة لسياسة الإستفزاز والإنجراف إلإنفعاليّ إلى مربّع "" ردّ الفعل "" المجافي لبارد الحسابات العقلانيّة وصوابيّة عطاءآتها ، سيّما في النظر الموضوعيّ البارد إلى الجار التركيّ ، لا ككتلة واحدة ، صماء ومصمتة ، فتركيا ليست كلّها ، ولا يختزلها ، ثلاثيّ ( حزب العدالة والتنميّة ) ، فشارع معارضتها العلمانيّ ، واليساري خاصةً ، يأخذ اصطفافاته تصاعديّاً ضدّ السياسة التدخليّة الذيليّة الأطلسيّة للحكومة التركيّة في الشأن السوري الداخلي ، في ذات الوقت الذي لاتتردّد فيه الحكومة السوريّة ، وعلى الأرض ، في اللجوء إلى كلّ الممارسات السياديّة ، ومنها العسكريّة الردعيّة المشروعة "" اللاعدوانيّة "" ، واتخاذ كلّ الإجراءآت الدبلوماسيّة والقانونيّة والتجاريّة والإقتصاديّة والنقل و .... بما يحفظ للسلطات السوريّة حقها ، ويكرس واجب دورها في الحفاظ على أمن وسيادة الجمهوريّة العربيّة السوريّة .

ــ إنّ تسلل المسلحين ، العنفيين الإسلامويين ، أو المرتزقة ( الكونتراوستيين ) ، أومجرمي الحق العام الفارين إلى الأراضي التركيّة ، للقيام بأعمال التخريب في الدّاخل السوري المجاور لتركيّا ، يدخل في باب العدوان وخرق السيادة لدولة مؤسسة وعضو في هيئة الأمم المتحدة ، يمكّنها من التقدّم بشكوى أمامها ضدّ الجار التركيّ المساهم في انتهاك سيادة الجمهوريّة العربيّة السوريّة ، ولئنْ كان التسييس والتحيّز المعروف في تلك المنظمة الدولية يسيء إلى صدقيّة دورها ويدينه ، فإنّ مثل تلك الشكوى تضيف اختباراً لعجزها ، وبرهاناً لحقيقتها تابعاً أخر لسياسات الهمايونيّة الأمريكيّة ، وكشفاً أمام العالم في ناديه الأمميّ ـ وفيه صداقات سوريّة وازنة ـ بحقيقة الواقع ، وما يمكن أنْ يترتب عليه من خطير النتائج إنْ لم يقم العالم بمسؤوليّاته ، مع احتفاظ سوريّة بحقها المشروع في الدفاع عن النفس وبكل الوسائل المشروعة .

ــ على قاعدة ( المعاملة بالمثل ) ، بعد ضرب السياسات التركيّة عرض الحائط بقواعد حُسن الجوار ، فإنّ توظيف السياسة السوريّة للتنوّع الديمغرافيّ العابر للحدود ، وبكلّ الأشكال ، يصبح مبرَراً ومفهوم ، وسورية تحجم حتى الآن ـ وبمنتهى التعقّل ـ عن استعمال تلك الورقة المتاحة والمجرّبة . ــ إنّ التلويح الميديوي بالمقاتلين الإسلامويين ، وتوفير معسكرات تجميعهم ، ولوجستيّ تسليحهم ، وتيسير تسريبهم عبر الحدود إلى الدّاخل السوري ، هو سلوك عدوانيّ صريح ، ويندرج في مندرجات الحرب النفسيّة ( كتلويح ) ، وأمّا وضعه موضع التنفيذ فهو إعلان حرب من دولة أطلسيّة يجر إلى ساحتها قوى تحالفات إقليميّة ودوليّة ، لا تجهلها السياسة التركيّة ، ولا تجهل سوء عواقبها ، وإنْ بدا حتى اللحظة سوء التقدير في تعاملها مع احتمالات نتائجها !!! ــ ثمّ ، ورغم قرع طبل ( المقاتلين الإسلامويين ) المبالغ في ضجيجه ، فإعطاؤه ـ سوريّاً ـ استثنائيّة الأهميّة تبقى مبررة وواجبة ، لا لفعاليّته ـ المشكوك بها ـ في الواقع السوري أبداً ، ولكنْ لاحتمال محاولة البعض التخفف من عبء هؤلاء المرضى ، بإيجاد " صرفة " لهم ، بعد استنفاذ الحاجة إلى التدميريّ ، الساكن منهم في أعماق منحرف التكوين النفسيّ المؤدلج ،؛ وباستعراضٍ موجزٍ لهؤلاء ، فئاتهم ، وتنوّع مشاربهم ، وساحات عملهم والتزاماتهم ، يُلحظ التالي :

آ ـ فرعهم اللاعربي : من أفغان وشيشان وسواهم ، وهؤلاء يندر منهم القادر على التعامل مع الساحة السوريّة ، لا بسبب العائق اللغويّ فقط ، بل وخاصّة لسهولة التعرّف على سيمائهم وأشكالهم في الديمغرافيا السوريّة . ب ـ فرعهم العربي : وهو تبعاً لساحاته ، من المشرق إلى المغرب :

1ــ الساحتان العراقية ـ الأردنيّة : وهما فعل تكامل وتفاعل ، بُرهن عليه خاصّة مع أفعال ( الزرقاوي ) الإرهابيّة ، وقد تلقّى موجع الضربات ، والباقي منه ، مشغول الآن ، بترتيب أوراقه العراقيّة مع إتمام انسحاب المحتلّ الأمريكي نهاية العام .

2 ــ ساحة شبه الجزيرة العربيّة : إنّ الوضع المشتعل في اليمن يشدّ إليه هؤلاء ، حيث تتوفر البيئة الحاضنة لهم ، وظرف تداعي تأثير مركزيّة الدولة على أطرافها ، خاصّة الأقاليم الجنوبيّة ، وفي الشمال يتربصهم الحوثيون بوضعهم الخاص ، مما يجعل من الفصيل اليمنيّ في حال " اكتفاءٍ ذاتيٍّ " بمشاكله ، وأمّا الفصيل السعوديّ فقد أنهكه ـ آنيّاً ـ الصراع مع عسس الأمير ( محمّد بن نايف ) ، وقد دُجِّن بعضه ، إلاّ أنّه من غير المعروف عن الأمير ( محمّد بن نايف ) ميلاً تدخليّاً في الشأن السوريّ ، كبعض آخرين ، كالبندرييّن مثلاً .

3 ــ ساحة الخليج : وأكثرها شهرة نسبيّاً في هذا المجال ( الكويت ) حيث التيّار السلفيّ ومنابره ، ومع ذلك فمساهمة هؤلاء تمويليّة وميديويّة ، ودعائيّة ذاتيّة موجهة للمسيّس من الكتلة الناخبة في الكويت ، أو حيث لا انتخابات ولا من يحزنون ، تصبح لإرضاء نرجسيات متورمة ، أو دفعٍ لمخاوف من جارٍ ، وقد عاينّا بعض نماذج نشاطاتهم على الجانب التركيّ من الحدود .

4 ــ الساحة اللبنانيّة : إنّ الخطورة في تلك الساحة تكمن في كونها امتداد جيوـ ديموغرافيّ للداخل السوري ، خاصّة التداخل المذهبيّ ، ووجود تيّار طائفيّ سياسوي (المستقبل) معادٍ للحكم في سورية ، تدعمه وتموّله دولّ "عربيّة" نفطوـ غازيّة ، ويرتبط ـ وتيار 14 آذاره ـ بالتوجيه والأمر اليومي للسفارة الأمريكيّة في (عوكر ) ، تلك السّاحة من ( لبنان ) ، والمقتصرة ـ فعليّاً ـ حتى الآن على بعض شماله في منطقة الجوار من ( محافظة حمص ) السوريّة ، تشكّل واقعاً متفجِّراً للبنان كما لسورية ، بالنظر لمعقّد الواقع اللبنانيّ الذي يعرفه الجميع ، ومع كلّيّة عدم الإستهانة بالخطورة ـ مهما ضؤلت ـ لتلك الساحة ، فإنّ المعرفة المعروفة للأمن السوري بها ، ووجود تيّار لبنانيّ عريض صديق لسوريا ، والتجاوب اللبنانيّ الرسميّ ( على لسان ابن طرابلس ، الرئيس ميقاتي ) ، يقزّم الخطورة إلى حدودٍ ضيّقة ، محدودة الفعل وتأثيره ، ويجعل اندراج تهويله في عدّة الحرب النّفسيّة أقرب إلى المنطق المسؤول .

5 ــ الساحة المصريّة : لم يعد للجماعات الإسلامويّة العنفيّة من وجود فعليٍّ في تلك الساحة منذ عقد الثمانينات من القرن الماضي ، وإنْ ترددت أسماء بعض أفرادها ــ الرموز في بعض الساحات الخارجيّة ( أفغانستان ، العراق ... ) ، إلّا أن مباشر خطرها غير موجود ، فضلاً عن أنّ المخاض السياسيّ في مصر يستهلك جهد الجميع في البحث عن التموضع ، وقطف موسم المواقع المتخاطفة التي وفّرها الواقع السياسيّ الرّجراج للشارع المصري منذ تنحية الرئيس المصريّ المخلوع ( حسني مبارك ) .

6 ــ الساحة الشرق أفريقيّة : يتزعّم الوضع الصوماليّ حالة اضطرابها ، بنشاط تنظيم ( شباب المجاهدين ) الباحث عن المدد والأنصار ، في واقع الصوملة التي أصبحت حالة مدولنة ، واشتباك إقليميّ دولاتيّ شرق افريقي ، مما يستبعد امكانيّة تصدير المقاتلين الإسلامويين من تلك الساحة المستورِدة !!! .

7 ــ ساحة الشريط الجنوبيّ للشمال الأفريقي ، حيث تنشط جماعات ما يعرف اختصاراً بـ آكمي ( القاعدة في المغرب الإسلامي ، الترجمة العربيّة لـ : Al-Qaida au Maghreb islamique ) ،فإنّ عملها يقتصر على الساحة المشتق منه اسمها ، خاصّة وأنها منشغلة الآن بمغانمها " الليبيّة " في الواقع الحالي المضطرب للوضع الليبي .

8 ــ الساحة المغاربيّة : ليس من خطورة ملحوظة أو محتملة لساحات ( الجزائر أو المغرب أو تونس ) في تصدير المقاتلين الإسلامويين إلى سورية ، ليبقى الواقع الحالي للساحة الليبيّة مجال الأخذ والردّ وحديث الساعة الميديويّ ، خاصّة بعد الإعتراف اليتيم الناتوي ( المجلس الوطنيّ الإنتقاليّ ) الليبي ، بشبيهه الإسطمبوليّ ( المجلس الوطنيّ السوريّ ) ، والقصص الخرافيّة الطرزانيّة لـثورجيّة ( طرابلس ) الفاتحين لخيمة ( القذافي ) ، في ثكنة ( باب العزيزيّة ) المدمّرة بقنابل قاذفات الناتو ، لا بالسلاح الفردي والخفيف للثورجيّة الأبطال !!! بقيادة الرّامبو ( عبد الحكيم بلحاج ) الملمّع ميديويّاً ، بكليّة حضوره المكانيّ !!! ، توقيفاً معلناً في المطارات الليبيّة من قبل فصيل ناتويّ آخر ، إلى إعطائه " اسماً حركيّاً " جديداً في معسكرات التدريب للفارّين السوريين على التراب التركيّ ، وصولاً إلى التهديد بقيادته لأحد " فراديس المجاهدين" المتربصة على الجانب التركيّ من الحدود ( السوريّة ـ التركيّة ) !!! ، في تهويلٍ كاريكاتوريٍّ للبطل الخرافيّ الأسطورة !!! مما يجعل الإدانة للدور التدخليّ التركيّ أكثر رسوخاً على قاعدة "" وشهد شاهد من أهله "" ، ويبقى منطق الأمور ناطقاً : أنّ المدعو ( عبد الحكيم بلحاج ) يقبع حارساً لمكافأته ـ الحصّة من فتات الحكم الليبيّ ، وكعكتة المتناهشة بين الفصائل المتصارعة على الساحة الليبيّة ، وبالتالي فالتلويح به لا يعدو فعل وفعاليّة شهر سلاحٍ خلبيٍّ في لحظة جديّة لا تحتمل المزاح ، ولكنّها بروباغاندة الحرب النفسيّة وبعض ألاعيب توظيفاتها المكشوفة ، التي تؤكّد شيئاً واحداً ، هو انتهازيّة السياسة التركيّة ، ورخيص ماكيافيلّية وسائلها ، وتهافت أخلاق توسّلاتها . من هنا ولكل الوقائع أعلاه ، من أسباب ومعطيات وأهداف ،يبقى لثلاثيّ المسرح السياسيّ التركيّ الحالي ( آردوغان ـ اوغلو ـ غول ) قصب السبق في احتماليّة الذهاب بالأمور إلى الهاوية ، لا حافتها فقط ، بالدّورالذيليّ التدخليّ للسياسة الانتهازيّة التركيّة ، في إذكاء أوار الأزمة السوريّة ، فهل ينتصر منطق التعقل والواقعيّة السياسيّة ، على الحماقة ومنطق المغامرة اللامسؤول ؟ !!! إنهما لفي مراهنات وسباق محموم ، فلننتظر مقبل الأيام الحبلى ( بما لم تُعلمِ ) .... ومرّة أخرى ، أونملك غير الإنتظار ، ولو القلِق المتوجّس ؟ !!!


الحقيقة والدعاية في مكرور تسريبات تسلل ( المقاتلين الإسلامويين ) إلى السّاحة السّوريّة ج ( 2 ) :

بين هادئ القراءة السياسيّة ، وتعبويّة الحرب النفسيّة الملازمة لآنيّة الحدث السوري ، الصاخب ميديويّاً بلا سابقة مماثلة ، تصبح مسؤوليّة الكتابة عناقاً لحدِّ السكين ، ومع ذلك ففي الجزء الثاني هذا ، يستكمل المقال رؤيوية استعراضه للباقي من الحدود السورية ، مع الجار التركيّ في الشمال ، والشقيقان ، العراقي في الشرق ، واللبنانيّ في الغرب ، بعد أن استعرض الجزء الأوّل شواطئ المتوسط السوريّة ( ما عدا شواطئ لواء الإسكندرون المحتلّ من قبل تركيّا منذ عام 1939 ، قبل تاريخ الإستقلال السوري بستة أعوامٍ ونيِّف ) ، وخطّ المواجهة مع الكيان الصهيوني في الجولان المحتلّ ، والحدود " السايكس ــ بيكويّة " ( الأردنيّة ــ السورية ) .

ثالثاً ــ الحدود ( السوريّة ــ العراقيّة ) : وهي أيضاً حدود تسوويّة بين الإنتدابين ، الفرنسي على سورية ، والبريطاني على العراق ، آخذة في اعتبارها جملة معطيات ومصالح ، ليس أقلّها نفط ( الموصل ) المكتشف ـ بريطانيّاً ـ أيّامها ، لا كمصدر طاقة وتطوير صناعيٍّ فقط ، بل كسلعة استراتيجيّة حاسمة الدّور في إدارة عجلات الحروب ، وخاصة تحرّكات أساطيلها في أعالي البحار ، بعد تراجع عصر الطاقة الصلبة ( الفحم الحجري ) لأسباب متعددة من بينها الصعوبات اللوجستيّة من تخزين ونقل و .... ، ومحدوديّة السرعة التي تسمح بها طاقته للسفن المعتمدة عليه .... إلخ ، والذي لعبت شركات النفط دورها الحاسم في لفت نظرالسياسات الإمبراطويّة للحكومة البريطانيّة وقراراتها ، ومنها ما يتعلّق بموضوعنا من ضمّ ( الموصل ) إلى منطقة الإنتداب البريطانيّ في بلاد الرّافدين ، مبادلة مع ( لواء دير الزّور ) الذي أصبح جزءاً من بلاد الشّام الموضوع تحت الإنتداب الفرنسيّ ، بتوافق ورضى الإنتدابين ، تطبيقاً للمشؤومة اتفاقيّة ( سايكس ـ بيكو ) الأشهر وملحقات تنفيذها ، وككلّ الحدود التي فرضتها مصالح الغرب في وطننا العربيّ لم تُعِر اهتماماً للتواصل السكانيّ عبرها ، إمّا لقصور المعيار الأوروبيّ في ترسيم الحدود ، وهذا احتمال !!

أو للجهل بالعمق التّاريخيّ للمنطقة والتعامل معها كتشكلات "" قبل ــ أمّة "" وكإفرزاتٍ ركود مجتمعيّ من ظلاميّة قرون أربعة من تسلطّ العثمانيّ المتخلِّف ، وهو الأرجح ، وهنا نجد الحالة الديمغرافيّة ذاتها على الحدود الأردنيّة ــ السورية ، مع بعض خصوصيّات مستحدثةٍ من نتائج تطوّر وضع سياسيٍّ ، سوريٍّ ـ عراقيٍّ معقّد ، منذ قيام عهد الحكم الهاشميّ في بغداد وإلى يومنا ، لكنْ يبقى الأكثر حسماً في تلك الخصوصيات هو ماطرأ عليها " نوعيّاً " ، وأقرّته الوقائع " موضوعيّاً " منذ الغزو الأمريكيّ للعراق واحتلاله عام 2003 وهو ما سيتوقف عنده للصلة المباشرة بموضوع المقال :

آ ــ بيّنت أهداف الغزو الأمريكي للعراق أنّ احتلال ( بغداد ) هو مقدمة لاحتلال ( دمشق ) ، وأنّ احتلال ( بغداد ) لن يصبح ناجزاً مستقراً إلا بوضع ( دمشق ) في عين عاصفة الإستهداف الأمريكي وحلفائه "" بنود ورقة كولن باول ــ الإنذار خلال محادثاته في دمشق بعد إسقاط بغداد واحتلال العراق "" .

ب ــ ترسّخ اليقينيّة في ( دمشق ) ، أنّ خطّ الدفاع الأوّل عنها أمام الهجمة الأمريكيّة الشرسة ، بما يترسم عليه ويسمه ، من نقطة بداية حسم المستقبل " الجيوــ استراتيجيّ " للمنطقة ، إنّما يتأسس في ( بغداد ) المقاومة ، المحتضَنة ، لا عربيّاً تحرريّاً فقط ، بل وإقليميّاً مشارِكاً أيضاً ، للجم اندفاع المشروع العدوانيّ الأمريكيّ في مرحلته الأولى ، وهزيمته في نهاية المطاف .

ج ــ تأكد الارتباط والترابط بين المشروع الغربيّ ، والأمريكيّ بالخاصّة ، مع امتداده الصهيوني لإنجاز ( الشرق الأوسط الجديد ) ، الطبعة المنقّحة المعولمة للمشروع فوق ــ الإمبرياليّ لإدخال منطقتنا ، ونهائيّاً كما خططوا !!! ، إلى بيت الطاعة الأمريكيّ وإغلاق الباب عليها بقفلٍ صهيونيٍّ محكم .

مما سبق أصبحت الحدود السوريّة ــ العراقيّة تحت مجهر الرقابة والمراقبة ، والحسابات الأمنيّة قبل العسكريّة ، السوريّة قبل الأمريكيّة ، مما جعل اجتياز تلك الحدود ما كان ليمكن إلا إرادويّاً ، بتعاونٍ سوريٍّ رسميٍّ ، غير معلنٍ ، مع بيئةٍ حاضنةٍ مقاوِمة ، تلك المراقبة الأمنيّة النّامية من الجانب السوريّ ، يضاف إليها إرادة سياسيّة عراقيّة ملائمة ، ومتعاونة حتى قبل إنجاز الإنسحاب الأمريكيّ أو اندحاره عن ( بغداد ) ، يجعل من تسلل ( المقاتلين الإسلامويين ) وعنفهم عبر الحدود مسألة فيها نظر ، وتندرج تسريباتها المتكررة في إطار لغة التهويل ، والحرب النفسيّة المدروسة ، والمسعّرة التوظيف والدور في تنفيذ السياسات التدخليّة في الأزمة السّوريّة ، فإذا أضفنا معطيات معادلات السياسات الداخليّة في العراق وأطرافها ، وارتباطاتها الإقليميّة وحساباتها ، نجد أنّ لحظة انجاز الإنسحاب الأمريكي من العراق ، حتى نهاية العام ، تملي على تلك المعادلات إضافتها الوازنة ، وبالتالي يدخل الجميع ، بمن فيهم ( المقاتلون الإسلامويون ) ، وربّما بعنف استنفاريّ ، إلى بيادر محصولها ، وإذاً فهؤلاء ، إنْ كان وجودهم مؤثر ، فهم مشغولون بساحتهم ، وفيها من يتكفّل بهم ، مما يقزّم خطرهم على الساحة السوريّة إلى بُعدٍ نقطيٍّ لا منظور أو بالكاد ، وأمّا البيانات ووسائل الميديا بيدهم ، وصفحات تويتر وفايسبوكهم ، فلا تزيد قيمتها عن تأثيرفعل افتراضيّ في واقع رغبويّ متخيّل ، إنّها الحرب النفسيّة ، ولمن يفكّ كودها لا تعني أكثر من مدّ لسانٍ في الهواء .

رابعاً ــ الحدود ( السوريّة ــ اللبنانيّة ) : هنا يقف المرء وتأخذه الحيرة ، لهذا الإسم بلا مسمّى !!! فأين هي تلك الحدود اللامحددة واللامنجزة الترسيم ؟ !!!

وهل يكفي الصراخ المناسباتيّ الشعبوي ، للتوليفة الوظيفيّة لتيّار الـ ( 14 آذار) اللبنانيّ ، لكي تصبح الأمنيات وقائع ؟ !!! أوليست الحدود ـ أولاً ـ احترام يسكن النفوس ، قبل تحديد الأرض بحفر الفؤوس ؟ !!! وفوق ذلك ،أوليست كلّ تلك الهمروجات الشعبويّة من طرابلس إلى الى البقاع ، إلى كلّ الألسنة الجغرافيّة والديموغرافيّة اللبنانيّة الممتدّة والمعشّقة في الخاصرة السوريّة تنطق بما لا يرغبه المهمرجون ، من حقائق تاريخيّة ناطقة أنّ لبنان أصبح كبيراً بطرابلس والأقضية التي ' نهشها ' ( غورو ) من الجسد السوري لتصبح متصرفية الجبل لبنانكم الكبير ؟ !!! ثمّ لماذا ترتفع عقيرة فرقة الزجل السياسيّ الـ ( 14 آذاريّة ) اللبنانيّة وملحقاتها ، بأنشودة الحدود !!!لمجرّد الشكّ أو الزعم باجتيازٍ عرضيٍّ للحدود المفترضة للقوات العربيّة السوريّة ، ولا يرتفع صوت ناقد للممارسات التدخليّة الفتنويّة الملحّنة والمغنّاة من ذات الفرقة ؟ !!!

أم أنهم يريدونها إضافة حدوديّة ، طقوسيّة طوطميّة ، هم وحدهم لها الكهنة ، ولقدسيّة أسرارها هم المالكون ، فلهم وحدهم ، ووحدهم فقط ، حقّ اجتيازها ولمن للعبور يرخّصون ؟ !!! وإذاً فتلك الحدود مازالت اتفاقيات قانونيّة ورقيّة ، لا واقع رسمٍ يؤكدها ، وليس لها من سندٍ ماديّ ، فضلاً عن ليّها حقيقة التاريخ وتجاهلها لغة المكان وديموغرافيّة إنسانه ، فلنسمها إذاً بالتخوم اللبنانيّة ــ السوريّة ، تماماً كتلك التي بين مزارع الأخوة ، أو الجيران ، فهو أقرب إلى توصيف الواقع ودقّة تسميته .

فهل من احتمال لتصبح تلك التخوم مسرحاً للسلاح المهرَّب وتجارته ، ومسرباً لتسلل المسلّحين بكل أصنافهم ، لا العنفيين الإسلامويين فقط ، بل لأصناف المجرمين ، والمغامرين المرتزقة المأجورين ( ولمَ لا ؟ !! بوجود الدافعين الممولين ) ، إلى قلب الدّاخل السوريّ وبؤر أزمتة ؟ !! الواقع المعاش يجيب "" بنعم "" ، وبالتالي تصبح معالجة الواقع المقلق والخطر في تلك التخوم مهمّة أمنيّة من الدرجة الأولى ، للجم تهديد السلام المجتمعيّ بعمومه ، لا في سوريّة فقط ، بل وفي لبنان الهشّ أصلاً بتناقضاته البنيوية الكيانيّة التي يعرفها الجميع ، مما يحتّم عملاً سوريّاً ــ لبنانيّاً مشتركاً ، وجهداً ثنائيّاً يضع موضع التطبيق الإتّفاقيّات الثنائيّة ذات الصلة ، ويضع الخطط الملحّة ، لا لمعالجة الأزمة السوريّة الحاليّة فقط ، بل ولكلّ طارئة شبيهة على التخوم بين البلدين .

فمكمن الخطورة هنا لا يمثله كمّ ( العنفيين الإسلامويين ) فقط ، وهو محدودٌ أصلاً لأسباب لمّحتُ إليها وسأحاول حصرها لاحقاً ، ولكن لجوالتهييج الأهلويّ ، والتجييش المذهبوي ، وسياسات الثأريّة القصيرة النظر ، والتبعيّة المسيَّرة بلا أقنعة ، وتأجير القلم والبندقيّة ، في زفّة وظيفيّة الدّور، تتعدى هنا تهويش الحروب النفسيّة على المحمول المعنويّ ، إلى مباشرة التخريب الماديّ الفعليّ ، بجعل تلك التخوم منصّة لوجستيّة لإطلاقٍ قذائف الفوضى والأفعال الهدّامة ، وقاعدة خلفيّة لجبهات الدمويين المتنقلة ، وبأسماء حركيّة " ثورجيّة " لا ينقصها التلميع وجوقات المبررين ، ولكنْ وبضرورة الديناميّة في ساحة الفعل وبيئته ، فلن يستمر أثره عابراً للتخوم في اتجاه واحدٍ نحو سوريّة دائماً ، بل سيأخذ سياق فاعليّته المؤثرة في الإتجاهين ، ولو بتفاوت المواقيت .

خامساً ــ ( الحدود السّوريّة ــ التركيّة ) : هنا ، حيث يلتقي التّاريخ بجدليّة بنيويّته وخلاصة عِبرته ، مع الديموغرافيّ بخصوصيّة تموضعه ، مع السّياسيّ في ديناميّتة ، بتذبذبه وتغيّره ، وحتى انقلابيّته وتقلبه !! ، و ما يترتب على كلّ ذلك من نتائج ، ترسم مسارات إلى مآلات ، تُصدّق واقعيّة معادلاتٍ وتسقط وهم رغباتٍ وحالم أمنياتٍ ، مما سيكون موضوع الجزء الثالث من المقال :

( يتبع ) .

الثلاثاء، 6 ديسمبر 2011

الحقيقة والدعاية في مكرور تسريبات تسلل ( المقاتلين الإسلامويين ) إلى السّاحة السّوريّة ، بين هادئ القراءة السياسيّة ، وتعبويّة الحرب النفسيّة ( ج 1 )

من قلم : د .منير وسّوف القوي




المتابعة اليوميّة المستمرّة لتطوّرات الحدث السوريّ ، والرصد المواقفيّ المجرّد لمختلف أطرافه ، الرئيسيّ من لاعبيه الفاعلين ـ واقعاً ـ في صناعة حدثه على الأرض ، أو الطرفي الثّانويّ الملحق ، وبأوامر" غرف عمليّات " تدير الجانب " الدعائيّ ـ الدعاويّ ـ الميديوي ـ البروباغاندي " ، يسمحان باستخلاص نتائج ، تتراوح في موضوعيتها بين :


ــ التقزيم المستهتِر المستهزِئ المستخِفّ ،


ــ و التهويل المضخَّم ـ المضخِّم ( بالفتح والضمّ ) ، مجافياً في كلا التّطرّفين ، صفة الموضوعيّة ، في التّعامل مع الحدث السّوري ، ودّقة خصوصيّاته التي يستحيل تجاهلها ، أو القفز فوق واقعها الفارض واقعيّة ضرورة الإمساك بكلّ خيوط تجاذب وتنافر ، اشتباك وتشابك ، جميع المعطيات ـ المؤثّرات ، المتعددة المشارب والأهداف ، وتحديد نسبيّة فعلها وفاعليّتها في صناعة الحدث السوريّ بامتياز خصوصيّة تمظهره ، فضلاً عن امتداداته العضويّة ـ إقليميّاً ودوليّاً ـ وانعكاساته الحتميّة ، جيوـ استراتيجيّاً ، على الإقليم وبلدان الحوض المتوسطيّ بالخاصّة ، وبالضرورة على كليّة بنيويّة التوازن الدوليّ ومرتكزاته ـ المسلّمات ، منذ طيّ صفحة " الحرب الباردة " ـ كما اعتُقِد وشُيّع ـ منذ بداية العقد الأخير من القرن العشرين ، والتي ، يبدو اليوم ، أنّها لم تكن إلاّ هدنة مؤقتة لالتقاط الأنفاس في نواة المعسكر الذي أُعلنت هزيمته ( الإتحاد الروسيّ ) ، وانكشاف نواقص النصر بارتكاب صاحبه ( الولايات المتحدة الأمريكيّة ) من أخطاء إدارويّة قاصرة ، وخطايا سياساتٍ امبراطوريّةٍ حمقاء وقاتلة ، تتساوى في ذلك الإدارات الجمهوريّة والديمقراطيّة ، مما لم يُطح بالنصر الناقص فقط ، بل جعله انتصار خادع وافتراضيّ مفترض ، يتطلب تكريسه واقعاً ، خطوات تكتيكيّة ،واستراتيجيّات ـ مشاريع مطبقّة ، من الجانب الأمريكي ، والتي ، يبدو اليوم ، أنها لم تقدْ مطلقاً إلى بلوغ هدفها الموضوع ، بل بالعكس تماماً ، فقد قادت الولايات المتحدة الأمريكيّة ، أولاً ، " لا " لإضاعة هدف إنجاز النّصر الناقص فقط ، أو بشارته على الأقلّ ، بل وضعت نفسها ( الولايات المتحدة الأمريكيّة ) ومعها العالم كلّه ، تالياً ، في خضمّ عاصفة أزمة انهيارات ماليّةٍ ، وركودات اقتصاديّة ( لا أزمات فقط ) ، وسياسات تدخليّة عدوانيّة ، ومنها ــ وفي بعض وجوهها الأبشع ــ ، سلوكيّات تآمريّة مافيوية ، وإجراميّة مخزية ، لا تليق بأخلاقيّات دبلوماسيّة دولة عظمى مسؤولة ، بل ولا تنحطّ إلى سويّاتها سياسة دولة مارقةٍ بحصريّ التعريف !!


هذا البسط للسياسات الأمريكيّة اقتضاه وحمل على ابرازه ما تلعبه سياسات تلك الدولة ، ومراكز دراساتها وأبحاثها ، وأنشطة مخابراتها وعملائها ، ومثقفوا " مارينزها " ، وحديثاً مثقفوا " أُوتانها " من كبير الدّور ، بل مركزيّته وقياديّته في ( الحرب النفسيّة ) المستعرة ضدّ سوريّة ، شعباً وجيشاً ونظام ، وعلى الجميع ، موالاة ومعارضة ، وخاصّة المعارضة النظيفة ، وبلا تكافؤٍ ـ لا إمكانيّاتي ولا تخصصي ، ولا لوجستيٍّ تعبويّ ممنهج ، وكلّه حقائق لا يفيد فيها التجاهل الإنتهازيّ ، ولا الإنكار السياسويّ المرضيّ ، بل يقود إلى المزيد من الأذيّة الواقعة ــ مع سبق التّرصّد والإصرار ــ ليصبّ ، ولو عفويّاً سذاجويّاً ، أو عمداً تواطئيّاً ، في طواحين مسببيها ، ويزيد رافد سلبيّ " النكران " المكابر ، لنفيّ القصور الماديّ المنطقي المفهوم ، أوالتقصير الحقيقيّ اللامُبَرَّر القائم في استثمار وتوظيف المتاح ، إلى روافد أسبابها .


من تلك الزّاوية ، تصبح القراءة السياسيّة للتسريبات المترددة لتسرّب ( المقاتلين الإسلامويين ) إلى السّاحة السّوريّة ، ونتائجه الحسمويّة !! والتغييريّة النوعيّة !! ، ضرورة منطقيّة ، وحاجة موضوعيّة ، لاتُخرجها من بعدها " التعبوي " في سياق الحرب النفسيّة المشرعة التسعير والسُعار ، ولا تخرج بها عن واقعيّة التحليل ، في محاولة وضع النقاط على حروفها ، فلا تخطئ القراءة بحَوَل منهجيّ ، ولا ينتصرغرضيّ التضليل بإحلال مكان الواقع الفعليّ آخر افتراضيٍّ قصدويّ التوظيف .


فهذا التسرّب الماديّ للمقاتلين سيكون بلا جدال عبر الحدود السّوريّة البريّة ، فليس المعروف عن هؤلاء ( المقاتلين الإسلامويين ) مهارات ( عيسى العوّام ) ، فضلاً عن عقباتها ، التي ليس آخرها يقظه سلاح البحريّة السوري ، بحكم حالة الحرب القائمة مع العدوّ الصهيونيّ ، ومهمّة الجيش السوريّ الدائمة في المواجهة المفتوحة على امتداد الجبهات ، ومنها " الجبهة البحريّة " بمفردات التعبويّات الحربيّة وتسمياتها .


وإذاً تبقى الحدود السّوريّة البريّة طريقهم إلى الدّاخل السّوري ، ولئن كان لا يجب التقليل من خطورة تلك الظاهرة ، مهما ضؤل شأنها ، فإنّه بالمقابل لا يجب التهويل بتأثيراتها ومنعكساتها على مسارات الحدث السوري واحتمالات مآلاته ، فليس هؤلاء المقاتلون الإسلامويّون كلّاً واحدًا متجانس ، وليسوا جيشاً مغوليّاً عرمرماً ، فليكنْ لهم حسابهم ، ودقّة تقدير تموضعهم ، وحقيقة قوتهم بلا بروبّاغاندات ، لتجنّب الإنزلاق إلى الرغبويّة ، ومن كلّ الأطراف اللاعبة لذاتيّة أغراضها المختلفة والخلافيّة في الأزمة السوريّة الملتهبة ، والدّالفة إلى شهرها التاسع دون وضوحٍ في تحديد ، لا تاريخ الولادة ولا جنس المولود !! فالكل لا يتقيّد بالمواعيد المعلنة فتتغيّر " روزماناتها " ( تقاويمها ) ، ويبقى جنس المولود أمنية لا حقيقة واقع ، والمشكلة تكمن في أنّ يكون قد أصبح مشوَّهاً بمديد الحمل المتعسِّر ، وباختلاف اجتهادات وكفاءة " القابلات " المتنطعات لرعايته وتحديد تاريخ الوضع المنتظر بلهفةٍ ، ومن الجميع ، ولكلٍّ رغبويته ومصالحه ، الأهل المزعومون قبل الحقيقييّن ، والأباعد قبل الأقارب والجيران ، وخاصّة العدوّ الشّامت على عتبة الدّار ومنتهك " جولانها " :


لذلك سأبدأ بجبهة المواجهة " السّوريّة ـ الصهيونيّة " ، لتكون الخاتمة بالحدود الطويلة " السوريّة ــ التركيّة " التي انتقلت بسرعةٍ " انقلابيّةٍ " سياسيّة ، خلال بضعة أسابيع ، إلى نقيضها على امتداد عقد من الزمن !!! :


ــ أولاً : جبهة المواجهة السّوريّة ـ الصهيونيّة :


منذ عام 1974 ، وبعد ( اتفاقيّة الفصل ) بين القوات المتحاربة " السورية ـ الصهيونيّة " في أعقاب ( حرب استنزاف ) سوريّةٍ مديدةٍ ، تلت ( حرب 6 تشرين 1 ـ أكتوبر ) لعام 1973 ، فرضت على الوسيط الأمريكي الكيسنجري التدخل ، لإنجاز تلك الإتفاقيّة على الباقي من الجولان المحتلّ برسم خطوطٍ لوقفٍ إطلاقٍ للنار على الأرض ، وعلى جانبي منطقة عازلةٍ بين المتحاربَين ، إذاً إنّها منطقة عسكريّة ممسوكة لا تسمح بتسللٍ ، ولو تمنى الصهيونيّ ذلك أو أراده ، أو وُجِد من الإسلامويين البراغماتيين المرتبطين من يقبل بذلك مسلك ، وهم قلّة على كلّ حال .


ــ ثانياً : الحدود السوريّة ــ الأردنيّة :


إنّ الشارع الأردني المشدود ـ بشبه كليّته ـ إلى القضيّة الفلسطينيّة بحكم واقعه البنيوي الديمغرافي والتاريخي ، والذي جعل اتّفاقيّة ( وادي عربة ) وثيقة " تواطؤٍ فوقيٍّ " بين نظامين حاكمين يتبادلان الخدمات ، يجعل من الشعب الأردنيّ ، بغالبيّة تياره المسلم المسيّس " حمساوي الحراك " على الأرض ، وإنْ بقيت أدبيّاته السياسة وبياناتها تزخر بالدّعويّة والتعاطف والدّعاء بالنصر والسؤدد لـ ( ثوّار " الجمعات " ونداء : تكبير ...... !!) ، أمّا قواه القوميّة والوطنيّة ، فقد أصبح موقفها ـ بالمجمل ـ واضحاً من الحدث السوري بالقلم والوفود والتجمعات الداعمة لسوريّة الرسميّة ، وصل بعضها ، في واضح تعبيريّته ، إلى عراك بالأيدي على الشاشات !! ، ويصل المجتمع الأردنيّ لعيش الحدث السوريّ أكثر كلما اقترب من الحدود " السايكس ـ بيكويّة " بين الأردن وسوريا ، حيث تصبح الديموغرافيّة واحدةً عابرةً للحدود ، والأزمة السوريّة تنوء بكلكل إيقاع يوميّاتها على الواقع المعاش ، فالمشاكل وآثارها لا يمكن لجمها في الجانب السوريّ خلف الحدود ، وما حصل من اضطرابات عاصفةٍ في ( الرمثا ) ، بسبب تجارة السلاح وتجّاره وسماسرته أجبر الحكم الأردني للإسراع إلى الزّج لا بالقوى الأمنيّة المدعّمة فقط ، بل بالجيش ودباباته للإمساك بالشارع وضبطه في منطقة مثلثٍ حدوديّ أردني ــ سوري ــ فلسطيني ( حيث الكيان الصهيوني الغاصب ) !!!


كلّ ذلك والحكومة السوريّة لم تبد رد فعلٍ محدد ، أوتتقدّم بأيّ طلبٍ معلنٍ إلى الحكومة الأردنيّة !! فكيف إذا أُخذ بالإعتبار الأمور التالية :


ــ إنّ الحدود السوريّة في ذلك المثلث هي امتداد لجبهة الجولان وعمقها ، وطريقها إلى دمشق العاصمة ، وتتمركّز في تلك المنطقة ، وجوارها الحورانيّ ، فرق من الجيش العربيّ السوريّ وأمنه منذ العام 1948 .


ــ أنّ سكّان الجانب الأردني من الحدود يعتمدون اقتصاديّاً ، وبعضه تهريب لا شرعي " أحياناً مسكوت عنه " ، وحتى في معاشهم اليوميّ يقصدون السوق السوريّة .


ــ مثلت سوريّة للأردن دائماً مصدر معونة أخويّة ــ واجبة لا متوجّبة ــ من الماء والدواء إلى القمح واللحوم ، وتلك حقيقة تُستدعى لا " لِمَنٍّ " أبداً ، ولكن للإشارة إلى واقع واجب اقتسام الرّغيف بين الإخوة ، في لحظة انهيارِ أخلاقٍ وقيمٍ سمحت بالخوض ــ ولو افتراضيّاً ــ في سود سيناريوهات التآمر من الأخ على أخيه ، وطعنه في الظهر، وشهر سلاح الغدر عليه !!! .


ــ وجود آلاف الطلاب من الأشقاء الأردنيين في الجامعات الرسميّة السوريّة " المجّانيّة " ، في حين يدفع الطلاب السوريون باهظ الأقساط في جامعات الأردن ، فالأردن رابح مرتين !!! .


ــ تجارة الترانزيت ، ونافذة الأردن الحقيقيّة لتجارته البحريّة ، طريقها الفعليّ عبر سوريّة ، ولا بديل في المستقبل المنظور .


لكل تلك الأسباب ، بين أُخرى ، ومنها ـ خاصّةً ـ الطبيعة الجيوـ ديمغرافيّة للبادية السورية في الباقي من التواصل السّوريّ ـ الأردنيّ ، فإنّ الحدود " السوريّة ــ الأردنيّة " تفقد كل إغراءٍ عمليٍّ لتسلل العنف الإسلامويّ المنظّم الفعّال إلى الأزمة السوريّة ، وأمّا التسلل الفرديّ فيبقى معزولاً ولا يعوّل عليه .


في الجزء الثاني يستكمل المقال رؤيوية استعراضه للباقي من الحدود السورية مع الجار التركيّ والشقيقان العراقي في الشرق ، واللبنانيّ في الغرب .

( يتبع ) .