الاثنين، 28 نوفمبر 2011

ثقافة مهمَّشة ، ومثقّف كسيح ، على رصيف الشارع العربيّ المنتفض ج1

من قلم د . منير وسّوف القوي

لعلّ المثقّف العربيّ يقف ــ بتواضع العاجز المُكرَه ــ في طليعة المتفاجئين بمحدوديّة دوره في الحراك الإنتفاضيّ الأخير ، وليس الثوريّ كما يصرّ البعض المأخوذ بحماس شعبويٍّ يستسهل التسمية وتسطيح المفاهيم ، هذا الحراك الجديد الديناميّة على الشارع العربيّ فاجأ المثقف بتهمة كساحٍ بنيويّ المضمون ، لا نمطيٍّ شكلانيّ الهيكل فقط ، مما دفعه إلى ترك الشارع الى أرصفته ، لاعن طيبة خاطرٍ أبداً ، ولكنْ بقبول مما لا بدّ من الإقرار به أمراً واقعاً وعجزاً موصوفا ، " قبول ــ تموضع " ليس للفوز باستراحةٍ قسريةٍ على رصيف مزدحمٍ ، لا يسمح مطلقاً بمثل ذلك الترف السّفيه في ظرفه الضاغط القائم ، ولكنْ لإعادة تموقعٍ في موقع رصد واقعٍ حيويٍّ ، متغيّر الملامح ، واضح التعبير عن مطالب أساسيّةٍ ، وحاجاتٍ ــ مسلّماتٍ دُفعت ــ دعاويّاً ــ إلى مصنفات علا الغبار رفوفها حتى احتُسبت في ذمّة النسيان

بل وإلى وقفة التقاطٍ للأنفاس بمراجعة مفاهيم وأدوات وأساليب ، وممارسة نقدٍ ذاتيٍّ ، يملي استحقاقاتها الضاغطة ، ما فرضته ــ بقوّة الوجوب ــ ديناميّة الشارع المنتفض ، بكشفٍ صادمٍ لما انطوت عليه صفة المثقّف من شوائب تستوجب التشذيب ، وما عانته الثقافة الحقيقيّة من تهميشٍ ممنهج ، لصالح طوفانٍ ثقافويٍّ نكوصيٍّ ، مُغرِقٍ في الماضويّة ، والإرتداد إلى عصور وأيام عفى زمانها ، وأصبحت من طوارق الحدثان ، ليأتي هجوم بعثها والنفخ في رمادها ، خاصّة الحَوْليّ منها ، وعلى الخصوص ، الدراميّ الرمضانيّ الملفت ، وجعلها لازمةً لصيقةً بركن الصّيام المقدّس للمجتمع المسلم الدين ، وخصوصيّة شهره الرمضانيّ ، التي لا يجاريه فيها شهر آخر ، وتسويقها الترويجيّ كالقضاء الماحق ، وبقدرة البترودولار ، وإملاءآت مالكيه من أصحاب الأدوار الوظيفيّة ، والذهنيّات المتصحرة ، لا البدويّة ــ المستحاثيّة فقط ، في عصر العلم والمعلوماتيّة والعالمٍ المعولَم .

( مع كامل اعترافٍ وموفور احترامٍ لكلّ ما أنتجته البداوة في زمانها من إيجابيّ القيم ، وبليغ الشعر والنثر ، ومكارم الأخلاق ) ، وخاصّة بالدّور الذي وفّره ازدحام أقلام كتبتهم المستأجَرة ــ بالقطعة حيناً وبالجملة أحياناً ــ في إغراق حواس المدركات الآدميّة بانتاجٍ ثقافوي يشبه الطوفان بغزارته ، والرعد القاصف في جلجلته ، وبتلميعه كبريق يخطف الأبصار، مسخِّراً له آخر مبتكرات التكنولوجيا وحديث وسائل النشر والإتصال والإنتشار .

ومع أنّ تموضع المثقّف العربيّ على رصيف الشارع العربيّ المنتفض ليس طرداً ــ قسرياً صريحاً ــ مورس عليه ، ولا خروجاً أو إخراجاً من ذلك الشارع ، مطلقاً ، بل في الجانب الأعظم منه كان خياراً إرادويّاً ، اقتضاه وعيّ اللحظة الفاعلة في ديناميّة حراك الجمهور المنتفض ، فما زال المثقّف ــ وبحكم ضروريّة الدّور ــ مدعواً إلى موقعه الطبيعيّ في قلب الحراك الجماهيري ، عطاءً فكريّاً ومساهمة واعيّة ، مشارِكةً الجماهير طريقها إلى تلبية حاجاتها وتحقيق مطالبها التي خرجت منتفضةً وراءها ، لذلك ــ وكما وسبق التنويه إليه ــ فإنّ وقفة التقاط الأنفاس ــ تلك ــ تقتضي في شموليّة المراجعة النقديّة للوسائل والغايات:

أولاً : مراجعة الذات ونقدها ، سبيلاً للإمساك بالتوجه ،

ثانياً : للوصول إلى الغاية ، وتصحيح ما كشفه واقع الشارع من عِوَرٍ تموضعيٍّ للمثقّف أقعده جزئيّاً ، ومن خللٍ في سلامة الأدوات وظرفيّة استعمالها ، أتاحت تناوله في مقتل ــ كما يتردد من الإشارة إلى عجزه ، ورصيفيّة موقعه الحاليّ ــ لعلّ أقلها تهميش بناء الثّقافة الحقّة ، أو محاولة حصارها ، والحطّ من دورها

كما أشرنا سابقاً :

أولاً ــ نقد المثقّف لذاته : إنّ توخّي الحذر في ممارسة نقد المثقّف لذاته ، تفرضها ــ ولا تبررها فقط وتجعلها مفهومة ــ محاولة الإمساك الصعب بموضوعيّة رؤيةٍ ، تحاول الإفلات والتحرر من ميلٍ ذاتيٍّ ــ مفهومٍ أيضاً ــ نابعٍ من جعل المثقّف موضوع محاكمةٍ يلعب فيها ذاتهُ ــ المثقّف ــ كلّ الأدوار : المتّهَم بحصريّة التهمة ، والمُدّعي المتّهِم ، والقاضي النّزيه بالمطلق ــ كما يُفترَض ــ ، والدّفاع الذي لا تقبل منه ممارسة الحيل ( القانونيّة !!) الشائعة ، من مثل القول المألوف بـ ( واجب إخلاص الموكَّل في تبني قضيّة الموكِّل ) وهو في الممارسة اليوميّة من صنف ( قول حقٍّ صادحٍ يُراد به باطل متاح ) ، أو السقوط في خطيئة خيانة الموكِّل والغدر بأمانة ثقته ، بتركه بلا صادق التبني أوقوة "الحجّة ــ الدفاع" ، أو واجب تقديم صريح النصح وأقومه ، إنّ دور محامي الدّفاع محوريّ ، في وجه ادعاءٍ مركّبٍ ( موضوعيّ ــ ذاتي ) ، وخاصّة ( نحن ــ أنا ) ، دون إقصاءٍ لـ ( هم ــ أنا ) ، بلا عملقة طاغية أو تقزيمٍ مقصود ،

فليس من الإنصاف في شيءٍ استسلام المثقّف ( للغة تعذيب الضّمير) بسبب انحطاط واقع هو جزء منه وليس بمبدعه ، بل ــ وبحقٍّ لا يُمتر فيه ــ هو إحدى ضحاياه الواسمات للظلم الشامل المستبدّ ، والظلاميّة القاتلة القامعة المعادية في جوهرها لطاقة الخلْق ومعنى الإبداع ، أواستغراق بعضه ( المثقّف ) في " مازوشيّةٍ " تطهُّريّةٍ ، مبدِّدة لطاقة الخلق ، في شعورٍ إشباعيٍّ مرضيٍّ وإرضائيٍّ ، بتسديد " الثمن ــ الدَّين " المتوجب على المثقّف ، بإدمانه طقوسيّة جلد الذّات والحطّ من شأنها ، إنْ لم يكنْ احتقارها قيميّاً ، بشيطنتها وتحميلها كلّ الآثام ، في صورةٍ تُبرز نرجسيّة المثقّف ، لاطهره أو صفاءه ، بل تكرّس نظرته النمطيّة إلى نفسه استثناءً لا يشبه الآخرين !!!

مما يردده ـ مؤخراً ــ بعض المثقّفين في توصيفٍ بينيٍّ ، فهذا طوباوي ومثاليّ ، وذاك عاجيّ الموقع متعالٍ ومعزول ، أو متعبٍ مستكين يائس قانط ناقم ، أوآخر يعيش الأيديولوجيا واقعاً إسقاطيّاً ، بلا نبضٍ لحياةٍ من حقيقةٍ معاشة ، مع أنّه ــ وعلى ضوء ما كشفه الحراك الحيّ للشارع العربيّ ــ من إمكانيّات ، فقد أُعطي المثقّف " اللحظة ــ الفرصة " لاكتشاف عضويّة ارتباطه بالفعل المجتمعيّ وانتمائه الحكميّ لديناميّاته ، التي لاتتصف دائماً بالكمال ، وهذا طبيعيّ ، رغم الحركيّة التي تبلغ أحياناً درجة الغليان ، بل والتّفجر كما نشهد ونعيش ، فالمثقف ليس من جنس الملائكة المتسامية ، وليس بالنبت الشيطانيّ المزروع ، إنّه فرد من جماعةٍ ، إنتاجُ مجتمعٍ ، ومساهم في إعادة إنتاجه المستمر التطوّر ، فيه كلّ خصائصه ، سالبها والإيجابيّ ، المكتملة والقاصرة ، وإنْ بتفاوتات ، ومنها صفته ــ الوظيفة ( مثقّف ) ، في تعريفٍ له ، وإقرارٍ بدوره كميّزة ، وليس امتياز ، ولذلك يصبح المطلوب منه يتعدّى ــ نوعيّاً ـ ما يُطلب من سواه ، فموقعه ــ الوظيفة ( مثقّف ) يُرتب عليه تجاوز الواقع رؤيوياً ، لتطويره باستشراف المستقبل ، وتحصينه في ساعة المحن من تفعيل عوامل الهدم والنكوص ، لا بالقفز على الواقع بالترفع البرجيّ عنه ، ولا بانسلاخٍ عنه إلى آخر متاح ، واقعيّاً متغرّباً أو متخيَّلاً ثقافوي ، مما يجعل من بعض ما يُطلب من المثقّف ــ أحياناً ــ وخاصّة من بعض المتثاقفين ، ما يشكلّ مادّة إساءة استخدامٍ لدوره وجهلاً بمقاصده ، فضلاً عن محاولة " كاريكاتوريّة " المثقّف ، بحشره في الحارات الضيقة وإلزامه " زواريبها " باسم الإلتزام وقضايا الجماهير !!! بمفرداتٍ وجمل شعبويّةٍ ، تمسخه بقصورٍ رؤيويٍّ فاضحٍ ، إلى عضوٍ مأزومٍ في عصبةٍ شعاراتيّة ، وشلّة هتّافين ، لا رياديّة لها ولا رؤيويّة ، بل تابعة للشارع ، لاهثة وراء مستجدّاته ، وصّافة لمشهديتها ، في تصويرٍ بالكلمات ، أصبح لغواً ، بعد أن اجتياحت إمكاناته المحدودة ، تقنيّات التصوير الرقميّ الحديث ، لا بالصوت والصورة فقط ، ولكن باللون وزاوية الرؤية والحركة الحيّة ، وبالأبعاد الثلاثة في تجسيم متاح ، يمكِّن من تحقيق أمانة نقل الحدث ، أو تزويره ، حسب المرسوم والمراد .

ولعلّ استعمال مفردة " مثقّف " على إطلاقها ، يبلغ حدّ الهواميّة والتعمية القصديّة ، في التعامل معه كتلةً مصمتةً واحدة ، تقفز على التّنوع الغنيّ القائم ، والتناقضات الحتميّة فيها ، بحكم تنوّع المشارب الثقافيّة ، وتفاوت القدرات الفرديّة والجموعيّة ، في الفهم والإستيعاب ، في القدرة على بلورة الإنتماء ، واختلاف وجهات النظر في قيميّة الثقافة ودور المثقّف ، وإخضاعهما لمعايير مختلفةٍ ، تحترم تنوعات المجتمعات المختلفة الحاضنة لهما ، ولادةً وتطوّراً ووظيفةً ، بل وتنضبط بتغيّر وتطوّر المعايير ذاتها بحكم حركيّة الزمن السرمديّة اللامحايدة ، في ديناميّةٍ دائمةٍ حيّة ، متفاوتة الحيويّة ، بين لحظةٍ وأخرى ، بين صعودٍ لولبيٍّ المنحى مثمرٍ ، وثعثّرٍ سكونيٍّ عقيم ، لكنْ لاهبوطيٍّ أوتراجعيٍّ أبداً ، فلا سبيل لإلغاء بعد الزمن ، ولا مجال لإهمال التراكم المعرفيّ ، فحتى النكوص والردّة لا تخرجان عن كونهما إنتاج ديناميّات فعلٍ يفرض إضافته المعرفيّة ، ولو السلبيّة المعطّلة لإيجابيّ التطوّر الحتميّ للمجتمع ، بل وفي ذات المجتمع الواحد ، من تلك الوقائع ــ المسلّمات تصبح مخاطبة المثقّف ككتلة متجانسة واحدة ، محاولة إلغاءٍ متعمَّدة ، وعدوانيّةٍ مضمَرةٍ حيناً ، سافرةٍ أحايين ، وأشدّها حين تنتقل إلى صراع ثقافات وظيفيّة هادفة ــ ولا ثقافة بلا وظيفة وهدف ــ في بحث محمومٍ عن " شخصنةٍ ــ ضحيّةٍ " يكون الإجهاز عليها ــ كما يُتَخَيّل ــ إعلان انتصارٍ نهائيٍّ ، لم يثبته التاريخ يوماً ، ولا أعتقد أنّ له من مكان في متن بناء المستقبل ، تلك النقطة وسواها سيكون لهما توقّف ووقفة في : ( ثانياً ) ــ الجزء الثاني من المقال

( يتبع ) ــ .


الحربٍ المفتوحة على سوريّة ، وإلى إشعارٍ آخر

من قلم د . منير وسّوف القوي

بداية ، يجب التزام التسميات الرسميّة لضرورة الدّقة وسلامة التحاليل ، فخطلٌ وخلطٌ الإشارة بتسمية ( الجامعة العربية ) إلى المؤسسة الرسميّة ( جامعة الدّول العربية ) ، فهي تُجمِّع أنظمةٍ قد تمثّل أو لا تمثّل ، ــ أو بين بينٍ !! ــ شعوبها ، أو ما يشار إليه رسميّاً بشعوبها ، مع أنّ الوقائع تؤكّد ــ ومنذ قيام الجامعة العتيدة بجهد بريطانيّ لا مشكور ــ أنّها جهاز ""دورٍ وظيفيّ "" يندرج ويتسق في نشاطاته مع السياسات "" الغربية حصراً "" في المنطقة الممتدّة من حدود الصين ــ شرقاً ــ إلى الشواطئ الشرقية للأطلسيّ ــ غرباً ــ ، وأنها لم تكنْ يوماً ( جامعة الدّول العربية ) معبّرةً عن مصالح وأمنيات الأمّة العربيّة ، حتى في المرحلة "" الناصريّة"" وما عانته "" مصر الناصريّة "" من سياسات مؤتمرات القمّة وتصالحيّة تلفيقاتها ، بل كانت ، تلك الجامعة !!

دائما ، في مواقفها وقراراتها إصدارات مهادنات ، وتجسيد توازنات ( النظام الإقليمي ' العربيّ ' الرسميّ ــ السايكس بيكوي ) وارتباطاته الملتبسة ، لتصبح مع نسخته المطوّرة ( النظام الإقليمي ' العربيّ ' الرسميّ ــ السايكس بيكوي ــ الصهيونيّ ) اعتباراً من عام ١٩٧٩ ــ عام اتفاقيّة ( كامب ديفيد ) التي أخرجت مصر من دورها الرياديّ العربيّ التحريريّ التّحرريّ ، إلى الخندق المضادّ ــ لتصبح ــ تلك الجامعة ــ بهلواناً حيناً ، ومنصّة رِدَّةٍ وخيانات أحياناً ، فما انتقالها من ( مصر ) إلى ( تونس ) واستمرار كلّ دول الخليج وممالك النظام الرسميّ في التواصل ـ بل والمنشّط ــ مع النظام الساداتي وخليفته بعد ذلك ، النظام السمبركاوي (/ الساداتي ــ المباركي / بعلّة الإرتباط المشيميّ وحبله الصهيوـ أمريكيّ !! ) ، رغم ما أُعلن عن طرد ( مصر ) الكامبديفيديّة منها ، إلاّ مثلاً عن دور تلك الجامعة البهلوان ــ الإلعوبان !!

وأمّا دورها كمنصّة خياناتٍ ورِدّة ، ومعاداةٍ لمصالح أمّة العرب ، فتلخصها مواقفها وسياساتها ، لا السمجة " المائعة المائصة " من قضيّة العرب المركزيّة ، أمّ نكبات العرب ( نكبة فلسطين ) ، منذ ( حرب الإنقاذ ١٩٤٨ ) وخياناتها ــ لا رسميّة مهازلها وكاريكاتورية خوضها فقط ــ ، إلى التخلي الصريح ــ السطحيّ الإخراج ، سخيفه ــ عن قوميّة وعروبة القضيّة الفلسطينيّة ، بانتصار النظام الإقليميّ الرسميّ لوافده الجديد ، وصنيعته النفطيّة المبكّرة ( الخط الفتحاوي العرفاتي ) الذي أوصلنا إلى ( اوسلو ) وشوهاء عطاءآتها ، وأخيراً ليس آخِراً ، مبادرة ( فريدمان ) ــ السعوديّة التقديم ( مبادرة عبد الله ) ــ التي استقرّ مزاد تسميّاتها ــ ببهارات مطبخ الجامعة التحفة ــ على ( مبادرة السلام العربيّة ) الملقاة ــ بابتذالٍ وذلّةٍ ، بهوانٍ ومسكنةٍ ، مثيراتٍ للقرف والإشمئزاز ، لا للشفقة فقط ــ إنْ كان لها من مكان ــ أكررُالملقاة على طاولة المفاوضات التي لا تعلم جهابذة الجان الزرق ــ بعد سنوات تسعة ــ أين هي ، وإنْ كان ( آرييل شارون ) قد حدد لها مصيرها والمكان الذي تستحقّه ، ساعة إعلان ميلادها البيروتي المشين ، إلى "" سلّة المهملات "" واصفاً إيّاها في ردّه المستجدى ، بكل صغار المبادرين ( أنّها لا تساوي قيمة الحبر الذي كُتبت به )

وفي ذلك أجدني ــ وبلا وخزة ضمير ، أوخوف من اتهامٍ بخيانة ، أو تهويل بسقوطٍ في خنادق العدوّ ــ أقول :

شكراً يا ( آرييل شارون ) ، شكراً من عدوّ لم ولن يكون إلاّ إيّاه ، ولكنّ الحقّ يُقال ، وهو في حقّ عدوٍّ أسطع وأبهى ، فلقد لقّنتَ هؤلاء القادة الأدعياء درساً في "" الجديّة وثبات الموقف ،فضلاً عن الإخلاص للمعتقد الصهيونيّ العنصريّ ، رغم بشاعته ، لكنّه ليس قابلاً ــ من مؤمنٍ به ــ أنْ يصبح عرضةً لسياسات التسوّل وعرضاً في بازارات مفاوضاتها "" وبذلك وفرت على أمّة العرب ــ حتماً من حيث لاتريد ــ انتظار " غودو " السلام الذي لنْ يمرّ يوماً في محطّة الحكّام ــ البهلوانات ــ الحواة ، أعضاء سرك الردّة المشبوه ( جامعة الدّول العربية ) ، الأشهر بطهارتها ونقاء سريرة أعضائها ، بشهادة ""عفاف بريطانيا "" صاحبة النطفة ــ الفكرة ، راعية الحمل المشبوه ، و"" القابلة القانونيّة "" مصدّرة تاريخ ميلادها !!!

تلك الوقفة التأريخيّة الموجزة ، في استعراض بعض المحطات المفصليّات ــ الفواصل لـ ( جامعة الدّول العربية ) مع فلسطين المغتصبة ، ونكبة العرب الكبرى أصل كلّ بلائهم ، اقتضتها ودفع إلى إبرازها ، والتشديد عليها ، دافعان :

الأول :

لإنعاش ذاكرة أمّة العرب ، وتذكير البعض المأخوذ ببريق الشعارات الشعبويّة ، بالتاريخ الأسود لسياسات وإنجازات تلك المؤسسة المشتبهة ( جامعة الدّول العربية ) ، الذي وسمها ، ومارسته ، بحقّ الأقدس ، والمركزي ، والجامع لأمة العرب ( فلسطين ) ، أرض المعراج المعجزة ، والمسجد الأقصى في قدسه الشريف ، مهد عيسى المسيح المصلوب ، وكنيسة القيامة الأسيرة ، في معتقل ورثة " قتلة الأنبياء " ( إسرائيل ) ، والأحدث ــ الحديث من مآثرها ، مواقفها المخزية الأخيرة ، من بربريّة الكيان الصهيوني في عدوانه الوحشيّ على ( غزّة هاشم ) ــ عام (٢٠٠٨ ــ ٢٠٠٩ ) ، والحصار الصهيونيّ ــ الإقليميّ ــ الدوليّ ( ناتوي ) الخانق ،المقيم على إنسانها ، وبالتأكيد جزء منه " عربيّ " مُعلن ، والذي حرّكت آلامه ومعاناته أربع أصقاع الأرض ، فماذا فعلت ( جامعة الدّول العربية ) ــ لا حيّاها الله ــ ؟!! وقبل ذلك ، ما الذي فعلته حين أباد الصهيونيّ ( مخيم جنين ) ؟ !!

أترك الإجابة لك يا أمّة العرب ، ولن استرسل للحديث عن ( لبنان ) ، فالحديث ذو شجون ، والشرح يطول ويطول ، ولن يقف عند مجزرة "" الحضارة البوشيّة المتوحشة "" في أرض ( العراق ) ، فالفيلم طويل ، وإنجازات " الناتو " في ( ليبيا ) بعض مشاهده المُظَهّرة ، وفيها دور ( المحلِّل ــ المجحِّش ) ،وغطاء الزِّنى المشرعِن ، الذي باشرته ( جامعة الدّول العربية ) ، وديوثيّ أحبارها ، في مستجد الأدوار المنوطة بالمؤسسة التّبّعيّة التابعة ، فلا يقولنّ قائل مختطفةٍ !! تلك هي ، وتلك حقيقتها ، منذ استيلادها مشروعاً بديلاً لمشروع وحدة الوطن العربي ، وحلم العرب بالغد المشرق العزيز والأمّة العربيّة الواحدة ( ولن يمنعني من ترداد ذلك ، لا اتهاماً بالشوفينيّة ولا بالعنصريّة ، ولا بخشبيّة القول ، ولا بتبشيريّةٍ بأفول المشروع القوميّ ، كما يردد كلّ ذلك ، والأكثر منه ، ليبراليوا المارينز، وحديثاً طبعتهم المحدّثة ( الناتويون ) ، وحديثوا الديمقراطية ( اللاديمقراطيين بل الثأريين العنفيين حتى بين تجمّعاتهم ) ، وأقليوا الإثنيات المتسترين على فجاجة عنصريتهم بصراخ المساواتيّة !! ، وكأننا ـ نحن العرب ـ قد حققنا ذاتنا ، ورفعنا الضيم عن أعناقنا ، وأنجزنا تحررنا ، وأقمنا "" دولتنا ــ الأمّة "" التي تسوم أقليّاتها الإضطهاد والعسف ، وتطبّق بحقّهم سياسات " الأبّارتايد "!! وربّما سياسات الترحيل !! ، وكأنّ وطننا العربيّ ليس ممزّقاً ومغتصباً ومهاناً إنسانه ، ومنكوراً عليه حقّه بالحريّة والتمتّع بخيرات وطنه ، وحقّه بلعمل والتنقّل بين أصقاعه بلا جواز السفر ووصمته ، ونظام الإسترقاق ولعنة الكفيل واستعباده ، نعم كلّ ذلك وأكثر ، على يد النظام الذيليّ ، اللاشرعيّ ( النظام الإقليمي ' العربيّ ' الرسميّ ــ السايكس بيكوي ــ الصهيونيّ ) ، كل ذلك واقع وحقيقي ، ولذلك سأرفع الصوت بحقيقتي ، ولن يرهبني التهاتر ولا فحيح التهم المرسلة أو نعيق غربانها الكئيب .

الثاني :

وارتباطاً بـ ( الأول ) ، فإنّ الإصرار على التمييز بين حقيقة مؤسسة ( جامعة الدّول العربية ) وحقيقيّة علاقتها بالإنسان العربيّ ، ووضعها في السياق الوحيد لما تمثّله ، من مصلحةٍ ، وما تظهره من صورة ، بلا أيّة رتوش ، هو للنظام اللاشرعي ( النظام الإقليمي ' العربيّ ' الرسميّ ــ السايكس بيكوي ــ الصهيونيّ ) التّابع ، وعليه فإنّ كل ما يصدر عنها ، فعلاً وقولاً ، إنمّا يمثّل ــ حصريّاً ــ ذلك النظام وارتباطاته ، فلا يجب أن ( يطوش الحجر ) ، ولا أنْ تنحرف البوصلة ، فيرتدّ الكيد إلى نحر العربيّ بدلاً من نحر من كاد له ، فيتحقق المراد المرسوم من توجه خاطئ ضدّ الذات أولاً ، وضدّ الذات دائماً ، بالهجوم على ( العروبة والعرب ) !! في ""دوشة"" لا براءة في ملامحها الكالحة ، فالحرب المفتوحة على سوريّة ، وتحت كلّ الذرائع ، المحقّة المشروعة بأقلويتها ، والمفتعلة الباطلة بساحقها ، إنّما تستهدف سوريّة وجوداً وانتماء ( الموقع والهويّة ، التاريخ والدّور ) ، فلا سوريّة بلا عروبة ، ولا سوريّة بلا دورها ( قلب العروبة النابض ) بحقّ ، واقع قرر التاريخ حقيقته ، عمّدتّه ( حطين ) بالمنجز الطاهر لـ ( صلاح الدّين ) ، ورفعت على أرضها شاهدة تأكيد حتميّة انتصار الأمّة في ( عين جالوت ) ــ وطبعاً ( حطين ) و( عين جالوت ) في فلسطين ، الجنوب السوريّ قبل سايكس ــ بيكو وأقلام رصاص خرائطها ــ ، وتصبح العروبة شوهاء بلا سوريّة ، مقعدة بلا دورها ، مقتلعة من أصالتها وحصن عفافها ، مرمية إلى أحضان عاشقٍ عابرٍ ملول ، تجذبه حاسة شمه الجشعة لرائحة نفط وغاز آبار أرضها ، فلا يجب أبداً ، بل ومن الممنوع والمعصية ، مهاجمة العرب والعروبة ، فهو إطلاق رصاص في الصدر من مسدّسٍ صاحبه ، خيانة للذات ، وفي بعضه تأكيد للبشرى الكالحة الشامتة ، أنّ المشروع العربيّ مات ، وــ فقهياً ــ إكرام الميت دفنه !!!

ومما لاشكّ فيه أنّ المشروع العربيّ حيّ ، وإنْ كان في أزمة ، والشارع العربيّ ناطق ، ولو حوّر المحوّرون ، وطفا نهازوا الفرص السياسيّة والإنتهازيّون ، والواقع السوريّ وأزمته يقدم الشاهد الأفصح ، وغداً حين ينقشع دخان الحرائق المتنقّلة ، وفي معظمها مدبّرة ، سيكون لسورية قولتها وردّها ، ولن يتأخر كما يتوهمون . وأمّا ورقة العقوبات الإقتصادية ، المشرعة على ( سوريّة ) ، من قبل ( جامعة الدّول العربية ) ، ففي سياق تلك الحربٍ المفتوحة تأتي ، وعلى شعب السوري أولاً ثمّ على النظام ، جديدها قديم ، ودون استهانةٍ ولا تهويل ، مُتوَقعة هي ، بل ولن تكون خاتم المطاف ، لكنّه قدر الأحرار أنْ يدفعوا ، وفي خزائنهم الكنوز ، وكنز الحريّة لا يعرف النضوب ، وهو ما لا يعرفه ولا يفهمه ، ولن يمتلك مفاتيحه التُّبع العبيد .


السبت، 26 نوفمبر 2011

العلاقات السورية ـ التركية والأمن القومي العربي ج ( 7 ) :


"" أيّتها السياسة التركيّة المستجدّة منذ بداية الأزمة في سوريّة ، لماذا تنكئين الجراح ؟ !! "" :

من قلم د . منير وسّوف القوي

أطرح السؤال ، لا من باب الجهل بالإجابة ، فالمواقف والإصطفافات أصبحت أكثر من واضحة ، لا و لا أنتظر فذلكةً من الخطّ السياسيّ المستجدّ لحزب العدالة والتنمية التركيّ أنّه مع شعوب الجوار !! فأنظمة الحكم عابرة والبقاء للشعوب ، فلقد انغمست السياسات التركيّة المستجدّة منذ بداية الأزمة في سوريّة ــ وبانحيازٍ صريح ــ كطرفٍ مساهمٍ في إذكاء أُوارها وتسعير لهيبها ، وليس كوسيط مساعدٍ في إطفاء سعار نارها :

فأولاً : ما مارسته سياسة المبعوثين الرسميين الأتراك من "" تدخليّة "" في الشأن الداخليّ السوري تحت مسمّى ""إسداء النصيحة "" بفجاجة اسلوب ( الأخ الأكبر الوصيّ على الأخ الأصغر القاصر قليل الخبرة ناقص النضوج ) !! متجاهلة أو جاهلة ما لذلك من تأثيرٍ عكسيٍّ لدى الأغلبيّة السّاحقة من الشارع السّوري قبل قيادته ، ذلك الشّارع الذي حاول الصّفح ، وإنْ لم ينس يوماً ممارسات وهيمايونيّة ( الباب العالي ) وظلمه وظلاميّته ، فـ ( خازوق السلطان سليم ) وجناياته عام (١٥١٦) وعلى امتداد عقود تلت ، ومشانق السّفاح ( جمال باشا ) وعصابتة الطورانيّة ( الإتحاد والتّرقي ) لأحرار الشّام عام ( ١٩١٦ ) في ساحات الشهداء في ( دمشق وبيروت ) ، من المستحيل نسيانها ، وإنْ صفحت أجيال الشّام عنها وترفّعت عن دعوات الثأر وغرائز الإنتقام !!! فلماذا أيّتها السياسة التركيّة المستجدّة ، لماذا تنكئين الجراح ؟ !!!

وثانياً : كيف سمحت أيّها السيّد ( آردوغان ) لنفسك باعتبار مايجري في ( الدّاخل السّوريّ ) ، (شأناً داخلياً تركيّاً ) بحجج واهية ( ٨٠٠ كم من الحدود ، قرابات عائليّة عابرة لها !! إلخ... ) ، فأين هي الحدود البريّة ، حتى الصحراويّة منها ، التي تخلو من مثل تلك التوصيفات ؟ لكنّها المرّة الأولى التي تستعمل " رسميّاً " كذريعة للتدخل في بلد جوارٍ في تجاهلٍ لسيادته واستقلاله ، فحتّى الولايات المتحدة لم تكن بتلك الصلافة والعنجهيّة في تعاملها مع جاراتها من ( جمهوريّات الموز ) !!! .

وثالثاً : من المستحيل أنْ يخفى على السياسة التركيّة صاحبة مقولة ( صفر مشاكل ) مع دول جوارها الإقليميّ ، أنّ تدخلّها المنحاز إلى طرفٍ مفعِّلٍ ، وهو( الإسلاموي السياسيّ ) بلا تلاعبٍ بالكلمات ، و( بنوعيّة عنفيّة ) في الأزمة السورية ، في مجتمعٍ ( موزاييك ) ديني ،طائفي ، اثنوي ، قوميّ ، وهو واقع موضوعيّ ،لاينكره متابع منصف ، سيرفع منسوب التهييج والتحريض ، ويعبدّ المسالك أمام ممارسات " الإستقواء " ورفض كل عقلانيّةٍ في المقاربات بحلول سياسيّة ، هي وحدها الحل للأزمة ومنع بلوغها مأزق استعصاءٍ ، يستدعي التساؤل إلى أين ؟

ومن المستفيد ؟

فسوريا لا شكّ متضررة ، ومقولة ( صفر مشاكل ) يُسقطها منطق مجريات الأمور وصيرورات مآلاتها في وقائع راهنها .

ورابعاً : هل يظن السادة القادة في تركيّا أنّ ( النظام السوري ) ــ كما يسمّونه ــ وإنْ أنكروا غالبيّة شعبيّة له يُقرّها الكثيرون ، سيستمرّ في تجرّع كاسات ( صبر ايوب ) أمام ممارساتهم التدخليّة ، اللادبلوماسيّة وبعضها تعدّى حدود الأدب والذوق إلى سويّة شتائميّة ، على لسان الزعيم المسلم !! ، نظيف اللسان !! ( آردوغان ) بوصفه الرئيس السوري بـ ( الجبان ) !! والذي أقل ما يُقال في الردّ عليها : ( عيب ) ، فهذه لغة سوقيّة ، وقلّة أدبٍ وذوق لا تليق بالرجال ، فكيف بالزعماء المنتخبين الذين بشّروا بـ ( انتصارهم ) دمشق والقاهرة وبيروت ؟!!

فـ ( يا حيف ) يا سيّد ( آردوغان ) بلغة أهل سوريّة المهذّبين ، المترفعين عن الصغائر ، كتلك التي تأتيها .

وخامساً : هل ينام الثلاثي ( آردوغان ـ غول ــ أوغلو ) على حرير حساباتهم المتعجرفة الخاطئة ، أنّ ( النظام السوري ) ــ أيضاً كما يسمّونه ــ خائف ومتردد ، و و و ، وأنّ أوراقه مدّعاة ومفلسة ومحروقة ؟ !!!

إذاً فإليكم بعضها الممكن والمبرر على ضوء ممارسات الثلاثي التركي أعلاه :

ــ ورقة حقّ المعاملة والتعامل بالمثل ، والتي لا يمكن أنْ يرفضها إلاّ متحيّز يكيل بمكيالين أو أكثر ، فمقابل الدّعم السياسي لفصيل مجلس اسطمبول المعارض ( المجلس الوطني السوري ) ، من حقّ سوريّة دعم ( حزب العمّال الكردستاني ) سياسيّاً بفتح ( بهو الفنادق وصالاتها ) في الأرض السوريّة لمؤتمراته ونشاطاته في الحدّ الأدنى ، وإنْ مازالت القيادة السورية تعتبر أنّ تركيّا لا تُختزَل بالثلاثي ( آردوغان ـ غول ــ أوغلو ) ، ولا السياسات التركيّة بسياسة حزب العدالة التركيّ وهلوسات سادته وساسته .

ــ ورقة تسليح المعارضة التركيّة ، والسماح لها بممارسة نشاطها المسلح واللوجستي ، عبر الحدود السوريّة الطويلة ، ردّاً على تهريب السلاح عبر الحدود ( التركيّة ـ السوريّة ) باتجاه واحدٍ إلى الدّاخل السوري ، ليصبح بالإتجاهين عابرًا للحدود بالعدل والقسطاط !!! بل وأكثر من ذلك ، ورداً على الرعاية التركيّة الرسميّة لما يسمّى بـ ( لجيش السوري الحرّ ) ونشاطاته المعلنة من تركيّا ، لن يُلام ( النظام السوري ) بسماحه لحزب العمّال الكردستاني ، تحديداً ، باستئناف نشاطه المسلح ، انطلاقاً من بيئة حاضنة مؤاتية ، يعرفها بالتأكيد الأتراك ،هي (الأقليّة الديمغرافيّة الكرديّة ) العابرة للحدود بين البلدين ، وهو ما جُرّب سابقاً في نهايات تسعينيّات القرن المنصرم ، مع ماترتب عليها من نتائج واتفاقيّات ثنائيّة ، أمنيّة وعسكريّة ، نقلت العلاقات بين البلدين من شفير الحرب بينهما ، إلى التكامل ، وعلى كل الأصعدة ، مما بشّر بمستقبل جميل للشعبين السوري والتركي ، أسقطت حلمه ، وترجماته الواقعيّة ،السياسةُ التركيّة المستجدّة منذ بداية الأزمة في سوريّة ، ولا مكان هنا للترداد الببغائي أنّ الرئيس السوري أنذاك ، ( الرئيس حافظ الأسد ) ، قد تراجع أمام التهديدات الحربجيّة التركيّة ، وأنّ سوريّة ضحّت بزعيم حزب العمّال الكردستاني السيّد ( عبد الله أوجلان ) ، وغيرها من روايات التفسيرات التآمريّة االمتهافتة ، أمام وقائع الجيوبوليتيك وحساباته ، فضلاً عن اختلافات الواقع والمعطيات ، بين تلك الحقبة ( نهايات تسعينيّات القرن المنصرم ) وتشابكات اشتباكها ، وموازين علاقات اصطفافاتها ومتغيّراتها ،الإقليميّة منها والدّوليّة ، وبين ما نعيشه اليوم من انقلاب للأدوار أولاً ، وثانياً من استقطابٍ محاوريٍّ إقليمي ، وصراعٍ دولي ، لا يغيبان عن رصد متابع .

ــ إنّ المجتمع التركيّ لا يقلّ موزاييكاً عن المجتمع السوري ، بل إنّ حدة تناقضاته ، ومنذ إنشاء تركيّا التي نعرف على أنقاض الباقي من إرث ( الرجل المريض ــ دولة الخلافة العثمانيّة ) ، لم تخمد أبداً ، رغم كل السياسات التركيّة المتّبعة تاريخياً ، ومحاولات حلولها المختلفة ، بما فيها العنفيّة ، وبعضها مجازر موصوفة ، وبعضها جرائم استئصال عرقيّ ( المجازر ضدّ الأرمن والأقليّة اليونانيّة ) ، وبعضها سياسات تمييزٍ عنصري قومجيّة ( ضدّ الأكراد والعرب والأرمن أيضاً ) ، أو طائفيّة ( مثالها الصّارخ : السياسات التمييزية المهمِّشة اللامساواتية ، على قاعة المواطنيّة المنكورة ، والتي طبقتها الإدارات التركيّة جميعها بحقّ مايربو على الملايين العشرة من المسلمين العلويين الأتراك أو السوريين الحاملين للجنسيّة التركيّة ، برضىً منهم أو بالإكراه ، في إقليم ( أضنه ) و(لواء اسكندرون ) السليب ، نعم السليب ، ( ولنا عودة إلى هذا الوضوع بالذات لحساسيته وضرورة الّدقة والتدقيق في تناوله ) ، أقول :

في مثل واقعٍ كهذا للمجتمع التركيّ الموزاييكيّ المعقد التركيب والمشكلات ، وبعضها معضلات تاريخيّة ، ماذا لو أصبح لسورية سياستها التدخليّة فيه ، عملاً بحقّ الردّ ، لا دفاعاً مشروعاً عن النفس فقط ، ولكنْ عملاً بقاعدة ( المعاملة بالمثل ) ،المبررَة براغمايّاً سياسياً ، بل وأخلاقيّا أيضاً ، ؟ !!

فما رأيّ الثلاثي ( آردوغان ـ غول ــ أوغلو ) ؟ !!!

أمّ أنّها نشوة "نصرٍ انتخابي" يا قادة حزب العدالة ، لن يدوم هذا أولاً ، فتركيا ليست أنتم فقط ، وثانياً يبقى نصركم البرلماني يخصّكم أنتم كأتراك ، ولن يفيد فيه صراخ ( آردوغان ) الخطابيّ الشعبويّ أنّه نصر للإقليم وعواصمه ، فلكم يبقى ولغيركم ما كان ولن يكون ، فلشعوب الإقليم خياراتها في القاهرة وطهران وبيروت ، ناهيك عن دمشق ، وليس الناخب التركيّ من يقرر عنها ، ولا منطق صناديق وصايته والخارجون من أجوافها ، فقليل من التواضع مفيد ، وجنون العظمة موذٍ لصاحبه قبل الجوار ، فليُكف عن الصراخ وقرع فارغ الطبول ، فإنّ أسوأ الأعراس لعرس ( الريّاس ) !! فهلا توقف تشنيف آذاننا المسكينة بنشاز ضجيجه االمضجرالمملّ ؟ !!!

الاثنين، 21 نوفمبر 2011

العلاقات السورية ـ التركية والأمن القومي العربي ( 6 )

من قلم د . منير وسّوف القوي


في مقالاتٍ خمسةٍ سابقات ــ منشوراتٍ بذات العنوان ــ ابتداءً من شهرآب عام ٢٠٠٨ وحتّى أيلول ٢٠١١، تدرجتُ في ألوان الرؤية الراصدة لتطور العلاقات السورية ـ التركية بحصريّتها ، واحتمالات انعكاساتها على الأمن القومي العربي بكليته ، من أزرقها الهادئ الواعد ، إلى رماديّها الميّال إلى سوادٍ مُنذرٍ في المقال الخامس المعنون : بــ ( السيناريو الأسود والبراغماتي " آردوغان " ) ، المنشورعلى موقع ( داسك سيريا ) في شهر أيلول الأخير

في تدرّج ألوان الرؤية تلك ، لم يكن للرغبويّة مكاناً ، فليس في حقائق السياسة تسطيراً للأمنيات ولا لورديّ الأحلام أو لسواد الكوابيس ، بل فيها قراءة وقائع تحترم االمصالح المؤسسة على أرضيّة ثابتة ، وأُولى تلك (الحقائق ــ الوقائع) مسألة الجغرافيا ، وما يُبنى عليها ويتبعها بحكم منطق الأمور من حقائق بنيويّة لاحقة ، علائقيّة مُؤسَسَةٍ ومُؤسِسَة ، ديموغرافيّة وفيها حياتيّة حتى اليوميّة منها، وجيوبوليتيكيّة تتراوح من التقاء المصالح والتعاون ، إلى تناقضها وصراعها ، وتوظيفها كلَّ مايتاح دون استثناءٍ ، حتى للحروب وشلّال دمائها دورً في عداد أدواتها ، سيّما إذا ارتبطت الجيوبوليتيكيّة المحليّة ــ الإقليميّة بأجنداتٍ عالميّة ، لها استراتيجيّاتها المبرمجة التكتيكات ، الممتدة على السنوات والعقود وربّما أطول زمنيّاً !!!

فإذا كان من الممكن إرادويّاً طيّ صفحاتٍ من التاريخ رغم استحالة الإلغاء ( الحقبة العثمانيّة مثلاً ومثالها الأقرب تاريخ الحروب الأوروبيّة المعروفة بالحربين العالميتين الأولى والثانيّة ) ، فإنّه من المستحيل القفز على حقيقة الجغرافيا وتداعيات تأثيراتها ، فالتواصل الجغرافيّ التركي ــ السوريّ ومثله التركيّ ــ العراقيّ يفرض خصوصيّة علاقات لا يتمتع بها واقع الإنفصال الجغرافي التركي ــ ببقيّة الإمتداد العربيّ ، لا في المغرب العربي ، ولا في المشرق العربي ، فضلاً عن جنوب جزيرة العرب ، بل ويصبح التواصل الجغرافيّ التركي ــ السوريّ ومثله التركيّ ــ العراقيّ لازمةً بنيويّةً وبوابة وحيدة ، تفرض حتميّ عبورها على ــ ولأيّ بناءٍ علائقيّ استراتيجيٍّ ثابت بين الدولة التركيّة وكلّ أصقاع العرب ، وبالتأكيد لا يشكّل البحر الأبيض المتوسط بديلاً للتواصل البريّ أعلاه وإنْ شكّل البعد الرديف بين جغرافية أطرافه ، والتي لا تختلف عنها بين الشمال الأفريقي وجنوب أوروبا . يُضاف إلى الحقيقة الجغرافيّة السابقة حقيقة ديموغرافيّة كرديّة على طرفيّ الحدود ( التركية ــ العربية من ناحية والتركية ــ الإيرانية من ناحية أخرى ) تمتعت بخصوصيّة المسكوت عنه في السياسات المتبعة إلى الأمد القريب ، حيث برز إقليم كردستان في الشمال العراقيّ بعد الإحتلال الأمريكي للعراق عام ٢٠٠٣، واعترفت السلطات السورية بالمشكلة المزمنة لمواطنيها الأكراد في الشّمال الشّرقي السّوري عبر التصدي لملف ( التجنيس ) ، ورفع الظلم التاريخي عن تلك الشريحة من المواطنين.

بينما ما زال الجانب التركي يختزل مشكلة مواطنيه الأكراد إلى بعدٍ أمنيٍّ بحت ، منذ أكثر من عقدين أو يزيد ، بل ويصرّ على رؤيته الضيقة المتأزّمة تلك فهماً ونهجاً وحلول ؛ تلك الحقيقة الديموغرافيّة ــ التي لا يمكن تجاهلها ــ تلعب دوراً مؤسِساً وأساسيّاً في العلاقات بين تركيا والعالم العربي ، في كلّ تمظهراتها ، الإيجابيّة والسلبيّة ، يفوق بما لا يقاس ما يُعزى من أدوار وتأثيرات للخصوصيّات المعزوّة للأقليات الأخرى بكل تلاوينها . من هنا فإنّ تتبع مختلف جوانب الأزمة السوريّة في تطورات أيامها وساعاتها الأخيرة ،داخليّا وإقليميّاً ، عربيّاً ودوليّاً ، يجعل من العامل الجغرافي ( التواصل البريّ للجغرافيا السوريّة ــ التركيّة) والتداخل الديموغرافي ( الأقلوي على جانبيّ الحدود ) مسألتين تلقيان بتأثيرات خصوصيّاتهما على المجريات اليوميّة للأزمة السوريّة بشكل لا يشبه أو يتشابه مع الحالات الأخرى المستدعاة على حدود سوريا مع العراق أو لبنان أو الأردن لأسباب متعددة منها :

١ــ القوة الإقليميّة للدولة التركيّة من ناحية وأطلسية دورها التاريخي المعروف من ناحية أخرى .

٢ــ طموحات الدور التركيّ التي لم تعد تخفيه سياسات حكومة حزب العدالة والتنمية إقليميّا وحتى أطلسيّاً في صراع القوى والمصالح الدّوليّة في منطقتنا ،خاصّةً بعد بروز التسابق على الإستحواذ على مصادر الطّاقة المتوقعة في الحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط .

٣ــ عودة الدور التركي إلى الإنسجام الكليّ ،والإنضواء بلا مواربة ــ رغم قنابل الدخان السياسيّ الدّعائيّ والدعاوي ــ مع سياسة الإدارة الأمريكيّة الراهنة في مرحلة الإنسحاب الأمريكيّ من العراق ، في رصٍّ صفوف للإصطفاف (الأطلسي ــ الإعتداليّ العربي ) بمواجهة الجبهة المقاوِمة المتبلورة في قوسها من إيران إلى فلسطين ــ كما يتوقع المراقبون ــ بعد إنجاز الإنسحاب الأمريكيّ المبرمج من العراق في نهاية العام . ٤ــ اشتداد الهجمة شراسة على الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة واستهداف سياستها بالإتهامات ــ حتى السينمائيّة رديئة الإخراج ،مثالها الآني : مخطط اغتيال السفير السعودي لدى الولايات المتحدة الأمريكيّة ( عادل الجبير) ــ والمؤتمرات والقرارات والتسريبات لأخبار خطط مناورات عسكريّة صهيونيّة ميدانيّة ناجزة ، والتي ــ حسب ذات التسريبات ــ لايمنع وضعها موضع التنفيذ إلّا خلاف إجرائي ( أمريكيّ ــ صهيونيّ ) يتعلق بالتنسيق بين الطرفين فقط لاغير ، أي أنّها قضيّة توقيتٍ لا أكثر !!! زد على ذلك نشر اشاعات صفقات تسليحيّة لذخائر نوعية ( صفقة ٣٩٠٠ قنبلة خارقة للتحصينات بين دولة الإمارات العربيّة المتّحدة والولايات المتّحدة الأمريكيّة ) ، وإدخال سلاح الجوالأمريكي القنبلة العملاقة الخارقة "" للبلوكوزات "" زنة ١٤ طن ، أحدث منتجات شركة "" بوينغ "" التي تحملها الطائرات القاذفة المقاتلة " ب٢ " التي لا تكشفها الرّادارت ، إلى آخر ترسانة الحرب النفسيّة والميدويّة المدروسة والمكثّفة ، لا ضدّ إيران فقط ، ولكنْ ضدّ القوس المقاوم من إيران إلى فلسطين ، مروراً بالسّاحة اللبنانيّة وانقساماتها ، ومحاولات إشعال تناقضاتها ، على أنّ الحلبة الساخنة تبقى الأزمة السّوريّة وتسارع تطوّر سيناريوهاتها ، ما طُبّق منها أو ما هو قيد التنفيذ ، أو البدائل المحتملة من خططها فعلى ما يبدو أنّه :

أولاً ــ ثبت استحالة السيناريو ( التونسي ــ المصري ) في سوريا ، لانتفاء إمكانيّة الوقيعة والفصل بين النظام ورأسه كما حصل بين الرئيس التونسيّ المخلوع ( زين العابدين بن علي ) ونظامه ، هذا الرئيس الذي لم يستجب لصيحات الجماهير الغاضبة ــ كما يشاع ــ أبداً ،دون استهانةٍ منّا بإرادة تلك الجماهير وتضحياتها ، ولكنْ كان للأمر الأمريكي له بالتنحي فصل القول وفيصله ، ولتخلي جيشه عنه طلقة الرحمة على رئاسته ، تماماً كحالة زميله المصري المخلوع الآخر ( حسني مبارك ) ، مما لم يتوفر في سوريا فلا الجماهير المليونيّة احتلت الساحات ، خاصّة في الحواضر المدينيّة الكبرى ، ولا النظام ضحّى برأسه ليستمر في حماية شخصيّاته ، ومواقعه ومصالحه ، بل على العكس تماماً فلقد تشخصن النظام في رئيسه كحامل مشروع مستقبل الإصلاح والتغيير ، ووحدة الوطن وسلامته ، فضلاً عن أنّه ليس معروفاً عن الرئيس الأسد استزلامه أو تبعيّته لروما العصر ( الولايات المتّحدة الأمريكيّة ) بل إنّ كل مواقفه وسياساته تجاه اليانكي وسياساته تُذكّر بتاريخٍ كتب على أرض سوريّة أيضاً ، تاريخ الملكة ( زنّوبيا ) وهي تتصدّى لـجبروت ( روما ) غير عابئة بالثمن ، وفي حسابها الأخير ما تورِّثه للأجيال من تاريخٍ تفخر به وتبني عليه .

ثانياً ــ سقط السيناريو الناتوي الليبي اعتباراً من لحظة إشهار الــ ( الفيتو ) المشترك ( الروسيّ ــ الصينيّ ) بوجه المشروع الغربي ( الفرنسي ــ البريطاني ــ البرتغالي ) المقدّم إلى جلسة مجلس الأمن لإدانة العنف ""الدّولتيّ من وجهة النظر الغربيّة "" في سورية مع ما يترتّب عليه من قرارات وإجراءآت دوليّة مناسبة لاحقة .

ثالثاً ــ يبقى النموذج العنفي الذي نشهده بكل عوامله ومحفّزاته ،تمظهراته ونتائجه وتمخضاته ، فليس مصادفة الإقرار وإنْ مخاتلةً بوجود جماعات العمل المسلح في الشارع السوري من قبل مجموعات معارضة الخارج ( المجلس الوطني السوري برئاسة السيد برهان غليون، مجلس الإنقاذ السوري برئاسة السيد هيثم المالح ، رئيس التنسيقيّات السيد محمّد رحّال ، إلخ من الرؤساء الكثر والناطقين والناشطين والمحللين والمحرّمين الذين يملؤون الشاشات المتحفزة المتحمسة ولله فقط ولعيون الثوّار السوريين الأشاوس ) !!! ، مقروناً دائماً بلازمة التبريرات والتأكيدات ، من مثل حقّ الدفاع عن المظاهرات السلميّة !!! من قبل ( المنشقين الشرفاء عن الجيش المجرم المحتل !!! ) ، ومسؤوليّة النظام عن أسباب العنف وتسبيبه ، بعد طول نكرانهم (مجموعات معارضة الخارج ) للعنف الذي مارسه "" هؤلاء السلميون المسالمون "" الذين طالما سخر الذين نصّبوا من أنفسهم ناطقين باسم ( الثورة السلميّة ) من الإشارة إليهم بـ ( المندسين ) من قبل السلطات التي أصرت على التمييز بين هؤلاء ( العنفيين ــ الوظيفيين ) وبين المتظاهرين السلميين حقاً أصحاب المطالب المشروعة المحقّة ،التي استغلّ هؤلاء العنفيّون حِراكها ، لتتتالى التصريحات ــ التدخلات ، ومن قبل الناطق باسم وزارة الخارجية الأمريكية ، الذي سمح لنفسه بالطلب من المسلحين عدم الإستجابة لبيان وزارة الدّاخليّة السّوريّة المانح للمسلحين ــ الذين لم تتلطخ أياديهم بالدماء ــ العفو لقاء تسليم سلاحهم وجنوحهم للسلامة والسلم ، ثم ليُعلَن من تركيا ، وبشكلٍ شبه رسمي " تركي " ، وعلى لسان العقيد الفارّ ( رياض الأسعد ) المستلم من نفسه قيادة ( الجيش السّوريّ الحرّ ) !!! ( يذكرني بجيش لبنان الحرّ ) أنّ جيشه العرمرم بالآلاف ( ١٠ ــ ١٥ ألف ) قد بدأ عملياته ، وأمّا ميدانها فعلى اتساع الساحة السورية ، وبنك أهدافها هي ــ بتواضعٍ ــ كل الجيش العربي السوري وأمّا التسليح فهو خفيف إلى متوسط ، ومصدره ــ وهنا تبلغ الملهاة قمّة بلاهتها ــ هو المُشترى من عناصر ( الأمن السوري الفاسدة ، حسب قوله بالحرف ) ، فتصوروا عناصر أمن تبيع سلاحها ، وتعود لتنام قريرة العين بعد مائدة عشاءٍ عامرة ، دون مجرد سؤالها أو مساءلتها عن سلاحها ، وفي كل جيوش الدنيا يحاكم العسكري "" ميدانيّاً "" على مسؤوليته لمجرد فقدانه سلاحه ، ولو ضياعاً فكيف بالبيع ؟ !!!

حقاً لقد أجبرني ذلك الرجل على الشّك بقدراته العقليّة ، لا بحثاً عن أسباب مخففة لارتكاباته ، بل لازدراء منابر توفرها الغرضيّة والتعبويّة الميدويّة المنحازة لأمثال هؤلاء ، ضاربة عرض الحائط بوعيّ المشاهد وحقّه في الاحترام وخاصّة احترام مداركه ككائن عاقل ؛ إلّا أنّ ( جيش النكتة هذا ) يجب النظر إليه بجديّة لتواجده على أرض دولة تركيا التي يعلن مسؤوليها تدخلها في الشأن السوري الداخلي ،بل وصرّح رئيس الوزراء التركي السيد ( آردوغان ) أنّ الوضع في سوريا شأن داخليّ تركيّ !!! فهل يشكل هذا ( الجيش الفرقعة ) صنف من النوع الطرواديّ الزائف لما يستقبل من الأيام ؟ !!! فإذا أُضيف للمشهد الإجتماع ( العربي ــ التركي ) في المغرب ، ومقررات اجتماع وزراء الخارجيّة العرب الذي رافقها ، وقراره التعجيزي التدخلي بالطلب من سورية التوقيع خلال ثلاثة أيام ــ وقيل بلا اعتراض أو نقاش !!!ــ على بروتوكول ( لجنة المراقبين ) في قفزٍ استفزازي على تمتع سوريّة بصفة ( الدولة ذات السيادة ) وبلغة تخلو من لياقة التخاطب الدبلوماسيّ ، بل وبلهجةٍ مهددةٍ متوعِدة ، وانبراء المراقب العام لجماعة ( الإخوان المسلمين ) في سوريا ( السيد محمّد رياض الشقفة ) إلى الطلب من تركيا التدخل في سوريا وإنْ بمخاتلة فاقعة ، في تناغمٍ مع جوقة الحرب النفسيّة المستنفرة ، تصبح الصورة أكثر جلاءً في تظهيرها . فهل السياسة التركيّة الحالية ستجرّ بلدها إلى الدور الذي اضطلعت به ( الإرجنتين ) في ( نيكاراغوى ) السندنستية عام ١٩٨٧ فيما عُرف بحرب ( عصابات الكونترا ) بدعم وتمويل من إدارة الرئيس الأمريكي ( رونالد ريغن ) حينها ؟ !!!

وأمّا اليوم فتمويل الدور التركي سيكون عربيّاً بلا أقنعة ، وستكون الرعاية والتوجيه أمريكو ــ صهيونيّ بكليّته كما أصبح التصريح به بلا حاجة للإستنتاج أوالتلميح . سيناريو بديل الحرب التي تُرجَّح استحالتها ، لأسباب ليس المقال مجال حصرها ، سيناريو لا يتمنّاه وطنيّ لوطنه . وأعود إلى التشديد على عامل الجغرافيا الذي يسمح باستدعاء نموذج ( عصابات الكونترا ) وييسره ولو مخياليّاً ، بالمقابل فخصوصيّة العامل الديموغرافي العابر للحدود ( السّوريّة ــ التركيّة ) يلعب واقعيّاً ضدّ تطبيق النموذج النيكاراغوي المُستدعى ، ولكنْ تبقى للسياسات الحمقاء المندفعة ــ خاصّة بعامل الإنتهازيّة السياسيّة ، ويقينيّة تقريريات الإيديولوجيا ــ أخطاؤها المرعبة وحتّى القاتلة .....


الثلاثاء، 15 نوفمبر 2011

أيّتها المعارضات السّوريّة ...إنها سوق السياسة وإنّه ــــ والله ــــ المزاد

من قلم : د. منير وسوف

إنّ بسيط استعراضٍ بانوراميٍّ سريعٍ لتطور تعاطي الإعلام ـــ خاصة المرئي الناطق بالعربيّة ـــ والمهتمّ بالشأن السّوري منذ بواكير البداية في الأزمة "" السّورية ـــ المأساة "" ، يستلفته استحضار وجوه وأسماء وتسميات وشعارات، وتغييب وجوه وأسماء وتسميات وشعارات ، وفق المراحل والأدوار والبرامج ، بل وحتى وفق المقاصد والتطورات إنْ لم يكن التطويرات ، المفترضة منها والإفتراضيّة ، فضلاً عن الوقائع على الأرض وزوايا تصويرها ومواقع وتموضع المصورين !!!
وتبسيطاً "" للإستعراض ـــ العرض "" سيكون مفيداً تفقيره ( من فقرة وليس من إفقار ) مع مراعاة التسلسل الزمني ما أمكن في مسلسل اللامعقول السّوري ، المستمر العرض ، لدراما الدم والدموع والمآسي ، في السيناريو المتطور لحظيّا ، ولو أنّه المؤطَّر تصميميّاً ـــ ومنذ عقدين على الأقل ـــ والذي كان كتاب ( شيمون بيرس ) "" الشرق الأوسط الجديد """ إعلانه الأشهر ، وقد ذاع صيته للمرة الأولى بعد حرب الخليج 1991 وأثناء مفاوضات ""التسوية"" بين كيانات النظام الرسميّ العربيّ والكيان الإسرائيلي ( وبالأخصّ في مؤتمر مدريد) ، بعد أن تم إنضاجه في الثمانينات ومطلع التسعينات في بعض دوائر الخبرة والبحث في واشنطن ( للمراجعة : الشرق الأوسط الجديد للمستشرق برنارد لويس ) ، ومن ثمّ تبنيه وتطويره من قبل حزب العمل الإسرائيلي( مرحلة اسحق رابين ــــ شيمون بيرس )، وجرى الإعلان عنه ، وقبلته العديد من الدول العربية ورأت فيه تحولاً كبيراً في تاريخ المنطقة ، لا بل وتحوّلاً في الصراع "" العربي ـــ الإسرائيلي "" !!!
ثمّ ما تبعه من تعديلات وتطويرات ، من ( شرق أوسط كبير ، إلى موّسع ، إلى غيره من الخرائط المشاريعية ) على ضوء التطورات ـــ التحولات : ""الجيوــ بوليتيكوــ استراتيجيّة ""، منذ انهيار المنظومة السوفيتيّة وانفراد ""الإدارات الأمريكيّة"" باتخاذ القرار في السياسات الدوليّة وتوجهاتها وحتى توجيهها، وبالشكل التدخليّ المسلح بلا أقنعة ( احتلال العراق ومأساته : مثله الصارخ ) ، على أنّ القاسم المشترك في كلّ "الدراسات ـــ السيناريوهات" و"التصميمات ـــ المشروعات" ، المرسومة في دوائر الخبرة والبحث لمنطقتنا( في "واشنطن" وحلفائها ، "وخاصة في "تل أبيب" المعنيّ اأوّل ) هو المصلحة "" الأمريكيّة ـــ الإسرائيليّة المترابطة عضويّاً "" في منطقتنا ، راهناً ، ومستقبلاً في المدى المنظور على الأقلّ .
من وجهة النظر تلك يمكن الإختزال الحوادثي لمتابعة المجريات المتلاحقة ، وإقتصار العرض ( تعسفيّاً لتعذر الإحاطة الشموليّة والشاملة ) لما يجري على مسرح اليوميّات السّوريّة في تعاطي الإعلام ـــ خاصة المرئي الناطق بالعربيّة ــ في استحضاره أو تغييبه ، أو حتّى تنكيره أو استنكاره "" وجوه وأسماء وتسميات """ وابتكاره لشعارات متجددة ، تماشياً مع إعلانها والهدف السياسيّ المرحلي السريع أو المسرع ( أسبوع أو أيّام ) في سباق مع الزمن !!!، وتهميشه لأخرى ، بل والسخرية من رافعيها وشيطنتهم وحتى نقل تظاهرات تخوينهم والتنديد بهم ،( باسم الأمانة الصحفيّة والموضوعية المهنيّة و ............ إلى آخر المعزوفة المحفوظة ، وبلغةٍ حقاً خشبيّة ) ، كما حصل في صحن الجامعة العربيّة بين المعارضات السّوريّة ، المشهد الذي أطلق عليه ـــ بحقٍّ ـــ بعض الظرفاء ،وبكوميديّة سوداء ساخرة ، إسم :""" موقعة الجامعة """ متناسياً ذلك الإعلام ـــ وبتعمُّد غبيٍّ أومتغابي يستغبي المشاهد ـــ أنّ متابعه " " يُميّز جيّداً بين " الإعلام المهنيّ الموضوعيّ " وذلك الذي يغادر رسالته تلك إلى دور " الناشط السياسيّ المتحزّب " : هذا أولاً ، وثانياً : إنّ الأحداث مازالت حديثة حيّة ، وبالتالي فالمراهنة على النسيان وتعب الذاكرة رهان خاسر ، وإذاً فلنبدأ بــــ :
آ ـــ ""الفقرة ـــ المرحلة"" الأولى : ( شاهد عيان ) ، وقد غادر هذا الـ ( الكومبارس ) خشبة المسرح بعد أن ملّ المشاهد دوره
وقد استجاب المخرِج بعد إنهاء تجهيز البديل لنفس الدّور، والعذر في استخدامه كان استحالة تواجد المراسل الصحفيّ المهنيّ ، بسبب منع ( النظام السوريّ ) تلك القنوات من التواجد الميدانيّ لتغطية الحدث !!! تبرير ينقصه قويم المنطق وتبرره الديماغوجيا لا غير ، فالأمانة المهنيّة قيمة أخلاقيّة ثابتة لا يبرر عذر ـــ أيّاً يكون ـــ استباحتها أوالتلاعب بمصداقيتها .
ب ـــ ""الفقرة ـــ المرحلة"" الثانية : ( الناشط السياسيّ ) ، وقد حلّ مكان ( شاهد عيان ) ، وبنفس الدور مع زيادة الجرعة ( الثوريّة ) والتحريضيّة لتتلاءم مع اللبوس الجديد ، في تقاسيم متناوبة مع ( ناشط حقوق الإنسان ) ومراكزه المتنقّلة ، والذي لا يختلف أوتختلف في الدّور أو المحتوى ، ولا عجب حين يكون السيناريست ذات السيناريست ، والمخرج نفس المخرج ، على ذات المسرح ، وإدمان ذات الجمهور المتابع ولكنْ لا المأخوذ .
ج ـــ ""الفقرة ـــ المرحلة"" الثالثة ، قد تداخلت زمنيّاً ، مع المرحلتين السابقتين ، وأسّ حضورها استضافة ( مثقّفين ومحللين سياسيّين ) من كل المشارب ، لتتالى الخطابات المؤدلَجة والمؤدلِجة ، الواقعيّة قليلها والرغبويّة جُلّها، في استعراضات تسويقيّة إلاّ قلّة ، ومُوحاً بها مسترسلة إنْ تجاوبت !!! ، أومُقاطَعة لضيق الوقت إنْ خالفت !!! ، وللأسف بعضها سوقيّ المستوى والذوق ، بل وخادش شتائمي ، مع الإستزادة والمزيد من الشحن العاطفي ، والتحشيد التهييجيّ والإيحاء الفتنوي ، والتلاعب بالعواطف الدينيّة لجمهور جريح ، بل وجرحه ملتهِب ، هنا أصبح واضحاً الفرق بين الثقافيّ والثقافويّ ، بين الشعبيّ والشعبويّ ، بين المسلم المتديّن الحق ، والمسيّس الإسلامويّ الذي لا يجد غضاضة في استخدام قدسيّة الدين الأبديّة ورقةً في دنيوية السياسة الزائلة وآثامها ، بين الأستاذ الرساليّ الرؤيوي ،والمربي المسؤول بحقّ ، وذلك حامل اللقب بلا جدارته .
أسماء وشخصيّات كانت نجمات البرامج والشاشات غابت أو غُيّبت ، ( "المفكر العربي" عزمي بشارة ) قال ما عنده ، أو ما عليه قوله بمناسبته، وتفرّغ كما يبدو لشؤون تنظيم مؤتمرات المعارضات السوريّة وهمومها ، ( د .بسّام أبو عبد الله أستاذ القانون ) لم يعد في جعبته مزيداً توظفه ( قناة الجزيرة ) لاستفزاز المستفَزين الجاهزين لحفلات الردح ، فضلاً عن تجاوز الحدث السّوري فترات التحمية والتشجيع إلى مباشرة مباريات القتال الدامي المميت بلا رحمةٍ وبلا عقل ، ( د. طالب ابراهيم ) أصبح ثقيلاً على السياسات الإعلامية المعتمدة بمحاججاته وقدراته ، أمّا (د. أحمد الحاج علي ) فلن يتقدم في انتقاده ، أو يُضيف مستجيباً لإيحاءآت مستجوبه ـــ المذيع ، لنصل إلى الإعلامي ( شريف شحادة ) الذي يُتصل به ليُقاطَع ويُغالَط ، وكأنّه لا يكفيه سوء الإتصالات !!!
هكذا مرّ كلّ هؤلاء (الموالون للنظام السوري كما يوصَفون ، طبعاً .عزمي بشارة لم يعد منهم !!! ) ولم نعد نسمع لهم صوتاً أونرى لهم صورة ، بالتواقت مع مقاطعات وتوقيع عقوبات بحقّ وسائل إعلاميّة سوريّة !!! ( "قناة الدنيا" السّورية مثالها ) ، لكأنّ فقرة المحلل السياسيّ قد استنفذت أغراضها أو أُصيب بالكساد سوقها فأُحيلت إلى الأرشيف أو إلى مستودع السلع المنتهية الصلاحيّة ، فهل الحفظ أو سواه من مآلات إعلاميّة أصبح مصيرها ؟ !!!
كلّ التلاوين عُرضت في لوحة صخبٍ إعلاميٍّ مشوِش واللوحة لم ينته استعراضها ، وإنْ كانت خيبة المشاهد في الرئيس من خطوطها ، وتدرج المحبوك من مزج وخليط ألوانها اللاعذراء أبداً ، هو المهيمن على الإنطباع السائد حتى اللحظة .
د ــــ ""الفقرة ـــ المرحلة"" الرابعة والمستمرة العرض منذ البداية ، باستضافة أو استدعاء ــــ لا فرق ـــ المعارضين السياسيين ، وعرض المطلوب من منطقهم ومناظراتهم ،وحتى المقبول من رؤيتهم المستقبلية للأزمة وتصورات مخارجها ، تسويق آرائهم وبعضها هوامات وشطحات أحلام يقظة ، تقديم رجل السياسة في بعضهم وتلميعه، والتلويح بتصلّب الدكتاتور المستبد في بعضهم الآخر وتمريره ، إبراز ""المراد المطلوب تسويقيّا سياسياً"" من مؤتمراتهم وتجمعاتهم وتحالفاتهم وعلاقاتهم ، وإشهار تسميات تنظيماتهم أو التعمية عليها حسب العرض والطلب ، هكذا وبقدرةٍ "" ميديوية "" مبرمجة يغيب إسم ( تنسيقيّات الثوة السوريّة ) وأصوات ممثليها في المدن والحارات ـــ هذا إذا كانت قد وُجدت أو كان لها الحجم والإنتشار المُدّعى ــــ و يُغيّب لمصلحة ( الهيئة العامّة للثورة السّوريّة ) ، مولود " ثوريّ " آخر أكثر استجابة لمتطلبات سياسات ( المجلس الوطني السوري ) ورعاته الإقليميين والدوليين .
أمّا تسميات أيام "الجمعة" واختياراتها ، فهو الأكثر مدعاة للتساؤل ، ليس بسبب طبيعة التسمية وحسب ، ولكن في حصرية التسمية بأيام " الجمعة " وكأنّ الـ " ثورة " في كمون بقيّة الأيام ، أو في وضع التزامٍ بالدوام الرسمي واحترامٍ لمقتضياته ولوائح الدوام !!!

إنّ مما يدعو للمزيد من التساؤل والأسى ، إدراك أكثرنا لمدى التلاعب التاريخي المديد بأقدار أوطاننا ، وبمصير أمتنا ، ومع ذلك نقتتل ونتذابح ونتناحر !!! وفي العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين مازلنا نجترّ مأساة ( قبائل قتلت قبائل ) !!!
أنعيش في عصرنا ككل الأمم المعاصرة ، أم أننا ما زلنا ـــ وكما يبدوــــ في ذلك العصر الدموي الأسود الذي يعتزّ به البعض ؟ !!! ...
أفليس من صوت للعقل ؟ أفليس من صحوة لضمير ؟
ألم نخرج بعدُ من بداوتنا وجاهليتنا وتخلفنا وثأريتنا وكلّ ما لا يرفع الرأس من خصال مشينة ؟
أم أنّنا تهاونّا فهُنّا فغدونا في ""سوق السياسة "" سلعةً طالها الكساد ، حتى وصلت سويتها القيميّة في التسويق إلى لغة المزاد ؟ !!!!

ستربتيز عربي ثوريّ على أرصفة العالم‏‏


من قلم : د منير وسوف





من يتذكّر فيذكر تلك المرأة الحمصيّة ( هالة الفيصل ) وهي تمشي عارية في أمريكا احتجاجاً على لا شرعيّة الإحتلال الأمريكيّ للعراق ( وكأنّ هناك احتلال شرعيّ في تاريخ العالم !!!) ؟


لم تكن تحتجّ وتستنكر جريمة العدوان الأمريكي واحتلاله لبلدٍ عربيٍّ (العراق) فقط ، فهذا جانب من صورة العري العربيّ الذي رمّزته باحتجاجها عارية في شوارع أمريكا ،ولكن وفوق ذلك ، فقد كان إعلاناً عن زيف دثار شرف "النظام العربي الرسميّ" اللاشرعيّ ، بل والذيلي الرثّ ،الذي تواطأ وتآمر وساهم ،فدبّر تيسير ممارسة زنى الإحتلال الأمريكي ،لا في العراق فقط ، بل في كلّ شبر من وطن العرب .


تلك المرأة السوريّة ،العاريّة ،المحتجّة لم تهتبلها مناسبة لاستعراض أنوثتها في عرض " ستربتيز" شوارعيٍّ ، في بلادٍ لا يشكل العريّ فيها جريمة ولا جنحة ، بل ولا عمل طائش خارق للعادة ، إنّما أرادتها ، وبالدرجة الأولى رسالة لكل عربيٍّ ، ولكل حرٍّ في هذا العالم ، تفضح درجة الهمجيّة " الراقية " للرأسماليّة المتوحشة ، وتعريتها وأدواتها ، بما فيها "النظام العربي الرسميّ" بكل أصحاب الجلالة والفخامة والسموّ فيه ، من كلّ رمز شرف ،حتى من ورقة التوت .
وأمّا اليوم ، فاحتجاجها العاري لم يعد فقط كل ما ذكر سابقاً ، وليس هو لوحة حيّة ،وباللحم العربي العاري المستباح ، لفنانةٍ رسّامة " بورتيه " أبداً ، بل يرقى لمستوى نبوءة إنسان معذَّب ينتمي للعدالة المفقودة في عالم جائرٍ ، مُزيَّف ومُزيِّف ، كلّ مافي سياساته وممارسته بضاعات أسواقٍ رخيصة ، مغشوشة ومزيَّفة ، فهل يصدّق عاقل في كلّ العصور ، لا في عصرنا فقط ، ومشاربه ، فانضم إلى قافلة أعدائه المنادين بإزالته ، ومكتشفاً ظلمه وطغيانه وجنونه وعدأنّ قاتل ( غيفارا ) غيلةً ، يرفع راية عدالة ثورته ، ويصدح بإعلاء شعاراتها ؟ فيصبح مجرموا الـ ( ناتو ) أبطال تحرير الشعوب المنتهكة حقوقها ، وخاصة في أرجاء ( بلاد العرب أوطاني ) ؟ !! ويصبح (جيفري فيلتمان) بطلاً " ثوريّاً ميدانيّاً " وقائد عمليات إنجازات ثوريّة ، وتنبري السيّدة ( هيلاري كلنتون ) لتضم إلى حقيبة مهامها وظيفة آمر فصيلة تنفيذ " فتوى القتل القرضاوية " بحق ( القذافي ) ؟ بغض النظر عن استحقاق القذافي القتل عن أفعاله ، أم واجب العقلاء وحقه ، في علاجٍ من أمراضه التي يصدح بتعدادها ، من انقلب على أمس خدمته أو صداقته ، ولكلٍ غاياته م صلاحه وعائلته للحكم ، وكل ذلك صحيح ، ولكن توقيت الإكتشاف ـ المعجزة يثير التساؤل !!، خاصة بعد سنوات حكمه المديد لأربعة عقود ونيّف، من الغرائبية المنفّرة والإستبداد الكريه .
إنّها جوقة الستربتيز السياسي بكل عناصر تمامها ، وقد اعتلت بصوت عالٍ مسرح ما يسمى المجتمع الدولي ( البراغماتي الأمريكي حقيقة ) ، والأكثر كاريكاتورياً وقبحاً وفجاجةً فيه، بعض الابطال الدمى والثوّار الكومبارس الذين لم يعد لهم من نشيدٍ وطني إلاّ الإيديولوجيّة الجلبيّة ( من نسبتها الثابتة لـ " أحمد الجلبي " الأشهر) المتوسلة التدخل الناتيوي بكل السبل وبأيّ ثمن ، حتى لو بمصير " العراق ـ العبرة " بلا اعتبار ، أو بالمسار الليبي التدميري الدامي بلا حساب ، إلاّ حسابات سانّي الأسنان على ثروة ليبيا ومستقبلها ، أو ولوغ أصحاب الثارات والأحقاد وعقد النقص المزمنة في دم الإخوة باسم لأهداف السامية لثورة الحريّة على الديكتاتورية ، بعد أن كان معظمهم ، وإلى الأمس القريب ، وبالإسم ، من أعمدة نظام القذافي ، قبل انقلابهم عليه في أوضح ( انقلاب ) بمعونة من كان الجميع يسمّيهم ( القوى الإمبرياليّة الخالقة والراعيّة للأنظمة الديكتاتورية القمعيّة ومنها نظام معمّر القذافي ) ، فهل تلك القوى الإمبريالية ، عينها، أصبحت وبلمسة سحر " معجزةٍ ثوريّة "، راعيةً لثورات " الربيع العربي " ؟


وهل أصبح يطلق اسم " ثورة " بغوغائيّة وارتجال على كل ما هبّ ودبّ من حركات ؟


حتى ولو كانت انقلاباً صُراحاً من أطرافٍ في نظامٍ تتصارع مع أخرى ، راكبةً المطالب المحقّة لجماهير الشعوب المحرومة المهمّشَة ؟!! نعم : الكرامة عمود الإنسانيّة الفقري ، لا جلدها ولا كساءها فقط ، وبالمقابل فالمهانة والذّل والعبوديّة للحاجة ، هو السحق الهمجيّ للإنسانيّة وتمزيق جلدها ، وهتك ستر عفافها فضلاً عن إلقاء ثوبها إلى نار الظلم والإستبداد .
نعم : العدالة ، بكل قواميس تعريفاتها ، وصادق أشكال تطبيقاتها ، شرط الإنسانية اللازم ، في إبراز حقيقة تمظهراتها ، وبالمقابل فالفساد والمحسوبيّة والسلوك المافيوي والتسلقيّة والأرزقيّة ، هي من بعض السلوكيات المرضيّة الشّاذة المشوِّهة لسفر العدالة ، والمجهِضة حتى للجنين من أسس مفهومها ، فضلاً عن تجسّدها ، والتمتع بسواء يناعها .


نعم : الحريّة أسّ شروط الوجود الإنساني ، والهواء الذي لا غنى لحياةٍ عن ضرورته ، وبالمقابل فالقمع والكبت والإرهاب ، الفرديّ والفئوي والدّولتي والإمبريالي، وبكلّ أشكاله ، الجسدي ، والفكري الايديولوجي المقدّس أو الوضعي ، والمتخلف الشعبوي ( وهو الأخطر في مجتمعات التخلف وبقايا البنى والمفاهيم القروسطيّة ، المستمرّة برعايةٍ دؤوبةٍ ومبرمجةٍ ، في ظهرانينا ) هو القاتل والخانق والوائد لكل حريّة ، حتى حريّة البكاء التى تصبح مكبوتة ومراقبة ، بل مشروطة ومُجنّسة ( من جنس ) ، فالبكاء للنساء لا للرجال !!! مع كل ما يلحق من ملاحق التنميط الثقافوي المتخلف الذي أزاح ثقافة التنوير الحقّة ، محتلّاً ، وبصيغ الوباء ، معظم منظومة الذهنية العربيّة القائمة ، في نكوصٍ صاخبٍ ، عن العصر الحديث والعصرنة الحداثيّة وعليهما ، إلى سالف عصور انحطاط عُرفت في تاريخنا ، ووسمت بسوادها ، لا مرحلتها فقط وما تمخضته من رزايا مشوِّهاتها ، بل مازالت قصّة مرضنا المزمن المقيم وجوهره ، وواقع الحال شاهد نطوق .
نعم نؤمن بالجماهير ، بحراكها ، بحقوقها وعدالة مطالبها وخياراتها ، وخاصةً بحقّها في "الكفر" بوجود " الجلّاد العادل !!" والأنظمة الأبوية المتصلبة المتسلطة ، وبحقّها في الوصول إلى سنّ نضجها وممارستها مسؤوليتها ، عن نفسها وأوطانها ، فكلنا من تلك الجماهير التي تشعر بحقّها المهضوم ووجودها المهان ، ليس اليوم فقط ، وليس ممن يُسمَّون بحكامها فقط ، وهم ولاة ودمى ، ما خلا استثناءآت اغتيلت أو في طريقها ، ولكن منذ أصبحت ( سايكس ـ بيكو ) خريطة طريق العرب إلى ما رُسم لمستقبلهم اللازاهر الذي نعيشه ، لكنْ أن تصبح الجماهير العربيّة ومطالبها المحقّة مطيّة لكل راكب ، وبئراً لكل صاحب دلو ، حتى لدلاء أمثال ( الفرنسي ـ الإسرائيلي ب.ه.ل : برنار هنري لوفي ) الغني عن التعريف ، فضلاً عن اصطفافٍ لا ينتهي من أصحاب التنظيرات النيوليبراليّة الجديدة ، الذين استفاقوا على " العربي الثائر " ، وساحاته وميادينه ، وبانتقائيّة مقصودة ،فتركوا لحبرهم العنان تنظيراً وتأطيراً ، استشراقيّاً في قصوره المعرفي بالحدّ الأدنى ، وصولاً إلى مداه المتشفي ، بالتحريض واستدعاء الثارات من مرحلة نهوضٍ قوميّ عربيٍّ ، بشيطنتها ، وربط كل موبقات الواقع الذي صنعه وكرسه التحالف اللامقدّس ( الغربي ـ الصهيوني ـ الإقليمي العربي ) بها ، ونسبته غالباً للمرحلة الناصرية بعينها ، ( حتى أنّ " ونيس المبروك " اللّيبي ، وعضو الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين ، لم يفكر في حديثه بعد مصرع " القذافي " على " قناة الجزيرة " مع المذيع " محمد كريشان " إلاّ بتغيير إسم شارع " جمال عبد الناصر " في " بنغازي " !!! مما أثار استهجان حتى المذيع ، وعلى الهواء مباشرة ) ، مع التبشير الشامت بنهاية المشروع النهضويّ العربي ، وسقوطه تحت سنابك غزو الإسلام السياسي القادم منتشياً بنصره على صهوات " ناتويّة " مجاهدة !! ـــ اللهم ثبّت علينا نعمة العقل فلا نُجنّ ، وصحيح الإيمان فلا نضلّ .
أوليس ذلك هو العهر السياسي العاري بلا أقنعةٍ أو رتوش ؟


أوليس ذلك هو قيادة العطاش إلى السراب الخادع عوضاً عن الماء القراح ؟


فكيف إذا أصرّ البعض ممن وجد نفسه فجأة قائداً بلا أهليّة ولا مؤهَّل ؟ وثائراً عبر شاشات لها أجنداتها وولاة أمرها !!، بلا ماضٍ نضاليٍّ معروفٍ له ، هذا إنْ وُجد ، ويتكلم باسم البيت الأبيض الأمريكي وموظفي وزارة الخارجيّة الأمريكيّة ومتحدثينها ، وينصت إلى نصائحها ـــ التوجيهات ، خصوصاً بعدم الإستجابة لنداءآت ( النظام السوري ) والحوار معه ، ورفض حتى المهل المقدمة من وزارة الداخلية السوريّة للمسلحين !! الذين لم يعد ينكر وجودهم أحد ، لتسليم السلاح بمقابل طيّ الصفحة وعدم التعقب والعقاب ، في سابقةٍ معبِّرة وخطيرة ، وأصبح له في الـ ( كي دورسيه ـ وزارة الخارجيّة الفرنسيّة ) عضداً ، وفي وزارة الخارجيّة البريطانية ناطقاً ، وفي اسطمبول ""حاضرة سلطنة بني عثمان "" مقرّاً وحاضناً ، ومن مجلس انقلاب ليبيا الناتوي ( المجلس الوطني الإنتقالي الليبي) صنواً وقدوة ومعترِفاً ، ومن ملوك وأمراء النفط ، الثوّار الغيارى ، ممولاً ( ومرشداً أعلى ) لديمقراطيّة مثاليّة بعراقة ممارستها ، يطبقونها في مجتمعاتهم ، خاصةً في ( البحرين ) !!! إنّ فجور هؤلاء البعض من قنّاصي فرص تعبير الجماهير عن عذاباتها ، ومطالبتها المشروعة بالإصلاح والتغيير ، يرقى إلى سويّة خيانة قضايا تلك الجماهير ، بل وتعهير مشروعيتها ، حين تُدقُّ الأسافين والشروخ بين حريّة الشعوب وحريّة أوطانها ، بطلب الأجنبي المستعمِر ( والدم العراقي والليبي مازال يهرق على يديه ويد صنائعه ) في تنازلٍ مخزٍ عن السيادة والإستقلال ، الذي طالما كان هدفاً ونشيداً صدحت به حناجر نفس ذات الجماهير الهادرة .


إنّه الـ "" الستربتيز الثورجيّ "" الذي يمارسه بعض قراصنة المعارضات وقنّاصي فرص الفراغ السياسي وتصحراته في قاحل حياتنا السياسيّة العربيّة ، ليس في الحارة وبين الأهل فقط ، بل وعلى أرصفة العالم ، فرفقاً بالشعوب وعذاباتها ، ولن يترفق بها أحد إنْ لم تبادر هي للرفق بحالها ، فهل ستبادر تلك الجماهير لأخذ زمام أمورها بيدها ؟


أم سيستمر كيل الضربات على رؤوسها حتى يستمر دوخانها وفقدانها القدرة على التوجه بعد كلّ العبث المتعمّد ، والتشويش المتواصل على صحيح الإتجاه ؟ !!!