الخميس، 9 أكتوبر 2008

وقفة حوار مع د.دريد درغام.. في إطار موسع قليلاً وبمقارنةٍ مع أقلامٍ أصحابُها في موقع المسؤولية الإقتصادية وربّما في موقع القرار.. بقلم : د. منير القوي

( القسم الأوّل ) :

في الحقيقة إنني أتابع ،ككل مهتمّ ،معظم الأقلام ،خاصة السورية منها ،في تناولها للأزمة المالية العالمية ،ليس من باب انتظار الحل ـ المنقذ ،أبداً ،فلست واهم ،بل أعرف (البير وغطاه )!!،وأزعم أنني درست الأوزان والحجوم ، ولكن من باب رصد مواطن لمسؤوله ،وهو يقوم بعمله الوظيفي ،في بحث عن اطمئنان وطمأنينة عند الأهل ،واجب ابن تركهم إلى ديار الإغتراب .
وملاحظتي الأولى :
هذا البون الشاسع في السوية بين مسؤولينا ،وعلى كل الصعد ،الثقافية ،والمعرفية ،والإختصاصية حتى في ذات الإختصاص ،ولئن كان التنوُّع نبع غنىً بالمبدأ ،فإنه قد يصدِّر اضطراب قرارٍ ،بل وفوضويته على صعيد المسؤولية ، سيّما إذا انعدم التنسيق المفترض بين أعضاء الفريق الواحد ،لكن دون قبول الترداد المدرسي النسخوي ،فهذا دليل عقم ،وليس دليل صحة لانسجام . وحتى لانسترسل في مقدمة تنظيرية ، لا أظن أنّ من خلاف كبيرعلى مسلماتها ، سأدخل في الموضوع فوراً :
وهو شفافية (فريقنا الإقتصادي الحكومي) ،وبالتأكيد الدكتور (دريد درغام) ليس عنه ببعيد ،بحكم الموقع الوظيفي بتحديد التوصيف . وملاحظتي الثانية :
هذه الحماية الممنوحة لبعضهم ،باسم القرار السياسي ،و"قداسة المهمة النضالية"! التي يتصدون لها في مواقع المسؤولية الموكولة إليهم ،بحيث أنّ نقدهم أوحتى سؤالهم يصبح حرجاً للصحفي والكاتب ،وللصحيفة والموقع الإعلامي ،خاصة عند من دُجِّن ففهم الصحافة وظيفة بوقية لا رسالة ،ورقيب لا كلمة شجاع ،وموقف تدليس وانتهاز ،لا نصرة حق وإعلاء مبدأ ،بل وسورة عتب حكومي،وتوجع أبوي(أبو منيري )ـ من أجواء جلسة ساخنة لمجلس الشعب بتاريخ 02/07/08 حيث قال السيّد رئيس مجلس الوزراء معترضاً:(واعترض عطري على عبارة "حاميها حراميها" والتي تخص تهريب المازوت والتي قالها أحد الأعضاء في مداخلته حيث قال رئيس الحكومة :
أتمنى ألا تطرح مثل هذه الكلمة تحت هذه القبة لأن هناك العشرات من الشهداء الذين سقطوا وهم يتصدون للمهربين الذي يحاولون تهريب المواد المدعومة من قبل الدولة لوقف نزيف الاقتصاد الوطني )!!هكذا ،كشيخ قبيلة ، وككبير "العيلة"،ماسك العصا من نصفها ،حيث العواطف الرقيقة المتوجعة المُعاتِبة ، لا المسؤوليات المحددة دستورياً ،تصبح الناظم العلائقي في ممارسة المسؤول ،ـ ومفيد العودة إلى أجواء تلك الجلسة ـ نعم تلك هي السوية عند السؤال في مجلس الشعب ،فكيف بالمساءلة ؟!! لقد اكتسب بعض أعضاء الجهاز التنفيذي (بعض الوزراء) صفة العصمة ،فلا يُسألون عما يفعلون ،وإن سئلوا يعتبون ويتوجعون ، وقد يغضبون ويثورون !!
ومع كل محذور سيكون ما أسميه حواراً،صادق نابع من القلب وصفاء النفس ،وإنْ كان ضبط العواطف والإنفعال غير مضمون ،فلئن كان قلمي مشْرَط ،فمن معتاد المهنة التي منها أعيش (الطب) ،ولئن كان ساطوراً فمن موروث مهنة الوالد التي ساعدته فيها سنين ،ولست أدري أي توصيف ووصف سيحمِّله المُحاوَر ؟
وسأذهب أولاً إلى جلسة مجلس الشعب بتاريخ 08/10/08 :
ولنعاين سويّاً:(وعن الأزمة المالية العالمية قال "السيّد عامرحسني" لطفي (وزير الإقتصاد) :
الأزمة المالية العالمية لا تزال في مراحلها الأولى وأن الإجراأت والتدابير التي تم اتخاذها عالميا ً ستمكن من احتواء الأزمة بشكل بسيط وأضاف : برأيي الأزمة ستتفاقم خلال المراحل القادمة ولكن ذلك لن يؤثر على اقتصادنا السوري كونه لم يندمج في السوق المالية العالمية ومصرفنا المركزي غير مرتبط بالنظام المالي العالمي وإن الاقتصاد السوري متزن وغير متأثر لغاية الآن )،انتهى كلام السيد الوزير مع عدة أسئلة ـ تساؤلات مستدعاة ٍ باندهاش مستهجِنٍ، مأخوذ ببعض الغضب:
1ـ ماذا يقصد السيد الوزير بقوله حمّال الأوجه :(أن الإجراأت والتدابير التي تم اتخاذها عالميا ً ستمكن من احتواء الأزمة بشكل بسيط)، هل يريد القول أنَّ احتواء الأزمة سيتم بشكلٍ سهل بسيط ؟
أو أن كل الإجراأت والتدابير التي تم اتخاذها عالمياً لن ترُّد إلا جزئياً ،وبحدٍّ محدود بسيط أمام هول الأزمة ؟
فإمّا أنني لاأفهم مايُقال ،أو أنّ السيد الوزير يقول ما لا يُفهم !! فالكلام ضبابي حمّال أوجه ،حتى الإستدارة 180 درجة .
بل والآتي ،والله ،ألعن وقعاً ،وأنكى حضورا.
٢ـ فعلى ماذا بنى السيّد الوزير رأيه الشخصي "جداً" حين يجيب ،وتحت قبة مجلس الشعب :(برأيي الأزمة ستتفاقم خلال المراحل القادمة ولكن ذلك لن يؤثر على اقتصادنا السوري كونه لم يندمج في السوق المالية العالمية ومصرفنا المركزي غير مرتبط بالنظام المالي العالمي وإن الاقتصاد السوري متزن وغير متأثر لغاية الآن ) ؟ من يصدق هذا ؟ هل هي فعلاً هذه سوية إدراك السيّد الوزير لخطورة الأزمة النقدية العالمية ،ولمعنى الإرتباط ؟ وهل تلك هي سوية إحساسه "المسؤول" بخطورتها ؟ أم أنه يجيب على أسئلة ممثلي الشعب بخفة لا تعكس بحال من الأحوال واجب احترامهم التمثيلي ،بل تستهبلهم في طقوسية واجب الرد على موقع يشغلونه ؟
فمن يصدق أنَّ سورية لا تستعمل الدولار المتقلب ،والذي هو (أخطر الأسلحة "الأمريكية"على الإطلاق) كما يقول الدكتور درغام ،وليس وحده القائل ؟
ومن يصدّق أنَّ سورية تعيش في مدارٍ نقدي مستقلٍ ،وبالتالي في حصن اقتصادي مسوَّر ،يستورد ،ويصدِّر،ويتبادل ،ويسعِّر،على كوكب آخر ،وبعملة أهل المريخ أوعطارد ،خارج العولمة وتبعاتها ونتائج مفاعيلها ؟
ومن أين أتاه هذا التأكيد "الجازم القاطع الواثق" :أنَّ (مصرفنا المركزي غير مرتبط بالنظام المالي العالمي) ؟
ياسبحان الله ،هل الدولار الموجود كقطع أجنبي في مصرفنا المركزي يحمل دمغة خاصة ،أو علامة مميزة ،يعرفها السيّد الوزير كوديّاً ،ويجهلها كل العالمين ؟
ماهذا الكلام الذي إنْ لم يكنْ "لامسؤولاً" فهو يقينيٌّ من اللغوِّ الشعبوي بامتياز .
٣ـ ماهذه النغمة المعتزّة بحصون التخلف ودفاعاته : (،ومصرفنا المركزي غير مرتبط بالنظام المالي العالمي) ،ففضلاً عن الواقع الذي يدحض كلام السيّد الوزير،ومنطق الأمور الذي لايقرّه ،فمصرفنا المركزي يحتوي على الإحتياطي المدولر ،وإنْ جزئياً ،لكنْ أساسياً ،ككل خزائن دول العالم ،إذاً هومرتبط ،وإنْ بشكل لا مباشر ،بالنظام المالي العالمي ، وأمّا أنَّ اقتصادنا السوري لم يندمج في السوق المالية العالمية ،فذلك ليس مدعاة مفخرة ، إنه فرح السلحفاة التي تتعفف عن سباقات الخيول لكبوة فرس في السباق ،في مكابرة مضحكة ،تجنبها الإقرار بالعجز عن خوض غمار السباق ،فله ليست مؤهلة ،نعم يا سيادة الوزير،إنَّ اقتصادنا السوري لم يندمج في السوق العالمية ،لخللٍ بنيوي فيه وفي طبيعته، وعجزفي قدراته التنافسية وغيرها ،ولعمري :لم أسمع في حياتي اكتشاف إيجابية في التخلف والكسل ،بل ومفاخرة بها إلاّ عند السيّد وزير الإقتصاد ،وسابقه إليها ،السيد وزير المالية ،في مقال له قريب ،على موقع شامبريس ،والذي سأعود إليه .والآن لنسمع عضو الفريق الإقتصادي الآخر،السيّد (عبد الله الدردري ) نائب رئيس مجلس الوزراء للشؤون الاقتصادية ،مناقضاً سابقه ،ومزيد ،وفي ذات الجلسة ،يتوقع :(وتوقع "السيِّد" الدردري تفاقم الأزمة المالية العالمية خلال الفترات القادمة مؤكدا ً أن نتائجها على الاقتصاد العالمي والسوري ستظهر خلال الفترات القادمة) !!
إذاً: نتائجها على الاقتصاد العالمي والسوري ستظهر خلال الفترات القادمة ،! ،أين هذا القول من سابقه ،"الجازم القاطع الواثق" أنَّ ( ذلك لن يؤثر على اقتصادنا السوري كونه لم يندمج في السوق المالية العالمية) ،بتعليل عجائبي مدعاة للألم ،لا شبهاً له ،أجمل من مثَل السلحفاة السابق ، إلاّ للفرح اللامفهوم من الذي لم يرسب بالإمتحان كابن الجيران عاثر الحظ ، ببساطة لأن الفضل ليتمه ،وضنك العوز الذي حالا بينه وبين دخول المدرسة ،فما له ووجع الدماغ ،أميٌّ هو وبأميّته فرح !!
ورغم ذلك لاينسى السيّد (عبد الله الدردري ) نائب رئيس مجلس الوزراء للشؤون الاقتصادية إعادة تكرار الكوبليه ـ اللازمة ،وإن منفرداً وبلاجوقة ،عن الإنسجام الحكومي ،مؤكِّدا (أن سياسة الحكومة متكاملة ومتطابقة مع الخطة الخمسية العاشرة وأن الحكومة تعمل كفريق واحد) ،ولستُ أدري والله أين هذا الفريق الواحد ، ولست أدري أين وجه التطابق والتكامل ،في ضوء النتائج على أرض الواقع لسياساتها ،وانعكاسها على حياة الكتلة الشعبيّة ، اللهم إلا التطابق والتكامل في انتهاء صلاحية الحكومة ،في سياساتها الإقتصادية والإجتماعية ،وفشلها المجلجل في كبح تنامي البؤس ،واستشراس اخطبوط الفساد ،أمّا السياسة الخارجية الناجحة ،والدفاعية المدققة الواعية ،فلا أظن أنْ للفريق المذكور شأناً فيهما ،وقد اقتضى التنويه لأنّ السيّد الدردري أكَّد أنٌَ الحكومة تعمل كفريق واحد ،وحسناً فعل بقوله (كفريق واحد) ،لأنّه لو رماها قائلاً : أنٌَ الحكومة فريق واحد ،لأصاب مني ومن الكثيرين مقتلاً ،فالحمد لله جاءت سليمة ،وربّما من نوادر الصدف مع فريقنا الإقتصادي !!
والآن إلى العضو ـ الركن في الفريق ،وعينه الساهرة ،كما يقول السيّد الدردري :(أن وزير المالية يتابع الواقع المصرفي السوري العام والخاص بشكل يومي) ،ولنعد إلى مقاله المذكور أعلاه ،وكان بعنوان : /الأزمة المالية المعاصرة.. بقلم : د. محمد الحسين/ تاريخ 21/09/08 ،لنجد المدرسية ،والإيديولوجية ،والدعائية التسويقية في الخوف على "الزبون" العربي الشقيق،الذاهب إلى "الدكنجي" الآخر،(ولابد من الإشارة إلى قلقنا الكبير على الأموال العربية المودعة في المصارف والمؤسسات المالية الغربية وخاصة الأمريكية وكذلك الاستثمارات العربية سواء للأفراد أو للصناديق السيادية العربية أو شركات الاستثمار العربية في الغرب ... ونحن نعتقد أنها ستمنى بخسائر كبيرة وبالتالي فإن هذه الأزمة المالية كلفت الدول العربية اكبر بكثير مما كسبته من جراء ارتفاع أسعار النفط في الفترة الأخيرة )...!!!ويكمل (لذلك كنا ندعو دائماً إلى استثمار الأموال العربية في مناطق أخرى في العالم وخاصة في الوطن العربي ذاته ) ،وإنني لأستغرب والله حين أسمع عبارة :(الأموال العربية )!! فمن قال للسيّد الوزير أنّ الأموال التي يكنزها آل سعود ،وغيرهم من معظم (حرّاس الكاز) في المصارف والمؤسسات المالية الغربية وخاصة الأمريكية ،ما زالت أموال عربية ،أوحتى اعتبرت كذلك ؟ اللهم إلاّ إذا ذهبنا بالعبارة إلى حقيقتها :(الأموال العربية المسروقة) ،والتي لا يملك لصوصها من أمر إيداعها أوتحريكها أوتوظيفها ،إلاّ تنفيذ أوامر السيد الأمريكي ،الذي قرّعهم مؤخراً لتباطئهم بإظهار "فلتة حميتهم"الحاتمية ،كتلك أيام إعصار (كاترينا)الشهير.
ثم من قال للسيّد الوزير أنَّ تلك الأموال المسروقة يمكن أن تُيمِّم وجهها إلى أي صقع عربي ،إلاّ في الإطار التبعي الأعمى للسياسة لأمريكية وتوجيهاتها ؟!! ولعل أكبر الأثافي في مقال السيّد الوزير،تعليله التقني البدعة للأزمة المالية الراهنة !!(وهو ما يعد إحدى "مآثر" إدارة الرئيس بوش في المجال الاقتصادي , الذي ألهته شعارات الحرب على الإرهاب عن معالجة أزمات الاقتصاد الأمريكي مما أوصله إلى هذا الوضع الخطير ...) في فصل ميكانيكي قسري للنتيجة عن السبب ،وكأنّ الحرب وفلكية مبالغ مصاريفها ليست في صلب الأزمة ؟
وكأن عصابة الليبراليين الجدد ،ومنهم (بوش) ،ومجموعة كارتل المصالح النفطية ـ المالية ـ الصناعية الأمريكية ،وخاصة الصناعة الحربية المتوحشة لايريدونها للإستيلاء المبرمج على ثروات العالم ؟
فالسيّد الوزير يراها هفوة وتله من الرئيس (بوش) الذي ألهته شعارات الحرب على الإرهاب !! وإلاّ لكان العالم بلا أزمات لو لم يتلهَ (بوش) "العادل" ،/ياحرام يابوش/.
والسيّد الوزير في تعليله الفذ ينسف مقاله ،متناً ومقدمات ، بل ونتائج مرجوة .
كل الجولة التحليلية البانورامية تلك ،في هذا القسم الأوّل ،لأصل إلى وقفة الحوار مع الدكتور (دريد درغام) حول مقاله الغني بالدسم ، الذي قد يزيده المخض الحواري نقاءً ،فهو من عيار آخر ،وسوية أخرى ،رغم انتماء مدير المصرف التجاري السوري إلى محيط الفريق الإقتصادي ،بحكم موقعه ،الذي ربّما يقدّم الغنى في التنوع،حاجتنا الماسّة لتفكير نقدي ـ اقتصادي يستجيب للملِّح من التطور ،والرّد الإيجابي الدينامي للحالات الطارئة ،كالأزمة الحالية ،ولرفض الإتكاء عليها واتخاذها مشجباً لتعليل ذرائعي وتعليق الفشل عليها،سبباً ونتيجة ،والإستمرار في المقولة ـ المزرية :(كلّ الحقّ عطليان)،وغير الطليان ،أمّا المسؤول عن الفشل فمغلوب على أمره .... /المسكين !!!/،فإلى القسم الثاني لاحقاً .

ليست هناك تعليقات: