الجمعة، 10 فبراير 2012

جدار برلين الحقيقي الذي لم نرده يا عرب

من قلم د. منير وسوف القوي

في لحظات انهيار جدار برلين في التاسع من تشرين الثاني / نوفمبرعام 1989 ، وقفت حزيناً ، لا لانهيار الجدار المصطنع ، الذي سمّاه الألمان الغربيون : ( جدار العار ) ، وأطلق عليه الألمان الشرقيون تسمية : ( جدار الحماية ضد الفاشستيّة ) ، لا ، فهذا الجدار القمعيّ كان يجب أن ينهار । ولكن ، وقفت حزيناً لرمزيّة الحدث ، الذي اختزلته شاشات الغرب إلى فيلم أكشن هوليودي ، حيث انهال الجمهور المتحمّس بالمطارق والشواكيش ، بل وبعض النساء استعملن حقائبهن اليدوية في القرع على حجارة الجدار المكروه ।تعانق المحتفلون ورقصوا وتبادلوا الأنخاب ، وبعضهم حمل قطعة حجرٍ ذكرى ، ـ يمكن ـ (ليريها لأبنائه وأحفاده أنّه كان هناك وشارك في بطولة دكّ الجدار.انتهى الحفل بشعبويّته ، وقطيعيّته ، وسكره ، وعربدته ، وأصبح الأثر الباقي من الجدار وخاصّة بوابة ( براندبورغ ) أيقونة ومحجّاً ، لا للألمان فقط ، بل ولكل الأوروبيين .كان الحدث يجري أمامي ، أراه ، ولكنني في مكانٍ آخر تماماً ، أتخيل ما يجري خلف الأبواب المغلقة ، كيف يحتفل رجال الغرب المنتصر ، لا بالمطارق و الجواكيش ، ولكنْ بالأقلام التي تدّك الخرائط وتمزّقها ، بكل ألوان الحبر المستعمل عادة ، أو المصنوع خصّيصاً للمناسبة ـ التحوّل . نعم عالم ثنائيّة القطبيّة غَرُب نهاره وانهار جداره وأصبحت حربه الباردة ـ في طبعتها تلك ـ من التاريخ . تخيّلت الغرب المنتصر سيدّعم انتصاره ، فيقيم الولايات المتحدة الأوروبيّة ، وهو ما حصل وقام الإتحاد الأوروبي ، الذي لم يتأخّر في إعادة هندسة حدوده شرقاً ، بالجماهير التي خرجت إلى شوارع بلدانٍ كانت إلى الأمس ، أعضاء مؤسِّسة لمنظومة حلف وارسو، حيث عاصمة الحلف الذي قاده الإتحاد السوفيتي المترنّح ، والذي بتفككه جعل حدود حلف الناتو تزحف سياسياً ـ وبالقوّة الناعمة ـ إلى شواطئ البحر الأسود ، وبالقوة الحارّة ( الحروب ) حيث تعثّرت الأولى ، كما حصل في حروب البلقان التدخلية بعناوين ويافطاتٍ ذرائعيّة مختلفة . كان مشهداً سورياليّاً لمن يتذكر حذاء خروتشوف ( قبل حذاء منتظر الزيدي ـ رمز ثقافة التخاطب بالأحذية ) وهو يستعمله مطرقة ضبطٍ لإيقاع السياسات العالميّة في اجتماع الجمعيّة العامّة للأمم المتحدة لسنين ثلاثين خلت ، أو لمن يتذكر ساحات ( بودابست ) عام 1956 ، واعتقال ( ايمري ناجي ) محاول التمايز ـ لا الإحتجاج الصريح ، ولا التمرّد المبيح ـ على سياسة الأخ الأكبر ( تسمية جورج اورول الرمزيّة للثناىي : هتلرـ ستالين في عمله : مزرعة الحيوانات ) ، أو مثلها : ساحات ( براغ ) المتحوّلة لمرابض دبابات حلف وارسو عام 1968 ، ملغيةً بممحاة جنزير دبابة سوفيتية ، وبسطار جيشٍ شرق المانيٍّ ديموقراطيّ !!! ربيع براغ وبطله الإصلاحي ( الكساندر دوبتشك ) ، مفارقة تحتاج ـ في حينها ـ لجرعةٍ عقلانيةٍ عاليةٍ من ذهنيةٍ سياسيةٍ نقديّةٍ حتى لا يصاب المرء بدوارٍ رؤيويٍّ في بحر السياسات الدوليّة العاصف حينها ، أو بارتجاجٍ سياسيٍّ دماغيٍّ يُفقد جادة الصواب ، وهو ما اكتسح معظم الأحزاب الشيوعيّة الموسكوبيّة ، التي تساقط من خرج حملها ، بعد انفلات شرّابته ، الكثير من الرفاق على أرصفة الأرزقيّة السياسيّة ، فيما أصبح يُعرَف بـ : اليساري السابق أوالمثقّف النيوليبرالي ، أوالملتحق النفطوي ، أو المارنزي الرديف ، أو أو أو ، من تسميات أُشير بها للكتبة الماركسيين " التائبين " ـ وبمراجعة ماركسويّة ... وبيدهم ، يا للعهر !!! ـ ولو اقتصر الأمر على الأقلام لهان الأمر ، ولقتصر الردّ على القلم بالقلم ، لكن المصيبة ـ اللعنة : أنّ أصحاب قرار قد أصابهم الحول التحليلي لجلل الحدث ، بل و انطلت عليهم الخديعة ، كدكتاتور العراق حينها ، الرئيس العراقي صدّام حسين المجيد ـ الضحية ثلاثية الأثافي ـ وسأتوقف قليلاً في المحطة " الصدّاميّة " لمفصليتها المبكرة في السياسات الدولية ، غداة انهيار المنظومة السوفيتية : فأمّا أنّ الرئيس العراقي صدّام حسين المجيد ، الضحية ثلاثية الأثافي ، فلأنّه :أولاً : ضحية فهمه بالذات للتحولات الزلزاليّة بسقوط الكتلة السوفيتية ، وبداية تغوّل الزعامة الأولتراـ امبريالية الأمريكية ، فلم يفهم أو لم يصدّق أنّ أمريكا تركت خلفها سياسة الإحتواء المزدوج في حربه الحمقاء على إيران ، واستمرّ في نظرته الشوفينيّة القاصرة ، أنّه صلاح الدين الأيوبي ، وكلاهما تكارته ( نسبة إلى تكريت ) ، وأنّ ( دونالد رامسفيلد ، وابريل كريسبي ) ما زالا المبعوثين إلى بلاطه الرسولي المناضل ، رغم التغيير الجيو ـ بوليتيكو ـ استراتيجي على الصعيد الكوني ـ وهنا ورغم مرارة السخرية : اعتقد أنّ المغدور،الرئيس العراقي صدّام حسين كان رجلاً وطنياً ، شاء من شاء وأبى من أبى ، دكتاتور دموي : نعم ، حاكم شوفيني قومجيّ مغامر وقاصر الرؤيوية : أناقش وقد أقبل ، أمّا عميل كالذليل حسني المخلوع ، أو زين الهاربين بن علي ، أو حاكم مشيخة قطر العظمى وأضرابه : فلا...... بل إنّه وحبل المشنقة الأمريكي يلف رقبته كان صورة الشهيد القاضي غيلةً ، فكفى قفزاً على الحقيقة التي نطقها القذافي ، صاحب الشبه الصدّامي في المنطلق والمسار والمصير ، ولنمتلك جرأة الرجال ، فنقول كلمة حقٍّ أمام السلطان الأمريكي الجائر وخاصّة بوجه نعاله ـ حكّام الردّة الأعاريب ـ . ثانياً : ضحية العدوان ـ الغزو والإحتلال الأمريكي ـ البريطاني "فضيحة العصرالأخلاقيّة " والذي قيل فيه الكثير ، وأهمها اعتماد الأكاذيب والبروباغاندة في تبريره ، وفرض شرعنته باستخدام مجلس الأمن الدولي في دور " محلل الزنى " المستحقّ إنزال العقوبة النصيّة شرعاً ، في أكبر عمليّة سطو قاطع طريق ، مارسته أفظع قوة تدمير حربيّة عرفها التاريخ . ثالثاً : ضحية غدر الحكّام الأعاريب المستعربين ـ وهو أحد نقيضهم بدرجةً ما ، ولكنْ حقيقيّ ـ حيث توزّعت ، ـ ولا تزال ـ القواعد الأطلسيّة التي شاركت في تدمير العراق ، في المهلكة السعوديّة ، وبحرين آل خليفة ، وقطر آل ثاني ، وكويت آل الصباح ، أيْ في الجغرافيا العربيّة التي خاض حرب البوابّة الشرقيّة المشتبهة ، دفاعاً عن حياضها ( حسب زعمه ) ، وأمّا اللوجستي في دعم ذاك الغزو المجرم ، فقد وحّد بلاد العرب أوطاني ، ولكنْ على الغدر بشقيق ( العراق ) ، لا على تحرير شقيق ( فلسطين ) يكاد الإغتصاب يفقده هويته ، ويستلبه الإنتماء ....!!!!!من هذه النقطة الأخيرة نصل إلى المنصّة السورية ، فسورية العربية لم تتخلّف يوماً ـ وفي كل عهودها ـ عن معركة قومية منذ استقلالها ، لم تقدّم على قضيّة العرب المركزية ـ دائماً وستبقى ـ فلسطين المغتصبة ، حتى لواء اسكندرونها السليب بقي في مرتبة ثانيّة ، فالتراب العربيّ واحد ، وتحديد الأولويات يخضع لمعيار خطورة التحديات وداهميّتها ، ولا مقارنة بين الوضعين بين لواء اسكندرون السليب وفلسطين المغتصبة على ذلك المقياس . سورية العربية تلك يريد غداروا الأعاريب الحثالة وسادتهم الصهيوـ أمريكان ، وبقايا ورثة عقليّة الامبراطوريات الغربيّة المندثرة ، أصحاب الحروب الصليبيّة بالأمس في قارّة أوروبا العجوز، يجمع جمعهم ، على ضفتي شمال الأطلسيّ ، التعطش إلى ثروات العالم الثالث ، مزرعتهم الخلفيّة ، وخاصة منها البلدان العربيّة المبتليّة بوّلاة متأمركين ـ حكّامٍ تبّع مافيوزيين ، أعاريب حثالة ومستعربين ، يريدون سوق سورية العربية ـ تلك ـ إلى مستقبلٍ أسودٍ ، يجمع كوكتيلاً مصيريّاً ، هو الأردأ مما أنتجته السياسات الإمبرياليّة الغربيّة بعد الحرب العالميّة الثانية ، من " كونغولونيّةٍ " و " بلقنةٍ " و"صوملة" و " لبننةٍ " و" عرقنةٍ " و " ليبيّنيّة " والأنصع مصيراً " رونددةٍ " ، فشعب سوريّة في نظر هؤلاء المتخلّفين ، حديثي النعمة بطرتها ، مجموعة من قبائل ( الهوتو والتوتسي ) ، سوريّة التي أبدعت الحرف والكتابة للإنسانيّة أجمع ، بل ولله "جلّ جلاله" الذي أمر رسوله الأعظم "ص" في خطابه إليه على لسان جبريله بقوله ـ الأمر : ( إقرأْ ) ، هؤلاء الجهلة المتاعيس ، وعلى رأسهم أو حذائهم ـ فلا فرق لديهم ـ ذلك المريض البارانو ، اللص النصّاب : حمد بن جاسم القطري ، الذي يظنُّ إعجاباً نرجسيّاً بنفسه أنّه ( نقولا مكيافيلي ) العصر !!! وإنّه لكذلك ـ وأيم الله ـ بأخلاق تطبيق سياساته المتجرّدة عن سامي الأخلاق ، مع فارقٍ مهمٍ يموضعه ( نقولا مكيافيلي ) النقيض ، بغبائه وغروره ، وحاجته للنصيحة لا إسدائها ، هذا المشتري و شيخه البار الوالد ، مقعد رئاسة دورة الجامعة العربيّة ، ليتولّى من منبر تلك النافقة قيادة وضع ما أُريد لسورية العربية ـ تلك ـ من سوء المنقلب ، وممن اشترى ؟!! من محمود عبّاس بطل أوسلو التي باع في مزادها قضيّة فلسطين بالجملة ، وخاصّة علامة خاتمها ـ الدمغة الحصريّة ـ قضيّة اللاجئين الفلسينيين المشرّدين !! فنعم الصفقة ، ونعم نزاهة الإنجاز من مشترين وبائعين ، وعرّابين أيضاً ، حتى لا ننسى قسط علا نبيل الديفيدي ( نبيل العربي ما غيرو ) من أدوار أتقنها برعاية ساداته وملهما ( العزيز هنري ) ، وحديثاً هنري الثاني المزيّف ـ بفتح الياء وفتحها ـ : ( برنار هنري لوفي ) ، وعلى كلِّ صعيد دزّ فيه أنفه ، من الصحافة إلى الثقافة ، إلى الفلسفة ، إلى الثورة ، وخاصة الربيعية التسمية ، صاحب شريف الوقفة في ( مخيّم جنين ) المدمّر ، وهو يزكي ـ بتبريك نبيٍّ كذاب ـ إجرام الصهاينة بقول أصبح أمثولة الكوميديا السوداء : ( تساحال ، الجيش الأكثر إنسانيّة في العالم ) ، هذا المجرم الثقافوي ، الثورجوي ، الصهيوني ، والنبي الكذاب ، هو ملهم ' الحمديين ' الملاعين التبّع الأدواتيين ، أرادوا استفراد سورية العربية تلك ـ ألا خاب مقصدهم وما هم فيه يأفكون ـ لتكون الوليمة التالية بعد الوليمة الليبيّة السهلة ، بل ربّما زيّن شيطانهم لهم ـ بل هم عينهم الشيطان ـ ربّما زيّن لهم أنّ سوريّة العروبة ستكون " ديسير" يساعدهم على هضم ما التهموا ـ ليتها نار سقر ـ ، فماذا وجدوا ؟ !! شوك صبّارٍ في الحلوق ، عظم سمكٍ لا يبتلع ، حربة عروبة لا تنكسر ، وقبل كل شيء صناعة حقيقي تاريخ ، لا دويلات كانت خيمة وبعير ومعزتين ( رحم الله عبد الناصر فذلك كان وصفه لقطر ) ، فأصبحت في عصر الإستهلاك وفورة النفط ، محطات كاز ( حسب الأستاذ هيكل ) ، نعم محطات المحروقات ـ الدول تلك تريد تدمير سوريّة وتحويلها إلى ممرٍ وظيفي الدَّور ، طريقاً لغازهم ونفطهم ، وحامٍ للكيان الغاصب في فلسطين ، واسألوا إخوان مصر وتونس ، وخاصة الغليون ، فتتأكدوا من النبأ اليقين .نعم سورية في آنها تلعب الدورين : ــ اللاعب الذي يشتهي العالميّة ـ الطُموح وقد بلغتها ، واسألوا مجلس الأمن الدولي ، والفيتو الثنائي المكرر ، على قاعدة الإنصاف والعدل : ( إنْ عدتم عدنا ) . ــ ملعب المنازلة لبلورة استقطابٍ دوليٍّ يتبلور ، وهو ما لا يُحَب ولا يُشتَهى ، أنْ تصبح سورية فيه جدار برلين الحقيقي الذي لم ترده ، فهنا ليس هو الرمزي الباطوني المزال بين الألمانيتن ، لا ، في هذا الملعب ستتقرر وجهة مصير العالم ، وأوله النظام الإقليمي الرسمي اللاعربي ـ الصهيوني ، بشكل حاسم ونهائي ، خسائر سورية كبيرة وستكبر جسامتها ، لكنها معركة مصيرٍ فُرِضت ، وفي أفقها صبح يستحقّ الثمن

الأحد، 15 يناير 2012

أحمد داوود أوغلو : من سياسة " تصفيرالمشاكل " إلى سياسة " تصفير الحلول " :

من قلم د . منير وسوف القوي :

لم يكنْ ضرورياً تجشم السيّد وزير الخارجية التركي رحلته ـ الزيارة إلى إيران ليبدي للإيرانيين قناعته ـ الحكم القطعي ـ أنّ : ( " الإحياء الشيعي " سقط و " الإحياء السني " بدأ !! ) ، فمقال في زاوية " رأيّ " في أيّة يوميّة كان وافياً بالغرض !! .

كما أنّ التعبير عن آرا ئه ـ السياسات التدخليّة ـ في الشأن العربي ، والتي يجود بها ، بمناسبة وبلا مناسبة ، حتى لقد أصبح التدخل فيه ( الشأن العربي ) على لسان " ثلاثي حزب العدالة والتنمية " التركيّ مناسبة قائمة بذاتها !! هي أيضاً لم تكن تحتاج للمنبر الإيراني وزيارته الرسميّة للإفصاح عنها ، وكسابقتها ، زاوية في جريدة كانت وفّرت على السيّد ( أوغلو ) عناء السفر ، والتنغيص ولا جدوى مقابلة مهزومين سقط إحياؤهم !! إلاّ إذا كان السيّد وزير الخارجية التركي من هواة الشماتة وجهاً لوجه ، أو ساديّ الطبع يتلذذ بسقوط الآخر ، أيّ آخر ، إشباعاً لحاجته المرضيّة الشاذة !! .

ثم لست أعتقد أنّ لدى وزير خارجية الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة بسطةً من وقتٍ ثقيل " للسمر أو لإفراح وابهاج " السيد ( أوغلو ) ، في لحظة ذروة التحدي الإيراني ، جيوـ استراتيجيوـ بوليتيكيّاً للهيمنة الأمريكيّة ، محلياً في الخليج ، واصطفافاً إقليميّاً وعلى الصعيد العالمي .

هذا التحدي الإشتباكيّ وقد وصل بجديّة ميدانيّته ـ إيرانيّا ـ إلى الإحتكاك المباشر باستيلاء إيران على طائرة الإستطلاع الأمريكيّة الأحدث باختصاصها ، واغلاقها ( مضيق هرمز ) ـ بمجرد طلبٍ ـ إشعار !! ـ ولساعات بذريعة إجراء مناورات إيرانيّة لم تُجرى ، بل أُجّلت دون ابداء أيّ سبب ، أو تقديم اعتذارٍ للأطراف الذين أوقفوا ملاحتهم في مياه الخليج ، الأمر الذي اعتبر " بروفة عمليّاتيّه " وتطبيع تدرّجيٍّ لتقبّلٍ اليد الإيرانيّة العليا ، ورسالة قرارٍ إيرانيٍّ حاسم لكل الأطراف ـ وللأمريكي خاصّةً ـ أنّ إغلاق المضيق قضيّة إجرائيّة ، مرهونة بتحقق ظرفيّة شرطها المحدد ـ وفقط ـ إيرانيّاً ، بل وبالمحصّلة هو انموذج نجاح إيرانيّ في اختبار صراع الإرادات فوق مياه الخليج !!

وإذاً فزيارة السيّد ( أوغلو ) لطهران يتقررفعليّاً مربط فرسها هنا ، في موضوع هذا الإشتباك الإيرانوـ أمريكيّ ، وهي لا تعدو كونها زيارة " مبعوث أمريكيّ بالوكالة " في ضوء العلاقات التركية الأمريكيّة المستجدّة التفعيل ، والإيرانيّة الأمريكيّة المقطوعة منذ احتلال ( وكرالجواسيس ) ـ السفارة الأمريكيّة في طهران ـ عام 1979 ، وذلك الدّور ليس حدثاً ـ استثناءً أو نشاطاً ـ مستجداً في مكوكيّة دبلوماسيّة السيّد ( أوغلوا ) أبداً ، ولكنّه أصبح علنيّاً منذ سنةٍ ونيّف ، مع عودة " ابن التبنيّ " الحرد ( الإبن التركيّ الحردان ) إلى حضن الأم المتبنيّة ـ أمريكا ، لا بمراضاته من قبلها أبداً ، ولكنّ بوضعه في مكانه ومكانته ، فلقد أُفهم وفهم ـ ومن أمريكا وامتدادتها ـ أنّ الطموح بنديّة حظوة الكيان الصهيوني لدى أمريكا ، أو حتّى مجرد الحلم بذلك ـ هو الخياليّة المفارقة لكلّ عقلانيّة ، بل هو مرذول الطمع ، فمنذ متى يطمع أبناء البطة السوداء أنْ يعاملوا معاملة زغاليل البلابل ؟ !!

بل وأُفهم أكثر ، ونفّذ صاغراً أو برضاه ـ لا فرق كبير ـ أنّ الخلاف مع الكيان الصهيونيّ ممنوع ، وأنّ التركي ـ كقوّة أطلسيّة ـ يقع عليها واجب تنفيذ الإلتزام ـ الأولوية الإستراتيجيّة الغربيّة ـ بحماية الكيان الصهيونيّ والحرص على تفوّقه المطلق في الإقليم ، وفي هذا السياق نفّذت تركيّا الجزء المناط بها من مشروع الدرع الصاروخيّة الأميركيّ ، رغم كل ماجرّه وسيجرّه عليها من تبعات في المحيط الإقليمي وأبعد ـ جيوـ استراتيجيوـ بوليتيكيّاً ـ من حدود ذلك المحيط .

لست لأدّعي معرفةً بما دار من محادثات خلف الأبواب المغلقة بين السيّد ( أوغلو ) ونظرائه الإيرانيين ، ولكن يمكن بسهولة توقّع طبيعة اللقاء وموضوعاته ـ المواقف استناداً إلى المعلن منها من قبل الطرفين :

فبالتأكيد لم يكن الجانب الإيراني مستمعاً سلبيّاً للغة النصيحة المملّة الإملائيّة ، المألوفة والمتعالية ، التي تطبع نبرة السياسات التركيّة منذ العودة إلى دافئ الحضن الأمريكيّ ـ الأطلسي ،( هذا إذا جرؤ وتهوّر !! ) ، بل على العكس قد يكون ما سمعه لم يسرّه ، لعكسه بحدّة حسمه ما يسمعه العالم ـ والغربي خصوصاً ـ من جديّة السلاح الإيرانيّ وهو يقعقع مشهراً من شواطئ الخليج إلى بحر العرب وباب المندب والتلميح بالمضيّ أبعد حتى أعالي البحار، ولعلّ هذا ما حدا بالسيّد ( أوغلو ) أنْ يهرع في تصريحاته إلى المنطقة المستباحة التي لا تلزمه بثمن ، المنطقة التي خرج قرارها ـ جزئياً ـ من يد أبنائها منذ اتفاقيّة ( كامب ديفيد ) ، ليستمر المسار الإنحداري لامتلاكها ذاك القرار بالحرب المجنونة التي شنّها ( صدّام حسين ) على إيران ، المودية إلى خاتمتها ـ المأساة بتنفيذ مشروع احتلال العراق وتدميره الممنهج ، بذريعة الخطيئة الكويتيّة أو بدونها ، تماماً كذريعة وجود أسلحة الدّمار الشامل أو عدمها ، ليكتمل خروج القرار العربيّ ـ شبه الكامل ـ من يد أهله بتفويض ( جامعة عمرو موسى ) للحلف الأطلسي المصير الليبي عبر قرارٍٍ لمجلس الأمن الدوليّ ، حمّال أوجهٍ ، كالعادة التي عودتنا عليها تلك المؤسسة منذ بواكير تعاطيها في شؤون منطقتنا ، ولعلّ " ال التعريف " في القرار (242 ) المعتمد من المجلس إيّاه ، والمقدّم من المندوب البريطاني اللورد ( كارادون ) ، العام 1967 قد أعادت تأكيد حاسم قطعيتها في منع التلاعب بالكلمات عند الترجمة بين اللغات ، ومع ذلك فكلّنا بالنتيجة عارفون !!

فالسيّد ( أوغلو ) على ما يبدو لا يعرف القراءة إلّا في دفتره ، فيكرر قراءته بذات الأخطاء ، وبنفس السطحيّة والتسطيح ، بل ويعيد تلاوة الأكاذيب التي أصبحت في فضيحتها مهزلة مقززة :

فسيادته يختزل لبنان إلى بعدٍ إشكاليّ إسلاميّ طوائفيّ " سنيٍّ ـ شيعيّ " وباتهام إيران ـ الدور الخارجيّ ( في استنساخٍ لدوره ربّما ) والتي يغادرها آنيّاً بعد زيارته ـ " مبعوث أمريكيّ بالوكالة " ـ
في إساءة للبنان غير مسبوقة ، ولم تعرفها لغة دبلوماسيّة عميقة متّزنة ، لكنّ السطحيّة والتسطيح في الفهم والتحليل السياسوي للسيّد ( أوغلو ) أركبه مركب الجهل والتجاهل للواقع اللبناني ومركّب مكوّناته ، وهو المفترض أنّه يمثل دولة يفترض أنها تعرف لبنان جيدا ،وقامت ولا تزال تقوم بأدوار مهمة في تقريب وجهات النظر وفي منع الاشتباك في ما بين اللبنانيين ، مما يجعل استنتاج أنّ مسؤوليّة فشل الدور التركي في الساحة اللبنانيّة يصدر حكماً من هكذا فهمٍ سطحيٍّ قاصر ، بل ويدخل في خانة ضيّق التفكير الطائفي الذي يحكم الذهنيّة الأوغلويّة ، خاصّةً وهو يتنبأ للبنان أنّه ( متجه إلى صراع حتمي بين السنة والشيعة يشبه الصراع القائم في العراق ويستدعيه، ويكمل الصراع القائم في سوريا ويستوطنه ) ، بل ويبلغ مستوى حدّ النفاق والتزوير، بتدخليّة فجّةٍ في الشأن اللبنانيّ ، ومعطى ـ خيارات اللعبة الديمقراطيّة اللبنانيّة ، ليحدد بوضوحٍ تموضعه المنحاز للفريق الحريريّ ، حين يقول : ( يوجد فرق بين اللوحة التي خرجت من الانتخابات وبين خيارات السلطة السياسية اللبنانيّة ) ، متابعاً ( نحن نريد أن تكون خيارات الشعب هي الأساس وليس الخيارات المذهبية والعرقية ) في غمزٍ اتّهاميّ للدور الإيراني ، والذي لا يقدّم مخرجاً للسيّد ( أوغلو ) ، بل بالعكس تماماً إنّه يحمل الإدانة والدليل على شراكة تركيّةٍ مشبوهةٍ في المرسوم من مخططات إنهاك أمّتنا ، وتفتيت منطقتنا ، كما يقول بذلك الواقع المتحرّك ويرفضه ـ شعبويّاً ـ مسفهوا " نظريّة المؤامرة " بلا أيّة دراية أو عناية او وقاية ولو حتّى على سبيل الإحتمال !!

وأمّا تصلّب " فيروس البروفيسوريّة " ، فعلى ما يبدو أنّه استبد بالسيّد ( أوغلو ) ، فأصبح الإستخفاف سمة رؤيته ، بلا عمق ولا تعمّق ، بل تبسيطه التصنيفيّ يبلغ حدّ السذاجة حين يقول : ( العرب في الشرق الأوسط ثلاث مجموعات :

ــ الأولى : تضم تونس وليبيا والمغرب ومصر حيث تعيش تغييراً في اتجاه الديموقراطية .

ــ الثانية تضم سوريا والعراق ولبنان " حيث يتسمّر أمام مشكلة عدم التوجه إلى التغيير ، وبذلك فهو قلق بشكل جدي من هكذا وضع !! .

ــ الثالثة لها شروطها الخاصة ، فهي دول غنية وتضم دول الخليج ، ولتركيا معها علاقات إستراتيجية !!

إنّ جملة ملاحظات تستدعي ذاتها أمام ـ أو يستدعيها هكذا منطق تبسيطيّ مبتسر ، سطحيّ واختزاليّ ، لا يقبل به حتى هواة السياسة ولا حتى المبتدئين من طلبتها :

ــ أوّلها : تلك الروح الوصائيّة التدخليّة بالقفز على مبدأ سيادات الدّول !! .

ــ ثانيها : تقسيميّة الكلّ المتحرّك ديناميّاً لأمّة واحدة ، ليس بقصد تبسيط التناول الميدانيّ ـ كما يبدو ـ بل لتأكيد تفارقٍ تطوّريٍّ ذهنويٍّ نافٍ لجملة الوحدة الجيوـ بوليتيكو ـ سياسيّة لأمّة العرب ووطنها الواحد ، بإحلال مفهوم كيّانيّ ثلاثويّ يسمح بإدراجها نمطيّاً ـ كأجزاء ـ في التوجه الإسلاموي المؤكّد على التناقض بين أمّة العرب ـ الواقع وأمّة الإسلام ـ الإفتراض ، وهو ما يعتقد به السيّد ( أوغلو ) .

ــ ثالثها : أنّ الوزير ـ البروفيسور لا يرى في طول الأرض العربية وعرضها إلاّ النظام الرسميّ ، أمّا الشعوب فيذكرها ـ انتقائيّاً ـ حيث تخدم دعاويه .

ــ رابعها : أنّ الوزير ـ البروفيسور، مرّة أخرى ، لم يسمع بالصومال ومأساته ، ولا بالسودان وتمزيقه وخلخلاته ، ـ وهنا لا أدعوه إلى استدراكٍ ، فرافض أنا لتدخليّته ـ ولكنْ من باب أنّ الشيء بالشيء يذكر ، أم أنّ السيّد الوزير ـ البروفيسور مطمئن لوضع البلدين ومستقبلهما ، لوقعهما بيد اسلاموييه الطاهرة ؟ !!

ــ خامسها : من قال للسيّد الوزير ـ البروفيسور أنّ المجموعة الثالثة ( الغنيّة !!) أقل حاجة للتغيير من حاجة أرض العرب الأخرى ، ألم يسمع بالبحرين ؟ !! ألم يسمع بالقمع في مملكة آل سعود ؟!! ألم يسمع بفساد النظام الكويتي ؟!! بارتهان كل مشيخات الخليج المحتل ؟ !! إنها فعلاً الرؤية بينٍ واحدة ، والمصيبة حولاء يا ولدي !!!!

ــ سادسها : ( انه قال للمسؤولين الإيرانيين إن المنطقة تشهد تغييرا كبيرا، وهذا في "وجه منه ايجابي " وقد انتصر التيار القادم من تقليد سني ـ إسلامي وديموقرطي " وإذا ظهر أن إيران هي التي تقف خلف الصدامات المذهبية في سوريا ولبنان والعراق فماذا ستفعل إيران ؟ وكيف ستقيم علاقات مع جبهة سنية تقف بوجهها ؟ فالسنّة سوف يتكتلون ضد إيران !!! ) .

أفأكثر من ذلك ظلاميّة وتخندق طائفي ؟!! أأفجّ وأوضح من ذلك لغة فتنويّة دعويّة إلى إشعال الفتنة والتحضير لها ؟ !! ولمن يتوجه مكشوفاً بأوراق سياساته المقروءة بفواصلها ؟!! أإلى إيران ـ الثورة الإسلاميّة المناديّة بوحدة الخندق الإسلاميّ ، بل والتحرري كلّه ، ضدّ الإستكبار العالميّ ؟!! حتى أنّ صمودها الاسطوري ، ومتابعتها خطوات برامجها بنجاح ، أصبح كابوس الهيمنة ومحور حركة أصحابها المؤَرَقين .

ــ سابعها : ذلك اللسان المتساوق مع المنطق الصهيوني تحديداً في شيطنة المقاومة ، وتحديداً المقاومة اللبنانيّة ورأس حربتها " حزب الله " بحشره ـ بلا حقٍّ ـ ذيليّاً للسياسة الإيرانيّة ، مع أنّ الواقع أثبت أنّ وحدة الفهم والهدف هو الذي ينتظم الإثنين في ذات الخندق دون حساب أو تدقيق لمن يساهم بأكثر أو أقل ، حين سمح للسانه بتوجيه شبه اتهام إلى إيران بأنها وراء التحركات في سوريا والعراق ولبنان !! فضلاً عمّا يحمله من نفس استخفاف بشعوب البلدان الثلاثة ، فإنّ ازدراءه المتضمَن واحتقاره المتعالي مردود عليه ، وهذا أقلّ ما يستحقّ .


ــ ثامنها : تلك الشطحة التنبئيّة المغرقة في انغلاقها ، وفي ضيّق رؤيويتها ، حين يقول :

( أنّ التطورات ، التي في العراق وسوريا، قد تفتح الباب أمام حرب باردة إقليمية ، وأنّ لإيران بالخيارات التي ستعتمدها، سيكون لها تأثير، إما في الاتجاه السلبي أو بالاتجاه الايجابي مما سوف يضع أسس العلاقات الإقليمية للمئة عام المقبلة ، فعلى كل طرف ان يحدد موقفه تبعا لذلك . !! ) ، يُفهم ـ بلا لبْس ـ أنّ تلك الحرب الباردة الإقليمية قد دُشّنت ، وأنّ تركيا قد حددت خندقها طالبة من إيران والعراق وسوريّة ولبنان ترك خندقهم مع رفع الرايات البيض وإلاّ فهي الحرب لقرنٍ قادم !!
أفعقمٌ أكثر من ذلك لسياسة ( مشاكل صفر ) التي لايؤمن بها صاحبها بدلالة بحثه عن المشاكل مع المحيط ، وبلغة تتضمّن مداورةً أو مباشرة نغمة التهديد ؟ !!

أوليس في لغة السيّد البروفيسور ـ المنظّر ـ الوزير إعلان وفاة نظريّته ( مشاكل صفر ) ، لتقوم وتحلّ مكانها نظريّة النقيض ،نظريّة ( حلول صفر ) ، أو ( حلول عقم )
؟ !!

علّ تلك الخاتمة ـ النتيجة تجيب بحسمٍ على شبه ظويهرة الذهنيّة الأوغلويّة المنقلبة أو المتقلّبة في صياغة قواعد العلاقات الجيوـ بوليتيكو ـ استراتيجيّة إقليميّاً وعلى الصعيد العالميّ .

الثلاثاء، 10 يناير 2012

ظاهرة ( آردوغان ) إلى فوق ـ الصوتيّة ، والعوالميّة (1) لا العالميّة تتصنع الصمم !!!



من قلم د . منير وسوف القوي


لم يعد غريباً على سلوك السيّد ( آردوغان ) استخدام قصف الطائرات ، وآخر حلقات مسلسلها ، الجريمة ـ الفضيحة بقتل عشرات الأكراد الأبرياء !!! والزيت فوق زيتونها ، ذلك الإعتذار الباهت البليد : أنّه تمّ بطريق الخطأ !!!، اعتذار ـ مهزلة ، لن يحيي قتيلاً ولن ينصف ضحيّة ، بل إنّ سياسة الدكّ بقنابل المدافع والصواريخ ـ الراجمات لكلا الأرضين ، العراقيّة والتركيّة ، قد أصبح في السلوك الصلف الأردوغاني من روتين إنجازاته المظفّرة !!! ، ولئن كانت الأرض التركيّة ، وهي أرض دولته الذي هو رئيس وزرائها ، ذريعةً تطلق يده ، فهو حرّ في فعلته تلك وإنْ بشروط ( قد لا تعنينا ) !!! ، فإنّ الأرض العراقيّة ، وهي ليست أرض من دولته ، لا تقبل ذرائعه أيّاً كانت ، وبالتالي ـ فهنا ـ مقيَّد سلوكه ـ بصفة العدوان بلا شروط ( وهذا بالتأكيد يعني كلّ عربيّ ) ، أمّا أن يصل إلى إطلاق قذائف زوارقه الحربيّة في المياه الدوليّة لشرقيّ البحر الأبيض المتوسط ، برماياتٍ بلا هدف ماديٍّ محدَّد ( اللهم إلّا إذا كان الهدف هو صيد السمك " مشويّاً " في سبق لوجستيٍّ حربيٍّ للفاتح النيو ـ عصمليّ آردوغان الخاقان !!! )، و قبالة السواحل القبرصيّة ، بسبب الخلافات على اقتسام مخزون الغاز المكتشَف بين الشواطئ الشاميّة ـ القبرصيّة ( لا التركيّة ، رغم وجود " مسمار جحا التركيّ " ـ جمهورية أتراك شمال قبرص ـ ، المعترف بها عالميّاً من تركيّا فقط !!! ) ، أنْ يصل إلى ذلك !!! فهو جنون العظمة المطلق اللامشروط إلّا بانفلاتٍ من كلّ عقلٍ وعقال ( وهذا يعني المجتمع الإنسانيّ بكليّته ) ، خاصّة حين تصبح مهزلة الإستعانة بضجيج المفرقعات الحربيّة روتيناً ـ استعماليّاً كالمؤثرات الصوتيّة ، في تضخيمٍ كاريكاتوريّ الإخراج للظاهرة الصوتيّة الآردوغانيّة ، في عبورٍ تصعيديٍّ لها إلى السويّة " فوق الصوتيّة " ، مما يمنحها مشروعيّة الإدّعاء بأحقيّة تمثيل جنون العظمة الأردوغانيّة ، الموّصفة تطابقاً مستحقّاً لمعادل القيمة في ـ وبين نسقيهما ، وبذلك وفي اتساق الموضوع ـ السياق تبدو بضع الكلماتٍ من السطرين الأخيرين في المقال السابق : ( آردوغان ظاهرة صوتيّة بامتياز ) ، لا كختامٍ لمقالٍ ، بل إشارة رصدٍ لتطوّر ظاهرةٍ إلى ما فوقها ، وصلة ربطٍ ـ مقدمةٍ للمقال ـ هذا ـ في تناوله محطتي الآردوغانيّة ، تركيّا داخليّاً ، وسوريّاً جواريّاً ، وسط تواطئ لعبةٍ دوليّةً ـ هو أحد أطرافها ـ لاتترد بتصّنع ضخم صممٍ عوالميٍّ مجرمٍ وعاهر !!! ، لكنها سنّة عصر الهيمنة العدوانيّة الأمريكيّة ، والتقليد ـ الاتّباع ـ القدوة للمثل الأمريكيّ في اليمن وباكستان وخلقستان ( أفغانستان ) ، وقبل الجميع في عدوان السنوات التسع الأمريكي على العراق النازف الجريح । فالسيّد ( آردوغان ) في هاتين المحطتين يتفوّق على نفسه ، ويصبح " ظاهرة فوق ـ صوتيّة " ، فلنتابعه في إطلالاته النجمويّة ـ التنجيميّة ، شبه اليوميّة ـ بأكثرٍ أو أقل ـ وبغياباته المبرمجة المتكررة ، بعد كلّ تنبؤٍ له تكذّبه الأحداث ، أو إهمال فرقعة إنذارٍ خلبيٍّ أطلقه ، في شعبويّة حماسة انفعالٍ لاتليق برجل الدّولة ، وإن كانت واجب محييّ الأعراس المستأجَرين ، من طبّالٍ وزمّارٍ وفرقة الردّادين و" المشوبشين " : 4 ــ المحطّة التركيّة الدّاخلية : في تلك المحطة ، تبرز بوضوحٍ لاواقعيّة وتوهّميّة السيّد ( آردوغان ) تسنّمه موقع مجترِح المعجزات ، يوزّع الوعود ذات اليمين وذات الشمال ، فيبشّر أكراد تركيّا بحلّه المدروس لأزمتهم المواطنيّة ـ ربّما بإبادتهم بطريق الخطأ ، ربّما ؟!! ـ ، تلك الأزمة التي عمرها من عمر الجمهوريّة الأتاتوركيّة العلمانيّة ، بل بعض جذورها يرجع إلى فترة الفتح العثمانيّ للديّار العربيّة الذي ابتدأ عام 1516 ، لا بهزيمته المملوكي ( قانصوه الغوري ) فقط ، بل باستمراريّة ما تبعها من انكشاريّة سياسات قمعه واستئصاله كلّ حراكٍ مجتمعيّ ، فكريّ الطابع محدوده ، أوماديّ الفعل نشيطه ، حتى ذاك المناوئ للمملوكيّة ، ومنه تلك بقايا الأيوبيّة ـ الكردويّة أصلاً إثنيّاً ـ والحركات المناوئة لكلا الدولتين المتعاقبتين من طالبيين وموحّدين ونصارى ، ممن تستعيد تصنيفهم " العصمليّ " المتخلّف ـ بعد تلك القرون ـ أغلبيّة من المعارضات ـ المتعارضات السوريّة اليوم ، بتسمية " أقليّات "!! معتمدة ومحيّية ذات المنظوميّة المفاهيميّة البائدة ، والمصنّفة حداثوياً بالإنتماء الثانوي أو الهويّة القبليّة ، نسبة للوطنيّة الجامعة ، من إثنيّة ودينيّة وطائفيّة وحتّى عرقيّة مشكوك بتاريخيتها ، ممّا يدرجها تلقائيّاً في مصفوفة بنيويّة النكوص الفكرويّ ،المغتالة لمعنى المواطنيّة وحقوقها فضلاً عن استغناءٍ غبيّ عن واجباتها !!! فماذا طبّق السيّد ( آردوغان ) على أرض الواقع في الشأن الكردي ؟ لقد تصرف بدوغمائية معتادة ، طورانيّة الطابع مزمنته ، استمراراً وتشابهاً ممتداً على ممارسات كلّ عهود الإدارات التركيّة ، فخلافاً لكلِّ معسول التوهمات ـ الوعود ، لم يكتف بقمعٍ غير مسبوق ـ مترافقاً بضجيج الوعيد والتهديد وأزيز الرصاص ـ لأنصار الـ ( ب.ك.ك ـ حزب العمّال الكردي) في الداخل التركيّ ، بل لاحق امتدادهم اللوجستي بقصف الطائرات وتوغّل ثقيل الدروع في الشمال العراقي ، مستفيداً من صمتٍ دوليّ متواطىء ، لم يتعدّ في بعض نطقه ـ الغمغمة عتباً رفيقاً وكبير تفهّمٍ ، وتبريراً لانتهاك سيادة العراق ، العاجز ماديّاً بوضعه المعروف ـ وحتى أخلاقيّاً لاغتيال كليّة سيادته بمحتلٍ أمريكيّ مقيم ـ عن احتجاجٍ فكيف بدفاع ؟!! سيّما وفي شماله إدارة مشروع دولة شبه معلنة دخلت لاعباً ـ ولو ادواتياً ذيليّاً ـ في اللعبة الجيوـ استراتيجيـا السياسيّة ، الإقليميّة المستوعَبة بإطارها الدوليّ الراعي ـ المخطِّط في معاهد دراساته وأبحاثه الصهيوـ أمريكيّة . وزاد على أفعاله تلك ، ممارساته الطورانيّة الشوفينيّة حتى ضدّ حزب المجتمع الديمقراطي " الكردي " ـ الحزب المرخّص قانونيّاً ـ والمنادي باندماج الأكراد مواطنين كامليّ المواطنة في الدولة "" العلمانيّة !!"" التركيّة ، فاعتقل بالتهمة الجاهزة ـ ( الإرهاب ودعمه ) ـ ، نوّاب الأكراد المنتخَبين شرعيّاً "" مثله "" وأبطل بقضائه النزيه ـ طبعاً !! ـ فوز بعضهم لصالح مرشحي حزبه ـ المنافسين لهم ـ لتأمين أكثريّة مريحة لحزب العدالة والتنميّة (حزبه) ، ، حيث ( توقف الكثير من المتابعين عند توقيت وملابسات صدور قرار المحكمة الدستورية التركية التي طلبت مؤخراً حظر حزب المجتمع الديمقراطي المحسوب على الأكراد في تركيا ومنع 37 قيادياً في الحزب من ممارسة العمل السياسي لمدة خمس سنوات بينهم 19 نائباً سارعوا لتقديم استقالاتهم بدل البقاء في البرلمان بصفة نواب مستقلين ) ، كلّ ذلك يحدث ، وخطاب رئيس الوزراء التركي السيّد ( رجب طيب أردوغان ) أثناء زيارته إلى ديار بكر الكردية الجريحة ، يقرّع سمع الشعوب التركيّة ، وبخاصّة الكرديّ بينها ، فهو المعنيّ الأوّل بمواقف رئيس الوزراء التركيّ ، المعلنة في تلك المدينة الكرديّة ( ديار بكر ) ، إذ قال السيّد ( أردوغان ) متوجِّهاً للجمهور الكرديّ المصغي إليه : ("نعترف بأخطائنا السياسية الماضية وسنصلحها"!!) ـ جميلة هذه الـ "وسنصلحها" تلك ، ويتابع ـ لا فُضّ ذهبي فوه (2) : ("إن القضية الكردية ليست حصرا على الأكراد بل هي قضية تركيا بالكامل" ) ، مبدياً ـ بحماسةٍ منبريّة ـ استعداده ـ الوعد المزمن ـ بحل للقضية الكرديّة في تركيّا على "أسس ديمقراطية وقانونية" !!! . لكن بقى الخطاب خلبياً مندرجاً في خانة المجاملات والوعود المناسباتيّة الطيّارة ، في سياق الظاهرة الشعبويّة الصوتيّة ، المتجاوِزة إلى سويّة مافوقها ، بنفاقٍ سياسيٍّ يُضمِر، بل وينفذ عكس ما يمزّق الحبال الصوتيّة بإعلانه من وعود ، ويترجم على أرض الواقع تكذيبها ، بتطبيق سياسات القتل والتشريد والملاحقة حتى إلى الجوار التركيّ ( العراق ) ، فبماذا اختلف السيّد ( أردوغان ) عن المسوِّفين الوعّادين ـ ممن سبقوه ـ ببذل سخيّ الوعود أيضا بالديمقراطية والحريات ، والتي بقيت حبراً على ورق في مستودع قبوٍ رطبٍ ، أو كلمات تذروها رياح سموم التقيّة السياسيّة ، نعم بماذا اختلف السيّد ( أردوغان ) عنهم جميعاً ، لو لم تميّزه ظاهرته الصوتيّة ، بل وتصعيدها ـ بالنفاق والتقيّة وازدوايّة القول والفعل ـ إلى مافوقها ؟!!! 5 ــ المحطّة السوريّة : لن أعود هنا إلى سرديّة حوادثيّة يعرفها الجميع ، ولا إلى نقاط سبق وأوردتها في مقالات سابقة إلاّ بقدر ، ولكنْ ما يستوقف المرء هو قدرة السيّد ( آردوغان ) الفائقة في قلبه معطفه بلا ذرّة من خجل ، وعلى الملإِ ، وكأنّه تعمّد اقتناء معطفه السياسي بصلاحيّة ارتداءٍ على الوجهين ( دوبل فاس ) !! ليتناسب وموهبته الحربائيّة بالتلوّن ، وبتعدد الأدوار والوجوه ، وبعضها على حديّ نقيض ، بانفصاميّة ( دكتور جيكل و مستر هايد ) ولكن في وضح النهار ـ هنا ـ ، ودون أن يرفّ له جفن !! فهو الصديق وهو الغادر ( آردوغان ـ سوريّة ) ، وهو العاشق طالب الوصال و الكاره المشمئزّ النفور ( آردوغان ـ أوروبا ) ، وهو الرأس الكبير القرم والذيل التابع المطيع ( آردوغان ـ أمريكا ) ، وهو ( وأوغلو ـ تابعه الطموح لخلافته ـ التصفيريّ المشاكل ) بائع معسول الكلام لكل الجوار التركيّ وبطل خلق المشاكل مع كلّ الجوار ، وهو بطل دافوس الغزّاوي وصاحب ( آفي مرمرة ) في اسطول الحريّة " واحد " ، والمنسحب من مشروعه المعلن بعزمه زيارة غزّة بمناسبة زيارته لمصر ، وبفاصل سنة فقط ، هو ذاته يصبح محاصِر - بموقفٍ أطلسيٍّ ـ اسطول الحريّة " إثنان " المتوجّه ، كسابقه لكسر الحصار ( الصهيونيّ ـ الأطلسيّ ) المضروب على قطاع غزّة وأهلها ، يُستطاع المضيّ في تعداد ثنائيّات التناقض رأسيّاً في تلك الشخصيّة الإشكاليّة ـ لا مديحاً ـ وتقلّبات ـ انقلابيّة سلوكيّاتها المرصودة بمفردات توصيف تصرّفات الشخصيّة الـ ( بسيكوباتيّة ) المرضيّة التي تأصّل فيها الشذوذ ، والتي برزت في علاقته المتوالية الإنكشاف في الشأن الداخيّ السوري ، فمنذ البداية نصّب من نفسه ناطقاً باسم المجتمع الدولي (وبالحقيقة : المقهى الأمريكيّ ) ، وبدأ ككل كومبارس ، أو " صبيّ المقهى بغياب معلّمه المصطنع ـ اتفاقيّاً تواطئيّاً بينهما ـ يحاول لعب كل دور متاح ، بموهبة تمثيليّة ، إشكاليّ تقييمها ، ولكن تبقى مهما كانت الإعتبارات خارج منظومة الأخلاق الكريمة وعنفوانيّة رجالها ، فما إن أطلّ الأمريكيّ ـ الرأس على الأزمة السوريّة حتى انكفأ السيّد ( آردوغان ) إلى دكّة الإحتياط الكومبارسي ، بلوعة إنتظار إشارة المخرج ، ليعود ـ حتى ـ إلى الخافت من الأضواء أخاً واعظاً ، فأبٍ مصدوم مؤنِّب ، " فآغا " ضيعة عصمليّ ، يهدد متململيّ فلاحيه بالكرباج والتجويع وكل مرارات العقاب !!! لغة خارج العصر ورهيف رقيّ الإنسانيّة ، وإنْ كانت من حقيقي مأثورسياقات سيرة " الآغا العصملّيّ " المتسلِّط ، الغبيّ ، والجَلِف ، ومن آخر مهازل محطّاتها ، والتي آمل أن تكون من مواسم أواخرها الأخيرة ، تلك التي أعلن فيها السيّد ( آردوغان ) عن زيارته المتوعدة ، المهددة بالعقوبات ، والإجراءآت النوعية الإستثنائيّة ، بحق النظام السوريّ !!! والقريبة جداً (كان ذلك منذ أشهرٍ ثلاثة تقريباً ، ويبدوأنها ـ زيارة همروجيّة ، عرقوبيّة الوعد ، مغفلة الموعد ـ سكنت النسيان ولم تر النور ) ، وإلى أين ؟ !!! إلى مخيّمات اللاجئين السوريين ـ الفبركة البروباغانديّة ، والتي تكشّفت أدوارها ، بكامل الغياب لوحيد دورها الإنسانيّ المعلن عنه ، عن خليطٍ آثمٍ آسنٍ من أشباه الممعسكرات ـ المعتقلات ـ البيوت المشبوهة ـ المافيويّة الإدارة ، بين منتسب جهاز مخابرات تركيّ وقوّادٍ مقنّع بعالي الصوت الثورجيّ ، أو بكسيره منتحل دور منتَج المظلوميّة المسكين ، في مسلسلٍ ـ بِدَوّيّ واقعٍ ـ مفاجأة ، من ساقط دراما سياسيّة ، لم نعهدها في المسلسلات التركيّة ( التي روجتها ـ مشكورة جداً ـ كوكبة من نجوم الفن السوري ، لكنْ أنّى لها علم الغيب فتلام ؟!! ) ، ثم ربّما هذا السقوط الدرامي ،كان حتميّ الوقوع !!! ، مثلاً : لأنّ البطل ( آردوغان ) ليس بسحر ووسامة البطل ( مهنّد ) ، أقول ربّما ، مع أنّ الأخير لا يمتلك المواهب الصوتيّة وما فوقها أو ماتحتها التي هي احتكارالبطل الأول الشعبويّ ، والكومبارسيّ العولميّ ـ العوالميّ ، لا المتعوس فقط ، فذلك يقصّر عن توصيفه وترصيفه فتصفيفه ، ولكنْ خائب الرجاء ـ أيضاً ـ بتضييعه دوراً إقليمياً تبحث عنه تركيا منذ سقوط السلطنة العثمانيّة ، وفتحت البوابة السورية له " الأوتوسترادات " معبّدة مُنارة مؤمّنة ، فكم هو ـ بداية ـ جاهل هذا الآردوغان ـ ومع ذلك لابدّ أنّه أدرك ، أو نُبّه لغفلته ، وبعد شهرين فقط من قسطه لخُلَّبيّ العُلى ـ عقوباته الحمقاء ضدّ سوريّة ـ لابدّ أنّه أدرك ( ثانية أرددها ) أنّ ذلك الدّور التركيّ يضيع ثمين فرصته ، وأنّه لن تكون له أبداً

الأربعاء، 28 ديسمبر 2011

آردوغان ظاهرة صوتيّة بامتياز


من قلم : د. منير وسوف


حين أعود إلى بواكير مقالاتي السابقة ، التي تطرّقتُ فيها للعلاقات السوريّة ـ التركيّة ، وارتباطاً عضويّاً حتميّ الحصول من خلالها ، العلاقات العربيّة ـ التركيّة ، المنشورة بعنوان : ( لعلاقات السورية ـ التركية والأمن القومي العربي ) ، لم يدر بخلدي ، - أعترف - ، أنّ رجلّ الدّولة التركيّ السيّد ( رجب طيّب آردوغان ) وفريقه المؤسس لحزب ( العدالة والتنمية ) ، المتمرّد على أبيه الرّوحي المهندس ( نجم الدّين آرباكان ) زعيم حزب ( الفضيلة ) ، الأمّ المرضع والحاضنة لذلك الفريق حتى وقوفه على قدميه ، بل ولم آخذ على محمل الصدقيّة اتّهامات السيّد ( ارباكان ) الثقيلة العيار للسيّد ( آردوغان ) وفريقه ، ووضعتها ـ بموضوعيّة منطق التحليل المحايد ـ في خانة اتّهامات نجمٍ آفل ، لا يريد تصديق أنّ ( العيال كبرت ) ومن حقّها تبوّء مكانها المؤهلة لملئه ، وأنّ ذلك هو منطق الحياة دون اللجوء المبالغ فيه غالباً إلى علوم السوسيولوجيا و ( نظريّة صراع الأجيال ) الأشهر ، أو إلى (سيغموند فرويد ) وميدان التحليل النفسي و ( نظريّة قتل الأب ) للزواج بالأمّ ـ السلطة هنا ـ أو أكثر من ذلك ، لم أجد لميكانيزمات العصاب لزوماً ، ولا لبعض تداعيات مرض ( آلزهايمر) مقاماً في شكوى السيّد ( ارباكان ) من تلامذته العاقّين ، مع أنّ شكواه تلك تجاوزت أحياناً حدّ الزَّوَرِ ، وجاورت بارانويا موَّصّفة .

أعود لتلك الأيّام ـ بضع سنوات لا أكثر ـ لا لأجلد الذّات بعقدة الذنْب أبداً ، فلست مدّعيّاً " كشف الغطاء " ولا " علم الغيب " ـ استغفرعالمه ـ ولكنْ لممارسة " نقد ذات " ذهبت أكثر من اللازم في تفاؤلها ، ربّما لكبير أحلام جيلٍ قوميٍّ عربيٍّ مجهَضة ـ وأنا من شاربي ، حتى التخمة ، مرارة خيبته ـ فلقد مثّل لي السيّد ( آردوغان ) نموذج القائد العالم ـ ثالثي ، الآتي ديمقراطيّاً ، بصوت الشعب وصندوق الإقتراع ، على رأس حزب حقق أغلبيّته ، في دولة علمانيّة الدستور والمؤسسة ، وهو الحزب ذو التوجهات الإسلاميّة ، بعد فترة حرمانٍ سياسيٍّ ومروراً بالسجن وملابساته ، لم أستطع على تلك القاعدة عقد مقارنة بينه وبين الحاكم العربيّ في كلّ جمهوريّاته ، على بسيط استثناء ، ومطلقاً مع ذلك الحاكم في الممالك العربيّة ، والمشيخات ـ إماراتها ، وكم عقدت المقارنة بينه وذاك الكونغوليّ الشهيد (بتريس لومومبا ) ، وكرهت المقارنة للمصيرـ الإغتيال الذي انتهى إليه الأخير !!!، ومع أنّ الزمن غير الزمن ، فإعدام ( عدنان مندريس ) بعد محاكمة شكليّة تمّ في تركيّا لا غيرها منذ نصف قرنٍ تقريباً .


لم يخطر ببالي أنّ السيد ( آردوغان ) هذا ، كان رغبويّة تسكنني ، دعمها ـ خاصّة ـ موقف انسحابه ـ الخبطة ،المدويّ ميديويّاً ، من مؤتمر ( دافوس ) ، بعد شبه مشادّة ، ـ قيل ـ !!! مع الصهيونيّ ( شيمون بيرس ) ، وعدم ارتكاس السيّد ( عمرو موسى ) : أمين عام ( جامعة الدول العربيّة ) ، بل ابتلاعه الإهانه ، بتنفيذ أمر أمين عام الأمم المتحدة ،السيّد ( بان كي مون ) ، الذي أمره ـ بلا أيّة لياقة ـ بالعودة إلى مكانه ، حين همّ بالوقوف لمصافحة السيد ( آردوغان ) المنسحب احتجاجاً لعدم إعطائه " الميكروفون " ، ـ قيل ـ ليردّ على ادعاءآت الصهيوني ( بيرس ) وافتراءآته ، فعاد أمين عام الجامعة إلى مقعده صاغراً حسيرا ،!!!

نعم ، لم يخطر ببالي أنّ السيد ( آردوغان ) هذا سيصبح نسخة سوء الحاكمٍ العربيّ المتفرّغ لمشاكل " الزاروب العربي " وتفاهاته ، وأنّه سيجعل من تركيّا أحد أنظمة "" النظام الرسميّ العربيّ السايكس ـ بيكويّ ـ الصهيونيّ أو المتصهيّن "" ، وأنّه سيشغل ثمين وقته !!! بالإنضمام لمحورٍ عربيٍّ ، كان الأجدر بـ " رجل الدولة " التركيّ المنتخب ديمقراطيّاً أنّ لا ينسجم مع ذهنيّات سلطاته المنادية بتطبيق ديمقراطيّة ـ هنا أو هناك ولكن بعيداً عن عروشهم ـ ، ديمقراطيّة لايميّزون فيها ـ بعراقة ديمقراطيتهم المجرّبة !! ـ بين الهدف والسبيل ، وإنْ كان فعل حلولها على مضاربهم هدفاً وتأثيراً ـ وسوف تصل ـ سيحاكي ذاك الذي للمبيدات الحشرية على أسراب البعوض ، بل أكثر من ذلك ، كان الأجدر به أكثر، وهو الجار القادم من مورد آخر ، وتجربة مختلفة أنْ يلعب دور رجل الحوار لا المَحاوِر، التقريب لا الفتنة ، وخاصة دور الإسلام الجامع بتسامحه واستشرافيّتة المستقبل الإنسانيّ ، لا الطّائفيّ الظلاميّ المفرّق بين المسلمين ، المنهك لهم ، الصالب تطلعاتهم خارج كلّ ريادة إنسانيّة ، أو مؤثّر فعل في صياغة التاريخ .


الظاهرة الصوتيّة الأردغانيّة ، يمكن عدّها ماركة مسجلة ببراءة اختراع ـ تجديد، فالشعبويّة التي تميّز كل ظاهرة صوتيّة ، تعدّت عند السيد ( آردوغان ) إلى قرارات وفرمانات ، تخرج من أفران هوسٍ نوستالجيٍّ ماضويّ يبعث على الرثاء ، وفوق ذلك فكلّها خلبيّة الفعل ، اللهمّ إلاّ ماتجلبه من أذيّة على الإنسان التركيّ ، نكالاً بما اقترفت يداه المنتخبة للسيّد زعيم حزب العدالة والتنمية وشلّة فريقه الميامين ، فلنستعرض لتلك لظاهرة الصوتيّة الأردغانيّة أهم محطّاتها ، للحكم على موضوعيّة ما أقول ، وسأبدأ ، احتراماً للسرديّة ـ تأريخاً ـ في سياقها الزمنيّ :

ــ المحطّة الصهيونيّة :

لن أعود إلى انسحاب السيّد ( آردوغان ) من مؤتمر ( دافوس ) ، وما تبعها من إهانةٍ لسيادة تركيّا وكبريائها ، بالمعاملة المهينة والمذلّة للسفير التركيّ لدى الكيان الصهيونيّ ، المستدعى من وزارة الخارجيّة الصهيونيّة ، وعلى يد موظّفٍ من الدّرجة الثانيّة ، وهو السفير الممثل للدولة التركيّة !!! وما حرّك ذلك الموقف المخزي من مشاعر، تراوحت بين الغضب والشفقة والإزدراء ، بل سأمضي مباشرة إلى مجزرة الجيش الصهيوني المنقضّ بوحشيّة الضواري ، في سلوكيّة قراصنة ، تختصر ذهنيّة ذلك الكيان المتفلّت ـ المحميّ أمريكيّاً ـ ، والخارج على كلّ شرعية قانونيّة مرعيّة ، أوعرفٍ معمولٍ به باتّفاق احترامه ، مع سبق تخطيطٍ وتصميمٍ معلنين ، على ( اسطول الحريّة ) ، المتوجه إلى (غزّة هاشم ) ، أكبرسجنٍ في تاريخ العالم ، لفكّ حصارها ، أو تحدّيه بأضعف الإيمان ، مع عدم نسيان مشاركة بعض أعضاء الحلف الأطلسي في الحصار الظالم ، بذريعة مراقبة ( تهريب الأسلحة لحماس عبر البحر!! ) ، وتركيّا ـ ويا للمفارقة ـ دولة أطلسيّة !!! فماذا فعل السيّد ( آردوغان ) فوق ظاهرته الصوتيّة ، وتهديداته الشعبويّة الجوفاء الإستهلاكيّة ؟ !! لقد قدّم لائحة مطالب :

آ ــ طالب ( إسرائيل ) بالإعتذار ، ورفضت ( إسرائيل ) ، رغم شكليّة الطلب ، وهدفه الذي لا يعدو حفظ الباقي من ماء الوجه للسيّد ( آردوغان ) ، المزبِد المرعِد في بعض تمظهر ظاهرته الصوتيّة !!

ب ــ التعويض على ذوي الضحايا الأتراك على المركب ( آفي مرمرة ) المهاجَم ـ المقرصَن إلى ميناء أشدود !!! وهنا تبلغ المهزلة صارخ فضيحتها ، فالكبرياء التركيّ ، والشرف التركيّ ، والمواطن التركيّ الذي جاء بـ ( آردوغان ) انتخاباً ، كلّه يضعه "" الزعيم "" النيوـ عثمانيّ ، سليل الفاتحين !!! في بازار المساومة والتسليع والتسعير، والمطالبة بقبض الثمن !!! ومع تقزّم الهدف وتافه قيمته ، فقد رفضته ( إسرائيل ) !!!

ج ــ لجأ إلى سلوكٍ صبيانيّ بإزعاج المسافرين الصهاينة في مطار ( اسطمبول ) ، ولمرّة يتيمة ، حين رأى العين الحمراء الصهيوـ أمريكيّة ، فأكمل السلوك الصبيانيّ بالتنصّل من المسؤوليّة ، وتحميلها لسلوكيّات موظّفين ، مما لايقبله عقل ،ولا تقرّه أخلاق ، صفة أخرى من صفات الظاهرة الآردوغانيّة ।


د ــ اتخذ قراراً بوقف صيانة بعض طائرات سلاح الجو التركيّ في ( إسرائيل ) ، وتعليق ـ لا إلغاء ـ المناورات المشتركة ، والأكثر إيلاماً ، ماساقه من تبريرٍــ تعليل لتوقيف بعض المستوردات التجاريّة من ( إسرائيل ) ، بوصفه الأخيرة أنّ لا أخلاقيّة تجاريّة لديها لأنها لا تحترم المواعيد !!! ، وكأنها في بقيّة ممارساتها مثال كريم الأخلاق وتمامها !!! نعم هكذا تفتقت عبقريّة القائد ـ الأمل ، لا فضّ فوه ، وتلك مزيّة أخرى لكلّ ظاهرة صوتيّة ، عجزها عن شموليّة الرؤية ، وتعلّقها بتلابيب تفصيل إجرائيٍّ تافه ।


ج ــ خفّض مستوى التمثيل الدبلوماسي ، وهو إجراء شكليّ ، ومع ذلك ربطه بشكليّة شرطيّة مضحكة، من مستوى الإعتذار المهزلة . ولإلقاء مزيد من إيضاحٍ على تلك المحطة الأولى ، فقد شاركت تركيّا ، مع أطلسيي أوروبا ، في تعطيل وإفشال قافلة الحرية ( 2 ) ، هذا العام ، مما يبرز جانب النفاق والتقيّة السياسيّة دعائم بنيويّة في الظاهرة الآردوغانيّة الصوتيّة ، وزاد في طمبورها نغماً ، موافقة ( آردوغان ) على نشر مشروع الدرع الصاروخيّة الأمريكيّة في تركيّا ، والكلّ يعلم أنّ في رأس أهدافها حماية ( إسرائيل ) !!! .

ــ المحطّة القبرصيّة :

عارض السيّد ( آردوغان ) ووزير خارجيته ـ السيّد ( أحمد داوود أوغلو ، أو صفر كيسنجر التركي ) انضمام ( قبرص ـ قسمها اليوناني) إلى الإتحاد الأوروبي ، ممثلة لقبرص بقسميها ، فرفض وتوعّد وهدد وإلخ .... ، والنتيجة ؟ دخلت قبرص الإتحاد الأوروبي ، وبقي السيّد ( آردوغان ) يتسوّل لتركيّا القبول ، ويجرجرها على أعتاب أبوابه الموصدة !!! وأخيراً ـ وليس آخراً ـ إرساله " الإعلاني ـ الإعلاميّ " لسفينةٍ تركيّة إلى المياه القبرصيّة ( قسم الجمهوريّة التركيّة ) !! ، وهي رحلة عاديّة تجري كل ساعة بين تركيّا والقسم التركيّ من قبرص ، لكنّ السيّد ( آردوغان ) ، وبمناسبة إعلان قبرص عن عزمها البدء بالتنقيب عن الغاز المكتشف قرب شواطئها ، لم يجد في جعبة ظاهرته الآردوغانيّة الصوتيّة إلا تحويل رحلةٍ روتينيّةٍ لسفينةٍ إلى طلائع اسطول غزوّ لن يدع ولنْ يذر !! مع أنّه وللتاريخ ـ سواء كنّا مع أو ضدّ ـ حين غزا سلفه ( بولنت أجاويد ـ حزب الشعب الجمهوري ) الجزيرة القبرصيّة واحتلّ جزءها التركيّ في 20 حزيران/يونيو 1974 رداً على قرار الحكومة العسكرية اليونانيّة بضم قبرص ، فقد تم ذلك بهدوء فاجأ الرأي العام الذي استيقظ على السفن التركيّة في ميناء (ليماسول) !! ولكنّ السيّد ( بولنت أجاويد ) كان رجل قرار ينفذ لا شخصيّة تحكمها عقدة النجويميّة ، وخاصة لم يكن ـ بالبرهان على الأرض ـ ظاهرة صوتيّة !!

3 ــ المحطّة الأطلسيّة :

هنا يُظهِّر السيّد ( آردوغان ) ظاهرته الصوتيّة ، بكل تناقضات الظاهرة ، فهو الباحث عن تموضعٍ جيوـ استراتيجيٍّ جديدٍ في الإقليم ـ ولسنوات بدا !! ـ مستقلٍ بعلاقته مع سوريّة وإيران المعاديتان للسياسات الأطلسيّة ، وخاصّة للمخططات الصهيوـ أمريكيّة ، ليعود إلى حظيرته الأطلسيّة بعد دروس تأديبيّة غربيّة ، ليس أخرها إفشاله فيما سعى إليه ـ مبادراً !! ـ مع البرازيل في التصدّي للملف النووي الإيراني وإشكاليّته ، ليأتي أخيراً ( قانون إدانة نكران المجازر الأرمنيّة الفرنسيّ ) ، مكافأة مستحّقة لخنوعه الأطلسيّ بنشر رادارات ما يسمّى ( مبادرة الدرع الصاروخيّة الأمريكيّة ) على التراب التركيّ ، ليكشف السيّد ( آردوغان ) عارياً لايملك إلّا ظاهرته الصوتيّة التي أضافت إلى ترسانتها شعارات ( الإسلاموفوبيا ) ، وصليبّة الساركوزيّة ، والتذكير بمجازر المستعمر الفرنسيّ في الجزائر ـ وكلّ ذلك صحيح ـ بشعبويّة لا يحسد عليها ، فعوضاً عن شعبوية ادّعائه الدفاع عن الإسلام ـ المفترى عليه حقاً ـ وتنصيبه لنفسه قيّماً مدافعاً عن بلاد المسلمين ـ التي يكتشف فجأةً مظلوميّتها ـ أما كان الأجدر به أن يتصرّف كرجل دولة مسؤول ، يتحرّك مؤسساتيّاً ، فيدعو البرلمان التركيّ لاجتماع يناقش المجازر التاريخيّة للمستعمر الفرنسي ـ وهي كثيرة ، تاريخياً ومعاصرة ـ فيردّ على قانونٍ بقانون ؟ !!! بدل التصرف بلغة المتظاهر المحتجّ الصّارخ ضدّ التّحيّز واللاعدالة ، المشروعة للمواطن ، ولكنْ المجلجلة الإدانة للسيّد رئيس الوزراء بحكم مسؤوليّاته ، والأدق رقبة ، أنها تكشف مقدارتدني ثقة مسؤول مثله ببلده ومؤسساتها واستقلال قرارها ، ومقدار تحكّم عقدة تفوّق الرجل الأبيض بسلوكه الذي يظهره ـ كما تصرّف ـ عاجزاً متشكيّاً بارانوياويّاً مضطهدا !!! لكنّها ظاهرة الصوتيّة الحابسة للسيّد ( آردوغان ) في خلّبيّة ثأثيراتها ، تتركه هكذا مهرّجاً بجمهور ملّ دوراً فقد حتى القدرة على الإضحاك ، إلّا أصفره المشفق أو المزدري !!!

أما في محطتي الآردوغانيّة ، تركيّا داخليّاً ، وسوريّاً جواريّاً ، فالسيّد ( آردوغان ) يتفوّق على نفسه ويصبح ظاهرة فوق ـ صوتيّة ، وذلك ماسيكونه موضوع المقال القادم ذي الصلة


إشكاليّة الديمقراطيّة ولعنةالدم


من قلم : د. منير وسوف


نّ دم الإنسان حرمة بالمبدأ ، وربّما كلّ دم ، حتى ماحُلِّل منه ،لارتباط سفكه بعنيف الفعل وغلبة الحيلة ، بغض النظر عن تبريراتٍ تحملها إيديولوجيّات وضعيّة أو مقدّسة ، ولو كان حلال تقديم أضحية ( هنا أنوّه أنني لا أتعرّض لأحكامٍ شرعيّة ، أبداً ، فليس ذلك هدفي ، وليس هنا المكان المناسب ، فضلاً عن أنّني لا أسمح لنفسي بالخوض في جدلٍ محسوم النتيجة بمنطق المقّدس ، ولكنّه رصد ظاهرة موضوعيّة ، من الإجحاف واللامنطق تجاهلها ، فكيف بنكرانها ؟ !!! ) ، من وجهة النظر تلك ، ربّما يستطاع فهم ( فلسفة النباتيين ) الرافضين تناول اللحوم ، وعدم حمل موقفهم هذا على حامل مرضيّ أو اضطراب بنيويّة نفسيّة ، حرمة تقررت منذ أدرك الإنسان صفته ـ الميّزة ملكة العقل ، مما يمكن من استيعاب حاسم موقف السرديّات كلها ، والمقدّسة منها بالخاصّة ، التي وصّفت قتل ( قابيل ) أخيه ( هابيل ) بالجريمة الشنعاء ، واستباحة لحرمة الدم ، بإلغاء الآخر ماديّاً ، في سلوكٍ إقصائيٍّ استئصاليٍّ ، بل ولم تقف عند بُعد جنائيّة الجريمة دنيويّاً ، وإنّما رفعتها إلى سويّة المقدّس في حكمٍ أبديٍّ يجعل من لعنة سفك الدم ذنْباً في عنق سافكه ، إلى يوم الدينونيّة والحساب ، ولو كان مرتكب الجريمة (هابيل النبيّ بن النبيّ آدم أبي البشر) !!!



هكذا يتضح ـ بلا لبْسٍ ـ أنّه إذا احتملت حرمة """ الدم اللابشريّ """ موقفين واجتهادين ، فحرمة """ الدم البشري """ حازت قطعيّة الإجماع ، مما يضع على مشروعيّة سفينة الديمقراطيّة المبحرة فوق بحرٍ من الدماء عريض سؤالٍ مبرّرٍ مشكِّكٍ ومفهوم ، لا بسلامة وجهتها ، ورجاحة عقول ربابنتها ونظافتهم فقط ، بل يتجاوز ذلك إلى التشكيك بطبيعة الديمقراطيّة ومنعة حياضها ، فعجزها عن صون نبلها ، وخطوته الأولى ـ المؤسِّسة ، تنزّهها ـ بمفترض طهارة أخلاقيّة وسيلتها وأهدافها ـ عن السقوط في مهاوي الرذيلة ، وأقصى تمظهرات الرذيلة ما تجسّده الجريمة ولعنة الدم ، فضلاً عن انهيار الأمان والأمل بالديمقراطيّة حين لا تملك حماية نفسها من استعمالها ـ موسميّاً عبوريّاً انتهازيّاً ـ مركوباً للثأريين الحاقدين والموتوري الدمويين ، المرضى بإحباط الإيديولوجيّات الصفراء وعقمها ( ومنها ماحرّف المقدّس ودنّس رحيم مقاصده ) ، وبعضها مازال يحارب الديمقراطيّة ـ معطى مؤامرة كفرة ضدّ المؤمنين !!! ، ويروّج أنّها بدعة ، و( كل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار ) ............



وللوقوف على حقيقة مأزيّة ـ إشكاليّة الديمقراطيّة والدم ، بل وتعارضهما الإلغائيّ الصراح ، ضروريّ استدعاء شهادة التاريخ الحاسمة ، السادة لكل احتماليّة مصالحة ، أو مؤدى ، أو لقاء بين الدم والديمقراطيّة ، بل بات حكم التاريخ ييّن وبالوقائع ـ البرهان ، أنّ الدم كان دائماً حامل ظلم الدكتاتويّة وعسفها ، فالديمقراطيّة يصنعها الديمقراطيون ، والثأريّ ليس ديمقراطيّ ، ومثله الحاقد والموتور والمتعصّب وضيّق الأفق وسجين التخلّف و أيديولوجيّات الإقصاء وثقافات سمّ عطاءآتها و.... إلخ .... فكلّهم لا ديمقراطيون ، سيكررون درس المقصلة وأفران الغاز الهتلريّة ( فهتلر وصل ديمقراطيّاً إلى الحكم ، كي لا ننسى !! ) ، ومجازر الكولاك ، وجرائم ( بول بوت ، و سيريك ماتاك ) وخميرهم الحمر أثناء نكبة كمبوديا بهم .



وإذاً أفليس من حلّ ؟ !!!
بالتأكيد يوجد حلول ، ولكن ليس منها ـ أبداً ـ طريق الدم ، المفضي دائماً ، وبحتميّة الإقتضاء - منطقيّاً وتاريخيّاً - إلى الدكتاتوريّة وانتقاميّة ظلاميّتها ، فليُلفظ الدمويّون ، أعداء الديمقراطيّة وقتلتها

الجمعة، 23 ديسمبر 2011

التموضع هو هدف التصويب ، كان ويبقى وسيستمر




استهداف إيران ليس لذاتها ، فإيران الشاهنشاهيّة كانت أثيرة مستهدفيها اليوم ، بخلاف سوريا وخط المقاومة العربيّة ، اللتين ـ بتموقعهما ـ هما دائماً تحت التصويب ، وضُمّت إليهما إيران ـ الثورة الخمينيّة منذ انتقالها الثوريّ صراحة إلى قطبٍ مقاومٍ للهيمنة الإمبرياليّة باكراً ، قبل حتى جديّة تصديق احتماليّة انهيار الإتحاد السوفيتيّ ومنظومته ، رغم دراساتٍ جادة تنبأت ، بل ووضعت التواريخ التقريبيّة بحصول الزلزال الجيوـ استراتيجيّ ـ السياسيّ الصاعق ، ( انظر: بول كندي " صعود وانهيار الامبراطوريّات "" ) .

فبالحديث عن استهداف التموضع يتحدّد سمت الرؤية ، فلا يُعدَم الماضي على مذبح الحاضر ، ( فمصر ـ الأمس ـ مثلاً ـ ، هي إيران ـ اليوم ـ تموضعاً ـ ) ، ولا يُضخَّم الحاضر وكأنه استثنائيّة تاريخ ، أو في قطيعة طُفريّة عن سيرورته ، مع الإعتراف بنوعيّة الإنعطافات وحدّتها ، وأقصى درجات الحدّة هو ذهابها إلى النقيض المطلق ( الحالة الإيرانيّة مثلها ) ، فهنا لا مكان للعبة الخانات الفارغة ، في عبثيّة ألعاب البحث عن الكلمة الضائعة ، المعروفة دائماً لمصمم اللعبة ، موزِّع ـ بفهلويّةٍ ـ حروفها بين تقاطع الكلمات المتشابكة .

هكذا تماماً ، ترصد بانوراميّة الرؤية الفاحصة الممحّصة ، استمراريّة إرادويّة التخطيط الهادف المبرمج ( لا المؤامرة ) وموضوعيّة الشروط الممّكِّنة تحقيق غاياتها ـ الهدف ، وقد وفرت الساحة العربيّة المشتعلة ، منذ قرابة العام ، فرصةً نادرةً لها ، فرصةً زلزاليّةَ التوصيف ، وتوقيتاً حرجاً على ميقاتيّات الإقليميّ والدوليّ ، واشتباك مصالحٍ فاقدٍ الحسم ، مشتت الإتجاه ، حيث برز مرتزقة عمالقة ، وممولون ""حديثوا نعمة "" جاهزون للدفع لقاء دورٍ ، أيّ دور ، لايبحثون عن معقلن الإستثمار إلاّ نادراً ، بينما هم ـ دائماً ـ في بحث القزم عن قامة العملاق ، بعقدة عصابيّة مستحكمة قاهرة ،يدارون بذكيّ استثمارها ، وفي عقم مساراتها يتحرّكون . في لحظة آننا المأزوم ـ هذا ـ لا يمكن لتحليل في العمق يحترم العقل وناطق التاريخ ، وهو يتتبع سرديّة حوادثيّته المستمرّة ترابطاً سببيّاً في مسار ذات الموضوع ، بين نفس اللاعبين ، الذين ثبت بعضهم في تموضعه ، أو ثُبِّت قسراً فيه ، بيدقاً لا يملك إلاّ خيار العبد المأمور ، بينما ذهب بعضهم الآخر إلى تموضعاتٍ نقيضة تماماً لخندق مواقعهم السابقة ، وبخياراتهم حتماً ، بغض النظرعن تنوعيّة الدوافع ومنابع صدورها ، والسبل المتّبعة في تفعيلها واستثمارها .

تحليلً هذا منطقه وذلك منطلقه ، لا يمكنه بدايةً ، بل ولا بدّ له موقفاً ، من إظهار استسخافه واستخفافه بغوغائيّة وضجيج ذلك المنطق المتهافت لببغاوات الردّ المعلّب ، باتّهام كلّ ذي رأيٍّ تعجزها ضحالتها المعرفيّة ، ورقيق إيمانها الديمقراطيّ القاصر عن احترام ( الرأيّ الآخر ) ـ فضلاً عن فعليّ عدم احترامه ـ برميّ كلّ مخالفٍ بأنّ ما يأتيه ، أو يؤتيه ، إنّما يصدر عن اعتناقه ( نظرية المؤامرة ) ومرض زَوَرِها ، وعقد اضطهاد المحبَطين أصحابها ، إلخ !!! ...

مما لا يستحقّ التوقّف لردٍّ أو مجادلة ، فذلك مضيعة للوقت صُراح ، فكليّة العبثيّة وضائع الجهد هما محاولة تغيير قناعات متمذهبٍ مغسول الدّماغ !!! . فخارج فضاءآت ذاك الغسيل الممنهج المدروس ، وبعيداً عن مياه سباحاته العكرة الآسنة ، لا تختلف رؤية متابعان جدّيان لمجريات الأحداث ـ المنعطفات في المنطقة العربيّة ، أنّ عميق قراءة ديناميّاتها المركّبة (من داخليّة تراكميّة مفجِّرة ـ متفجرة ، وخارجيّة مستفيدةٍ ، فموجّهةٍ ومؤثِّرة ) ، بشموليّة سردية حوادثيّتها ، لا تستقيم منهجيّاً إلّا باحترام ـ المرجعيّة ـ الإسناد ـ درس التاريخ ، فهوالمؤطِّر لتتابعات وقوعها ، المترابطة تصاعديّاً لولبيّ النموّ ، أحاديّ مشيمة الديمومة ـ الفعل الخالق ، المشمولة دائماً برعايةٍ هيمنيّةٍ مصمّمةٍ لضبط فعلها ، إلى الصيرورة ـ التعبير الوقائعيّ لمآلاتها ، وإنْ بدا من انقطاعاتٍ زمنيّةٍ بينها ، فذلك ليس أكثر من خادع سرابٍ مضلِّلٍ ، تُسارع لالتقاطه سطحيّة التحليل المستسهِلة ، من نسق الإتهاميّة أعلاه وتنميطيّة تصنيفاتها ، لأنّه ـ وفي العمق القواعديّ ـ المؤسِّس ـ عِليّاً ـ لتلك الأحداث ـ المنعطفات ـ تشكّلُ تلك الإنقطاعات الزمنيّة محطات كمونٍ في بُعْدٍ تراكميٍّ بنيويٍّ لديناميّةٍ متحرّكةٍ بلا انقطاع ، تعبّر في لحظة التحوّل النوعيّ بتمظهراتٍ ، تختلف في حدّتها طرديّاً مع كينونة الكم المتراكم على محمولٍ محدَّد المنحى والهدف ، حيث يعجز الواقع الآنيّ ـ رحمه الحاضن لتطورات نموّه ومغذيها ـ عن لجم ضاغط ديناميّة حراكه ، أو ضبط نبض إيقاع فعله ، ولو باستعمال كلّ مافي ترسانة ذلك الواقع من أسلحة المحافظة على استمراريّةٍ مستحيلةٍ ، في نقطةٍ ترفض ـ غباءً ومكابرة ، ولا مكابرة بلا قسط غباء ـ ترفض الإعتراف أنّها تحاول ـ وبلا جدوى ـ تعطيل قانون حتميّة التغيّر ، فالتغيير ، فالتلاؤم ، فالإندماج في مسارديمومة التطوّر الأزليّة للكائن الجدليّ ـ الإنسان ، حين تحلّ لحظة حتميّة استحقاق المخاض .

ذلك البسط ـ المدخل ينقلنا عفويّاً ، وباستدعا ئيّة مفهومة ، بل وضروريّة للفهم أيضاً ، للربط المنطقيّ تحليليّاً ، وجدليّاً تاريخياً ، بمنطق شموليّة الرؤية المؤسَّسة على :

١ ــ حقائق الجغرافيا الثابتة موضعاً مُعطى ( منطقتنا ) ، وتموضعاً ، جيواستراتيجي علائقيّ حكماً ، قسريّاً غالباً ، منذ قرون .

٢ ــ تغيّرات التاريخ على ثبات الجغرافيا باستمراريّة الزمن ، في سرديّة تأريخٍ ـ واقعاً متحركاً ـ ولو بدا ـ لوهلاتٍ ـ سكونيّ مستنقعيّ ، وهذا ـ ثانيةً ـ خادع ومخادع ، ويزيد القراءة عمهاً ، حين تسمح بعض التسرّعات ـ التسارعات ، بادعاء علميّة التحليل ، وموضوعيّة نسبيّة المعطى المحايد ، برؤية الحركيّة الإنقلابيّة نكوصاً ـ عكس السير ـ بما لا يتفق بحالٍ مع حقيقة أنّ ذات الماء لا يمر تحت ذات الجسر مرتين !!!

نعم يدعونا للربط المنطقيّ بين حقبتين ، بل ثلاثة ـ تفاعليّاً ـ ، من تاريخ منطقتنا : ــ حقبة الخمسينات ـ الستّينات من القرن المنصرم ، وقد انتهت ولم تنته تأثيراتها ـ المفاعيل . ــ حقبتنا المعاشة المستمرّة ، المبتدِئة في العام الأخير من سبعينات القرن العشرين ( عام الثورة الإسلاميّة الخمينيّة الإيرانيّة ) ، ولا زالت في معركة تبلورٍ لم ينجل غبار ساحاتها . ــ أربع سنوات بالتحديد بين الحقبتين ،، بين ( 1973 ـ 1977 ) ، شكّلت مرحلة تحوّلات ـ جسر عبورٍ ، لانقلابات سياسيّة جيوـ استراتيجية ، بعضها ارتقى إلى مرتبة الخيانة ، وللذات قبل الآخر ( مثالها : الإنقلاب الساداتي ، والدّاخلي قبل الخارجي !!) ، بلورت اصطفافات إقليمية مرتبطّة بقطبي الحرب الباردة ، وبالقطب الأمريكي بالتحديد بعدها ، خاصّة مع بروز مصطلح البترو ـ دولار الخليجي ، وأسطوريّة أرقامه الفلكيّة بعد طفرة الأسعار ، عقب استعماله ـ المُدّعى ـ سلاحاً في الحرب العربيّة ـ الصهيونيّة عام 1973 ، والحقيقة أنّ بسيط عقلانيّ التفكير، يصل بسهولة إلى أنّ شركات البترول الغربيّة ، القابضة على زمام ذلك النفط ـ المسمّى عربيّاً نسبّاً لتربة مخزونه العربيّة ،أو هكذا كانت تسمّى !!

ـ استخراجاً ونقلاً وتكريراً وتسويقاً ، قد اهتبلت المناسبة لتحقيق ربحيّة فلكيّة الرقم ، ومن جيب المستهلك في العالم الأوّل ، المستهلك الرئيس للسلعة النفطيّة ، أي من جهد مواطنها أولاً ، مما جعل محاولات " موطنة النفط وتجنيسه " وشعاراتها : ( بترول العرب للعرب ، لكل أمّة العرب ، يمْناخد منهُ حقّنا الكامل ، يمْنشعلو لهب " تنشد المؤدية الصادحة " ، لهب ، لهب ، لهب لهب لهب ، يردّد الكورس ، وخلفه جماهيرالمخدوعين العرب !!! ) في تمثيليّةٍ هابطة المستوى من كوميديا سوداء سخيفةٍ ، بلون الزفت ، سليل النفطّ ، كابر عن كابر !!!

من هذه النقطة الأخيرة ( تراكم الثروة البتروليّة المفاجئة ) بيد الأسرالقرنوسطيّة ـ الحاكمة الخليجيّة ، سيتابع الجزء الثاني وربّما الثالث و الرّابع ...، تفقير الموضوع ( من فَقَرَة ، لا فقر ) حيث ستستعرض الأجزاء اللاحقة : ــ الفرصةً النّادرةً القائمة ودقّة توقيتها . ــ المستهدِفون ودرجاتهم ومدروج المصالح .

ــ المرتزقة بين العملاق والقزم . ــ الممولون وطبيعتهم . ( يتبع ،فللموضوع لواحقه ـ الصلة ) .


ديمقراطيّ تائب خيّبته أيقونة الديمقراطيّة


لا أشكُّ أنّ العنوان صادم ، كإعلان الكفر بين جماعة المؤمنين ، وأنّني أفتح على نفسي بوّابات جحيم ردود يمتدّ اتساعها بين الإعراض والإزدراء ، إلى الإستنكار والتسفيه ، وربّما إلى اتهاماتٍ بانتماءٍ إلى مدارس الدكتاتوريّات المنقرضة أو في طريقها ، أو إلى ولاءآتٍ ضيّقة ، متقوقعة في تاريخ ذكرويّ خوفها من تجربتها الممتدة على مساحة قرونٍ أربعة عشرة من القهر ومعاناته ، على يد حكمٍ شموليٍّ مسلحٍ بأيديولوجياتٍ إلهيّة ، طالما وظّفت الإيمان سيفاً يشهره الحاكم بأمره على أعناق الفكر ، فكيف بحال حامليه المطالبين بالحقّ في الإعتراف بإنسانيّتهم ، وشرطها الأوّل عدم اعتبارهم ( رعيّة ) ، وهو التخفيف والترشيق للتعريف ـ التحديد واقعيّاً : مفردة ( قطيع ) ، وحتماً وبالتلازم ، خانع ومطيع ، وإلّا فسيف الحاكم بأمره ، وليّ الأمر وظلّ الله ـ والواقع عدوّ الله ـ المغتال لعدالته وأس أقنوميّة ترجمتها بتكريم خلقته المكرّمة بمحكم تنزيله ( ولقد كرمنا بني آدم ) ، وبنعمة العقل تحديداً ـ شرطاً ، فهي مفتاح جنّة الحريّة المفجِّرة لكمون ومكامن الإبداع في الطاقة اللامتناهية في أعماق الإنسان الحرّ ، المتخفف من العسف والكبت والقمع التي يشخصنها الحاكم بأمره ، بسيفه أو بذهبه ، لا فرق ، أو بما مورس ، بمديد ومرير الخيبةٍ ، من لدن نمطييّ أصحاب نظريات ( الطليعة الثوريّة ) الوصائيّة ، التي لم تفعل أكثر من استبدال شخصنة الحاكم بأمره " الفرد " ، بشخصنة أخرى أشدّ فتكاً ، ( مجلس قيادة الثورة ، المكتب السياسيّ للحزب ، اللجان المركزيّة ... إلخ من تسميات مخترعة لكل وافد إلى منصات القيادات ـ الضرورة ، وحكماً الملهَمة فالملهِمة !!! ) ، وبعصبويّة استبداديّة دمويّة أين منها دمويّة سيف الحاكم بأمره ، الذي في يده الثانية ذهباً ـ كما يُقال ـ !!!

أمّا هنا ـ مع ( الطليعة الثوريّة ) ـ فالسيف ثمّ السيف ، في مباراة دمويّة بين السيفين بكلتا اليدين الطليعيتين ، والتاريخ ـ البعيد والقريب والمعاش ـ كريمًٌ بتقديم الأمثلة لكلّ النماذج الحاكمة ، ومنها ، النموذج الديمقراطيّ ـ الخدعة دائماً ، والخادع لنفسه أولاً ، بتقديمه ظهر فرس ( ديموقراطيّة انتهازيّة ) يسير ٌامتطاؤه من قبل نصّابَ سياسةٍ نهّازٍ ، في أوّل سانح فرصةٍ على أيسر منعطف ، قبل أنْ يخدعني ، الغادر للذات تاريخيّاً ـ بدايةً قبل أنْ يغدر بي ( عبرة الرئيس التشيلي " اللندي " ) ، والمبيّن العجز ـ واقعاً ـ عن حماية النفس في بعض ( ديمقراطيّةٍ بطقم أسنانٍ مستعارٍـ لجان مراقبات الإنتخابات الدوليّة الملغومة ، وقيمة صوريّة شهاداتها !!! ) قبل أنْ يحميني ، بل ويسلّم عنقي بيدي لسيف جلّادي المشرعَن بصوتي ، المشارِك بدعوتي لممارسة ( ديمقراطيّة عارية من هدفها ـ المبدأ ، تحقيق صادق تمثيلي ) في مهرجان احتفاليّةِ اقتراعيّةٍ مضللةً ، تُحشر فيه أيقونيّة الديمقراطيّة الحقّة في رثّ جلباب الردّة ، وتهريجيّة عرّابين دّعاة ، غرباء عنها ، يسوّقونها بضاعة سوق نخاسةٍ تحكمها الرغبويّات ـ المطامع ، ويقرر مصيرها المزاد

بطوطميّة ممارسة طقوسيّةٍ ، طُردت العقلانيّة وأُقصي الفكر النقديّ عن مراسحها ـ القناع ، عبر صندوق عجائب ـ معجزاتٍ مدّعاة ( صندوق الاقتراع ) ـ الفخّ المنصوب ، رغم كلّ سيناريوهات محاولة إضفاء كليّة القدسيّة عليه وتهويماتها !!! ، لأنّه ما كان يوماً ولن يكون في محصلته ـ النتيجة إلّا ترجمةً لدرجة الوعيّ في جماعة بشريّة ، خاضعةٍ لغلبة طرف قوىً متصارعةٍ تفرض توجهاتها ، بسيف الغالب أو بذهبه ، لا فرق في ذلك بين الأنظمة التوتاليتاريّة وتلك الليبراليّة إلاّ بدرجة إتقان المخرج وتقنيّة الإخراج ، على أنّ الذّهب يبقى الأخطر بين السلاحين لأنّه يستطيع إنتاج وعيٍّ "" مزيّفٍ جمعيٍّ "" ، لم تبدأ تمظهرات ترجمته مع خلافة معاوية الأمويّ ومُلْكها العضوض ، وخاصّة مرحلة خلافة يزيد ، الإبن الوارث لها ، خلافاً ومخالفة لمبدإ الشورى ( وأمرهم شورى بينهم ) ، بل ، وبلا أيّة كفاءةٍ ـ مزيّةٍ تمتّع بها الأب الموّرث ـ الموروث

وما انتهت تلك التمظهرات بولادة النّازيّة الألمانيّة ، من رحمِ ( ديقراطيّة زنىً ، مزنيًٌّ بها اغتصاباً ، أو بطبيعتها تحمل مورّثة قبول الإنحراف ، واستعداد المومس ؟ !!! ) ، لتُخرج من ( صندوق الإقتراع ) لعنة مؤسس رايخها الثالث ، فوهررها ( آدولف هتلر ) ، وبالتزامن معها شقيقتها الفاشيّة الإيطاليّة وزعيمها ( بينيتو موسوليني ) ، ولن تكون آخر صفحاتها خروج أصحاب شعار ( الإسلام هو الحلّ ) من تلك الصناديق منتصرين ، بعد أن رفضوها طويلاً لأنها تسمح لغير المؤمن ( الذميّ والعلمانيّ والملحد و .... إلخ ) بالمشاركة في رأيٍّ يخصّ شؤون الأهمّ في حياة ـ دنيا المسلم ، ( نظام الحكم )، وخاصّة يخالف أساسيّ شريعيّة ممارسته ، حصريّة مبدأ الشورى بجمهرة ( علماء المسلمين !! ) ، فضلاً عن تكريسها اعتماد بدعةٍ مستوردةٍ من فسطاط ( دار الإحتراب ) إلى فسطاط ( دار المسلمين ) ، بما تمثّله من تغريبٍ عن المنابع ـ الأصول ، وفعل "" إساءةٍ إلى ـ ومؤامرةٍ على "" قويم نموذج اسلوب سلفنا المؤمن في تنصيب الحاكم ، والصالح لكل زمان ومكان ( حيث المسلم ) ، منذ مجلس شورى ( سقيفة بني ساعدة ) وإلى أنْ يرث الله الأرض وما عليها !!! وأمّا أنّها ممارسة ـ بدعة ؟ !!! فيكفي أنّها تندرج كآليّة ممارسة تطبيقيّة للديمقراطيّة ـ البدعة الأمّ ، مغتصبة شرعيّة الشورى ، ومحيلتها إلى المعاش في بطون دواوين التصنيف !!! وستظلّ شبهة البدعة قرين الديمقراطيّة الملازِم في نظرالأصولية الإسلامويّة ، لتظل رهينة ابتزاز سيف الإنقلابيّة المشهر في وجهها عند اللزوم ـ الوظيفي البراغماتي دائماً ـ وعلى فقه قاعدة : ( كلّ بدعة ضلالة وكلّ ضلالة وأصحابها في النّار ) !!! في واقعٍ كهذا ، كيف يُستطاع دفن سؤالٍ حيٍّ ـ وأداً ـ بعدم أو بتجنّب الإجابة عليه ؟

والسؤال هو كيف قبل الإسلامويون ممارسة ديمقراطيّة ـ بدعة ومؤامرة ، وبالإحتكام إلى صندوق الإقتراع ؟ ومع بوليصة تأمينٍ بالفوز المبين !!! هنا لابدّ من التشديد على مصطلح " اسلامويين " من إخوان ، وسلفيين أو إسلافيين ، من صوفيين ، وغيرهم من السياسويين والمسيّسين ، تمييزاً لهؤلاء عن سواد الشارع المسلم المسيَّر دعاويّاً ، وإنْ جادل البعض ، وأصرّ السواد الكثير : أنّ الإسلام ربّانيّ شموليّ وشامل ، دين ودنيا ، شريعة ودولة ، وبالتالي فكلّ مسلم مؤمنٍ مسيَّس ، فرض عين عليه ، فالإيمان ما وقر في القلب ، نعم ، ولكنّ تمامه ما صدّقه العمل . من ذلك الباب الواسع يدخل تزييف الوعيّ لينتج وعياً مزيَّفاً ، تترجمه نتائج الغزوات المباركة على صناديق الإقتراع ، "" نصراً ـ خديعة ذات جمعيّة "" ، تواطئيّتها على ذاتها لا تخفى على ذي حجى ، ولو كانت نزاهة الصناديق ــ وخاصّة تلك النزاهة المقدسة حينها ــ في ابهى درجات النقاء . وبالعودة المراجعيّة ـ الإسناديّة إلى المرحلة النّازيّة ، ورفيقتها الفاشيّة ، من التاريخ ، للدلالة القطعيّة على خطورة الوعيّ المزيَّف ، في إنتاجه ـ وديمقراطيّاً ـ بقوّة ايديولوجيا " وضعيّة " ، أنظمة حكم ديكتاتوريّة طغمويّة ، شموليّة مستبدّة وعدوانيّة ، فإنّ الخوف يصبح ـ لا مبرَّراً فقط ، بل ومشروعاً ـ مطلوباً وضروريّاً ، حين تصبح الأيديولوجيا " سماويّة " مقدسة بقاطع النصّ ، ودكتاتوريّة حرفيّة التزامه ، لا استيعابه واستيحائه وفهمه ، ليس ذلك فقط ، بل يمتدُّ التقديس إلى إنتاج الفقهاء ولو تناقضوا ، والمفسرين وإنْ شطحوا ، والرواة وإنْ دسّوا

والمفتين وإنْ أفتوا على أبواب وموائد السلاطين ، وخاصة سلاطين البترو ـ غازو دولار المتخمين !!! دون اعتبارٍ لاختلافات عاملي الزمان والمكان ، بل وبالقفز الشعبويّ على خصوصيّتهما ، واستحضارهما توظيفيّاً إسقاطيّاً قسروياً على الظرف المعاش ، أيّ ظرف ، وحكم الطالبان في أفغانستان ، وحربه المعلنة لا على المساواة بين الجنسين ، والسوفيت والأمريكان ، فقط ، بل وعلى " تماثيل بوذا " في الحرب المؤمنة المقدسة الضروس ، المستمرة الجهاد على " الأصنام والأوثان " لمثل قائم ودامغ الدليل !!!

تلك العودة كان لا بدّ منها لمحاولة الإجابة على السؤال أعلاه ، وفيها : هؤلاء المسيّسون الاسلامويون لا يقلّون قحّةً براغماتيّة عن الليبرالي والعلماني وكلّ ( حيوانٍ سياسيٍّ ) ، بل وفي جعبتهم ـ من المزايا ـ ما يكسّبهم على الأرض بسهولة عريضة نسبيّاً ، فعموميّة الثقافة الإسلاميّة مجتمعيّة الطابع ، تشمل ـ وبدرجات ـ المسلم وغير المسلم ، وتسيطر ثقافويّة شعبويتها على لغة النشطاء والدعاة وخطب الجمعة ، وتجد بسهولة أذن البسطاء ـ المؤمنين بالفطرة ، وقليل نسبة تسكن منزلة الآحاد بالمئة من متصلّبي اعتناق الإيديولوجيا ـ هؤلاء المأزومون في حياتهم اليوميّة ، المفقرون بآلة الفساد والإحتكار والنهب المنظّم ، في كاثوليكيّة زواج السلطة والمال ، يبحثون عن لقمة العيش المتصاعبة المنال ، وعن وجود مستلَبٍ بسلطة حاكمٍ بأمره ، متألّهٍ نمرود ، هؤلاء هم " بوليصة التأمين " التي شجعت الإسلاموية السياسية البراغماتيّة ، وأغرتها بقبول لعبة المتاح بلا مخاطر ، لعبة الديمقراطيّة ـ البدعة الضلالة !!! ، التي تجد فتوى تبريرها بمقولات جاهزة ، سماويّة أو وضعيّة ، فكله مجلبب بقداسة لا تُطال بنقد ، ولا تُقارَب باعورار ""معاذ الله وحاشاه "" : فقواعد : ( الضرورات تبيح المحظورات ) ، ( وأنتم أدرى بدنياكم ) ، ( وأهل مكّة أدرى بشعابها ) ، كل قاعدة منها ، بما يلحقها من تفسيرات وأسانيد وشواهد ، تكفي لإمرار الجمل من ( خرم الإبرة )، فكيف لورقة عابرة في صندوق اقتراع ؟ !!! قد يصبح ـ هو ـ عابراً بدوره ، ولمرّة واحدة ، يتيمة الأبوين ، أو لقيطة ، وباتّجاه وحيد .

وبعد أليس في استغلال سذاجة سواد الكتلة الشعبيّة الأعظم ، وتعبيرات صافي إيمانها ، وانتهازيّة توظيف ضاغط حاجاتها ، وواضح أميّة وبساطة إحاطاتها بأسباب إعاقاتها ، بدغدغة مشاعر إحباطاتها بوعود عرقوبيّة ، يعلم أصحابها قبل غيرهم أنهم يكذبون أو يروِّجون ـ بساذج الطويّة ـ لكذبٍ باستحالة تحقيقها ، وخاصّة ترويج شعارات فضفاضة ، لا برمجة زمنيّة لتحقيقها ، ولا آليّات محددة لتنفيذها ، تعني كلّ شيءٍ ولا تعني أيّ شيء ، رأس قيميّة عريض فعلها يكمن في امتلاكها سطوة الحضور وقدرة التجييش والتحشيد من مثل مثالها التاريخي الأشهر ، البرنامج السياسيّ ــ المختصر المبسّط لحركة الإخوان المسلمين المصريّة الأمّ : ( الإسلام هو الحلّ ) !!! يبقى استكمالاً للموضوع ، لا إلحاقاً به ، بل في صلبه ، هذا الطلب الملح من بعض الأقلام اللامحايدة رغم لبوس معظمها عباءة النّاصح المحبّ الشفوق ، وعمامة الفقيه ـ الإمام بآنْ ، أنّه على الجميع قبول نتائج صناديق الإقتراع ، وترك الفرصة للمنتصر الإسلامويّ قبل الحكم عليه ، وهو طلب حقٍّ بظاهره ، يريد باطلاً في باطنه ، أو باطنيّته لافرق ، ففضلاً عن الإستهتار بضروريّة وضوح وتوضيح ، وبرمجيّة ملّح برامج الحلول المقترحة ، لحاجات الجماهير المفقرة المسحوقة ، فإنّه يحمّل ظهرها المثقل بمهمّة جديدة ، بتحويلها إلى حقل تجارب عليها ، تتحمّل مسؤوليّة احتماليّة نتيجة الفشل إذا وقع ، أفليس ذلك هو اختيارها ؟ !!!

فإنّه يشي بنفسٍ دكتاتوريٍ لايختلف باستبداده عن منطق أيّ شموليّ دكتاتوريٍّ يطلب مصادرة ومنع "" الرأي الآخر"" وقمع كلّ بادرة احتجاج أيّاً كانت ، وهذه المرة متسلّحاً بدكتاتويّة صندوق الإقتراع ، وطوطميّة قدسيّته اللا مجال لنقدها ، مع أنّه صندوق لا أكثر يجمع ما يوضع فيه ، وقد سبق أنْ أخرج من بطنه وحش النازيّة ، ولعنة الفاشيّة ، كما سبق وأشرنا ، فكم كثرت العبر وقلّ الإعتبار !!! أمّا الحلّ لمن يريد ـ بارادة بنّاء الإستفهام ـ أو الهادف لوضعي أمام حائط العجز واللا جدواتيّة ـ بسوء الطويّة ولغة الإتّهام ـ فلن يكون بطرح عويص أسئلة مصيريّة ، لا أمتلك عميق إجاباتها ، وهذا ليس عيباً يقيم حجّة ، والإعتراف به لا يمنح " فيتو " مصادرةٍ واعتراض ، فناقد الشعر لا يلزمه قرض الشعر ، ومع ذلك فمفيد دائماً العودة بالموضوع إلى مرجعيّة نجاحات الأمم الأخرى في مجاله ، فليكنْ لنا في تجربة الديمقراطيّة اليابانيّة ، خطواتها ومراحليتها ، في أعقاب استسلام اليابان ودمارها في الحرب العالميّة الثانية ، درس نهوض وبناء من بلاد الشمس والميكادو ـ الإمبراطور ابنها .

إشارة أخيرة :

إنّ موقفي المعلن في هذا المقال ليس جديداً مستحدث في ضوء صاخب الحدث العربيّ الحاليّ ومنعكساته ـ النتائج الإنعكاسات ، أبداً ، بل إنّ الواقع العربيّ اليوم جاء شاهد إثبات لموقفي الذي عبّرت عنه ، ولقي استنكاراً كثيراً ، وتفهّماً قليلاً ، ونادر تأييد ، في مقالٍ منشورٍمنذ سنتين ونيّف ، بعنوان ( لستُ توتـالـيتـاريّـاً أبـداً ) وقد أعيد نشره على ( عرب تايمز ) ـ بتعاون هيئة تحريرها مشكورة ـ لا ليكون فقط " توطئةً ـ مدخلاً" لمقالي هذا، وهو جزئيّاً كذلك ، ولكن لأنّي وجدت ، وربّما هيئة التحرير كذلك ، أنه كُتب بمداد راهنيّة الحدث ، بانغماس القلم مبضعاً ، بإرادويّة تفاعل الموقف مع السرديّة ـ الحدث في مساراتها المنتهية إلى مآلاتها بكل يقين

________________

لستُ توتـالـيتـاريّـاً أبـداً



مقدّمة ـ إشارة ، لا بدّ منها لفهم سبب عودتي لقراءة مقال كتبته منذ سنتين ونيّف ، في شهر أيلول 2009 ، ونشر على موقعٍ في سوريّة ( بلدي الأمّ ) يتصفحه غالباً من يصفون أنفسهم ، أو يوصفون ـ جديّة أو تهكّماً ـ بالأنتلّنجسيا !!! ولأنني وجدت فيه ذات الموقف ـ موقفي تقريباً ، بل ووجدت ـ حسب رأيي الشخصيّ بالتأكيد ـ أنّ صاخب الحدث العربيّ الحاليّ ومنعكساته ـ النتائج الإنعكاسات ، جاء اليوم شاهد إثباتٍ لموقفي الذي عبّرت عنه ، ولقي استنكاراً كثيراً ، وتفهّماً قليلاً ، ونادر تأييد . والمقال هو التالي بحرفيّته وتاريخه ، إعيد نشره على موقع ( عرب تايمز ) ، تعميماً لفائدة أرجوها ، فذلك هو ـ ببساطةٍ ـ طموحي ، وخدّمتي التي أستطيع أو أزعمها كذلك ، ولغاية أخرى ، أنْ يشكلّ مقدّمة ـ توطئة لمقال قادم يتصدى لحدثٍ يشغل الجميع

: تاريخ 12 سبتمبر, 2009

في العقد الأول من القرن الواحد والعشرين ،قرننا الحالي ، وأمام كل انتخابات "تقريباً"،وخاصة في ما يسمّى بـ (العالم الثاني = بالتحديد العالم خارج الأوروبي الغربي ـ الأمريكي الشمالي )،أصبح لدى المهتمّين بالسياسة وتطوراتها ،ميدان بحثٍ مستجدٍّ يتعلق بتوقعات الإجابة ،لا عن النتيجة في صناديق الإقتراع التي اختزلت إلى حدود تقنيّةٍ ،مُراقبَة بنزاهةٍ أوبغرضيّةٍ ووصايات ،ولكن عن "نتائج النتيجة" ومستتبعاتها ،عن أيّة ألوان ،ومنها لون الدم ،ستصبغ الساحات على وقع انقسامات المجتمعات وتحشيد الأنصار المترافضين ،وعن رصد لغة الحملات الدعائيّة المرافقة للـ "معارك الإنتخابيّة"وعوامل التأثير في مجرياتها ،خاصة في مناخ "عولمة" تُنصِّب من سادتها "قيِّمين وأوصياء"على جزءٍ من عالم ـ (العالم الثاني) ـ ،يُصّرون على أنّه " قاصر" يحتاج إلى رعايتهم وهديِّهم ليمتلك أسباب النضوج ،والسياسي بالتحديد ،طبعاً من وجهة نظر " المرشد العولمي الأعلى" ،ومختبراته ومراكز دراساته ،وهو هنا الأمريكي بلا لَبْس . فإذا جاءت صناديق الإقتراع بنتيجة تتوافق مع ريح شراع السياسة الأمريكيّة ـ الأطلسيّة ومصالحها ،فهي مقبولة ،ولا بأس أنْ يُشار إلى بعض العيوب والسلبيّات ،وحتى بعض التزوير،لكنْ "الموضوعيّ المحدود"!! الذي لا يؤثِّرعلى النتيجة !! ،وتلك هي الشفافية !!التي تُطهِّر الإرتكاب ،حتى لو كان تدمير بلدٍ ،ومجازر قتلٍ أعمى لمدنيين أبرياء ،بالمئات والآلاف ،كما تظهرها لوحة الإجرام السوريالية ،على ساحة الدم الممتدة على مساحة رقعة البلاد الأفغانيّة ،وبعض الباكستانية ،دون نسيان المأساة العراقية .

أمّا إذا كان العكس ،وجاءت النتيجة مخالفة للمطلوب "العولمي" ومخططاته ،فهي عمل شيطانيّ تخريبي ،ومُعطى إرهابيّ ،يهدد الأمن والسلم الدوليّ !! وهنا لا يعتدُّ لا بالشفافية ،ولا بالنزاهة ،ولا برأيِّ الناخب ،الذي يصبح إرهابي ،وفي أحسن الأحوال مُضَلَل أو انتخب تحت ضغطٍ وابتزاز !!،كما ولا يعتدُّ لا بشهادة المراقب النزيه المحايد ، ولو كان رئيس أمريكيّ سابق (الرئيس كارتر) ،حتى ولا بإقرار المهزوم بالنتيجة !! كما حصل ويذكره الجميع في ،ومع الإنتخابات الفلسطينية "اليتيمة" التي هُزمت فيها "فتح" ،وأقرت فيها بانتصار" حماس " التي وصلت "انتخاباً" إلى السلطة الأوسلوية الهزيلة ،المستكثَرة على "بعض" شعب فلسطين على هزالها !! . ورغم إيماني بالديمقراطيّة أسلوباً في ممارسة السياسة وإدارة العملية السياسية ،ولستُ هنا بمناقض نفسي أبداً ،وليس ذلك استباقاً لدفع اتِّهام باللاديمقراطيّة أومعاداة الديمقراطية ،وقد قلتُ في العنوان مستبقاً إنّني (ضدّ الديمقراطيّة) ،ولكنْ أينَ وكيف ؟!! وليس ذلك لدفع اتِّهام بالدعوة إلى نموذجٍ مُحدّدٍ في الحكم ،أوبتأييدٍ بلا تفكيرٍ لصيغ تعتورها الكثير من النواقص والسلبيات ،أبداً . فللحقيقة والواقع أعترف أنني شاركتُ وأشارك في كل الإنتخابات الفرنسية ،لا لأنّ الديمقراطيّة في فرنسا "كاملة الأوصاف" ومثالية ،أبداً ،فالكثير من الإنتقادات المحقّة تطالها ،بل ومن عصيِّ السلبيّات تشوبها ، ومنها :

1ـ نسبة المشاركة الضعيفة ، حتى في الرئاسيات ،فهي لم تتجاوز الـ (30 بالمئة) ،بمعنى أنَّ قرابة الـ ( 70 بالمئة ) لا يشاركون ، هامشيوا الرأي انتخابيّاً ،ولكنّه "خيارهم الحرّ" ،ومع ذلك فذلك "العزوف الإختياري" سـلبية لها أسبابها ،والتي لا يمكن قبول تحميل مسؤوليتها للناخب فقط فذلك ليس بمنطق عادل أومقبول .

2ـ أنّ الـ (30 بالمئة) المشاركون ،هم من يقرر توجهات الـ ( 100بالمئة) من الفرنسيين،لا سياسيّاً فقط ،ولكن في كلِّ شؤون الحياة ،وكما هو واضح :فذلك لا عادل بالمطلق ،وتلك شائبة أخرى تعتور الديمقراطيّة في فرنسا ،لكنّها هكذا . 3ـ بالتأكيد فهؤلاء الـ (30 بالمئة) ،يراعون مصالحهم "هم" ويخدمونها بالتشريعات ،والقوانين والمأسسة ،برغم كل محاولات الحلول التصالحيّة ،التي يحاولونها في برامجهم لخلق حالة من التوازن المصالحي المجتمعي في مجتمع طبقي رأسمالي ،مُتفقٌ على تعريفه ،متوافق عليه ،بلا ايديولوجية ديماغوجيا شعاراتيّة ،ومن الجميع ،وهذا لا عادل أيضاً رغم الإتفاق والتوافقية.

لكنَّ كل ذلك ،وانتقادات أخرى كثيرة ،لم تحل دون المشاركة الإنتخابيّة ،وإنْ كانت أقلوية ،والقبول شبه الإجماعي الفرنسي بالآليّة الديمقراطيّة ،وبنتيجة ما يقرره صندوق الإقتراع ،وبالإحترام شبه المقدّس للدستور وللنظام العام ،ومن الجميع ،الأقليّة قبل الأغلبيّة ، ففي الرئاسيات الأخيرة عام( 2007 )،كانت بعض استطلاعات الرأيّ ،ومعظمها أحياناً ،ترجِّح فوز المرشّحة الإشتراكيّة (سيغولين رويال) على مرشّح اليمين (نيقولا ساركوزي) ،وحملت النتائج السيّد (ساركوزي) رئيساً إلى قصر الأليزية ،حسناً ،لم يسمع أحد اتهاماً بالتزوير ،ولا باللانزاهة ،ولا بنقص الشفافية ،وخاصّة ،لم يسمع أحد بلجان مراقبين ،لا دوليين ولا محليين ،ولم تخرج المظاهرات العارمة ،لا "العفويّة" ولا "المفبركة" ،ولم تعم الإضطرابات ومعارك الشوارع الدموية ،ولم يتخوف أحد على فرنسا ومستقبلها الذي أصبح على (كفِّ عفريت ) !!،وخاصة لا ذكر للثورات البرتقاليّة ،ولا الزرقاء أو الرماديّة ،المتروكة لفلكلوريّات" ديمقراطيّة شوارعنا الحيّة".

ببساطة شكلت الإنتخابات الرئاسية آلية ممارسة حياة سياسيّة ،مشرعنة دستوريّاً ،وتقريراختيار توجهات مجتمعية ،معروضة برامجيّاً ،بانتظار تطبيقاتها على مدى سنوات خمس ،والحكم على نجاح أو فشل "ساركوزها" وسياسته في محطة الرئاسيات المقبلة عام(2012). هكذا هو الإستحقاق الرئاسي الفرنسي ،وكلّ استحقاقٍ اقتراعي أو انتخابي فرنسي آخر ،ولذلك أُدلي بصوتي ،وأعتبره حقاً وواجب ،بل واجب قبل أنْ يكون حقّ ،وكثيرون مثلي بالتأكيد ،ولو كنّا أقليّة الـ (30 بالمئة) من الفرنسيين فقط . هكذا أعيش الحياة السياسية في فرنسا ،بصيغة مواطنيّة ،حقوقاً وواجبات ،بعيداً عن استعراضيّة فارغة بتلك الـ (فرنسا) ،أو ادّعاء تواضع بائس بانتماءٍ لا يزيد عن وثيقة رسميّة ،شرفٌ هي "نعم" ،بل وأكثر، تستحق الإخلاص والإحترام ،عرفاناً ممن كُرِّم بها ،وعليه فلا أعتقد أنَّ مُنصفاً يمكنه الإنتقاص من سلوكي الديمقراطي ،وعرفاني بالفضل ،بل وإيماني بالديمقراطيّة ،في رحاب مجتمعٍ يقدّم الحد الأدنى لإمكانيّة ممارستها ،ولو ببعض عيوب ،أو حتى شوائب ،تقرربعض تفارق المثال المتوخّى " داليّاً " عن محموله "أو مدلوله"واقعيّاً ،كما يقول بعض المعرفيّين المتخصصين بفقه الألسنيّة وتصانيف أقسام علم الكلام .

هكذا لا أجد حرجاً في معاداتي للديقراطية على إطلاقها دون اعتبار لشرطيّة صحتها ،نشأة تاريخيّة وثقافة مجتمعيّة ومأسسة تطبيق ،في استنكاري للديقراطيّة ـ الفتنة ، للديمقراطية ـ الطوطم والمطيّة ، للديمقراطية ـ العجائبيّة الشافية من كل العلل وتراكمات التخلّف ،إنّها "تعويذة وتميمة" العولمة المعاصرة ،تماماً كماركسية الأمس وعلميتها " المقدّسة "المعصومة ـ العاصمة. إنَّ غوغائيي "النيوليبرالية" ،بكل الإمكانيّات الميدية واللوجستيّة المتاحة لهم ،قد وصلوا ،وبغسل العقول الساذجة ،وبشراء الأبواق الكتبة "المارينزيين" ،من نهّازي الفرص ومتورِّمي الأنا ،وضدّ كلِّ منطق علمي ،نعم قد وصلوا إلى تسويق (روشيتا) الديمقراطيّة ،وتعميم ببغائية اعتناقها ،وتأكيد مفعول وصفتها الشافية حتى لتحضيرالقبائل البدائية في أدغال الأمازون وغابات الكونغو !!! ديماغوجيّة ايديولوجيّة ممنهجة ،وتكنولوجيا فائقة التطوّر،وأقلام للبيع ،وألسنة بكل اللغات ،لاالسياسيّة فقط ،كلّها موظفة في خدمة "السيّد" المتفوِّق الحضاري ،الأبيض "البشرة" ،أومستبطنه المتماهي بقاهره لقدأصبحت "انفلونزا ثقافيّة" وبائيّة النشر والإنتشار،أين من خطرها خطر"انفلونزا الخنازير" ؟!! فالعلميّة وبلا تواضع العلماء (وقد كثروا !!)،حتى بتبسيطها لمفهوم الديمقراطيّة واشتراطاتها ،وبغضٍّ اتّفاقيٍّ عن أصل النشأة والتطور ومساراته ،تتطلب في الممارسة حدّاً ضروريّاً أدنى ،تختزله أقانيم ثلاثة ،تقيم عمادها ،وتمنحها الحيويّة والحياة :

1ـ الحـريّـة :بجناحيها ،للوطن وللمواطن ،فأين نحن ،كعربٍ ،منهما ،وأوطاننا مزقٌ سايكس ـ بيكويّة وكيانات استعماريّة التأسيس والتنفيذ ،وحتى تلك ،فبعضها محتلٌ كلُّه (فلسطين ،العراق) أوبعضه (الجولان وأجزاء من جنوب لبنان ،ومدن وجزر مغربيّة)،وبعضها مشاريع تقسيم مقسّم ،وتجزئة مجزأ (العراق ،الصومال ،اليمن ،السودان ،لبنان ،وحتى الباقي للفلسطينيين تحت الإحتلال....... ) !!أمّا المواطن !! فتسمية مجازية ،إذْ لا مواطن بلا وطن ،فضلاً عن مفهوم "الرّعيّة" التي تشربناها بلا تفكير،وبتربية خنوعيّة ،تسلطيّةٍ ومتخلّفة ،فغدونا معها "قطيعاً آدميّ القسمات" مُفرغ من آدميته ،وبلا مبالغةٍ أوخجل ،غدونا قطيعاً من الدواب على قدمين ،في حظائرمسوّرة بالحديد والنّار،أُريد إقناعنا أنّها أوطان !!.

2ـ العـقلانيـّة : وهنا تبلغ حيرة التفكيرذروة الإرتباك والتشتت ،حين تصفع محاولة بحثه عنها (عن العقلانيّة) ظواهر الخرافيّة الغبيّة ،لا الأساطيرية المؤسِسة ،بل الخرافيّة المستسلمة لمعطى الطبيعة وخوارقه الموهومة المتوهمة ،في نكوصيّة حتى عن "الإيمان المسطح المريح " بلا إعمال العقل ،فكيف بالإيمان بدلالات براهين العقل وإعمال آلياته التي أنعم الله بها على الكائن المفكِّر الإنسان ؟ !! هذا معرفيّاً .

وأمّا الواقع ،فألعن وأدق رقبة ،حين تشلُّ عاديَّ الحياة الإنسانيّة وقدسيّتها أفعالٌ مقزِّزة دنيئة ،لاتكفي بشاعة الجريمة لوصفها ،حين تنفلت الغرائز في سفالاتها العرقيّة والإثنيّة ،المتعصّبة الدينيّة والطائفيّة السياسيّة ،الجاهليّة القبليّة والهمجيّات العشائريّة العمياء ،ولنا في عراق "اليوم " في السودان والصومال ،في اليمن والجزائر ،وفي لبنان ولسنوات خمسة عشرة ،سيرة عارٍ سلوكي وخيبة لا تشرِّف ،وصفحة تاريخ عِبرة سوداء لانفلات العصبيّات وسقوط العقل والعقلانيّة ،لا مرّة ،بل مرّات ،مما يسمح بطرح سؤالٍ " استفزازي " : إذا كان من أهم صفات الكائن البشري مقدرته على التعلم ومراكمة الخبرات ،فكيف يُصنّف فاقد تلك المقدرة الموجودة بالمبدأ ؟!! وما الإسم الذي يدعى به عندما يُعطِّلها ويتخلّى ،إرادوياً ،عن استعمالها في حال ثبات وجودها ؟!!

3ـ صندوق الإقتراع :الأقنوم الثالث ،هو ما نراه ،وهو الجانب التقني ،والبعد العملياتي لممارسة الديمقراطيّة ،في شكلها دون المضمون أو بصرف النظرعنه ،مما يصرف الإهتمام ،ولو آنياً ،عن الإقنومين الأولين المؤسسين بالعمق لمضمون الديمقراطية والتي لاتستقيم بتجاهلهما أوإهمالهما ،في تركيزٍ " فينومينولوجي" على الديكور ،وحركات الممثلين إيقاعيّة الإخراج على المسرح ،دون اعتبار للموضوع ـ العرض ،مما يحيلها إلى شكلانيّة فارغة من المضامين ،المغيّبة بسابق ترصُّدٍ أوسهو دعيٍّ جهول !! فإذا كانت مقولة : " لا ديمقراطيّة بلا ديمقراطيين " تظلُّ صحيحة بقويم المنطق وحكم العقلانيّة ،فبهما كذلك "لا ديمقراطيّة بلا تربة مؤهِلةٍ وواقع ـ رافعة من تراكم تاريخٍ : ثقافيٍّ ـ تربويٍّ ـ ذهنيٍّ بنيويٍّ ديمقراطي ،مع دفع الثمن المتوجب ،وفي كل الأوقات ،فلا مجانيّة في المكاسب إلاّ في المنطق الإنتهازي ،والديمقراطيّة مكسب حقيقي مكتسب بالتضحيات ،لا واجهة انتهاز وشعار يهدهد أحلام يقظة "مناضلي الصالونات وأرصفة المقاهي وأقلام كتبة الموسم المارينزي الآفل " . تبقى الديمقراطيّة في بلدان (العام الثاني) ،وبأسفٍ لكنّه الواقع ،تأمين لقمة العيش الكريم ،الطبابة المدروسة وإنجازبرامج الصحة والتعليم ومحو الأميّة ،التقدّم المدروس بثبات في مشاريع البنى التحتيّة ،في الخطط الزراعيّة والتصنيعيّة ،في إصلاح وتطوير بنى الإدارة وإجهزتها ،في الخروج بالمنظومة التشريعيّة من القروسطيّة إلى العصرنة .......إلخ والأهم بلورة هويّة الأوطان واقعاً حتى لا يصبح الطموح الحق حنين حالمٍ وقصائد وقوفٍ على الأطلال !

نعم مازالت الديمقراطيّة في بلداننا ثوريّة التأسيس والإنجاز ،وبالتالي كان ومازال الديمقراطي في مجتمعاتنا هوالثوري فقط ،وفي كلّ سويّة وموقع ،لا النيوليبرالي الثقافوي المتغرِّب والمبهور ،ولا الوسيط ـ المرتبط (الكومبرادور) । الديمقراطيّة ـ الديكور لإرضاء الآخر الوصيّ ،" المرشد العولمي الأعلى" و"الأخ الكبير" ليست لمجتمعاتنا ،ليست من طبيعتها ولن تقدّم حلاً لمشاكلها وحاجاتها ،بل بالعكس فلتتحضر المجتمعات الواهمة بنعيمها إلى المزيد من الأزمات والخنادق المتواجهة ،وإلى المنتقى لها ولشعارات بؤس لاعبيها من ألوان "قوس قزح" ،طبعاً بالإضافة إلى لون الدم الحاضر أبداً ،وكافيّاً معبّراً ما حصل في إيران مؤخّراً . فليس ارتجالاً ولا مزاجيّة ،لا وليس التزاماً بصيغة من الصيغ في التطبيق ،بل بعد ملّي التفكيرإنّني أكرر : لســـتُ توتـالـيتـاريّــاً أبـداً ،ولكـنّي "ضـــدّ الـديـمــقـراطـيّـة ،وآملي أنّني لستُ وحيداً