الأربعاء، 22 يوليو 2009

مقال: (ديودونّيه...جاد المالح) والرؤية العوراء: حقٌّ وباطل ،ومنطقٌ هزيل

بقلم: د.منير وسّـوف القـوي

في مطلع هذا الشهر( تمّوز٢٠٠٩ ) ،سُفح الحبرالعبثيّ بكرمٍ حاتميّ ، في أوساط ""مثقفيّ بلاد الأرز""الخالد !!،وعلت أصوات جعجعة الطواحين على خواءٍ بائس ،حيثُ لم يُدّخر شعارٌ شعبويّ ،في ترسانة الكيديّة السياسيّة المأزومة ،إلاّ وشُهِر،و""المناسبة ـ اللامناسبة"" : بركة حلول الفكاهي الفرنسيّ (جاد المالح) على موسم الاحتفالات السنويّة ،في مهرجانات (قصر بيت الدِّين) ومهرجانات (بعلبك) الصيفية ،مدعوَّاً من البعضٍ من معجبيه النافذين ،ولقد كان كافياً ،لفت النظرالذي قامت به قناة (المنار) التلفزيونيّة ،إلى مواقف الرجل السياسيّة ،الملتزمة صهيونيّاً بلا تحفظ ،وخاصة تأييده المعلن لـ (جيش الدّفاع الإسرائيلي ـ تساحال) أثناء عدوانه على "لبنان"،في تمّوزـ آب ٢٠٠٦ ،لكي تُرفع البيارق الجاهزة ذاتها ،وتصدح الحناجرالمتأهبه إياها ،مؤكدة ومشدِّدة في مصيريّة المعركة المفتوحة :
** على حريّة الرأي والإختيار ،وسمو الفنّ وتنزّهه عن الغرضي ،وخاصة السياسي ـ وكأنَّ هناك فنّ بلا غائية !! أوكأن الرجل اعتذر أونفى مواقفه المنوه عنها ،ولو كذباً ومسايرة !! ـ .
** وفي سبيل ثقافة ( حُبِّ الحياة ) المكتشفة في مخابر فرز الثقافات وتكريرها ،بل وتعليبها وتصديرها ،كـ (الفول ،والحمّص ،وبابا غنّوج ) ،بسجلٍّ وعلامةٍ تجاريّتين """ صنع في لبنان ـ ماركة تجاريّة مسجّلة ـ امتيازحصري : مخابر ١٤ شباط للفرزالثقافي وتكريره وتعليبه ،للإستهلاك المحلي وللتصدير""" .
** ورفض الثقافات والذهنيات الشموليّة ،وتأكيد إدانة أيديولوجياتها القاصرة ،والمعادية لمعسكر ثقافة ( حُبِّ الحياة ) الظافر ببركات ضيفه "المعجزة"(جاد المالح) ،في عصرٍ معلوماتيٍّ عولميٍّ ــ لا عوالِميٍّ ،مع أنّه الأقرب والأنسب ــ ،باردِ المشاعر،جامدِ التعابير،وضنين الجود ،بالذات ،بالخوارق والمعجزات (خاصة ذات الطعم ، فكيف بالطعم المالح ؟!!) ،لتصل حمّى سعارالحماسة ،والتوصيف المبالِغ ،بالبعض إلى جعل الهوموريست المتواضع (جاد المالح) ،أعظم فنّان ، والأكثرذكاءً في فرنسا ،وربّما في أوروبا (؟؟!!! ) .
** والحقيقة أنَّ الهوموريست (الفكاهي) المُحتفى به ،والمُختَلَف في تقييمه ذاتوياً ،ليس بالفنّان ذو الثقل المُمَيَّز فنيّاً أوثقافياً ،لا على الساحة الثقافيّة ـ الفنيّة الفرنسيّة ولا الأوروبيّة ،سواء بسواء ،إنّه من صنف فنانيِّ فواصل الترفيه المتظارفين بلا ظرافة ،في مستقطع البلادة من وقت الخمول ،يُلقي " 'القفشاث' و'النكات " المكررة المستعادة ـ المُعادة ،والمتراوحة التقييم ،بين المضحكة المسلية ،والسمجة المملَّة البائتة ،وخصوصاً حين يصوِّب إلى أصوله الإثنيّة أو الدينيّة ، إنّه يبدو كمنْ يتلو آيات ندامةٍ مجانيّة ،لا ينتظرها ،أو يطلبها أحد ، لا بل تجرح مشاعر البعض من أصوله المغاربيّة ،حين يسترسل في تقديم الشخصيّة المغاربيّة المهاجرة ،في قالب من السذاجة الأبدية ،والخَرَق السلوكي المُستحكِّم ،والنُطق اللغويُّ المنعقل اللسان ،لاحس مخارج الحروف / اللهجوي الهجين المُضحك / .
ليصل إلى "منحدر" تألقه في إقحام الموضوع الأحبِّ إلى قلبه ـ ( يهـوديّـتـة ) ـ حيث تتكشف ظاهرة سلوكية شاذة منحرفة ،وشخصيّة مرضيّة ،مليئة بالعقد المركبّة ،تستقي مصادرها من تربية غيتوية ،وثقافةٍ مغلقةٍ ،على نسقيّة مفاهيم تاريخانيةٍ بالية ،يختلط في جبلة ذهنيتها ،الأسطوري والأكاذيب والإدعائي ـ الدَّعَوي ،فاتحة الأبواب على مصاريعها ،لتخصصات علم الإجتماع وميادينه البحثيّة ،لعلم النفس السلوكي المرضي ،وخاصة للطبِّ النفسي ،في رصدِّ (بارانويا) حقيقية ،لشخصٍ يجد في جلد الذات محاولة تطهيرٍ لها ،وإنكاراً ـ لاواعياً ـ لما يعتور سواءها من عقد دونيّةٍ ،تجعلها في خط دفاعها المرضيِّ ،رمزيّة التموضع الغيتوي النكوصي ،والردِّ الإنكاري النافي ،لشعور جمعيٍّ اضطهاديٍّ لاواعي (أساس بارانويا جمعيّة)،يجد مرجعيته التبريريّة ،ومخزون تغذويته المقيمة بآلية تلقيمٍ راجعٍ ،في المتداول من قصص الأمس المحفوظة ،ومن اسطورية تكوينٍ ذهنيٍّ لا ديالكتيكي بالمطلق ،محمولٍ على "المعطى" تسليماً بلا تفكيرنقدي ، بل ،بلا إعمال الفكركليّاً ،وحتى إعفائه من عناء جهد المحاولة!!!
هذا هو الفنّان ،فلتة الزمان ،الذي استنفرت الـ " سوبرماركت الفكريّة "الأربعطعش ـ شباطيّة ،في معركتها "المصيرية" بمناسبة حلوله الميمون ،خفيف الدم والظلِّ ،على "فرفشات" مهرجاناتها الصيفيّة !! .
وليتَّ القضيّة انقضت بالزجل الإعلاميّ المألوف ،بل تعدَّته إلى حفلات الإستقبال (المرجعي) السياسي والحزبي ذو اللون المعروف ،والتوجه التطبيعي المعلن ،مؤكِّدةً أنَّ دعوة هذا الـ (جاد المالح) ليست لوجه الفنّ كما ادُّعِيَ ورُوِّج ،ولكنّه عمل فِتنَويٌّ مقصود ،يندرج في ذات المسلك السياسي الكيديّ التأزيمي ،والإستفزازيّ لفريق لبنانيٍّ لم تجف بعد دماء أبنائه الشهداء ،فضلاً عن اهتبالها ـ بعنجهيّة موالاةٍ منتصرةٍ برلمانيّاً ـ مناسبة تشنيعٍ لرأيِّ المعارضة المهزومة ،والإستخفاف به ،وتسفيه معتقداتها وقناعاتها المواقفيّة ـ الثوابت ،في سلوكٍ أرعن ،يجزم ،بيقينية غِرًّ ،أنّه محور دوران المجرّة وأبراجها الزُهر!!،في عَمَهِ تحليلٍ سياسي ،لايُحسُّ بعجلات القطار المتململة ،وهي تتحضَّرُ للإقلاع مبتعدةً عن محطّة ( الحـئـيـئـة والسـيادة والإسـتـِئلال ) ،التي استُعملت حتى حدود الإستنقاع المُنفِّر ،بل لقد بدأ الإقلاع ، ووحدهم ،بعض أيتام "موسم" اغتيال المرحوم ( الحريري ) ـ والموسم ليس بالأبديّ أبداً ـ والمستفيدون من حَمَلةِ راية " قميصه " لايُصدِّقون ،أو ضُرب على قلوبهم بالأسداد فهم لايفقهون !!!.
وإذا كان الشيءُ بالشيءِ يذكر: ففي الساحة الثقافيّة ـ الفنيّة ،الفرنسيّة ـ الفرانكوفونيّة ،فنّانون مناصرون للحقوق العربيّة ،وخاصّة في فلسطين ،ومن وزنٍّ معتبرٍ ،فنيّاً وسياسيّاً ،وحضورٍ جماهيريٍّ عريض ،على رأس قائمتهم الهوموريست ( ديودونّيه ) ،أحد مؤسسي حزب ( ضـدّ الصـهيونيّة ) ـ نعم هذا هو اسم الحزب ـ الذي دخل الفنّان الإنتخابات الأوروبيّة الأخيرة ( حزيران ٢٠٠٩ ) على قائمته ،ونال ستة وثلاثين ألف صوت في المنطقة الباريسية ،هذا الفنّان ـ الإنسان ،الذي أسرع إلى "لبنان" في أعقاب الحرب الصهيونية التدميرية عليه ،( تمّوز ـ آب ٢٠٠٦ ) ،والذي يحمل راية عدالة الإنسانيّة بمواجهة الصهيونية العنصرية ،ويعاني ما يعانية في مواجهة التيّارات الصهيونية والمتصهينة على الساحة الغربية ،هل مَنْ دعاه ؟!!
لا من لبنان فقط ،بل من مطلقِ مدينةٍ أو دسكرةٍ عربيّة ،لم أسمع بمثل دعوة كتلك ،أمْ أنَّ مقاومتنا تنامُ على "حرير"حقِّها ،ليوقظها وقع أقدام (جاد المالح) "المباركة" ؟!!
المناضل ،الفنّان ـ الإنسان ( ديودونّيه ) ،وترجمة اسمه ( عطاء الله ) ،ليس مسلماً ،ولا من شريف نسل ( قحطان وعدنان ) ،لم يسمع بحرب (داحس والغبراء) السخيفة ،ولا بفتنة حرب ( البسوس) المهزلة ،ولا بشقيقاتهما الغبيّات ،ماهو قائم منها ،مايُعدُّ ،وما قد فات ، ولا أظنه طعّم ثقافته الفنيّة بتركة ( بكْـرٍ و تغـلِب ) ،ومع ذلك فهومن مؤسسي الحزب ( ضـدّ الصـهيونيّة ) ،وفي ساحةٍ أوروبيةٍ صعبةٍ ،معبأةٍ في قسمٍ كبيرٍ من منابرالرأيِّ والقرارالسياسي الوازن فيها ،بالنشاط الصهيونيّ المنظّم ،يساراً ويميناً ووسطاً .

إنَّ نبذةً عن حياة الفنّان لازمةً ،ولاشكَّ، للتعريف به ،ومدخلاً إلى فضائه الفكري ،ونشاطه السياسي المُميَّز والُمتميِّز :
وُلِدَ السيِّد ( ديودونّيه ) في ١١ شباط عام ١٩٦٦ ،في ضاحية (فونتي ـ أُو ـ روز) الباريسية ،لأمٍّ فرنسية ،مجازة بعلم الإجتماع ،رسّامة ،ولأبٍ من أصول أفريقيّة ( كاميروني ) ،خبير حسابات .وقد ترعرع في الضواحي الباريسية الجنوبيّة والشرقيّة .
بعد تنقله في عدد من الأعمال الصغيرة ،دخل الإستعراضات الفكاهية بتشكيله ثنائي مع صديق طفولته (إيلي سيمون) ،اليهودي ذو الميول الصهيونية ،لينفصل عنه عام ١٩٩٧ .
عام" ١٩٩٣" أنشأ شركة (بوني للإنتاج ) ، "١٩٩٥ "دار (ميرلين للنشر) ، "١٩٩٦ "ورشات ( الفضاء الغيني )الفنيّة .
عام "٢٠٠٠" يغني في ثنائي مع (جاد المالح) أغنية ( أنا عندي كُره ) ،في تعاون يتيم ،ليتابع بمفرده بعد ذلك ،في مسرحه الباريسي : ( اليد الذهبيّة ) .
أصبح السيِّد ( ديودونّيه ) منذ العام "٢٠٠٠" هدفاً لهجوم مركّز من قبل دوائر التأثيرالصهيوني ،صحفها ،أقلام مثقفيها ،وهم كُثر،وخاصة ملاحقاته القانونيّة ،بدعاوى افترائية ،في حملةٍ حاميةٍ منظمة ،قادتها المنظمات اليهودية في فرنسا .
في المقال القادم ،سيكون الموضوع حول ( ديودونّيه ) المناضل السياسي ،لا السياسي فقط ،وحول الحزب المعادي للصهيونيّة ،حزب ( ضـدّ الصـهيونيّة ) الذي ينشط من خلاله ،وفيه .......داسك سيريا
هذه المقالة قرأت

0
مرة
-->

ليست هناك تعليقات: