الأحد، 19 أكتوبر 2008

وقفة حوار مع د.دريد درغام.. في إطار موسع قليلاً وبمقارنةٍ مع أقلامٍ أصحابُها في موقع المسؤولية الإقتصادية وربّما في موقع القرار(القسم الرابع)..


(القسم الرابع)..
بقلم : د. منير القــوي

أتابع الحوار مع الدكتور (دريد درغام) محاولاً الإجابة على بعض أسئلته ـ التساؤلات ،بقدر استطاعتي ،ومن متابعة تداعيات الأزمة النقدية ،بحكم وجودي على ضفة الأطلسي الشرقية ،حيث كان للرئيس الدوري للإتحاد الأوروبي ،الرئيس الفرنسي ( نيكولا ساركوزي ) مبادرته المبكّرة ،وتنظيم الإجتماعات الثنائية ،والرباعية ،والعامة لأقطاب (منطقة الأورو) زائداً بريطانيا ،في محاولات الخروج بحلول ـ وصفات لفرملة كرة الأزمة المالية المتدحرجة ،كبلدوزر بلا مكابح ،بدأ أمريكيّاً ،وتمدد قاريّاً ليأخذ طابع العالمية ،في شبكة نظام ماليٍّ معولم مؤمرك ،ممسوك ،حتى ساعته ،بتوأمي "مؤسستي بريتون وودز":( البنك وصندوق النقد الدوليين ) ،وبأنظمة منظمة التجارة الحرّة (العالمية) ،وبالدولار ـ الدكتاتور ، وبمبدأ التبادل الحرّ ، المقدس ليبرالياً ،دون ادِّعاء كماليّة الرّد ،بل بابتعادٍ عنها ،يتساوى عكسيّاً مع ادِّعاء مالك الحقيقة ،من برج عليائه المقلوب ، وتجنباً للوقوع في المونولوج ،ومناجاة الذات ،بل والإستغراق فيها ،سأسمح لنفسي بطرح التساؤل ،ونقله إلى صيغة السؤال المباشر للكاتب ،أمام كل عجز في التلقي ،وسبحان الكامل ذو الجلال .
اليوم والإجتماعات الأوروبية اكتمل انعقادها ،وبانت بعض مقرراتها ،وطبقت قراراتها بضخ مئات مليارات الدولاراب ، بل أكثر ( المانيا :450 مليار أورو ، فرنسا 360 مليار أورو ،بريطانيا: 200 مليار استرليني ،إيطاليا :مبلغا مشابه ، وبقيّة دول منطقة الأورو ،والتي ضخت في شرايين النظام المصرفي العالمي ما يزيد على ضعف المبالغ التي ضختها الولايات المتحدة الأمريكية ) ،بالإضافة إلى تدخل الدولة التي أسرع إليها الجميع ،بالتأميم ،والضمانات للودائع ،وللإقتراض بين البنوك ... إلخ ... يكمل الرئيس الفرنسي ،السيّد ساركوزي ، الرئيس الدوري للإتحاد الأوروبي ،حركته الدينامية المعروفة ، فيدعو إلى اتفاقية أوروبية ـ كندية ،مستبقاً اجتماعات الفرانكوفونية ،التي رأسها في ( مونريال،العاصمة الكيبيكيّة) في (كندا ) ،والتي دعا أنْ تتجاوز بعدها الثقافي ،إلى تشكيل منظومة سياسية ، وبالتالي اقتصادية ـ سياسية ، لها دورها في صياغة السياسات العالمية ،ومنها الإقتصادية ،
مع سؤالين لا يجانبهما المنطق ، مع أنّ رائحة ( الرشوة) تفوح من وجبتهما ( الملغومة) :
فقد تساءل الرئيس ســاركوزي ،وسأل ،أمام مؤتمر الفرانكوفونية :
1ـ كيف يمكن تصور " مجلس أمن دولي " يقوم على حفظ السلام العالمي ،وليس فيه عضو دائم أفريقي أو آسيوي ؟ والسؤال هل هو جادّ ؟
أمْ يستغبي الآخرين ؟ أمْ يحرج الأعضاء الأربعة الباقين ،أصحاب حق "الفيتو" في مجلس الأمن بظهوره المدافع عن عدالة عالمية جديدة يجب أنْ تولد على أنقاض عدالة متهالكة بتراء منذ ولادتها ،مع منظمة أمم متحدة ،أداة لتنفيذ سياسات ومصالح المنتصرين ،في أعقاب الحرب الإمبريالية الثانية (الحرب العالمية الثانية)؟
2ـ كيف يمكن صياغة سياسات "عالمية"!! اقتصادية وماليّة ، بغياب عمالقة اقتصاد صاعد كالصين ، الهند ، روسيا ، النمور الآسيويين ، جنوب أفريقيا ... إلخ ....... ؟!!
أيّاً كان الهدف ،فهو اعتراف بإفلاس أخلاقي قبل كل شيء ، وبخلل بنيوي أساسي بالتالي ،لنظام عالمي ،لا عادل ،ولا إنساني ،وصل إلى مرحلة التوحش الديناصورية المنبعثة تغوليّاً ،بغريزية بدائية الوحش ، وتقنيّة الكومبيوتر ، فأيّ وحش خرافيّ مُهجَّن ؟ !!
وأيَّ كائن اسطوريٍّ مؤتمت ؟!! إنّه بحقٍّ (فرانكشتَيّن) الذي تخيّلوه ، لكنّه واقع معاش بكل أسف .
وبوصول الرئيس الفرنسي ،السيّد ساركوزي ، الرئيس الدوري للإتحاد الأوروبي ،إلى (كامب ديفيد) ،واجتماعه بالسيّد (بوش) الرئيس الأمريكي ،والبدء بطرح شعار (الرأسمالية الديمقراطية !!) من فم الرئيس (ج .و.بوش ) ،مُعدّلاً الشعار الساركوزي (الرأسمالية الإجتماعية الرسالية !! ) ،//مما سيكون لنا معه وقفة في مقال مستقّل ،وربّما أكثر من مقال ،مع الإيديولوجية أو الإيديولوجيات الجديدة وصراعها المأزوم ، عقمها ،تبريريتها ،تناقضها ،وتناقضيتها،وخديعيتها ،والمصير المحتوم // .
وبعد استعراض تبسيطي لتطورات المساعي للجم تداعيات ومفاعيل الأزمة المالية العالمية ، ومؤشرات التعثّر ، بين البورصات المتأرجة ، والمغلقة غالباً على انخفاض ،لتفتح على ريبة وترقب واهثزاز ثقة ، وعودة التلاعب بأسعار المواد الأولية والتسعير وسياسة سلاح الدولار ،في ذات لعبة تصدير أزمة"" رأسمالية المركز المهيمِن ""المعروفة ، إلى عنق الحلقة الأضعف ، الاقتصاديات الريعيّة للبلدان الطرفيّة التابعة ،المنهوبة ،والمعدة بنيوياً اقتصاديّاً ، وجيوسياسياً بالخاصة ،للعب دور الإسفنجة الممتصة ، و"خرقة " التنظيف ،أو ببساطة "" الممسحة "" لا لأرض السيِّد وقصره فقط ، بل ولحذائه أيضاً ،وربّما لما هو ألعن في دورات مياهه المعطرة !! .
نعم يا دكتور دريد درغام ، هذا هو ( أثر السياسات الأمريكية على الدول النامية) ،فهل تستطيع تلك الدول ،ومنها سورية بالطبع ، حماية نفسها ، ولو جزئيّاً ، من آثار أزمة المال العالميّة ،وما يبدو في الأفق من ركود اقتصادي عالمي ،بدأت بوادره ،أولاً على النشاط الصناعي في المركز الأسمالي ، صناعة السيارات مثلاً ؟ !!
وكيف ؟!!
وبامكانيات جدّ متواضعة ،نسبيّاً ، لبلد بحجم سورية اقتصادياً وماليّاً ؟ !!
فمع كل الإتفاق على تشخيصك في فقرة( ملامح الوضع السوري ) من مقالتك ،وكل التوقعات الإفتراضية الواقعية ،أجدني جدُّ متشائماً ، ومتسائلاً عن واقعية اقتراحاتك وتوصياتك ـ الحلول ،أو تصوراتها ،في فقرة ( توقعات ء أسئلة أجوبة؟ و توصيات ) من مقالتك ، تسأل أوتتساءل :
3ـــ ( لماذا قبلنا بسهولة تبرير رفع أسعار المواد الغذائية والأولية والصناعية بسبب ارتفاع أسعار النفط؟) ؟!!
ــ ( لماذا لا نطرح الآن التساؤلات المتعلقة بعدم تخفيض الأسعار مع انخفاض أسعار النفط؟ ) ؟ !!
ــ لتصل بعد تحليل تقني إلى السؤال :(ويبقى السؤال الدائم ما هو الحل؟) ؟!!
ورغم المحاولة الطموحة للإجابة ،والتي تختلف الآراء حولها من (تكبيل الأسواق والمؤسسات المالية وإعطاء السلطة المطلقة للمصرف المركزي أو لأية جهة مركزية رقابية أخرى ) ،وقطعيّة ردِّك النافي ،وهذا اجتهادك وحقّك ،والذي خالفته كليّاً ،قرارات المركز المالي الرأسمالي المقرِّر ،صاحب الأزمة والمتصدي لحلّها ،بالرقابة الصارمة للخزانات المركزية ،بالتأميم حتى (بريطانيا!!التتشرية اقتصاديّاً) ،وبالضمانات المفتوحة بلا سقف لصناديق الإستثمار والإئتمان ( المانيا ،اقتصاد السوق الإجتماعي ) .....إلخ ...... يبقى في منتهى التواضع والإيجابية الحوارية قولك ـ الدعوة :
( وفي جميع الأحوال تبقى مختلف النقاط الواردة في هذا المقال مجرد تحريض لمزيد من الحوارات من أجل بلورة نظام وإيقاع اقتصادي أكثر عقلانية وأكثر إنسانية. خاصة وأن الضوابط التي وضعت على الدول النامية لم تكن كافية لضبط فلتان الدول المتقدمة.) .
سأختصر قولي ""اللاجواب"" ،على الأسئلة ـ التساؤلات للدكتور درغام ،بسؤاله :
من المؤهل أكثر ـ افتراضيّاً ـ للإجابة ؟
أليس هو ،ومن مثله ،في موقع مسؤولية القرار المالي والإقتصادي ؟ !!
بالتأكيد لديّ رأي ـ محاولة إجابة ، ولكنْ في فمي ماء ،كما يقال ، وماء علقم ،يبقى في الحلق ،لا يبتلع ،مع سياسات الفريق الإقتصادي الحكوميّ العجيب ،"" فريق الكراريس الهالكة ،والوصفات الفاشلة المؤذية ،والمصرِّ ،على شعار :( لا أرى ، لا أسمع ) ،وليت ذلك فقط ، بل و ( لا أفهم ) أيضاً
أخيراً :
وبكل الإحترام ،سأترك للدكتور ( دريد درغام ) ،الإجابة على أسئلته ـ التساؤلات في نهاية مقاله ، وعلى الصعيدين : العالمي والمحلي ، وإنْ كانت الإجابات متضمنة ،وبوضوح في صيغة السؤال وطريقة طرحه ، وهذا يثبت وجهة نظري ، أنّه الأجدر بالإجابة : فببساطة هو في مطبخ القرار ، وأدرى بمفردات محتوياته ، وإنْ أجاب فمن موقع العارف المطّلع ، ومن موقع المسؤول ، أمّا أنا ،فمن موقع المحلِّل ،اللاحق الحدث ، لا صانعه ، فضلاً عن أنّه : "" في فمي ماء "" !!!
لكنَّ نقطة أساسيّة تستوقف ، وأظن أنَّ في التوجه إليها ،بوضعها الحالي ،هو من نوع البناء على الرمال :بالذات في الفقرة ( ب) :(الاستفادة من الفرص النادرة الناجمة عن هذه الأزمة من حيث:) من (على الصعيد المحلي:) :
1(. استخدام الظروف الحالية من أجل شرح أكثر وضوحاً لمختلف دول العالم التي لم تكن تفهم وجهة نظر سورية في مواجهة العقوبات والحصار الاقتصادي. والتأكيد على أن ما نشهده حالياً هو الحليف الأكبر لنا عند تنشيط الإعلام والندوات والملحقين التجاريين في مختلف سفاراتنا للتأكيد على أن الحوار هو الأساس والخيار الأفضل لحل جميع المشاكل. ) :
مشروع وضروري (شرح أكثر وضوحاً لمختلف دول العالم التي لم تكن تفهم وجهة نظر سورية في مواجهة العقوبات والحصار الاقتصادي.)،أمّا الوسيلة التي طالبتها بالقيام بتلك المهمة ،فهو البناء على الرمال :
1 ــ فالإعلام الرسمي لدينا ،خاصة ،ينوء بأسباب عجزه ، لغة الستينات ، ويقنيّة الإيديولوجيا ، والحديث إلى الذات ، وفي أحسن الأحوال لأصحاب ذات الرأي ،بنوع من جزميّة الرأي وقطع كل إمكانية حوار ، ببساطةٍ ،لغة إعلام شعبويٍّ تعبويّ ،قد تصلح لحشد قطيع ايديولوجي يقيني ، ولكن بالقطع لا تنفع لغة حوارٍ مع مختلفٍ ، فكيف بمخالف ؟ !!
2ـ أمّا تعويلك على (الملحقين التجاريين في مختلف سفاراتنا ) ، فهنا أطمئنك أنك لا تبني على الرمال فقط ، بل تحرث البحر أو تبلِّطه لا فرق ، إذْ يبدو لي ، أيها المثالي التنظيري ، وهذا من باب التقييم ، مع واجب الإحترام الأكيد ، أنك لا تعرف حال معظم سفاراتنا ، على الأقل أنا أعرف حال سفارتنا في فرنسا ، وليس سرّاً حين أقول :
حالها لا تفرح محِبّ ، بسفير أو بلا سفير ، مع أمنيتي بتغيّر الأحوال مستقبلاً ، ولستُ متفائل كثيراً ، لكنْ علَّ وعسى ؟!!!
3ـ أمّا الطموح بـ ( القدرة على شراء مشاريع ) في مختلف أنحاء العالم ،(بما يضمن لسورية تواجد وانتشار عالمي ) ،فطموح امبراطوري أراه ،لاعقلاني بالمطلق :هذا أولاً ،
وثانياً :ألا ترى فعلاً ماحصل مع الأزمة المالية الحالية ؟!:أنَّ الذي دفع الثمن هي :الشركات والمصارف والمؤسسات المالية الصغيرة أو المتوسطة ،وصغار المستثمرين ،وهو سبب انهيار أسعارها ، لا انخفاضه فقط ، إلى حدّ اعتبارك ذلك فرصة لشرائها ?!!
يا دكتور دريد ، مهما كان سمك الزينة جميل يغري ،يبقى طعام السمك الأقوى ، فكيف بالحيتان ؟
بالله عليك ،هلاّ أخبرتني بأية ضمانات ستدخل سورية ،في سوق الإستثمارات هذا ،في ظلّ آليات السوق الحالية ،وأزمة احتضاره ،لا المالية فقط ، ولا الآتي فقط من ركود اقتصادي ، أشرتَ بحقٍّ إليه ، بل بالسقوط المدوي لثقافته وايديولوجيته النيوليبرالية ، وفشل ما يتصورونه من حلول "ترقيعية" لنظام رأسماليٍّ ،لا يعترف أباطرته بعيبه البنيوي ،ويصرُّون على أنّه "خطأ في التطبيق" ، في لغة ريائيّة منافقة مزدوجة ، وكأن الأمس قد محوه من الذاكرة ، فسقوط المنظومة الإشتراكية ،شهادة انتصار ليبراليتهم ،لم يقبلوه" فشلاً في التطبيق "، بل لتدخليّة الدولة ، واقتصادها الموجه ، وللفكر الإشتراكي بمجمله ، العمل مع هؤلاء لصوص مسلحين ،أليس مغامرة ، إنْ لم يكن الجنون بعينه ؟ !!
3ـ طلبك الحق على ( التأكيد في المنابر الدولية على أهمية إيجاد رؤية نظام عالمي مالي واقتصادي جديد أكثر عدلاً ) ،هو المنطق السليم بعينه ، ولكن أين هي تلك المنابر الدولية ، والإقتصادية خاصة :
آـ منظمة الأمم المتحدة ، ووكالاتها المتخصصة ؟!
الكل يعرف من يسيطر عليها ، ويستثمرها ، ويوجّه سياساتها : الولايات المتحدة الأمريكية ، وبلا منازع حتى الآن .
ب ـ المنظمات الإقليمية ؟!
الكل يعرف حالة المشلول المزمن " جامعة الدول العربية "
ـ منظمة المؤتمر الإسلامي ؟!! لاتعليق .
ج ـ تبقى منظمة دول الجنوب :
وهي شعار ،وربّما صرخة احتضار ،ففسيفساء تكوين بنيتها المأمول ،لا متجانس ، بل وكاريكاتوري :
ــ فمعظم دولها رخوي البنية الإقتصادية ،مدين، تابع ورهين القرار السياسي ، وأصحاب الخزائن الريعية اللامدينة ، معروف أين مربطهم ، لا مربط فرسهم ، فلا خيول لديهم ،حتى لسوسها أو سياستها .
ــ أعمدة دول الجنوب ،متصارعة متناقضة :
* ـ البرازيل مثلاً : تطور من الذرة ،محصولها الزراعي الضخم ، (الآكروكاربون) ،كبديل للنفط ،وفي حربٍ عليه ، يتوافق كليّاً مع سياسات الهيمنة الأمريكية ، رغم مناداة نظامها السياسي بالإيديولوجيا الإشتراكية ، ولكنّها المصلحة الوطنية والبراغماتيّة السياسية .
*ـ الهند : تبرم مع الولايات المتحدة عقود الذرة للأغراض السلمية ،لإنتاج الطاقة !! الممنوعة عن إيران ، بحجة ديمقراطية الهند ، وتيوقراطية إيران (؟!!!) .
*ـ الصين : يحكم موقفها ، ضخامة استثماراتها في السوق المريكية ( ترليون دولار)، وفلكيّ احتياطيِّها من الدولار ( قرابة 2 ترليون) ، وخطط نموّها ،ومعدلاته ،وخطط تحوّلها إلى اقتصاد السوق .
* ـ النمور الآسيوية ، لا تختلف عن الحال الصينية ، مع "رشة" انضباط إضافية بالسياسات الأمريكية .
ج ـ العلاقة بالدول الإستقلالية الرؤية ،نسبياً، كعلاقتنا بالجار التركي ،تبقى منطقية ومبشرة ( معاينة سلسلة مقالاتي :العلاقات السورية ـ التركية والأمن القومي العربي ،على موقع ‎"‎مركز المعطيات والدراسات الاستراتيجية بدمشق‎"‎ <dascsyria@gmail.com>) ،وكعلاقاتنا مع جمهورية ايران الإسلامية ، التي تحارب بسيف (المؤسسة الدولية للطاقة الذرية) ، المسيّرة من الباب إلى المحراب بالسياسات الأمريكية ـ الصهيونية ،وتحاول ذات السياسة التدخلية الهمايونية ، جرَّ سورية زوراً وعنوة إلى ذات الموقع باتهامات لا أساس لها ، والمخجل المشين ، أنّ مسوّق الإتهامات هو المعتدي الصهيوني النووي السلاح ، والذي "تفهمّ" العالم ،العادل جداً ،"" عدوانه !!،ودوافعه المفهومة !!""على منشأة عسكرية سورية قيد الإنشاء ، وكفّنها ببعثة تفتيشه الذريّة ، يالخجل الحقّ والمنطق !! هذا هو العالم الذي تريد الإستثمار فيه ، وفي إطار شرعيته ،وغابته ، يا دكتور دريد (؟!!) .
إنْ لم يخرج هذا العالم من أزمته الحالية بتعددية قطبية ، وعلى كل الصعد ، ومنها الإقتصادية ، ستبقى البشرية ، كل البشرية ، وإن بتفاوت الدرجة ، ضحية اللاعدالة ،واللامساواة، والإحتيالية ، والعدوانية ،والنهب المنظم ، وشريعة قاطع الطريق ، وستبقى كل دعوة للدخول في مغارة لصوصيته ، وشريعة غابته ، مقامرة ، ومغامرة حمقاء ، والتاريخ غنيّ بالدروس ، ومعلم لمن يفهم ويعتبِر ، لا من يقرأ فقط ، ويمشي بنظرية ( مشوار جينا عالدني مشوار ) ، جميلة أغنية فيروز الرائعة ، ولكن للعشّاق الحالمين ، لا لرجال المال والإقتصاد ، أم أنني مخطئ ؟ !!

الأربعاء، 15 أكتوبر 2008

مقال اقتصادي: أيّها العمل ـ البقرة ، وأنت (رأس المال) ،أيّها العَلَق : بقلم: د.منير القـوي

مقال اقتصادي:
ليس بيننا من لا يعرف ( البقرة )،ولكنْ هل كلّنا يعرف علاقتها بـ (العلق )؟ وقبل ذلك هل كلّنا يعرف هذا (العلق )؟!!
إنّه طفيليّ يعيش على امتصاص دم البقرة ،ومن صفاته أنّه النهمٌ بلا حدود ،لا يوقِف امتصاصه إلاّ انفجارُه ،بما يعجزجلده ـ الغلاف ـ الخزّان عن استيعاب المزيد من الدم (المشفوط) ،والمشكلة معه وفيه ،أنَّه أداة إعادة إنتاجه ،تترافق بنيوياً مع مسيرة سلوكه الآلي الإنتحاري المحتوم ، فلا هو ينتهي بانفجاره ،ولا تملك البقرة له دفعاً ،فإلى متى ؟
لعّل ديناميّة الصورة أعلاه تقترب من علاقة العمل ـ رأس المال ( البقرة ـ العلق ) ،فالجهد الخلاّق الإنساني ،"المضاف" للمادة الطبيعية البكر،هو الذي يحيلها إلى (قيمة استعمالٍ ـ سلعة )،تساوي قيمة الجهد المحوِّل لها من مادة خامٍ لا قيمة لها بذاتها ( قبل تسعيرها الرأسمالي طبعاً) ،إلى قيمةٍ نافعة لصاحب الجهد المنتج ،
ولكنْ ولخصائص في الكائن البشري ،(الإنسان ذلك المجهول ـ حسب كاريل) ،ليس مجهولاً فقط بيولوجياً ،رغم العلوم وتقدمها،بل الأهم بسيكولوجياً ،حيث معرِفتَه مصادَرة بالإيديولوجيا من كل صنف ،وأهمها اعتقاده المطلق !! بتفوقه ،وتميُّزه عن ،وعلى الطبيعة ومركبّاتها ، وهو مِن ،وفي عدادها !!.
اعتقاده الجمعي هذا ،وهو ايديولوجيّ بيِِّن :
بإنزاله إلى السوية الفردية أنتج سلوكية تنافسةٍ هدفها ( التَسَيُّد والهيمنة ) بكل أسمائهما ،وبكل الأدوات ،فيزيائية كانت أم فكرية ،وبترجمته على السوية الجمعيّة :
أنتج الأيديولوجيات ""التفوُّقية ـ العنصرية """ وكلّ ايديولوجيّةٍ : تفوُّقية ـ عنصرية ،بل وعدوانية المبدأ والمعتقد ،حتى المساواتية المطلقة منها ،بادِّعائها تلك الصفة الأخلاقية ،ظاهرياً ،واحتكارها لها حصريّاً ،في تنكّرٍ نفييٍّ للامتفق معها ،لا تشذُّ عن القاعدة ـ التعريف ،فهي نرجسيّة متثبّتة الليبيدية ،عصابيّة كماليّة الهدفيّة ،معظِّمة الذّات بعقدة التفوُّقيَّة الخلاصيّة ،حاصرةٌ إيجابية القيمة بالعنصر المؤمن بها ،فهي عنصرية ذهنية ،وعصبويّة أداتيَّة قمعيّة ،موكلة لمعتنقها التبشير الرساليِّ بها ،وبكل متاح ،فعدوانية توسعيّة هي ،ومحاربة أيضاً وإقصائيّة .
والرأسمالية منذ بدائية تشكّلها الجنيني ،وحتى نسختها الحديثة ،النيوـ ليبرالية ،تقدّم المثل : مساراً وتطوُّرا ، أدواتاً وهدف ،لكنّها لا تحمل أبداً من تمثيلٍ ـ للإنسان مبتدعها إلاّ مجهوله ،منذ محاولته الأولى في بحثه عن الأبديّة ـ جلجامش الميزوبوتاني ـ ، بمقابل الموت ـ المصير المحتوم ،فهل خالق الأيديولوجية جشع بطبعه ؟
هل هو منحرف سلوكيّاً منذ إدراكه لأناه ،وتمييز ذاته عن ،وفي القطيع ؟
أم هو كائن احتمائيّ يحاول تدعيم دفاعات وجوده المهدد بالأخطار ؟ : الفناء ،الجوع ،القهر،الطبيعة العمياء ،اعتباطية انفلاتاتها الهوجاء المدمرة ،وسطوة المفترس من وحوشها ؟
هل الإنسان الإجتماعيُّ مُعطى كما يقال ؟
أم سلوكٌ مكتسبٌ تراكميٌّ يعطي /شخصيته ـ القناع / ملامحها ،لا مورفولوجياً فقط محكوم بـ (د.ن.ا) المورِّثة ،بل وحضوراً ديناميّاً ،يكرّسه فعلاً سلوكياً ـ موقف ، أي ببساطة "" كائن ايديولوجي "" ؟
هل الإنسان ،المادّة الذكيّة (خاصّيته ،كما الحرارة خاصٌية اللهب ) ،تتلمذ سلوكياً على عادات الوحوش المفترسة في تناهشها الفريسة ،فروّض يومي حياته نمطيّاً على قياسها ،دجّنه الوحش المفترس ،"معلمه الأول" ،فحين بدأ يمارسُ التدجين بدوره ،استبطن الوحش ،تماهى به ،ليصبح هو ،فلا يُقِرُّ بفضلٍ يقلل من إطلاقية تميُّزه ،أو يجرح أناه النرجسيّة العطوب ؟
ولتأكيد تميُّزه وتفوُّقيته ، ابتدع فكرة الإدِّخار وآلياته ،أم تعلّمها من النّمل ،وكعادته نسبها إلى منجزاته ؟!
فهو السيِّد المُطاع ،حتى قبل أنْ يستخلفه الله في الأرض ،فمن يجرؤ على السيّد المطاع ؟!!
النظام الرأسمالي الذي رافق الشذوذ السلوكي للإنسان ،وتطوربالتلازم معه ،منذ لحظة ابتلائه بجرثومة " أناه"المتنامية ،الباحثة عن "فضائها الأنوي" ،بغريزيةٍ دفاع لإثبات الذات ،أمام الآخرالكليّ الساحق ،الأقوى بمنظومة هيمنتهِ "المُدجِّنة ـ المُدجَّنة"،والتي ساقت تلك الـ (أنا) الفردية المأزومة ،لابتداع أسلحة دفاعها ـ الحيلة ،لحفظ بقائها وفرض وجودها ،مستعملة خاصية ذكائها ،في تطويع المفاهيم ،واجتراح الأسانيد لتبرير سلوكها ،( سلاح الإيديولوجيا )،فالقتل جريمة ،ولكنه يصبح مبرراً دفاعاً عن النفس ،وبطولةً في سبيل الدفاع عن المقدس ،ومفهوماً في جرائم الشرف ، وحبُّ الذّات ،والأنانية ،والطاووسية نقائص خُلُقِيَّة ،ولكنها مطلوبة أمام مستهينٍ طمّاع ،متشاوف متسلِّط ،بل وتأخذ تسميات أخرى : فحبُّ الذات يصبح شعور بها ،وهو مشروع ومحبب ،والأنانية تصبح واجب صون الذّات المُهدَّدة ،والطاووسية تصبح كبرياء وشعور بالكرامة ... إلخ ... لذلك ليس غريباً أن يصبح النظام الرسمالي "الربحي الهدف" ،المرافق لهذا الإنسان الأيديولوجي ،في الطبعة الأخيرة "النيوـ ليبرالية " من أقدم أيديولوجيا ،رافقت السلوك المنحرف لولبياً تصاعدياً لشخصيّة الإنسان الأيديولوجي ،أي ببساطة المريض ,بتثبته الليبيدي عند المراحل الطفليّة المبكرة من التطور العاطفي الإنفعالي ،هذا النظام الرأسمالي في مرحلتنا لم يكن مستغرَباً أن يتطور إلى مضارب مقامر ،إلى جشع نهِم ،إلى مندفعٍ بلا كوابح ،إلى الربح الأعظم الممكن ،وبالسرعة القصوى المتاحة ،وليبدأ بتحديد أهدافه وأولوياتها ،فالمسرح مهيأٌ جاهز،وعدّة الشغل كاملة :
١ـ عولمة يُسبِّح الكون "بفضائلها" ،فالأرض قرية صغيرة بالتوصيف التكنولوجي المنتشي بثورته المعاصرة .
٢ ـ قطبية كونية ،أحادية مهيمِنة ،سياسياً وعسكريّاً ،تقبض على ناصية النظام الإقتصادي العالمي ، منذ إقامة هذا النظام ،والذي عماده التوأم الأدواتي : (البنك الدولي) و(صندوق النقد الدولي) ،والمعروفين بـ "مؤسستي بريتون وودز" ،المولودتين عام 1944 أثناء مؤتمر لزعماء العالم في (بريتون وودز) بولاية نيوهامبشير الأمريكية ،لوضع الاقتصاد الدولي على الطريق الصحيح !! بعد الحرب الإمبرياليّة الثانية ( الحرب العالمية الثانية ) .،وخاصةً على جهازه المالي ،بدولارها ،الملك المطلق ،منذ فكَّ الرئيس الأمريكي (ريتشارد نيكسون) ارتباطه بالذهب عام 1971 ،والمطاع بلا نقاش ،إنْ في كونه أداة التسعيرالعالمية المقبولة ،أوالتبادل المُقرّالمُقرِّر،أوكرصيدٍ احتياطي في خزائن دول العالم .
٣ـ اتفاقية التجارة الحرة ،قيد التطبيق ،بتبادلها الحر ،والحركية النقدية في عروق الشبكة المصرفية العالمية ،الممسوكة بكل الثقة والضبط من المركز النيويوركي ،بذرائع وشروحات شتى ،وكلها من لزوم ما لا يلزم ، فالملك لم يعد هو الملك ، بتبسيطٍ شديد : /الملك هوالأمريكي /،خاصة مع إدارة المحافظين الجدد ،منذ مطلع الألفية الثالثة .
إنَّ رأس المال ،وقد تطوّر من رأس المال/ فضل القيمة ـ الربحي التوسطي / ،إلى /الإنتاجي المشارك في عملية الإنتاج /في استثماره بإدخال (أداة الإنتاج اللا آدمية ) ،إلى / رأس المال النقدي / بتوسُّع التجارة تحت الشعار المعروف :( دعه يعمل ،دعه يمُرّ) ،إلى إعادة إنتاج ذاته "" نقداً"" ببنوكه الربويّة ،إلى توسع مقدرته بالسياسات الأمريكية التي اعتمدته سلاحاً ،منذ وضع الحرب الإمبرياليّة الثانية ( الحرب العالمية الثانية ) أوزارها ،في حربها المزدوجة :
ــ ضدّ القطب السوفيتي ،والتي عرفت بـ (الحرب الباردة) ،والتي لم تكن يوماً باردة ،مع التدخلية الأمريكية المباشرة ( كوريا ، فيتنام ،غرينلاند ،الصومال ،لبنان ...) أو غير المباشرة ،كالحروب بالوكالة ،أو بالتآمر والإنقلابات ،أو باعتماد منظمات مرتبطة على امتداد ساحات العالم ،ومنطقتنا بالخاصة ،شاهد مقيم .
ــ ضدّ ماعُرف بـ (الإستعمار القديم) ،لوراثته المتدرجة بـ (الإستعمار الجديد )،أي الأمريكي ،في تكريس لا لما هو واقع الحال فقط ،من أنَّ أوروبا الغربية أصبحت إحدى (محميّات "التاج الأمريكي") منذ (مشروع مارشال) في أعقاب (الحرب الإمبرياليّة الثانية ـ الحرب العالمية الثانية ) ،بل إلحاقها النهائي بالمشروع الأمريكي كـ (تابع) ،مطبِّقاً عليها ( نظام الحماية والوصاية ـ عصبة الأمم ) ،ذات الدرس الذي مارسته علي الشعوب المستعمَرة ـ المستدمَرة ،بين الحربين الإمبرياليتين (المعروفتين بالعالميتن ،الأولى والثانية ) .
وصولاً إلى رأس المال المتغول ،بكل الصفات ،التي لم يعد يخفيها أصحابه ،ولا يتحرّجون منها :
فرأس المال المتغول هذا ،أصبح مضارباً ، نصّاباً ، لصّاً ، بالمختصر :( رأس مال احتيالي ) مضيفاً تلك الصفة إلى صفتي : جبنه ولا وطنيته التاريخيين ،انظر مقالنا :(السذج فقط يفاجؤون : حين يضيف قاطع الطريق صفة النصّاب إلى سجله !!.. على موقع شامبريس ،تاريخ 04/10/2008 ) وكذلك مقالنا (صندوق النقد الدولي والعولمة .. على ذات الموقع ،تاريخ 08/08/2008 ،على الرابط : mail@champress.com) .
هذا الرأس المال بأوصافه العصرية ،أصبح نجم نوادي القمار العملاقة ( البورصات العالمية ) ولص صناديق الإدخار والتقاعد ،والرساميل ،ريعية المصدر غالباً ،والمنهوبة من ثروات الأمم المحيطية ،وحتى شعوب المركز الرأسمالي دخلت في هدفية تغوّله بقضم قوتها الشرائية .
فما هي الأهداف التي وضعها رأس المال الإحتيالي وأبطاله ،وعلى رأسهم الشركة الأمريكية (الإدارة الأمريكية بمحافظيها الجدد ـ الشركة العملاقة منفلتة الشراهة بلا جنسيّة ) ،ليبدأ الإحتيال الممنهج لسحب السيولة من أسواق العالم إلى جيوب الوحش الخرافي (أسماك القرش ـ الغيلان) ،ملوك رأس المال الإحتيالي ،وبلا تردّدٍ توجهوا إلى بداية السلسلة ،وعلى محورين :
ــ المادة الأولية ،وبخاصة مصادرالطّاقة ،وعلى رأسها البترول ،دم الآلة الصناعية العصريّة ،وغذاء البقرة الأزلية ـ قوة العمل ،في إعادة تسعيرٍ (قمارية ـ مضاربية) ،وكلنا يتذكّر التراشق التكاذبي ـ الإتهامي بين منظمة الـ (أوبك) وملوك المضاربين ،أو ممثليهم ،الأمر الذي طار بارتفاع الأسعار للمواد الإستهلاكية ،إلى قضم القوة الشرائية للمستهك في المجتمعات المتقدمة ،وقاد حتى في المركز الأمريكي إلى العجز عن سداد القروض العقارية ،الملغومة العقود "قصداً" : دراسةً ،وفائدةً متحركةً ،وشروط رهنيّة ،إذا ليس معقولاً أنْ تجتمع ،عفوياً، كل تلك العيوب في عقد واحد مع مقترِضٍ ساذج ،مغسول الدماغ بآلة الميديا ،لثقافة استهلاكية هادفة .
أمّا في المجتمعات الطرفية الرخوية الإقتصاديّات ،فقد أوصلها ارتفاع الأسعار الجنوني إلى انفجار الأزمات الإجتماعية وانتفاضات الجوع ،وبداية العنف ،بل وجرائم ( رغيف العيش ) في الطوابير على الأفران ( الحالة المصرية ،صاحب وصفات صندوق النقد الدولي ،منذ حوالي 35 سنة ) .
ــ المحور الثاني على وثيق الترابط بالإوّل ،لإحكام اللعبة الإحتيالية لرأس المال النصّاب المضارب الـ ........ ألا وهو استهدافه مصادرالمواد الغذائية : قمح ، ذرة ،أرز، إلخ .... بالمضاربة عليه وزعزعة أسواقه ، لا بالأسعار المضاربية فقط ، بل بإشاعة اللجوء إليه كطاقة بديلة للبترول ( وقود آكروبيولوجي نظيف ) في محاولة لرفع أسعاره للحدّ الأقصى ،واستعماله سلاحاً ضدّ بعض منتجي البترول اللامتعاونين ،أو المشاغبين على آلية السوق المقدسة نيوـ ليبرالياً : ( روسيا ،إيران ،فنزويلا ،وأنظمة أمريكا الوسطى المعارضة للهيمنة الأمريكية ....... ) ، وألفت النظر إلى الدراسة العميقة للمفكر الإنساني الكوبي ( فيدل كاسترو) ،الرئيس الكوبي السابق "ماغيرو" والذي كان الأول الذي لفت النظر إلى جريمة الرأسمالية الجديدة ،في سحبها اللقمة من فم أبناء العالم المحيطي ،وتركهم ضحايا تنامي المجاعات ،بالإستعمال الجشع للذرة ،في إنتاج طاقة بديلة للبترول ( وقود آكروبيولوجي نظيف ).
الآن ومتابعة اللعبة تستمر ،بنقل ميدانها إلى "محاولة الحل الإحتيالي "للأزمة المالية الحاليّة ،بالإجراء ات العاجلة ،وبالقبول بتدخل الدولة بآليات السوق "المقدسة" ،المرفوض ليبرالياً بـ "المبدأ" ؟!،والمُسرَع إليه " ببراغماتيةٍ احتيالية ملتوية " (مراجعة مقالنا :إفلاس الإيديولوجية الليبرالية . على هذا الموقع ،تاريخ :05/10/2008 )، والتي تهدف إلى :
تخليص المؤسسات المالية المنهارة من أعبائها ،بالإفلاس الإحتيالي في العمق ،وإجبار الخزائن المركزية إلى الإسراع لنجدتها ،خوف انهيار النظام المالي العالمي ،وهي ذات اللعبة التي تمارسها "الدولة الأمريكية" الفلكية المديونية مع بقيّة العالم ،ما أبلغ الشبه ، ولا غرابة ،فاللاعب واحد ، ولا حاجة لكبير ذكاءٍ لإدراك ذلك ،بل لبرهنته .
2ـ تحميل المستهلك ،ودافع الضريبة ،والمدَّخر ،والمستثمر الصغير ،وخاصة المجتمعات الطرفية ،وعلى الآجال : القصيرة والمتوسطة والطويلة العبء بحكم آليات الدولة المتدخلة إرادوياً ،لحل الأزمة المالية .
3ـ إقراض المؤسسات الماليّة المنقذَة ،من ذات رأس المال المضارب النصاب ،الذي مركز الكتلة النقدية ،في إعادة تحريك دورته ،بتوازن مقصود بين كتلة النقد الممركز وقنوات تسييله وسيولته ،في الشبكة المالية المعقدة للنظام الإقتصادي العالمي .
والسؤال الآن : غبار المعركة لم ينجل بعد ، ولكنّ المتابع يتساءل :
من ستكون الفريسة المقبلة للطفيلي العلقي الشره حتى انفجاره ، إنها البقرة ـ العمل، نعم ،ولكن أين تكون وكيف تكون ؟
مع وحش متغيِّر الشكل والوسيلة ، مع جوهره الدائم ،ولكن الصفيق والوقح ،اعتباراً من الآن ،
هل ستولد التعددية القطبية الإقتصادية ؟
أم أنها الثنائية القطبية الدائمة ،تعود إلى مربعها الصراعي الأول :ثنائية صراع مستغِلٍّ قاهر ـ مستغَلٍّ مقهور ؟
والتي ليست بحال من الأحوال ثنائية مَنَويّة . داسك سيريا

الاثنين، 13 أكتوبر 2008

وقفة حوار مع د.دريد درغام.. في إطار موسع قليلاً وبمقارنةٍ مع أقلامٍ أصحابُها في موقع المسؤولية الإقتصادية وربّما في موقع القرار(القسم الثالث).. بقلم :

بقلم : د. منير القــوي

اعترافاً بالفضل ،ورغم أنّي بعيد عن كل عمل وظيفي ،بل وعلى بعد آلاف الكيلومترات جغرافياً ،من وطني (سورية) ،ومدينتي الجميلة ( الدريكيش )،وحارتي المتواضعة الصغيرة ،التي هي حارة الدكتور (دريد درغام ) ،لكنّنا لا نعرف بعضنا شخصياً ،يمكن بسبب اغتراب كلينا ،كلّ في مهمّةٍ وهمّ ،ومع ذلك واعترافاً بالفضل ،كما أسلفت ،فكلّ الشكر للكاتب لما حرضه في أعماقي ،من حماسةٍ لحوار أحب ،وإتاحته فرصته بكرم (وفي جميع الأحوال تبقى مختلف النقاط الواردة في هذا المقال مجرد تحريض لمزيد من الحوارات من أجل بلورة نظام وإيقاع اقتصادي أكثر عقلانية وأكثر إنسانية.) كما هدف الكاتب بتواضع ونبل في ""قولٍ ـ أملٍ ـ خلاصة "" جعل وقفتي مع تواضعه وانفتاحه الحواري ،يمتدّ لأكثر من حلقة ،وذلك بحدِّ ذاته قيمة ، فقد سبق وقرأت مقالاتٍ مدرسيةٍ لبعض الكتابيين الإقتصادويين ،استوقفني الحزن أمام فقرها وبؤسها ،ولم تستوقفني لقيمة بذاتها ،والأنكى أنّ كتابها يتموضعون في موقع الأستذة المتعالية ،والتعليم الواثق ،ككل مرضى ادِّعاء امتلاك الحقيقة ،فما يقولونه أحكام قطعيّة مبرمة ، لا تقبل استئنافاً أو نقض ،فكيف باختلافٍ ونقد ؟!!
هل هي أزمة سيولة أم تفاقم جشع المتعاملين؟ يسأل الكاتب ،وللسؤال شقان :
هل هي أزمة سيولة ؟ بالتأكيد ،ولكنْ مفتعلة ، كيف ؟
إنّ مركزة الكتلة النقدية بيد المضارب ـ اللاعب ،كسدٍ على مجرى نهر ،أعاد توزيع الكم النقدي بين بحيرة السّد المتحركة في استطاعة خزنها ،وما تسمح به ،تحكُّما تقنياً محسوب ،لما تراه ضرورياً لاستمرار دوران توربين صيانتها ،وبالتالي بحثها عن مجالات أخرى ،ومصادر تغذي منها بحيرتها الدينامية الإستطاعة المتنامية تغوُّلياً ،متسلحة بنظام نقديٍّ معولم ،وبدولارٍ طليق منذ عام 1971،تاريخ قرار الرئيس الأمريكي ( ريتشارد نيكسون) فك ارتباط الدولار بالذهب ،وحرية تبادل منفلتة من (الرقابة التدخلية للدولة) ،التي اعتبرها الرئيس الأمريكي ( رونالد ريغن ) عام 1984 (كل المشكلة ) ، في إطار حربه المفتوحة على (امبراطورية الشرالسوفيتية ـ حسب وصفه ) التي تعتمدها (الرقابة التدخلية للدولة) أداة ضبطٍ وتحكّمٍ ،في النظام الإشتراكي الموجه ،أنذاك .
هل هي تفاقم جشع المتعاملين؟ بالتأكيد فذلك واضح ،بينا في الجواب على الشّق الأول ،طبيعة أحد طرفي التعامل :المضارب ـ اللاعب ـ المتغول بانفلات متوحش ،أمّا الطرف الثاني للتعامل : المقترض ،أكان فرداً أومؤسسة ،فبتّأكيد لا يمكن إخلاءه من مسوليته ،ولكنّي لا أتفق مع (الدكتور درغام ) في حكمه القاسي (وهؤلاء يستحقون العقاب الذي أصابهم) ببساطة لأسباب عدّة ،منها :
1 ـ الفرد الذي ربتّه منظومة المجتمع الإستهلاكي على قيمها ، هو انعكاس سلوكي لتلك القيّم ، فالربح السريع ،ومهن الفهلوة المربحة بضئيل الجهد ،والربح العالي في أنشطةٍ مشبوهة كمهن المافيا ،والوساطة ،والتهريب ،والتجارات المحرّمة ،سلاح ،مخدّرات ،وحتى أعضاء بشريّة نشطت أسواقها ،بيعاً طوعياً بدافع الحاجة أوالنهم الإستهلاكي ، أوسرقة واختطاف من عصابات ،ومشافً ،وزبائن مقتدرين ،في جهاز آلة ربحيّة ،جهنمية مجرمة ،شوهت شخصية الفرد ،وقتلت في ذهنيته مفهوم قيمة العمل ( العمل = قيمة ) خاصة بعد سقوط أنظمة الأيديولوجية المقدِّسة للعمل ،بانهيار الإتحاد السوفيتي ومنظومته .
2 - الطفولة المتنامية الإمتداد اقتصادياً ،خاصة في المجتمعات الكومبرادوريّة المتخلِّفة التابعة ،المفلسة تطورياً ،والفاشلة تنموياً ،بحكم التشوه الهيكلي البنيوي لدولها ،منذ فصّلها على المقاس ذات النظام الإمبريالي ،صاحب توأمي "مؤسستي بريتون وودز":( البنك وصندوق النقد الدوليين ) ،وارث الامبراطوريات القديمة للأبيض العنصري الإستعلائي المستعبِد ومنجزاتها ـ الجرائم ،ملك الدولار ـ الدكتاتور النقدي ،صاحب (العولمة )و(منظمة التجارة الحرة) أو"المنفلتة" و(التبادل الحرّ) " وحيد اتجاه المنفعة " ،تاجر الحروب ،موظف مآسيها ،لتغذية وحشه الرأسمالي المتغول ،ومحاولة التهام العراق ،شاهد ناطق ، وكلّ التبريرات والدعاوى لا تتعدى الكذب الوقح ،والأضاليل المفضوحة .
3ـ المجتمعات المأزومة ،وخللها المتفاوت النسبة ،وإن بدرجات لا متشابهة النوعية ،وبحلول متنوعة ،بين مجتمع متخلِّف ،أو متقدّم ، زراعي أو رعوي ،أوخليطٍ منهما ،صناعي أو خدمي إلخ ...حيث يلاحظ تفاقم البطالة ،وإغراق أسواق العمل بطالبيه ،وعجزها المتنامي ـ المركب عن التلبية ،ومعوقات تكوين الأسرة ،وانفجارمعظم المحقق منها،وتأخر سن الزواج ،وانخفاض معدلات الخصوبة والإنجاب في المجتمعات المصنعة ،وانفجارها في المجتمعات المتخلفة ،وظاهرة أبناء الشوارع ،وساكني الأرصفة وحتى المقابر،وأزمات الجوع ،والأمراض الإجتماعية ،والأوبئة ،وتهديد البيئة والتوازن الطبيعي ...إلخ..
4 ـ قوة آلة الميديا ،والدعاية ،والإعلان ،وغسيل الدماغ المنفعل بتلقيه قصفاً ثقافوياً موجهاً ،على مدار الساعة ،جاعلاً من الدماغ وعاء تلقٍّ ،لا مجال تفاعل وتفكير ،في إلغاءٍ متعمد لملكاته اللامرغوبة ،من النظام المهيمِن ،لإكمال تشييء الإنسان ،وإنجاز إلحاقه الناجح بآلة الإنتاج الرأسمالي عضوياً ،وبانتقائية النخّاس للعبد المؤهل ،حيث يرفض ابن المجتمعات المتخلفة الجائعة ،والتي عبّرعنها بتبسيطية كاريكاتورية العقيد القذافي في زيارته لباريس العام الماضي ،حيث أطلق تصريحه الشهير ،في مظاهرة "الزبالين" التي قادها في باريس ،حيث قال مخاطباً الغرب :( لاتريدون هؤلاء الجائعين ،حسناً، أعيدوا لهم ثرواتهم التي سرقتوها ،وإلاّ فلهم الحق في مشاركتكم ماهو حق لهم ،وليس من قوة في الدنيا تستطيع منعهم من القدوم إليكم ،فالجائع يبحث عن الطعام ،وأنتم سرقتوه ) ،تصريح أثار عواصف من الإستنكار ،خنقتها الصفقات التي وقعها مع الرئيس ساركوزي ،إنها قوة المصلحة ،ولغة البراغماتية التي انتصرت على العاصفة .ويأتي الدكتور درغام ليعاقب الضحية مرّة ثانية (وهؤلاء يستحقون العقاب الذي أصابهم) !! مما لا أتفق معه عليه أبداً ،ولا أقبله ، فضلاً عن تناقضه الصارخ مع قول الدكتور في ارادويته من الحوارات التي يدعوا إليها : (الحوارات من أجل بلورة نظام وإيقاع اقتصادي أكثر عقلانية وأكثر إنسانية.) ،فهل ذلك متسق ؟ !!
وهنالك ملاحظة كنت قد نوهتُ إليها في القسم السابق :(واستعمال بعض المصطلحات خارج سياقها الزمني ،أو في قسرٍ راجع ،ربّما سهواً ،لاستعمالها قبل ولادة مفهومها )، فمصطلح "الدول النامية" لم يُعرَف ،إلاّ في أعقاب الحرب الإمبريالية الثانية (الحرب العالميّة الثانية ) ،وبشكلٍ متدرِّج كرونولوجي للمصطلحات ، ظهر في بداية الأمر مصطلح " الدول المتخلفة " وقُصد بها الإشاره لما كان يُسمى" ماوراء البحار " واغلبها كانت خاضعة آنذاك للاستعمار الغربي ،ونتيجة للإنتقادات التي وُجهت لهذا المصطلح فقد تتابع توالي المصطلحات والتسميات مع أن المقصد منها واحد ،لكنها أختلفت في طابعها فبدت أقل حـدة وأكثر تقبلا .فظهر مصطلح " الدول الأقل تقدماً " ثم " الدول النامية " وقصد بها الدول ذات الأمكانات المحدوده وفيما بعد مصطلح " دول العالم الثالث "،مما وجدت لزاماً وأمانة الإشارة إليه ،أمام استعمال الدكتور درغام له في فترة بين الحربين الإمبرياليين ،الأولى والثانية :(رغم كون أزمة الكساد الكبير عام 1929 هي الأشنع في التاريخ إلا أنها اقتصرت بمساوئها ونتائجها المدمرة على الدول المتقدمة بشكل أساسي، وبقيت الدول النامية شبه معزولة عن الهزات العنيفة لتلك الأزمة. فمعظم تلك الدول كان من الدول الزراعية التي تعتمد على الاكتفاء الذاتي من محاصيلها. أما الدول النامية التي تأثرت فكانت تلك المعتمدة على التجارة أو تلك المعتمدة على تصدير المواد الخام والأولية.)،ففي بداية الثلاثينات من القرن الماضي ،لم تكن خريطة الدول الحالية ،لمعظم دول آسيا وأفريقيا معروفة ،فضلاً عن تصنيفها بالنامية ،فالدول الحالية هي الوليد المصطنع لنتائج الحرب الإمبريالية الثانية ،وتسوياتها ( يالطا وأخواتها ) ،فضلاً عن أنها بمعظمها كانت محميّات ومستعمرات ،لما اصطلح عليه بإمبراطوريات الإستعمار القديم ،حتى الهند والصين ،وكل أفريقيا .
أمّا أنّها ( أزمة مالية ستتحول أزمة اقتصادية وإنتاجية ؟) ،فبالتأكيد ،إنَّ أزمة ـ زلزال بهذا الحجم لا يمكن لجم تداعياتها ،فانخفاض القوة الشرائية ،سينعكس على الإستهلاك ،كمّاً ونوعاً ،سينقص الطلب على المنتَج ،فيتراكم المعروض ،فيتباطأ الإنتاج حُكماً ،لتدخل عجلة الإقتصاد ككل في تباطؤٍ ،أيصل إلى كسادً زلزالي ،أمْ بآلية متخامدة التسارع ؟ ذلك رهن بالحلول والتصديات ،وربّما نقل الأزمة إلى توازن قلق آخر في ميدان آخر ،أجاد النظام الرأسمالي حتى الآن إدارة لعبته ،وإنْ كانت الصعوبة ،مع الأزمة الحالية أكبر وأعقد ،وهامش المناورة إلى الضيق أقرب
.
وأمّا أنَّ الأزمة ستقف بتطورها عند حدود الأزمة الاقتصادية والإنتاجية ؟ فذلك مشكوك فيه ،فالبوادر تشير إلى إمكانية تطوّرها ،بل دخلت فعلاً في طور الأزمة الإجتماعية المخيفة ، فمليوني بريطاني فقط مهددون في أعمالهم ،ومؤشر البطالة في فرنسا سجّل أعلى ارتفاع له في آب 2008 ،ولا يجرؤون على نشر أرقام أيلول ، والصراع الأيديولوجي يشتد ،واليمين الفاشي يتجذر ويميل إلى العنف أكثر فأكثر ،صورة قاتمة متشائمة ترتسم ، وعوضاً عن المزاج المتفائل للدكتور درغام ،ألاقيه في التقدّم بمقالته ،وقد لاقاني في مربعي التشاؤمي ولونه الرماديّ الغامق ،حين يقارب الوضع السوري في آتون الأزمة :
(وبما أن التبادل التجاري وإرساليات المغتربين السوريين من العناصر الهامة في رفد سورية بالقطع الأجنبي، نجد أن الأزمة الحالية سيكون لها أثر كبير على الاقتصاد السوري. فمن جهة سيؤدي الركود الاقتصادي العالمي إلى تأثر فرص العمل ومستويات الدخول لجميع المقيمين في تلك الدول ومنها المغتربون السوريون. وهذا سيؤدي إلى احتمال تزايد الطلب على فرص العمل في سورية من قبل المغتربين الذين تأثروا بالركود في بلدان المغترب فضلاً عن احتمال انخفاض حجم القطع الأجنبي الوارد.).
لقاء في منطقة التشاؤم الكالح ،يجعلني أقف ،لأخذ النفس ،إلى لقاء قادم .

السبت، 11 أكتوبر 2008

وقفة حوار مع د. دريد درغام.. في إطار موسع قليلاً و بمقارنةٍ مع أقلامٍ أصحابُها في موقع المسؤولية الإقتصادية وربّما في موقع القرار

بقلم الدكتور منير القـوي :
(..القسم الثاني .. ):
الجولة التحليلية البانورامية ،في القسم الأوّل ، بتاريخ 08/10/2008 ،كانت شبه مقدّمة ،وإطارـ مدخل، لوقفة الحوار مع الدكتور (دريد درغام) حول مقاله الغني بالدسم ، الذي قد يزيده المخض الحواري نقاءً ،فهو من عيار آخر ،وسوية أخرى ،رغم انتماء مدير المصرف التجاري السوري إلى محيط الفريق الإقتصادي ،بحكم موقعه ،الذي ربّما يقدّم الغنى في التنوع،حاجتنا الماسّة لتفكير نقدي ـ اقتصادي يستجيب للملِّح من التطور ،والرّد الإيجابي الدينامي للحالات الطارئة ،كالأزمة الماليّة الحالية ،ولرفض الإتكاء عليها واتخاذها مشجباً لتعليل ذرائعي وتعليق الفشل عليها،سبباً ونتيجة ،أمّا المسؤول عن الفشل فمغلوب على أمره ،وتستمر لغة :(ما كان بالإمكان إلاّ ماكان ،طبعاً بتواضع الفاشل المصطنَع الذي استبدل "أحسن" بـ "إلاّ" ). فإلى ( القسم الثاني ) :
تمنح بعض الكلمات في العنوان : (السحر، الساحر،المالية ،العالمية )،فضاء تخيّلي تقود بلا شعورية ،إلى استدعاءٍ ذكروي لمغارة (علي بابا والأربعين حرامي) !!
أمّا احترام مقدرة بيان لغة الضّاد ،والإستعارة البلاغية ،فردٌّ لكل مستبيح ما لا يستباح ،لغة الضّاد ،بدعاوى العلمية وعجزها ( لغة الضّاد ) عن التعبيرعمّا يقدمون من "جواهرعلمية"،فللعربية يكسِّرون ،ولروعة البيان ينتهكون ،وفي كل ذلك عن هزالهم اللغوي يصدرون ،لكِنَّ المكابرة ،وجهالة الجاهل ،تجعلهم يدّعون ويتّهمون ،وحين يُشار إلى أنهم يقولون ما لا يُفهم ،فبلغةٍ مماحِكةٍ ،واستنكارٍ تبريريٍ ،يجيبون: لماذا لا يُفهم كل ما يقولون ؟!!
قد يكون ذلك مفهوماً ومُبَرراً في مبارزات البلاغة ،وبعض مدارس الفلسفة ،ولكنّه ممنوع في لغة الأرقام ،وفي الإجابة المسؤولة ،وفي محاولة البتر التعسفيّ للنتيجة عن السبب ،لتمويه (مغارة علي بابا) ولصوصها ،لا ما استقرمنها في ظهرانينا فقط ـ وهو ليس موضوعي ـ أو "خارج الحدود" الذي يحاول وضع العالم في جرابٍ بلا قرار ،مفتوح على سراديب جهنميّة ،ما زالت تتسع وتمتد، مخلخلةً كل امكانية باستقرار اجتماعي ،وكلَّ أمل إنسانيٍّ في العيش بسلام .
مع التأكيد أنَّ الفصل بين بين مغارة (علي بابا) المحلية ، و(مغارة علي بابا) العالمية ،هو حلم بتحقيق المستحيل ،وقبض للريح ،وفعل الوهم بتغيير تيارمجرى النهر إلى بحيرته ،قد يُقام سدٌّ نعم ، لكن تغيير ممالات الإنحدار وقوانين العطالة والجاذبية ،فمستحيل إلاّ بتغيير واقع التضاريس .
وتقول "التضاريس الرأسمالية المعولمة الحالية "عبرالأزمة المالية القائمة ،تعبيرها المرضي المنذر،بخطورة وجديّة بوادرالإنفجار البركاي الإقتصادي المدمِّر ،لا المالي فقط ، والذي نجحت رأسمالية القرنين المنصرمين في تبريده آنيّاً ،نعم لقرنين ،وهي فترة جدُّ محدودة ،في عمرتاريخ التطورالإقتصادي الذي وُّلد مع ولادة جهد الإنسان في سبيل تأمين لقمته ـ الهدف ،والذي لم يتغير ،منذ ولادة تاريخ الإنسان وإلى يومنا ،وإنْ كان بأنظمة اقتصادية مختلفة ، منها النظام الرأسمالي الذي نعيش أزماته ،وإفلاس ايديولوجياته ،وخاصة في طبعتها الأخيرة ،الليبرالية "الجديدة" ،المستنجدة بآليات توأمها اللدود (الماركسية) ،في محاولة إطالة مسافة طريقها المسدود ،بطلب تدخُّل الدولة ، "البنت ـ الأداة" للأم (الرأسمالية) ،خاصة (الدولة الحديثة ) وإمكانياتها اللامحدودة .
وفي الوقفة الحوارية ،مع مقالة الدكتور (دريد درغام) التي غلب الطابع التنظيري على سياقها ،إنْ بالشكل ،وإن بالعمق ،مبنىً ومعنىً كما يقال ، وفي السؤالية المفتوحة على ردود شتى ،واجتها دات متنوعة ،تسمح بالذهاب إلى اقتراح حتى المتناقضات ،دون أنْ ينتقص ذلك من قيمتها ـ الهدف المأمول (الأمر يستدعي إقامة الندوات وتبادل وجهات النظر من أجل مستقبل أفضل لخدمة وطننا ولخدمة الإنسانية عموماً.) ، ومع كلّ الصدقيّة بنبل الطرح ، إلاّ أن بعض التردد يطلُّ برأسه ،ليس فقط من بين السطور ،ولكن أيضاً من الصياغات ،ووسطيّة بعض الإستنتاجات ،والإقتراحات ،واستعمال بعض المصطلحات خارج سياقها الزمني ،أو في قسرٍ راجع ،ربّما سهواً ،لاستعمالها قبل ولادة مفهومها :
أمثـلـة :
1*ـ قوله (ليس المقصد هو إثبات نظرية المؤامرة لأنه لا يعقل أن يكون كل ما يحدث مخطط له خاصة عندما تكون الضحية هي اقتصادات الدول المتقدمة ذاتها.) وكما هو واضح فإنني أبدأ من نهاية المقالة حيث وجدت في نهاية ( القسم الأول) ما وصفته (الغني بالدسم ، الذي قد يزيده المخض الحواري نقاءً) :
وهنا أسأل السيّد الكاتب (الدكتور دريد درغام) الذى استدعى نظرية المؤامرة ،التي خطرت له ،تفسيراً لمآل الأزمة المالية ـ النتيجة ،وهو استدعاء مشروع ،وتفسير لا يجانب الصواب كليّاً ،كما أسرع الدكتور درغام للإنسحاب منه ،بتفسيرٍ براغماتي ،على طريقة استغفار المؤمن من الشك ،وخوف الشِّرك ، أوليس في ذلك بعض الإرهاب الفكري الذي ينوء بكلكله على حرية تفكير المثقف ،ويضع سقفاً منخفضاً لقامته المُهددَة بالسيف ـ السقف : الإتهام الدارج لكل متسائلٍ عمّا يطبخ ،هناك خلف الأطلسي ،/ بمريض نظرية المؤامرة / في مصادرةٍ فجّة لكل قدرةٍ ،لا لإرادة مقاومة السياسات التدخلية الهمايونية النيوكولونيالية فقط ،بل وفرض قبولها ،ثقافويا ،قهريّاً ،تسليميّاً ،بلا نقاش ،فقدر العالم العولمة المؤمركة ،ومن لا يقبل يُسفّه ، ويُشيطن ،ويُرمى بالهوس ،وهو ما أجاده ،بكل أسفٍ ،وبانفلاتٍ ،مثقفوا المارينز (العرب) ،وبعض المفلسين من مستحاثات (اليسار السابق) الخارج مهزوماً من حقبة الحرب الباردة .
نعم هناك مؤامرة مبرمجة تقودها العقلية الرأسمالية المتوحشة ،ومركز قرارها "النيوكولونيالي المحافظ "المعروف المقرّ والقرار ،بنشاطها المضارب ،عبر البحث عن الربحية العظمى الممكنة ،وبلا سقوف ،هدف الرأسمالية البنيوي ،والذي لم يكن من همومه أبداً ،حاجات الإنسان أو المجتمعات ،متخلفها ومتقدمها ،على حدٍّ سواء ،بل على العكس ،ابتدعت وما زالت تبدع وسائلها ،لاستمرارها في تطوير فعاليتها ،للمزيد من الإستغلال ،وشفط ثروات الأمم ،ولم تدّخر سلاحاً :
من الإبادات المادية لأمم بكاملها ،بقوة آلة لحرب ،وبالعبودية المباشرة وعصور العبيد ،إلى الأمراض التي تهدد قارة بالموت المبرمج ،باحتكارالعلاج إمكانيتة ،والسماح به بمقدارمحسوب ،مفهوم لماذا ،وفي أيّ شروط : ( أفريقيا ومرض الإيدز وبرامج مكافحته) ،وليس من حاجةٍ للتذكير بمسلمة :( ليس لرأس المال وطن ) ،فكيف إذا كان قد تركّزحاضراً بمنظومة مالية ،وبورصات ،وصناديق ائتمان ،واقتراض وادخار ،واستثمار ،تتبع هيكليّاً وايديولوجياً ،مركزاً واحداً ،قطباً مسيطِراً ،قائداً مقرِّراً، ممتلِكاً كل وسائل الضبط والطاعة ،وآليات التنفيذ ، من "دولاره" إلى توأمي مؤسستي "بريتون وودز"،(البنك الدولي ) و( صندوق النقد الدولي ) ،إلى تُبّعه ومافياته ،إلى قوة ناره (مقالنا :السذج فقط يفاجؤون : حين يضيف قاطع الطريق صفة النصّاب إلى سجله ،على شامبريس أو الرابط http://www.dascsyriapress.net/ ومقالنا : إفلاس الإيديولوجية الليبرالية .على نفس الرابط ) ،إلى حريته المنفلتة في تغيير حتى أسسه ،وبنويته ،وأدواره ،بارادةٍ وسلطةٍ دكتاتوريةٍ كونيةٍ ،بدأ ممارسة بواكيرها منذ الحقبة الريغانية ،وجسّدها كاملاً بعد اجتيازه المنتصر /حقبة الحرب الباردة/ الذي توَّجه بأحادية قطبية ملكاً كونياً ،وحيداً ونهائيّاً ،فقد أنهى( فوكوياما) ،أحد عتاة منظريه التاريخ ،بانتهاء الحرب الباردة ،بمعادلة خوتاء : (لا صراع = لاتاريخ ،انتهى الصراع = انتهى التاريخ ) ،وصفق له العالم !! والمضحك المبكي أنَّ الفكرالسياسي المعاصر،قد وقع في خلط لا عقلاني ،ايديولوجيٍ ايماني ،بين السببية والوسائلية ،فالنظام الإشتراكي ومنظومته ،وبالتالي نظريته الإيديولوجيّة ،كانوا وسيلة الفقير المقهورالمُستغَّل ،تماماً كما هو ،ودائماً ،النظام الرأسمالي ومنظومته ،وكل نظرياته الإيديولوجيّة ،هم وسيلة وأدوات المُهيمِن القاهر،المحتكِر والمستغِّل ،فهل بسقوط إحدى الأداتين ،أوحتى كليهما ،يصبح صاحب الأداة عدماً وسراباً ولا وجود مادي حقيقي له ؟
مما يسمح بالسؤال المشروع ،والحقيقي : هل حقاً انتهت الثنائية القطبية ؟ أمْ عادت إلى مربعها الأول : قاهرمحتَكِر ومقهورمحتَكَر ؟ وعادت لتبرز بشكل جديد مع الرأسمالية الممركَزة المضارِبة ،صراعاً بين "رأسمالية متوحشة" مركزتها السياسات الليبرالية الجديدة ،وبقية العالم المقهور ،وبأعداد تزداد كمّاً وتتدّرج نوعاً ،أفقياً مرحليّاً،ولا توفِّر أحداً ،حتى شعوب الدول المتقدمة ، بما فيها الشعب الأمريكي ،فالسياسات التي انتهجتها الإدارات الأمريكية ،في حدود القارة الأمريكية ومنذ ماقبل إسقاط مبدأ (مونرو) ،وبعد اسقاطه بالتدخلية الأمريكية وفق إعلان الرئيس الأمريكي (ولسون) في 06/04/1917 دخوله الحرب الإمبريالية الأولى (المعروفة بـ "الحرب العالمية الأولى) ، وصولاً إلى إدارة المحافظين الجدد الحالية ،تطورت ،وطورت معها أدواتها ،وفي المركزـ النواة منها الدولة الأمريكية ، التي أصبحت في يومنا (سوبردولة) بروحيةٍ توسعيِة ،وأهدافٍ ما بعد امبراطوريّة ،تجاوزت وصف (الشركة متعددة الجنسيات )،إلى هوية( شركة عملاقة منفلتة الشراهة بلا جنسيّة ) ،لتحمل الآن اسم (المضارب المسلح حتى الأسنان ،والنصاب الدولي والقرصان الكوني بآن) ،بمحاولة استيلائها على ثروات المعمورة ،وما بعد المعمورة بغزو الفضاء ،في سباق ،لتأكيد هيمنتها على الأرض أولاً ،في مواجهة منافسين حققيين أو مفترضين .... وكلُّ الوسائل مُبَرَرَةٌ لتحقيق الهدف ،وهو قبل كل اعتبار (ربحي) لشركة اقتصادية مُعولمة عابرة للقارات ،وحدود الدول والأمم ،متمددة حدود المصالح ،كانت "يوماً" دولة الولايات المتحدة الأمريكية ،لتصبح في أيامنا غول مالي ـ اقتصادي ـ ربحي يستعمل الجيش الأمريكي بكل قوته الأسطوريّة في وظيفة شركة أمنيّة لحماية مصلحة الشركة المتغولة التي أصبحتها (دولة)الولايات المتحدة ،التي تفرض على العالم الأزمة المالية التي قادت المعمورة إليها ،بلا براءة ،وبابتزاز شمشوني ،يهدد النظام المالي ،والمصرفي العالمي ،واقتصاديات العالم ،بالإفلاس ،بسيطرتها على شبكة النظام المالي ،والمصرفي العالمي ،وبمديونيتها المرعبة الخارجية ( الديون الأمريكية الخارجية تزيد على 12 تريليون دولار أي ما يزيد على 90% من الناتج المحلي الإجمالي.حسب د.درغام ) ،فكيف وقد أضيف الآن أزمة مالية أمريكية المولد ،وإفلاس مؤسسات مالية ،وانهيار بورصات ، وتهديد ببوادر ركود وانكماش اقتصادي ، وربّما انهيار فجائي للدولار ،الشيك بلا رصيد ،خاصة بعد فقدان الثقة بمصدِّره ، بل أدهى من ذلك وألعن مآلا ،بوجهه الدراكولي النفطوي ،القبيح الجديد ؟!! وتلك نقطة أجدني مع الكاتب الدكتور (درغام) في إشكالية حسمٍ من قبله ،مبتوت قطعيّ من جهتي .
*2ـ في المقدمة ، والتي يبدو التفاؤل واضحاً في نبرتها ،والعزيمة على العمل ،بتواضع العارف بحدود ،وربّما بمحدوديّة ،الإمكانات المتوفرة ، وبعد طرح العديد من الأسئلة الوجيهة ،في إطارٍ محض نظري ،يصل الدكتور درغام إلى صبغ إمكانية الجواب على مجمل مقدمته بذات روحية التفاؤل (نحاول طرح بعض الأفكار حول نتائج هذه الأزمة لنصل أخيراً إلى آفاق نأمل من خلالها أن نحرض على نقل المناقشات في السياسات الاقتصادية والمالية إلى آفاق أرحب وأوسع من التساؤلات التقليدية والجامدة حول تأثرنا الآن من عدمه وغيرها من المماحكات التي تفتقد إلى الديناميكية اللازمة للإجابة والاستفادة من هذا النوع من الظروف).
بالتأكيد للدكتور درغام الحق بأن يكون متفائلاً ،وأدعو أن يكون "تفاؤله" مُعدياً ،وأن ينالني منه قبصة ، ولكنْ الرغبوية شيء ،وحقائق الواقع وإمكانياته وأدواته شيء آخر ، وبما أنَّ المقدمة أسئلة تضمنت تقريباً أجوبتها ،سأذهب مع الدكتور درغام على (موده ، كما يقول الأشقاء العراقيون) ،وسأجاريه بأسئلة ،ينقصها التفاؤلية ،وإن حافظ مسارها على منطقة الرمادي ،دون الدخول في السواد ،وإنْ شارفتها :
1ـ من هم هؤلاء الآخرون التي لم تسمح الظروف السابقة بالمناقشة معهم في وجهة النظر المطروحة ؟
2ـ أمن الداخل هم ،وهذا ما توحي به مجمل المقالة ؟ سيّما عندما يؤكد الكاتب لاحقاً في فقرة :توقعات ـ أسئلة أجوبة؟ و توصيات /على الصعيد المحلي/:(1. التركيز على الأزمة السورية الموجودة قبل الأزمة العالمية أساساً) ،وفي مكانٍ آخر يرجعها إلى أربع سنوات سابقة على الأزمة ،مما يسمح بالإستنتاج بوضوح أنَّ الدكتور درغام ليس على اتفاق مع وجهة نظر الفريق الإقتصادي الحكومي ،وإلاّ لما كان انتظرالأزمة "ليبق البحصة ـ السؤال" (هل يمكن الاستفادة من الأجواء الحالية لشرح وجهة نظر لم تسمح الظروف السابقة بمناقشتها مع الآخرين؟) ،ولما كان قد وصل بثورته إلى وصف ما يدور من المناقشات في السياسات الاقتصادية والمالية بالمماحكات التي تفتقد إلى الديناميكية اللازمة للإجابة والاستفادة من هذا النوع من الظروف ،داعياً إلى آفاق أرحب وأوسع من التساؤلات التقليدية والجامدة حول تأثرنا الآن من عدمه بالأزمة المالية الراهنة ،ورغم مافي الطلب من الطموح الغاضب ،الطموح بالوصول يوماً إلى استعمال العقل للإبداع لا للنقل ،والغاضب من النتائج التي تؤدي إليها سياسات الحَفَظَة النقليين ،في تكرار المكرر ،وتجريب المجرَب ،و ( عنزة ولو طارت ) ،إلاّ أنّه يتسم بالكثير من المثالية ،فالأزمة موجودة ،وكاتمة على أنفاس العالم ،وسورية والعرب من هذا العالم ،فتأثرنا بها محقق ،وربّما أكثر من البعض ،لأسباب بنيوية ،وعلليّة مزمنة ،ولانتماء جيوـ اقتصادي إلى الإقتصاد الطرفي المحيطي ،مما هو واقع لا يمكن تجاوزه ،إذا كنا فعلاً نحيا ونتنفس (مناخ قادر على الاعتراف بالإمكانات الموجودة دون تضخيم ) ،وهنا وأمام دعوة الدكتور درغام (لإيجاد مناخ مناسب ليس فقط لمقاومة الأزمة وإنما لرسم مستقبل أكثر قدرة على استقراء الأزمات والتعامل معها مسبقاً بدلاً من التعامل مع نتائجها بمنطق إدارة الأزمات ) .
أستأنف طرح الأسئلة ،حقيقة بتداع عفوي :
3ـ (مناخ مناسب ليس فقط لمقاومة الأزمة ) ،ليس فقط !! كيف ،وبماذا ،وسورية مأزومة اقتصادياً لأربع سنوات سبقت كما يقول الكاتب نفسه ،والآن تدهم الأزمة المالية العالم ،ولن تعفينا من مفاعيلها ؟٤
4ـ أمّا (رسم مستقبل أكثر قدرة على استقراء الأزمات والتعامل معها مسبقاً) ،فهنا يا دكتور اسمح لي ،مع مشروعية طموحك ونبل مقصدك ،بسؤال واقعي ،متشائم نعم ، من سيرسم ؟
فالفرد مهما أبدع ،فقد تعدّت حاجة الدراسات العصرية ،وفي كل مجال امكانيات الأفراد ،وإذاً : أين مراكز الدراسات الإقتصادية والمالية وسياسات النقد في سورية ؟ أتكلم عن مراكز دراسات علمية تقنية متخصصة، لا عن لجان وزارية (والعياذ بالله) ،ولا عن لجان سياسية ،قطرية أو قومية ،مع واجب الإحترام لكل جهد .
5ـ ثم كيف يكون (التعامل معها مسبقاً) ؟!!،إنه فهم اقتصادي طموح ،يمكن تسميته بـ (الحلول الإستباقية) ،على وزن ( الحروب الإستباقية ) ،واستعملت صيغة الجمع لأنّ المستقبل توقعي احتمالي وجلاّب ممكنات ،وإذاً بالله عليك هلاّ أفهمتني كيف تستطيع دولة ، حتى من عالم الأساطير، أن تقلب ،بكبسة زر، نموذجها الإقتصادي ،ومشاريعها ،وخططها ، /خاصـــة العشــــرية /،بالسرعة ذاتها التي تنهار بها بورصة ، أو تعلن مؤسسة مالية إفلاسها،حتى من الأوزان التي نعاينها ؟!!
6ـ أما بشأن التعامل بمنطق إدارة الأزمة : فهل التعامل وقف عند حدود المنطق ؟ أم تعداه إلى التعاطي التطبيقي ؟ فإذا كانت الإجابة على السؤال الأول بـ (نعم) ،فحمداً لله وكل الشكر ، مما يقتضي استطراداً استنتاج أنّ الـ (لا) هي الجواب على الثاني ، أما إذا كانت الإجابة معكوسة ، فسؤال واحد وحيد ، مشروع وشرعي طرحه: هل تمكنت اليابان أوفرنسا ،أو أوروبا مجتمعة من إدارة أزمة ـ زلزال بركاني ، لم يظهر منه حتى الآن غير الرأس ؟ فما بالك بسورية يا صديقي ؟ أنت الداعي إالى التواضع ،صاحب الدعوة (لإيجاد مناخ قادر على الاعتراف بالإمكانات الموجودة دون تضخيم ) ،ولكنّ انزلقت ثورة الطموح الغاضب إلى خطاب شعبوي تعبوي ، وهذا لا تتحمله الأرقام ولا جداول الإحصاء ،فمكانه علم النفس ،وفي باب /نفسية الإنسان المقهور/ ،لكنها روح الشباب الذي لم يحقق ذاته كما يتمنى ، رغبة وأماني ،وواقع إحباط مقيم ،وإلى وقفة أخرى .

الخميس، 9 أكتوبر 2008

وقفة حوار مع د.دريد درغام.. في إطار موسع قليلاً وبمقارنةٍ مع أقلامٍ أصحابُها في موقع المسؤولية الإقتصادية وربّما في موقع القرار.. بقلم : د. منير القوي

( القسم الأوّل ) :

في الحقيقة إنني أتابع ،ككل مهتمّ ،معظم الأقلام ،خاصة السورية منها ،في تناولها للأزمة المالية العالمية ،ليس من باب انتظار الحل ـ المنقذ ،أبداً ،فلست واهم ،بل أعرف (البير وغطاه )!!،وأزعم أنني درست الأوزان والحجوم ، ولكن من باب رصد مواطن لمسؤوله ،وهو يقوم بعمله الوظيفي ،في بحث عن اطمئنان وطمأنينة عند الأهل ،واجب ابن تركهم إلى ديار الإغتراب .
وملاحظتي الأولى :
هذا البون الشاسع في السوية بين مسؤولينا ،وعلى كل الصعد ،الثقافية ،والمعرفية ،والإختصاصية حتى في ذات الإختصاص ،ولئن كان التنوُّع نبع غنىً بالمبدأ ،فإنه قد يصدِّر اضطراب قرارٍ ،بل وفوضويته على صعيد المسؤولية ، سيّما إذا انعدم التنسيق المفترض بين أعضاء الفريق الواحد ،لكن دون قبول الترداد المدرسي النسخوي ،فهذا دليل عقم ،وليس دليل صحة لانسجام . وحتى لانسترسل في مقدمة تنظيرية ، لا أظن أنّ من خلاف كبيرعلى مسلماتها ، سأدخل في الموضوع فوراً :
وهو شفافية (فريقنا الإقتصادي الحكومي) ،وبالتأكيد الدكتور (دريد درغام) ليس عنه ببعيد ،بحكم الموقع الوظيفي بتحديد التوصيف . وملاحظتي الثانية :
هذه الحماية الممنوحة لبعضهم ،باسم القرار السياسي ،و"قداسة المهمة النضالية"! التي يتصدون لها في مواقع المسؤولية الموكولة إليهم ،بحيث أنّ نقدهم أوحتى سؤالهم يصبح حرجاً للصحفي والكاتب ،وللصحيفة والموقع الإعلامي ،خاصة عند من دُجِّن ففهم الصحافة وظيفة بوقية لا رسالة ،ورقيب لا كلمة شجاع ،وموقف تدليس وانتهاز ،لا نصرة حق وإعلاء مبدأ ،بل وسورة عتب حكومي،وتوجع أبوي(أبو منيري )ـ من أجواء جلسة ساخنة لمجلس الشعب بتاريخ 02/07/08 حيث قال السيّد رئيس مجلس الوزراء معترضاً:(واعترض عطري على عبارة "حاميها حراميها" والتي تخص تهريب المازوت والتي قالها أحد الأعضاء في مداخلته حيث قال رئيس الحكومة :
أتمنى ألا تطرح مثل هذه الكلمة تحت هذه القبة لأن هناك العشرات من الشهداء الذين سقطوا وهم يتصدون للمهربين الذي يحاولون تهريب المواد المدعومة من قبل الدولة لوقف نزيف الاقتصاد الوطني )!!هكذا ،كشيخ قبيلة ، وككبير "العيلة"،ماسك العصا من نصفها ،حيث العواطف الرقيقة المتوجعة المُعاتِبة ، لا المسؤوليات المحددة دستورياً ،تصبح الناظم العلائقي في ممارسة المسؤول ،ـ ومفيد العودة إلى أجواء تلك الجلسة ـ نعم تلك هي السوية عند السؤال في مجلس الشعب ،فكيف بالمساءلة ؟!! لقد اكتسب بعض أعضاء الجهاز التنفيذي (بعض الوزراء) صفة العصمة ،فلا يُسألون عما يفعلون ،وإن سئلوا يعتبون ويتوجعون ، وقد يغضبون ويثورون !!
ومع كل محذور سيكون ما أسميه حواراً،صادق نابع من القلب وصفاء النفس ،وإنْ كان ضبط العواطف والإنفعال غير مضمون ،فلئن كان قلمي مشْرَط ،فمن معتاد المهنة التي منها أعيش (الطب) ،ولئن كان ساطوراً فمن موروث مهنة الوالد التي ساعدته فيها سنين ،ولست أدري أي توصيف ووصف سيحمِّله المُحاوَر ؟
وسأذهب أولاً إلى جلسة مجلس الشعب بتاريخ 08/10/08 :
ولنعاين سويّاً:(وعن الأزمة المالية العالمية قال "السيّد عامرحسني" لطفي (وزير الإقتصاد) :
الأزمة المالية العالمية لا تزال في مراحلها الأولى وأن الإجراأت والتدابير التي تم اتخاذها عالميا ً ستمكن من احتواء الأزمة بشكل بسيط وأضاف : برأيي الأزمة ستتفاقم خلال المراحل القادمة ولكن ذلك لن يؤثر على اقتصادنا السوري كونه لم يندمج في السوق المالية العالمية ومصرفنا المركزي غير مرتبط بالنظام المالي العالمي وإن الاقتصاد السوري متزن وغير متأثر لغاية الآن )،انتهى كلام السيد الوزير مع عدة أسئلة ـ تساؤلات مستدعاة ٍ باندهاش مستهجِنٍ، مأخوذ ببعض الغضب:
1ـ ماذا يقصد السيد الوزير بقوله حمّال الأوجه :(أن الإجراأت والتدابير التي تم اتخاذها عالميا ً ستمكن من احتواء الأزمة بشكل بسيط)، هل يريد القول أنَّ احتواء الأزمة سيتم بشكلٍ سهل بسيط ؟
أو أن كل الإجراأت والتدابير التي تم اتخاذها عالمياً لن ترُّد إلا جزئياً ،وبحدٍّ محدود بسيط أمام هول الأزمة ؟
فإمّا أنني لاأفهم مايُقال ،أو أنّ السيد الوزير يقول ما لا يُفهم !! فالكلام ضبابي حمّال أوجه ،حتى الإستدارة 180 درجة .
بل والآتي ،والله ،ألعن وقعاً ،وأنكى حضورا.
٢ـ فعلى ماذا بنى السيّد الوزير رأيه الشخصي "جداً" حين يجيب ،وتحت قبة مجلس الشعب :(برأيي الأزمة ستتفاقم خلال المراحل القادمة ولكن ذلك لن يؤثر على اقتصادنا السوري كونه لم يندمج في السوق المالية العالمية ومصرفنا المركزي غير مرتبط بالنظام المالي العالمي وإن الاقتصاد السوري متزن وغير متأثر لغاية الآن ) ؟ من يصدق هذا ؟ هل هي فعلاً هذه سوية إدراك السيّد الوزير لخطورة الأزمة النقدية العالمية ،ولمعنى الإرتباط ؟ وهل تلك هي سوية إحساسه "المسؤول" بخطورتها ؟ أم أنه يجيب على أسئلة ممثلي الشعب بخفة لا تعكس بحال من الأحوال واجب احترامهم التمثيلي ،بل تستهبلهم في طقوسية واجب الرد على موقع يشغلونه ؟
فمن يصدق أنَّ سورية لا تستعمل الدولار المتقلب ،والذي هو (أخطر الأسلحة "الأمريكية"على الإطلاق) كما يقول الدكتور درغام ،وليس وحده القائل ؟
ومن يصدّق أنَّ سورية تعيش في مدارٍ نقدي مستقلٍ ،وبالتالي في حصن اقتصادي مسوَّر ،يستورد ،ويصدِّر،ويتبادل ،ويسعِّر،على كوكب آخر ،وبعملة أهل المريخ أوعطارد ،خارج العولمة وتبعاتها ونتائج مفاعيلها ؟
ومن أين أتاه هذا التأكيد "الجازم القاطع الواثق" :أنَّ (مصرفنا المركزي غير مرتبط بالنظام المالي العالمي) ؟
ياسبحان الله ،هل الدولار الموجود كقطع أجنبي في مصرفنا المركزي يحمل دمغة خاصة ،أو علامة مميزة ،يعرفها السيّد الوزير كوديّاً ،ويجهلها كل العالمين ؟
ماهذا الكلام الذي إنْ لم يكنْ "لامسؤولاً" فهو يقينيٌّ من اللغوِّ الشعبوي بامتياز .
٣ـ ماهذه النغمة المعتزّة بحصون التخلف ودفاعاته : (،ومصرفنا المركزي غير مرتبط بالنظام المالي العالمي) ،ففضلاً عن الواقع الذي يدحض كلام السيّد الوزير،ومنطق الأمور الذي لايقرّه ،فمصرفنا المركزي يحتوي على الإحتياطي المدولر ،وإنْ جزئياً ،لكنْ أساسياً ،ككل خزائن دول العالم ،إذاً هومرتبط ،وإنْ بشكل لا مباشر ،بالنظام المالي العالمي ، وأمّا أنَّ اقتصادنا السوري لم يندمج في السوق المالية العالمية ،فذلك ليس مدعاة مفخرة ، إنه فرح السلحفاة التي تتعفف عن سباقات الخيول لكبوة فرس في السباق ،في مكابرة مضحكة ،تجنبها الإقرار بالعجز عن خوض غمار السباق ،فله ليست مؤهلة ،نعم يا سيادة الوزير،إنَّ اقتصادنا السوري لم يندمج في السوق العالمية ،لخللٍ بنيوي فيه وفي طبيعته، وعجزفي قدراته التنافسية وغيرها ،ولعمري :لم أسمع في حياتي اكتشاف إيجابية في التخلف والكسل ،بل ومفاخرة بها إلاّ عند السيّد وزير الإقتصاد ،وسابقه إليها ،السيد وزير المالية ،في مقال له قريب ،على موقع شامبريس ،والذي سأعود إليه .والآن لنسمع عضو الفريق الإقتصادي الآخر،السيّد (عبد الله الدردري ) نائب رئيس مجلس الوزراء للشؤون الاقتصادية ،مناقضاً سابقه ،ومزيد ،وفي ذات الجلسة ،يتوقع :(وتوقع "السيِّد" الدردري تفاقم الأزمة المالية العالمية خلال الفترات القادمة مؤكدا ً أن نتائجها على الاقتصاد العالمي والسوري ستظهر خلال الفترات القادمة) !!
إذاً: نتائجها على الاقتصاد العالمي والسوري ستظهر خلال الفترات القادمة ،! ،أين هذا القول من سابقه ،"الجازم القاطع الواثق" أنَّ ( ذلك لن يؤثر على اقتصادنا السوري كونه لم يندمج في السوق المالية العالمية) ،بتعليل عجائبي مدعاة للألم ،لا شبهاً له ،أجمل من مثَل السلحفاة السابق ، إلاّ للفرح اللامفهوم من الذي لم يرسب بالإمتحان كابن الجيران عاثر الحظ ، ببساطة لأن الفضل ليتمه ،وضنك العوز الذي حالا بينه وبين دخول المدرسة ،فما له ووجع الدماغ ،أميٌّ هو وبأميّته فرح !!
ورغم ذلك لاينسى السيّد (عبد الله الدردري ) نائب رئيس مجلس الوزراء للشؤون الاقتصادية إعادة تكرار الكوبليه ـ اللازمة ،وإن منفرداً وبلاجوقة ،عن الإنسجام الحكومي ،مؤكِّدا (أن سياسة الحكومة متكاملة ومتطابقة مع الخطة الخمسية العاشرة وأن الحكومة تعمل كفريق واحد) ،ولستُ أدري والله أين هذا الفريق الواحد ، ولست أدري أين وجه التطابق والتكامل ،في ضوء النتائج على أرض الواقع لسياساتها ،وانعكاسها على حياة الكتلة الشعبيّة ، اللهم إلا التطابق والتكامل في انتهاء صلاحية الحكومة ،في سياساتها الإقتصادية والإجتماعية ،وفشلها المجلجل في كبح تنامي البؤس ،واستشراس اخطبوط الفساد ،أمّا السياسة الخارجية الناجحة ،والدفاعية المدققة الواعية ،فلا أظن أنْ للفريق المذكور شأناً فيهما ،وقد اقتضى التنويه لأنّ السيّد الدردري أكَّد أنٌَ الحكومة تعمل كفريق واحد ،وحسناً فعل بقوله (كفريق واحد) ،لأنّه لو رماها قائلاً : أنٌَ الحكومة فريق واحد ،لأصاب مني ومن الكثيرين مقتلاً ،فالحمد لله جاءت سليمة ،وربّما من نوادر الصدف مع فريقنا الإقتصادي !!
والآن إلى العضو ـ الركن في الفريق ،وعينه الساهرة ،كما يقول السيّد الدردري :(أن وزير المالية يتابع الواقع المصرفي السوري العام والخاص بشكل يومي) ،ولنعد إلى مقاله المذكور أعلاه ،وكان بعنوان : /الأزمة المالية المعاصرة.. بقلم : د. محمد الحسين/ تاريخ 21/09/08 ،لنجد المدرسية ،والإيديولوجية ،والدعائية التسويقية في الخوف على "الزبون" العربي الشقيق،الذاهب إلى "الدكنجي" الآخر،(ولابد من الإشارة إلى قلقنا الكبير على الأموال العربية المودعة في المصارف والمؤسسات المالية الغربية وخاصة الأمريكية وكذلك الاستثمارات العربية سواء للأفراد أو للصناديق السيادية العربية أو شركات الاستثمار العربية في الغرب ... ونحن نعتقد أنها ستمنى بخسائر كبيرة وبالتالي فإن هذه الأزمة المالية كلفت الدول العربية اكبر بكثير مما كسبته من جراء ارتفاع أسعار النفط في الفترة الأخيرة )...!!!ويكمل (لذلك كنا ندعو دائماً إلى استثمار الأموال العربية في مناطق أخرى في العالم وخاصة في الوطن العربي ذاته ) ،وإنني لأستغرب والله حين أسمع عبارة :(الأموال العربية )!! فمن قال للسيّد الوزير أنّ الأموال التي يكنزها آل سعود ،وغيرهم من معظم (حرّاس الكاز) في المصارف والمؤسسات المالية الغربية وخاصة الأمريكية ،ما زالت أموال عربية ،أوحتى اعتبرت كذلك ؟ اللهم إلاّ إذا ذهبنا بالعبارة إلى حقيقتها :(الأموال العربية المسروقة) ،والتي لا يملك لصوصها من أمر إيداعها أوتحريكها أوتوظيفها ،إلاّ تنفيذ أوامر السيد الأمريكي ،الذي قرّعهم مؤخراً لتباطئهم بإظهار "فلتة حميتهم"الحاتمية ،كتلك أيام إعصار (كاترينا)الشهير.
ثم من قال للسيّد الوزير أنَّ تلك الأموال المسروقة يمكن أن تُيمِّم وجهها إلى أي صقع عربي ،إلاّ في الإطار التبعي الأعمى للسياسة لأمريكية وتوجيهاتها ؟!! ولعل أكبر الأثافي في مقال السيّد الوزير،تعليله التقني البدعة للأزمة المالية الراهنة !!(وهو ما يعد إحدى "مآثر" إدارة الرئيس بوش في المجال الاقتصادي , الذي ألهته شعارات الحرب على الإرهاب عن معالجة أزمات الاقتصاد الأمريكي مما أوصله إلى هذا الوضع الخطير ...) في فصل ميكانيكي قسري للنتيجة عن السبب ،وكأنّ الحرب وفلكية مبالغ مصاريفها ليست في صلب الأزمة ؟
وكأن عصابة الليبراليين الجدد ،ومنهم (بوش) ،ومجموعة كارتل المصالح النفطية ـ المالية ـ الصناعية الأمريكية ،وخاصة الصناعة الحربية المتوحشة لايريدونها للإستيلاء المبرمج على ثروات العالم ؟
فالسيّد الوزير يراها هفوة وتله من الرئيس (بوش) الذي ألهته شعارات الحرب على الإرهاب !! وإلاّ لكان العالم بلا أزمات لو لم يتلهَ (بوش) "العادل" ،/ياحرام يابوش/.
والسيّد الوزير في تعليله الفذ ينسف مقاله ،متناً ومقدمات ، بل ونتائج مرجوة .
كل الجولة التحليلية البانورامية تلك ،في هذا القسم الأوّل ،لأصل إلى وقفة الحوار مع الدكتور (دريد درغام) حول مقاله الغني بالدسم ، الذي قد يزيده المخض الحواري نقاءً ،فهو من عيار آخر ،وسوية أخرى ،رغم انتماء مدير المصرف التجاري السوري إلى محيط الفريق الإقتصادي ،بحكم موقعه ،الذي ربّما يقدّم الغنى في التنوع،حاجتنا الماسّة لتفكير نقدي ـ اقتصادي يستجيب للملِّح من التطور ،والرّد الإيجابي الدينامي للحالات الطارئة ،كالأزمة الحالية ،ولرفض الإتكاء عليها واتخاذها مشجباً لتعليل ذرائعي وتعليق الفشل عليها،سبباً ونتيجة ،والإستمرار في المقولة ـ المزرية :(كلّ الحقّ عطليان)،وغير الطليان ،أمّا المسؤول عن الفشل فمغلوب على أمره .... /المسكين !!!/،فإلى القسم الثاني لاحقاً .

الأربعاء، 8 أكتوبر 2008

صندوق النقد الدولي والعولمة.. بقلم : الدكتور منير القوي


مما أصبح جليّاً ،أنَّ برامج صندوق النقد الدولي قد طُوِّرَتْ ،بحيث انسجمت دائماً ،ولم تخرج أبداً ،عن النسق المبرمج لسياسات العولمة ،وبكل أبعادها ،وتمظهرات تحققاتها ،والتوجه المرسوم لمخططاتها ،لبلوغ أهدافها الموضوعة مسبقاً ، وليس كما يُحاوَل إظهارَها ،مع الأزمة المالية الحاليّة ،على أنّها أزمةٌ سببها إقراض عقاريٌّ أمريكي ،عالي الخطورة ،غير مدروس كفاية ، أي اختزال الأزمة إلى "خلل تقنيّ" يتحمّل مسؤوليته موظّفون تنقصهم الخبرة ، وغير أكفّاء ،أو ارتكبوا الخطأ سهواً ،أوعن قلّة احتراس أو إهمالٍ حصل أو يحصل ،مما لا تنكره طبيعة العمل البشري ،القمينة ،وبطبيعتها أيضاً ،بتداركه وتصحيحه ،مادام قد فاتها تلافيه ،في محاولة مخادعة للقفز،وعدم الإعتراف بحقيقة الخلل /البنيوي ـ الأساس/ الذي يعتورالإقتصاد الليبرالي العالمي ـ المؤمرك أو المعولَم ،في أحاديّة اتجاهه المنفعي ،وبتقسيم صارخ في "لاتكافئيّته" ،و"لاعدالته" ،بين مركزٍ يملك الحق في كل شيء ،ومحيطٍ "يملك الحق في الخضوع فقط " لقرارات المركز ،ومتطلباته ،ووصفاته ،لا في الحرمان التاريخي الإجرامي للمحيط من أسباب التطور العلمي ،والتقني خاصةً ،وفقط ، ولا في قبول هذا المحيط أن يكون مصدر المادة الأوليّة ،بما فيها إنسانه المشيّأ ،،ولا أنْ يكون سوق استهلاك لفائض منتجات المركز الرأسمالي المهيمن ،بل أنْ أنْ يقبل أن يكون مكبّ نفايات المركز السّامة ،يعني ببساطة ""مزبلة"" المركز السيّد المرفّه !!.
منطق دعاوي ايديولوجي ،نفاقيٌّ أخلاقوي ،لا يزوِّر الواقع الكارثيّ فقط ،بل يجعل من مساعدة المؤسسات الماليّة المنهارة أو المهَدَّدة ،ضحيّة هؤلاء "اللا أكفّاء" ، واجب أخلاقيّ ،فضلاً عن كونه برنامج إنقاذي للنظام المالي العالمي ،الذي هو صحيح في توجهاته!! ،وإن بدت الأزمة الحاليّة دليل تعثّرٍ ،ففي التطبيق فقط ،إنّه خطأٌ تقنيّ وحسب ،!!
.هكذا وباستعمال تسوناميٍّ لآلة الإعلام الغربية الجبّارة ( الميديا المسيطر عليها نيوكولونيالياً) ،يحاول مركز السيطرة الأمريكي المقرِّر للسياسة الإقتصادية العالميّة ،وليس المالية فقط ،منذ فرض الدولار الورقي الأخضر ،بديلاً للمعدن الأصفر(الذهب) ،كاحتياطيٍّ معتمَد في الخزائن المركزيّة لدول العالم ،كليّاً أوجزئياً ،تاجر الحروب الدائم هذا ،بحكم بنيوية نشأته ،واهتمامه المهووس بتطويرصيانة وسائل هيمنته ،وترسيخ دعائم مركزية قيادته المهددة دائماً بعوامل التآكل والمنافسة ،وربّما بأسباب التحدي والتمرد من هنا وهناك ، ،يعاونه الدّائرون في فلكه ، من الشركاء ،والمستفيدين ،والأتباع المضاربين ،واللصوص المودعين ،من كبيرهم المحتكرللُقْمَة فقراء الكوكب ،والمعيق باحتكاريته المتوحشة لأسباب تطوُّرهم ، إلى السلطات الوظائفيّة ـ الزبائنيّة المعّينة ،إلى آخر مافيوزيٍّ أو مافيوزوي ،وإلى أصغرمبيض أموالٍ، من سارقي خزائن شعوبهم ،وتجّار المخدرات ،والأسلحة ،وملوك تجارة الجنس وسياحاته المنحرفة ،وأصحاب شركات وشبكات لإتجار بالرقيق الأبيض (ممن طوّروا أساليب واسثتمارات أسواق النخاسة المستنكَرَة ،وتجارة العبيد المدانة )، في منظومة اخطبوطية مصرفية نهمة ،تشكِّل المضاربات على الحبوب ،ومواد الطاقة ،والعقارات ،واجهتها المعلنّة ،في الجزء الضئيل الطافي والمعايَن ، ليبقى الأعظم من اخطبوتيتها مقيم في ظلام قاعات القرارالعميقة المغلقة .
والسؤال لماذا صندوق النقد الدولي ؟
بالتأكيد ليس من الجواب استعراض هيكليته ،إلاّ بما تقتضيه المقالة من الهدف الأمريكيّ لإنشائه ،والسياسات النقديّة الموكولة إليه ،وبالتالي تطور برامجه المرحلية وإدارته ،اتساقاً مع الأهداف المستجدة ،والمرحليّة أيضاً،استجابة ودعماً لسياسات الإدارات الأمريكية ،منذ ماعُرف اصطلاحاً ـ جيوسياسيّاً بـ (عصر الحرب الباردة) ،وإلى يومنا ،بما يصطلح عليه بـ ( عصر العولمة ) ،والأصح ( عصر الأمركة ) بلا أقنعة ولا تمويهات ماكياجيّة ، ولعلّ الوقوف عند إدارته الحاليّة ،يسمح بتوفير مدخلٍ إلى فهم تلك المؤسسة ونشاطاتها ،والتي تجد نفسها متموضعةً في تعاونٍ وثيقٍ ،وتكاملٍ محكم ،مع توأمها ،مؤسسة (البنك الدولي ) ،والمعروفتين بـ "مؤسستي بريتون وودز" ،المولودتين عام 1944 أثناء مؤتمر لزعماء العالم في (بريتون وودز) بولاية نيوهامبشير الأمريكية ،لوضع الاقتصاد الدولي على الطريق الصحيح !! بعد الحرب الإمبرياليّة الثانية ( الحرب العالمية الثانية ) .
على رأس صندوق النقد الدولي حاليّاً رجل الإقتصاد الفرنسي،"الإشتراكي" (دومينيك ستراوس كاهن) ،منذ حوالي السنة،وكان قد رشحه وأوصله الرئيس الفرنسي "اليميني" ،السيّد (ســـاركوزي) ، ولئن كان اقتصاديو الغرب ،بيمينهم ويسارهم ، بماركسويهم لا ماركسييهم ،هم أبناء شرعيّون لثقافة (مشروع مارشال) وأخلاقيته السياسية ،وبالتالي فالنموذج الأمريكي فنارهم وهاديهم،فلماذا كان السيّد (دومينيك ستراوس كاهن) "الإشتراكي" ،رجُل الرئيس الفرنسي "اليميني" ؟!! علماً أنّ لدى السيّد (ساركوزي) في معسكره العشرات من العتاة المؤهلين .
من المعروف أنَّ رئاسة صندوق النقد الدولي يشغلها أوروبي غربي ،ترشحه أوروبا وفق معاييرمحددة ،وتقرُّه أمريكا ، ضمن شبه (دفتر شروط) ،وهي التي انطبقت على السيد (دومينيك ستراوس كاهن) "الإشتراكي"!!صاحب الإيديولوجية الشهيرة التي يلخصها بجملتين (إن الحل يتمثل في :
١ـ التقنينات الجديدة.
٢ـ مرحلة طويلة من "الفوضى الليبرالية" . )
- فأوروبياً :
ــ إنَّ السيّد (دومينيك ستراوس كاهن) ،هو من أكثر الإقتصاديين الفرنسيين حماسة لليبرالية الإقتصادية الأوروبية ،لا الفرنسية فقط ،وهو الإيديولوجي المؤمن أنه :لا زال بإمكان "اليسار" أن يفعل داخل الاقتصاد (الليبرالي )المعولم الجديد !! (ربّما بتدخلية الدولة !! ) ،وهو وزير الإقتصاد والمالية الفرنسي لمرات متعددة مع الحكومات لإشتراكية المتعاقبة منذ حكومة السيّدة (اديت غريسّون) عام 1992 ،وإلى حكومة السيّد (ليونيل جوسبان) الإشتراكية الأخيرة عام 2000 .
ــ وهو أحد فيلة الحزب الإشتراكي ،الذي قدّم للسيد ساركوزي جليل الخدمة بمنافسة ،وإضعاف ،السيدة (سيغولين رويال) في التقدم إلى الترشح لمنصب الرئاسة الفرنسية ،مما يردده أنصار (رويال) ،أنَّ منصبه كرئيس لصندوق النقد الدولي هو المكافأة ـ الثمن المتفق عليه (ربّما ؟!!) ،وهم يطلقون على السيد( د .س .ك) اللقب المزدري : (كوريدا) ،الذي يعني فيما يعنيه : الإنتهازي المستعجل إلى الكرسي ،الدردور الدّوامة ،والمُهيِّج للدهماء لاهتبال الفرصة ،وكلها مزايا مزدراة .
ــ وقبل كلِّ ذلك هو زوج السيّدة ( آن سانكير ) ،الصحفية والإعلامية الأولى في ثمانينيّات ،وتسعينيّات القرن المنصرم ، والتي تكبره بسنة ،وهي التي فتحت أمامه الأبواب والطريق السياسي ، بذكائها ،وحضورها المحترم المميّز،ومهنيَّتها ،وطلّتها الجميلة ،كأجمل صاحبة ""عينين خضراوين ""عرفتهما شاشة التلفزيون الفرنسي ، خاصة في برنامجها السياسي (7/7) بين عامي 1984 ـ 1997 على شاشة (ت.ف.1) .
ـ وأمّا أمريكيّاً :
ــ ففي عهد وزارته الفرنسية للمال ،نقلت شركة (بيشيني) للصناعات المعدنية (الومينيوم) مقرها إلى نيويورك ،بكل رمزية تاريخها ،وما خلّفته من بطالة ، ولم يجد السيّد الوزير موقفاً ،إلاّ تعليقاً تجاريّاً ،لا يصدر إلاّ عن ليبراليٍّ قحٍ :(لقد جمعت "بيشيني" قواها مع قوى الكندية "ألكان" الأكبر منها، وهذا هو السر في أن المقر المركزي يوجد بنيويورك برئيس سيكون فرنسيا.)!! مع أنّ السيّد (د.س.ك) يستنكر وصفه بالليبرالية !!.
ــ السياسات التي اعتمدها في مواقعه الرسميّة الوزارية ،إقتصاد ،ماليّة ،في الحكومات""الإشتراكية""الفرنسية بين الأعوام 1992 ـ 2000 برهنت عن اندماجية كلية ،مع توجهات العولمة ،وتبعية كليّة لقيادة وتوجهات ،وتوجيهات ،النظام النقدي العالمي ،وآليات مؤسساته ،بالزعامة أحادية القطب الأمريكية .
ــ من موقعه الأكاديمي في جامعة (بونتواز) الفرنسيّة يعدُّ من كبار المنظرين للعولمة الإقتصادية ، خاصة من موقعه القيادي في الحزب الإشتراكي الفرنسي ،على قاعدة " وشهد شاهد من أهله" بالمعنى السلبي ،المؤكد لإفلاس التوجهات الإشتراكية وايديولوجياتها ،حتى في وجهها الإصلاحي المهادن ،المعروف عن نسخة "الإشتراكية الثانية" ،وأطياف مدارسها المتعددة .
ــ الجهود التي قادها بكفاءة ،كوزير للمالية ،في الإيقاع بالعمل النقابي وتقسيمه المواقفي ،مع القرارات الضريبية ،وسياسات الخصخصة ،والإصلاحات الشكلية للأجور والإعانات الإجتماعيّة ،والتي كان لها كبير الصدى في منطقة الـ (أورو) ،وكل الرضى من التوأمين "مؤسستي بريتون وودز":( البنك وصندوق النقد الدوليين ).
والسيّد (د.س.ك) ،بعد تسلمه إدارة (صندوق النقد الدولي ) ،يتابع ذات السياسات ،ويتردد أنّه يمارس ،ومن ضمن مهامه ،وظيفة المستشار للكثير من كبارأصحاب القرار ،ومنهم بالطبع راعيه ،وموصله إلى موقعه ،الرئيس الفرنسي السيّد (ساركوزي) ،الرئيس الدوري الحالي للإتحاد الأوروبي ،صاحب المبادرات والدينامية المشهودة ،خاصة بدعوته لاجتماع باريس الرباعي (الفرنسي ـ الألماني ـ الإيطالي ـ البريطاني ) ،واقتراحه إنشاء (صندوق أوروبي مشترك) للتصدي المنسق للأزمة المالية الراهنة ،والذي جوبه بالموقفان المعارضان :
١ـ الألماني الرافض كليّاً لتحمّل مسؤولية الأزمة ،أوحتى بعضها ،والتي هي أمريكية حصراً،فعلى الولايات المتحدة تحمّل نتائجها ،معدعوة كل دولة للتصدي لانعكاسات نتائج الأزمة على أسواقها المالية وبورصاتها ،بامكانياتها الخاصة .
٢ ـ الإنكليزي الرافض لـ (للصندوق المشترك المقترح)،ولكن من منطلق آخر تماماً :
هوأيضاً دعوة كل دولة للتصدي لانعكاسات نتائج الأزمة على أسواقها المالية وبورصاتها ،بامكانياتها الخاصة ،ولكن من ضمن الآليات المتاحة ،بمعنى من ضمن آليات السوق المالية العالمية ،المصممة أمريكياً قيادة وآليات ( "مؤسستي بريتون وودز":( البنك وصندوق النقد الدوليين )ومتابعة سياسات العولمة مع التعديل التدخلي المقبول أمريكياً.
وبالمحصلة :
إسقاط الطموح الساركوزي ،وبالتالي الأوروبي ،لاستغلال الأزمة ،وإنشاء صندوق مالي أوروبي ،لا ليكون بديلاً للمؤسسات والصناديق الأمريكية ،أبداً ،ولكنْ ليكوِّن نواة قوة مالية ،خارج السوق الأمريكية ،ذات وزن مستقبلي في تقريرالسياسات المالية الدولية ،وهو ما ترفضه بشدّة الولايات المتحدة الأمريكية ،تؤيدها مُعرقلةً ،تابعتها الطيِّعة دائماً : السياسة الإنكليزية ،اللغم الأمريكي المقيم في خاصرة المشروع الأوروبي ،وإلى أجلٍ ،بالتأكيد ليس أبدي .
يبقى سؤال مشروع : إذا كانت اقتصاديات كبرى تنوء بسياسات العولمة ،وايديولوجيتها الليبرالية ،التي تعلن عرجها وبوادر إفلاسها ،حتى في أوساط ولادتها وتوظيفها ،وإذا كانت وصفات صندوق النقد الدولي المطبّقة في دول "المحيط الرأسمالي" ، قد قادت إلى تعميق هوَّة البؤس والفقر عند الشرائح الإجتماعية الدنيا ،وزادتها كمّاً بإفقار الشرائح الوسطى المضافة ،ـ (بالطبع للإقتصاديات الريعيّة آلياتها المختلفة ، وإنْ كان استنزافها بيّن جليّ )ـ ،وفي واقعنا العربي المثل المصري والمغربي والأردني و............،فماذا ينتظر التلامذة الليبراليون الأغرار من الجري وراء السياسات الليبرالية ووصفات مؤسسات العولمة ؟!!
ألا تكفي الأمثلة المذكورة ؟!!
أم أنّه دور متعمّد وحرب بالتخريب ،بلا قعقعة سلاح سافر البغيِّ ،أو رائحة بارود الغزاة ؟
أليس التساؤل مقلقٌ فعلاً أمام زنخ الفساد والإصرار على الوصفة القاتلة ؟
بل أوليس السؤال أكثر من مشروع ؟!!!

الأحد، 5 أكتوبر 2008

مقال: إفلاس الإيديولوجية الليبرالية - بقلم: د.منير القوي


قصير عمر الإنتصار الذي أعلنه أبطال نادي الإيديولوجية الليبرالية ،بقيادة الكاوبوي الهوليودي،عقب انهيار قلعة الإيديولوجية الماركسية النقيضة ،وزوال (امبراطورية "الشّر" السوفيتية) .
تحتضرالإيديولوجية الليبرالية ولم تبلغ العشرين من عمرانتصارها ،والألعن يهرول ناديها ،وفي قلعتها الأمريكية بالذات، إلى وصفات الماركسية ،في محاولة إنعاش "المنتصرة" المحتضرة !!، فكم من النظريات الإيديولوجية "الفانتازية" سنجدها قريباً على المحفّات ،في مواكب التشييع ،بلا دموع ،إلى مقبرة إيديولوجيات التاريخ ،الباقية وحدها حيّة ، وتسقط الإيديولوجيات أو تتساقط ،ولن تكون الليبرالية آخرها ،ولن تكون استثناءً من المصير المحتوم ،نظرية ( نهاية التاريخ ) الفوكوياماوية ،الإحتفالية ،استبشاراً ،بملهمتها المنتصرة ،الإيديولوجية الليبرالية ، منذ أقل من عقدين .
فهل عصر السرعة الذي نحياه ،وسم أعمار الإيديولوجيات ،كما احتفالاتها ، كما إنجازاتها ،ايجاباً أوسلباً ،وجعل لها صفة "الأزياء (الموضات) الموسمية" أوخفَّة وسرعة "استعمالية محارم (الكلينيكس)" أو "شفرات الحلاقة ذات الاستعمال الوحيد" ،الحادة نعم ،ولكنْ لمرة واحدة ؟
هل سيصبح سقوط جدار برلين تفصيلاً وفاصلة ،أمام الآتي من زلزال عظيم ؟
وهل بدأت حضارة العنف ،والدم ،والبارود ،والدّمار الذاتي،التي قادها "السوبرمان الأبيض"لابتلاع العالم ،تتقيأ صديدها ،بدأً من انهيارات الأسس الملحية لاقتصادها الذي راكم ثروات الشعوب المنهوبة ،المستعبدة ،بل والمبادة ،خارج مركزه الأوروغربي ـ أمريكانويانكي ،خاصةً منذ عام 1492 ،تاريخ وصول الفاتح الأبيض ،بكل عنصريته وإجرامه ، لما يعرف حالياً بالقارة الأمريكية ،التي أطلق عليها تضليلاً( أرض الميعاد ) ،كعادته في إلباس جرائمه وجشعه ،لبوساً عقائدياً أخلاقيّاً خادعاً ، وتبرير إجرامه ،تطهُّريّاً ،أمام نفسه المضطربة المريضة ،وأمام ضحيته ،التي يجب أنْ تتفهم نُبْل "إجرامه" فهو يقتلها بقلب خاشع ،وضمير مرتاحٍ رحيم ،لا يقصد إلا تخليصها من عذابها ،من وجود قاسٍ ،تعانيه ويؤلمها ،فهجره نعمة ،وتركه حكمة ، ومَنْ أدرى بنعمة الموت والفناء ،مِنَ القاتل رحمةً ،السيّدُ الأبيض ،النبيل حتى وهو يقتل ،حريصاً على مشاعر الضحية وكرامتها ؟!!
وكم جحدت الإنسانية "فضائله" ،مع أنَّ جلاءها كعين شمس الضحى ،لكنّ الجاحد ذاك ديدنه ،فحتى بنعمة الله من المنكِرين !!
ومن آخر فضائله ـ المآثر : الأزمة المالية الأخيرة ـ الحاضرة ،والتي يبدو أنّها ستتسع وتدوم ،فمن الولايات المتحدة ـ أرض الميلاد ـ انساحت تدريجيّاً إلى أوروبا .
وفي محاولة لإيقافها ،وحصر مفاعيلها ،تصورت الحكومة الأمريكية مخطط إنقاذ بقيمة /700 /مليار دولار،وعلى مايبدو،فإنَّ تدخُّل الدولة أصبح مطلباً ملحّاً عاماً ،بعد مبادرة الحكومة الأمريكية التي أسقطت الـ (تابو) ،الذي طالما حملت رايته ،مما يقدّم الشهادة ـ الإدانة ،والعلامة ـ الصّفعة لفشل السياسات الليبراليّة ،ووصول أساسها الدعوي الإيديولوجي إلى الإعتراف برمليّة القواعد ،إنْ لم يكنْ بوهم وواهي إثبات وجودها أصلاً ،ورغم ذلك فقد انقسم "المؤمنون"الليبراليون في مجتمعات الغرب ،لا أمريكا فقط ،إلى :
١ـ متصلبين أرثوذكس ،رافضين تدخل الدولة في آلية السوق ، معتبرينه "اعتداء" ،داعين إلى المزيد من الليبرالية ،بترك السوق المالي ،لآلية تطورها الذاتي وتوازنها التلقائي العفوي ،ببساطةٍ : (لقانون العرض والطلب) اللامقيَد إلاّ بذاته ولذاته ،بكل نتائجه المحتملة ،لا الربح والخسارة فقط ،بل واحتمالية الركود أيضاً ،والتي هي من صلب حيوية طبيعته المتغيرة ،المتطورة ،وحتى الدوريّة أيضاً (مسلمة الدورات الإقتصاديّة) المعروفة .إجابة كلاسيكية إيمانية ،بل ومرجئة أمام أزمة مالية عاصفة ،منذرة بانهيار النظام المالي العالمي !!
٢ـ وفريق آخر ،أقلُّ تشدداً ومحافظة ،وأكبرعدداً ،في منطقة الـ (أورو) خاصةً ،قبل بتدخُّل الدولة استثنائيّاً ،وضمن شروطٍ خاصة ،منها طبيعة الأزمة الإسعافي ،المتفاقم الضاغط ،والمنذر بنتائج كارثية ،على النظام الإقتصادي العالمي .
هكذا استطاع وزير الخزانة الأمريكي (هنري بولزون) تمرير مشروعه لدى المشرِّع الأمريكي في 02/10/2008 ،بعد رفضه ،في عرضه الأول ،من قِبَلِ مجلس النواب ،قبل ثلاثة أيام في 29/09/2008 ،وتحت ضغط سياسي مستمر، ليس من الإدارة الأمريكية فقط ،ولكن أيضاً من الشركاء وراء المحيطات ،في أوروبا وآسيا ،وحتى من الحليف الشمالي الكندي ،الذي اتخذ موقفاً نقديّاً تقريعيّاً متقدّماً ،حتى على الموقف الألماني الذي حمّل الإدارة لأمريكية المسؤولية ،ودعاها إلى تحمّلها ،وقبول نتائج مفاعيلها ، وكذلك تحت ضغط إنذارمؤشرالبورصات العالمية المهدد بالإنهيار،وسرعة تضخّم كرة الإفلاسات البنكية المتدحرجة ،بسبب الأزمة الناتجة عن القروض الأمريكية عالية الخطورة ،ونتائجها خاصة على صغار المودعين،والذي لم يعد أمريكياً فحسب ،ولكنْ أوروبياً كذلك ،مما أجبر ألمانيا ،ومجموعة الـ (بنولوكس : بلجيكا ،هولندا،واللوكسمبورغ) ،وخاصة بريطانيا ،إلى تأميم المؤسسات المالية المهددة بالإفلاس ،في خطوات عادت الدولة فيها للعب "دورها المغيَّب ،الراعي ، الموجِّه والضامن" بعد تجاهل وإقصاءٍ له لصالح السياسات الليبرالية الإقتصادية ،ومؤسساتها المالية المتحررة من كل رقابة للدولة ،خاصة في نشاطاتها المتعدية لحدود الدولة ،بحثاً عن الربحيّة السريعة (مضاربات ،تأمينات في مناطق لا مستقرّة ،توظيفات وهميّة ،قروض غير مدروسة ،عالية الخطورة ) ،وبتشجيع من نظام ماليٍّ عالميٍّ ،تقوده السياسات الأمريكية اللامسؤولة ،والمنطلقة من محليّة أمريكية ،هي العالمية المبتسرة ،بتجاهل كليٍّ لبقية العالم ، في عولمة مؤمركة ،نافية لكل ماهو خارج حدود ولاياتها ،في اختزال للعالم وحاجاته ،وحتى أزماته ،إلى حدود ضيّق محليّة رؤيتها ،وأنانية مصلحتها ،لا في (وول ـ ستريت ) ،وبنوكها ،فقط ،بل في تشييئها الآخر ،سلعة وأداة استعمال لحل حاجاتها وأزماتها .
ومما لاشك فيه فإن البرنامج الإنقاذي المُمَرَّر بشبه (تهريب) لدى المشرِّع الأمريكي (حيث صوت مجلس الشيوخ قبل مجلس النواب في عرضه الثاني المعدّل ،مخافة أنْ يرفض مرّة أخرى من قبل النواب ) ،وفي ظروف حملة انتخابيّة ، لكلٍّ حساباته الخاصة فيها ،من جمهوريين وديمقراطيين ،إلاّ أنَّ مبلغ الـ 700 مليون دولار ،المجزأ والمشروط ،والمراجَع التقييم بعد سنة ،يبدأُ خطاه أعرجاً ،فمبلغ الأزمة المقدر حتى الآن تجاوز الترليون دولار( الف مليون ) .ويبقى بعد إقرار العلاج التلطيفي " البولزي "الذي أجَّل الإنهيارالمالي (لاكراش) ،فإنَّ خطراهتزاز الثقة بالدولار،قائم ،وإنْ وقع ،فسيؤدي إلى انهيار العملة الأمريكية ،وبالتالي انهيارالنظام النقدي العالمي ،كقصر من أوراق اللعب المتكاتفة ،حيث الدولار (حجرسنّمار)الأشهر، في توازنها القلق .
فهل آنَ الأوان لمراجعة مركزية الدولار في النظام النقدي العالمي ؟ الذي أصبح منذ الحرب الإمبريالية الثانية ،وحدة الإحتياطي الحقيقية المعتمدة عالمياً ،بل أصبح في تماه مع ذلك النظام النقدي ،واسمه الفعلي لا الرديف .
وهل سيتوصّلُ إلى اعتماد سلّة العملات الموعودة ؟
وقبل كل ذلك : يبقى السؤال المركزيُّ مطروحاً ،هل سيخرج العالم من أحادية قطبيته السياسية فقط ، وهي في الأفق القريب ، أمْ سيحصنها بتعددية قطبية مالية ـ اقتصادية ،فتكون "الليبرالية المفلسة" ،قد أسدت الخدمة ،التي طالما عرقلها غودو الإيديولوجي الليبرالي ،بغده الموعود ، ولتسعة عقود .
داسك سيريا

السبت، 4 أكتوبر 2008

السذج فقط يفاجؤون : حين يضيف قاطع الطريق صفة النصّاب إلى سجله !!.. بقلم : د. منير الـقوي


عجيب هذا العالم الذي يتفاجأ بالأزمة الماليّة المعولمة الحاليّة ،والأعجب ،هو لغة نفاق وتنافق ،بعض الأسماء الكبيرة ،من مراكز دراساته ،التي تدَّعي ـ تذاكياً ـ أنها أشارت ، وأنها حذَّرت ،مُسوِّقةً تشاطرالإكتفاء بالقراءة ـ الإجتزاء لنصف الآية ـ المثل :
(لا تقربوا الصلاة) !!،بإغفال التتمة المؤطِّرة للأمر ـ الحكمة :
( وأنتم سكارى)، في عدم الإشارة إلى شبه إجماعها على ( ولكنْ ) :
( لا طريق آخر ) سوى القبول والإستسلام للعولمة الإقتصادية ،وبقيادتها الأمريكية ،لا مع إدارة المحافظين الجدد الحاليّة فقط ، بل منذ الثمانينات من القرن المنصرم ،وقيادة الإدارة (الريغانية) ،أنذاك ،للمشروع الأمريكي التّوسعي ،المسلَّح بعتاد (حرب النجوم ) ،التي يتذكرها المسنّون منّا ، وقرأ وسمع بها الجميع .
حيث بدأ الإعداد لولادة منظمة أكثر كفاءة واستجابة ، تخلف "الاتفاقية العامة للتعريفات والتجارة" (الجات) والتي أنشئت في أعقاب الحرب العالمية الثانية، فكان العام 1995 تاريخ ميلاد ( منظمة التجارة العالمية ) التي لُخِّصت أهدافها ،بهدفين ـ شعارين ، بمنتهى النبل ""كالعادة (؟!!!)"" :
١ـ ( إقامة عالم اقتصادي يسوده الرخاء والسلام).
2ـ (نشوء عالم اقتصادي مزدهر يتمتع بالسلام ومسؤل بصورة أكبر).
ومن نشاطاتها ـ المهام ـ الهدف :
المساعدة في سريان وتدفق التجارة العالميّة بسلاسة ،وبصورة متوقعة وبحرية.
وتقوم المنظمة بذلك عن طريق:
(١ـ إدارة الاتفاقيات الخاصة بالتجارة.
٢ـ التواجد كمنتدى للمفاوضات المتعلقة بالتجارة.
٣ـ فض المنازعات المتعلقة بالتجارة.
٤ ـ مراجعة السياسيات القومية المتعلقة بالتجارة.
٥ـ معاونة الدول النامية في المواضيع المتعلقة بالسياسات التجارية من خلال المساعدات التكنولوجية وبرامج التدريب.
٦ـ التعاون مع المنظمات الدولية الأخرى.).
بالإرتكاز على البندين الرابع والخامس ،أعلاه ،وقبلهما :
بتكريس السيطرة السياسية ـ الإقتصادية الأمريكية ،منذ الحرب الإمبريالية الثانية ( الحرب العالمية الثانية ) ،على المحميّتن الأمريكيتن الكبيرتين :
آـ أوروبا الغربية : التي وضعها (مشروع مارشال) على سكّة التبعيّة والتطابق ،لا التعاون والتكامل فقط مع المشروع الأمريكي ،بل في وضعية التبعيّة له بلا مواربة .
بـ ـ اليابان : كمشروع اقتصاديّ بحتْ ، منزوع السلاح ، تحت الحماية والتوجيه السياسي الأمريكي المباشر في بعض الأحيان ،واللامباشر في بعضها الآخر ،عبر السيطرة على الحياة السياسية اليابانية ،وعلى القرار السياسي الياباني " المستقل".
جـ ـ بمحاولة السيطرة والتوجيه ،بل والتدجين ،للنمور الإقتصاديّة الآسيوية ،بتحديد المواصفات ،وتقنين سياسات المنافسة والتصدير والتسعير،وتكتيكات سياسة فتح أوإغلاق الأسواق ، وخاصة الأمريكية ،بوجه هذا المنتوج أوذاك ،وهو "حقّ أمريكي حصري" غير مباح لأيِّ عضو آخر في ( منظمة التجارة العالمية )، الحرّة بالطبع ،كما مارسته الإدارة الأمريكية مع مادة الفولاذ اللاأمريكي/استيراداً/ ومع مادة اللحوم الأمريكية /تصديراً/، برغم أنها مرفوضة المواصفات صحيّاً ،في المجتمعات التي دعت إلى مقاطعة مادة اللحوم الأمريكية بسبب الأعلاف المهجنة ،وإمكانية الزيادة ،المثبتة علمياً ،في نسبة الإصابة بالسرطان لدى مستهلك تلك اللحوم .
وبالتأكيد ،كلّ السياسات مباحة للسيّد الأمريكي المهيمن ،فإنْ لم تفلح "سياسة الجزرة" باليد الممدودة ،فـ "سياسة العصا" جاهزة باليد المرفوعة ،ووسائلها تتدرج :
من لعبة الدولار ،والسيطرة الرقابيّة على النظام المصرفي العالمي ،وحركيّة مدّخراته وسيولته وتنقلاتها ،وحجوزاتها المسيَّسة ،إلى التخريب لاقتصاديات المجتمعات اللامدَّجنة ،بدسِّ "العملاء /الموضوعيين/ المُعَدِّين"،تأهيلاً وثقافة ،وذهنية مستلَبةً ،مبهورةً بالنموذج الأمريكي ،وبريقية حلمه (البروباغاندي) الهوليّودي ،كخبراء ومخططين وكبارموظفين ،وحتى حكومات ،ببرامج مكتبيّة ،غارقة في مماحكات التنظير،والإرتكازالسلبيِّ على ذريعة "أسلوب نموذج فشل في تحقيق أهدافه المتوخاة "،ليتقدموا بالوصفة الجاهزة ،التي لا تقف عند إعادة النظرفي الأسلوب ومعوقاته ـ العثرات فقط ،بل تتعدّى ذلك إلى نسف النموذج كلياً ،وخاصة إيجابيّات بعض منجزاته ،وصدقيّة أهدافه وتوجهاتها ،في حملة حقد أيديولوجي مسفهة مشيطِنة ،في إعداد مبرمج لانقلاب على الثوابت ـ الأهداف ـ التوجهات ـ الموجِّهات، منفِذين لسياسات توأميّ مؤسستي "بريتون وودز"،(البنك الدولي ) و( صندوق النقد الدولي ) ـ الحالة المصريّة نموذجاً في الإنقلاب المستمرـ الساداتمبركاوي ،على مصر العربية الناصرية ـ ،فإلى الحصار الإقتصادي بدرجاته المختلفة الشدّة والإنتقائية ،بإصدار القرارات الدولية ،باستخدام أنظمة وهيئات منظمة الأمم المتحدة ـ ( التي تبدو متحدةً في بُعْدٍ واحد : هو تنفيذ الأمر الأمريكي ،واتباع المشيئة الأمريكية ،بعلاقة عابدٍ ومعبود ،عبْدٍ وسيّد ) ،وصولاً إلى استخدام القوة المسلحة وشن الحرب ،تحت عاصفة من الأكاذيب والتضليل ،والزنى الأخلاقي بالأهداف الإنسانيّة الساميّة ،ودعاوى الدور الأخلاقي الأمريكي التحريري ، التحضيري ،التنويري ،وهو في الحقيقة صخب استعملت فيه آلة الإعلام العصرية الجبارة ،الممتلكة أمريكياً بلا منازع ،لتغطية سلوكيات (قاطع الطريق) ،الكاوبوي المرضي السلوك ،بعنجهيته ،وجنون كليّة عظمته ،واحتكامه لمرجعية جبروت قوته ،التي هي وحدها صاحبة القرار الفيصل ،في المسموح والممنوع ،فيما هو "عدل" وحقّ ،وما هو "ظلم" وباطل ،في فيلمه الحيّ المستمر ،في عربدته ،وصلفه ،على مسرح العالم ،منذ /الحرب الإمبريالية الثانية / ، في فلسطين وفييتنام وكوبا وتشيلي ونيكاراغوا وبنما وغرينيلاند وأفغانستان وصولاً إلى ""السطو المسلح الوصوف"" في الغزو الهمجي الأمريكي ـ التُّبعي للعراق واحتلاله ،وتهشيم دولته ،والمحاولة المستمرة لتفجير مركّب مجتمعه ، ومحو تاريخه ،وانكار هويته أو وحدتها وتكامليتها ،في أضعف الهدف السطوي ـ اللصوصي ،المتعطش لمخزون (النفط العراقي ـ الكنز) ،هدف السطو الذي ما عاد يختلف في الإعتراف به أحد ، حتى من العتاة في إدارة المحافظين الجدد ،وأذيالهم على خريطة العالم المؤمرك .
وما غيّر ،ولن يغيّر في وصف السطوالآمريكي المسلح على الكنز العراقي :لا قرارات " مجلس الأمن !!" الذي لعب دور " المحلل الشرعي المزيف " لاغتصاب موصوف :لسيادة دولة ،هي (العراق) ،وحرمة مجتمع ،هو(مجتمع العراق) ،وجريمة ابادة جنسٍ ،بتعريف الشرعة الدولية ،وبعرف القيمةالإنسانية ،هو(شعب العراق) .قاطع الطريق ـ اليانكي هذا ـ كشف عن سلوك آخر ،هو مكشوف منذ ستينات القرن الماضي ،وخاصة بعد ماعُرف (بالفورة النفطيّة) في سبعينيّاته ،ولئنْ كان متدثراً بشفّاف الدثارأنذاك ،فقد أصبح مع الأزمة المالية الحالية ـ الكارثيّة ـ الجريمة: (عملية نصْبٍّ) كاملة الوصف والأوصاف ، فـ ( جامع المال ) العالمي ـ الأمريكي، الذي لا يخجل من إعلان مديونيته ،الأعظم والأفظع في التاريخ ، والتي بتموضعها في المنظومة الإقتصادية المعولمة ،بالقيادة القسرية لـ ( جامع المال ) العالمي ـ الأمريكي،شكلت وتشكل أداة ابتزاز و/تشبيح/،وفرض /خُوَّة /،مشرعنة بقبولها الإكراهي ،من قبل منظومة الجبن الإرادوي السياسي ،لأنظمة التُّبع الزبائني ،والشرييك الهامشي ،في الجبنة المسروقة ،من جهد وحقوق الشرائح الشعبيّة في العالم ،كل العالم ،بشرقه وغربه ، بشماله وجنوبه ، وإن بتفاوت النسب ، وحديّة التمظهرات ،بتنوع الأساليب ، واختلاف المواقع والأهداف والموارد والإمكانيّات .
هذه المنظومة التي أعلنت تبعيتها ،وأسلست قيادها للقرار الأمريكي ، لفتت النظر ، ونبهت ، إلى السياسات الماليّة الأمريكية اللامسؤولة ،وإلى مخاطرها ، على المديين ،القريب والبعيد ،ولكنها لم تفعل شيئاً ( الموقف الألماني منذ سنتين ،مثالاً ) ،وكأنها بموقفها تحاول تبرئة الذمّة من مسؤوليتها عن الكارثة ، وهو جهد أخلاقوي عقيم ومكشوف ، لن يعفيها من المسؤولية الأخلاقية والقانونية أمام شعوبها ،ولا من " المَكْس" المجبرة على تأديته خوَّة مقررةً عليها من قائدها :
(السيّد المطاع المهيمن)،( القطب الأوحد ) ،(إله الحرب وناموس الحياة !!) ،(إمبراطور الشركة المتعددة الجنسيّات ،العابرة للحدود والدول والقارات )،( جامع المال العالمي العملاق) ،(مدير النظام المالي العالمي ،وشبكته البنكية الإخطبوطيّة ) ،هذا (الكائن الخرافي الكونيّ ) ،قاطع الطريق الوقح ، والنصّاب ، يطالب العالم بأسره ،بوقاحة المجرم وصفاقة السوقي ،أنْ يساهم في الغُرم ـ الكارثة ،النتيجة ـ الأزمة لممارساته اللامسؤولة ،المتوحشة المنفلتة من كل ضابط ،واضعاً العالم ،كلّ العالم أمام خيارات ،كلها أسوأ من السوء :
ــ فإمّا دفع الـ (خوّة) ـ المكس طوعاً ، من جيب دافع الضرائب الصغير(فالكبير في وول ستريت ودكاكينها التابعة لا يدفع عادة)،ومن القوة الشرائية لدخله المتدني ، ومن صناديق الإدخارالتقاعدية ، وحسابات إيداع التنمية المستدامة ، والصناديق التعاونية للصحة ومكافحة البطالة ،والإدخار السكني ، إلخ ... هذا في البلدان المتقدمة . أمّا في بلدان العالم (الآخر) فبمزيد من تكريس سياسات الفقر والجهل المرض ، وفي قسمها ذو الإقتصاد الريعي ،فبمزيدٍ من القضم لكتلتها المالية ،المودعة بين بنك غربي يتلاعب بها ،وبورصات طرفية تابعة ، هي في حقيقتها نوادٍ للقمار ،للاعبين حديثي النعمة ،وجهلة ، يصدّقون كذبة أنهم :رجال مال وأعمال وبورصات ،وهم في الحقيقة شلة مقامرين هواة ، والمبالغ الفلكية الضائعة منذ بداية الأزمة الماليّة ،التي لاناقة لهم فيها ولا حمار ،إلاّهم ، شاهد ناطق وبرهان .
ــ وإمّا استمرار إعلانات الإفلاس للصناديق والبنوك الأمريكية ،في ابتزاز سافر للنظام الإقتصادي العلمي ،المعولم ، المدولر،والذي بالضرورة سيتعدى (وول ستريت) ،بحكم الإرتباط والتشابك ، والمديونية الأمريكية المرعبة ،التي تأخذ بخناق اقتصاد العالم رهينة ،بالتلويح باشهار الإفلاس ، هذا القانون المسنون على يد (النصّاب ـ جامع الأموال) سلاحاً احتياطيّاً ،ورداً قانونياً، يُحِلُّهُ من كل مسؤولية ،أوالتزام تجاه كل صاحب "حقٍّ" عنده .
والمفارقة : أنّه في ذات الوقت الذي تنفجر الأزمة المالية ـ الأمريكية ،بامتيازالحصريّة ،تسجل العملة الأمريكية ارتفاعاً في البورصات العالمية ،في عملية توريم مدروسة لإعادة تقييمٍ مبالغة لأصول المؤسسات الأمريكية المفلسة أو المهددة (على طريقة حلّ الملاح في أزمة معمل الديري ،فهل خلف المحيط ،من سمع بعبقريته ؟ !! مع أنني أميل إلى الرأي :أنها تقنية نصْبٍ معروفة ،استعملها صاحبنا ،وليس لها من المبدعين ) ،وبالتالي :
إعادة توزيع الحصة السهمية ،في العقار الأمريكي والبورصة الأمريكية بالتقييم المضخّم الجديد ، وعلى الدولار الورقي ،المطبوع بلا أية تغطية ، إلاّ الثقة بمهارة الطابع ، و""شطارته "" ،وقوة موقعه وسطوته ،تولي سلب خزائن العالم التي تعتمده رصيد قطعها الأجنبي ، وهو بكل بساطة (شك بلا رصيد) ،إلا لونه الأخضر ،وصولة وجبروت طابعه الأمريكي الرسمي ، دون الإشارة إلى مطابع المزوّرين .
وأخيراً : وأيّاً كان قرار المشرِّع الأمريكي الذي يحبس أنفاس الإقتصاد العالمي المعولم ،وحتى في حال إقرار مبلغ الـ 700 مليار دولار ،وهي بعيدة جداً وتافهة ،بالمقارنة مع المبلغ الذي قدّمته دراسة الإقتصادي الأمريكي ،"جوزيف .ي . ستيغليتز"، حامل جائزة نوبل ،ومستشار الرئيس الأمريكي السابق (بيل كليننتون) في كلفة الحماقة البوشية بغزو العراق،والمنشورة بعنوان : ( الحرب التي ثمنها 3000 مليار دولار) ،فإنها لن تقدم إلاّ حقنة مهدئة مسكّنة ،لسرطانٍ ميؤوس من شفائه ، ومن إنقاذ مريضه الهالك ، ربّما للسنة الآتية لمعاينة النتائج ولإعادة التقييم ؟
وربّما لأقل من ذلك إذا نجح الواعدون بانتهاء أحادية القطبية ،في ترجمتها تعددية قطبية ،لا سياسياً فقط ،ولكنْ مالياً واقتصادياً أيضاً ، وإلاّ فكل مانسمعه لا يتعدى التهويش والحرب النفسية ، من نوع طمآنة الخائف لنفسه ،وتحذير الوحش ،أو وعد الجائع بالطعام بقرعٍ خادعٍ على قدور فارغة ، وهو التحليل الذي لا أهمل احتماليته الضئيلة على المدى القريب ، ولكنه بالقطع لا احتمالية له ،لا على المدى البعيد فقط ، ولكن على المتوسط الذي لن يتعدّى 5 ـ 8 سنوات ، فترة رئاستين أمريكيتين .