الثلاثاء، 15 نوفمبر 2011

أيّتها المعارضات السّوريّة ...إنها سوق السياسة وإنّه ــــ والله ــــ المزاد

من قلم : د. منير وسوف

إنّ بسيط استعراضٍ بانوراميٍّ سريعٍ لتطور تعاطي الإعلام ـــ خاصة المرئي الناطق بالعربيّة ـــ والمهتمّ بالشأن السّوري منذ بواكير البداية في الأزمة "" السّورية ـــ المأساة "" ، يستلفته استحضار وجوه وأسماء وتسميات وشعارات، وتغييب وجوه وأسماء وتسميات وشعارات ، وفق المراحل والأدوار والبرامج ، بل وحتى وفق المقاصد والتطورات إنْ لم يكن التطويرات ، المفترضة منها والإفتراضيّة ، فضلاً عن الوقائع على الأرض وزوايا تصويرها ومواقع وتموضع المصورين !!!
وتبسيطاً "" للإستعراض ـــ العرض "" سيكون مفيداً تفقيره ( من فقرة وليس من إفقار ) مع مراعاة التسلسل الزمني ما أمكن في مسلسل اللامعقول السّوري ، المستمر العرض ، لدراما الدم والدموع والمآسي ، في السيناريو المتطور لحظيّا ، ولو أنّه المؤطَّر تصميميّاً ـــ ومنذ عقدين على الأقل ـــ والذي كان كتاب ( شيمون بيرس ) "" الشرق الأوسط الجديد """ إعلانه الأشهر ، وقد ذاع صيته للمرة الأولى بعد حرب الخليج 1991 وأثناء مفاوضات ""التسوية"" بين كيانات النظام الرسميّ العربيّ والكيان الإسرائيلي ( وبالأخصّ في مؤتمر مدريد) ، بعد أن تم إنضاجه في الثمانينات ومطلع التسعينات في بعض دوائر الخبرة والبحث في واشنطن ( للمراجعة : الشرق الأوسط الجديد للمستشرق برنارد لويس ) ، ومن ثمّ تبنيه وتطويره من قبل حزب العمل الإسرائيلي( مرحلة اسحق رابين ــــ شيمون بيرس )، وجرى الإعلان عنه ، وقبلته العديد من الدول العربية ورأت فيه تحولاً كبيراً في تاريخ المنطقة ، لا بل وتحوّلاً في الصراع "" العربي ـــ الإسرائيلي "" !!!
ثمّ ما تبعه من تعديلات وتطويرات ، من ( شرق أوسط كبير ، إلى موّسع ، إلى غيره من الخرائط المشاريعية ) على ضوء التطورات ـــ التحولات : ""الجيوــ بوليتيكوــ استراتيجيّة ""، منذ انهيار المنظومة السوفيتيّة وانفراد ""الإدارات الأمريكيّة"" باتخاذ القرار في السياسات الدوليّة وتوجهاتها وحتى توجيهها، وبالشكل التدخليّ المسلح بلا أقنعة ( احتلال العراق ومأساته : مثله الصارخ ) ، على أنّ القاسم المشترك في كلّ "الدراسات ـــ السيناريوهات" و"التصميمات ـــ المشروعات" ، المرسومة في دوائر الخبرة والبحث لمنطقتنا( في "واشنطن" وحلفائها ، "وخاصة في "تل أبيب" المعنيّ اأوّل ) هو المصلحة "" الأمريكيّة ـــ الإسرائيليّة المترابطة عضويّاً "" في منطقتنا ، راهناً ، ومستقبلاً في المدى المنظور على الأقلّ .
من وجهة النظر تلك يمكن الإختزال الحوادثي لمتابعة المجريات المتلاحقة ، وإقتصار العرض ( تعسفيّاً لتعذر الإحاطة الشموليّة والشاملة ) لما يجري على مسرح اليوميّات السّوريّة في تعاطي الإعلام ـــ خاصة المرئي الناطق بالعربيّة ــ في استحضاره أو تغييبه ، أو حتّى تنكيره أو استنكاره "" وجوه وأسماء وتسميات """ وابتكاره لشعارات متجددة ، تماشياً مع إعلانها والهدف السياسيّ المرحلي السريع أو المسرع ( أسبوع أو أيّام ) في سباق مع الزمن !!!، وتهميشه لأخرى ، بل والسخرية من رافعيها وشيطنتهم وحتى نقل تظاهرات تخوينهم والتنديد بهم ،( باسم الأمانة الصحفيّة والموضوعية المهنيّة و ............ إلى آخر المعزوفة المحفوظة ، وبلغةٍ حقاً خشبيّة ) ، كما حصل في صحن الجامعة العربيّة بين المعارضات السّوريّة ، المشهد الذي أطلق عليه ـــ بحقٍّ ـــ بعض الظرفاء ،وبكوميديّة سوداء ساخرة ، إسم :""" موقعة الجامعة """ متناسياً ذلك الإعلام ـــ وبتعمُّد غبيٍّ أومتغابي يستغبي المشاهد ـــ أنّ متابعه " " يُميّز جيّداً بين " الإعلام المهنيّ الموضوعيّ " وذلك الذي يغادر رسالته تلك إلى دور " الناشط السياسيّ المتحزّب " : هذا أولاً ، وثانياً : إنّ الأحداث مازالت حديثة حيّة ، وبالتالي فالمراهنة على النسيان وتعب الذاكرة رهان خاسر ، وإذاً فلنبدأ بــــ :
آ ـــ ""الفقرة ـــ المرحلة"" الأولى : ( شاهد عيان ) ، وقد غادر هذا الـ ( الكومبارس ) خشبة المسرح بعد أن ملّ المشاهد دوره
وقد استجاب المخرِج بعد إنهاء تجهيز البديل لنفس الدّور، والعذر في استخدامه كان استحالة تواجد المراسل الصحفيّ المهنيّ ، بسبب منع ( النظام السوريّ ) تلك القنوات من التواجد الميدانيّ لتغطية الحدث !!! تبرير ينقصه قويم المنطق وتبرره الديماغوجيا لا غير ، فالأمانة المهنيّة قيمة أخلاقيّة ثابتة لا يبرر عذر ـــ أيّاً يكون ـــ استباحتها أوالتلاعب بمصداقيتها .
ب ـــ ""الفقرة ـــ المرحلة"" الثانية : ( الناشط السياسيّ ) ، وقد حلّ مكان ( شاهد عيان ) ، وبنفس الدور مع زيادة الجرعة ( الثوريّة ) والتحريضيّة لتتلاءم مع اللبوس الجديد ، في تقاسيم متناوبة مع ( ناشط حقوق الإنسان ) ومراكزه المتنقّلة ، والذي لا يختلف أوتختلف في الدّور أو المحتوى ، ولا عجب حين يكون السيناريست ذات السيناريست ، والمخرج نفس المخرج ، على ذات المسرح ، وإدمان ذات الجمهور المتابع ولكنْ لا المأخوذ .
ج ـــ ""الفقرة ـــ المرحلة"" الثالثة ، قد تداخلت زمنيّاً ، مع المرحلتين السابقتين ، وأسّ حضورها استضافة ( مثقّفين ومحللين سياسيّين ) من كل المشارب ، لتتالى الخطابات المؤدلَجة والمؤدلِجة ، الواقعيّة قليلها والرغبويّة جُلّها، في استعراضات تسويقيّة إلاّ قلّة ، ومُوحاً بها مسترسلة إنْ تجاوبت !!! ، أومُقاطَعة لضيق الوقت إنْ خالفت !!! ، وللأسف بعضها سوقيّ المستوى والذوق ، بل وخادش شتائمي ، مع الإستزادة والمزيد من الشحن العاطفي ، والتحشيد التهييجيّ والإيحاء الفتنوي ، والتلاعب بالعواطف الدينيّة لجمهور جريح ، بل وجرحه ملتهِب ، هنا أصبح واضحاً الفرق بين الثقافيّ والثقافويّ ، بين الشعبيّ والشعبويّ ، بين المسلم المتديّن الحق ، والمسيّس الإسلامويّ الذي لا يجد غضاضة في استخدام قدسيّة الدين الأبديّة ورقةً في دنيوية السياسة الزائلة وآثامها ، بين الأستاذ الرساليّ الرؤيوي ،والمربي المسؤول بحقّ ، وذلك حامل اللقب بلا جدارته .
أسماء وشخصيّات كانت نجمات البرامج والشاشات غابت أو غُيّبت ، ( "المفكر العربي" عزمي بشارة ) قال ما عنده ، أو ما عليه قوله بمناسبته، وتفرّغ كما يبدو لشؤون تنظيم مؤتمرات المعارضات السوريّة وهمومها ، ( د .بسّام أبو عبد الله أستاذ القانون ) لم يعد في جعبته مزيداً توظفه ( قناة الجزيرة ) لاستفزاز المستفَزين الجاهزين لحفلات الردح ، فضلاً عن تجاوز الحدث السّوري فترات التحمية والتشجيع إلى مباشرة مباريات القتال الدامي المميت بلا رحمةٍ وبلا عقل ، ( د. طالب ابراهيم ) أصبح ثقيلاً على السياسات الإعلامية المعتمدة بمحاججاته وقدراته ، أمّا (د. أحمد الحاج علي ) فلن يتقدم في انتقاده ، أو يُضيف مستجيباً لإيحاءآت مستجوبه ـــ المذيع ، لنصل إلى الإعلامي ( شريف شحادة ) الذي يُتصل به ليُقاطَع ويُغالَط ، وكأنّه لا يكفيه سوء الإتصالات !!!
هكذا مرّ كلّ هؤلاء (الموالون للنظام السوري كما يوصَفون ، طبعاً .عزمي بشارة لم يعد منهم !!! ) ولم نعد نسمع لهم صوتاً أونرى لهم صورة ، بالتواقت مع مقاطعات وتوقيع عقوبات بحقّ وسائل إعلاميّة سوريّة !!! ( "قناة الدنيا" السّورية مثالها ) ، لكأنّ فقرة المحلل السياسيّ قد استنفذت أغراضها أو أُصيب بالكساد سوقها فأُحيلت إلى الأرشيف أو إلى مستودع السلع المنتهية الصلاحيّة ، فهل الحفظ أو سواه من مآلات إعلاميّة أصبح مصيرها ؟ !!!
كلّ التلاوين عُرضت في لوحة صخبٍ إعلاميٍّ مشوِش واللوحة لم ينته استعراضها ، وإنْ كانت خيبة المشاهد في الرئيس من خطوطها ، وتدرج المحبوك من مزج وخليط ألوانها اللاعذراء أبداً ، هو المهيمن على الإنطباع السائد حتى اللحظة .
د ــــ ""الفقرة ـــ المرحلة"" الرابعة والمستمرة العرض منذ البداية ، باستضافة أو استدعاء ــــ لا فرق ـــ المعارضين السياسيين ، وعرض المطلوب من منطقهم ومناظراتهم ،وحتى المقبول من رؤيتهم المستقبلية للأزمة وتصورات مخارجها ، تسويق آرائهم وبعضها هوامات وشطحات أحلام يقظة ، تقديم رجل السياسة في بعضهم وتلميعه، والتلويح بتصلّب الدكتاتور المستبد في بعضهم الآخر وتمريره ، إبراز ""المراد المطلوب تسويقيّا سياسياً"" من مؤتمراتهم وتجمعاتهم وتحالفاتهم وعلاقاتهم ، وإشهار تسميات تنظيماتهم أو التعمية عليها حسب العرض والطلب ، هكذا وبقدرةٍ "" ميديوية "" مبرمجة يغيب إسم ( تنسيقيّات الثوة السوريّة ) وأصوات ممثليها في المدن والحارات ـــ هذا إذا كانت قد وُجدت أو كان لها الحجم والإنتشار المُدّعى ــــ و يُغيّب لمصلحة ( الهيئة العامّة للثورة السّوريّة ) ، مولود " ثوريّ " آخر أكثر استجابة لمتطلبات سياسات ( المجلس الوطني السوري ) ورعاته الإقليميين والدوليين .
أمّا تسميات أيام "الجمعة" واختياراتها ، فهو الأكثر مدعاة للتساؤل ، ليس بسبب طبيعة التسمية وحسب ، ولكن في حصرية التسمية بأيام " الجمعة " وكأنّ الـ " ثورة " في كمون بقيّة الأيام ، أو في وضع التزامٍ بالدوام الرسمي واحترامٍ لمقتضياته ولوائح الدوام !!!

إنّ مما يدعو للمزيد من التساؤل والأسى ، إدراك أكثرنا لمدى التلاعب التاريخي المديد بأقدار أوطاننا ، وبمصير أمتنا ، ومع ذلك نقتتل ونتذابح ونتناحر !!! وفي العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين مازلنا نجترّ مأساة ( قبائل قتلت قبائل ) !!!
أنعيش في عصرنا ككل الأمم المعاصرة ، أم أننا ما زلنا ـــ وكما يبدوــــ في ذلك العصر الدموي الأسود الذي يعتزّ به البعض ؟ !!! ...
أفليس من صوت للعقل ؟ أفليس من صحوة لضمير ؟
ألم نخرج بعدُ من بداوتنا وجاهليتنا وتخلفنا وثأريتنا وكلّ ما لا يرفع الرأس من خصال مشينة ؟
أم أنّنا تهاونّا فهُنّا فغدونا في ""سوق السياسة "" سلعةً طالها الكساد ، حتى وصلت سويتها القيميّة في التسويق إلى لغة المزاد ؟ !!!!

ليست هناك تعليقات: