الأحد، 15 يناير 2012

أحمد داوود أوغلو : من سياسة " تصفيرالمشاكل " إلى سياسة " تصفير الحلول " :

من قلم د . منير وسوف القوي :

لم يكنْ ضرورياً تجشم السيّد وزير الخارجية التركي رحلته ـ الزيارة إلى إيران ليبدي للإيرانيين قناعته ـ الحكم القطعي ـ أنّ : ( " الإحياء الشيعي " سقط و " الإحياء السني " بدأ !! ) ، فمقال في زاوية " رأيّ " في أيّة يوميّة كان وافياً بالغرض !! .

كما أنّ التعبير عن آرا ئه ـ السياسات التدخليّة ـ في الشأن العربي ، والتي يجود بها ، بمناسبة وبلا مناسبة ، حتى لقد أصبح التدخل فيه ( الشأن العربي ) على لسان " ثلاثي حزب العدالة والتنمية " التركيّ مناسبة قائمة بذاتها !! هي أيضاً لم تكن تحتاج للمنبر الإيراني وزيارته الرسميّة للإفصاح عنها ، وكسابقتها ، زاوية في جريدة كانت وفّرت على السيّد ( أوغلو ) عناء السفر ، والتنغيص ولا جدوى مقابلة مهزومين سقط إحياؤهم !! إلاّ إذا كان السيّد وزير الخارجية التركي من هواة الشماتة وجهاً لوجه ، أو ساديّ الطبع يتلذذ بسقوط الآخر ، أيّ آخر ، إشباعاً لحاجته المرضيّة الشاذة !! .

ثم لست أعتقد أنّ لدى وزير خارجية الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة بسطةً من وقتٍ ثقيل " للسمر أو لإفراح وابهاج " السيد ( أوغلو ) ، في لحظة ذروة التحدي الإيراني ، جيوـ استراتيجيوـ بوليتيكيّاً للهيمنة الأمريكيّة ، محلياً في الخليج ، واصطفافاً إقليميّاً وعلى الصعيد العالمي .

هذا التحدي الإشتباكيّ وقد وصل بجديّة ميدانيّته ـ إيرانيّا ـ إلى الإحتكاك المباشر باستيلاء إيران على طائرة الإستطلاع الأمريكيّة الأحدث باختصاصها ، واغلاقها ( مضيق هرمز ) ـ بمجرد طلبٍ ـ إشعار !! ـ ولساعات بذريعة إجراء مناورات إيرانيّة لم تُجرى ، بل أُجّلت دون ابداء أيّ سبب ، أو تقديم اعتذارٍ للأطراف الذين أوقفوا ملاحتهم في مياه الخليج ، الأمر الذي اعتبر " بروفة عمليّاتيّه " وتطبيع تدرّجيٍّ لتقبّلٍ اليد الإيرانيّة العليا ، ورسالة قرارٍ إيرانيٍّ حاسم لكل الأطراف ـ وللأمريكي خاصّةً ـ أنّ إغلاق المضيق قضيّة إجرائيّة ، مرهونة بتحقق ظرفيّة شرطها المحدد ـ وفقط ـ إيرانيّاً ، بل وبالمحصّلة هو انموذج نجاح إيرانيّ في اختبار صراع الإرادات فوق مياه الخليج !!

وإذاً فزيارة السيّد ( أوغلو ) لطهران يتقررفعليّاً مربط فرسها هنا ، في موضوع هذا الإشتباك الإيرانوـ أمريكيّ ، وهي لا تعدو كونها زيارة " مبعوث أمريكيّ بالوكالة " في ضوء العلاقات التركية الأمريكيّة المستجدّة التفعيل ، والإيرانيّة الأمريكيّة المقطوعة منذ احتلال ( وكرالجواسيس ) ـ السفارة الأمريكيّة في طهران ـ عام 1979 ، وذلك الدّور ليس حدثاً ـ استثناءً أو نشاطاً ـ مستجداً في مكوكيّة دبلوماسيّة السيّد ( أوغلوا ) أبداً ، ولكنّه أصبح علنيّاً منذ سنةٍ ونيّف ، مع عودة " ابن التبنيّ " الحرد ( الإبن التركيّ الحردان ) إلى حضن الأم المتبنيّة ـ أمريكا ، لا بمراضاته من قبلها أبداً ، ولكنّ بوضعه في مكانه ومكانته ، فلقد أُفهم وفهم ـ ومن أمريكا وامتدادتها ـ أنّ الطموح بنديّة حظوة الكيان الصهيوني لدى أمريكا ، أو حتّى مجرد الحلم بذلك ـ هو الخياليّة المفارقة لكلّ عقلانيّة ، بل هو مرذول الطمع ، فمنذ متى يطمع أبناء البطة السوداء أنْ يعاملوا معاملة زغاليل البلابل ؟ !!

بل وأُفهم أكثر ، ونفّذ صاغراً أو برضاه ـ لا فرق كبير ـ أنّ الخلاف مع الكيان الصهيونيّ ممنوع ، وأنّ التركي ـ كقوّة أطلسيّة ـ يقع عليها واجب تنفيذ الإلتزام ـ الأولوية الإستراتيجيّة الغربيّة ـ بحماية الكيان الصهيونيّ والحرص على تفوّقه المطلق في الإقليم ، وفي هذا السياق نفّذت تركيّا الجزء المناط بها من مشروع الدرع الصاروخيّة الأميركيّ ، رغم كل ماجرّه وسيجرّه عليها من تبعات في المحيط الإقليمي وأبعد ـ جيوـ استراتيجيوـ بوليتيكيّاً ـ من حدود ذلك المحيط .

لست لأدّعي معرفةً بما دار من محادثات خلف الأبواب المغلقة بين السيّد ( أوغلو ) ونظرائه الإيرانيين ، ولكن يمكن بسهولة توقّع طبيعة اللقاء وموضوعاته ـ المواقف استناداً إلى المعلن منها من قبل الطرفين :

فبالتأكيد لم يكن الجانب الإيراني مستمعاً سلبيّاً للغة النصيحة المملّة الإملائيّة ، المألوفة والمتعالية ، التي تطبع نبرة السياسات التركيّة منذ العودة إلى دافئ الحضن الأمريكيّ ـ الأطلسي ،( هذا إذا جرؤ وتهوّر !! ) ، بل على العكس قد يكون ما سمعه لم يسرّه ، لعكسه بحدّة حسمه ما يسمعه العالم ـ والغربي خصوصاً ـ من جديّة السلاح الإيرانيّ وهو يقعقع مشهراً من شواطئ الخليج إلى بحر العرب وباب المندب والتلميح بالمضيّ أبعد حتى أعالي البحار، ولعلّ هذا ما حدا بالسيّد ( أوغلو ) أنْ يهرع في تصريحاته إلى المنطقة المستباحة التي لا تلزمه بثمن ، المنطقة التي خرج قرارها ـ جزئياً ـ من يد أبنائها منذ اتفاقيّة ( كامب ديفيد ) ، ليستمر المسار الإنحداري لامتلاكها ذاك القرار بالحرب المجنونة التي شنّها ( صدّام حسين ) على إيران ، المودية إلى خاتمتها ـ المأساة بتنفيذ مشروع احتلال العراق وتدميره الممنهج ، بذريعة الخطيئة الكويتيّة أو بدونها ، تماماً كذريعة وجود أسلحة الدّمار الشامل أو عدمها ، ليكتمل خروج القرار العربيّ ـ شبه الكامل ـ من يد أهله بتفويض ( جامعة عمرو موسى ) للحلف الأطلسي المصير الليبي عبر قرارٍٍ لمجلس الأمن الدوليّ ، حمّال أوجهٍ ، كالعادة التي عودتنا عليها تلك المؤسسة منذ بواكير تعاطيها في شؤون منطقتنا ، ولعلّ " ال التعريف " في القرار (242 ) المعتمد من المجلس إيّاه ، والمقدّم من المندوب البريطاني اللورد ( كارادون ) ، العام 1967 قد أعادت تأكيد حاسم قطعيتها في منع التلاعب بالكلمات عند الترجمة بين اللغات ، ومع ذلك فكلّنا بالنتيجة عارفون !!

فالسيّد ( أوغلو ) على ما يبدو لا يعرف القراءة إلّا في دفتره ، فيكرر قراءته بذات الأخطاء ، وبنفس السطحيّة والتسطيح ، بل ويعيد تلاوة الأكاذيب التي أصبحت في فضيحتها مهزلة مقززة :

فسيادته يختزل لبنان إلى بعدٍ إشكاليّ إسلاميّ طوائفيّ " سنيٍّ ـ شيعيّ " وباتهام إيران ـ الدور الخارجيّ ( في استنساخٍ لدوره ربّما ) والتي يغادرها آنيّاً بعد زيارته ـ " مبعوث أمريكيّ بالوكالة " ـ
في إساءة للبنان غير مسبوقة ، ولم تعرفها لغة دبلوماسيّة عميقة متّزنة ، لكنّ السطحيّة والتسطيح في الفهم والتحليل السياسوي للسيّد ( أوغلو ) أركبه مركب الجهل والتجاهل للواقع اللبناني ومركّب مكوّناته ، وهو المفترض أنّه يمثل دولة يفترض أنها تعرف لبنان جيدا ،وقامت ولا تزال تقوم بأدوار مهمة في تقريب وجهات النظر وفي منع الاشتباك في ما بين اللبنانيين ، مما يجعل استنتاج أنّ مسؤوليّة فشل الدور التركي في الساحة اللبنانيّة يصدر حكماً من هكذا فهمٍ سطحيٍّ قاصر ، بل ويدخل في خانة ضيّق التفكير الطائفي الذي يحكم الذهنيّة الأوغلويّة ، خاصّةً وهو يتنبأ للبنان أنّه ( متجه إلى صراع حتمي بين السنة والشيعة يشبه الصراع القائم في العراق ويستدعيه، ويكمل الصراع القائم في سوريا ويستوطنه ) ، بل ويبلغ مستوى حدّ النفاق والتزوير، بتدخليّة فجّةٍ في الشأن اللبنانيّ ، ومعطى ـ خيارات اللعبة الديمقراطيّة اللبنانيّة ، ليحدد بوضوحٍ تموضعه المنحاز للفريق الحريريّ ، حين يقول : ( يوجد فرق بين اللوحة التي خرجت من الانتخابات وبين خيارات السلطة السياسية اللبنانيّة ) ، متابعاً ( نحن نريد أن تكون خيارات الشعب هي الأساس وليس الخيارات المذهبية والعرقية ) في غمزٍ اتّهاميّ للدور الإيراني ، والذي لا يقدّم مخرجاً للسيّد ( أوغلو ) ، بل بالعكس تماماً إنّه يحمل الإدانة والدليل على شراكة تركيّةٍ مشبوهةٍ في المرسوم من مخططات إنهاك أمّتنا ، وتفتيت منطقتنا ، كما يقول بذلك الواقع المتحرّك ويرفضه ـ شعبويّاً ـ مسفهوا " نظريّة المؤامرة " بلا أيّة دراية أو عناية او وقاية ولو حتّى على سبيل الإحتمال !!

وأمّا تصلّب " فيروس البروفيسوريّة " ، فعلى ما يبدو أنّه استبد بالسيّد ( أوغلو ) ، فأصبح الإستخفاف سمة رؤيته ، بلا عمق ولا تعمّق ، بل تبسيطه التصنيفيّ يبلغ حدّ السذاجة حين يقول : ( العرب في الشرق الأوسط ثلاث مجموعات :

ــ الأولى : تضم تونس وليبيا والمغرب ومصر حيث تعيش تغييراً في اتجاه الديموقراطية .

ــ الثانية تضم سوريا والعراق ولبنان " حيث يتسمّر أمام مشكلة عدم التوجه إلى التغيير ، وبذلك فهو قلق بشكل جدي من هكذا وضع !! .

ــ الثالثة لها شروطها الخاصة ، فهي دول غنية وتضم دول الخليج ، ولتركيا معها علاقات إستراتيجية !!

إنّ جملة ملاحظات تستدعي ذاتها أمام ـ أو يستدعيها هكذا منطق تبسيطيّ مبتسر ، سطحيّ واختزاليّ ، لا يقبل به حتى هواة السياسة ولا حتى المبتدئين من طلبتها :

ــ أوّلها : تلك الروح الوصائيّة التدخليّة بالقفز على مبدأ سيادات الدّول !! .

ــ ثانيها : تقسيميّة الكلّ المتحرّك ديناميّاً لأمّة واحدة ، ليس بقصد تبسيط التناول الميدانيّ ـ كما يبدو ـ بل لتأكيد تفارقٍ تطوّريٍّ ذهنويٍّ نافٍ لجملة الوحدة الجيوـ بوليتيكو ـ سياسيّة لأمّة العرب ووطنها الواحد ، بإحلال مفهوم كيّانيّ ثلاثويّ يسمح بإدراجها نمطيّاً ـ كأجزاء ـ في التوجه الإسلاموي المؤكّد على التناقض بين أمّة العرب ـ الواقع وأمّة الإسلام ـ الإفتراض ، وهو ما يعتقد به السيّد ( أوغلو ) .

ــ ثالثها : أنّ الوزير ـ البروفيسور لا يرى في طول الأرض العربية وعرضها إلاّ النظام الرسميّ ، أمّا الشعوب فيذكرها ـ انتقائيّاً ـ حيث تخدم دعاويه .

ــ رابعها : أنّ الوزير ـ البروفيسور، مرّة أخرى ، لم يسمع بالصومال ومأساته ، ولا بالسودان وتمزيقه وخلخلاته ، ـ وهنا لا أدعوه إلى استدراكٍ ، فرافض أنا لتدخليّته ـ ولكنْ من باب أنّ الشيء بالشيء يذكر ، أم أنّ السيّد الوزير ـ البروفيسور مطمئن لوضع البلدين ومستقبلهما ، لوقعهما بيد اسلاموييه الطاهرة ؟ !!

ــ خامسها : من قال للسيّد الوزير ـ البروفيسور أنّ المجموعة الثالثة ( الغنيّة !!) أقل حاجة للتغيير من حاجة أرض العرب الأخرى ، ألم يسمع بالبحرين ؟ !! ألم يسمع بالقمع في مملكة آل سعود ؟!! ألم يسمع بفساد النظام الكويتي ؟!! بارتهان كل مشيخات الخليج المحتل ؟ !! إنها فعلاً الرؤية بينٍ واحدة ، والمصيبة حولاء يا ولدي !!!!

ــ سادسها : ( انه قال للمسؤولين الإيرانيين إن المنطقة تشهد تغييرا كبيرا، وهذا في "وجه منه ايجابي " وقد انتصر التيار القادم من تقليد سني ـ إسلامي وديموقرطي " وإذا ظهر أن إيران هي التي تقف خلف الصدامات المذهبية في سوريا ولبنان والعراق فماذا ستفعل إيران ؟ وكيف ستقيم علاقات مع جبهة سنية تقف بوجهها ؟ فالسنّة سوف يتكتلون ضد إيران !!! ) .

أفأكثر من ذلك ظلاميّة وتخندق طائفي ؟!! أأفجّ وأوضح من ذلك لغة فتنويّة دعويّة إلى إشعال الفتنة والتحضير لها ؟ !! ولمن يتوجه مكشوفاً بأوراق سياساته المقروءة بفواصلها ؟!! أإلى إيران ـ الثورة الإسلاميّة المناديّة بوحدة الخندق الإسلاميّ ، بل والتحرري كلّه ، ضدّ الإستكبار العالميّ ؟!! حتى أنّ صمودها الاسطوري ، ومتابعتها خطوات برامجها بنجاح ، أصبح كابوس الهيمنة ومحور حركة أصحابها المؤَرَقين .

ــ سابعها : ذلك اللسان المتساوق مع المنطق الصهيوني تحديداً في شيطنة المقاومة ، وتحديداً المقاومة اللبنانيّة ورأس حربتها " حزب الله " بحشره ـ بلا حقٍّ ـ ذيليّاً للسياسة الإيرانيّة ، مع أنّ الواقع أثبت أنّ وحدة الفهم والهدف هو الذي ينتظم الإثنين في ذات الخندق دون حساب أو تدقيق لمن يساهم بأكثر أو أقل ، حين سمح للسانه بتوجيه شبه اتهام إلى إيران بأنها وراء التحركات في سوريا والعراق ولبنان !! فضلاً عمّا يحمله من نفس استخفاف بشعوب البلدان الثلاثة ، فإنّ ازدراءه المتضمَن واحتقاره المتعالي مردود عليه ، وهذا أقلّ ما يستحقّ .


ــ ثامنها : تلك الشطحة التنبئيّة المغرقة في انغلاقها ، وفي ضيّق رؤيويتها ، حين يقول :

( أنّ التطورات ، التي في العراق وسوريا، قد تفتح الباب أمام حرب باردة إقليمية ، وأنّ لإيران بالخيارات التي ستعتمدها، سيكون لها تأثير، إما في الاتجاه السلبي أو بالاتجاه الايجابي مما سوف يضع أسس العلاقات الإقليمية للمئة عام المقبلة ، فعلى كل طرف ان يحدد موقفه تبعا لذلك . !! ) ، يُفهم ـ بلا لبْس ـ أنّ تلك الحرب الباردة الإقليمية قد دُشّنت ، وأنّ تركيا قد حددت خندقها طالبة من إيران والعراق وسوريّة ولبنان ترك خندقهم مع رفع الرايات البيض وإلاّ فهي الحرب لقرنٍ قادم !!
أفعقمٌ أكثر من ذلك لسياسة ( مشاكل صفر ) التي لايؤمن بها صاحبها بدلالة بحثه عن المشاكل مع المحيط ، وبلغة تتضمّن مداورةً أو مباشرة نغمة التهديد ؟ !!

أوليس في لغة السيّد البروفيسور ـ المنظّر ـ الوزير إعلان وفاة نظريّته ( مشاكل صفر ) ، لتقوم وتحلّ مكانها نظريّة النقيض ،نظريّة ( حلول صفر ) ، أو ( حلول عقم )
؟ !!

علّ تلك الخاتمة ـ النتيجة تجيب بحسمٍ على شبه ظويهرة الذهنيّة الأوغلويّة المنقلبة أو المتقلّبة في صياغة قواعد العلاقات الجيوـ بوليتيكو ـ استراتيجيّة إقليميّاً وعلى الصعيد العالميّ .

ليست هناك تعليقات: