الخميس، 27 أغسطس 2009

مقال: سلاح جديد وشاهد ملك آخر ..

سلاح جديد وشاهد ملك آخر ..

بقلم د.منير وسّوف القوي

يبدو أنَّ حكومة المنطقة "الخضراء" في بغداد قد صدّقت نفسها أنّها حكومة صافية الشرعيّة،بقياسها ومقاسها !!
وأنّها تمثّل إرادة الشعب العراقي بالمطلق بلا مساءلةٍ أوحتى تساؤلٍ أو سؤال !!

والأدهى أنّهاتحاول افتعال معارك مع أشقاء العراق هروباً إلى إلى الأمام ـ إنْ كان لها من أمام !! ـ بالأمس مع الكويت ،واليوم مع سورية ، هروباً من حقائق لا بدَّ من تذكيرها بها ،مع كبير الظّن أنَّ نسيان تلك الحقائق مستحيل ،في ظلِّ تتابع مفاعيلها التي لم تتوقف منذ الغزو الأمريكي ـ البريطاني ـ الذيولي (الذيولي = الدول أذناب أمريكا المشاركة في الغزوّ اللاشرعي للعراق واحتلاله ـ حتى لايُنسى هؤلاء أيضاً ـ فبعضهم ،ومن النظام الرسمي العربي ،لازال يتابع أدواره المرسومة في العراق وغير العراق أيضاً) .

من تلك الحقائق :

١ـ أنَّ العراق مُحتلّ لاشرعيّاً من قوةِ احتلال أجنبيّة ،وأنَّ مقاومة الإحتلال حقّ مشروع ،لا يغيِّر في تلك الحقيقة (الإحتلال) وحقيقة حقّ الردّ عليها (المقاومة) كلّ القرارات الدوليّة الإستدراكية المشرعِنة ،ولا جميع الإنتخابات المفبركة تحت حراب الإحتلال .

٢ـ أنّ حكومة "المنطقة الخضراء" هي حكومة أمرٍ واقع ،وحكومة مُعيَّنة من المحتل الأمريكي ،وستبقى كذلك ما دام الإحتلال قائماً ،وكل وسائل الإتفاقيات ـ الماكياج لن تنفع .

٣ـ أنّ حكومة "المنطقة الخضراء" لا تمتلك شرعيّة ادعاء تمثيل العراق وهي التي تعجز عن التدخل في أحد أقاليمه على الأقل (الشمال العراقي).

٤ـ أنّها وبتركيبتها الطائفيّة وذهنيّة مسؤوليها "الدُّمى"،تُقصي مُركّباً أساسياً ـ وعربيّاً ـ من مكوِّنات الشعب العراقي ،وتمارس إقصائيّة استئصاليّة له ولممثليه، في الوقت الذي يُرسِّخ المكوِّن الكردي كيانيَّته الأقاليميّة على حساب وحدة العراق ،مما يجعل صورة دورحكومة "المنطقة الخضراء" جليّة في المرسوم لمستقبل العراق (مخطط " العراق ـ الأقاليم الثلاثة "،الذي يدعو إليه "جو بايدن" نائب الرئيس الأمريكي "باراك أوباما" ،وبعض رئيسيِّ الحضور في تركيبة "نظام الأمرالواقع" في بغداد) .

٥ـ أنَّ هنالك ملايين الفارين ـ اللاجئين العراقيين من "نعيم"عدالة المحتل ونظام الأمرالواقع" في بغداد ،وأنَّ حصّة سورية من هؤلاء تتجاوز المليوني هارب ،وسورية تلبي حاجة هؤلاء من منطق الأخوة والواجب القوميّ ،دون اعتبار لمواقف النظام في بغداد ،لا أيام "صدّام" بالأمس ،ولا"نظام الأمرالواقع" اليوم ،ولن يكون المعيارـ المحدِّد الموقفي لسورية يوماً غير انتمائها لأمّة العرب وموجبات الأصالة القوميّة ،والأخوّة الإنسانيّة ،وليتذكّر " حكّام الأمرالواقع البغدادي اليوم " : كيف عاملتهم سورية ،بالأمس ،حين كانوا الفارين من بطش "صدّام" ،أمْ أنَّ الجاحدين ،أيضاً، لايتذكّرون ؟!!.

٦ـ أنّ حكومة "المنطقة الخضراء" لم تقدّم شيئاً ملموساً لهؤلاء ،اللهّم إلاّ دعواتهم للعودة ،مرفقة بالتلويح بالمحاكمات والمحاسبات والتصفيات ،وعلى الرأس من ذلك القانون اللاعادل ،واللاقانونيّ بالمطلق ،القانون الثأريّ البدويّ ـ والكاوبوي الأمريكيّ ، المسمىّ ( قانون استئصال البعث ) !! .

٧ـ أنَّ العراق جزء لا يمكن عزله "جيوـ بوليتيكوـ استراتيجيّاً" ،ولا تكتيكيّاً ،عن محيطه ،ومحيطه العربيّ بالخاصّة ،وفي القلب المُؤثِِّرـ المُتأثِِّر منه ""ســوريـة "" بالتحديد ،والواقع المعاش شاهد ناطق ،وليسأل النظام الصنيعة ،"نظام الأمرالواقع" ،في المنطقة الخضراء ،صانعه الأمريكي عن النبأ اليقين !!.

٨ـ أنَّ سـوريّة جادّة في قبولها التعامل مع "نظام الأمرالواقع" ،في المنطقة الخضراء ،لالشرعيّة يمثلها كما يُتوهَم ويُصَوَّر،ولا لنفعيّة انتهازيّة رخيصة ،ولكن لواقعيّة سياسيّة ،تأخذ في الحسبان معاناة شعب العراق الشقيق ،ومستقبل العراق المُهدَّد ،دون المساومة على الموقف المبدئي الثابت في رفض الإحتلال ومفاعيله ،نتائجه ومفرزاته ،وفي رأس الأهداف زوال الإحتلال والحرص على وحدة العراق واستقراره .

٩ـ أنَّ سوريّة تدرك ديناميّات الحراك السياسي في منطقتنا العربيّة ،وتعرف بدقّة عوامله ،الدّاخليّة والإقليميّة والخارجيّة ،وتعرف محدّداته ومحرِّماته ،لا في العراق فقط ،ولكن في فلسطين ولبنان أيضاً ،وتعرف بالتحديد من هو "شيف الأوركسترا" ،وكيف يختلط المحلي بالإقليمي بالمصالح الدوليّة الهمايونيّة ،وتفرز الأدوار بلا أوهام رغبوية ،فتميِّز بسهولة دور الممثل المتقن والكومبارس البديل والمخرج الحقيقي لا المنفذ فقط ،فالسيناريو جديد ـ قديم ،والتاريخ موصول من نوري السعيد إلى نوري المالكي ،أمْ يظنُّ ممثلوا "نظام الأمرالواقع" ،في المنطقة الخضراء أنَّ مرض النسيان عربيٌّ كما يُشاع ؟!! ألا بِئس ما يظنون .

في ضوء ما سبق ، وعلى ما يبدو ،فقد قررت ذات الدوائر اللاعبة بالأمس على معزوفة " محكمة الحريري "،إعادة الكرّة بذات المعزوفة النشاز ،ومع سورية بالتحديد ،ربّما لكسب الوقت أمام ارتباكها وتعرقل مشاريعها ، ولشغل ناخبها عن مشاغلها وتعهداتها ،ومشاكله المستعصية التي لا تملك حلاً لها ،وهنا في هروب للأمام بامتياز ،من أمريكا الأوباميّة المتخبطة بين حروب خارجيّة يستحيل الإنتصار فيها ،وبين أزمات ماليّة تتابع فصول إفلاس بنوكها ،وصحيّة تتعرقل خطط إصلاح ضمانه ،وسياسات خارجيّة لم يطل الوقت لاكتشاف ازدواجيّة لغتها ،لا بالتصريحات المتناقضة للرئيس أوباما "المنمق اللغة" ونائبه بايدن "ذوالتاريخ السياسي المعروف" فقط ،ولا بالمقابلات المصحَحة والسياحيّة للسيّدة " كلينتون "وزيرة الخارجيّة الأمريكيّة ،ولكن بالمواقف العملياتيّة للإدارة الأوباميّة الأمريكيّة ،من كولومبيا في أمريكا الجنوبيّة ،إلى أفغانستان وباكستان ،وإلى شبه الجزيرة الكوريّة ،مروراً طبعاً بمنطقتنا المشمولة بالعناية أو اللعنّة الأمريكية ،
إلى الكيان الصهيوني المتهرّب مما يسمى باستحقاقات السلام ،
إلى بعض النظام العربي المرتهِن ،الباحث جلّه عن غده المبهم ،عن مآلات انسياقاته ،وأيلولات المصيرالمحتوم .

فلنتذكّر دائماً ،تلك العدالة الدوليّة العوراء ،من نموذج " محكمة الحريري "وفبركاتها ،وشهود زورها ،وخاصّة شاهدها الملك (محمد زهير الصديق) ،ومحققيها "النزهاء" ،ميليس ومن لفّ لفه ،ولغة ألسنة الإتهام التدخليّ من نموج "أوكامبو" ووقاحته ،خصوصاً وقدعلت لغة التهويش والإتهام والتهويل في الإعلام العراقيّ المنفلت ،وعلى كلّ المستويات ،ونفس السيناريوهات لذات المؤلّف أوالمفبرك ،لافرق ،لم تعد تخفى على مبتدئ فكيف بمجرَّب ؟!!

لكنَّ الهدف الآن طُوِّر ،فلم تعد الحقيقة ومعرفتها وتحقيق العدالة هي الهدف ،ولم تكنه يوماً ،وإنما سلّة من الأهداف تبدو مطلوبة بلا مواربة :

١ـ الضغط على سورية لتليين مواقفها المبدئيّة من رفض الإحتلال ومفاعيله ونتائجه ،ومنها مصير العراقيين المليونين على أرضها.

٢ـ قلب هرم المنطق والحقيقة بتكريس مشروعيّة الإحتلال الأمريكي وصنيعته حكومة المنطقة "الخضراء" في بغداد ،وإدانة المقاومة الشرعيّة للإحتلال
بإلصاق تهمة "الإرهاب" بها ،بعمليات إجراميّة مدانة ومفتعلة ،ومن نتائج الإحتلال ومخططاته المُمعِنة في تمزيق العراق ،شعباً ،ومجتمعاً ،ووطن ،وموقف سورية الواضح ،المُدين والرافض ،للجرائم تلك ،لاتعتوره شائبة ،فالمقاومة الوطنية لا تقتل أهلها بالعنف الأعمى ،أمّا الطائفيّون والمحتلون فبلا .

٣ـ تكريس سابقة في العلاقات الدولية بتجريم المعارضين لإلغائهم ،وإرهابهم ومؤويهم ،بتسلمهم وتسليمهم بمذكرتِ جلبٍ دوليّة، وبالتالي ممارسة استنسابيّة في ممارسة الديمقراطيّة والحق في المعارضة ،وعلى المقاس المطلوب من "الحاكم" وحتى"المحتل" ،فعلى مايبدو لم تعد سجون "أبوغريب وغوانتانامو" تفي بالمطلوب !!.

٣ـ استصدار إدانة من مؤسسات منظمةالأمم المتحدة ـ المدجّنة أمريكياً ـ لا للمقاومة فقط ، ولكن لكل حركات التحرروتاريخها ،بوصمها بفرية العصر " الإرهاب" .

٤ـ إعادة تصنيفٍ ،وتطويرتعريفٍ، لم يكتمل إنجازهما (؟!)،لمعنى "دولة القانون الشرعيّة وسلوكها ،ولصفات الدولة "المارقة" وممارساتها ،وهنا مربط الفرس في حملة التجنيّ والتهويش ،والإفتراء ات ـ الفبركات التي علا منسوب جعجعاتها .

ثانية ً،لنتذكّر دائماً ،وبلا استخفاف :
صورة الرجل، والذي قيل :
يدعى (وسام علي كاظم )،والذي بدا هادئا "بصورة غريبة" بالنسبة لمتهم بالقيام بدور في أكثر الهجمات دموية في العراق ،مُقرّاً "بدمٍ باردٍ مطمئن" من على شاشة تلفزة حكومة المنطقة "الخضراء" في بغداد ،انه نسق عملية التفجير مع زعيم احد فروع حزب البعث ،والذي يقيم في سوريا.

شاهد ملك آخر؟!!

سلاح شرعيّة دوليّة جديد
؟!!

إنه زمن اللامعقول ، زمن الكذب و"المجرمين الشرفاء" بلا حياء ،إنّه زمن الكوابيس والجنون ،فعش في شقائك الأبديّ أيها العقل ،وفي سرير عصري عولمي هذه المرّة ،"نمْ" وخذ إجازة ،وقرير العين "نمْ" ،فالعدالة الدوليّة لعوراء تحرسك .

شام برس

الأحد، 16 أغسطس 2009

مقال: الإقليميّة ومعارك تصفية الحساب مع القوميّة العربيّة (٢) : بقلم: د.منير وسوف القوي

ردّ على مقال الكاتب (ناهض حتر) :
""قومي؟ لا. عروبي؟ نعم، بالتأكيد""
(في جريدة "الأخبار" اللبنانيّة تاريخ ١١/آب/٢٠٠٨) :
القسم الثاني :
من المفيد التأكيد ـ وبلا أغلظ الإيمان ـ أنَّ شخص الكاتب ليس مقصوداً بالردّ مطلقاً ، وأنني لا أسعى لا إلى سجالٍ معه ،ولا لأيِّ حوارٍ مع لغةٍ قاطعةٍ مانعةٍ ،وقصيّةٍ عن أساس كلِّ إمكانيّة حوار يتمأسس على قاعدة الإحترام والإعتراف بالآخرالمختلف ،لا تسفيهه وشيطنته والدعوة إلى تصفية الحسابات معه واستئصاله !!ولكن تلك الشحنة العالية من الحقد على التيّار العربيّ القوميّ ،لدرجة الدعوة الجهراء إلى تصفية الحساب معه !!! ،ومحاولة شيطنته وتحميله كلّ الموبقات والآثام !!! ،ومن خلفيّةٍ زاوجت بين ذهنيّة ـ قبليّة وادّعاء ثقافةٍ واقعيّة ـ علميّة ترتكز على قاعدة أيديولوجيا ،عُرف عنها يساريتها كما هو رائج ،وبالتالي يجوز التساؤل ـ السؤال :
ألم يكن محقَّاً الدكتور (أسعد أبو خليل) حين عرَّضَ في ردٍّ حديثٍ على السيّد (ناهض حتر) ،أنَّ للأخير الخيار في أنْ يهنأ بصفة (يساريٍّ سابق) ـ هذا إذا كان يوماً قد تعدّى خانة اليسار الطفولي ـ ،والتي هي التسمية الرديفة لمثقفي الليبراليّة الجديدة في فضاء ات الفتوحات المارينزيّة ؟!!،
فمقال السيّد (ناهض حتر) من صنف التجاوز على مبدأ حريّة التفكير ،وعلى حقِّ التنوُّع والإختلاف ،ومن منطق أيديولوجيٍّ محدّد ،وموقف سياسي استئصالي ، كما سبق وقلت في القسم الأول تاريخ ١١/٨/٢٠٠٩ ،وأضيف إنّه من صنف التعبويّ ـ الدعويّ والثأريّ ـ البدويّ ،والفهم المشوّه القمعي لرسالة الكلمة والقلم ،ومنْ يتساءل أو يتعجَّب ،أُحيله ،وأرافقه ،في قراءة متأنيّةٍ لبقيّة المقال :
يقول السيّد (ناهض حتر) :(الأحزاب القومية تعبّر عن مصالح بورجوازية محلية وليست كما ادعت ممثلة للعروبة ) ،فأولاً:
البورجوازيّة تعريفاً :هي "طبقة وسطى ،صاحبة امتيازات" ،في "نظام طبقي رأسماليّ" ،تمتلك وسائل الإنتاج ولا تمارس العمل اليدوي ، حُكْماً في مجتمع له هويته ،فهلاّ تفضل السيّد (ناهض حتر) بإخبارنا في أيِّ مجتمع ،وما هي هويته ،حيث نشطت الأحزاب القومية التي ادعت تمثيل العروبة ؟!! مع صفحٍ عن كلمة (محلية) التي تبقى هيوليّة بلا مضمون محدد (بكسر الدّال الأولى وفتحها) .
وثانياً :
لستُ أدري إذا جاز وصف المجتمع العربي بالمجتمع الطبقي في لحظة ولادة الأحزاب القوميّة ،ببساطة لأنَّ أغلبية الأقاليم العربيّة الخارجة من أربعة قرون (عصمليّة) ،كانت في حينها ""تابعة ومدارة ""تحت الإحتلال الغربي المباشر ،وتحت مختلف التسميات ،فهل تتشكل الطبقات وتتمايز ـ ( حتى ماركسيّاً ) ـ دون درجةٍ من تطوُّر وسائل الإنتاج ،ومرحلةٍ من التصنيع تبلور طبقة عاملة ،وصناعيّة بالخاصّة ؟!!
وثالثاً : هذا السحر على المثقفين ،وهذا الإنبهار بـ ""المصطلح الأجنبي "" لتأكيد الذات الثقافوية ،تحيلهم إلى مرجعيات اغترابيّة ،وفي أطيب النوايا ،إلى مرجعيات افتراضيّة ،تقسر الواقع على ما لا يحتمل ،وتلوي منه الرأس والعنق لإدخاله في جلبابٍ يكشف عيب الكساء ،ولا يخفي حقيقة المَكْسيّ ،
فبالله عليك يا سيّد (ناهض حتر) هلاّ أتحفتنا كيف استطعت رؤية المجتمعات القبليّة ،العشائريّة ،والعائليّة ،عمودية الهيكل في معظمها ،وأُفقيتها رجراجة بين سويات مجتمعيّة قلقة لا متمايزة ،والتي يناضل القوميون لتصعيد انتمائها ـ بأقلّه ثقافيّاً ـ إلى سوية مشروع الأمّة ، كيف استطعت رؤيتها مجتمعات بأنظمة طبقيّة ،والأبهى تلك الهجينة بلا نسب الـ ( بورجوازية محلية ) ؟!
!يتابع السيِِّد (ناهض حتر) :(ولقد نجح القوميون في فرض معادلة المماهاة بين القومي والعروبي في الأيديولوجيا العربية المهيمنة. وهي معادلة أصبح من الضروري الآن نقضها، لأنها بقدر ما هي زائفة، بقدر ما هي تعرقل نهضة العمل العروبي)!!
هنا لنْ أقف عند نجاح القوميين الذي يقرُّ به الكاتب ،ولكن عند مصطلح (العروبي) الذي يُموضِع صاحبه في خانة " الميّال والنصير " ،وليس " المنتمي " فالقوميّ عربيٌّ منتميّ ،ويترك للسيِِّد (ناهض حتر) عروبيّته التي اختارها ،أمّا المعادلة التي أصبح من الضروري الآن نقضها !!،فالحقيقة أنّها غير قائمة إلاّ في دماغ الكاتب بقدر ما هي زائفة ( كما يقول )،بل ومصطنعة مفبركة في لحظة "شطحةٍ ثقافويّة" ،تبقى (نهضة العمل العروبي) :
إذْ ليس مفهوماً ماذا يعني ،فحبّذا لو أوضح اللغز،أمْ أنّه إلقاء للكلام على عواهله ؟!!
ثُمَّ ينتقل الكاتب إلى استعراض التيّارات القوميّة ،وبعضها تجارب حكمٍ طُبِّقت أو في التطبيق ،بادئاً حتماً بالتجربة القوميّة الناصريّة ،يقول :
(لم تزد الناصرية، في الواقع، عن كونها تعبيراً عن مصالح بورجوازية مصرية معادية للاستعمار وتطمح إلى تحقيق ذاتها في مشروع تنموي، لكنها تطمح إلى فرض نفوذها ومصالحها على العالم العربي، مستخدمة فكرة العروبة الملهمة للجماهير. ) ،إنَّ الخفّة والإختزال ،وقلب الحقائق لدى الكاتب ،لتجد تعبيرها ناطقاً في هذا المقطع !! فأنْ تطمح الناصرية إلى تحقيق ذاتها في مشروع تنموي لهوعين العقلانيّة ،ولعلم السيِّد (ناهض حتر)فإنها فوق كونها معادية للاستعمار ،قامت بحشد قوى الشعب العامل في سلسلة من التنظيمات المتتابعة ( هيئة التحرير ،فالإتحاد القومي ،وأخيراً الإتحاد الإشتراكي العربي : تحالف قوى الشعب العامل ) ،فأين هي ال ( بورجوازية مصرية ) التي يختزل السيِّد الكاتب الناصرية في حركة التعبير عن مصالحها ؟ !!
وهل مجانيّة التعليم ،إلزاميته وتعميمه ،وفتح الجامعات لأبناء الفلاّحين ولكل مكونات المجتمع ومجاناً ،والإصلاح الزراعي ،واستصلاح الأراضي ،والسدّ العالي وكهربة الريف ،والماء الشروب ،والطبابة المجّانيّة ،وحركة التصنيع ومنه الثقيل ،وقوانين يوليو لإشتراكيّة ،والتأميم بما فيه تمصير البنوك ،وشبكات الطرق وسكك الحديد ..........هوالتعبير عن مصالحها (البورجوازية المصرية ) ،أمْ أنَّ ذلك هو التعبير عن مصلحة وطنيّة جامعة بطريقة لاعنفيّة ؟
وبالطبع هكذا تعبير لايستطيع رؤيته السيّد (ناهض حتر) بحكم منهجه الأيديولوجي القاصرأولاً
،وثانياً بموضوعيّة ذاتويّة تموضعه الدعوي ـ التصفوي الصريح ،حتى للبنية الثقافيّة للفكر القومي العربيّ ،فضلاً عن تيّاراته الحيّة ،هذا في الدّاخل المصري .
أمّا على الصعيد العربي فنصرة ثورة الجزائر وتسليحها، وقبلها دعم استقلال المغرب و( ثورة العرش والشعب) ،وامتداد تأثير الناصريّة ودعمها إلى (جنوب اليمن المحتَلّ) ،وإلى كلِّ إرادة تحرر في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية ،بعد أنْ أثبتت الناصريّة صدقيتها في معركة السويس ،وكسرت احتكار السلاح والتمويل الدولي المشروط ،وشاركت في قيادة منظمة دول عدم الإنحياز ، كلُّ ذلك لا يراه السيّد (ناهض حتر) ،ويتجرأُ بخفّة مبتدئٍ إلى التبسيط واختزال الناصريّة إلى :( لم تزد الناصرية، في الواقع، عن كونها تعبيراً عن مصالح بورجوازية مصرية ) ،والأدقُّ رقبة ،تقديمُها بلغةٍ اتهاميّة ،كحركة سياسيّة ""تدخليّة خارج الحدود "" ،بشعاراتٍ برّاقة ،في إسقاطٍ رجعوي لسياساتٍ امبرياليّةٍ ممارسة في أيامنا ،وفي منطقتنا بالذات (لكنها تطمح إلى فرض نفوذها ومصالحها على العالم العربي، مستخدمة فكرة العروبة الملهمة للجماهير) .
مع أنّه للحقيقة وللتاريخ فإنَّ مصر " عبد الناصر" وضعت كل ما تستطيع في خدمة الهمّ القوميّ العربيّ ،لا تبرعاً ولا مِنّةً ،ولكنْ تقريراً لحقيقةٍ جيوبوليتيكوـ استراتيجيّة ،بأنَّ المصير العربيّ واحد ،وتثبيتاً لأرضيّة كلِّ مُنجز ،على قاعدة القوميّ الضامن ،وحده ،لديمومته ،وحمايته ،وتطويره ،ومطلق مراقب محايد لما آلت إليه الحال في وطننا العربيّ من سوءٍ وبؤس ،لن يمكنَ له إلاّ ترديد :""" سقى الله أيامك يا عبد الناصر """ وبالطبع فإنَّ السيّد (ناهض حتر) لن يكونه (المراقب) ولن يستطيع ، حتى لو أراد !!! .
أمّا قمّة التجنّي وانحراف المنطق فيبلغه السيّد (ناهض حتر) حين يتناول (حركة القوميين العرب) ،فلا يكفه اجتزاؤهُ لساحات فعلها في اليمن والخليج العربي والعراق وغيرها ،بل يحيلها إلى أداةٍ بيدٍ فلسطينيّة ثقافويّة استحواذيّة ،بل ومصلحيّة مرتبطةٍ بمصالحها "الطبقيّة"!! في مفارقةٍ لامنطقيّة وكاريكاتوريّة ،تقرر ـ قسريّاً ـ تمايزاً طبقيّاً في شتات مجتمعٍ مشرَّدٍ بين منافي وشتات لجوئه ،قافزاً هكذا ،وبشطحةٍ رغبويّة أوحسيرة الفهم ،فوق إنسانيّة العربي الفلسطيني ومشاعره ،فوق معاناته والظلم الفريد تاريخيّاً الذي لحق ويلحق به ،بل وفوق كلِّ إرادة انتماءٍ للحقِّ والعدالة ومقاومة الظلم ،والمجسّد كلّه بالكيان الصهيوني ،هكذا أصبح المقاوم الفلسطيني ،والشهيد الفلسطيني عند السيّد (ناهض حتر) : (رديفاً أيديولوجياً وسياسياً للكمبرادور الفلسطيني ) ،والذي يرى فيه برأيه (أساس الحبل السري الذي لم ينقطع بين الجبهتين الشعبية والديموقراطية و«فتح».) ،!! في حين أنَّ شظف المعاناة ومجهول المصيرهوالحبل السرِّي بين القوى الحيّة في كلِّ ساحةٍ عربيّة ،وفي الجبهة المواجِهة منها ،ساحة النكبة ـ العِبْرة ،السّاحة الفلسطينيّة ،لكنَّ السيّد (ناهض حتر) عاجزعن رؤية الواقع موضوعيّاً ،بحكم ذاتويته المفرطة في تورم رغبويتها ،وقصور منهجها الإختزاليّ التبسيطيّ، وقبل كلِّ سبب : ركوب موجة المثقفين الليبراليين الجُدد الذين أخذوا على عاتقهم ، أو كُلِّفوا ـ لافرق ـ بتسفيه رموز هذه الأمّة ونضالاتها ،وكلّ مجيدٍ من أيامها ، لجعل التطبيع مع واقع استضعافها عاديّاً ،بل هو "الطبيعيّ" الذي فُطِرت عليه !!!.
ويبلغ منطق السيِّد (ناهض حتر) قمّةً في الديماغوجيا ،والتخليط التحليلي ،حين يصل إلى حزب البعث ،في سطحيّة ثقافويّة تميّز بها التحليل الماركسوي عند معظم المتمركسين"العروبيين" ،فبالنسبة إليه (حزب «البعث» مثّل حركة أكثر أصالة) ـ شكراً ـ ولكنّه في موجب تحليله ـ التعليل بالإتكاء على (جراح الوطنية السورية ) ،كان الأصوب ،انسجاماً مع رؤيته ،أنْ يتبنّى حزب البعث الأيديولوجيّة " السوريّة القوميّة " ،فلماذا الأيديولوجيّة "القوميّة العربيّة " ؟!!
ثُمَّ أنَّ البعث وارث (وراثته للحركة القومية التقليدية في المشرق) ،أيّ يعترف السيّد (ناهض حتر) بتاريخيّة الحركة القومية العربيّة (مما سأعود إليه بتفصيل في القسم الثالث) ،والمنتظمة لاحقاً في أحزابٍ وتيّاراتٍ سياسية ،ويبلغ منطق الكاتب خلطويته الإستنتاجيّة ،بعد استقرائيته "الجرائدية" المجتزأة حين يقول (أردت من خلال هذا السرد أن أضع النقاط على الحروف في ما يتصل بحقائق تاريخ الأحزاب القومية ) !! فأيّة حقائق ؟!! وأيّة فواصل حوادثيّة يسميها تاريخ ؟!! حين يخلط الصراعات بين النزعات الشخصيّة المرضيّة كما مثّلتها شخصيّة (صدّام حسين)الزعامويّة المعقدة ، وأسلوب ،ممارسته للسلطة ،وإضاعته سمت الصراع المصيري مع العدّو الصهيوني ،بذهابه ،طوعيّاً أوإيقاعياً !!،إلى " حرب الإحتواء المزدوج الأمريكيّة" ،والمصرّح عنها مِنْ فم مَنْ خططوا لها وموَّلوها ،وبين السياسات العاقلة المرتكزة على المصالح العربية الحقيقية التي اتبعتها سـوريّة ،وما تزال ،برفض استبدال الصراع المصيري العربي ـ الصهيوني بآخر مفتعل عربيّ ـ فارسي (مع أنَّ الفرس إثنيّة قوميّة في إيران من أصل ثمانية ،ولم يقل مسؤول في الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة بفارسيّة الدولة ) ،بل وذهابها (سـورية) مع نظام الجمهورية الإسلاميّة الإيرانيّة إلى نموذج تحالفٍ نضاليٍّ أثبت جدارته في التصدي للمخططات الإمبريالوـ صهيونيّة ،بشهادة العدوِّ والصديق ،وما استمرارمحاولة "شيطنة" العلاقة الإستراتيجية بين سورية وإيران بنعوت شتّى ،لا أقلها التخوين والتآمريّة (كل ذلك وجه الأسد إلى تحالف مع إيران الإسلامية المعادية للعراق والعروبة) ، ولعلَّ من (كل ذلك) ـ أعلاه ـ قد جانب الكاتب الحقيقة إلاّ في (وأخيراً الصراع الدامي مع إسرائيل) ،الذي أصبح حجر الرحى ومادة طحينها ،في العلاقة الإستراتيجية السورية ـ الإيرانيّة .
أمّا الباقي من مفاهيم الكاتب التصنيفية الخاناتية ،باستعراضه البرجوازية وأصنافها المدارسية ،المنتمية لأدبيات ميكانيكاويّة تحاليل أواسط القرن العشرين ،والإرتكازمرجعيّاً ـ فهميّاً ،وتحليلياً ـ بنيويّاً ،على عكّازها الأعوج ،فلا تعدو عن كونها وباء متجدد لـ "" انفلونزا ثقافويّة"" ابتليت بها ذهنيّة غير ممنَّعة ،ولا إمكانيّة عندها لتكوين المناعة أبداً ،لقصور وعجزٍ ،لا أقلّه الخواء المعرفي وسحر الإغتراب .
والقسم الثالث يتبع .

الأربعاء، 12 أغسطس 2009

الإقليميّة ومعارك تصفية الحساب مع القوميّة العربيّة : ردّ على مقال الكاتب (ناهض حتر) : ""قومي؟ لا. عروبي؟ نعم، بالتأكيد""

المقال :
قومي؟ لا. عروبي؟ نعم، بالتأكيد
ناهض حتر*
لم تعد الحركات القومية تمثّل تحدياً، لكن أفكارها لا تزال تشوّش الوعي التقدمي العربي، وتمنعه من التبلور حول أفق متجاوز. ولا يريد الماركسيون مساجلة الأفكار القومية بالنظر إلى أنهم خسروا المعركة معها في الخمسينيات والستينيات، حين كانت الجماهير العربية خاضعة لتلك الأفكار التي استعارها الإسلام السياسي لاحقاً، ودمجها في سياق توسيع هيمنته، في ما يُعرف بالتيارات والهيئات والحوارات الإسلامية ـــــ القومية.اكتشف الإسلام السياسي القرابة الفكرية والروحية مع بقايا القوميين الذين تخلوا عن الاشتراكية والعلمانية. وهو تخلٍّ أزال فتيل العداء القديم. فإنّ ما يبقى يتضمن مشتركات واختلافات يمكن تسويتها.تصفية الحساب مع الأفكار القومية له، إذاً، ضرورة سياسية راهنة أيضاً في إطار السجال ضد الإسلام السياسي. وهو سجال تأخر التقدميون العرب في خوضه بسبب أوهام التوجهات الجبهوية، والتعلق الجبان بأطروحة التفريق اللاجدلي بين ما يسمى تناقضات رئيسية وثانوية.وكأن قضايا الحداثة والتنمية الوطنية والديموقراطية الاجتماعية والعلمانية، التي يتعلق بحلها فقط تجاوز التخلف، والاقتدار على مواجهة الإمبريالية، هي قضايا من الدرجة الثانية.نقطة البدء اللازمة للتحرّر من الوعي القومي ـــــ وتالياً الإسلامي ـــــ تكمن في ملاحظة بسيطة مغْفلة: القومية لا تختصر ولا تساوي العروبة، والإسلام السياسي لا يختصر ولا يساوي الإسلام. لقد دأب القوميون، مستخدمين الديماغوجيا الدعوية ووسائل العنف الفكري والمادي معاً، على اعتبار الحركة القومية ممثلاً شرعياً ووحيداً للعروبة. وداخل هذه الحركة، رأت أحزاب متصارعة أنها هي، بالذات، التي تعبّر عن الحركة القومية، وبالتالي فإنها وحدها التي تمثّل ما هو عروبي.
الأحزاب القومية تعبّر عن مصالح بورجوازية محلية وليست كما ادعت ممثلة للعروبة ولقد نجح القوميون في فرض معادلة المماهاة بين القومي والعروبي في الأيديولوجيا العربية المهيمنة. وهي معادلة أصبح من الضروري الآن نقضها، لأنها بقدر ما هي زائفة، بقدر ما هي تعرقل نهضة العمل العروبي.القومية العربية، بكل مدارسها وأحزابها، هي، في الأخير، حركة فكرية ـــــ سياسية صراعية داخل العروبة الواقعية ـــــ وفي لحظات عديدة، ضدها ـــــ وليست ممثلاً للعروبة في الصراع الذي خاضته وتخوضه الشعوب العربية لتوحيد صفوفها في المعركة ضد الإمبريالية والكمبرادورية والاستبداد.ويكشف التحليل المادي لمضامين السلوك السياسي للأحزاب القومية أنها استخدمت العروبة أداةً أيديولوجية في معاركها لهيمنة بورجوازيات محلية على المستويين الداخلي والإقليمي: لم تزد الناصرية، في الواقع، عن كونها تعبيراً عن مصالح بورجوازية مصرية معادية للاستعمار وتطمح إلى تحقيق ذاتها في مشروع تنموي، لكنها تطمح إلى فرض نفوذها ومصالحها على العالم العربي، مستخدمة فكرة العروبة الملهمة للجماهير. ومثال النهج السلطوي المصري في «الإقليم السوري» من دولة الوحدة ليس سوى واحد من بين أمثلة السلوك السياسي الفعلي للناصرية في تدخلاتها العربية القائمة على نظرية الدفاع خارج الحدود.وفي تحليل هذه التدخلات، سنرى أن بعضها إيجابي وبعضها سلبي، لكنها جميعاً كانت تعبّر عن مصالح «مصروية» بالدرجة الأولى. وحين سقط مشروع البورجوازية المصرية الاستقلالي وانتقلت إلى الكمبرادورية، لم تعد هي في موقع شبه مركزي يتطلب الإيديولوجيا الناصرية، فانقلبتعليها.حركة القوميين العرب خارج مصر، احتكرتها سياسياً قوى بورجوازية صغيرة فلسطينية، وطوّعتها، بادعاء الانتقال نحو الماركسية، لتصبح رديفاً أيديولوجياً وسياسياً للكمبرادور الفلسطيني.وهذا هو في رأيي أساس الحبل السري الذي لم ينقطع بين الجبهتين الشعبية والديموقراطية و«فتح».حزب «البعث» مثّل حركة أكثر أصالة، أولاً، بسبب وراثته للحركة القومية التقليدية في المشرق، وثانياً، بسبب تعبيره عن جراح الوطنية السورية التي انحصرت من مداها الواسع والحيوي في بلاد الشام إلى التموضع في المساحة الجغراسياسية للجمهورية العربية السورية، وفقدت البورجوازية السورية، بالتالي، إمكان تحوّلها إلى مركز أو شبه مركز.وثالثاً، لأن هذا المآل المأسوي انتقل بالإنتلجنسيا السورية إلى الراديكالية الاجتماعية والسياسية والعلمانية. وحين قدّم الرئيس حافظ الأسد معادلة معقدة لدور سوري شبه مركزي في المشرق، استطاع تكوين نظام مستقر حظي بقاعدة واسعة نسبياً. لكنه، بطبيعة الحال، اصطدم بمشروع مركزي آخر تمثّل في النظام البعثي العراقي، المعبّر بدوره عن مشروع بورجوازي عراقوي. وهذا التنافس الصراعي مع بغداد الصاعدة في السبعينيات، والعداء التقليدي العميق الغور مع تركيا التي سلخت حصتها من الشام، وأخيراً الصراع الدامي مع إسرائيل، كل ذلك وجه الأسد إلى تحالف مع إيران الإسلامية المعادية للعراق والعروبة. وعلى الهامش، اصطدمت دمشق بالمتمردين في الإقليم الشامي: «فتح» الفلسطينية والملك حسين، لكن بالدرجة الأولى بالمتمردين في لبنان الذي لا يُعَد جزءاً لا يتجزأ من الإقليم الشامي فقط، بل من الجمهورية.لقد أصبحت هذه اللوحة من الماضي. فالبورجوازية السورية تعود القهقرى نحو الكمبرادورية. وهو ما قاد، ويقود إلى التموضع في الإطار الجغراسياسي للجمهورية القائمة.أردت من خلال هذا السرد أن أضع النقاط على الحروف في ما يتصل بحقائق تاريخ الأحزاب القومية بوصفها معبّرة عن مصالح بورجوازية محلية، وباعتبارها أحزاباً تصارع داخل العروبة الواقعية، وليست، كما ادعت، ممثلاً للعروبة. ولا يعود ذلك إلى خيانة السادات لنهج عبد الناصر أو تخلي النظامين العراقي والسوري عن «البعثية الحقيقية»، بل يعود إلى بنية الأيديولوجيا القومية المؤهلة للعمل خادمة للبورجوازيات المحلية المتنافسة، لكونها، بالذات، أيديولوجية زائفة، وتقبل التزييف.الأفكار القومية العربية، كلها، مستوردة من أوروبا القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، وليست بحال من الأحوال عربية المنشأ. ويمكن تلخيص هذه الأفكار، في تجليها الألماني والفرنسي اللذين استورد منهما القوميون عندنا نظراتهم، بالآتي: الأمة العضوية التي تقوم على التماثل وترفض التعددية المحلية والإثنية والدينية واللغوية والثقافية، لكنها تسمح ـــــ ما عدا فترات الأزمة النازية والفاشية ـــــ بالتعددية الحزبية داخل التماثل القومي والأيديولوجي. وقد حارب القوميون عندنا الشق الأخير، أعني التعددية السياسية التي عدّوها تهديداً لوحدة الأمة يواجَه بالحل النازي ـــــ الفاشي، أي بالعنف الدموي.وبالافتقار إلى الأساس الاقتصادي ـــــ الاجتماعي المساند للأيديولوجيا القومية في أوروبا، أي قوى الرأسمالية المتطورة التي تتطلب الحداثة والعلمانية، فإن الأحزاب القومية العربية اضطرت للجوء إلى قواعد ما قبل رأسمالية، أي إلى العصبيات المحلية والطائفية. وهو ما منع التحديث وضرب العلمانية، وسمح للإسلام السياسي بوراثة المشهد كله.تكونت الأمة العربية في صيرورة إمبراطورية أطلقتها أيديولوجيا دينية هي الإسلام، وتكونت ببطء عبر القرون وكوّنت روابطها الداخلية في ظل نظام اقتصادي ـــــ اجتماعي لم يعرف الملكية الخاصة للأرض إلا في أضيق الحدود، وهو النظام الذي يسميه سمير أمين «الخراجي». وقد أتاح هذا النظام تكوّن الأمة على أساس التعددية المحلية والإثنية والدينية والثقافية، المعتَرف بها، التي شهدت تقنيناً في الشريعة، وفي العهد العثماني في أنظمة مكتوبة ومراعاة بدقة لإدارة الخصوصيات من كل نوع وشكل.ويختلف هذا السياق التاريخي لتكوّن الأمة العربية جذرياً عن السياق التاريخي الذي تكوّنت فيه الأمم الأوروبية، ما جعل استيراد الأفكار القومية لهذه الأمم، واستخدامها لتجديد الأمة العربية، مستحيلاًوكارثياً.الأيديولوجيات الناجعة لا تُستورَد من الخارج، كذلك فإنها لا تنبثق من نص مقدّس، بل هي تتكون بالتطابق مع التكوّن التاريخي للمجتمعات وحاجاتها الموضوعية للتقدم. وهو تطابق ليس بإمكان الأفكار القومية الأوروبية أن تنهض به إلا بتدمير الواقع لحساب الأفكار الجاهزة، وسحقالاعتراض.من التماهي مع الفكرة القومية الأوروبية، أشاع القوميون عندنا تخيلات لا علاقة لها بالواقع العياني للأمة العربية. ومن هذه التخيلات القول إن الاستعمار الغربي جزّأ العالم العربي إلى أقطار. وهذا ليس صحيحاً أبداً. فعندما قدم المستعمرون إلى بلادنا، وجدوها مجزأة بالفعل إلى أقطار ومجتمعات محلية وملل.كانت الدول قائمة بالفعل في المغرب العربي ومصر، وكان المشرق المكوّن من أرخبيل ثقافي وديني واجتماعي وإثني، خاضعاً للإمبراطورية العثمانية التي تعترف بهذا الأرخبيل الواقعي، وتديره. لكن الوحدة السياسية الخارجية في إطار الإمبراطورية، لم تكن تعني أبداً أن المشرق العربي كان، قبل الاستعمار، موحداً. بطبيعة الحال، ارتكب المستعمرون جرائم بحق المشرق العربي، أُولاها إقامة الكيان الصهيوني في فلسطين وتسهيل سلخ أراض سورية لحساب تركيا وأراض عراقية لحساب إيران، وأخيراً ترسيم حدود الدول الجديدة من دون الأخذ في الاعتبار حدود المجتمعات المحلية، ما قسّم بعض هذه المجتمعات على أكثر من دولة. لكن كل ذلك لا يلغي حقيقة الخصوصيات والتعددية الإثنية والثقافية والدينية في المشرق، وهي حقيقة سعى المستعمرون إلى تعميقها واستخدامها لأغراضهم، لكن فقط حينما كانت هذه الأغراض تتطلب ذلك. فلا يستطيع أي دارس للتاريخ المشرقي الحديث أن يهمل كون بريطانيا سعت إلى دعم توحيد معظم الجزيرة العربية تحت حكم آل سعود، أو أنها دعمت مشروع الملك عبد الله لـ«سوريا الكبرى»، أو أنها دعمت تأسيس الجامعة العربية وكان لها التأثير الحاسم في توحيد الضفتين الشرقية والغربية للأردن، وتوحيد الإمارات.العروبة ليست فكرة ولا حركة، بل هي واقع قائم على روابط عميقة متكوّنة تاريخياً بين شعوب ومجتمعات وإثنيات وأديان وطوائف وثقافات محلية. وليس بين هذه الروابط ما يجعلها عضوية من حيث الأصل الجنسي. فالعرب لا تربطهم قرابة الدم (فالأصول الإثنية للشعوب العربية عديدة)، ولا يوحدهم الدين (فالعرب يدينون بأديان رئيسية وفرعية عديدة)، ولا توحدهم اللغة (فالعرب يتحدثون بلهجات عديدة غنية وأصيلة وتعبّر عن المحلي، تاريخاً ومجتمعاً، بصورة تستبعد الفصحى إلا للكتابة). فماذا يوحّد العرب؟ يوحدهم مدى اجتماعي ـــــ ثقافي ـــــ سياسي مستمد من العيش المشترك في إطار الإمبراطوريات الخراجية، ولا سيما في عهدها العربي. وهذا المدى «التعددي» يتركز، رمزياً، في العروبة التي يدرك الشعور الجمعي للشعوب العربية أنها رابطة لا غنى عنها لمواجهة الإمبريالية الغربية، وللتقدم الاجتماعي.العروبة النضالية، بهذا المعنى، لا يمكنها إلا الاعتراف بالواقع التعددي، والسعي إلى تنظيمه ـــــ لا إلغائه اعتباطاً ـــــ في صيغ اقتصادية وسياسية ودفاعية وثقافية قادرة على تحسين شروط الاستقلال والتنمية والتحديث.والتعددية المحلية والإثنية والدينية والثقافية لا يمكن تنظيمها بصورة تقدمية من دون التعددية السياسية في ديموقراطيات جذرية، كذلك لا يمكن تجاوزها تاريخياً من دون الديموقراطية الاجتماعية، وبالتالي، الحداثة والعلمانية. وهذا يعني أن الإسلام السياسي لا يمكنه أن يكون بديلاً.* كاتب وصحافي أردني
...................................................................................................................................................................
الإقليميّة ومعارك تصفية الحساب مع القوميّة العربيّة :
ردّ على مقال الكاتب (ناهض حتر) :""قومي؟ لا. عروبي؟ نعم، بالتأكيد""
(في جريدة "الأخبار" اللبنانيّة تاريخ ١١/آب/٢٠٠٨) :
بقلم د. منير وسـّوف القـوي :
القسم الأوّل :
أنْ يكون السيّد (ناهض حتر) "لا قوميّ" "عربيّ " فهذا خيارهُ ،أنْ يجترح لنفسه صفة "عروبي" فهذا شأنهُ ،أمّا أنْ يُخضِع القوميّة العربيّة ،هكذا وبالجملةِ ،لمحكمة منطق "ماركسويّته الذاتويّة " فَيُصدرُ الأحكام المبرمة ،فهنا "لا" ،فالقضيّة تحتاج لوقفة ،لا للتأمُّل فقط ،ولا حتى للحوار ،بل للردّ على منطقٍ ،جديد ـ قديم ،لاأعتقدُ أنّه يكفيه ادّعاءَ "منهجية" التناول ،ولا "علميّة" البحث ،لإخفاء غرضيّته ،بل ومتابعتة معركته ضدّ القوميّة العربيّة وتمظهراتها ، وضدّ المنتمين إلى فكرتها بالأساس ،والتساؤل الذي يُسارعُ في حضوره إلى الذهن ،وبلا تردُّد : لمصلحة مَنْ ؟ !! .
(لم تعد الحركات القومية تمثّل تحدياً) ،يقول الكاتب ،هكذا بخفّةٍ وبشطحة قلم !! فلماذا يُتعب نفسه بالتطرق إلى "" حركات 'ضامرة' لا تمثّل تحدياً "" ؟! أهي متابعة تصفية الحساب الإقليمي في شقِّه "الماركسوي" مع القوميّة العربيّة ؟! أمْ هو تطوُّع قلم "بعض" المثقَّفين لفتح المعارك العبثيّة ،أو الترفيّة ،أو ربّما المطلوبة !!،ومرّة ثانية : لمصلحة مَنْ ؟ !! .
(لكن أفكارها ـ" الحركات القومية "ـ لا تزال تشوّش الوعي التقدمي العربي، وتمنعه من التبلور حول أفق متجاوز.) ،حكمٌ "قراقوشيٌّ" آخر يُتحفنا به السيّد (ناهض حتر) ، في عصماء محكمته "الإستثنائية" حتماً !!
فهذا السبق في تجريد الحركات القومية ،والعربيّة بالخصوص ، والتي كانت تُصنِّفها الأدبيات الماركسيّة من بين القوميّات المُضْطَهَدَة (بفتح الهاء) ،من دورها ،ماضياً وحاضراً ،في بلورة الوعي التقدمي العربي، يُسجَّل اكتشافاً (حصريّاً) باسم السيّد (ناهض حتر) ،فكيف إذا أضاف إليه دورها المشوش !! مما لم يسبقه إليه أحد ،حتى ولا مِمَّنْ يُعرَّفوا بكذبة يوتوبيي "الأمميّة الرابعة" ،وخاصّتهم ،أطفالها من المجددين ـ " المحافظين الجدد " !! ،ومرّة ثالثة : هذا التجنّي على الوعيّ والتاريخ ،لمصلحة مَنْ ؟ !!.
أمّا (ما يُعرف بالتيارات والهيئات والحوارات الإسلامية ـــــ القومية.) ،فمما لا شكَّ فيه أنّها هياكل تنظيميّة ،بعضها محدثة ،لكنْ متى كان التفارق قائماً بين العروبة وتيّارها القومي ،وبين الإسلام الحقّ ؟ فلعلّه من المفيد التذكير بالمقولة الأشهر :( العروبة جسد روحه الإسلام ) ،أمّا الصراعات مع (الإسلام السياسي) وإسلاموييّه ،بتيّاراتها المتعددة ( سلفيّة ،إخوانيّة ،وهّابيّة .....إلخ......)،وكذلك ماركسوييّه ،باجتهاداتهم وإنتاجهم الفكري ،وبعضه المقدّرعالياً ،والذي حاول إيجاد أرضيّة مشتركة ،وفتح أبواب تلاقٍ بين الإسلام والماركسيّة ،في خضمِّ معارك التحرر الوطني ،والسعي لانتصار ما كان يسمّى بحقّ (معسكر الحريّة والتقدُّم) ،على قاعدة تقرير قيمة الإنسان بذاته ،والإعتراف بحقِّه في الوجودالمكرَّم الكريم ،ونضاله المحقّ والمشروع لتحقيق العدالة الإجتماعيّة ( المفكرون : د.حسين مرّوة ،أحمد عباس صالح ،محمود أمين العالم .... وآخرون كُثُر ....)،فيدخل في خانة الحراك المجتمعي الحيّ،وبالخصوص الأيديولوجي الثقافي ـ الثقافوي ،وفي إطار الصراع السياسي على النفوذ في المنطقة العربيّة ،والذي تداخل ويتداخل فيه ،المحليّ والإقليميّ والدوليّ ،الإرادوي التحرري وتحالفاته ،والتابع المرتهن الوظيفي ومراكز إداراته ،فتعاون مصر "الناصريّة" مع الإتحاد السوفييتي "الشيوعي" لم ينتقص من إسلامها ،تماماً ،مثلما لم يُغَطِّ الإسلام تعاون معظم "النظام الإقليمي الرسميّ" فيما كان يُعرف بالأحلاف "الموصوفة" بالإسلاميّة ،"المعروفة الإرتباط" ،فهو إذاً صراعٌ سياسيّ موصوف ،لبلورة مصير منطقة فائقة الأهميّة جيوبوليتيكو ـ استراتيجيّاً ،فلماذا هذا الإختزال الفكروي القسري للحركات العربيّة القوميّة ،وللإسلام ،بآن :( كانت الجماهير العربية خاضعة لتلك الأفكارـ القوميّة ـ التي استعارها الإسلام السياسي لاحقاً ) ،وكأنَّ في العلاقة بين الحركات العربيّة القوميّة والإسلام ،حتى السياسي منه ،تناقض أزليّ ،لا حل له إلاّ بفعل النفيِّ ، ووراثة الأخير للأوَّل ،ولو بالصيغة السلعيّة ـ الإقتنائية (استعارها) ؟!! مرّة رابعة :كلُّ ذلك لمصلحة مَنْ ؟ !!.
يتابع السيّد (ناهض حتر) : (اكتشف الإسلام السياسي القرابة الفكرية والروحية مع بقايا القوميين الذين تخلوا عن الاشتراكية والعلمانية.) !!!،هنا : لاحول ولا قوّة إلاّ بالله ، فلم يعد القوميّون سوى "بقايا" ،والأدهى ، تخلّت عن "الاشتراكية والعلمانية" !! هكذا حاكم وحكم السيّد (ناهض حتر) ،وبكل ثقةِ البحّاثة العارف ،على العرب القوميين وعلى توجهاتهم العقيديّة ،بل وعلى أنماط تفكيرهم لأنَّ (الماركسيّة العلميّة!!!) لم تعد منهجهم ،هذا إذا كانت يوماً ، وأمّا تخلّيّ القوميين عن العلمانية فأقرب إلى " النكتة " ،إذْ لم أعرف قوميّاً عربيّ ،أوأقرأ لقوميٍّ عربيّ ،اللهمّ إلاّ مَنْ تَمَرْكَس ،أوأخذته نوبة مراهقة سياسيّة ،قال بالعلمانيّة ،بمعنى الفصل بين الدولة العربيّة والإسلام ،فذلك لا عقلانيّ ،قبل أنْ يكون لاعمليّ ،بل ومستحيل ،إنّه دعوة لاستحداث "فصام" بنيوي قسري في شخصيّةٍ متكاملة ،بين ذهنيّتها الواعيّة وواقعها الحياتيّ المعاش ،فالعلمانيّة أوروبيّة المولد ،لها بيئتها وتاريخيتها ،وهي لم تفصل بين الدّين والدّولة ،كما هو شائع ،بل بين سلطة الدّولة ودور إكليروس الكنيسة بالتحديد ،حتى لا نبقى في هوامية المصطلح واستسهال استيراده الثقافوي ـ الإستهلاكي .
صحيح أنّ قضايا الحداثة والتنمية الوطنية والديموقراطية الاجتماعية هي قضايا من الدرجة الأولى ،ويتعلق بحلها تجاوز التخلف والاقتدار على مواجهة الإمبريالية، ولكنْ ليس "فقط" ،وخاصّة ليس بجعل تصفية الحساب مع الأفكار القومية ضرورة سياسية وراهنة ،فذلك خروج بتلك القضايا عن شرطيّة إمكانيّة إنجاز حلولها ،هذا أولاً ،
وثانياً إنَّ حشد إمكانيّات العرب ـ يا عروبي ـ هو الضرورة السياسية الراهنة للردّ على استهداف العرب ،بقضِّهم وقضيضهم ،مما لم ،ولا يخفيه مستهدفهم الإمبريالي ومدللته "إسرائيل"،وبالعدوان المباشر والإحتلال والإبادة وتمزيق الممزّق وتفتيت المفتت ،مما لاتُغفله عين تبصر ،حتى بلا بصيرة ،من هنا ضرورة الإستنهاض القومي العربي ،لا تصفية الحساب مع الفكر القومي الذي سبقك إليه حاكم العراق الأمريكي ( بريمر) ،صاحب قانون (تصفية البعث) ،فسابقك ذاك ،لم يقل تصفية (بعث صدّام) أو تصفية (حزب السلطة) التي أطاح بها ، بل قانون تصفية البعث ،ولصاحب العقل أنْ يفهم ليستخلص العبر ، وهنا فالجواب على السؤال ذلك لمصلحة مَنْ ؟ !!.واضح جليّ يا سيِّد (ناهض حتر) .
وأمّا التناقض الأوضح في منطق السيّد (ناهض حتر) ،وهو من بيدر تناقضاتٍ ،فقوله :
(نقطة البدء اللازمة للتحرّر من الوعي القومي ــ وتالياً الإسلامي ــ تكمن في ملاحظة بسيطة مغْفلة: القومية لا تختصر ولا تساوي العروبة، والإسلام السياسي لا يختصر ولا يساوي الإسلام. ) ،هنا يعيد اللحمة بين الوعي القومي والإسلامي ،ولكن على القاعدة ـ الهدف : ""نفيهما"" ،معيداً تدوير مربعه إلى إصراره المدخلي على صراعهما الإلغائي على قاعدة (استعارها) ،
ثُمَّ من أين أتى السيّد (ناهض حتر) بمعادلته البسيطة " المغفلة "مع أنّها "حتريّة حصريّة " مُعلنة بإشهار ،إذْ لم يقل بها قوميّ عربي ،ولم يعلنها تيارقوميّ عربي ،فالقوميون أفراد منتمون ،والتيّارات العربيّة القومية متعددة ،بأطر تنظيميّة وحزبيّة عديدة ،يجمعها قاسم مشترك عام ،هو استمدادها مرجعيتها ومشروعيتها من انتمائها لأمتها ،وعملها الدؤوب لتحقيق مشروع الكيان القومي العربي في دولة العرب الواحدة ،وأمّا قصّة التمثيل الذي يشير إليها الكاتب فتدخل في باب اجتهاد كلّ فصيلٍ قوميّ ورؤيته لدوره ،وحتى في حال الصراع الفصائلي فالإنتماء يتأكَّد وليس العكس .
في القسم الثاني تكملة للردّ ،فمقال السيّد (ناهض حتر) من صنف التجاوز على مبدأ حريّة التفكير ،وعلى حقِّ التنوُّع والإختلاف ،ومن منطق أيديولوجيٍّ محدّد ،وموقف سياسي استئصالي ، وعلى صفحات جريدة مميزة ، مما اقتضى الردّ .

الجمعة، 7 أغسطس 2009

مقال: الحزب الفرنسي "ضـدّ الصـهيونيّة" - بقلم: د.منير القوي

مقال: الحزب الفرنسي "ضـدّ الصـهيونيّة"
- بقلم: د.منير القوي

في المقال الماضي بعنوان :(ديودونّيه...جاد المالح) ،والرؤية العوراء ،(تاريخ٢٣ /تمّوز/٢٠٠٩)،قلتُ :
في المقال القادم ،سيكون الموضوع حول ( ديودونّيه ) المناضل السياسي ،لا السياسي فقط ،وحول الحزب المعادي للصهيونيّة ،حزب "" ضـدّ الصـهيونيّة "" الذي ينشط من خلاله ،وفيه :لذلك واحتراماً للموضوعيّة في محاولة التعريف بالحراك السياسيّ على الساحة الفرنسيّة بعامّةٍ ، وبخاصّةٍ في سويّتها الشعبيّة العريضة "والفسيفسائيّة" ،وبعضها ""مُهمّشٌ ممنوعٌ ،تقريباً ،سماعَ صوته"" ،سيكون استعراض برنامج الحزب ضدّ الصهيونية (ب . ا . س)(.p.a.s) مدخلاً لمادة مقالنا الحالي ،والذي يحمل العنوان:
الحزب الفرنسي "" ضـدّ الصـهيونيّة "" ،حصراً للموضوع ،وتأكيداً لهُ وعليه ،وخاصّة لدور( ديودونّيه ) المناضل السياسي في منظمة سياسيّة هادفة ،و"الفنّان ـ الإنسان" ،الفرد المتميِّز،الملتزم بقضيّة الإنسانيّة الأولى ،قضيّة نبذ العنصريّة بكل أشكالها ،ومقاومة تعبيراتها ،السافرة والمقنّعة ،وخاصّة الحركة الصهيونيّة ،أعتى عتاولتها ،أخبثها ، وأقبح وجوهها ،الذي أظهره (تجسيد أيديولوجيتها ـ الكيان الصهيونيّ) ،منذ ميلاده ـ النكبة ،عام ١٩٤٨ ،على الأرض العربيّة في "" فلسطين "":ا
لمساعي والطموحات للـ (ب . ا . س ) في سبيل فرنسا :(.p.a.s) :
والذي يمكن ترجمة اجتماع اختصارتسميته بالأحرف الثلاثة الأولى من اسمه (.p.a.s) بكلمة "" لا "" الرافضة ،الغاضبة ،المتمرِّدة ،والمحتجّة ،لا المعارِضة فقط ،فبرنامج الحزب يندرج في خمسة عشر بنداً :
١ ـ العمل على إلغاء (اختفاءٍ ومنعٍ ) التدخُّل الصهيوني في الشؤون العامّة للأمّة ( الفرنسيّة).
٢ ـ شجب (واستنكار) جميع السياسيين المدافعين عن الصهيونيّة ومبررّينها ( فكراً وتطبيقاً) .
٣ـ استئصال كلّ أشكال الصهيونيّة من (أوساط) الأمّة ( الفرنسيّة .
٤ ـ منع المشاريع والمؤسسات (الفرنسيّة) من المساهمة بالمجهودات الحربيِّة لأمّةٍ أجنبيّة لاتحترم القانون الدّولي .
٥ ـ تحرير دولتنا (الفرنسيّة) ،وحكومتنا ومؤسساتنا (الفرنسيّة) من حالة السيطرة "بوضع اليد"وضغط المنظمات الصهيونيّة.
٦ ـ تحرير وسائل الإعلام " الميديا" ،بهدف تحقيق تعدُّد مصادر المعلومات ،وصولاً للإرتقاء إلى (ممارسة) حريّة التعبير.
٧ـ الإرتقاء إلى 'التعبير الحرّ' بسويّاته المختلفة : السياسيّة ، الثقافيّة ،الفلسفيّة والدّينيّة ،وتحريرها من (الهيمنة)الصهيونيّة .
٨ ـ إعادة السلطة لفرنسا وللفرنسيين وفق القواعد الجديدة ،الجيوـ سياسية والإقتصاديّة ،بخصوص المسائل والقضايا الكبرى التي تحتاج التزام الأمّة للوفاء بمسؤوليّاتها .
٩ ـ توقف مشاركة (التزام) فرنسا في الحروب الإستعماريّة ،وإعادة جيوشنا المرسَلة إلى أفريقيا ،أفغانستان ،وكل مكانٍ من العالم ،إلى الوطن.
١٠ ـ المطالبة ،وبإصرار، باستفتاء شعبيّ حيال كل التزام فرنسيٍّ جديد (عسكري) خارج فرنسا
١١-سنُّ مشروع قانون يحرّم على حامليّ الجنسيّة المزدوجة ( فرنسيّة وأُخرى) المشاركة في حروب دون تفويض( تكليف) واضح من الأمّة ( الفرنسيّة .
١٢ ـ منع كلّ " ميليشيا "أيّاً كان انتماؤها المعتقديّ الدينيّ .
١٣ ـ قيام حوار وطنيّ ،لتأسيس مشروع وعيٍّ مجتمعي ،يُقصي (ويستأصل) كلّ دفاع ،أوتحبيذ ،أوتبرير،أوتمجيد للصهيونيّة .
١٤ ـ اعتماد النسبيّة في الإقتراع والإنتخاب لتأمين "التمثيل ـ الحضور" لكل مكونات المجتمع (الفرنسي).
١٥ ـ النضال لإقامة مجتمع العدالة والتقدّم والتسامح (على الساحة الأوروبيّة).
ذلك هو برنامج الحزب :
بسيطٌ في طرحه ،واضحٌ في غايته ،شعبيٌّ في أداته ، ومع ذلك ،فثمة نقاط مهمّة من المفيد الإضاءة عليها ،ومن صُلب البرنامج :
ــ النقطة (١) : المقدارالضاغط للنفوذ الصهيوني المنظّم في مؤسسات المجتمع المدني ،الفرنسي بخاصّةٍ ،والأوروبي عامّةً
ــ النقطة (٢) : الدّورالهامّ والمؤثر ،الذي يلعبه (المتصهيّنون) ـ وهم أشدُّ تأثيراً من الصهاينة أنفسهم ـ من رجال السياسة والإقتصاد والإعلام ،في استمالة وتجنيد الرأيّ العام ،الفرنسي والأوروبيّ ،لمصلحة الصهيونية وأيديولوجيتها ،الأمر الذي يكشف عالميّة الأيديولوجية الصهيونية ،وتأكيد استمراريّة ديناميّة توجُّهاتها إلى مراكز القرار الدولي ،مما يعطي حركة سياسية مناضلة على الساحة الأوروبيّة ،كالحزب (ضدّ الصهيونيّة) ثقلاً نوعيّاً ،ينبغي ملاقاته في ديناميّة الحركة ،مادام الهدف واحداً "" مقارعة الصهيونيّة العنصريّة "".
ــ النقطة (٣) : التأكيد على ضرورة خروج فرنسا من ثوبها التاريخيّ الإستعماري بالإمتناع عن نزعات السياسة ""التدخليّة""،واتّباع المذاهب التوسعيّة ،الإمبرياليّة السافرة ،أو المقنّعة أيديولوجيّاً كالحالة الصهيونيّة ،ومذاهب مروِجيّ ومنفذي سياساتها القامعة لحريّة الرأيّ والتعبير،خاصةً في أجواء "عولمة" وسائل الإعلام ،والسيطرة ،شبه الكاملة ،لمراكز القرار الغربي على الـ " ميديا " الحديثة ،وثورتها ما بعد الحداثة .
ــ النقطة (٤) :إصرار برنامج الحزب (ضدّ الصهيونيّة) على إصدار التشريعات والقوانين الصريحة والصارمة ،التي تؤطِّر مشاركة المواطن الفرنسي في الحروب بين شعوب وأمم أخرى ،قطعاً للطريق على الجنوح ،بل الإجرام الإرتزاقي ( ظاهرة المرتزقة المجرمون ،كالمرتزق الفرنسي الأشهر: بوب دينار) ،أو ظاهرة المستوطن الصهيوني ،أسيرالمقاومة الفلسطينيّة في غـزّة (جلعاد شاليط) ،حامل الجنسيّة المزدوجة ،الفرنسيّة ـ الإسرائيليّة ،والذي جعلت منه الدّعاية الصهيونية وأبواقها (قضيّة رأيٍّ عام) في الغرب ،وهو ببساطةٍ : مستوطنٌ ـ مُغتصبٌ ـ وعسكريٌّ ،في جيشٍ عنصريٍّ مجرم ،قاتلَ مدنيين عُزَّل ،ومنهم أطفال !!! وبالتالي ،وبمنطق العدالة والقانون الدولي ،يجب أنْ يُقدَّمَ ،ورؤساؤه ،لمحكمة جرائم الحرب في " لاهاي " بتهمة ارتكاب (جرائم الحرب ،والإستئصال الإثني بالإبادة العرقيّة ) ،لا أنْ يصبح ،بغسل العقول الميديوي ،قضيّة إنسانيّة لـ ( ابن مختطف ينتظرعودته إلى دفء العائلة ،أبوان حزينان يذرفان على غيابه الدموع ..... أيُّ عهر ؟!! وأيّة وقاحة ؟!! بل أيّ عجرفةٍ عنصريّة وأيّ صلف ؟؟؟ !!!) .
ــ النقطة (٥) :المنع الصارم للظواهر المليشويّة ،خاصّة ذات الطابع الديني، في مجتمع علماني كالمجتمع الفرنسي ،بكل ما تمثله تلك الظواهر وممارساتها من تهديد للسلام الإجتماعي ،والتجانس المجتمعي ،ولسياسة الإندماج المتّبعة ،فضلاً عن المس بالـ (ثوابت الجمهوريّة) ،شبه المقدسة ،في المجتمع الفرنسي والدّولة الفرنسيّة ،ومن المعروف ،بلا حتى محاولة تمويهه ،أنّ المنظمات ( اليهودية ـ الصهيونيّة) لا تقيم كبير وزنٍ ،أو احترامٍ لتلك الـ ( ثوابت الجمهوريّة ) ،في ممارساتها ،تحت شتى الشعارات ـ الحجج : الشواه ـ الهولوكوست (المحرقة) ،رواسب النازيّة وبقايها ،معاداة الساميّة .... إلخ ....
ــ النقطة (٦) : والشديدة الأهميّة ،أنَّ المجتمعات الغربيّة ،رغم الديقراطيّات ،هي مجتمعات يعتور حركيّتها الكثير من مظاهر الإنحراف واللاعدالة ،بل والتمييّز بين مكوناتها على أسس : إثنيّة ،دينيّة ، ثقافيّة ،والأهم سياسية اقتصاديّة ،مما يعطي للنضال السياسي معناه ،ويجعل من الحراك السياسيِّ ضرورة للتقويم والتصويب ،بل وللتمرّد الفردي ،وللرفض المجتمعيّ ،بل وللثورة الغاضبة ، أسباب ومبررات انبثاقها .
بقيَ الإشارة أنَّ حزب (ضدّ الصهيونيّة) شارك في الإنتخابات الأوروبيّة الأخيرة (حزيران ٢٠٠٩) ،ونال مرشحه (ديودونّيه) ٣٦٠٠٠ صوت في المنطقة الباريسيّة وحدها ،صحيح لم يحصل على مقعده في البرلمان الأوروبي ،لكنّه أكّد حضوره في الأوساط الشعبيّة ،وأكثر من ذلك أثبت أنَّ (الهمّ الصهيوني) ليس همّاً فلسطيني ،أو قوميّ عربيّ ،بل فرنسيّ وأوروبيّ ووحتى إنسانيّ ،فالمنتسبون للحزب (ضدّ الصهيونيّة) إلى كلِّ المشارب في المجتمع الفرنسيّ ينتمون ،وفي كل التيّارات السياسيّة يتواجدون ،ومن كل الألوان الدينيّة ينحدرون ،وحتى "حاخامات" معادون للصهيونيّة في صفوفه يناضلون .
تعريفٌ بحزبٍ "لاعربيّ" ،وإضاءة عليه ،برسم إنسان منطقتنا العربيّة ،وخصوصاً برسم مثقفيها ومنظماتها المسيّسة الحاكمة ،والمعارِضة أو مدّعيتها ،للخروج من "مونولوج"الحديث إلى الذّات المازوشيّة المتلذذة باضطهادها .ففي العالم أحرار يطرحون قضايانا ،يلتزمونها قضايا نضال إنسانيّ ،ويضحون في سبيلها ،فهلاّ خرجنا من تظلُّمنا "القمقمي" ،إليهم ؟!!
أمْ أنّنا بالنحيب والتظلّم وجلد الذات ـ بسوط انكفاء العاجزوسياط الصهاينة ـ مكتفون ؟!!
حالة أغرب من الغرابة ،حقيقةً ،والأغربُ :""لشواذها !!،أنَّ في ظهرانينا :بعضٌ بها لامبالٍ ، وبعضٌ (أنظمة) ـ بلا خجلٍ ـ حليفٌ وموالٍ ،ومن البعض مدمنٌ لها بلا سؤال "" .
فعلاً إنّها لنازلة ، ولله في خلقه شؤون !!!!!!!!!

m.wassouf@hotmail.fr

داسك سيريا

الاثنين، 3 أغسطس 2009

مقال: المانيا...الجمهوريّة العربيّة المتحدِّة ...واليمن السّعيد ... في دروس النجاح والإخفاق

مقال: المانيا...الجمهوريّة العربيّة المتحدِّة ...واليمن السّعيد ...
في دروس النجاح والإخفاق

- بقلم: د.منير وسوف القوي
بانوراميٌّ ،استعراضُ هذا الثالوث في تنوّع المسارات إلى أيلولاته ،بل وليس عبثيّاً اختيار الثالوث أعلاه موضوعاً للمقال ،ففي التقاطع البنيويِّ لمكوناته قاسم مشترك من اليسير التقاطه : إنّه ( المشروع التوحيدي أو الوحدوي ) .
ولئن كان تعدد عوامل النجاح والفشل عصيّاً على الإحاطة ،بالمجمل الحصري ،في مقالٍ ،أوحتى دراسةٍ ـ مَقالة ،فإنّ سمتيّةً التخصيص تجعل المقاربة من بعض الممكن المتاح .
فمركبّات ديناميّة الثالوث أعلاه ،وباستقرائيّة مُقارِنة ،امتلكت :
١ــ المشروع وشرعيّته.
٢ ــ إرادة الشروع وشخصانيّته .
وتالياً ،فلقد أحاط به ،ورافقه :
١ــ أدواته المختلفه .
٢ــ جيوبوليتيك مختلف ـ تابع لُغاريتمياً ـ لعالمٍ متسارع التغيُّر .
ففي الحالة الألمانية كانت إعادة وحدةٍ ،أوتوحيد جزئين لأمّةٍ قُسّمت بإرادات المنتصرين على النظام النازيّ المهزوم في الحرب الإمبرياليّة الثانية ( الحرب العالمية الثانية ) ،في ظلِّ إرادةٍ كاسحةٍ ،شعبيّةٍ في جمهورية المانيا الديمقراطيّة( المانيا الشرقيّة) ،وشعبيّةٍ ـ رسميّةٍ في جمهورية المانيا الإتحاديّة ،(الشطرالإلمانيِّ الغربي)،ففي كلا الجزئين ـ المفصولين بجدار (برلين) ،وبأسلاك شائكةٍ ـ مكهربةٍ ،محروسةٍ بحراب حلفاء الأمس ،أعداء حينها ،معسكري حلفي (الناتو) و(وارسو) ،امتلك المشروع شرعيّته المفتأت عليها من المحتلين ـ شرقاً وغرباً ـ واستعادها ،في ظلِّ ظروف مؤاتية :
ا ــ اندماجُ ومساهمة نظامٍ المانيٍّ غربيٍّ في محيطٍ أوربيٍّ ، ينحو إلى معادلٍ استقراريٍّ جيوبوليتيكواستراتيجي ،هادفٍ بوضوح لإقامة اتِّحادٍ أوروبيٍّ وشيك ،لا بل ،وتصدي جمهورية المانيا الإتحاديّة إلى المشاركة في ثنائية قيادته مع فرنسا ، مشكِّلتان ""دينامو""دفع العجلة المتسارعة للوحدة الأوروبيّة ،التي وضعتها على سكّتها (بالإضافة إلى التكاملات الإقتصاديّة ـ العوامل )المصالحة التاريخيّة الإرادوية ـ البراغماتيّة (الألمانيّة ـ الفرنسيّة ) ،بين المستشار الألماني ،"باني نهضة المانيا" بعد دمارالحرب الإمبرياليّة الثانية (كونراد آديناور) ،و"محرر فرنسا" من الإحتلال النازيِّ أثناءها ،الرئيس الفرنسي (شارل دوغول) ،وأنجزت بالرئيسي من تصاميم مشروعها ،في طريقه إلى التطبيق ،أيضاً، الإتفاقيات المتلاحقة (الألمانيّة ـ الفرنسيّة ) ،وخاصةً تلك التي رعاها ،وبأكفٍّ متشابكة ،الزعيمان الأوروبيّان ،الرئيس الفرنسي (فرانسوا ميتيران) ،والمستشارالألماني (هيلموت كول) .
بـ ــ تضامر العداء الأوروبي الغربي للألمان (ولو باحتفاظ السياسة التاتشريّة حينها بحذرٍ تاريخيٍّ موروث) ،مع بداية تراخي القبضة السوفيتية على الشطر الشرقي من المانيا ،في واحدة من البوادر المنذرة بالسقوط المدويّ اللاحق للإمبراطورية السوفيتية .
جـ ــ المساهمة المحورية ،الألمانية الإتحادية ،في النهوض الأوروبي عامّةً ،وعلى الصعد كافّةً ،مما مكّن أوروبا مجتمعةً ،من القيام بمراجعة عقلانيّة لسياسات التبعيّة لمركز القرار الأمريكي ،بدايةً ،فيما خصَّ الشأن الأوروبي الداخلي خاصّةً ،وتالياً ببلورة استقلاليّةٍ أوروبيةٍ نسبيّةٍ ،مزجت ،بتلاقٍ براغماتيٍّ نادر ،بين نكهة إرادويةِ ـ فرنسيّةِ (دوغول) واستقلاليتهِ التقليدية ،وبين تعبئةٍ مشاعريّةٍ ،بإحساسٍ بظلمٍ مقيمٍ في الشعورالجمعي للأمّة الألمانية ،شرقاً وغرباً ،وعلى مستوى الأفراد كما الجماهير،وتلك من نوادر الصدف التي تكرِّس اتِّفاق النقائض على ذات الهدف ،لا بل ،وقوف الشخصين المتنافرين في المكان "الواحد ـ الهدف" بكامل التماهي والإندماج .
د ــ اضطلاع جمهورية ألمانيا الإتحاديّة بدور الرافعة في عملية إعادة التوحيد الألماني بكل إمكانياتها ،وعلى الرأس منها مجتمع مدني مؤسساتي متطوِّر ،إجماع وطني ـ شبه كامل ـ على القرار الوحدوي المصيري باقتراعٍ عامٍّ شفّاف ،نظام ديمقراطي تعدديِّ الأحزاب مجمع على الهدف ،والأهم ،قوة اقتصاديّة (ليبرالية) قادرة على الإستجابة لمتطلبات التوحيد ،بخطوات مدروسة ،تستوعب في تكامليّة دمجيّة اقتصاد ألمانيا الشرقيّة الدولاتي (الموجَّه مركزيّاً) ،والذيلي السوفياتي (طرفيّا) ،مع الأخذ بالإعتبار كل الفروقات ـ العوائق التي ستواجه الدولة الألمانيّة الواحدة ،والتي لن يكون أبسطها إعادة تأهيلٍ مفاهيميٍّ تربويٍّ ـ ثقافيٍّ ـ اجتماعيٍّ ، فرديٍّ وجمعيٍّ ـ جموعيٍّ ،للعلاقة المشوهة ـ بل والعدائيّة ـ بين "الألماني الشرقي" وكيان الدّولة ومؤسساتها ،وخاصة لـ ( قيمة العمل )الهادف لتحسين مستوى معيشة "المنتِج الفرد" ورفاهيته ،المناقضة رأسيّاً لتلك التي تربَّى عليها ،في ظلِّ "النظام الإشتراكي" الألمانيِّ الشرقيِّ الذي عسكرعمليّة الإنتاج ،وبالتالي ألبس العمل شكلاً من ثوب (سِخْرَةٍ ـ عقاب ) في (سجنٍ ـ معسكر) ينفذ فيه العامل عقوبةً مع الشغل ،في جوٍّ من الإبتهاج الإحتفالي ،بمرسومٍ فوقي ،وقرارقُدسويٍّ نضاليٍّ !!!.
بالمجمل : فلقد كانت الوحدة الألمانيّة عملاً مدروساً ،ومُمَأْسساً ،من ""وحدة الأمّة ـ الهدف"" إلى ""الدّولة ـ الأمّة ـ الإنجاز"" ،بالإنسجام ،شبه الكامل ،لعاملي الذات والموضوع ،داخلياً وخارجيّا ،مما مكّن تلك الوحدة من النجاح ،وأنْ تصبح من أهم منجزات العقد الأخير من القرن العشرين المنصرم ،اتِّحاديّاً أوروبيّاً ،والمنجز البنّاء الأهم في التاريخ الحديث للأمّة الألمانيّة .

بالعودة إلى محيطنا العربي ،وباستحضار التجربة المُجَهضَة لـ (الجمهوريّة العربيّة المتحدة ) قصيرة العمر ـ (٢٢شباط ١٩٥٨ ـ ٢٨أيلول١٩٦١ ) ـ فلقد توفّرَ لها :
ــ الشرعيّة والمشروع :
ــ أمّةٌ عربيّةٌ ـ واقعٌ شعبيٌ قائم ،وإرادةُ جماهيرتحرريّة على امتداد الجيوبوليتيك العربي ،في مرحلة نهوض قوميٍّ تاريخي ،من المحيط إلى الخليج ،ومن جبال (زاغروس وطوروس) إلى (بحرالعرب) ،خاصة في سوريّة التي ستصبح الـ (إقليم الشمالي ) من الجمهوريّة العربيّة المتحدة الوليدة .
ــ إرادة المشروع وشخصانيّته :إجماعٌ شعبيٌّ ،شبه كلّيٍّ ،في (مصـر وسـورية) ،واتفاق رسميّ كامل ،بصريح الرضى وحُرِّ الاختيار،في كليهما على إقامة الدولة الوحدويّة العربيّة النواة ـ للمشروع القوميِّ العربيِّ المأمول : (الدّولة العربية الواحدة ـ الأمّة العربية الواحدة) ـ في سبيل الغدِ المشرقِ العزيز ،والأمّة العربيّة الواحدة ،وفي ظلِّ قيادةٍ "شعبيّةٍ ـ شعبويّة" كاريزميّةٍ استثنائيّةٍ للقائد العربي الكبير (جمـال عـبد النّاصـر) ،الذي عُهِد إليه "بالأمانة !!" ،قيادة جماهيرالعرب إلى أمانيهم "المسلّمات ـ المشروعة" في التحرير والوحدة ،وبلورة الهوية العربيّة كياناً قوميّاً حيّاً "لا" حلماً وشعار،وفي التحرر والعدالة الإجتماعية ،لإنسان عربيٍّ منكور الهوية ، طالما غاب وغُيِّب في ظلامات القهر والتغريب والإنكار المزمن ،وحتى صيحات الإستهجان (شعوبيّة ـ اسلاموية) ،وأصوات الإستنكار( قوميّات اقليموية ـ اقليميّة ،وكومبرادور).
ــ أمّا ما رافق قيام (الجمهوريّة العربيّة المتحدة ) من أدوات مختلف في تقييم فعاليّاتها ،إيجابيّاً أوسلبيّاً ،وأحاط بها من جيوبوليتيك ،إقليميٍّ ودوليٍّ ،تفاوتت تأثيراته على سيرورتها وأيلولة مصيرها ،فإنّه يُعيد مرجعيّاًـ وباستدعاءٍ قرينيٍّ قوميّاً ـ مقارِنٍ مساريّاً ،وربّما مآليٍّ سيروريّاً (!!؟) ،مايحدث ،آنيّاً ،في اليمن "السعيد"إلى تلك "السيرة ـ الحقبة " المليئة بالآمال العربيّة الكبيرة ،والخيبات القوميّة الأكبر .
صحيح أنَّ الإتصال الجغرافي اليمني (بين الشمال والجنوب) قدّم ميِّزة على جغرافيّة الجمهوريّة العربيّة المتحدة ،ذات الإقليمين المفصولين بالكيان الصهيوني ،والمحاطةِ بحدود دُولٍ "عربيّة" مُشكِّكَةٍ سياسيّاً ،مرتابةٍ غايويّاً ،ومعادية موضوعيّاً لمشاريع الوحدة العربيّة الحقيقيّة ،بحكم استيلاء النظام الإقليمي الرسمي ،السايكسبيكوي ـ الصهيوني على وطن العرب ،ومحاولته المُصِّرة لطمسِّ الهويّة العربيّة انتصاراً للهويّات الإقليميّة المُشرعِنة لوجوده ،في ثنائيّة فصامٍ سياسي ،تجمع تناقض الشظايا في تأكيد "شرعنة وجودها الشظوي المستقِّل" من جهة ،ومن جهةٍ أُخرى ،تُكرِّس تكامل جهودها "المقاومة للوحدة" المُلغِية ـ حُكماً ـ للكيانات الشظوية القائمة بحكم الأمر الواقع المُكرَّس ،فضلاً عن نظامين أجنبيين معاديين ومرتبطين بالغرب ،النظام البهلوي في إيران الشاهنشاهيّة ،والتركي ذو الإرتباطات الأطلسيّة المميّزة .
أمّا كيف تجاوز نظامان إقليميّان "عربيّان" طبيعتهما "السيّاديّة"الرسميّة لمصلحة المشروع ـ الوحدويّ ،النقيض ـ الوجودي لواقعهما ،وكيف آلَ إلى انتكاسته المخيِّبة ،فلأسباب متعدِّدة ،ذاتيّة وموضوعيّة :
ــ فمن الذاتيّة الرافعة مشروعيّاً :
١ـ صعود أيديولوجيّة قوميّة عربيّة ،تاريخيّة السمات ،مستقبليّة الرؤية ،آمن بها المجتمعان ـ النظامان ،وبأكثرية ساحقة ،في قراءةٍ استقرائيّةٍ ،لمستقبل مشروع تحقق "مجتمعٍ ـ أمّةٍ" في "دولتها ـ المصير" ،سبيلاً لنهضةٍ تتسق ومسارات الأمم الحيّة الفعّالة الحضور،في عصرٍ يتّجه إلى الإعتراف بموقع تحت الشمس للأقوياء فقط .
٢ ـ ثباتٌ يقينيٌّ أنَّ الإستهداف شامل لمصير أمّة العرب ،لا يقف عند زرع الكيان الصهيونيِّ بين مشرقها ومغربها فقط ،بل متابعة امتهانها وإضعافها ،بتقسيم المقسّم وتجزئة المُجزأ ،ونهب كلّ ما أمكن من ثروة أرض العرب ،ووأد كلَّ محاولة تحرُّر عربيّة ،أوتملمُّل عربيّ ،منذ النفيِّ الأشهر للسلطان ( محمّد الخامس) ،مروراً بالمجازر الفرنسيّة ضد الثورة لجزائريّة ،إلى العدوان الثلاثي على مصـر عام (١٩٥٦) ،إلى مشاريع أحلافٍ متلاحقةٍ متنوّعةٍ ،مندرجةٍ في صراعاتٍ استقطابيّةٍ ،شرقيّةٍ ـ غربيّةٍ ،لامصلحة ـ بالمطلق ـ لعربيٍّ فيها ،بل كل الإيذاء البيّن له من تمريرها ،بجعل أرض العرب مقَّراً لقواعد القوى العظمى المتصارعة " أنذاك فيما بينها " ،وممرّاً جيوـ استراتيجيّاً لمخططاتها وتناوب نفوذها ،بين قديم استعمار وجديده ، وبين أيديولوجياتِ قوىً تبحث عن مواطئ القدم على شواطئ المياه الدّافئة وممراتها الجيوـ حيويّة ،المؤكّدَة الأهميّة ،منذ ابتدأ الغرب غزواته الإستعماريّة ،بإسقاطه "الباقي" من الحكم الأموي في الأندلس عام ( ١٤٩٢ م ) ،وخروج أوروبا ـ (الرجل الأبيض) ،الباحث عن الثروات ـ على حدودها ،لغزوِ العالم المستباح بقانون القوَّة الغاشمة المُهيمِنّة ،وللمصادفة فإنَّ الموقع العربيّ كان الهدف بِميِّزاته المعروفة ،والتاريخ الإسلامي ،بسيرته وتراثه ،وقدرصراعه المحتوم مع الغرب الأوروبي (دار الإحتراب) ،كوَّن الحافزالموضوعيَّ الموجِّه للمستعمِر "الأبيض" وثاراته .
٣ ــ تنافس سياسي داخلي في سورية ،بين تيّاراتٍ وأحزابٍ متصارعة ،وتسابق ارتباطي اقليمي ،واستقطابي دوليّ ،حسمه ـ انتصاراً ـ روّاد الوحدة بالذهاب إلى مصـرالناصـريّة .
ومن الموضوعيّة الرافعة مشروعيّاً :
١ـ تداعٍ لقلاع المستعمرالقديم (الأوروبي الغربي) في مناطق نفوذه التقليدية ، برّاً وبحرّاً ،مع موجةِ مدٌّ تحرريّ على امتداد العالم القديم (اللاأوروبي) ، وظهور "كتلة عدم الإنحياز" ،وبروز الدورالقياديّ للريادة "الناصـريّة" لها ،إلى جانب الزعيمين الهندي "جواهر لال نهرو" ،واليوغزلافي "جوزيف بروز تيتو" وآخرين : الرؤساء "كوامي نكروما " الغانيّ ، "أحمد سيكوتوري" الغينيّ ،"أحمد سوكارنو" الإندونيسيّ ،"مودبوكيتا" المالي ....... إلخ ........ ما شجّع الإحساس "الجماعيّ ـ الجموعي" العربي ،وبشعورٍنامٍ بالذاتِ العربيّة ،التي بدأت تشارك بحضورها الفاعل على المسرح الدوليّ ،بعد قرونٍ مريرةٍ من التهميش والإنكفاء .
٢ــ احتدام الصراع القطبي ـ الإستقطابي ،بين القطبين :الكتلة السوفيتية الصاعدة ،والأمريكيّة الطموحة التي بدأت بالحلول في مواقع الإستعمار القديم (البريطاني ـ الفرنسي) ،خاصّة شرقي السويس ،وبداية ما عُرف بـ (الحرب الباردة) وديناميّاتها ،تجاذباتها ومفاعيلها ،والإمكانيات الموضوعيّة التي فتحتها أمام حركات التحرر لشعوب آسيا و أفريقيا وأمريكا اللاتينيّة ،بالإستفادة من الظروف المتغيِّرة ،والثغرات المتاحة ،لبلوغ أهدافها ،أوبعضها ،في حقِّها بتقريرمصيرها ،في حقِّها بالتحرُّر والإستقلال والسيادة ،وفي حقِّها بالحياة السلميّة الآمنة من الهيمنة والعدوان .
أمّا العوامل الذاتيّة المحبطة ،فمنها :
١ــ إقصاء الجماهير في اقليمي (الجمهوريّة العربيّة المتحدة ) عن ديناميّة بنائها ،بإحالة تلك الجماهير إلى "التقاعد" على رصيف المتفرجين ،خاصّة في سـورية (إقليمها الشمالي)،وفي أحسن الأحوال ،دعوتها (أوحشدها) لتشكيل الحشود في الإحتفالات الكرنفاليّة الشكلية .
٢ــ تسليم مقدّرات الحكم والقرار لأجهزة قاصرة ،بيروقراطيّة متهالكة ،بعضها فاسد وحتى غير مؤمنٍ بالوحدة ،خاصّة في ،ومن مصـر (الإقليم الجنوبيّ)،وبعضها انتهازيّ وجد فيها فرصته لتحقيق المآرب ،حتى الشخصي منها ،ومنها الوضيع .
٣ــ عمليّة حلّ الأحزاب المؤمنة بالوحدة ـ بالتراضي المتسرِّع الصفقوي ـ وما ترتّب عليه من إجراء ات إداريّة ،عسكريّة ومدنيّة ،ومن شعورٍبالإحباط والتهيش ،وحتى بالإقصاء للذين آمنوا بالوحدة وعملوا لها ,خاصّة في سـورية (الإقليم الشمالي) ،قاد بعض هؤلاء إلى الإنقلاب على الوحدة ،بل ،وعدم التردُّد في التوقيع على بيان "الإنفصال"، بعد ذلك بسنوات ثلاث تقريباً ،هذا من جهة ،ومن جهةٍ أُخرى ،فإنَّ الساحة السورية تُركت بإخلائها الطوعي ـ السلطوي من "رجال الوحدة المؤمنين" لتُملأَ بالوصوليين والباطنيين المعادين ،وأصحاب الإنتماء ات الضيِّقة :المدينيّة (الكتلة الشواميّة ،الحلبيّة ....)، المناطقيّة (شرقيّة ،جنوبيّة ،ساحليّة....) ،القبائليّة (البدو)والعشائريّة ،بل وحتى الدينيّة والطائفية ،مما ستبرز سماته في الإنتخابات النيابيّة السورية في العهد الإنفصالي اللاحق ،وفوق ذلك ،فقد استمر نشاط الأحزاب (العلمانيّة والدينية)التي عارضت الوحدة (الشيوعيون ،السوريون القوميون ،والإخوان المسلمون) ،مستفيدة ،في اكتساب الصّدقيّة ،من سلبيّات الحكم الوحدويّ وسقطاته في التطبيق .
٤ــ الحساسيّة الإقليميّة ،التي تكشَّفت ونمت ،بين إقليمي الوحدة ،غذّاها اعتماد حاسم القرارلسلطةالأجهزة الأمنيّة ،بكل مايترتب على تلك الممارسة من علائق مرضيّة ،لُحمتها ضياع الحقوق وحدودها ،وسداها امتهان وجود الإنسان وكرامته ،خاصّة في ظلِّ ""تفاوت الوعيّ بمفهوم الوحدة ومعانيها ""بين الكتلة الشعبيّة في إقليميّ الجمهوريّة ،والذي كان ممكنٌ تجاوزه حماسيّاً ،ما كان ممكنٌ إخفاءه في التطبيق .
٥ــ انسحاب الفعل الشعبي المبادر لمصلحة تنظيمٍ سلطوي واحد (الإتحاد القومي) ،والتغييب الرمزيّ للجماهير خلف واجهة التركيزعلى صفات (الزعيم المُلهَم )،وإسباغ الكماليّة على التوجيهات والقرارات الصادرة عن نظامه ،في شخصنةٍ تمنع إمكانية محاسبة المرتكبين ،ونقد الخطأ والمخطئين ،بحكم منظومة علائق الإرتباط الولائي ،الإستزلامي الإفسادي ،والفاسد ،المنفلت من انضباطيّة معاييرالمؤسساتيّة والكفاءة .
وأمّا العوامل الموضوعيّة المعيقة المعرقِلة ،فمنها :
١ــ ازدياد الدعم الغربي للكيان الصهيوني المُهدَّد حسب مزاعمه ،والمبادرة إلى إقامة مشاريع وحدوية مضادّة (الإتحاد العربي الهاشمي العراقي ـ الأردنيّ ،برعاية مباشرة بريطانية ) بمواجهة الجمهوريّة العربيّة المتحدة التي وجدت نفسها ،ذاتيّاً وموضوعيّاً ،بالمواجهة ـ اللامفرَّمنها ـ مع المصالح الغربيّة لدول الإستعمار القديم ، واشك النجم على الأفول .
٢ــ الدخول المحتوم في الصّراع المفروض ،على الجمهوريّة العربيّة المتحدة الوليدة ،من جبهة اصطفاف أنظمة الإقليميّة المتضررة ،من سياسات نظام الوحدة وتوجهاته .
٣ــ سوء تقدير القوّة الذاتيّة (تضخيمها الثقويّ المفرط) ،واختلال معيار فهم موازين القوى الدوليّة ،وديناميّات فعلها وتوجُّهاتها ،وبالتالي ضياع الكثير من الطاقات في عبثية " دونكيشوتيّة "ومعارك خاسرةً سلفاً ،باعتماد أبسط قواعدِ العمل السياسي المحسوب .
في هذا القسم ،الأول ،تمَّ استعراض تجربتين ،من بيئتين مختلفين ،أوروبيّة وعربيّة ،قادت عواملهما المتباينة إلى نجاح الأولى وإجهاض الثانية ، أمّا في القسم الثاني ،القادم ،فستكون المادّة عن (اليمن) في مقاربة مقارنة مع العرض أعلاه .

داسك سيريا