الأربعاء، 22 يوليو 2009

مقال: (ديودونّيه...جاد المالح) والرؤية العوراء: حقٌّ وباطل ،ومنطقٌ هزيل

بقلم: د.منير وسّـوف القـوي

في مطلع هذا الشهر( تمّوز٢٠٠٩ ) ،سُفح الحبرالعبثيّ بكرمٍ حاتميّ ، في أوساط ""مثقفيّ بلاد الأرز""الخالد !!،وعلت أصوات جعجعة الطواحين على خواءٍ بائس ،حيثُ لم يُدّخر شعارٌ شعبويّ ،في ترسانة الكيديّة السياسيّة المأزومة ،إلاّ وشُهِر،و""المناسبة ـ اللامناسبة"" : بركة حلول الفكاهي الفرنسيّ (جاد المالح) على موسم الاحتفالات السنويّة ،في مهرجانات (قصر بيت الدِّين) ومهرجانات (بعلبك) الصيفية ،مدعوَّاً من البعضٍ من معجبيه النافذين ،ولقد كان كافياً ،لفت النظرالذي قامت به قناة (المنار) التلفزيونيّة ،إلى مواقف الرجل السياسيّة ،الملتزمة صهيونيّاً بلا تحفظ ،وخاصة تأييده المعلن لـ (جيش الدّفاع الإسرائيلي ـ تساحال) أثناء عدوانه على "لبنان"،في تمّوزـ آب ٢٠٠٦ ،لكي تُرفع البيارق الجاهزة ذاتها ،وتصدح الحناجرالمتأهبه إياها ،مؤكدة ومشدِّدة في مصيريّة المعركة المفتوحة :
** على حريّة الرأي والإختيار ،وسمو الفنّ وتنزّهه عن الغرضي ،وخاصة السياسي ـ وكأنَّ هناك فنّ بلا غائية !! أوكأن الرجل اعتذر أونفى مواقفه المنوه عنها ،ولو كذباً ومسايرة !! ـ .
** وفي سبيل ثقافة ( حُبِّ الحياة ) المكتشفة في مخابر فرز الثقافات وتكريرها ،بل وتعليبها وتصديرها ،كـ (الفول ،والحمّص ،وبابا غنّوج ) ،بسجلٍّ وعلامةٍ تجاريّتين """ صنع في لبنان ـ ماركة تجاريّة مسجّلة ـ امتيازحصري : مخابر ١٤ شباط للفرزالثقافي وتكريره وتعليبه ،للإستهلاك المحلي وللتصدير""" .
** ورفض الثقافات والذهنيات الشموليّة ،وتأكيد إدانة أيديولوجياتها القاصرة ،والمعادية لمعسكر ثقافة ( حُبِّ الحياة ) الظافر ببركات ضيفه "المعجزة"(جاد المالح) ،في عصرٍ معلوماتيٍّ عولميٍّ ــ لا عوالِميٍّ ،مع أنّه الأقرب والأنسب ــ ،باردِ المشاعر،جامدِ التعابير،وضنين الجود ،بالذات ،بالخوارق والمعجزات (خاصة ذات الطعم ، فكيف بالطعم المالح ؟!!) ،لتصل حمّى سعارالحماسة ،والتوصيف المبالِغ ،بالبعض إلى جعل الهوموريست المتواضع (جاد المالح) ،أعظم فنّان ، والأكثرذكاءً في فرنسا ،وربّما في أوروبا (؟؟!!! ) .
** والحقيقة أنَّ الهوموريست (الفكاهي) المُحتفى به ،والمُختَلَف في تقييمه ذاتوياً ،ليس بالفنّان ذو الثقل المُمَيَّز فنيّاً أوثقافياً ،لا على الساحة الثقافيّة ـ الفنيّة الفرنسيّة ولا الأوروبيّة ،سواء بسواء ،إنّه من صنف فنانيِّ فواصل الترفيه المتظارفين بلا ظرافة ،في مستقطع البلادة من وقت الخمول ،يُلقي " 'القفشاث' و'النكات " المكررة المستعادة ـ المُعادة ،والمتراوحة التقييم ،بين المضحكة المسلية ،والسمجة المملَّة البائتة ،وخصوصاً حين يصوِّب إلى أصوله الإثنيّة أو الدينيّة ، إنّه يبدو كمنْ يتلو آيات ندامةٍ مجانيّة ،لا ينتظرها ،أو يطلبها أحد ، لا بل تجرح مشاعر البعض من أصوله المغاربيّة ،حين يسترسل في تقديم الشخصيّة المغاربيّة المهاجرة ،في قالب من السذاجة الأبدية ،والخَرَق السلوكي المُستحكِّم ،والنُطق اللغويُّ المنعقل اللسان ،لاحس مخارج الحروف / اللهجوي الهجين المُضحك / .
ليصل إلى "منحدر" تألقه في إقحام الموضوع الأحبِّ إلى قلبه ـ ( يهـوديّـتـة ) ـ حيث تتكشف ظاهرة سلوكية شاذة منحرفة ،وشخصيّة مرضيّة ،مليئة بالعقد المركبّة ،تستقي مصادرها من تربية غيتوية ،وثقافةٍ مغلقةٍ ،على نسقيّة مفاهيم تاريخانيةٍ بالية ،يختلط في جبلة ذهنيتها ،الأسطوري والأكاذيب والإدعائي ـ الدَّعَوي ،فاتحة الأبواب على مصاريعها ،لتخصصات علم الإجتماع وميادينه البحثيّة ،لعلم النفس السلوكي المرضي ،وخاصة للطبِّ النفسي ،في رصدِّ (بارانويا) حقيقية ،لشخصٍ يجد في جلد الذات محاولة تطهيرٍ لها ،وإنكاراً ـ لاواعياً ـ لما يعتور سواءها من عقد دونيّةٍ ،تجعلها في خط دفاعها المرضيِّ ،رمزيّة التموضع الغيتوي النكوصي ،والردِّ الإنكاري النافي ،لشعور جمعيٍّ اضطهاديٍّ لاواعي (أساس بارانويا جمعيّة)،يجد مرجعيته التبريريّة ،ومخزون تغذويته المقيمة بآلية تلقيمٍ راجعٍ ،في المتداول من قصص الأمس المحفوظة ،ومن اسطورية تكوينٍ ذهنيٍّ لا ديالكتيكي بالمطلق ،محمولٍ على "المعطى" تسليماً بلا تفكيرنقدي ، بل ،بلا إعمال الفكركليّاً ،وحتى إعفائه من عناء جهد المحاولة!!!
هذا هو الفنّان ،فلتة الزمان ،الذي استنفرت الـ " سوبرماركت الفكريّة "الأربعطعش ـ شباطيّة ،في معركتها "المصيرية" بمناسبة حلوله الميمون ،خفيف الدم والظلِّ ،على "فرفشات" مهرجاناتها الصيفيّة !! .
وليتَّ القضيّة انقضت بالزجل الإعلاميّ المألوف ،بل تعدَّته إلى حفلات الإستقبال (المرجعي) السياسي والحزبي ذو اللون المعروف ،والتوجه التطبيعي المعلن ،مؤكِّدةً أنَّ دعوة هذا الـ (جاد المالح) ليست لوجه الفنّ كما ادُّعِيَ ورُوِّج ،ولكنّه عمل فِتنَويٌّ مقصود ،يندرج في ذات المسلك السياسي الكيديّ التأزيمي ،والإستفزازيّ لفريق لبنانيٍّ لم تجف بعد دماء أبنائه الشهداء ،فضلاً عن اهتبالها ـ بعنجهيّة موالاةٍ منتصرةٍ برلمانيّاً ـ مناسبة تشنيعٍ لرأيِّ المعارضة المهزومة ،والإستخفاف به ،وتسفيه معتقداتها وقناعاتها المواقفيّة ـ الثوابت ،في سلوكٍ أرعن ،يجزم ،بيقينية غِرًّ ،أنّه محور دوران المجرّة وأبراجها الزُهر!!،في عَمَهِ تحليلٍ سياسي ،لايُحسُّ بعجلات القطار المتململة ،وهي تتحضَّرُ للإقلاع مبتعدةً عن محطّة ( الحـئـيـئـة والسـيادة والإسـتـِئلال ) ،التي استُعملت حتى حدود الإستنقاع المُنفِّر ،بل لقد بدأ الإقلاع ، ووحدهم ،بعض أيتام "موسم" اغتيال المرحوم ( الحريري ) ـ والموسم ليس بالأبديّ أبداً ـ والمستفيدون من حَمَلةِ راية " قميصه " لايُصدِّقون ،أو ضُرب على قلوبهم بالأسداد فهم لايفقهون !!!.
وإذا كان الشيءُ بالشيءِ يذكر: ففي الساحة الثقافيّة ـ الفنيّة ،الفرنسيّة ـ الفرانكوفونيّة ،فنّانون مناصرون للحقوق العربيّة ،وخاصّة في فلسطين ،ومن وزنٍّ معتبرٍ ،فنيّاً وسياسيّاً ،وحضورٍ جماهيريٍّ عريض ،على رأس قائمتهم الهوموريست ( ديودونّيه ) ،أحد مؤسسي حزب ( ضـدّ الصـهيونيّة ) ـ نعم هذا هو اسم الحزب ـ الذي دخل الفنّان الإنتخابات الأوروبيّة الأخيرة ( حزيران ٢٠٠٩ ) على قائمته ،ونال ستة وثلاثين ألف صوت في المنطقة الباريسية ،هذا الفنّان ـ الإنسان ،الذي أسرع إلى "لبنان" في أعقاب الحرب الصهيونية التدميرية عليه ،( تمّوز ـ آب ٢٠٠٦ ) ،والذي يحمل راية عدالة الإنسانيّة بمواجهة الصهيونية العنصرية ،ويعاني ما يعانية في مواجهة التيّارات الصهيونية والمتصهينة على الساحة الغربية ،هل مَنْ دعاه ؟!!
لا من لبنان فقط ،بل من مطلقِ مدينةٍ أو دسكرةٍ عربيّة ،لم أسمع بمثل دعوة كتلك ،أمْ أنَّ مقاومتنا تنامُ على "حرير"حقِّها ،ليوقظها وقع أقدام (جاد المالح) "المباركة" ؟!!
المناضل ،الفنّان ـ الإنسان ( ديودونّيه ) ،وترجمة اسمه ( عطاء الله ) ،ليس مسلماً ،ولا من شريف نسل ( قحطان وعدنان ) ،لم يسمع بحرب (داحس والغبراء) السخيفة ،ولا بفتنة حرب ( البسوس) المهزلة ،ولا بشقيقاتهما الغبيّات ،ماهو قائم منها ،مايُعدُّ ،وما قد فات ، ولا أظنه طعّم ثقافته الفنيّة بتركة ( بكْـرٍ و تغـلِب ) ،ومع ذلك فهومن مؤسسي الحزب ( ضـدّ الصـهيونيّة ) ،وفي ساحةٍ أوروبيةٍ صعبةٍ ،معبأةٍ في قسمٍ كبيرٍ من منابرالرأيِّ والقرارالسياسي الوازن فيها ،بالنشاط الصهيونيّ المنظّم ،يساراً ويميناً ووسطاً .

إنَّ نبذةً عن حياة الفنّان لازمةً ،ولاشكَّ، للتعريف به ،ومدخلاً إلى فضائه الفكري ،ونشاطه السياسي المُميَّز والُمتميِّز :
وُلِدَ السيِّد ( ديودونّيه ) في ١١ شباط عام ١٩٦٦ ،في ضاحية (فونتي ـ أُو ـ روز) الباريسية ،لأمٍّ فرنسية ،مجازة بعلم الإجتماع ،رسّامة ،ولأبٍ من أصول أفريقيّة ( كاميروني ) ،خبير حسابات .وقد ترعرع في الضواحي الباريسية الجنوبيّة والشرقيّة .
بعد تنقله في عدد من الأعمال الصغيرة ،دخل الإستعراضات الفكاهية بتشكيله ثنائي مع صديق طفولته (إيلي سيمون) ،اليهودي ذو الميول الصهيونية ،لينفصل عنه عام ١٩٩٧ .
عام" ١٩٩٣" أنشأ شركة (بوني للإنتاج ) ، "١٩٩٥ "دار (ميرلين للنشر) ، "١٩٩٦ "ورشات ( الفضاء الغيني )الفنيّة .
عام "٢٠٠٠" يغني في ثنائي مع (جاد المالح) أغنية ( أنا عندي كُره ) ،في تعاون يتيم ،ليتابع بمفرده بعد ذلك ،في مسرحه الباريسي : ( اليد الذهبيّة ) .
أصبح السيِّد ( ديودونّيه ) منذ العام "٢٠٠٠" هدفاً لهجوم مركّز من قبل دوائر التأثيرالصهيوني ،صحفها ،أقلام مثقفيها ،وهم كُثر،وخاصة ملاحقاته القانونيّة ،بدعاوى افترائية ،في حملةٍ حاميةٍ منظمة ،قادتها المنظمات اليهودية في فرنسا .
في المقال القادم ،سيكون الموضوع حول ( ديودونّيه ) المناضل السياسي ،لا السياسي فقط ،وحول الحزب المعادي للصهيونيّة ،حزب ( ضـدّ الصـهيونيّة ) الذي ينشط من خلاله ،وفيه .......داسك سيريا
هذه المقالة قرأت

0
مرة
-->

الاثنين، 20 يوليو 2009

إيران ..الصين .. والشبكة العنكبوتية ...( القسم الثالث )

بقلم : د. مـنير القـوي
القسم الثالث :
محاولة تحليلية لاستنباط ممكن الحلول:

لا يجب الوقوف باستغراب أمام المفاجآت ـ الصواعق ،خصوصاً إذا فجّرها العنف المنفلت لغضبٍ جمعيٍّ ـ جموعي ،مضغوط في صدورجماهير معبأة (بالحق أو بالباطل ،فالنتيجة واحدة):
فمن كان يتصوَّر في أواسط السبعينات من القرن المنصرم ( باستثناء العارفين والمحللين بعمق ) أنَّ "عرش الطاووس الشاهنشاهي البهلوي" ستكتسح عنجهيته وجبروته جماهير الشوارع الإيرانية الغاضبة ؟ !!
هذا من التاريخ الإيراني الحديث ،وناتجه المعاش ....
ومن كان يتصوّر ،في تلك الفترة ،أنَّ " الإتحاد السوفيتي العظيم !!" لن يكمل العقدين القادمين ؟!!
بالطبع كانت الحرب الأمريكيّة الـ (ريغانيّة) المعلنة على (امبراطورية الشرّ السوفيتية) في أوج إوارها ، وكان دارسون واستراتيجيون ،( بول كندي مثلاً)،يتوقعون نهاية الإمبراطورية السوفيتية ،في سياق منطقٍ تحليلي لتاريخ صعود وسقوط الإمبراطوريات ،عوامل الصعود وأسباب الإنهيار، لكنني أجزم بأنَّ توقيت الإنهيارالمدوّي ،وسرعة وقوعه ،وقصيرالزمن الذي حمله، لم يكن كل ذلك بحوزة أحد ،حتى في ضيِّق جوقة اللاعبين ،والمخططين ،والدارسين ،والمتابعين ،وإنْ تباينت التكهنات والتوقعات .
أسوق المقدّمة أعلاه ،بعد حديثِ اطِّلاعٍ على الكتاب الجديد لـ (توماس فرييدمان)،بغض النظرعن الموقف من الكاتب وأدواره ..!!..) ،والمُعنون ""كتاب : المائة عام المقبلة "" ،والذي جاء في إحدى فقراته :
(أن تاريخ القرن الجاري الـ ( 21 ) ،وبشكل خاص ،النصف الأول منه ،سيتمحور حول الصراع بين طرفين:
ــ الأول يمثل القوى "الثانوية" التي تحاول تشكيل تحالف لاحتواء الهيمنة الأميركية وتقويضها.
ــ الثاني يتمثل في الولايات المتحدة التي ستحاول القيام بمبادرات "استباقية" للحيلولة دون تشكيل مثل هذا التحالف ).
ومن استنتاجات ،أوحتميّات (فرييدمان) الكثيرة في الكتاب : يأتي على رأسها : ""أنَّ روسيا والصين إلى أفول ""(؟!!) .
فهل هي تصورات ، نبوأت ،أومعلومات ؟! بالنظرإلى موقعه (في صحيفة النيويوك تايمس )؛("نعّوم شومسكي" يصف "فرييدمان" بـ : "" الناطق الرسمي لوزارة الخارجية الأمريكية في صحيفة النيويوك تايمس"" ) ،وبخاصّة ،قربه من مراكزالدراسات ،واللوبيات المؤثرة في القرارالأمريكي ،ومطبخ القرار في الإدارة الأمريكية "السابقة" ؟؟
لن أرجِّح احتمالاً ،لئلاّ ترتفع أصوات "الثقافة المارينزيّة" مُندِّدة ومردِّدة الإتهام بـ (نظريّة المؤامرة) السخيفة ،لكنْ لا يمكن ،لمطلق حصيفٍ ،إنكار حقيقة وجود استراتيجيّات صراع مصالح متناقضة ،وحروب قائمة ،بالنارالمباشرة ،وبالوسائل الأخرى المتعددة ،الإقتصادية والثقافية ،الإعلاميّة والنفسيّة ،وحتى الصحيّة والغذائيّة (حروب الحصار وقراراته الدّولية الأشهر) ،وسواء اتّبعت شكل الإستباقيّة ،أوسواه من توصيفاتها الجاهزة .
وبكل الأحوال فما جاءه فرييدمان"موجود ومكتوب ،وفي المتناول المتاح للمتابع السياسي العادي ،والملفت فيه هذا التصنيف الإصطفافي بين معسكرين ،ولا حياد بالمطلق ،( فمن ليس معنا فهو ضدّنا )،وكأنَّ الـ ""بوشيّة"" لا زالت تمسك بزمام القرارالسياسي الإستراتيجي الأمريكي (؟!!) ،استنتاج يدعمه صراحة قول (فرييدمان) : ""أنَّ الولايات المتحدة ستحاول القيام بمبادرات "استباقية"" !! ،فهل ما نشاهده من استعار الحرب الحامية في أفغانستان ،والتدخليّة الفجّة (ولو ميدويّاً عولميّاً...بشتّى الدعاوى والحجج) على الحوادث ــ الإضطرابات المندلعة في الساحين الإيراني والصيني ،خاصةً بواقع تواقتها شبه الصدفوي ،يُمثِّل الترجمة الميدانيّة لتوجهات السياسات ""الإستباقيّة"" التي يتكلم عنها "فرييدمان" ؟!! وهل وراء أكمةِ السياسة الأمريكيّة الحاليّة ،معسولة الخطاب ثقافويته ،أهداف مبرمجة ،قد تفاجئ العالم ،في لحظة استرخاء ،خاصة في منطقتنا العربية ؟
سؤال مشروع ،فكاريزمية الرئيس الأمريكي (اوبـامـا)،لاتُخفي ولا تُجمِّل القتل (ـ بالجملة ـ)في العراق ،ووادي سوات باكستان ،وبَوَادي أفغانستان وحواضرها ،ولاتجعل مفهوماً ،بل تزيد استهجاناً وغرابة ،هذا الإصرارعلى متابعة قتل أهل (غزة هاشم) بالحصار المتفق عليه عولميّاً ،بتواطؤِ الأخ ،وانقياد الأشقاء التُّبع ،لا.... ولايكفي لإخفاء العدوانيّة في تصريحات وزيرة خارجيته (هيلاري كلينتون) ،ولا احتفاظه بذات وزير حرب (جورج بوش الإبن) ،لا.... ولا يكفي بالتأكيد لإغفالِ و تعامي ،وخاصة من قبل البعض الوازن "الخارجي" ،والكم الكبيرمن أبناء "جلدتنا" ،عن التلاقي والتطابق الإستراتيجي المطلق ،والمعلن أمريكيّاً ، بين السياسات الأمريكية وتلك المتَّبعة في الكيان الصهيونيّ العدوانيّ !!! ،نعم إنّه سؤال مشروع ،واليقظة في التقاط الإجابة عليه أكثر من واجب ،إنّها ضرورة ،بل ،و" فرض عين "،خاصة بالنسبة لصاحب المسؤوليّة ومن بيده القرار.
من منطلق كهذا ،رُبّما ،جاءت مبادرة رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام في إيران ،الشيخ (علي أكبرهاشمي رفسنجاني ) في خطبته ـ الجمعة الأخيرة (16/ 7/2009)ـ في جامعة طهران ؟!!حاملة بعضاً من الإقرار بأنَّ (أهل مكّة أدرى بشعابها) ،إلاّ أنَّ الردود المباشرة (مقاطعات الخطبة بالهتافات ،مظاهرات ومواجهات وتوقيفات تلتها )،واللاحقة (الأصداء التي تركتها والردود ،شبه الرسميّة ،التي أعقبتها ـ جريدة كيهان ـ ) ،تُشيرعلى أنَّ أهل مكّة ليسوا على اتفاقٍ في درايتهم بشعاب " مَكَّتِهم " .
صحيح أنَّ الشيخ (علي أكبرهاشمي رفسنجاني ) لم يكن بالمحايد في الإنتخابات الرئاسيّة ،وكان في المعسكر المنافس للرئيس ـ المرشّح ( محمود أحمدي نجاد) ،ولأسبابه ـ الدوافع ،وهوحُرُّ الخيار بالمبدأ (كمواطنٍ ـ فرد ) ،فهل تجاوز صلاحيّاته بحكم موقعه ؟ !! هنا تجب مناقشته ،عوضاً عن تكريس لعبة (شدِّ حِبال) حول توصيفٍ هنا ومصطلحٍ هناك ،فـ"الأزمة السياسية" التي كشفت عنها الإنتخابات الرئاسيّة ،بل وفقططها رقميّاً ـ ثلثا الكتلة الإنتخابية (أغلبية) وثلثها (معارضة) ،حقيقة واقعة ،لايفيد إنكارها بشيء ،لا بل هو الضرر بعينه ،خاصةً وأنَّ اللبوس التي حاولت الأكثرية إلباسها للأحداث ـ وبصورةٍ خاصة للإضرابات الإحتجاجية ـ بدت كمن يحتجُّ على ""موديل الفستان المعروض"" وليس على""نوعيّة القماش المحلّي الحياكة ،لحمةً وسدى"" بلا أدنى شكٍّ أوتشكيك ،وأمّا المعالجات التي وُوجِهت بها ،فلم تخرج عن المألوف السلطوي ـ القمعي لشَغَبٍ جمعيٍِّ ـ مجتمعي(منفلتٍ من منطق عقلانية الفعل ،مشحون الإنفعال بغضب الخيبة ،....منفلتِ الغرائز ربّما ؟!! ) ،مُستَغَلٍ ـ حتماً ـ من الآخر المغرِض ( داخلي كان أو خارجي ) .فما الذي جاءه الشيخ (علي أكبرهاشمي رفسنجاني ) ؟
تأخر ؟!! : ""نعم"" ،لكنّه بادر،وهذا سبق ،وليكن له أسبابه ـ الدوافع هذه المرّة أيضاً ،ولو من موقعه في هرمية نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية ،فتركيزه على احترام إرادة الشعب ،ومشروعيّة السلطات المنبثقة عن تلك الإرادة ،وبالأخص : تقريرحاكميّة الشعب ( فللشعب الحاكمية ""؟!""،لكن في الإطار الجمهوري ـ الإسلامي ) ،هل من خلافٍ على ذلك ؟
فليفتح الحوار بين الأجنحة المختلفة ـ المتواجهة على الساحة الإيرانية ،على قاعدة ""الإعتراف بالآخر"" ،فعليّاً لا إنشائيّاً ،وعلى مفهوم الشراكة ،لا الإقصائيّة والغلبة ،ولا مغانم الإستحواذ .
صحيح أنَّ لاستخدام وسائل الإعلام ،المرئيّة والمسموعة ،على مشروعيتها ،محاذير لا تُغفَل ،والتجربة أثناء حملة الرئاسيّات لم تكن بالمشجِّعة ،لكْنْ يُستطاعُ الإتفاق على وضع ""ميثاق شرفٍ حواري"" يركزعلى الأفكار والبرامج وتطبيقاتها ،بعيداً عن الشخصنة والتسفيه وتراشق الإتهامات ،وإذا كان لابُدَّ من الخلاف ،وهو حتمي ،ومن الإتهام وهو من مألوف التناول ،فليترك للقانون المحترم ،ولقضائه النزيه البتَ بالخلاف ،والحكمَ جزائياً، بعدم صحة أو بجرميّة الإتهام ،ومن هنا مشروعيّة دعوة الرئيس (علي أكبرهاشمي رفسنجاني ) لاحترام القانون والمؤسسات التشريعيّة الشرعية للجمهورية الإسلامية الإيرانية .
فهل نتيجة الرئاسيّات الأخيرة من جملة النتاج المشروع لتلك المؤسسات ،عند الدّاعي ومعسكره ؟!! هنا يجب أنْ يتركّز النقاش "الحواري" مرّة أُخرى ؛عِلماً أنَّ الخطبة الرفسنجانيّة كانت في مبناها والمضمون ،بين تبريد ساخنٍ وتسخين بارد ،فالتوجه التصالحي اقترن بالتلويح التهددي : أنَّ مجلس الخبراء من ينتخب ويعيِّن المرشد الأعلى (ذلك معروف فلماذا التذكير به ؟ !!!) ،وهل من احترام القانون دعوته لإطلاق سراح الموقوفين على خلفيّة الأحداث ( في الموقف الحالي، ليس ضرورياً أن نحتفظ بعدد من الناس في السجون. علينا أن نسمح لهم بالعودة إلى أسرهم. يجب علينا ألّا نسمح لأعدائنا بأن يلومونا وأن يهزأوا منا بسبب الاعتقالات. علينا أن نسامح بعضنا بعضاً) ؟!! ،هكذا وبلغة قبلية بدوية يقدِّم مطلبه ،وكأنّ القضاء في "جمهوريته" الإسلاميّة زائدة دوديّة تُذْكر ـ فقط ـ ساعة التهابها !!! وهو رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام ،ورئيس مجلس الخبراء !!!.
إنَّ المشكلة الحقيقية القائمة : هي في ذهنيّة جيلٍ من مسؤولين جاء مع انتصار الثورة الخمينية ،لايريدُ الإعتراف بالمتغيِّرات ،وخاصة بحق الأجيال الجديدة ،في قول كلمتها ،وباستمراره في ممارسة وصائيّة امتيازيّة ،ترفض الإعتراف بمشروعيّة النضوج المجتمعي بعيداً عن تصوُّراتها ومعاييرها ،وخاصة مصالحها التي نمّتها بحكم سلوكٍ زبائنيٍّ نفعيٍّ ،سمحت به وأتاحته استثنائيّة الظروف التي مرت بها الثورة الإسلاميّة الإيرانيّة ،وما تزال ،لكنَّ التغييرلا يمكن أنْ توقفه ،وإنْ استطاعت عرقلته ،مراحل استثنائيّة ،وتبقى الخطورة الكبرى إذا أصبحت من الجسامة بحيث تستطيع حرفه إلى مسارات أخرى ،ومن ثم الإنفتاح على المجهول ،وإلى كل استغلال ،فإلى أين المسار ؟ !!!!!!، أعود إلى المقال الأوّل ،تاريخ 12/7/2009 (شامبريس)،وقبل خطبة الرئيس (علي أكبرهاشمي رفسنجاني ) ،لتكرار ماقلته : التسوية هي الحل ،والحوار هو الطريق ،واحترام المؤسسات هو الضمانة ،وإلاّ.... فلن يرحم التاريخ الإيراني من رأى فتعامى ،وانتدب فأهمل ،واستطاع فأحجم ،وولِّي ففرَّط .
أمّا في الشأن الصيني فالعقدة بسيطة في وضوحها ،ومع ذلك فعلى الحلِّ عصيّة ومُربكة .
صحيح أنَّ "الصين ـ الدولة " قوية كفاية لتردع كلّ "خارج" عن مجرد التفكير بالدخول في مواجهة مباشرة معها ،بعكس الوضع الإيراني ،الذي لايفتأُ الكيان الصهيوني عن مناكفته بتوجيه رسائل التهديد شبه اليوميّة إليه ،وقد انضمت إلى الخطاب التهديدي منذ أسبوع سكرتيرة الدولة الأمريكية (هيلاري كلينتون) ،فمع الصين لايمكن ذلك ،ولايستقيم ،وهذا فرق جوهري ،نابع من تباين الثقل المؤثرلكلا الدولتين (الصين وإيران) في معادلة موازين القوى الدوليّة ،ومع ذلك فاستعراض مسيرة السنوات الستين من عمرجمهورية الصين الشعبيّة ( ضعف عمر الجمهورية الإسلامية الإيرانية) ،مع التسليم بواقع المارد الإقتصادي الذي أقامت ،والنووي الذي امتلكت ،والفضاء الذي غزت ،ومجليّ النجاح الإكتفائي لشعبها الملياري ونيِّف (حوالي 1350000000 نسمة ،وقد قصدت الكتابة الرقميّة ) ،إلاّ أنَّ نجاحها اجتماعيّاً وثقافياً (بالخاصّة) ،بل ومواطنيّاً ،لايرقى إلى سوية نجاحاتها أعلاه ،فمشاكلها الإثنية ،والقوميّة ـ الإثنية بلا حلٍّ ،اللهم إلاّ إذا قبلنا أنَّ (القمع الأمني) هوالحلّ ،وبالتأكيد ،ليس هوالحل الدائم والنهائي أبداً ،وإنْ كان اللجوء إلى تدابيره أمراً مفهوماً ،كما في الحالة الراهنة ، دون أنْ يكون مبرراً على إطلاقه ، ناهيك عن مشاكل السكن ،والتعليم ،وشروط العمل وسوقه ، إلخ...والمشكلة ليست بنادر"إسداء النصائح ودروس المواعظ " لكنها تكمن في الرؤية الإيديولوجية '' أحادية اللون ''،إنها تورث مرض "عمى ألوان أيديولوجي" ،يزيده تفاقماً تلك النجاحات السابقة ،فينقلب إلى عظمائية تصلُّبٍ مواقفي ،ترفض النقد ،حتى المخلص النصير ،وتعطل فيها آلية النقد الذاتي المنادية به ،هذا إذا لم تحوله إلى ماكينة "فبركة" اتهامات للمختلف والمخالف ،في سلسلة لا تنتهي من حركات التطهير والتشهير بأعداء الثورة "الجبناء"،"وطاويط الليل المارقين" !!! علماً أنَّ لهؤلاء وجود دائم ،ولكن ليس بالزخم العدديِّ المُعايَن ،وإلاّ لكان ذلك دامغ الشهادة على إجرام "الثوار" وأضاليلهم ،واغتصابهم سلطة ليسوا لها أهلاً ،ولا هم شرعيون بتقلدها ،ما كانوا ،ولا هم كائنون ،ولن يكونوا ،لها أو عليها ،إلاّ من الطارئين.
الصين مشروع امبراطوري صاعد ،لاسماع له لغيرصوته ،وتلك طبيعة كل مشاريع الإمبراطوريات عبر التاريخ ،فهل من جدوى للكلام ؟!! لكنْ للتاريخ عبرته وإن قلَّ الإعتبار،درسٌ قائم يقرع أجراسه ،وقد يصمُّ الآذان ولا من يسمعون .
أخيراً وللختام ،رأيٌّ شخصيّ في التِماع خاطرة :
ناجحة دائماً إدارة "مزارع الأقنان" ،وتبقى كذلك مابقي "القن ـ أداة العمل "في غيبوبة شلل وعيِّه بالذات ،فإذا لفحته ريح التِّمرُّد ،واجتاحته حُمى الحرّية موقِظةً فيه "الإنسان الحرّ" ،أوحتى "مشروعه الهيوليِّ البدئيِّ"،فعلى المزارع ومُلاّكِها السلام الأبدي .
وبالقطع : لا أبديّة لغيبـوبة أبـداً ،فإمّـا موت ينهي الحياة ،عزيزة كانت ،أوحتى تلك التي لاتستأهل شقاء معاناتها،وإمّـا استيقاظ يحسم الوضع المرضي وإنْ طـال المطـال ........!!!!

الخميس، 16 يوليو 2009

إيران .. الصين .. والشبكة العنكبوتية ( القسم الثاني ) :عن الصّين

بقلم : د. مـنير القـوي
القسم الثاني :عن الصّين

بالتأكيد إنَّ استدعاء الدّور الذي لعبته أطرافٍ خارجية ،لمحض مصالح مغرضة (حسب سلطات الدولتين) ــ وهو دورٌ لايَخفى على العين المُلمّة ــ بتوظيف الإمكانيات عالية التقنيّة لوسائل الإتصال الحديثة في التَّدخل على ساحتي الإضطرابات والإحتجاجات في كلا الدّولتين ،والتَّقارب الزمني لوقوع تلك الإضطرابات والإحتجاجات (أسابيع) ،ووقوع كلتا الدّولتين في موقعٍ (جيوبوليتيكوـ استراتيجيك) ملتهب تتصارع فيه وعليه سياسات واستراتيجيّات ،بين إراداتٍ تؤسِّس وتضع أهدافهاعلى "ضوءِ فلسفة ومفهوم" الموقع أعلاه (الموقعٍ الجيوبوليتيكوـ استراتيجيك ) ،""كثابتٍ ـ حقيقة ـ أساس "" ،بكل ما يلحقه ،ويلتحق ،ويُلحَق به ،ويُبنى عليه ،وبين (عولمة شاملة وشمولية) تعتبرالفلسفة والمفهوم السابقان وأساسهما عائق في طريق أهدافها ،التي بدأتها اقتصادياً ويجب أنْ تصل إلى خواتمها السياسية لكي ينجح مشروع العولمة الشمولي والشامل .
وأمّا ما يحصل في الطريق من أزمات ماليّة ، اقتصادية ،اجتماعية ،ثقافية ،وحتى زعزعة المجتمعات بإثارة الحروب الأهلية ،وتحت كل الذرائع ،بل وشنّ الحروب واحتلال البلدان ،وتمزيق ما اصطلح على تسميته : ""خريطة العالم السياسية المُتَفق عليها بموجب توافقات المنتصرين في الحرب العالمية الثانية (الحرب الإمبريالية الثانية) ""،فكل ذلك تفصيلات ،إنْ لم تكن ضرورات لإيصال مشروع العولمة إلى مراسيه الغائيَّة المتصَوَّرة !!.
إذاً هو صراعٌ موضوعيّ وصريح ،في عميقه وتمظهراته ،بين أيديولوجيّات شمولية ثلاث ،تعايشها السلمي مستحيل ،وصراعها هو من صنف الحتميّة المتَّسقة مع تحصيل الحاصل لمنطق الأمور المنضبطة بأسس مقدِّماتها إلى غاياتها .
وإذا كانت أيديولوجيّة الثّورة الإسلاميّة في إيران قد حدّدت ميدانها في محيط عالم الإسلام ،والثّورة الصينيّة الشيوعيّة قد حُلَّتْ أزمةُ أُمميتِها منذ تبني "نموذج النظام الإشتراكيّ في بلد واحد"ــ رغم تحفُّظٍ هنا ورفضًّ هناك ــ فإنَّ الأيديولوجيّة العَوْلَميّة لاتسطيع بحكم وراثتها تطورالمراحل الإستعماريّة ــ والإمبرياليّة في الذروة من تلك المراحل ــ لاتسطيع إلاَّ أنْ تكونَ تدخليّة ،إقصائيّة ،وعدوانيّة الطبع والطبيعة ،وبالتالي فما أشارت إليه السلطات الإيرانيّة ،ومثيلتها الصينيّة ،من تدخلات خارجيّة غرضيّة المقاصد ،يتّفق واستقامة سليم المنطق ،فضلاً عن الوقائع الدّامغة بلا لَبسٍ ولا التِباس ،ومن منابرعالية الصوت ،في جميع عواصم بلدان معسكر العولمة ،وملحقاته المتنوعة المشارب .
فهل هو استمرار للحرب التي فُتحت على كل الأبواب منذ نهاية أربعينيات القرن الماضي ،في مرحلة الثنائيّة القطبية ؟!! حيث أثبت معسكرالرأسماليّة ـ المتطورة ليبراليّاً وإمبرياليّاً ـ ثباته ،بل وغلبته على "المُسمّى أنذاك"النقيض :المعسكر الإشتراكي ـ معسكر رأسماليّة الدولة في حقيقتة ،المتكلس بيروقراطياً بمركزيّة القرار ـ المنضوي في منظومة الإمبراطورية السوفيتية ،التي انهارت في العقد الأخير من القرن المنصرم ،مشكِّلة منعطفاً في الصراع الكوني ،ما زالت تردداته تتمظهر في كل محطة من محطات الصراع ،الذي يبدو بلا أفق منظور .
يبدو أنّ الوقائع تؤكّد ذلك ،فالرأسماليّة ماضية في معركة مصالحها الهجومية ،بأيديولوجيتها العولمية الإقصائية ،وبكل الوسائل ،وإذاً فهي لن تقبل بحالٍ(تجربة ناصريّة) أخرى ،وعلى الطريقة الإيرانيّة هذه المرّة ،ومما يغريها أكثر، ما كشفت عنه الإضطرابات المنفلتة في أعقاب الإنتخابات الرئاسيّة الإيرانيّة من تناقضات عميقة ،بين أجنحة نظام الثورة الإسلامية بالخاصة ،ومكونات المجتمع الإيراني بالمجمل ،وعلى الصُعُد كافّة ،أُفقيّاً وعموديّاً .
على أنّه إذا تخيّل الغرب إمكانيّة إسقاط نظام الجمهوريّة الإسلاميّة بضربة قاضية ،وبالتحديد عسكرية مباشرة ،وهو احتمال يبقى قائم وبقوة ،رغم تصريحات الطمأنة والإستبعاد مؤخراً ،ربّما انتظاراً لسقوط التفاحة من ذاتها (؟!)،والبوادر مُنذرةً مُحذِّرةً ،بل وتبعث على الريبة (؟؟!!) ،فإنّ مجرد احتمال تخيّل ذلك في الحالة الصينيّة ، هوانتحارأكيد ،وليس من المعروف عن الرؤوس الباردة ،واضعة الإستراتيجيات ، في "غرفها السوداء" ،ارتكاب الأخطاء المميتة عادةً .
وإذاً فما يريد معسكرالعولمة ،حقيقةً،من الصين "الشعبيّة" ،فالقصف الإعلامي العولمي ليس عبثيّاً ،ماكان ،ولم ،ولن يكون ،ولا أعتقد أنّ المجّانية من شيم النظام الرأسمالي ،حتى عندما يتحفنا بـ (معوناته الإنسانيّة البريئة!!) ،خاصّة في دقّة ديناميّاته الحالية ،المحسوبة أزمويّاً ،وسفورنسختة المتوحشه المعاصرة ؟!!
لعلّ الوقوف بإيجازٍ مع بعض سمات دينامية "المارد الأصفر" وتوصيفاته التقريرية ،وعلى المستويين ،الداخلي والخارجي ،ومنها محاولة الوصول إلى استنتاجات ــ إجابات ،قد تفي بغرض الرَّد على السؤال ـ الإفتراضي ـ المطروح ،آمرٌ لا بدّ منه في سياق محاولة استيفاء القراءة شروط موضوعيتهاالمُفتَرضة :
بدايةً وبالمبدأ:
لاتستطيع العولمة الشموليّة العدوانية ،صاحبة المصالح "المطلقة كونيّاً" قبول الشراكة مع أية أيديولوجيّة تعبِّر عن مصالح أخرى مغايرة ،فكيف إذا كانت شيّوعيّة الشعار ،ماركسيّة الإيديولوجيّة ،امبراطورية التوجهات ،براغماتية الدينامية ؟!!
إذاً هو الصدام المحتوم ،بل والصراع المفتوح ،إلاّ بالحرب الساخنة المباشرة ،فهي الخطّ الأحمر ،أمّا بالنيابة ،أو على الميادين الجانبية ،فلا بأس ، ولكل أهدافه من تلك الحروب المحدودة الميادين .
فالصين ،عملاق المرحلة الإقتصادي ـ نمو سنوي بمعدل 10% وسطياً ـ يلتهم السوق الإستهلاكي العالمي ،ويغزو أسواق قلاع الرأسمالية ،جميعها بلا استثناء ،حتى أسواق الولايات المتحدة ،زعيمة العولمة ،والميزان التجاري الأمريكي ــ الصيني المختَّل بعمق لمصلحة الصين ناطق بلا مواربة ،وبالتأكيد فمن أهم عوامل الغلبة في ميدان الإنتاج التنافسيّ ،وبكل أشكاله ،تبقى أدوات وآلية النظام الإقتصادي في المقدمة ،وفي الصدارة منها : اليد العاملة منخفضة الكلفة ،ولا أقول الرخيصة لتضارب المرجعيّات ،والصين قاموس المرجعية ،كونيّاً، على قاعدة الإنتاج التنافسي ،والإستهلاكي بالخاصة ،وإذاً فالحاصل ،المطلوب والمتعين ،من التدخّل العولمي في الحالة الصينيّة ،يأخذ ،شكليّاً ونوعيّاً ،وجوهاً مختلفة عن ذاك في الحالة الإيرانيّة ،رغم وحدة جملة الصراع وذات الهدف ـ السمت :
1 ــ إشغال جزءٍ من قوة العمل الصينيّة ـ منخفضة الكلفة ـ في الهمّ الأمني الداخلي ،ومتطلبات كلفته ،مع ما يترتب عليه من رفع كلفتها ،وتحويل جزء من الميزانيّة الصينيّة المخصصة لاستراتيجيتها الإستثمارية إلى الميدان الأمني المكلف ،اللامنتج والمستهلك بحكم طبيعة مهمته .
2 ــ استمرار إيديولوجية العولمة في معركتها الثقافية المفتوحة للسيطرة نهائياً (وفق تصوراتها الغائية)بمحاولة تأكيدها فشل وهزيمة الأيديولوجية الماركسية في نسختها الصينيّة ،تماماً كما حصل مع شقيقتها السوفيتية ،وهي رسالة موجهة بالخصوص ـ فضلاًعن المجتمع الصيني ـ إلى الباقي من الأنظمة ذات التوجهات المشابهة ( كوبا ، كوريا ،وربما النيبال الماوية حديثاً...) ،وإلى الباقي من الحركات التي لم تتحول ،تدجيناً أواختراقاً ،إلى (يساريّة سابقة) أو ماركسويّة ؛وذلك بتسليط الضوء على التناقضات ،وعجز الحلول ،بل وعقيمها أحياناً ،بعد عقود ستة بالتمام والكمال ،من انتصار الثورة الصينية الشعبيّة (بالقيادة التاريخيّة الماوية) في البرِّالصيني وهزيمة (كومنتانغ تشان كاي شيك) إلى الصين الوطنية في جزيرة فرموزا (تايوان) .
ولعلّ أهم المظاهر ،سلبية الديمومة ،التي تسلِّط عليها الأضواء ،وتضخمها ،وسائل "الميديا" العوليّة الموجهة ،وفوق المتطورة ،في هجوم العولمة الضّاري ،في معركتها المفتوحة :
ا ـ صمود الظواهر الإثنية والإثنيّة ـ القوميّة ،أمام إرادة الصهر السلطوي المركزي الإرادوي ،وانفجارات مكبوت دينامياتها ،في ظرف مؤاتٍ أو متاح ، في الـ ( تيبت) بالأمس القريب ،وفي إقليم تشنغ يانغ (تركمانستان الشرقية) اليوم ،ولا يفيد اتهام الخارج المغرض ـ الموجود دائماً ــ مسلّمة لاتناقش ـ،ولا (ربيعة قدير "المنشقة ـ والشيوعية سابقاً "،في تكرارٍ مُمِلٍّ لرواية المنشقّ السوفييتي "سولجينتسين"المعروفة ) ،ففي الواقع وعلى الأرض ،مشكلة حقيقية يجب الإقرار بوجودها ،بل وأكثرمن ذلك ،الإعتراف أنَّ الإيديولوجيا الماركسيّة ، بنسختها الصينية ،وحتى بثورتها الماويّة الثقافية ،وكتابها "الأحمر" الشهير ،لم تقدم حلاً ناجعاً ،ولم تستطع إحلال مفاهيمها مكان تلك التي للإيديولوجيّات البوذية ،أو الإسلاميّة ، أوحتى الكومفوشية رغم كبيرمحاباتها أو الإتكاء عليها ،والتي أثبتت قدرتها على مقاومة محاولات اجتثاثها الإرادوي ،بل وتأكيد حصانة رسوخ وظيفتها الحمائية ـ الدفاعية في الذهنية الجمعيّة لأتباعها .
ب ـ أنَّ أداة الصهر الإجتماعي المعتَمدة في الصين ،هي ذاتها التي فشلت في الإتحاد السوفيتي المنهار ،الأداة الحزبيّة ،مركزية القرار ،فوقيته ،بنخبوية انتهازية ،علائقية الموالاة والنسقيّة والتراتبية،مما جعل الغلبة في مركز القرار السلطوي بيد قوميّة بعينها ( قوميّة الهان ) ،المُعتمَدة نواةً وأداةً لمحاولة الدّمج المجتمعي ؛ ميِّزةٌ خطرة حتى عندما تستقيم في سلوكها ،لما تورثه من أحاسيس ومشاعر فوقيّة رسالية عند هؤلاء (الخان) ،تماماً كما كان الحال عند (الروس) في الإتحاد السوفيتي السابق ،وبالمقابل تورث أحاسيس ومشاعر الإضطهاد والدونيّة لدى الإثنيات والإثنيّات ـ القوميّة الأخرى ،والتي قد تتطور نكوصيّاً إلى عنصريّة معكوسة ضدَّ المعتَبر مُعتَمداً مُهَيمِن .
ج ــ كشفت الكوارث الطبيعيّة (زلازل ،فيضانات) ،هشاشة البنية التحتية الصينيّة وهزال خططها ،بل وبدائيتها ،وضئيل استعدادها ،علاوة على درجة الفساد المرتفعة ،حتى في تنفيذ الأبنية الآوية للملايين من أُسَرالعمّال ،والفئات الشعبية من الصينيين ،والتي كانت تعدُّ مفخرة ومعجزة للأمّة الملياريّة قبل الكوارث التي وقعت ،وكشفت المستور ـ الفضيحة .
د ــ التكرار المأساوي المؤسف لحوادث المناجم ،الأسبوعية وسطيّاً ،وما تُخلّفه من عديد الضحايا بين عمّال المناجم ،مما يكشف الشروط الرديئة ،بل وإهمال الحدّ الأدنى من مواصفات (آمان العمل وأمنه) في بلد نظام العمّال والفلاحين والطبقة العاملة ،بل وألعن من ذلك : // يشير إلى تشييئ الإنسان ،حين يصبح أداة إنتاج في منجم بدائيّ ،فتلك قيمته ولا قيمة له بذاته //!! أوليس ذلك بمأساة تفتح كل أبواب الذرائع للغرضيّة والتدخلات ؟
هـ ــ عدم نجاح السلطات الصينيّة القيّمة على إدارة شؤون ""ثلث البشرية"" ، أولامبالاتها ،بالإنضمام الفعليّ إلى ثقافة (حماية البيئة ) ومواثيقها ،وما يظهرهُ تجاهل مفاعيلها من مخاطرتستدعي اهتمام دولة بحجم الصين ومسؤولياتها ،خاصة تجاه ""ثلث البشرية"" المسؤولة عنه ،وما يلحق به من كوارث مُجلجِّلة العواقب ،بل إنّ الصين تُعَدّ بين الملوِّثين الرئيسيّين على كوكب الرض ،تسبقها فقط الولايات المتّحدة !! .
وــ إختلال التوزيع ،الجغرافي والديموغرافي في المجتمع الصيني ،لمَواطن ومردود النهوض الإقتصادي الحالي بين الأقاليم الصينيّة ،ولا عدالته الواضحة ،واعتبار بعضها ،بل واعتماده " مجتمعاً صناعياً " وهي حقيقة في الشرق والجنوب الشرقي ،(أغلبية هانيّة)،وتصنيف الأقاليم الأخرى بين رعويّة (التيبت) ،وزراعيّة (الوسط) ،ومصادر مواد طاقويّة (الغرب وخاصة الشمال الغربي ) ،حيث تندلع الإضطرابات الحالية في إقليم تشنغ يانغ أو(تركمانستان الشرقية) ،ومن الطبيعي أنْ يورث التفاوت التنموي بين الأقاليم مشاكل بنيويّة مستحدثة تنضاف إلى الكم المتراكم تاريخيّاً في بلدٍ فسيفسائي ،وحَّدته سياسيّاً أيديولوجيا ثوريّة شموليّة ،وعجزت أدواتها المعتمدة عن صهر مكوناته في بناء مجتمعٍ متجانس ٍواحد .
3ــ يبقى الوقوف مع أهداف التدّخل الخارجي ،في امتداد ميدان الصراع مع الصين ،إلى الخارج الصيني ، لإنجازاكتمال إطار الرؤية بانوراميّاً ، دون ادّعاء كمالها :
اــ إنّ تواقت انتقال ثقل الصراع العسكري الأطلسي إلى الساحة الأفغانية لايمكن النظر إليه بمعزلٍ عن مفاعيله في الجوار ،وتأثُّر وتأثير ذلك الجوار (الصيني ـ الإيراني) بارتداداته ،فالمقاومة الأفغانيّة ( المسماة طالبانية ـ قاعديّة ) لقوى الغزو وصنيعتها ـ نظام( كرزاي ) ـ لا تعتمد الحجارة والهراوات أسلحةً في معاركها ،بل أسلحة متطورة ،ولو فرديّة ،لا تُصّنّع حتماً في مغارات " تورا ـ بورا" ،فمصدرها من دول الجوار ،أو من أسواق السلاح ،التي لايمكن منطقيّاً قبول أُرجوفة عصيانها على كل رقابة ، هذا أولاً ،وثانياً لم يقل أحد أنها هبة ،لا سماوية ولا أرضيّة ،بل مدفوعة الأثمان بطرق شتى : تبادل مصالح ،استراتيجيّات مواجهة مفتوحة واستنزاف هادف ،تحالفات مستورة ،وأبسط الأثمان أموال تجارة الأفيون ،زراعة محميّة ،وتهريب منظم إلى أسواق الغرب بالخاصّة ،والتي تجد مرجعيتها التاريخية في حرب الأفيون التي شنتها الإمبراطورية البريطانية على الصين في القرن التاسع عشر.
ب ــ تمثل السياسة التدخليّة العولميّة هجوماً استباقيّاً :
على الصين :
في محاولةٍ لقطع الطريق على وضع استراتيجيتها بالوصول إلى بحر قزوين ومخزونه الطاقوي موضع التطبيق ،بتأكيد التصميم الأطلسي على التواجد في ممر خيبر ،وعلى مسار طريق الحرير .
وعلى إيران :
بمتابعة محاولات حصارها وإضعافها ،وإعاقة توجهات تعاونها مع الصين ،والتلويح لها بعواقب تفعيل تدخلها على الساحتين العراقيّة والأفغانيّة .
ج ــ فتح جبهة مواجهة بين الصين و"التطرف الإسلامي" ،بإعادة استخدامه ،"تأهيله"وإعادة إنتاج دينامية معاداتة ""للشيوعية الملحدة""،كما سبق وحصل مع الإمبراطورية السوفيتية الزائلة ،وعلى امتداد ساحة تطلعات المصالح الصينيّة ،خاصة في القارة الأفريقيّة ،حيث يحتدم التسابق والصراع ،مع ما قد يُنتج ذلك من إحراجٍ لنظام الجمهورية الإسلاميّة الإيرانيّة ـ نظرياً على الأقلّ ـ أمام جمهور العالم المسلم حين تصبح حتميّة اختيار التحالفات أمراً ملحّاً وآني !!.
د ــ إرباك الصين العضو الدائم في مجلس الأمن ،على صعيد علاقاتها الدولية ،السياسية والإقتصادية بالخاصة ، ومع الدول الإسلامية بالخصوص ،والموقف التركي ،الرسمي والشعبي ،من قمع الأحداث الجارية بداية الغيث .
(انتهى القسم الثاني ) .
في (القسم الثالث) : سأحاول الولوج إلى تصوّر بعض المخارج، بمقترحات مراقبٍ لايدّعي الإحاطة والشمول ،لكنّها مساهمة لا تخلو من جهدٍ ،حتى وإنْ قال قارئ :خلت من كل اجتهاد !!.
شام برسالجمعة 17-07-2009
عودة
طباعة
أرسل لصديق

الأحد، 12 يوليو 2009

إيران...الصين...والشبكة العنكبوتية

إيران...الصين...والشبكة العنكبوتية
بقلم الدكتور: مـنير القـوي
القسم الأول :
عن إيران
اضطرابات في كلا الدولتين ،وفي كلتاهما يُشار باصابع الإتهام إلى شبكة "الإنترنيت"... إلى مراكز السيطرة على مصادرها ،وإلى الذين يسيِّرونها ،يستغلون إمكانيّاتها في التواصلية اللحظية ،وفي اعتماد وسائل "الميديا" الحديثة التي تمكِّنها من التعميم الكوني للمعلومة التي تختارها ،وللرأي الذي تنتصرله ،وبالتأكيد ،فإنَّ مراكزالسيطرة تلك ،والذين يسيِّرونها ،ويقفون وراء غرضيّات استخدامها ،ليسوا بالمحايدين ،ولم يدِّعوا يوماً "شرف الحياد " ،أويُخفوا انحيازهم الصريح ،بل إنَّ خطابهم التربوي ـ الأبوي ،الإستعلائي ـ الوصائي ،والتدخُّليّ الفجّ :لأوقح في سفورهِ من الفجور.!!
ــ وخارجهما ـ وخاصة في الغرب ـ ترتفع الأصوات مُندِّدةً بقمع الحريات الأساسية ،المكفولة بضمانات شرعة حقوق الإنسان ،والمواثيق الدولية ذات الصِّلة ،ومستنكرةً صورالممارسات العنفيّة لأجهزة الدولة "الأمنية" !!.
ــ هكذا تبدو لوحة ساحة المواجهة في صراعٍ مقيمٍ ،وقوده إنسان تحركه ايديولوجيات تدّعي ناجع الحلول لحاجاته وأزماته ،ومصالح متصارعة غالباً ،أومتلاقية أحياناً ،تقف وراء تلك الإيديولوجيات ،المختلفة من منابع صدورها وإلى مثاوي اعتناقها ،فلكل صوتٍ أسبابه ومنطقه ،بعضها القليل : مُحقّ بحقّ ،ومعظمها الأعم : مغرض وباطل
ـ صحيح أنَّ في الحالة الإيرانية سبب مباشر لاندلاع الإضطرابات ،ألا وهو نتائج الإنتخابات الرئاسية المختلف على نزاهتها ،والتي حُسمت رسميّاً بإقرار إعادة انتخاب الرئيس (أحمدي نجاد) لرئاسيّة ثانية ،ولسنوتٍ أربع قادمة ،لكنْ هل انتهى الحراك المجتمعي ؟
إذْ ليس كافياً اتهام الخارج المغرض بالتدخل ،وهو تدخل مُدان ،واضح لا يخفي حضوره ،بل يتعمد ،وبوقاحة وصفاقة ،تغليف أغراضه ،وكعادته ،ببرّاق ذات الدعاوى : حقوق الإنسان وما يتفرع عنها ويلحقها من حرية التعبير ،والإضراب ،والتظاهر"السلمي!!"،إلخ....حتى إذا وصل إلى حريّة التنقل والسفر أوقف دعاويه على أبواب سفاراته ،وابتلع شعاراته ،وأشهر سلاح الـ " فيزا" المقدّس ،وممارسته تلك : أمر سيادي !! وعلى الرأس من أهدافه :حماية مجتمعاته ،وسلمه الإجتماعي !! وممن ؟!! من ذات الناس الذين يتباكى على ما يلحق بهم من " ظلم" على يد السلطات في بلدانهم !!. والمضحك المبكي ،أنّ هؤلاء الناس لا يُوجَدون ،ولا يتألمون ،إلاّ في البلدان التي تتعارض سياساتها مع سياسات الغرب الهمايونية ،ومفاهيم ثقافته التفوقيّة ،وهيمنة عولمته الإخضاعيّة !! كل ذلك معروف ،واضح ،ومستمر ، ومع ذلك فالحراك المجتمعي قائم ومستمر أيضاً،حقيقة يجب ،ليس فقط الإقرار بها ،بل واحترام ديناميّاتها ،والإستجابة لحاجاتها التطورية ـ المطوِّرة المتجددة ،لكي تثمر في مشروع مساراتها ، فلا تخرج إلى مسارب الإستغلال ، فتنحرف ،أو تُحرَّف :
1ـ بإرادةٍ داخليّة مُعارضة ،خارج سلطوية ،أومُغرضة ، دائمة الوجود ،كموناً متربص ،أو فعلاً هدّام ، أو في الحدّ الأدنى : سلبية تعاطٍ مع السلطات القائمة ،هذا في حال صحة تمثيل تلك السلطات ونظامها لسمتِ ديناميّة إرادة جمهور مجتمعات دولها .
2ـ بإرادةٍ خارجية ،دائمة الوجود ،تبحث عن مصالحها بكل السُبُل المتاحة ، بغض النظر عن معايير الأخلاق المتعارف عليها ،والتي تَضْمُر في حضورها حين تتعارض مع المصالح إلى حدّ إنكارها ،أو الأدهى : تسفيهها وإحلال قيم النقيض في ذات مكان قدسيّة تمجيدها !!!
3-ـ بمحاولة اللعب من بعض أجنحة النظام القائم ،لفرض وجهات نظرها ،أو البرهان على صحة توجهاتها بشهادة الشارع المعبِّر عن استيائه ،من بعض السياسات المطبقة من قبل الجناح القابض على ناصية السلطة .
فمحاولة استغلال مظاهر الإحتجاج على نتيجة الإنتخابات الرئاسية في الشارع الإيراني ،والممارسات التخريبيّة التي مارستها "قِلَّة" ،أخذت العدالة على عاتقها البتّ في تحديد المسؤوليّة عن افتعالها ،لا يحتاج لبرهانها متابع ،ومع ذلك فإنَّ إحالة المسؤولية عن الأحداث وإلقائها على الآخرالمُغرِض (العدوّ الخارجي ، شيطان أكبركان ،أوأصغر،أومن ضعاف النفوس الذين يسهل شراؤهم بأساليب شتّى ....) لايمكن الركون إلى جديّة وحدانيّة خطابها ،بل يمكن قبولها ( مسؤولية الآخر المغرض ) عاملاً تدخليّاً مساهماً في إذكاء جملة أسباب ولادة الأزمة ،وربّما توقيتها ،دون قبولٍ وبالمطلق ،بمسؤولية هذا ( الآخر المغرض ) عن خلق تلك الأسباب أواختلاقها ،والتي تكمن أساساً في تراكمات ثلاثين سنة من عمر الثورة الإسلاميّة في إيران ،فتلك الثورة التغييرية الكبرى ،بل والجذرية حتى ليجوز وصفها بالـ "انقلابيّة"بحقّ ،تماماً كالثورات الكبرى :البلشفية السوفيتية ،والصينية الشيوعية ،قد وصلت إلى استحقاقات عبر تسلم الحكم والمسؤوليّة في " ايران ـ الدولة والمجتمع "،لابُدَّ من الإجابة عليها بطريقة عمليّة ،فالذين وُلدوا عند انتصار الثورة عام ١٩٧٩ يدخلون إلى رحاب العقد الثالث من عمرهم ، هؤلاء لم يعانوا حكم الشاه (محمد رضا بهلوي) ،ولا جهاز السافاك ،وما يعرفونه عن ذلك الماضي قد يكون مشوشاً بالكثير من مفاهيم الدعاوى المضادّة !! وعلى كلٍّ فهو ماضي أو منه ،ثم إنَّ الثورة الإسلامية في إيران قد مرّت بامتحانات ،بعضها بل جلُّها محن حقيقية ،فحرب "الإحتواء المزدوج"العراقيّة ـ الإيرانيّة !! ولسنواتٍ ثمانيّة طوال ،جعلت الكثيرمن مسلمات ايديولوجية الثورة موضع تساؤلٍ ومراجعة ،وأيقظت من تناقضات الماضي أسوأ أطيافها ،والأشد سواداً من صفحاتها ،طبعاً بجهدٍ مبرمجٍ ومدروس من فرق (الغرف السوداء )إياها ،اليقظة دائماً في سهرها على تطويرسيرورات استراتيجياتها ،التي يفوح ـ أبداً ودائماً ـ من تكتيكات وضعها في التطبيق رائحة النفط والبارود والكثيرمن دماء الشعوب ،فضلاً عن تعرية وانكشاف الكثيرمن الأدوات ـ الأدوار .
ثُمَّ إنَّ الزخم الثوري للمرحلة الخمينيّة قد خفَّ وهجه مع الزمن ،وتلك طبيعة الأمور ،خاصة في ميادين العواطف وعواصف الإنفعالات ،التي تخلي مكانها تدريجيّاً وبهدوء لعقلانيّةٍ تعرف أنَّ مكانها محفوظ رغم علو الموجة ،و تبخترزائل الزبد،ربّما بدأ ذلك منذ نهاية الحرب ـ المؤامرة (وعلى إيران والعراق سواء بسواء) عام ٩٨٨ بتوقيع المرجع آية الله ،روح الله الخميني على وقف الحرب ،وخاصة غياب الحضور الكاريزمي له كقائدٍ للثورة المنتصرة ،بوفاته بعد ذلك بعام ،
ثُمَّ إنّ إيران الخارجة من الحرب ،وبكليتها :سلطة ونظام ،دولة ومجتمع ،وجدت نفسها جريح حرب مزمنة ،يحتاج إلى الوقت لإلتئام الجرح ،ونقاهة الجسد ،فرصة لم تتمكن أبداً من اقتناصها بسبب عداوة البعيد وتربص القريب ،وتغيُّر الموازين الدوليّة كلها بانهيار الإمبراطورية السوفيتية ،ومحاولة الولايات المتحدة ـ الشيطان الأكبر حسب توصيفات الثورة الإسلامية ـ السيطرة على القرار الكوني . كلّ ذلك صحيح وأكثر ، لكنّه لا يصلح بحالٍ لتفسير الكيفية التي تجعل من نتيجة انتخابات رئاسيّة ،وإنْ مُختلف على نزاهتها ،مناسبة لانكشاف نظام ،بل وانقسام ذات النظام على نفسه إلى أجنحة متصارعة ،فالمرشحون الأربعة أبناء شرعيون للنظام ،بل الأبناء الشرعيون له وبامتياز، وأفتاهم هو الرئيس محمود أحمدي نجاد ،فأين التفسير أو محاولته بأضعف الإيمان ؟!!
1ــ المرشحون الأربعة من أعمدة النظام ،حملة أيديولوجيته الإسلامية ،وإنْ باجتهادات متفاوته ،إلا أنها لاتفرط بالأسس الجامعة للتوجهات الكلية وأهدافها ،ومع ذلك فالكليات لاتكفي وتبقى في التفاصيل علة الأشياء ومنها أنَّ الرئيس (نجاد) هو الأكثر تصلباً ايديولوجياً ،والأكثرانفتاحاً اصلاحياً على الصعيد الإقتصادي ،رغم أنّه آخر العنقود عمراً .
2ــ ايديولوجيا الثورة الإسلاميّة الإيرانيّة مازالت لها ذات المفاهيم السمات والشعارات الثوابت ،منذ ما قبل انتصارها ،وحتى ما بعد استلامها الحكم ،وإلى ساعتنا ،رغم أنّ سياسات الجمهورية الإسلامية الإيرانيّة ـ لا سياسة الجمهورية الإسلامية الإيرانيّة ـ تتصف بالكثيرمن البراغماتية ،الناجحة نعم ،خاصة على الصعيد الخارجي ،ولكنها براغماتية ،ثابتها الوحيد متغيرها المتطور ونفسها الطويل ،مما يجعل محاولة المزاوجة بين الإيديولوجيا ـ الثوابت والسياسات ـ المتغيِّر ،كأساس وبناء عليه ،عملاً مُربكاً أحياناً ،يحتاج للكثير من التحليل والتعليل وربّما التبرير أيضاً !
3ــ الصف الأول في السلطة ينتمي لذات النادي الذي لم يتجدد ،اللهم إلاّ جزئياً بوافده الجديد نسبيّاً :الرئيس (نجاد) وبعض رعيله ،وتبقى السيطرة على مفاصل النظام بيد مجالس تسيطر عليها ،بالأغلب الأعم ،ذات الوجوه منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية الإيرانيّة ،مما يجعل الأجيال المولودة بعد قيامها (الجمهورية) في حالة بطالة فاعلية في ما خصَّ الشأن العام ،وهامشية قرارية في المسار المجتمعي والتطور الإجتماعي ،بل والأدهى أنها تجد نفسها مطالبة بالإنتماء الثوري المستعد للتضحية بالنفس ،في الوقت الذي لايُعترَف لها بنضجها ،وتُبقى في موقع الأصغر الذي لم يعش لحظة بركات انتصار الثورة ،في تكرارٍ لسابقةٍ :علاقة الصحابة مع التّابعين ،مع أنّه لا فضل لأحدٍ في ساعة مولده ،إنّه تقدير قادرٍ وفضل عليٍّ عليم .
4ــ الأجيال الشابّة لها مطالبها المشروعة ،والمتجددة في عصر اختلف فيه كل شيء ،خاصة في العقد الحالي ،بما شهده من ثورة حقيقية في المعلوماتية وميادين الإتصالات ،وتطور ،بل تغيّر معنى بعض المصطلحات ،كمصطلح : أمّي ومفهوم الأميّة بكل تشعباتها ،وولادة مفاهيم ومصطلحات جديدة : كالعولمة والمواطن العالمي أوالكوني ،وما لحق بها من غسل أدمغة 7/7 و24/24 ،وبوسائل القصف الميديوي فوق ـ الحديث والموجه ،مسفِّهاً كل مفهوم انتماءٍ خاص ،وكل تميّز،محملاً إياه كل الشرور ،في عملية كذبٍ منظم ،وتزويرٍ مدروس ممنهج ،ممكن التصدي لها ( وسائل القصف الميديوي) ؟!! : نعم ،لكنْ ليس بسهولة ولا باستسهال ،وحتماً ليس بشتم الظلام ،أو بالإحتماء الخائب بأساليب الظلامية وإغلاق النوافذ على ضوء الشمس وشعاع القمر.
5ــ نجحت الثورة الإسلامية في إيران بإرساء نظامها ،وهذا بيِّن جليّ ،لكنها لم تنجزبلورة الهوية المواطنية كمجتمع ،فبقي الفرد الإيراني في ضبابية انتماءٍ إلى الإيديولوجي الإسلامي الأشمل والوطني الإيراني المدولن ،لم ينجز الأول بحكم ظروف موضوعيّة مفهومة ،ولايستطيع الإنكفاء إلى الثاني بضرورة الإلتزام بالأول ،فضلاً عن ضغوط المتغيِّرات السابقة الذكروالتي تدهمه .
6ــ إنَّ الظروف التي يعانيها الإنسان الإيراني ،والتي يشاركه فيها السواد الأعظم من شعوب آسيا وأفريقيا وأمريكا الجنوبية ،من مجتمع شابّ ،مختلّ التوزيع بين مدينة وأرياف ،مع عدم توازن بين قطاعات الإقتصاد ،واقتصاد ريعيٍ طاقوي ،خاضعٍ لتقلبات الأسواق الخارجية ،وأزمات معيشة ،وسكن،وبطالة ،وسوق عمل لاتمتلك دينامية استيعاب كل الطاقات المتناميّة سنوياً طلباً لفرصتها المشروعة ،وفوق ذلك حصار غربي شبه تام ،وسياسة استنفار مبررة ،بل ضرورية ومحقة ،كل ذلك يجعل الأعصاب مشدودة والنفوس متوترة ،والآراء تحتمل الإجتهادات ،حتى المتضاربة ،المتناقضة ،ولكنها ـ ولابحالٍ ـ تحتمل التصادم والصراع ،في مجتمع فسيفسائي التكوين بأساسه ،في ساعة كثر فيها اللاعبون !!!
وإذاً : لايمكن بحال أنْ تهمِّش أكثرية الثلثين أقليّة الثلث الثالث ،أقليّة تتجاوز الملايين العشرة من الكتلة الناخبة ،وتمثِّل على الأرض ثلث الأمّة الإيرانيّة ،فالتسوية هي الحل ،والحوار هو الطريق ،واحترام المؤسسات هو الضمانة .
وليتذكرالجميع أنَّ إيران بلد بترولي ،وجاره العراق دفع غالياً ضريبة ثروته ،ومازال وإلى مدىً غيرمحسوم ،وأنه علاوة على ذلك مطل على بحر قزوين ومخزونه النفطي ،ويتشارك الحدود مع مناطق ملتهبة ساخنة ،ويقع جيوبوليتيكياً على "درب الحرير"،الذي يبدأ شرقاً من التيبت وأواسط الصين ، "درب الحرير"ويالها من تسمية !! إنّه درب الجلجلة والآلام ، وإلى القسم الثاني مع الوضع المستجد في الصين حيث يبتدئُ "درب الحرير"...........