"" أيّتها السياسة التركيّة المستجدّة منذ بداية الأزمة في سوريّة ، لماذا تنكئين الجراح ؟ !! "" :
من قلم د . منير وسّوف القوي
أطرح السؤال ، لا من باب الجهل بالإجابة ، فالمواقف والإصطفافات أصبحت أكثر من واضحة ، لا و لا أنتظر فذلكةً من الخطّ السياسيّ المستجدّ لحزب العدالة والتنمية التركيّ أنّه مع شعوب الجوار !! فأنظمة الحكم عابرة والبقاء للشعوب ، فلقد انغمست السياسات التركيّة المستجدّة منذ بداية الأزمة في سوريّة ــ وبانحيازٍ صريح ــ كطرفٍ مساهمٍ في إذكاء أُوارها وتسعير لهيبها ، وليس كوسيط مساعدٍ في إطفاء سعار نارها :
فأولاً : ما مارسته سياسة المبعوثين الرسميين الأتراك من "" تدخليّة "" في الشأن الداخليّ السوري تحت مسمّى ""إسداء النصيحة "" بفجاجة اسلوب ( الأخ الأكبر الوصيّ على الأخ الأصغر القاصر قليل الخبرة ناقص النضوج ) !! متجاهلة أو جاهلة ما لذلك من تأثيرٍ عكسيٍّ لدى الأغلبيّة السّاحقة من الشارع السّوري قبل قيادته ، ذلك الشّارع الذي حاول الصّفح ، وإنْ لم ينس يوماً ممارسات وهيمايونيّة ( الباب العالي ) وظلمه وظلاميّته ، فـ ( خازوق السلطان سليم ) وجناياته عام (١٥١٦) وعلى امتداد عقود تلت ، ومشانق السّفاح ( جمال باشا ) وعصابتة الطورانيّة ( الإتحاد والتّرقي ) لأحرار الشّام عام ( ١٩١٦ ) في ساحات الشهداء في ( دمشق وبيروت ) ، من المستحيل نسيانها ، وإنْ صفحت أجيال الشّام عنها وترفّعت عن دعوات الثأر وغرائز الإنتقام !!! فلماذا أيّتها السياسة التركيّة المستجدّة ، لماذا تنكئين الجراح ؟ !!!
وثانياً : كيف سمحت أيّها السيّد ( آردوغان ) لنفسك باعتبار مايجري في ( الدّاخل السّوريّ ) ، (شأناً داخلياً تركيّاً ) بحجج واهية ( ٨٠٠ كم من الحدود ، قرابات عائليّة عابرة لها !! إلخ... ) ، فأين هي الحدود البريّة ، حتى الصحراويّة منها ، التي تخلو من مثل تلك التوصيفات ؟ لكنّها المرّة الأولى التي تستعمل " رسميّاً " كذريعة للتدخل في بلد جوارٍ في تجاهلٍ لسيادته واستقلاله ، فحتّى الولايات المتحدة لم تكن بتلك الصلافة والعنجهيّة في تعاملها مع جاراتها من ( جمهوريّات الموز ) !!! .
وثالثاً : من المستحيل أنْ يخفى على السياسة التركيّة صاحبة مقولة ( صفر مشاكل ) مع دول جوارها الإقليميّ ، أنّ تدخلّها المنحاز إلى طرفٍ مفعِّلٍ ، وهو( الإسلاموي السياسيّ ) بلا تلاعبٍ بالكلمات ، و( بنوعيّة عنفيّة ) في الأزمة السورية ، في مجتمعٍ ( موزاييك ) ديني ،طائفي ، اثنوي ، قوميّ ، وهو واقع موضوعيّ ،لاينكره متابع منصف ، سيرفع منسوب التهييج والتحريض ، ويعبدّ المسالك أمام ممارسات " الإستقواء " ورفض كل عقلانيّةٍ في المقاربات بحلول سياسيّة ، هي وحدها الحل للأزمة ومنع بلوغها مأزق استعصاءٍ ، يستدعي التساؤل إلى أين ؟
ومن المستفيد ؟
فسوريا لا شكّ متضررة ، ومقولة ( صفر مشاكل ) يُسقطها منطق مجريات الأمور وصيرورات مآلاتها في وقائع راهنها .
ورابعاً : هل يظن السادة القادة في تركيّا أنّ ( النظام السوري ) ــ كما يسمّونه ــ وإنْ أنكروا غالبيّة شعبيّة له يُقرّها الكثيرون ، سيستمرّ في تجرّع كاسات ( صبر ايوب ) أمام ممارساتهم التدخليّة ، اللادبلوماسيّة وبعضها تعدّى حدود الأدب والذوق إلى سويّة شتائميّة ، على لسان الزعيم المسلم !! ، نظيف اللسان !! ( آردوغان ) بوصفه الرئيس السوري بـ ( الجبان ) !! والذي أقل ما يُقال في الردّ عليها : ( عيب ) ، فهذه لغة سوقيّة ، وقلّة أدبٍ وذوق لا تليق بالرجال ، فكيف بالزعماء المنتخبين الذين بشّروا بـ ( انتصارهم ) دمشق والقاهرة وبيروت ؟!!
فـ ( يا حيف ) يا سيّد ( آردوغان ) بلغة أهل سوريّة المهذّبين ، المترفعين عن الصغائر ، كتلك التي تأتيها .
وخامساً : هل ينام الثلاثي ( آردوغان ـ غول ــ أوغلو ) على حرير حساباتهم المتعجرفة الخاطئة ، أنّ ( النظام السوري ) ــ أيضاً كما يسمّونه ــ خائف ومتردد ، و و و ، وأنّ أوراقه مدّعاة ومفلسة ومحروقة ؟ !!!
إذاً فإليكم بعضها الممكن والمبرر على ضوء ممارسات الثلاثي التركي أعلاه :
ــ ورقة حقّ المعاملة والتعامل بالمثل ، والتي لا يمكن أنْ يرفضها إلاّ متحيّز يكيل بمكيالين أو أكثر ، فمقابل الدّعم السياسي لفصيل مجلس اسطمبول المعارض ( المجلس الوطني السوري ) ، من حقّ سوريّة دعم ( حزب العمّال الكردستاني ) سياسيّاً بفتح ( بهو الفنادق وصالاتها ) في الأرض السوريّة لمؤتمراته ونشاطاته في الحدّ الأدنى ، وإنْ مازالت القيادة السورية تعتبر أنّ تركيّا لا تُختزَل بالثلاثي ( آردوغان ـ غول ــ أوغلو ) ، ولا السياسات التركيّة بسياسة حزب العدالة التركيّ وهلوسات سادته وساسته .
ــ ورقة تسليح المعارضة التركيّة ، والسماح لها بممارسة نشاطها المسلح واللوجستي ، عبر الحدود السوريّة الطويلة ، ردّاً على تهريب السلاح عبر الحدود ( التركيّة ـ السوريّة ) باتجاه واحدٍ إلى الدّاخل السوري ، ليصبح بالإتجاهين عابرًا للحدود بالعدل والقسطاط !!! بل وأكثر من ذلك ، ورداً على الرعاية التركيّة الرسميّة لما يسمّى بـ ( لجيش السوري الحرّ ) ونشاطاته المعلنة من تركيّا ، لن يُلام ( النظام السوري ) بسماحه لحزب العمّال الكردستاني ، تحديداً ، باستئناف نشاطه المسلح ، انطلاقاً من بيئة حاضنة مؤاتية ، يعرفها بالتأكيد الأتراك ،هي (الأقليّة الديمغرافيّة الكرديّة ) العابرة للحدود بين البلدين ، وهو ما جُرّب سابقاً في نهايات تسعينيّات القرن المنصرم ، مع ماترتب عليها من نتائج واتفاقيّات ثنائيّة ، أمنيّة وعسكريّة ، نقلت العلاقات بين البلدين من شفير الحرب بينهما ، إلى التكامل ، وعلى كل الأصعدة ، مما بشّر بمستقبل جميل للشعبين السوري والتركي ، أسقطت حلمه ، وترجماته الواقعيّة ،السياسةُ التركيّة المستجدّة منذ بداية الأزمة في سوريّة ، ولا مكان هنا للترداد الببغائي أنّ الرئيس السوري أنذاك ، ( الرئيس حافظ الأسد ) ، قد تراجع أمام التهديدات الحربجيّة التركيّة ، وأنّ سوريّة ضحّت بزعيم حزب العمّال الكردستاني السيّد ( عبد الله أوجلان ) ، وغيرها من روايات التفسيرات التآمريّة االمتهافتة ، أمام وقائع الجيوبوليتيك وحساباته ، فضلاً عن اختلافات الواقع والمعطيات ، بين تلك الحقبة ( نهايات تسعينيّات القرن المنصرم ) وتشابكات اشتباكها ، وموازين علاقات اصطفافاتها ومتغيّراتها ،الإقليميّة منها والدّوليّة ، وبين ما نعيشه اليوم من انقلاب للأدوار أولاً ، وثانياً من استقطابٍ محاوريٍّ إقليمي ، وصراعٍ دولي ، لا يغيبان عن رصد متابع .
ــ إنّ المجتمع التركيّ لا يقلّ موزاييكاً عن المجتمع السوري ، بل إنّ حدة تناقضاته ، ومنذ إنشاء تركيّا التي نعرف على أنقاض الباقي من إرث ( الرجل المريض ــ دولة الخلافة العثمانيّة ) ، لم تخمد أبداً ، رغم كل السياسات التركيّة المتّبعة تاريخياً ، ومحاولات حلولها المختلفة ، بما فيها العنفيّة ، وبعضها مجازر موصوفة ، وبعضها جرائم استئصال عرقيّ ( المجازر ضدّ الأرمن والأقليّة اليونانيّة ) ، وبعضها سياسات تمييزٍ عنصري قومجيّة ( ضدّ الأكراد والعرب والأرمن أيضاً ) ، أو طائفيّة ( مثالها الصّارخ : السياسات التمييزية المهمِّشة اللامساواتية ، على قاعة المواطنيّة المنكورة ، والتي طبقتها الإدارات التركيّة جميعها بحقّ مايربو على الملايين العشرة من المسلمين العلويين الأتراك أو السوريين الحاملين للجنسيّة التركيّة ، برضىً منهم أو بالإكراه ، في إقليم ( أضنه ) و(لواء اسكندرون ) السليب ، نعم السليب ، ( ولنا عودة إلى هذا الوضوع بالذات لحساسيته وضرورة الّدقة والتدقيق في تناوله ) ، أقول :
في مثل واقعٍ كهذا للمجتمع التركيّ الموزاييكيّ المعقد التركيب والمشكلات ، وبعضها معضلات تاريخيّة ، ماذا لو أصبح لسورية سياستها التدخليّة فيه ، عملاً بحقّ الردّ ، لا دفاعاً مشروعاً عن النفس فقط ، ولكنْ عملاً بقاعدة ( المعاملة بالمثل ) ،المبررَة براغمايّاً سياسياً ، بل وأخلاقيّا أيضاً ، ؟ !!
فما رأيّ الثلاثي ( آردوغان ـ غول ــ أوغلو ) ؟ !!!
أمّ أنّها نشوة "نصرٍ انتخابي" يا قادة حزب العدالة ، لن يدوم هذا أولاً ، فتركيا ليست أنتم فقط ، وثانياً يبقى نصركم البرلماني يخصّكم أنتم كأتراك ، ولن يفيد فيه صراخ ( آردوغان ) الخطابيّ الشعبويّ أنّه نصر للإقليم وعواصمه ، فلكم يبقى ولغيركم ما كان ولن يكون ، فلشعوب الإقليم خياراتها في القاهرة وطهران وبيروت ، ناهيك عن دمشق ، وليس الناخب التركيّ من يقرر عنها ، ولا منطق صناديق وصايته والخارجون من أجوافها ، فقليل من التواضع مفيد ، وجنون العظمة موذٍ لصاحبه قبل الجوار ، فليُكف عن الصراخ وقرع فارغ الطبول ، فإنّ أسوأ الأعراس لعرس ( الريّاس ) !! فهلا توقف تشنيف آذاننا المسكينة بنشاز ضجيجه االمضجرالمملّ ؟ !!!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق