مقال: المانيا...الجمهوريّة العربيّة المتحدِّة ...واليمن السّعيد ...
في دروس النجاح والإخفاق
- بقلم: د.منير وسوف القوي
بانوراميٌّ ،استعراضُ هذا الثالوث في تنوّع المسارات إلى أيلولاته ،بل وليس عبثيّاً اختيار الثالوث أعلاه موضوعاً للمقال ،ففي التقاطع البنيويِّ لمكوناته قاسم مشترك من اليسير التقاطه : إنّه ( المشروع التوحيدي أو الوحدوي ) .
ولئن كان تعدد عوامل النجاح والفشل عصيّاً على الإحاطة ،بالمجمل الحصري ،في مقالٍ ،أوحتى دراسةٍ ـ مَقالة ،فإنّ سمتيّةً التخصيص تجعل المقاربة من بعض الممكن المتاح .
فمركبّات ديناميّة الثالوث أعلاه ،وباستقرائيّة مُقارِنة ،امتلكت :
١ــ المشروع وشرعيّته.
٢ ــ إرادة الشروع وشخصانيّته .
وتالياً ،فلقد أحاط به ،ورافقه :
١ــ أدواته المختلفه .
٢ــ جيوبوليتيك مختلف ـ تابع لُغاريتمياً ـ لعالمٍ متسارع التغيُّر .
ففي الحالة الألمانية كانت إعادة وحدةٍ ،أوتوحيد جزئين لأمّةٍ قُسّمت بإرادات المنتصرين على النظام النازيّ المهزوم في الحرب الإمبرياليّة الثانية ( الحرب العالمية الثانية ) ،في ظلِّ إرادةٍ كاسحةٍ ،شعبيّةٍ في جمهورية المانيا الديمقراطيّة( المانيا الشرقيّة) ،وشعبيّةٍ ـ رسميّةٍ في جمهورية المانيا الإتحاديّة ،(الشطرالإلمانيِّ الغربي)،ففي كلا الجزئين ـ المفصولين بجدار (برلين) ،وبأسلاك شائكةٍ ـ مكهربةٍ ،محروسةٍ بحراب حلفاء الأمس ،أعداء حينها ،معسكري حلفي (الناتو) و(وارسو) ،امتلك المشروع شرعيّته المفتأت عليها من المحتلين ـ شرقاً وغرباً ـ واستعادها ،في ظلِّ ظروف مؤاتية :
ا ــ اندماجُ ومساهمة نظامٍ المانيٍّ غربيٍّ في محيطٍ أوربيٍّ ، ينحو إلى معادلٍ استقراريٍّ جيوبوليتيكواستراتيجي ،هادفٍ بوضوح لإقامة اتِّحادٍ أوروبيٍّ وشيك ،لا بل ،وتصدي جمهورية المانيا الإتحاديّة إلى المشاركة في ثنائية قيادته مع فرنسا ، مشكِّلتان ""دينامو""دفع العجلة المتسارعة للوحدة الأوروبيّة ،التي وضعتها على سكّتها (بالإضافة إلى التكاملات الإقتصاديّة ـ العوامل )المصالحة التاريخيّة الإرادوية ـ البراغماتيّة (الألمانيّة ـ الفرنسيّة ) ،بين المستشار الألماني ،"باني نهضة المانيا" بعد دمارالحرب الإمبرياليّة الثانية (كونراد آديناور) ،و"محرر فرنسا" من الإحتلال النازيِّ أثناءها ،الرئيس الفرنسي (شارل دوغول) ،وأنجزت بالرئيسي من تصاميم مشروعها ،في طريقه إلى التطبيق ،أيضاً، الإتفاقيات المتلاحقة (الألمانيّة ـ الفرنسيّة ) ،وخاصةً تلك التي رعاها ،وبأكفٍّ متشابكة ،الزعيمان الأوروبيّان ،الرئيس الفرنسي (فرانسوا ميتيران) ،والمستشارالألماني (هيلموت كول) .
بـ ــ تضامر العداء الأوروبي الغربي للألمان (ولو باحتفاظ السياسة التاتشريّة حينها بحذرٍ تاريخيٍّ موروث) ،مع بداية تراخي القبضة السوفيتية على الشطر الشرقي من المانيا ،في واحدة من البوادر المنذرة بالسقوط المدويّ اللاحق للإمبراطورية السوفيتية .
جـ ــ المساهمة المحورية ،الألمانية الإتحادية ،في النهوض الأوروبي عامّةً ،وعلى الصعد كافّةً ،مما مكّن أوروبا مجتمعةً ،من القيام بمراجعة عقلانيّة لسياسات التبعيّة لمركز القرار الأمريكي ،بدايةً ،فيما خصَّ الشأن الأوروبي الداخلي خاصّةً ،وتالياً ببلورة استقلاليّةٍ أوروبيةٍ نسبيّةٍ ،مزجت ،بتلاقٍ براغماتيٍّ نادر ،بين نكهة إرادويةِ ـ فرنسيّةِ (دوغول) واستقلاليتهِ التقليدية ،وبين تعبئةٍ مشاعريّةٍ ،بإحساسٍ بظلمٍ مقيمٍ في الشعورالجمعي للأمّة الألمانية ،شرقاً وغرباً ،وعلى مستوى الأفراد كما الجماهير،وتلك من نوادر الصدف التي تكرِّس اتِّفاق النقائض على ذات الهدف ،لا بل ،وقوف الشخصين المتنافرين في المكان "الواحد ـ الهدف" بكامل التماهي والإندماج .
د ــ اضطلاع جمهورية ألمانيا الإتحاديّة بدور الرافعة في عملية إعادة التوحيد الألماني بكل إمكانياتها ،وعلى الرأس منها مجتمع مدني مؤسساتي متطوِّر ،إجماع وطني ـ شبه كامل ـ على القرار الوحدوي المصيري باقتراعٍ عامٍّ شفّاف ،نظام ديمقراطي تعدديِّ الأحزاب مجمع على الهدف ،والأهم ،قوة اقتصاديّة (ليبرالية) قادرة على الإستجابة لمتطلبات التوحيد ،بخطوات مدروسة ،تستوعب في تكامليّة دمجيّة اقتصاد ألمانيا الشرقيّة الدولاتي (الموجَّه مركزيّاً) ،والذيلي السوفياتي (طرفيّا) ،مع الأخذ بالإعتبار كل الفروقات ـ العوائق التي ستواجه الدولة الألمانيّة الواحدة ،والتي لن يكون أبسطها إعادة تأهيلٍ مفاهيميٍّ تربويٍّ ـ ثقافيٍّ ـ اجتماعيٍّ ، فرديٍّ وجمعيٍّ ـ جموعيٍّ ،للعلاقة المشوهة ـ بل والعدائيّة ـ بين "الألماني الشرقي" وكيان الدّولة ومؤسساتها ،وخاصة لـ ( قيمة العمل )الهادف لتحسين مستوى معيشة "المنتِج الفرد" ورفاهيته ،المناقضة رأسيّاً لتلك التي تربَّى عليها ،في ظلِّ "النظام الإشتراكي" الألمانيِّ الشرقيِّ الذي عسكرعمليّة الإنتاج ،وبالتالي ألبس العمل شكلاً من ثوب (سِخْرَةٍ ـ عقاب ) في (سجنٍ ـ معسكر) ينفذ فيه العامل عقوبةً مع الشغل ،في جوٍّ من الإبتهاج الإحتفالي ،بمرسومٍ فوقي ،وقرارقُدسويٍّ نضاليٍّ !!!.
بالمجمل : فلقد كانت الوحدة الألمانيّة عملاً مدروساً ،ومُمَأْسساً ،من ""وحدة الأمّة ـ الهدف"" إلى ""الدّولة ـ الأمّة ـ الإنجاز"" ،بالإنسجام ،شبه الكامل ،لعاملي الذات والموضوع ،داخلياً وخارجيّا ،مما مكّن تلك الوحدة من النجاح ،وأنْ تصبح من أهم منجزات العقد الأخير من القرن العشرين المنصرم ،اتِّحاديّاً أوروبيّاً ،والمنجز البنّاء الأهم في التاريخ الحديث للأمّة الألمانيّة .
بالعودة إلى محيطنا العربي ،وباستحضار التجربة المُجَهضَة لـ (الجمهوريّة العربيّة المتحدة ) قصيرة العمر ـ (٢٢شباط ١٩٥٨ ـ ٢٨أيلول١٩٦١ ) ـ فلقد توفّرَ لها :
ــ الشرعيّة والمشروع :
ــ أمّةٌ عربيّةٌ ـ واقعٌ شعبيٌ قائم ،وإرادةُ جماهيرتحرريّة على امتداد الجيوبوليتيك العربي ،في مرحلة نهوض قوميٍّ تاريخي ،من المحيط إلى الخليج ،ومن جبال (زاغروس وطوروس) إلى (بحرالعرب) ،خاصة في سوريّة التي ستصبح الـ (إقليم الشمالي ) من الجمهوريّة العربيّة المتحدة الوليدة .
ــ إرادة المشروع وشخصانيّته :إجماعٌ شعبيٌّ ،شبه كلّيٍّ ،في (مصـر وسـورية) ،واتفاق رسميّ كامل ،بصريح الرضى وحُرِّ الاختيار،في كليهما على إقامة الدولة الوحدويّة العربيّة النواة ـ للمشروع القوميِّ العربيِّ المأمول : (الدّولة العربية الواحدة ـ الأمّة العربية الواحدة) ـ في سبيل الغدِ المشرقِ العزيز ،والأمّة العربيّة الواحدة ،وفي ظلِّ قيادةٍ "شعبيّةٍ ـ شعبويّة" كاريزميّةٍ استثنائيّةٍ للقائد العربي الكبير (جمـال عـبد النّاصـر) ،الذي عُهِد إليه "بالأمانة !!" ،قيادة جماهيرالعرب إلى أمانيهم "المسلّمات ـ المشروعة" في التحرير والوحدة ،وبلورة الهوية العربيّة كياناً قوميّاً حيّاً "لا" حلماً وشعار،وفي التحرر والعدالة الإجتماعية ،لإنسان عربيٍّ منكور الهوية ، طالما غاب وغُيِّب في ظلامات القهر والتغريب والإنكار المزمن ،وحتى صيحات الإستهجان (شعوبيّة ـ اسلاموية) ،وأصوات الإستنكار( قوميّات اقليموية ـ اقليميّة ،وكومبرادور).
ــ أمّا ما رافق قيام (الجمهوريّة العربيّة المتحدة ) من أدوات مختلف في تقييم فعاليّاتها ،إيجابيّاً أوسلبيّاً ،وأحاط بها من جيوبوليتيك ،إقليميٍّ ودوليٍّ ،تفاوتت تأثيراته على سيرورتها وأيلولة مصيرها ،فإنّه يُعيد مرجعيّاًـ وباستدعاءٍ قرينيٍّ قوميّاً ـ مقارِنٍ مساريّاً ،وربّما مآليٍّ سيروريّاً (!!؟) ،مايحدث ،آنيّاً ،في اليمن "السعيد"إلى تلك "السيرة ـ الحقبة " المليئة بالآمال العربيّة الكبيرة ،والخيبات القوميّة الأكبر .
صحيح أنَّ الإتصال الجغرافي اليمني (بين الشمال والجنوب) قدّم ميِّزة على جغرافيّة الجمهوريّة العربيّة المتحدة ،ذات الإقليمين المفصولين بالكيان الصهيوني ،والمحاطةِ بحدود دُولٍ "عربيّة" مُشكِّكَةٍ سياسيّاً ،مرتابةٍ غايويّاً ،ومعادية موضوعيّاً لمشاريع الوحدة العربيّة الحقيقيّة ،بحكم استيلاء النظام الإقليمي الرسمي ،السايكسبيكوي ـ الصهيوني على وطن العرب ،ومحاولته المُصِّرة لطمسِّ الهويّة العربيّة انتصاراً للهويّات الإقليميّة المُشرعِنة لوجوده ،في ثنائيّة فصامٍ سياسي ،تجمع تناقض الشظايا في تأكيد "شرعنة وجودها الشظوي المستقِّل" من جهة ،ومن جهةٍ أُخرى ،تُكرِّس تكامل جهودها "المقاومة للوحدة" المُلغِية ـ حُكماً ـ للكيانات الشظوية القائمة بحكم الأمر الواقع المُكرَّس ،فضلاً عن نظامين أجنبيين معاديين ومرتبطين بالغرب ،النظام البهلوي في إيران الشاهنشاهيّة ،والتركي ذو الإرتباطات الأطلسيّة المميّزة .
أمّا كيف تجاوز نظامان إقليميّان "عربيّان" طبيعتهما "السيّاديّة"الرسميّة لمصلحة المشروع ـ الوحدويّ ،النقيض ـ الوجودي لواقعهما ،وكيف آلَ إلى انتكاسته المخيِّبة ،فلأسباب متعدِّدة ،ذاتيّة وموضوعيّة :
ــ فمن الذاتيّة الرافعة مشروعيّاً :
١ـ صعود أيديولوجيّة قوميّة عربيّة ،تاريخيّة السمات ،مستقبليّة الرؤية ،آمن بها المجتمعان ـ النظامان ،وبأكثرية ساحقة ،في قراءةٍ استقرائيّةٍ ،لمستقبل مشروع تحقق "مجتمعٍ ـ أمّةٍ" في "دولتها ـ المصير" ،سبيلاً لنهضةٍ تتسق ومسارات الأمم الحيّة الفعّالة الحضور،في عصرٍ يتّجه إلى الإعتراف بموقع تحت الشمس للأقوياء فقط .
٢ ـ ثباتٌ يقينيٌّ أنَّ الإستهداف شامل لمصير أمّة العرب ،لا يقف عند زرع الكيان الصهيونيِّ بين مشرقها ومغربها فقط ،بل متابعة امتهانها وإضعافها ،بتقسيم المقسّم وتجزئة المُجزأ ،ونهب كلّ ما أمكن من ثروة أرض العرب ،ووأد كلَّ محاولة تحرُّر عربيّة ،أوتملمُّل عربيّ ،منذ النفيِّ الأشهر للسلطان ( محمّد الخامس) ،مروراً بالمجازر الفرنسيّة ضد الثورة لجزائريّة ،إلى العدوان الثلاثي على مصـر عام (١٩٥٦) ،إلى مشاريع أحلافٍ متلاحقةٍ متنوّعةٍ ،مندرجةٍ في صراعاتٍ استقطابيّةٍ ،شرقيّةٍ ـ غربيّةٍ ،لامصلحة ـ بالمطلق ـ لعربيٍّ فيها ،بل كل الإيذاء البيّن له من تمريرها ،بجعل أرض العرب مقَّراً لقواعد القوى العظمى المتصارعة " أنذاك فيما بينها " ،وممرّاً جيوـ استراتيجيّاً لمخططاتها وتناوب نفوذها ،بين قديم استعمار وجديده ، وبين أيديولوجياتِ قوىً تبحث عن مواطئ القدم على شواطئ المياه الدّافئة وممراتها الجيوـ حيويّة ،المؤكّدَة الأهميّة ،منذ ابتدأ الغرب غزواته الإستعماريّة ،بإسقاطه "الباقي" من الحكم الأموي في الأندلس عام ( ١٤٩٢ م ) ،وخروج أوروبا ـ (الرجل الأبيض) ،الباحث عن الثروات ـ على حدودها ،لغزوِ العالم المستباح بقانون القوَّة الغاشمة المُهيمِنّة ،وللمصادفة فإنَّ الموقع العربيّ كان الهدف بِميِّزاته المعروفة ،والتاريخ الإسلامي ،بسيرته وتراثه ،وقدرصراعه المحتوم مع الغرب الأوروبي (دار الإحتراب) ،كوَّن الحافزالموضوعيَّ الموجِّه للمستعمِر "الأبيض" وثاراته .
٣ ــ تنافس سياسي داخلي في سورية ،بين تيّاراتٍ وأحزابٍ متصارعة ،وتسابق ارتباطي اقليمي ،واستقطابي دوليّ ،حسمه ـ انتصاراً ـ روّاد الوحدة بالذهاب إلى مصـرالناصـريّة .
ومن الموضوعيّة الرافعة مشروعيّاً :
١ـ تداعٍ لقلاع المستعمرالقديم (الأوروبي الغربي) في مناطق نفوذه التقليدية ، برّاً وبحرّاً ،مع موجةِ مدٌّ تحرريّ على امتداد العالم القديم (اللاأوروبي) ، وظهور "كتلة عدم الإنحياز" ،وبروز الدورالقياديّ للريادة "الناصـريّة" لها ،إلى جانب الزعيمين الهندي "جواهر لال نهرو" ،واليوغزلافي "جوزيف بروز تيتو" وآخرين : الرؤساء "كوامي نكروما " الغانيّ ، "أحمد سيكوتوري" الغينيّ ،"أحمد سوكارنو" الإندونيسيّ ،"مودبوكيتا" المالي ....... إلخ ........ ما شجّع الإحساس "الجماعيّ ـ الجموعي" العربي ،وبشعورٍنامٍ بالذاتِ العربيّة ،التي بدأت تشارك بحضورها الفاعل على المسرح الدوليّ ،بعد قرونٍ مريرةٍ من التهميش والإنكفاء .
٢ــ احتدام الصراع القطبي ـ الإستقطابي ،بين القطبين :الكتلة السوفيتية الصاعدة ،والأمريكيّة الطموحة التي بدأت بالحلول في مواقع الإستعمار القديم (البريطاني ـ الفرنسي) ،خاصّة شرقي السويس ،وبداية ما عُرف بـ (الحرب الباردة) وديناميّاتها ،تجاذباتها ومفاعيلها ،والإمكانيات الموضوعيّة التي فتحتها أمام حركات التحرر لشعوب آسيا و أفريقيا وأمريكا اللاتينيّة ،بالإستفادة من الظروف المتغيِّرة ،والثغرات المتاحة ،لبلوغ أهدافها ،أوبعضها ،في حقِّها بتقريرمصيرها ،في حقِّها بالتحرُّر والإستقلال والسيادة ،وفي حقِّها بالحياة السلميّة الآمنة من الهيمنة والعدوان .
أمّا العوامل الذاتيّة المحبطة ،فمنها :
١ــ إقصاء الجماهير في اقليمي (الجمهوريّة العربيّة المتحدة ) عن ديناميّة بنائها ،بإحالة تلك الجماهير إلى "التقاعد" على رصيف المتفرجين ،خاصّة في سـورية (إقليمها الشمالي)،وفي أحسن الأحوال ،دعوتها (أوحشدها) لتشكيل الحشود في الإحتفالات الكرنفاليّة الشكلية .
٢ــ تسليم مقدّرات الحكم والقرار لأجهزة قاصرة ،بيروقراطيّة متهالكة ،بعضها فاسد وحتى غير مؤمنٍ بالوحدة ،خاصّة في ،ومن مصـر (الإقليم الجنوبيّ)،وبعضها انتهازيّ وجد فيها فرصته لتحقيق المآرب ،حتى الشخصي منها ،ومنها الوضيع .
٣ــ عمليّة حلّ الأحزاب المؤمنة بالوحدة ـ بالتراضي المتسرِّع الصفقوي ـ وما ترتّب عليه من إجراء ات إداريّة ،عسكريّة ومدنيّة ،ومن شعورٍبالإحباط والتهيش ،وحتى بالإقصاء للذين آمنوا بالوحدة وعملوا لها ,خاصّة في سـورية (الإقليم الشمالي) ،قاد بعض هؤلاء إلى الإنقلاب على الوحدة ،بل ،وعدم التردُّد في التوقيع على بيان "الإنفصال"، بعد ذلك بسنوات ثلاث تقريباً ،هذا من جهة ،ومن جهةٍ أُخرى ،فإنَّ الساحة السورية تُركت بإخلائها الطوعي ـ السلطوي من "رجال الوحدة المؤمنين" لتُملأَ بالوصوليين والباطنيين المعادين ،وأصحاب الإنتماء ات الضيِّقة :المدينيّة (الكتلة الشواميّة ،الحلبيّة ....)، المناطقيّة (شرقيّة ،جنوبيّة ،ساحليّة....) ،القبائليّة (البدو)والعشائريّة ،بل وحتى الدينيّة والطائفية ،مما ستبرز سماته في الإنتخابات النيابيّة السورية في العهد الإنفصالي اللاحق ،وفوق ذلك ،فقد استمر نشاط الأحزاب (العلمانيّة والدينية)التي عارضت الوحدة (الشيوعيون ،السوريون القوميون ،والإخوان المسلمون) ،مستفيدة ،في اكتساب الصّدقيّة ،من سلبيّات الحكم الوحدويّ وسقطاته في التطبيق .
٤ــ الحساسيّة الإقليميّة ،التي تكشَّفت ونمت ،بين إقليمي الوحدة ،غذّاها اعتماد حاسم القرارلسلطةالأجهزة الأمنيّة ،بكل مايترتب على تلك الممارسة من علائق مرضيّة ،لُحمتها ضياع الحقوق وحدودها ،وسداها امتهان وجود الإنسان وكرامته ،خاصّة في ظلِّ ""تفاوت الوعيّ بمفهوم الوحدة ومعانيها ""بين الكتلة الشعبيّة في إقليميّ الجمهوريّة ،والذي كان ممكنٌ تجاوزه حماسيّاً ،ما كان ممكنٌ إخفاءه في التطبيق .
٥ــ انسحاب الفعل الشعبي المبادر لمصلحة تنظيمٍ سلطوي واحد (الإتحاد القومي) ،والتغييب الرمزيّ للجماهير خلف واجهة التركيزعلى صفات (الزعيم المُلهَم )،وإسباغ الكماليّة على التوجيهات والقرارات الصادرة عن نظامه ،في شخصنةٍ تمنع إمكانية محاسبة المرتكبين ،ونقد الخطأ والمخطئين ،بحكم منظومة علائق الإرتباط الولائي ،الإستزلامي الإفسادي ،والفاسد ،المنفلت من انضباطيّة معاييرالمؤسساتيّة والكفاءة .
وأمّا العوامل الموضوعيّة المعيقة المعرقِلة ،فمنها :
١ــ ازدياد الدعم الغربي للكيان الصهيوني المُهدَّد حسب مزاعمه ،والمبادرة إلى إقامة مشاريع وحدوية مضادّة (الإتحاد العربي الهاشمي العراقي ـ الأردنيّ ،برعاية مباشرة بريطانية ) بمواجهة الجمهوريّة العربيّة المتحدة التي وجدت نفسها ،ذاتيّاً وموضوعيّاً ،بالمواجهة ـ اللامفرَّمنها ـ مع المصالح الغربيّة لدول الإستعمار القديم ، واشك النجم على الأفول .
٢ــ الدخول المحتوم في الصّراع المفروض ،على الجمهوريّة العربيّة المتحدة الوليدة ،من جبهة اصطفاف أنظمة الإقليميّة المتضررة ،من سياسات نظام الوحدة وتوجهاته .
٣ــ سوء تقدير القوّة الذاتيّة (تضخيمها الثقويّ المفرط) ،واختلال معيار فهم موازين القوى الدوليّة ،وديناميّات فعلها وتوجُّهاتها ،وبالتالي ضياع الكثير من الطاقات في عبثية " دونكيشوتيّة "ومعارك خاسرةً سلفاً ،باعتماد أبسط قواعدِ العمل السياسي المحسوب .
في هذا القسم ،الأول ،تمَّ استعراض تجربتين ،من بيئتين مختلفين ،أوروبيّة وعربيّة ،قادت عواملهما المتباينة إلى نجاح الأولى وإجهاض الثانية ، أمّا في القسم الثاني ،القادم ،فستكون المادّة عن (اليمن) في مقاربة مقارنة مع العرض أعلاه .
داسك سيريا
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق