عجيب هذا العالم الذي يتفاجأ بالأزمة الماليّة المعولمة الحاليّة ،والأعجب ،هو لغة نفاق وتنافق ،بعض الأسماء الكبيرة ،من مراكز دراساته ،التي تدَّعي ـ تذاكياً ـ أنها أشارت ، وأنها حذَّرت ،مُسوِّقةً تشاطرالإكتفاء بالقراءة ـ الإجتزاء لنصف الآية ـ المثل :
(لا تقربوا الصلاة) !!،بإغفال التتمة المؤطِّرة للأمر ـ الحكمة :
( وأنتم سكارى)، في عدم الإشارة إلى شبه إجماعها على ( ولكنْ ) :
( لا طريق آخر ) سوى القبول والإستسلام للعولمة الإقتصادية ،وبقيادتها الأمريكية ،لا مع إدارة المحافظين الجدد الحاليّة فقط ، بل منذ الثمانينات من القرن المنصرم ،وقيادة الإدارة (الريغانية) ،أنذاك ،للمشروع الأمريكي التّوسعي ،المسلَّح بعتاد (حرب النجوم ) ،التي يتذكرها المسنّون منّا ، وقرأ وسمع بها الجميع .
حيث بدأ الإعداد لولادة منظمة أكثر كفاءة واستجابة ، تخلف "الاتفاقية العامة للتعريفات والتجارة" (الجات) والتي أنشئت في أعقاب الحرب العالمية الثانية، فكان العام 1995 تاريخ ميلاد ( منظمة التجارة العالمية ) التي لُخِّصت أهدافها ،بهدفين ـ شعارين ، بمنتهى النبل ""كالعادة (؟!!!)"" :
١ـ ( إقامة عالم اقتصادي يسوده الرخاء والسلام).
2ـ (نشوء عالم اقتصادي مزدهر يتمتع بالسلام ومسؤل بصورة أكبر).
ومن نشاطاتها ـ المهام ـ الهدف :
المساعدة في سريان وتدفق التجارة العالميّة بسلاسة ،وبصورة متوقعة وبحرية.
وتقوم المنظمة بذلك عن طريق:
(١ـ إدارة الاتفاقيات الخاصة بالتجارة.
٢ـ التواجد كمنتدى للمفاوضات المتعلقة بالتجارة.
٣ـ فض المنازعات المتعلقة بالتجارة.
٤ ـ مراجعة السياسيات القومية المتعلقة بالتجارة.
٥ـ معاونة الدول النامية في المواضيع المتعلقة بالسياسات التجارية من خلال المساعدات التكنولوجية وبرامج التدريب.
٦ـ التعاون مع المنظمات الدولية الأخرى.).
بالإرتكاز على البندين الرابع والخامس ،أعلاه ،وقبلهما :
بتكريس السيطرة السياسية ـ الإقتصادية الأمريكية ،منذ الحرب الإمبريالية الثانية ( الحرب العالمية الثانية ) ،على المحميّتن الأمريكيتن الكبيرتين :
آـ أوروبا الغربية : التي وضعها (مشروع مارشال) على سكّة التبعيّة والتطابق ،لا التعاون والتكامل فقط مع المشروع الأمريكي ،بل في وضعية التبعيّة له بلا مواربة .
بـ ـ اليابان : كمشروع اقتصاديّ بحتْ ، منزوع السلاح ، تحت الحماية والتوجيه السياسي الأمريكي المباشر في بعض الأحيان ،واللامباشر في بعضها الآخر ،عبر السيطرة على الحياة السياسية اليابانية ،وعلى القرار السياسي الياباني " المستقل".
جـ ـ بمحاولة السيطرة والتوجيه ،بل والتدجين ،للنمور الإقتصاديّة الآسيوية ،بتحديد المواصفات ،وتقنين سياسات المنافسة والتصدير والتسعير،وتكتيكات سياسة فتح أوإغلاق الأسواق ، وخاصة الأمريكية ،بوجه هذا المنتوج أوذاك ،وهو "حقّ أمريكي حصري" غير مباح لأيِّ عضو آخر في ( منظمة التجارة العالمية )، الحرّة بالطبع ،كما مارسته الإدارة الأمريكية مع مادة الفولاذ اللاأمريكي/استيراداً/ ومع مادة اللحوم الأمريكية /تصديراً/، برغم أنها مرفوضة المواصفات صحيّاً ،في المجتمعات التي دعت إلى مقاطعة مادة اللحوم الأمريكية بسبب الأعلاف المهجنة ،وإمكانية الزيادة ،المثبتة علمياً ،في نسبة الإصابة بالسرطان لدى مستهلك تلك اللحوم .
وبالتأكيد ،كلّ السياسات مباحة للسيّد الأمريكي المهيمن ،فإنْ لم تفلح "سياسة الجزرة" باليد الممدودة ،فـ "سياسة العصا" جاهزة باليد المرفوعة ،ووسائلها تتدرج :
من لعبة الدولار ،والسيطرة الرقابيّة على النظام المصرفي العالمي ،وحركيّة مدّخراته وسيولته وتنقلاتها ،وحجوزاتها المسيَّسة ،إلى التخريب لاقتصاديات المجتمعات اللامدَّجنة ،بدسِّ "العملاء /الموضوعيين/ المُعَدِّين"،تأهيلاً وثقافة ،وذهنية مستلَبةً ،مبهورةً بالنموذج الأمريكي ،وبريقية حلمه (البروباغاندي) الهوليّودي ،كخبراء ومخططين وكبارموظفين ،وحتى حكومات ،ببرامج مكتبيّة ،غارقة في مماحكات التنظير،والإرتكازالسلبيِّ على ذريعة "أسلوب نموذج فشل في تحقيق أهدافه المتوخاة "،ليتقدموا بالوصفة الجاهزة ،التي لا تقف عند إعادة النظرفي الأسلوب ومعوقاته ـ العثرات فقط ،بل تتعدّى ذلك إلى نسف النموذج كلياً ،وخاصة إيجابيّات بعض منجزاته ،وصدقيّة أهدافه وتوجهاتها ،في حملة حقد أيديولوجي مسفهة مشيطِنة ،في إعداد مبرمج لانقلاب على الثوابت ـ الأهداف ـ التوجهات ـ الموجِّهات، منفِذين لسياسات توأميّ مؤسستي "بريتون وودز"،(البنك الدولي ) و( صندوق النقد الدولي ) ـ الحالة المصريّة نموذجاً في الإنقلاب المستمرـ الساداتمبركاوي ،على مصر العربية الناصرية ـ ،فإلى الحصار الإقتصادي بدرجاته المختلفة الشدّة والإنتقائية ،بإصدار القرارات الدولية ،باستخدام أنظمة وهيئات منظمة الأمم المتحدة ـ ( التي تبدو متحدةً في بُعْدٍ واحد : هو تنفيذ الأمر الأمريكي ،واتباع المشيئة الأمريكية ،بعلاقة عابدٍ ومعبود ،عبْدٍ وسيّد ) ،وصولاً إلى استخدام القوة المسلحة وشن الحرب ،تحت عاصفة من الأكاذيب والتضليل ،والزنى الأخلاقي بالأهداف الإنسانيّة الساميّة ،ودعاوى الدور الأخلاقي الأمريكي التحريري ، التحضيري ،التنويري ،وهو في الحقيقة صخب استعملت فيه آلة الإعلام العصرية الجبارة ،الممتلكة أمريكياً بلا منازع ،لتغطية سلوكيات (قاطع الطريق) ،الكاوبوي المرضي السلوك ،بعنجهيته ،وجنون كليّة عظمته ،واحتكامه لمرجعية جبروت قوته ،التي هي وحدها صاحبة القرار الفيصل ،في المسموح والممنوع ،فيما هو "عدل" وحقّ ،وما هو "ظلم" وباطل ،في فيلمه الحيّ المستمر ،في عربدته ،وصلفه ،على مسرح العالم ،منذ /الحرب الإمبريالية الثانية / ، في فلسطين وفييتنام وكوبا وتشيلي ونيكاراغوا وبنما وغرينيلاند وأفغانستان وصولاً إلى ""السطو المسلح الوصوف"" في الغزو الهمجي الأمريكي ـ التُّبعي للعراق واحتلاله ،وتهشيم دولته ،والمحاولة المستمرة لتفجير مركّب مجتمعه ، ومحو تاريخه ،وانكار هويته أو وحدتها وتكامليتها ،في أضعف الهدف السطوي ـ اللصوصي ،المتعطش لمخزون (النفط العراقي ـ الكنز) ،هدف السطو الذي ما عاد يختلف في الإعتراف به أحد ، حتى من العتاة في إدارة المحافظين الجدد ،وأذيالهم على خريطة العالم المؤمرك .
وما غيّر ،ولن يغيّر في وصف السطوالآمريكي المسلح على الكنز العراقي :لا قرارات " مجلس الأمن !!" الذي لعب دور " المحلل الشرعي المزيف " لاغتصاب موصوف :لسيادة دولة ،هي (العراق) ،وحرمة مجتمع ،هو(مجتمع العراق) ،وجريمة ابادة جنسٍ ،بتعريف الشرعة الدولية ،وبعرف القيمةالإنسانية ،هو(شعب العراق) .قاطع الطريق ـ اليانكي هذا ـ كشف عن سلوك آخر ،هو مكشوف منذ ستينات القرن الماضي ،وخاصة بعد ماعُرف (بالفورة النفطيّة) في سبعينيّاته ،ولئنْ كان متدثراً بشفّاف الدثارأنذاك ،فقد أصبح مع الأزمة المالية الحالية ـ الكارثيّة ـ الجريمة: (عملية نصْبٍّ) كاملة الوصف والأوصاف ، فـ ( جامع المال ) العالمي ـ الأمريكي، الذي لا يخجل من إعلان مديونيته ،الأعظم والأفظع في التاريخ ، والتي بتموضعها في المنظومة الإقتصادية المعولمة ،بالقيادة القسرية لـ ( جامع المال ) العالمي ـ الأمريكي،شكلت وتشكل أداة ابتزاز و/تشبيح/،وفرض /خُوَّة /،مشرعنة بقبولها الإكراهي ،من قبل منظومة الجبن الإرادوي السياسي ،لأنظمة التُّبع الزبائني ،والشرييك الهامشي ،في الجبنة المسروقة ،من جهد وحقوق الشرائح الشعبيّة في العالم ،كل العالم ،بشرقه وغربه ، بشماله وجنوبه ، وإن بتفاوت النسب ، وحديّة التمظهرات ،بتنوع الأساليب ، واختلاف المواقع والأهداف والموارد والإمكانيّات .
هذه المنظومة التي أعلنت تبعيتها ،وأسلست قيادها للقرار الأمريكي ، لفتت النظر ، ونبهت ، إلى السياسات الماليّة الأمريكية اللامسؤولة ،وإلى مخاطرها ، على المديين ،القريب والبعيد ،ولكنها لم تفعل شيئاً ( الموقف الألماني منذ سنتين ،مثالاً ) ،وكأنها بموقفها تحاول تبرئة الذمّة من مسؤوليتها عن الكارثة ، وهو جهد أخلاقوي عقيم ومكشوف ، لن يعفيها من المسؤولية الأخلاقية والقانونية أمام شعوبها ،ولا من " المَكْس" المجبرة على تأديته خوَّة مقررةً عليها من قائدها :
(السيّد المطاع المهيمن)،( القطب الأوحد ) ،(إله الحرب وناموس الحياة !!) ،(إمبراطور الشركة المتعددة الجنسيّات ،العابرة للحدود والدول والقارات )،( جامع المال العالمي العملاق) ،(مدير النظام المالي العالمي ،وشبكته البنكية الإخطبوطيّة ) ،هذا (الكائن الخرافي الكونيّ ) ،قاطع الطريق الوقح ، والنصّاب ، يطالب العالم بأسره ،بوقاحة المجرم وصفاقة السوقي ،أنْ يساهم في الغُرم ـ الكارثة ،النتيجة ـ الأزمة لممارساته اللامسؤولة ،المتوحشة المنفلتة من كل ضابط ،واضعاً العالم ،كلّ العالم أمام خيارات ،كلها أسوأ من السوء :
ــ فإمّا دفع الـ (خوّة) ـ المكس طوعاً ، من جيب دافع الضرائب الصغير(فالكبير في وول ستريت ودكاكينها التابعة لا يدفع عادة)،ومن القوة الشرائية لدخله المتدني ، ومن صناديق الإدخارالتقاعدية ، وحسابات إيداع التنمية المستدامة ، والصناديق التعاونية للصحة ومكافحة البطالة ،والإدخار السكني ، إلخ ... هذا في البلدان المتقدمة . أمّا في بلدان العالم (الآخر) فبمزيد من تكريس سياسات الفقر والجهل المرض ، وفي قسمها ذو الإقتصاد الريعي ،فبمزيدٍ من القضم لكتلتها المالية ،المودعة بين بنك غربي يتلاعب بها ،وبورصات طرفية تابعة ، هي في حقيقتها نوادٍ للقمار ،للاعبين حديثي النعمة ،وجهلة ، يصدّقون كذبة أنهم :رجال مال وأعمال وبورصات ،وهم في الحقيقة شلة مقامرين هواة ، والمبالغ الفلكية الضائعة منذ بداية الأزمة الماليّة ،التي لاناقة لهم فيها ولا حمار ،إلاّهم ، شاهد ناطق وبرهان .
ــ وإمّا استمرار إعلانات الإفلاس للصناديق والبنوك الأمريكية ،في ابتزاز سافر للنظام الإقتصادي العلمي ،المعولم ، المدولر،والذي بالضرورة سيتعدى (وول ستريت) ،بحكم الإرتباط والتشابك ، والمديونية الأمريكية المرعبة ،التي تأخذ بخناق اقتصاد العالم رهينة ،بالتلويح باشهار الإفلاس ، هذا القانون المسنون على يد (النصّاب ـ جامع الأموال) سلاحاً احتياطيّاً ،ورداً قانونياً، يُحِلُّهُ من كل مسؤولية ،أوالتزام تجاه كل صاحب "حقٍّ" عنده .
والمفارقة : أنّه في ذات الوقت الذي تنفجر الأزمة المالية ـ الأمريكية ،بامتيازالحصريّة ،تسجل العملة الأمريكية ارتفاعاً في البورصات العالمية ،في عملية توريم مدروسة لإعادة تقييمٍ مبالغة لأصول المؤسسات الأمريكية المفلسة أو المهددة (على طريقة حلّ الملاح في أزمة معمل الديري ،فهل خلف المحيط ،من سمع بعبقريته ؟ !! مع أنني أميل إلى الرأي :أنها تقنية نصْبٍ معروفة ،استعملها صاحبنا ،وليس لها من المبدعين ) ،وبالتالي :
إعادة توزيع الحصة السهمية ،في العقار الأمريكي والبورصة الأمريكية بالتقييم المضخّم الجديد ، وعلى الدولار الورقي ،المطبوع بلا أية تغطية ، إلاّ الثقة بمهارة الطابع ، و""شطارته "" ،وقوة موقعه وسطوته ،تولي سلب خزائن العالم التي تعتمده رصيد قطعها الأجنبي ، وهو بكل بساطة (شك بلا رصيد) ،إلا لونه الأخضر ،وصولة وجبروت طابعه الأمريكي الرسمي ، دون الإشارة إلى مطابع المزوّرين .
وأخيراً : وأيّاً كان قرار المشرِّع الأمريكي الذي يحبس أنفاس الإقتصاد العالمي المعولم ،وحتى في حال إقرار مبلغ الـ 700 مليار دولار ،وهي بعيدة جداً وتافهة ،بالمقارنة مع المبلغ الذي قدّمته دراسة الإقتصادي الأمريكي ،"جوزيف .ي . ستيغليتز"، حامل جائزة نوبل ،ومستشار الرئيس الأمريكي السابق (بيل كليننتون) في كلفة الحماقة البوشية بغزو العراق،والمنشورة بعنوان : ( الحرب التي ثمنها 3000 مليار دولار) ،فإنها لن تقدم إلاّ حقنة مهدئة مسكّنة ،لسرطانٍ ميؤوس من شفائه ، ومن إنقاذ مريضه الهالك ، ربّما للسنة الآتية لمعاينة النتائج ولإعادة التقييم ؟
وربّما لأقل من ذلك إذا نجح الواعدون بانتهاء أحادية القطبية ،في ترجمتها تعددية قطبية ،لا سياسياً فقط ،ولكنْ مالياً واقتصادياً أيضاً ، وإلاّ فكل مانسمعه لا يتعدى التهويش والحرب النفسية ، من نوع طمآنة الخائف لنفسه ،وتحذير الوحش ،أو وعد الجائع بالطعام بقرعٍ خادعٍ على قدور فارغة ، وهو التحليل الذي لا أهمل احتماليته الضئيلة على المدى القريب ، ولكنه بالقطع لا احتمالية له ،لا على المدى البعيد فقط ، ولكن على المتوسط الذي لن يتعدّى 5 ـ 8 سنوات ، فترة رئاستين أمريكيتين .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق