السبت، 11 أكتوبر 2008

وقفة حوار مع د. دريد درغام.. في إطار موسع قليلاً و بمقارنةٍ مع أقلامٍ أصحابُها في موقع المسؤولية الإقتصادية وربّما في موقع القرار

بقلم الدكتور منير القـوي :
(..القسم الثاني .. ):
الجولة التحليلية البانورامية ،في القسم الأوّل ، بتاريخ 08/10/2008 ،كانت شبه مقدّمة ،وإطارـ مدخل، لوقفة الحوار مع الدكتور (دريد درغام) حول مقاله الغني بالدسم ، الذي قد يزيده المخض الحواري نقاءً ،فهو من عيار آخر ،وسوية أخرى ،رغم انتماء مدير المصرف التجاري السوري إلى محيط الفريق الإقتصادي ،بحكم موقعه ،الذي ربّما يقدّم الغنى في التنوع،حاجتنا الماسّة لتفكير نقدي ـ اقتصادي يستجيب للملِّح من التطور ،والرّد الإيجابي الدينامي للحالات الطارئة ،كالأزمة الماليّة الحالية ،ولرفض الإتكاء عليها واتخاذها مشجباً لتعليل ذرائعي وتعليق الفشل عليها،سبباً ونتيجة ،أمّا المسؤول عن الفشل فمغلوب على أمره ،وتستمر لغة :(ما كان بالإمكان إلاّ ماكان ،طبعاً بتواضع الفاشل المصطنَع الذي استبدل "أحسن" بـ "إلاّ" ). فإلى ( القسم الثاني ) :
تمنح بعض الكلمات في العنوان : (السحر، الساحر،المالية ،العالمية )،فضاء تخيّلي تقود بلا شعورية ،إلى استدعاءٍ ذكروي لمغارة (علي بابا والأربعين حرامي) !!
أمّا احترام مقدرة بيان لغة الضّاد ،والإستعارة البلاغية ،فردٌّ لكل مستبيح ما لا يستباح ،لغة الضّاد ،بدعاوى العلمية وعجزها ( لغة الضّاد ) عن التعبيرعمّا يقدمون من "جواهرعلمية"،فللعربية يكسِّرون ،ولروعة البيان ينتهكون ،وفي كل ذلك عن هزالهم اللغوي يصدرون ،لكِنَّ المكابرة ،وجهالة الجاهل ،تجعلهم يدّعون ويتّهمون ،وحين يُشار إلى أنهم يقولون ما لا يُفهم ،فبلغةٍ مماحِكةٍ ،واستنكارٍ تبريريٍ ،يجيبون: لماذا لا يُفهم كل ما يقولون ؟!!
قد يكون ذلك مفهوماً ومُبَرراً في مبارزات البلاغة ،وبعض مدارس الفلسفة ،ولكنّه ممنوع في لغة الأرقام ،وفي الإجابة المسؤولة ،وفي محاولة البتر التعسفيّ للنتيجة عن السبب ،لتمويه (مغارة علي بابا) ولصوصها ،لا ما استقرمنها في ظهرانينا فقط ـ وهو ليس موضوعي ـ أو "خارج الحدود" الذي يحاول وضع العالم في جرابٍ بلا قرار ،مفتوح على سراديب جهنميّة ،ما زالت تتسع وتمتد، مخلخلةً كل امكانية باستقرار اجتماعي ،وكلَّ أمل إنسانيٍّ في العيش بسلام .
مع التأكيد أنَّ الفصل بين بين مغارة (علي بابا) المحلية ، و(مغارة علي بابا) العالمية ،هو حلم بتحقيق المستحيل ،وقبض للريح ،وفعل الوهم بتغيير تيارمجرى النهر إلى بحيرته ،قد يُقام سدٌّ نعم ، لكن تغيير ممالات الإنحدار وقوانين العطالة والجاذبية ،فمستحيل إلاّ بتغيير واقع التضاريس .
وتقول "التضاريس الرأسمالية المعولمة الحالية "عبرالأزمة المالية القائمة ،تعبيرها المرضي المنذر،بخطورة وجديّة بوادرالإنفجار البركاي الإقتصادي المدمِّر ،لا المالي فقط ، والذي نجحت رأسمالية القرنين المنصرمين في تبريده آنيّاً ،نعم لقرنين ،وهي فترة جدُّ محدودة ،في عمرتاريخ التطورالإقتصادي الذي وُّلد مع ولادة جهد الإنسان في سبيل تأمين لقمته ـ الهدف ،والذي لم يتغير ،منذ ولادة تاريخ الإنسان وإلى يومنا ،وإنْ كان بأنظمة اقتصادية مختلفة ، منها النظام الرأسمالي الذي نعيش أزماته ،وإفلاس ايديولوجياته ،وخاصة في طبعتها الأخيرة ،الليبرالية "الجديدة" ،المستنجدة بآليات توأمها اللدود (الماركسية) ،في محاولة إطالة مسافة طريقها المسدود ،بطلب تدخُّل الدولة ، "البنت ـ الأداة" للأم (الرأسمالية) ،خاصة (الدولة الحديثة ) وإمكانياتها اللامحدودة .
وفي الوقفة الحوارية ،مع مقالة الدكتور (دريد درغام) التي غلب الطابع التنظيري على سياقها ،إنْ بالشكل ،وإن بالعمق ،مبنىً ومعنىً كما يقال ، وفي السؤالية المفتوحة على ردود شتى ،واجتها دات متنوعة ،تسمح بالذهاب إلى اقتراح حتى المتناقضات ،دون أنْ ينتقص ذلك من قيمتها ـ الهدف المأمول (الأمر يستدعي إقامة الندوات وتبادل وجهات النظر من أجل مستقبل أفضل لخدمة وطننا ولخدمة الإنسانية عموماً.) ، ومع كلّ الصدقيّة بنبل الطرح ، إلاّ أن بعض التردد يطلُّ برأسه ،ليس فقط من بين السطور ،ولكن أيضاً من الصياغات ،ووسطيّة بعض الإستنتاجات ،والإقتراحات ،واستعمال بعض المصطلحات خارج سياقها الزمني ،أو في قسرٍ راجع ،ربّما سهواً ،لاستعمالها قبل ولادة مفهومها :
أمثـلـة :
1*ـ قوله (ليس المقصد هو إثبات نظرية المؤامرة لأنه لا يعقل أن يكون كل ما يحدث مخطط له خاصة عندما تكون الضحية هي اقتصادات الدول المتقدمة ذاتها.) وكما هو واضح فإنني أبدأ من نهاية المقالة حيث وجدت في نهاية ( القسم الأول) ما وصفته (الغني بالدسم ، الذي قد يزيده المخض الحواري نقاءً) :
وهنا أسأل السيّد الكاتب (الدكتور دريد درغام) الذى استدعى نظرية المؤامرة ،التي خطرت له ،تفسيراً لمآل الأزمة المالية ـ النتيجة ،وهو استدعاء مشروع ،وتفسير لا يجانب الصواب كليّاً ،كما أسرع الدكتور درغام للإنسحاب منه ،بتفسيرٍ براغماتي ،على طريقة استغفار المؤمن من الشك ،وخوف الشِّرك ، أوليس في ذلك بعض الإرهاب الفكري الذي ينوء بكلكله على حرية تفكير المثقف ،ويضع سقفاً منخفضاً لقامته المُهددَة بالسيف ـ السقف : الإتهام الدارج لكل متسائلٍ عمّا يطبخ ،هناك خلف الأطلسي ،/ بمريض نظرية المؤامرة / في مصادرةٍ فجّة لكل قدرةٍ ،لا لإرادة مقاومة السياسات التدخلية الهمايونية النيوكولونيالية فقط ،بل وفرض قبولها ،ثقافويا ،قهريّاً ،تسليميّاً ،بلا نقاش ،فقدر العالم العولمة المؤمركة ،ومن لا يقبل يُسفّه ، ويُشيطن ،ويُرمى بالهوس ،وهو ما أجاده ،بكل أسفٍ ،وبانفلاتٍ ،مثقفوا المارينز (العرب) ،وبعض المفلسين من مستحاثات (اليسار السابق) الخارج مهزوماً من حقبة الحرب الباردة .
نعم هناك مؤامرة مبرمجة تقودها العقلية الرأسمالية المتوحشة ،ومركز قرارها "النيوكولونيالي المحافظ "المعروف المقرّ والقرار ،بنشاطها المضارب ،عبر البحث عن الربحية العظمى الممكنة ،وبلا سقوف ،هدف الرأسمالية البنيوي ،والذي لم يكن من همومه أبداً ،حاجات الإنسان أو المجتمعات ،متخلفها ومتقدمها ،على حدٍّ سواء ،بل على العكس ،ابتدعت وما زالت تبدع وسائلها ،لاستمرارها في تطوير فعاليتها ،للمزيد من الإستغلال ،وشفط ثروات الأمم ،ولم تدّخر سلاحاً :
من الإبادات المادية لأمم بكاملها ،بقوة آلة لحرب ،وبالعبودية المباشرة وعصور العبيد ،إلى الأمراض التي تهدد قارة بالموت المبرمج ،باحتكارالعلاج إمكانيتة ،والسماح به بمقدارمحسوب ،مفهوم لماذا ،وفي أيّ شروط : ( أفريقيا ومرض الإيدز وبرامج مكافحته) ،وليس من حاجةٍ للتذكير بمسلمة :( ليس لرأس المال وطن ) ،فكيف إذا كان قد تركّزحاضراً بمنظومة مالية ،وبورصات ،وصناديق ائتمان ،واقتراض وادخار ،واستثمار ،تتبع هيكليّاً وايديولوجياً ،مركزاً واحداً ،قطباً مسيطِراً ،قائداً مقرِّراً، ممتلِكاً كل وسائل الضبط والطاعة ،وآليات التنفيذ ، من "دولاره" إلى توأمي مؤسستي "بريتون وودز"،(البنك الدولي ) و( صندوق النقد الدولي ) ،إلى تُبّعه ومافياته ،إلى قوة ناره (مقالنا :السذج فقط يفاجؤون : حين يضيف قاطع الطريق صفة النصّاب إلى سجله ،على شامبريس أو الرابط http://www.dascsyriapress.net/ ومقالنا : إفلاس الإيديولوجية الليبرالية .على نفس الرابط ) ،إلى حريته المنفلتة في تغيير حتى أسسه ،وبنويته ،وأدواره ،بارادةٍ وسلطةٍ دكتاتوريةٍ كونيةٍ ،بدأ ممارسة بواكيرها منذ الحقبة الريغانية ،وجسّدها كاملاً بعد اجتيازه المنتصر /حقبة الحرب الباردة/ الذي توَّجه بأحادية قطبية ملكاً كونياً ،وحيداً ونهائيّاً ،فقد أنهى( فوكوياما) ،أحد عتاة منظريه التاريخ ،بانتهاء الحرب الباردة ،بمعادلة خوتاء : (لا صراع = لاتاريخ ،انتهى الصراع = انتهى التاريخ ) ،وصفق له العالم !! والمضحك المبكي أنَّ الفكرالسياسي المعاصر،قد وقع في خلط لا عقلاني ،ايديولوجيٍ ايماني ،بين السببية والوسائلية ،فالنظام الإشتراكي ومنظومته ،وبالتالي نظريته الإيديولوجيّة ،كانوا وسيلة الفقير المقهورالمُستغَّل ،تماماً كما هو ،ودائماً ،النظام الرأسمالي ومنظومته ،وكل نظرياته الإيديولوجيّة ،هم وسيلة وأدوات المُهيمِن القاهر،المحتكِر والمستغِّل ،فهل بسقوط إحدى الأداتين ،أوحتى كليهما ،يصبح صاحب الأداة عدماً وسراباً ولا وجود مادي حقيقي له ؟
مما يسمح بالسؤال المشروع ،والحقيقي : هل حقاً انتهت الثنائية القطبية ؟ أمْ عادت إلى مربعها الأول : قاهرمحتَكِر ومقهورمحتَكَر ؟ وعادت لتبرز بشكل جديد مع الرأسمالية الممركَزة المضارِبة ،صراعاً بين "رأسمالية متوحشة" مركزتها السياسات الليبرالية الجديدة ،وبقية العالم المقهور ،وبأعداد تزداد كمّاً وتتدّرج نوعاً ،أفقياً مرحليّاً،ولا توفِّر أحداً ،حتى شعوب الدول المتقدمة ، بما فيها الشعب الأمريكي ،فالسياسات التي انتهجتها الإدارات الأمريكية ،في حدود القارة الأمريكية ومنذ ماقبل إسقاط مبدأ (مونرو) ،وبعد اسقاطه بالتدخلية الأمريكية وفق إعلان الرئيس الأمريكي (ولسون) في 06/04/1917 دخوله الحرب الإمبريالية الأولى (المعروفة بـ "الحرب العالمية الأولى) ، وصولاً إلى إدارة المحافظين الجدد الحالية ،تطورت ،وطورت معها أدواتها ،وفي المركزـ النواة منها الدولة الأمريكية ، التي أصبحت في يومنا (سوبردولة) بروحيةٍ توسعيِة ،وأهدافٍ ما بعد امبراطوريّة ،تجاوزت وصف (الشركة متعددة الجنسيات )،إلى هوية( شركة عملاقة منفلتة الشراهة بلا جنسيّة ) ،لتحمل الآن اسم (المضارب المسلح حتى الأسنان ،والنصاب الدولي والقرصان الكوني بآن) ،بمحاولة استيلائها على ثروات المعمورة ،وما بعد المعمورة بغزو الفضاء ،في سباق ،لتأكيد هيمنتها على الأرض أولاً ،في مواجهة منافسين حققيين أو مفترضين .... وكلُّ الوسائل مُبَرَرَةٌ لتحقيق الهدف ،وهو قبل كل اعتبار (ربحي) لشركة اقتصادية مُعولمة عابرة للقارات ،وحدود الدول والأمم ،متمددة حدود المصالح ،كانت "يوماً" دولة الولايات المتحدة الأمريكية ،لتصبح في أيامنا غول مالي ـ اقتصادي ـ ربحي يستعمل الجيش الأمريكي بكل قوته الأسطوريّة في وظيفة شركة أمنيّة لحماية مصلحة الشركة المتغولة التي أصبحتها (دولة)الولايات المتحدة ،التي تفرض على العالم الأزمة المالية التي قادت المعمورة إليها ،بلا براءة ،وبابتزاز شمشوني ،يهدد النظام المالي ،والمصرفي العالمي ،واقتصاديات العالم ،بالإفلاس ،بسيطرتها على شبكة النظام المالي ،والمصرفي العالمي ،وبمديونيتها المرعبة الخارجية ( الديون الأمريكية الخارجية تزيد على 12 تريليون دولار أي ما يزيد على 90% من الناتج المحلي الإجمالي.حسب د.درغام ) ،فكيف وقد أضيف الآن أزمة مالية أمريكية المولد ،وإفلاس مؤسسات مالية ،وانهيار بورصات ، وتهديد ببوادر ركود وانكماش اقتصادي ، وربّما انهيار فجائي للدولار ،الشيك بلا رصيد ،خاصة بعد فقدان الثقة بمصدِّره ، بل أدهى من ذلك وألعن مآلا ،بوجهه الدراكولي النفطوي ،القبيح الجديد ؟!! وتلك نقطة أجدني مع الكاتب الدكتور (درغام) في إشكالية حسمٍ من قبله ،مبتوت قطعيّ من جهتي .
*2ـ في المقدمة ، والتي يبدو التفاؤل واضحاً في نبرتها ،والعزيمة على العمل ،بتواضع العارف بحدود ،وربّما بمحدوديّة ،الإمكانات المتوفرة ، وبعد طرح العديد من الأسئلة الوجيهة ،في إطارٍ محض نظري ،يصل الدكتور درغام إلى صبغ إمكانية الجواب على مجمل مقدمته بذات روحية التفاؤل (نحاول طرح بعض الأفكار حول نتائج هذه الأزمة لنصل أخيراً إلى آفاق نأمل من خلالها أن نحرض على نقل المناقشات في السياسات الاقتصادية والمالية إلى آفاق أرحب وأوسع من التساؤلات التقليدية والجامدة حول تأثرنا الآن من عدمه وغيرها من المماحكات التي تفتقد إلى الديناميكية اللازمة للإجابة والاستفادة من هذا النوع من الظروف).
بالتأكيد للدكتور درغام الحق بأن يكون متفائلاً ،وأدعو أن يكون "تفاؤله" مُعدياً ،وأن ينالني منه قبصة ، ولكنْ الرغبوية شيء ،وحقائق الواقع وإمكانياته وأدواته شيء آخر ، وبما أنَّ المقدمة أسئلة تضمنت تقريباً أجوبتها ،سأذهب مع الدكتور درغام على (موده ، كما يقول الأشقاء العراقيون) ،وسأجاريه بأسئلة ،ينقصها التفاؤلية ،وإن حافظ مسارها على منطقة الرمادي ،دون الدخول في السواد ،وإنْ شارفتها :
1ـ من هم هؤلاء الآخرون التي لم تسمح الظروف السابقة بالمناقشة معهم في وجهة النظر المطروحة ؟
2ـ أمن الداخل هم ،وهذا ما توحي به مجمل المقالة ؟ سيّما عندما يؤكد الكاتب لاحقاً في فقرة :توقعات ـ أسئلة أجوبة؟ و توصيات /على الصعيد المحلي/:(1. التركيز على الأزمة السورية الموجودة قبل الأزمة العالمية أساساً) ،وفي مكانٍ آخر يرجعها إلى أربع سنوات سابقة على الأزمة ،مما يسمح بالإستنتاج بوضوح أنَّ الدكتور درغام ليس على اتفاق مع وجهة نظر الفريق الإقتصادي الحكومي ،وإلاّ لما كان انتظرالأزمة "ليبق البحصة ـ السؤال" (هل يمكن الاستفادة من الأجواء الحالية لشرح وجهة نظر لم تسمح الظروف السابقة بمناقشتها مع الآخرين؟) ،ولما كان قد وصل بثورته إلى وصف ما يدور من المناقشات في السياسات الاقتصادية والمالية بالمماحكات التي تفتقد إلى الديناميكية اللازمة للإجابة والاستفادة من هذا النوع من الظروف ،داعياً إلى آفاق أرحب وأوسع من التساؤلات التقليدية والجامدة حول تأثرنا الآن من عدمه بالأزمة المالية الراهنة ،ورغم مافي الطلب من الطموح الغاضب ،الطموح بالوصول يوماً إلى استعمال العقل للإبداع لا للنقل ،والغاضب من النتائج التي تؤدي إليها سياسات الحَفَظَة النقليين ،في تكرار المكرر ،وتجريب المجرَب ،و ( عنزة ولو طارت ) ،إلاّ أنّه يتسم بالكثير من المثالية ،فالأزمة موجودة ،وكاتمة على أنفاس العالم ،وسورية والعرب من هذا العالم ،فتأثرنا بها محقق ،وربّما أكثر من البعض ،لأسباب بنيوية ،وعلليّة مزمنة ،ولانتماء جيوـ اقتصادي إلى الإقتصاد الطرفي المحيطي ،مما هو واقع لا يمكن تجاوزه ،إذا كنا فعلاً نحيا ونتنفس (مناخ قادر على الاعتراف بالإمكانات الموجودة دون تضخيم ) ،وهنا وأمام دعوة الدكتور درغام (لإيجاد مناخ مناسب ليس فقط لمقاومة الأزمة وإنما لرسم مستقبل أكثر قدرة على استقراء الأزمات والتعامل معها مسبقاً بدلاً من التعامل مع نتائجها بمنطق إدارة الأزمات ) .
أستأنف طرح الأسئلة ،حقيقة بتداع عفوي :
3ـ (مناخ مناسب ليس فقط لمقاومة الأزمة ) ،ليس فقط !! كيف ،وبماذا ،وسورية مأزومة اقتصادياً لأربع سنوات سبقت كما يقول الكاتب نفسه ،والآن تدهم الأزمة المالية العالم ،ولن تعفينا من مفاعيلها ؟٤
4ـ أمّا (رسم مستقبل أكثر قدرة على استقراء الأزمات والتعامل معها مسبقاً) ،فهنا يا دكتور اسمح لي ،مع مشروعية طموحك ونبل مقصدك ،بسؤال واقعي ،متشائم نعم ، من سيرسم ؟
فالفرد مهما أبدع ،فقد تعدّت حاجة الدراسات العصرية ،وفي كل مجال امكانيات الأفراد ،وإذاً : أين مراكز الدراسات الإقتصادية والمالية وسياسات النقد في سورية ؟ أتكلم عن مراكز دراسات علمية تقنية متخصصة، لا عن لجان وزارية (والعياذ بالله) ،ولا عن لجان سياسية ،قطرية أو قومية ،مع واجب الإحترام لكل جهد .
5ـ ثم كيف يكون (التعامل معها مسبقاً) ؟!!،إنه فهم اقتصادي طموح ،يمكن تسميته بـ (الحلول الإستباقية) ،على وزن ( الحروب الإستباقية ) ،واستعملت صيغة الجمع لأنّ المستقبل توقعي احتمالي وجلاّب ممكنات ،وإذاً بالله عليك هلاّ أفهمتني كيف تستطيع دولة ، حتى من عالم الأساطير، أن تقلب ،بكبسة زر، نموذجها الإقتصادي ،ومشاريعها ،وخططها ، /خاصـــة العشــــرية /،بالسرعة ذاتها التي تنهار بها بورصة ، أو تعلن مؤسسة مالية إفلاسها،حتى من الأوزان التي نعاينها ؟!!
6ـ أما بشأن التعامل بمنطق إدارة الأزمة : فهل التعامل وقف عند حدود المنطق ؟ أم تعداه إلى التعاطي التطبيقي ؟ فإذا كانت الإجابة على السؤال الأول بـ (نعم) ،فحمداً لله وكل الشكر ، مما يقتضي استطراداً استنتاج أنّ الـ (لا) هي الجواب على الثاني ، أما إذا كانت الإجابة معكوسة ، فسؤال واحد وحيد ، مشروع وشرعي طرحه: هل تمكنت اليابان أوفرنسا ،أو أوروبا مجتمعة من إدارة أزمة ـ زلزال بركاني ، لم يظهر منه حتى الآن غير الرأس ؟ فما بالك بسورية يا صديقي ؟ أنت الداعي إالى التواضع ،صاحب الدعوة (لإيجاد مناخ قادر على الاعتراف بالإمكانات الموجودة دون تضخيم ) ،ولكنّ انزلقت ثورة الطموح الغاضب إلى خطاب شعبوي تعبوي ، وهذا لا تتحمله الأرقام ولا جداول الإحصاء ،فمكانه علم النفس ،وفي باب /نفسية الإنسان المقهور/ ،لكنها روح الشباب الذي لم يحقق ذاته كما يتمنى ، رغبة وأماني ،وواقع إحباط مقيم ،وإلى وقفة أخرى .

ليست هناك تعليقات: