ردّ على مقال الكاتب (ناهض حتر) :
""قومي؟ لا. عروبي؟ نعم، بالتأكيد""
(في جريدة "الأخبار" اللبنانيّة تاريخ ١١/آب/٢٠٠٨) :
القسم الثاني :
من المفيد التأكيد ـ وبلا أغلظ الإيمان ـ أنَّ شخص الكاتب ليس مقصوداً بالردّ مطلقاً ، وأنني لا أسعى لا إلى سجالٍ معه ،ولا لأيِّ حوارٍ مع لغةٍ قاطعةٍ مانعةٍ ،وقصيّةٍ عن أساس كلِّ إمكانيّة حوار يتمأسس على قاعدة الإحترام والإعتراف بالآخرالمختلف ،لا تسفيهه وشيطنته والدعوة إلى تصفية الحسابات معه واستئصاله !!ولكن تلك الشحنة العالية من الحقد على التيّار العربيّ القوميّ ،لدرجة الدعوة الجهراء إلى تصفية الحساب معه !!! ،ومحاولة شيطنته وتحميله كلّ الموبقات والآثام !!! ،ومن خلفيّةٍ زاوجت بين ذهنيّة ـ قبليّة وادّعاء ثقافةٍ واقعيّة ـ علميّة ترتكز على قاعدة أيديولوجيا ،عُرف عنها يساريتها كما هو رائج ،وبالتالي يجوز التساؤل ـ السؤال :
ألم يكن محقَّاً الدكتور (أسعد أبو خليل) حين عرَّضَ في ردٍّ حديثٍ على السيّد (ناهض حتر) ،أنَّ للأخير الخيار في أنْ يهنأ بصفة (يساريٍّ سابق) ـ هذا إذا كان يوماً قد تعدّى خانة اليسار الطفولي ـ ،والتي هي التسمية الرديفة لمثقفي الليبراليّة الجديدة في فضاء ات الفتوحات المارينزيّة ؟!!،
فمقال السيّد (ناهض حتر) من صنف التجاوز على مبدأ حريّة التفكير ،وعلى حقِّ التنوُّع والإختلاف ،ومن منطق أيديولوجيٍّ محدّد ،وموقف سياسي استئصالي ، كما سبق وقلت في القسم الأول تاريخ ١١/٨/٢٠٠٩ ،وأضيف إنّه من صنف التعبويّ ـ الدعويّ والثأريّ ـ البدويّ ،والفهم المشوّه القمعي لرسالة الكلمة والقلم ،ومنْ يتساءل أو يتعجَّب ،أُحيله ،وأرافقه ،في قراءة متأنيّةٍ لبقيّة المقال :
يقول السيّد (ناهض حتر) :(الأحزاب القومية تعبّر عن مصالح بورجوازية محلية وليست كما ادعت ممثلة للعروبة ) ،فأولاً:
البورجوازيّة تعريفاً :هي "طبقة وسطى ،صاحبة امتيازات" ،في "نظام طبقي رأسماليّ" ،تمتلك وسائل الإنتاج ولا تمارس العمل اليدوي ، حُكْماً في مجتمع له هويته ،فهلاّ تفضل السيّد (ناهض حتر) بإخبارنا في أيِّ مجتمع ،وما هي هويته ،حيث نشطت الأحزاب القومية التي ادعت تمثيل العروبة ؟!! مع صفحٍ عن كلمة (محلية) التي تبقى هيوليّة بلا مضمون محدد (بكسر الدّال الأولى وفتحها) .
وثانياً :
لستُ أدري إذا جاز وصف المجتمع العربي بالمجتمع الطبقي في لحظة ولادة الأحزاب القوميّة ،ببساطة لأنَّ أغلبية الأقاليم العربيّة الخارجة من أربعة قرون (عصمليّة) ،كانت في حينها ""تابعة ومدارة ""تحت الإحتلال الغربي المباشر ،وتحت مختلف التسميات ،فهل تتشكل الطبقات وتتمايز ـ ( حتى ماركسيّاً ) ـ دون درجةٍ من تطوُّر وسائل الإنتاج ،ومرحلةٍ من التصنيع تبلور طبقة عاملة ،وصناعيّة بالخاصّة ؟!!
وثالثاً : هذا السحر على المثقفين ،وهذا الإنبهار بـ ""المصطلح الأجنبي "" لتأكيد الذات الثقافوية ،تحيلهم إلى مرجعيات اغترابيّة ،وفي أطيب النوايا ،إلى مرجعيات افتراضيّة ،تقسر الواقع على ما لا يحتمل ،وتلوي منه الرأس والعنق لإدخاله في جلبابٍ يكشف عيب الكساء ،ولا يخفي حقيقة المَكْسيّ ،
فبالله عليك يا سيّد (ناهض حتر) هلاّ أتحفتنا كيف استطعت رؤية المجتمعات القبليّة ،العشائريّة ،والعائليّة ،عمودية الهيكل في معظمها ،وأُفقيتها رجراجة بين سويات مجتمعيّة قلقة لا متمايزة ،والتي يناضل القوميون لتصعيد انتمائها ـ بأقلّه ثقافيّاً ـ إلى سوية مشروع الأمّة ، كيف استطعت رؤيتها مجتمعات بأنظمة طبقيّة ،والأبهى تلك الهجينة بلا نسب الـ ( بورجوازية محلية ) ؟!
!يتابع السيِِّد (ناهض حتر) :(ولقد نجح القوميون في فرض معادلة المماهاة بين القومي والعروبي في الأيديولوجيا العربية المهيمنة. وهي معادلة أصبح من الضروري الآن نقضها، لأنها بقدر ما هي زائفة، بقدر ما هي تعرقل نهضة العمل العروبي)!!
هنا لنْ أقف عند نجاح القوميين الذي يقرُّ به الكاتب ،ولكن عند مصطلح (العروبي) الذي يُموضِع صاحبه في خانة " الميّال والنصير " ،وليس " المنتمي " فالقوميّ عربيٌّ منتميّ ،ويترك للسيِِّد (ناهض حتر) عروبيّته التي اختارها ،أمّا المعادلة التي أصبح من الضروري الآن نقضها !!،فالحقيقة أنّها غير قائمة إلاّ في دماغ الكاتب بقدر ما هي زائفة ( كما يقول )،بل ومصطنعة مفبركة في لحظة "شطحةٍ ثقافويّة" ،تبقى (نهضة العمل العروبي) :
إذْ ليس مفهوماً ماذا يعني ،فحبّذا لو أوضح اللغز،أمْ أنّه إلقاء للكلام على عواهله ؟!!
ثُمَّ ينتقل الكاتب إلى استعراض التيّارات القوميّة ،وبعضها تجارب حكمٍ طُبِّقت أو في التطبيق ،بادئاً حتماً بالتجربة القوميّة الناصريّة ،يقول :
(لم تزد الناصرية، في الواقع، عن كونها تعبيراً عن مصالح بورجوازية مصرية معادية للاستعمار وتطمح إلى تحقيق ذاتها في مشروع تنموي، لكنها تطمح إلى فرض نفوذها ومصالحها على العالم العربي، مستخدمة فكرة العروبة الملهمة للجماهير. ) ،إنَّ الخفّة والإختزال ،وقلب الحقائق لدى الكاتب ،لتجد تعبيرها ناطقاً في هذا المقطع !! فأنْ تطمح الناصرية إلى تحقيق ذاتها في مشروع تنموي لهوعين العقلانيّة ،ولعلم السيِّد (ناهض حتر)فإنها فوق كونها معادية للاستعمار ،قامت بحشد قوى الشعب العامل في سلسلة من التنظيمات المتتابعة ( هيئة التحرير ،فالإتحاد القومي ،وأخيراً الإتحاد الإشتراكي العربي : تحالف قوى الشعب العامل ) ،فأين هي ال ( بورجوازية مصرية ) التي يختزل السيِّد الكاتب الناصرية في حركة التعبير عن مصالحها ؟ !!
وهل مجانيّة التعليم ،إلزاميته وتعميمه ،وفتح الجامعات لأبناء الفلاّحين ولكل مكونات المجتمع ومجاناً ،والإصلاح الزراعي ،واستصلاح الأراضي ،والسدّ العالي وكهربة الريف ،والماء الشروب ،والطبابة المجّانيّة ،وحركة التصنيع ومنه الثقيل ،وقوانين يوليو لإشتراكيّة ،والتأميم بما فيه تمصير البنوك ،وشبكات الطرق وسكك الحديد ..........هوالتعبير عن مصالحها (البورجوازية المصرية ) ،أمْ أنَّ ذلك هو التعبير عن مصلحة وطنيّة جامعة بطريقة لاعنفيّة ؟
وبالطبع هكذا تعبير لايستطيع رؤيته السيّد (ناهض حتر) بحكم منهجه الأيديولوجي القاصرأولاً
،وثانياً بموضوعيّة ذاتويّة تموضعه الدعوي ـ التصفوي الصريح ،حتى للبنية الثقافيّة للفكر القومي العربيّ ،فضلاً عن تيّاراته الحيّة ،هذا في الدّاخل المصري .
أمّا على الصعيد العربي فنصرة ثورة الجزائر وتسليحها، وقبلها دعم استقلال المغرب و( ثورة العرش والشعب) ،وامتداد تأثير الناصريّة ودعمها إلى (جنوب اليمن المحتَلّ) ،وإلى كلِّ إرادة تحرر في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية ،بعد أنْ أثبتت الناصريّة صدقيتها في معركة السويس ،وكسرت احتكار السلاح والتمويل الدولي المشروط ،وشاركت في قيادة منظمة دول عدم الإنحياز ، كلُّ ذلك لا يراه السيّد (ناهض حتر) ،ويتجرأُ بخفّة مبتدئٍ إلى التبسيط واختزال الناصريّة إلى :( لم تزد الناصرية، في الواقع، عن كونها تعبيراً عن مصالح بورجوازية مصرية ) ،والأدقُّ رقبة ،تقديمُها بلغةٍ اتهاميّة ،كحركة سياسيّة ""تدخليّة خارج الحدود "" ،بشعاراتٍ برّاقة ،في إسقاطٍ رجعوي لسياساتٍ امبرياليّةٍ ممارسة في أيامنا ،وفي منطقتنا بالذات (لكنها تطمح إلى فرض نفوذها ومصالحها على العالم العربي، مستخدمة فكرة العروبة الملهمة للجماهير) .
مع أنّه للحقيقة وللتاريخ فإنَّ مصر " عبد الناصر" وضعت كل ما تستطيع في خدمة الهمّ القوميّ العربيّ ،لا تبرعاً ولا مِنّةً ،ولكنْ تقريراً لحقيقةٍ جيوبوليتيكوـ استراتيجيّة ،بأنَّ المصير العربيّ واحد ،وتثبيتاً لأرضيّة كلِّ مُنجز ،على قاعدة القوميّ الضامن ،وحده ،لديمومته ،وحمايته ،وتطويره ،ومطلق مراقب محايد لما آلت إليه الحال في وطننا العربيّ من سوءٍ وبؤس ،لن يمكنَ له إلاّ ترديد :""" سقى الله أيامك يا عبد الناصر """ وبالطبع فإنَّ السيّد (ناهض حتر) لن يكونه (المراقب) ولن يستطيع ، حتى لو أراد !!! .
أمّا قمّة التجنّي وانحراف المنطق فيبلغه السيّد (ناهض حتر) حين يتناول (حركة القوميين العرب) ،فلا يكفه اجتزاؤهُ لساحات فعلها في اليمن والخليج العربي والعراق وغيرها ،بل يحيلها إلى أداةٍ بيدٍ فلسطينيّة ثقافويّة استحواذيّة ،بل ومصلحيّة مرتبطةٍ بمصالحها "الطبقيّة"!! في مفارقةٍ لامنطقيّة وكاريكاتوريّة ،تقرر ـ قسريّاً ـ تمايزاً طبقيّاً في شتات مجتمعٍ مشرَّدٍ بين منافي وشتات لجوئه ،قافزاً هكذا ،وبشطحةٍ رغبويّة أوحسيرة الفهم ،فوق إنسانيّة العربي الفلسطيني ومشاعره ،فوق معاناته والظلم الفريد تاريخيّاً الذي لحق ويلحق به ،بل وفوق كلِّ إرادة انتماءٍ للحقِّ والعدالة ومقاومة الظلم ،والمجسّد كلّه بالكيان الصهيوني ،هكذا أصبح المقاوم الفلسطيني ،والشهيد الفلسطيني عند السيّد (ناهض حتر) : (رديفاً أيديولوجياً وسياسياً للكمبرادور الفلسطيني ) ،والذي يرى فيه برأيه (أساس الحبل السري الذي لم ينقطع بين الجبهتين الشعبية والديموقراطية و«فتح».) ،!! في حين أنَّ شظف المعاناة ومجهول المصيرهوالحبل السرِّي بين القوى الحيّة في كلِّ ساحةٍ عربيّة ،وفي الجبهة المواجِهة منها ،ساحة النكبة ـ العِبْرة ،السّاحة الفلسطينيّة ،لكنَّ السيّد (ناهض حتر) عاجزعن رؤية الواقع موضوعيّاً ،بحكم ذاتويته المفرطة في تورم رغبويتها ،وقصور منهجها الإختزاليّ التبسيطيّ، وقبل كلِّ سبب : ركوب موجة المثقفين الليبراليين الجُدد الذين أخذوا على عاتقهم ، أو كُلِّفوا ـ لافرق ـ بتسفيه رموز هذه الأمّة ونضالاتها ،وكلّ مجيدٍ من أيامها ، لجعل التطبيع مع واقع استضعافها عاديّاً ،بل هو "الطبيعيّ" الذي فُطِرت عليه !!!.
ويبلغ منطق السيِّد (ناهض حتر) قمّةً في الديماغوجيا ،والتخليط التحليلي ،حين يصل إلى حزب البعث ،في سطحيّة ثقافويّة تميّز بها التحليل الماركسوي عند معظم المتمركسين"العروبيين" ،فبالنسبة إليه (حزب «البعث» مثّل حركة أكثر أصالة) ـ شكراً ـ ولكنّه في موجب تحليله ـ التعليل بالإتكاء على (جراح الوطنية السورية ) ،كان الأصوب ،انسجاماً مع رؤيته ،أنْ يتبنّى حزب البعث الأيديولوجيّة " السوريّة القوميّة " ،فلماذا الأيديولوجيّة "القوميّة العربيّة " ؟!!
ثُمَّ أنَّ البعث وارث (وراثته للحركة القومية التقليدية في المشرق) ،أيّ يعترف السيّد (ناهض حتر) بتاريخيّة الحركة القومية العربيّة (مما سأعود إليه بتفصيل في القسم الثالث) ،والمنتظمة لاحقاً في أحزابٍ وتيّاراتٍ سياسية ،ويبلغ منطق الكاتب خلطويته الإستنتاجيّة ،بعد استقرائيته "الجرائدية" المجتزأة حين يقول (أردت من خلال هذا السرد أن أضع النقاط على الحروف في ما يتصل بحقائق تاريخ الأحزاب القومية ) !! فأيّة حقائق ؟!! وأيّة فواصل حوادثيّة يسميها تاريخ ؟!! حين يخلط الصراعات بين النزعات الشخصيّة المرضيّة كما مثّلتها شخصيّة (صدّام حسين)الزعامويّة المعقدة ، وأسلوب ،ممارسته للسلطة ،وإضاعته سمت الصراع المصيري مع العدّو الصهيوني ،بذهابه ،طوعيّاً أوإيقاعياً !!،إلى " حرب الإحتواء المزدوج الأمريكيّة" ،والمصرّح عنها مِنْ فم مَنْ خططوا لها وموَّلوها ،وبين السياسات العاقلة المرتكزة على المصالح العربية الحقيقية التي اتبعتها سـوريّة ،وما تزال ،برفض استبدال الصراع المصيري العربي ـ الصهيوني بآخر مفتعل عربيّ ـ فارسي (مع أنَّ الفرس إثنيّة قوميّة في إيران من أصل ثمانية ،ولم يقل مسؤول في الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة بفارسيّة الدولة ) ،بل وذهابها (سـورية) مع نظام الجمهورية الإسلاميّة الإيرانيّة إلى نموذج تحالفٍ نضاليٍّ أثبت جدارته في التصدي للمخططات الإمبريالوـ صهيونيّة ،بشهادة العدوِّ والصديق ،وما استمرارمحاولة "شيطنة" العلاقة الإستراتيجية بين سورية وإيران بنعوت شتّى ،لا أقلها التخوين والتآمريّة (كل ذلك وجه الأسد إلى تحالف مع إيران الإسلامية المعادية للعراق والعروبة) ، ولعلَّ من (كل ذلك) ـ أعلاه ـ قد جانب الكاتب الحقيقة إلاّ في (وأخيراً الصراع الدامي مع إسرائيل) ،الذي أصبح حجر الرحى ومادة طحينها ،في العلاقة الإستراتيجية السورية ـ الإيرانيّة .
أمّا الباقي من مفاهيم الكاتب التصنيفية الخاناتية ،باستعراضه البرجوازية وأصنافها المدارسية ،المنتمية لأدبيات ميكانيكاويّة تحاليل أواسط القرن العشرين ،والإرتكازمرجعيّاً ـ فهميّاً ،وتحليلياً ـ بنيويّاً ،على عكّازها الأعوج ،فلا تعدو عن كونها وباء متجدد لـ "" انفلونزا ثقافويّة"" ابتليت بها ذهنيّة غير ممنَّعة ،ولا إمكانيّة عندها لتكوين المناعة أبداً ،لقصور وعجزٍ ،لا أقلّه الخواء المعرفي وسحر الإغتراب .
والقسم الثالث يتبع .
داسك سيريا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق