من قلم د. منير وسوف القوي
في لحظات انهيار جدار برلين في التاسع من تشرين الثاني / نوفمبرعام 1989 ، وقفت حزيناً ، لا لانهيار الجدار المصطنع ، الذي سمّاه الألمان الغربيون : ( جدار العار ) ، وأطلق عليه الألمان الشرقيون تسمية : ( جدار الحماية ضد الفاشستيّة ) ، لا ، فهذا الجدار القمعيّ كان يجب أن ينهار । ولكن ، وقفت حزيناً لرمزيّة الحدث ، الذي اختزلته شاشات الغرب إلى فيلم أكشن هوليودي ، حيث انهال الجمهور المتحمّس بالمطارق والشواكيش ، بل وبعض النساء استعملن حقائبهن اليدوية في القرع على حجارة الجدار المكروه ।تعانق المحتفلون ورقصوا وتبادلوا الأنخاب ، وبعضهم حمل قطعة حجرٍ ذكرى ، ـ يمكن ـ (ليريها لأبنائه وأحفاده أنّه كان هناك وشارك في بطولة دكّ الجدار.انتهى الحفل بشعبويّته ، وقطيعيّته ، وسكره ، وعربدته ، وأصبح الأثر الباقي من الجدار وخاصّة بوابة ( براندبورغ ) أيقونة ومحجّاً ، لا للألمان فقط ، بل ولكل الأوروبيين .كان الحدث يجري أمامي ، أراه ، ولكنني في مكانٍ آخر تماماً ، أتخيل ما يجري خلف الأبواب المغلقة ، كيف يحتفل رجال الغرب المنتصر ، لا بالمطارق و الجواكيش ، ولكنْ بالأقلام التي تدّك الخرائط وتمزّقها ، بكل ألوان الحبر المستعمل عادة ، أو المصنوع خصّيصاً للمناسبة ـ التحوّل . نعم عالم ثنائيّة القطبيّة غَرُب نهاره وانهار جداره وأصبحت حربه الباردة ـ في طبعتها تلك ـ من التاريخ . تخيّلت الغرب المنتصر سيدّعم انتصاره ، فيقيم الولايات المتحدة الأوروبيّة ، وهو ما حصل وقام الإتحاد الأوروبي ، الذي لم يتأخّر في إعادة هندسة حدوده شرقاً ، بالجماهير التي خرجت إلى شوارع بلدانٍ كانت إلى الأمس ، أعضاء مؤسِّسة لمنظومة حلف وارسو، حيث عاصمة الحلف الذي قاده الإتحاد السوفيتي المترنّح ، والذي بتفككه جعل حدود حلف الناتو تزحف سياسياً ـ وبالقوّة الناعمة ـ إلى شواطئ البحر الأسود ، وبالقوة الحارّة ( الحروب ) حيث تعثّرت الأولى ، كما حصل في حروب البلقان التدخلية بعناوين ويافطاتٍ ذرائعيّة مختلفة . كان مشهداً سورياليّاً لمن يتذكر حذاء خروتشوف ( قبل حذاء منتظر الزيدي ـ رمز ثقافة التخاطب بالأحذية ) وهو يستعمله مطرقة ضبطٍ لإيقاع السياسات العالميّة في اجتماع الجمعيّة العامّة للأمم المتحدة لسنين ثلاثين خلت ، أو لمن يتذكر ساحات ( بودابست ) عام 1956 ، واعتقال ( ايمري ناجي ) محاول التمايز ـ لا الإحتجاج الصريح ، ولا التمرّد المبيح ـ على سياسة الأخ الأكبر ( تسمية جورج اورول الرمزيّة للثناىي : هتلرـ ستالين في عمله : مزرعة الحيوانات ) ، أو مثلها : ساحات ( براغ ) المتحوّلة لمرابض دبابات حلف وارسو عام 1968 ، ملغيةً بممحاة جنزير دبابة سوفيتية ، وبسطار جيشٍ شرق المانيٍّ ديموقراطيّ !!! ربيع براغ وبطله الإصلاحي ( الكساندر دوبتشك ) ، مفارقة تحتاج ـ في حينها ـ لجرعةٍ عقلانيةٍ عاليةٍ من ذهنيةٍ سياسيةٍ نقديّةٍ حتى لا يصاب المرء بدوارٍ رؤيويٍّ في بحر السياسات الدوليّة العاصف حينها ، أو بارتجاجٍ سياسيٍّ دماغيٍّ يُفقد جادة الصواب ، وهو ما اكتسح معظم الأحزاب الشيوعيّة الموسكوبيّة ، التي تساقط من خرج حملها ، بعد انفلات شرّابته ، الكثير من الرفاق على أرصفة الأرزقيّة السياسيّة ، فيما أصبح يُعرَف بـ : اليساري السابق أوالمثقّف النيوليبرالي ، أوالملتحق النفطوي ، أو المارنزي الرديف ، أو أو أو ، من تسميات أُشير بها للكتبة الماركسيين " التائبين " ـ وبمراجعة ماركسويّة ... وبيدهم ، يا للعهر !!! ـ ولو اقتصر الأمر على الأقلام لهان الأمر ، ولقتصر الردّ على القلم بالقلم ، لكن المصيبة ـ اللعنة : أنّ أصحاب قرار قد أصابهم الحول التحليلي لجلل الحدث ، بل و انطلت عليهم الخديعة ، كدكتاتور العراق حينها ، الرئيس العراقي صدّام حسين المجيد ـ الضحية ثلاثية الأثافي ـ وسأتوقف قليلاً في المحطة " الصدّاميّة " لمفصليتها المبكرة في السياسات الدولية ، غداة انهيار المنظومة السوفيتية : فأمّا أنّ الرئيس العراقي صدّام حسين المجيد ، الضحية ثلاثية الأثافي ، فلأنّه :أولاً : ضحية فهمه بالذات للتحولات الزلزاليّة بسقوط الكتلة السوفيتية ، وبداية تغوّل الزعامة الأولتراـ امبريالية الأمريكية ، فلم يفهم أو لم يصدّق أنّ أمريكا تركت خلفها سياسة الإحتواء المزدوج في حربه الحمقاء على إيران ، واستمرّ في نظرته الشوفينيّة القاصرة ، أنّه صلاح الدين الأيوبي ، وكلاهما تكارته ( نسبة إلى تكريت ) ، وأنّ ( دونالد رامسفيلد ، وابريل كريسبي ) ما زالا المبعوثين إلى بلاطه الرسولي المناضل ، رغم التغيير الجيو ـ بوليتيكو ـ استراتيجي على الصعيد الكوني ـ وهنا ورغم مرارة السخرية : اعتقد أنّ المغدور،الرئيس العراقي صدّام حسين كان رجلاً وطنياً ، شاء من شاء وأبى من أبى ، دكتاتور دموي : نعم ، حاكم شوفيني قومجيّ مغامر وقاصر الرؤيوية : أناقش وقد أقبل ، أمّا عميل كالذليل حسني المخلوع ، أو زين الهاربين بن علي ، أو حاكم مشيخة قطر العظمى وأضرابه : فلا...... بل إنّه وحبل المشنقة الأمريكي يلف رقبته كان صورة الشهيد القاضي غيلةً ، فكفى قفزاً على الحقيقة التي نطقها القذافي ، صاحب الشبه الصدّامي في المنطلق والمسار والمصير ، ولنمتلك جرأة الرجال ، فنقول كلمة حقٍّ أمام السلطان الأمريكي الجائر وخاصّة بوجه نعاله ـ حكّام الردّة الأعاريب ـ . ثانياً : ضحية العدوان ـ الغزو والإحتلال الأمريكي ـ البريطاني "فضيحة العصرالأخلاقيّة " والذي قيل فيه الكثير ، وأهمها اعتماد الأكاذيب والبروباغاندة في تبريره ، وفرض شرعنته باستخدام مجلس الأمن الدولي في دور " محلل الزنى " المستحقّ إنزال العقوبة النصيّة شرعاً ، في أكبر عمليّة سطو قاطع طريق ، مارسته أفظع قوة تدمير حربيّة عرفها التاريخ . ثالثاً : ضحية غدر الحكّام الأعاريب المستعربين ـ وهو أحد نقيضهم بدرجةً ما ، ولكنْ حقيقيّ ـ حيث توزّعت ، ـ ولا تزال ـ القواعد الأطلسيّة التي شاركت في تدمير العراق ، في المهلكة السعوديّة ، وبحرين آل خليفة ، وقطر آل ثاني ، وكويت آل الصباح ، أيْ في الجغرافيا العربيّة التي خاض حرب البوابّة الشرقيّة المشتبهة ، دفاعاً عن حياضها ( حسب زعمه ) ، وأمّا اللوجستي في دعم ذاك الغزو المجرم ، فقد وحّد بلاد العرب أوطاني ، ولكنْ على الغدر بشقيق ( العراق ) ، لا على تحرير شقيق ( فلسطين ) يكاد الإغتصاب يفقده هويته ، ويستلبه الإنتماء ....!!!!!من هذه النقطة الأخيرة نصل إلى المنصّة السورية ، فسورية العربية لم تتخلّف يوماً ـ وفي كل عهودها ـ عن معركة قومية منذ استقلالها ، لم تقدّم على قضيّة العرب المركزية ـ دائماً وستبقى ـ فلسطين المغتصبة ، حتى لواء اسكندرونها السليب بقي في مرتبة ثانيّة ، فالتراب العربيّ واحد ، وتحديد الأولويات يخضع لمعيار خطورة التحديات وداهميّتها ، ولا مقارنة بين الوضعين بين لواء اسكندرون السليب وفلسطين المغتصبة على ذلك المقياس . سورية العربية تلك يريد غداروا الأعاريب الحثالة وسادتهم الصهيوـ أمريكان ، وبقايا ورثة عقليّة الامبراطوريات الغربيّة المندثرة ، أصحاب الحروب الصليبيّة بالأمس في قارّة أوروبا العجوز، يجمع جمعهم ، على ضفتي شمال الأطلسيّ ، التعطش إلى ثروات العالم الثالث ، مزرعتهم الخلفيّة ، وخاصة منها البلدان العربيّة المبتليّة بوّلاة متأمركين ـ حكّامٍ تبّع مافيوزيين ، أعاريب حثالة ومستعربين ، يريدون سوق سورية العربية ـ تلك ـ إلى مستقبلٍ أسودٍ ، يجمع كوكتيلاً مصيريّاً ، هو الأردأ مما أنتجته السياسات الإمبرياليّة الغربيّة بعد الحرب العالميّة الثانية ، من " كونغولونيّةٍ " و " بلقنةٍ " و"صوملة" و " لبننةٍ " و" عرقنةٍ " و " ليبيّنيّة " والأنصع مصيراً " رونددةٍ " ، فشعب سوريّة في نظر هؤلاء المتخلّفين ، حديثي النعمة بطرتها ، مجموعة من قبائل ( الهوتو والتوتسي ) ، سوريّة التي أبدعت الحرف والكتابة للإنسانيّة أجمع ، بل ولله "جلّ جلاله" الذي أمر رسوله الأعظم "ص" في خطابه إليه على لسان جبريله بقوله ـ الأمر : ( إقرأْ ) ، هؤلاء الجهلة المتاعيس ، وعلى رأسهم أو حذائهم ـ فلا فرق لديهم ـ ذلك المريض البارانو ، اللص النصّاب : حمد بن جاسم القطري ، الذي يظنُّ إعجاباً نرجسيّاً بنفسه أنّه ( نقولا مكيافيلي ) العصر !!! وإنّه لكذلك ـ وأيم الله ـ بأخلاق تطبيق سياساته المتجرّدة عن سامي الأخلاق ، مع فارقٍ مهمٍ يموضعه ( نقولا مكيافيلي ) النقيض ، بغبائه وغروره ، وحاجته للنصيحة لا إسدائها ، هذا المشتري و شيخه البار الوالد ، مقعد رئاسة دورة الجامعة العربيّة ، ليتولّى من منبر تلك النافقة قيادة وضع ما أُريد لسورية العربية ـ تلك ـ من سوء المنقلب ، وممن اشترى ؟!! من محمود عبّاس بطل أوسلو التي باع في مزادها قضيّة فلسطين بالجملة ، وخاصّة علامة خاتمها ـ الدمغة الحصريّة ـ قضيّة اللاجئين الفلسينيين المشرّدين !! فنعم الصفقة ، ونعم نزاهة الإنجاز من مشترين وبائعين ، وعرّابين أيضاً ، حتى لا ننسى قسط علا نبيل الديفيدي ( نبيل العربي ما غيرو ) من أدوار أتقنها برعاية ساداته وملهما ( العزيز هنري ) ، وحديثاً هنري الثاني المزيّف ـ بفتح الياء وفتحها ـ : ( برنار هنري لوفي ) ، وعلى كلِّ صعيد دزّ فيه أنفه ، من الصحافة إلى الثقافة ، إلى الفلسفة ، إلى الثورة ، وخاصة الربيعية التسمية ، صاحب شريف الوقفة في ( مخيّم جنين ) المدمّر ، وهو يزكي ـ بتبريك نبيٍّ كذاب ـ إجرام الصهاينة بقول أصبح أمثولة الكوميديا السوداء : ( تساحال ، الجيش الأكثر إنسانيّة في العالم ) ، هذا المجرم الثقافوي ، الثورجوي ، الصهيوني ، والنبي الكذاب ، هو ملهم ' الحمديين ' الملاعين التبّع الأدواتيين ، أرادوا استفراد سورية العربية تلك ـ ألا خاب مقصدهم وما هم فيه يأفكون ـ لتكون الوليمة التالية بعد الوليمة الليبيّة السهلة ، بل ربّما زيّن شيطانهم لهم ـ بل هم عينهم الشيطان ـ ربّما زيّن لهم أنّ سوريّة العروبة ستكون " ديسير" يساعدهم على هضم ما التهموا ـ ليتها نار سقر ـ ، فماذا وجدوا ؟ !! شوك صبّارٍ في الحلوق ، عظم سمكٍ لا يبتلع ، حربة عروبة لا تنكسر ، وقبل كل شيء صناعة حقيقي تاريخ ، لا دويلات كانت خيمة وبعير ومعزتين ( رحم الله عبد الناصر فذلك كان وصفه لقطر ) ، فأصبحت في عصر الإستهلاك وفورة النفط ، محطات كاز ( حسب الأستاذ هيكل ) ، نعم محطات المحروقات ـ الدول تلك تريد تدمير سوريّة وتحويلها إلى ممرٍ وظيفي الدَّور ، طريقاً لغازهم ونفطهم ، وحامٍ للكيان الغاصب في فلسطين ، واسألوا إخوان مصر وتونس ، وخاصة الغليون ، فتتأكدوا من النبأ اليقين .نعم سورية في آنها تلعب الدورين : ــ اللاعب الذي يشتهي العالميّة ـ الطُموح وقد بلغتها ، واسألوا مجلس الأمن الدولي ، والفيتو الثنائي المكرر ، على قاعدة الإنصاف والعدل : ( إنْ عدتم عدنا ) . ــ ملعب المنازلة لبلورة استقطابٍ دوليٍّ يتبلور ، وهو ما لا يُحَب ولا يُشتَهى ، أنْ تصبح سورية فيه جدار برلين الحقيقي الذي لم ترده ، فهنا ليس هو الرمزي الباطوني المزال بين الألمانيتن ، لا ، في هذا الملعب ستتقرر وجهة مصير العالم ، وأوله النظام الإقليمي الرسمي اللاعربي ـ الصهيوني ، بشكل حاسم ونهائي ، خسائر سورية كبيرة وستكبر جسامتها ، لكنها معركة مصيرٍ فُرِضت ، وفي أفقها صبح يستحقّ الثمن
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق