من قلم د . منير وسوف القوي :
لم يكنْ ضرورياً تجشم السيّد وزير الخارجية التركي رحلته ـ الزيارة إلى إيران ليبدي للإيرانيين قناعته ـ الحكم القطعي ـ أنّ : ( " الإحياء الشيعي " سقط و " الإحياء السني " بدأ !! ) ، فمقال في زاوية " رأيّ " في أيّة يوميّة كان وافياً بالغرض !! .
كما أنّ التعبير عن آرا ئه ـ السياسات التدخليّة ـ في الشأن العربي ، والتي يجود بها ، بمناسبة وبلا مناسبة ، حتى لقد أصبح التدخل فيه ( الشأن العربي ) على لسان " ثلاثي حزب العدالة والتنمية " التركيّ مناسبة قائمة بذاتها !! هي أيضاً لم تكن تحتاج للمنبر الإيراني وزيارته الرسميّة للإفصاح عنها ، وكسابقتها ، زاوية في جريدة كانت وفّرت على السيّد ( أوغلو ) عناء السفر ، والتنغيص ولا جدوى مقابلة مهزومين سقط إحياؤهم !! إلاّ إذا كان السيّد وزير الخارجية التركي من هواة الشماتة وجهاً لوجه ، أو ساديّ الطبع يتلذذ بسقوط الآخر ، أيّ آخر ، إشباعاً لحاجته المرضيّة الشاذة !! .
ثم لست أعتقد أنّ لدى وزير خارجية الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة بسطةً من وقتٍ ثقيل " للسمر أو لإفراح وابهاج " السيد ( أوغلو ) ، في لحظة ذروة التحدي الإيراني ، جيوـ استراتيجيوـ بوليتيكيّاً للهيمنة الأمريكيّة ، محلياً في الخليج ، واصطفافاً إقليميّاً وعلى الصعيد العالمي .
هذا التحدي الإشتباكيّ وقد وصل بجديّة ميدانيّته ـ إيرانيّا ـ إلى الإحتكاك المباشر باستيلاء إيران على طائرة الإستطلاع الأمريكيّة الأحدث باختصاصها ، واغلاقها ( مضيق هرمز ) ـ بمجرد طلبٍ ـ إشعار !! ـ ولساعات بذريعة إجراء مناورات إيرانيّة لم تُجرى ، بل أُجّلت دون ابداء أيّ سبب ، أو تقديم اعتذارٍ للأطراف الذين أوقفوا ملاحتهم في مياه الخليج ، الأمر الذي اعتبر " بروفة عمليّاتيّه " وتطبيع تدرّجيٍّ لتقبّلٍ اليد الإيرانيّة العليا ، ورسالة قرارٍ إيرانيٍّ حاسم لكل الأطراف ـ وللأمريكي خاصّةً ـ أنّ إغلاق المضيق قضيّة إجرائيّة ، مرهونة بتحقق ظرفيّة شرطها المحدد ـ وفقط ـ إيرانيّاً ، بل وبالمحصّلة هو انموذج نجاح إيرانيّ في اختبار صراع الإرادات فوق مياه الخليج !!
وإذاً فزيارة السيّد ( أوغلو ) لطهران يتقررفعليّاً مربط فرسها هنا ، في موضوع هذا الإشتباك الإيرانوـ أمريكيّ ، وهي لا تعدو كونها زيارة " مبعوث أمريكيّ بالوكالة " في ضوء العلاقات التركية الأمريكيّة المستجدّة التفعيل ، والإيرانيّة الأمريكيّة المقطوعة منذ احتلال ( وكرالجواسيس ) ـ السفارة الأمريكيّة في طهران ـ عام 1979 ، وذلك الدّور ليس حدثاً ـ استثناءً أو نشاطاً ـ مستجداً في مكوكيّة دبلوماسيّة السيّد ( أوغلوا ) أبداً ، ولكنّه أصبح علنيّاً منذ سنةٍ ونيّف ، مع عودة " ابن التبنيّ " الحرد ( الإبن التركيّ الحردان ) إلى حضن الأم المتبنيّة ـ أمريكا ، لا بمراضاته من قبلها أبداً ، ولكنّ بوضعه في مكانه ومكانته ، فلقد أُفهم وفهم ـ ومن أمريكا وامتدادتها ـ أنّ الطموح بنديّة حظوة الكيان الصهيوني لدى أمريكا ، أو حتّى مجرد الحلم بذلك ـ هو الخياليّة المفارقة لكلّ عقلانيّة ، بل هو مرذول الطمع ، فمنذ متى يطمع أبناء البطة السوداء أنْ يعاملوا معاملة زغاليل البلابل ؟ !!
بل وأُفهم أكثر ، ونفّذ صاغراً أو برضاه ـ لا فرق كبير ـ أنّ الخلاف مع الكيان الصهيونيّ ممنوع ، وأنّ التركي ـ كقوّة أطلسيّة ـ يقع عليها واجب تنفيذ الإلتزام ـ الأولوية الإستراتيجيّة الغربيّة ـ بحماية الكيان الصهيونيّ والحرص على تفوّقه المطلق في الإقليم ، وفي هذا السياق نفّذت تركيّا الجزء المناط بها من مشروع الدرع الصاروخيّة الأميركيّ ، رغم كل ماجرّه وسيجرّه عليها من تبعات في المحيط الإقليمي وأبعد ـ جيوـ استراتيجيوـ بوليتيكيّاً ـ من حدود ذلك المحيط .
لست لأدّعي معرفةً بما دار من محادثات خلف الأبواب المغلقة بين السيّد ( أوغلو ) ونظرائه الإيرانيين ، ولكن يمكن بسهولة توقّع طبيعة اللقاء وموضوعاته ـ المواقف استناداً إلى المعلن منها من قبل الطرفين :
فبالتأكيد لم يكن الجانب الإيراني مستمعاً سلبيّاً للغة النصيحة المملّة الإملائيّة ، المألوفة والمتعالية ، التي تطبع نبرة السياسات التركيّة منذ العودة إلى دافئ الحضن الأمريكيّ ـ الأطلسي ،( هذا إذا جرؤ وتهوّر !! ) ، بل على العكس قد يكون ما سمعه لم يسرّه ، لعكسه بحدّة حسمه ما يسمعه العالم ـ والغربي خصوصاً ـ من جديّة السلاح الإيرانيّ وهو يقعقع مشهراً من شواطئ الخليج إلى بحر العرب وباب المندب والتلميح بالمضيّ أبعد حتى أعالي البحار، ولعلّ هذا ما حدا بالسيّد ( أوغلو ) أنْ يهرع في تصريحاته إلى المنطقة المستباحة التي لا تلزمه بثمن ، المنطقة التي خرج قرارها ـ جزئياً ـ من يد أبنائها منذ اتفاقيّة ( كامب ديفيد ) ، ليستمر المسار الإنحداري لامتلاكها ذاك القرار بالحرب المجنونة التي شنّها ( صدّام حسين ) على إيران ، المودية إلى خاتمتها ـ المأساة بتنفيذ مشروع احتلال العراق وتدميره الممنهج ، بذريعة الخطيئة الكويتيّة أو بدونها ، تماماً كذريعة وجود أسلحة الدّمار الشامل أو عدمها ، ليكتمل خروج القرار العربيّ ـ شبه الكامل ـ من يد أهله بتفويض ( جامعة عمرو موسى ) للحلف الأطلسي المصير الليبي عبر قرارٍٍ لمجلس الأمن الدوليّ ، حمّال أوجهٍ ، كالعادة التي عودتنا عليها تلك المؤسسة منذ بواكير تعاطيها في شؤون منطقتنا ، ولعلّ " ال التعريف " في القرار (242 ) المعتمد من المجلس إيّاه ، والمقدّم من المندوب البريطاني اللورد ( كارادون ) ، العام 1967 قد أعادت تأكيد حاسم قطعيتها في منع التلاعب بالكلمات عند الترجمة بين اللغات ، ومع ذلك فكلّنا بالنتيجة عارفون !!
فالسيّد ( أوغلو ) على ما يبدو لا يعرف القراءة إلّا في دفتره ، فيكرر قراءته بذات الأخطاء ، وبنفس السطحيّة والتسطيح ، بل ويعيد تلاوة الأكاذيب التي أصبحت في فضيحتها مهزلة مقززة :
فسيادته يختزل لبنان إلى بعدٍ إشكاليّ إسلاميّ طوائفيّ " سنيٍّ ـ شيعيّ " وباتهام إيران ـ الدور الخارجيّ ( في استنساخٍ لدوره ربّما ) والتي يغادرها آنيّاً بعد زيارته ـ " مبعوث أمريكيّ بالوكالة " ـ
في إساءة للبنان غير مسبوقة ، ولم تعرفها لغة دبلوماسيّة عميقة متّزنة ، لكنّ السطحيّة والتسطيح في الفهم والتحليل السياسوي للسيّد ( أوغلو ) أركبه مركب الجهل والتجاهل للواقع اللبناني ومركّب مكوّناته ، وهو المفترض أنّه يمثل دولة يفترض أنها تعرف لبنان جيدا ،وقامت ولا تزال تقوم بأدوار مهمة في تقريب وجهات النظر وفي منع الاشتباك في ما بين اللبنانيين ، مما يجعل استنتاج أنّ مسؤوليّة فشل الدور التركي في الساحة اللبنانيّة يصدر حكماً من هكذا فهمٍ سطحيٍّ قاصر ، بل ويدخل في خانة ضيّق التفكير الطائفي الذي يحكم الذهنيّة الأوغلويّة ، خاصّةً وهو يتنبأ للبنان أنّه ( متجه إلى صراع حتمي بين السنة والشيعة يشبه الصراع القائم في العراق ويستدعيه، ويكمل الصراع القائم في سوريا ويستوطنه ) ، بل ويبلغ مستوى حدّ النفاق والتزوير، بتدخليّة فجّةٍ في الشأن اللبنانيّ ، ومعطى ـ خيارات اللعبة الديمقراطيّة اللبنانيّة ، ليحدد بوضوحٍ تموضعه المنحاز للفريق الحريريّ ، حين يقول : ( يوجد فرق بين اللوحة التي خرجت من الانتخابات وبين خيارات السلطة السياسية اللبنانيّة ) ، متابعاً ( نحن نريد أن تكون خيارات الشعب هي الأساس وليس الخيارات المذهبية والعرقية ) في غمزٍ اتّهاميّ للدور الإيراني ، والذي لا يقدّم مخرجاً للسيّد ( أوغلو ) ، بل بالعكس تماماً إنّه يحمل الإدانة والدليل على شراكة تركيّةٍ مشبوهةٍ في المرسوم من مخططات إنهاك أمّتنا ، وتفتيت منطقتنا ، كما يقول بذلك الواقع المتحرّك ويرفضه ـ شعبويّاً ـ مسفهوا " نظريّة المؤامرة " بلا أيّة دراية أو عناية او وقاية ولو حتّى على سبيل الإحتمال !!
وأمّا تصلّب " فيروس البروفيسوريّة " ، فعلى ما يبدو أنّه استبد بالسيّد ( أوغلو ) ، فأصبح الإستخفاف سمة رؤيته ، بلا عمق ولا تعمّق ، بل تبسيطه التصنيفيّ يبلغ حدّ السذاجة حين يقول : ( العرب في الشرق الأوسط ثلاث مجموعات :
ــ الأولى : تضم تونس وليبيا والمغرب ومصر حيث تعيش تغييراً في اتجاه الديموقراطية .
ــ الثانية تضم سوريا والعراق ولبنان " حيث يتسمّر أمام مشكلة عدم التوجه إلى التغيير ، وبذلك فهو قلق بشكل جدي من هكذا وضع !! .
ــ الثالثة لها شروطها الخاصة ، فهي دول غنية وتضم دول الخليج ، ولتركيا معها علاقات إستراتيجية !!
إنّ جملة ملاحظات تستدعي ذاتها أمام ـ أو يستدعيها هكذا منطق تبسيطيّ مبتسر ، سطحيّ واختزاليّ ، لا يقبل به حتى هواة السياسة ولا حتى المبتدئين من طلبتها :
ــ أوّلها : تلك الروح الوصائيّة التدخليّة بالقفز على مبدأ سيادات الدّول !! .
ــ ثانيها : تقسيميّة الكلّ المتحرّك ديناميّاً لأمّة واحدة ، ليس بقصد تبسيط التناول الميدانيّ ـ كما يبدو ـ بل لتأكيد تفارقٍ تطوّريٍّ ذهنويٍّ نافٍ لجملة الوحدة الجيوـ بوليتيكو ـ سياسيّة لأمّة العرب ووطنها الواحد ، بإحلال مفهوم كيّانيّ ثلاثويّ يسمح بإدراجها نمطيّاً ـ كأجزاء ـ في التوجه الإسلاموي المؤكّد على التناقض بين أمّة العرب ـ الواقع وأمّة الإسلام ـ الإفتراض ، وهو ما يعتقد به السيّد ( أوغلو ) .
ــ ثالثها : أنّ الوزير ـ البروفيسور لا يرى في طول الأرض العربية وعرضها إلاّ النظام الرسميّ ، أمّا الشعوب فيذكرها ـ انتقائيّاً ـ حيث تخدم دعاويه .
ــ رابعها : أنّ الوزير ـ البروفيسور، مرّة أخرى ، لم يسمع بالصومال ومأساته ، ولا بالسودان وتمزيقه وخلخلاته ، ـ وهنا لا أدعوه إلى استدراكٍ ، فرافض أنا لتدخليّته ـ ولكنْ من باب أنّ الشيء بالشيء يذكر ، أم أنّ السيّد الوزير ـ البروفيسور مطمئن لوضع البلدين ومستقبلهما ، لوقعهما بيد اسلاموييه الطاهرة ؟ !!
ــ خامسها : من قال للسيّد الوزير ـ البروفيسور أنّ المجموعة الثالثة ( الغنيّة !!) أقل حاجة للتغيير من حاجة أرض العرب الأخرى ، ألم يسمع بالبحرين ؟ !! ألم يسمع بالقمع في مملكة آل سعود ؟!! ألم يسمع بفساد النظام الكويتي ؟!! بارتهان كل مشيخات الخليج المحتل ؟ !! إنها فعلاً الرؤية بينٍ واحدة ، والمصيبة حولاء يا ولدي !!!!
ــ سادسها : ( انه قال للمسؤولين الإيرانيين إن المنطقة تشهد تغييرا كبيرا، وهذا في "وجه منه ايجابي " وقد انتصر التيار القادم من تقليد سني ـ إسلامي وديموقرطي " وإذا ظهر أن إيران هي التي تقف خلف الصدامات المذهبية في سوريا ولبنان والعراق فماذا ستفعل إيران ؟ وكيف ستقيم علاقات مع جبهة سنية تقف بوجهها ؟ فالسنّة سوف يتكتلون ضد إيران !!! ) .
أفأكثر من ذلك ظلاميّة وتخندق طائفي ؟!! أأفجّ وأوضح من ذلك لغة فتنويّة دعويّة إلى إشعال الفتنة والتحضير لها ؟ !! ولمن يتوجه مكشوفاً بأوراق سياساته المقروءة بفواصلها ؟!! أإلى إيران ـ الثورة الإسلاميّة المناديّة بوحدة الخندق الإسلاميّ ، بل والتحرري كلّه ، ضدّ الإستكبار العالميّ ؟!! حتى أنّ صمودها الاسطوري ، ومتابعتها خطوات برامجها بنجاح ، أصبح كابوس الهيمنة ومحور حركة أصحابها المؤَرَقين .
ــ سابعها : ذلك اللسان المتساوق مع المنطق الصهيوني تحديداً في شيطنة المقاومة ، وتحديداً المقاومة اللبنانيّة ورأس حربتها " حزب الله " بحشره ـ بلا حقٍّ ـ ذيليّاً للسياسة الإيرانيّة ، مع أنّ الواقع أثبت أنّ وحدة الفهم والهدف هو الذي ينتظم الإثنين في ذات الخندق دون حساب أو تدقيق لمن يساهم بأكثر أو أقل ، حين سمح للسانه بتوجيه شبه اتهام إلى إيران بأنها وراء التحركات في سوريا والعراق ولبنان !! فضلاً عمّا يحمله من نفس استخفاف بشعوب البلدان الثلاثة ، فإنّ ازدراءه المتضمَن واحتقاره المتعالي مردود عليه ، وهذا أقلّ ما يستحقّ .
ــ ثامنها : تلك الشطحة التنبئيّة المغرقة في انغلاقها ، وفي ضيّق رؤيويتها ، حين يقول :
( أنّ التطورات ، التي في العراق وسوريا، قد تفتح الباب أمام حرب باردة إقليمية ، وأنّ لإيران بالخيارات التي ستعتمدها، سيكون لها تأثير، إما في الاتجاه السلبي أو بالاتجاه الايجابي مما سوف يضع أسس العلاقات الإقليمية للمئة عام المقبلة ، فعلى كل طرف ان يحدد موقفه تبعا لذلك . !! ) ، يُفهم ـ بلا لبْس ـ أنّ تلك الحرب الباردة الإقليمية قد دُشّنت ، وأنّ تركيا قد حددت خندقها طالبة من إيران والعراق وسوريّة ولبنان ترك خندقهم مع رفع الرايات البيض وإلاّ فهي الحرب لقرنٍ قادم !!
أفعقمٌ أكثر من ذلك لسياسة ( مشاكل صفر ) التي لايؤمن بها صاحبها بدلالة بحثه عن المشاكل مع المحيط ، وبلغة تتضمّن مداورةً أو مباشرة نغمة التهديد ؟ !!
أوليس في لغة السيّد البروفيسور ـ المنظّر ـ الوزير إعلان وفاة نظريّته ( مشاكل صفر ) ، لتقوم وتحلّ مكانها نظريّة النقيض ،نظريّة ( حلول صفر ) ، أو ( حلول عقم )
؟ !!
علّ تلك الخاتمة ـ النتيجة تجيب بحسمٍ على شبه ظويهرة الذهنيّة الأوغلويّة المنقلبة أو المتقلّبة في صياغة قواعد العلاقات الجيوـ بوليتيكو ـ استراتيجيّة إقليميّاً وعلى الصعيد العالميّ .
الأحد، 15 يناير 2012
الثلاثاء، 10 يناير 2012
ظاهرة ( آردوغان ) إلى فوق ـ الصوتيّة ، والعوالميّة (1) لا العالميّة تتصنع الصمم !!!
من قلم د . منير وسوف القوي
لم يعد غريباً على سلوك السيّد ( آردوغان ) استخدام قصف الطائرات ، وآخر حلقات مسلسلها ، الجريمة ـ الفضيحة بقتل عشرات الأكراد الأبرياء !!! والزيت فوق زيتونها ، ذلك الإعتذار الباهت البليد : أنّه تمّ بطريق الخطأ !!!، اعتذار ـ مهزلة ، لن يحيي قتيلاً ولن ينصف ضحيّة ، بل إنّ سياسة الدكّ بقنابل المدافع والصواريخ ـ الراجمات لكلا الأرضين ، العراقيّة والتركيّة ، قد أصبح في السلوك الصلف الأردوغاني من روتين إنجازاته المظفّرة !!! ، ولئن كانت الأرض التركيّة ، وهي أرض دولته الذي هو رئيس وزرائها ، ذريعةً تطلق يده ، فهو حرّ في فعلته تلك وإنْ بشروط ( قد لا تعنينا ) !!! ، فإنّ الأرض العراقيّة ، وهي ليست أرض من دولته ، لا تقبل ذرائعه أيّاً كانت ، وبالتالي ـ فهنا ـ مقيَّد سلوكه ـ بصفة العدوان بلا شروط ( وهذا بالتأكيد يعني كلّ عربيّ ) ، أمّا أن يصل إلى إطلاق قذائف زوارقه الحربيّة في المياه الدوليّة لشرقيّ البحر الأبيض المتوسط ، برماياتٍ بلا هدف ماديٍّ محدَّد ( اللهم إلّا إذا كان الهدف هو صيد السمك " مشويّاً " في سبق لوجستيٍّ حربيٍّ للفاتح النيو ـ عصمليّ آردوغان الخاقان !!! )، و قبالة السواحل القبرصيّة ، بسبب الخلافات على اقتسام مخزون الغاز المكتشَف بين الشواطئ الشاميّة ـ القبرصيّة ( لا التركيّة ، رغم وجود " مسمار جحا التركيّ " ـ جمهورية أتراك شمال قبرص ـ ، المعترف بها عالميّاً من تركيّا فقط !!! ) ، أنْ يصل إلى ذلك !!! فهو جنون العظمة المطلق اللامشروط إلّا بانفلاتٍ من كلّ عقلٍ وعقال ( وهذا يعني المجتمع الإنسانيّ بكليّته ) ، خاصّة حين تصبح مهزلة الإستعانة بضجيج المفرقعات الحربيّة روتيناً ـ استعماليّاً كالمؤثرات الصوتيّة ، في تضخيمٍ كاريكاتوريّ الإخراج للظاهرة الصوتيّة الآردوغانيّة ، في عبورٍ تصعيديٍّ لها إلى السويّة " فوق الصوتيّة " ، مما يمنحها مشروعيّة الإدّعاء بأحقيّة تمثيل جنون العظمة الأردوغانيّة ، الموّصفة تطابقاً مستحقّاً لمعادل القيمة في ـ وبين نسقيهما ، وبذلك وفي اتساق الموضوع ـ السياق تبدو بضع الكلماتٍ من السطرين الأخيرين في المقال السابق : ( آردوغان ظاهرة صوتيّة بامتياز ) ، لا كختامٍ لمقالٍ ، بل إشارة رصدٍ لتطوّر ظاهرةٍ إلى ما فوقها ، وصلة ربطٍ ـ مقدمةٍ للمقال ـ هذا ـ في تناوله محطتي الآردوغانيّة ، تركيّا داخليّاً ، وسوريّاً جواريّاً ، وسط تواطئ لعبةٍ دوليّةً ـ هو أحد أطرافها ـ لاتترد بتصّنع ضخم صممٍ عوالميٍّ مجرمٍ وعاهر !!! ، لكنها سنّة عصر الهيمنة العدوانيّة الأمريكيّة ، والتقليد ـ الاتّباع ـ القدوة للمثل الأمريكيّ في اليمن وباكستان وخلقستان ( أفغانستان ) ، وقبل الجميع في عدوان السنوات التسع الأمريكي على العراق النازف الجريح । فالسيّد ( آردوغان ) في هاتين المحطتين يتفوّق على نفسه ، ويصبح " ظاهرة فوق ـ صوتيّة " ، فلنتابعه في إطلالاته النجمويّة ـ التنجيميّة ، شبه اليوميّة ـ بأكثرٍ أو أقل ـ وبغياباته المبرمجة المتكررة ، بعد كلّ تنبؤٍ له تكذّبه الأحداث ، أو إهمال فرقعة إنذارٍ خلبيٍّ أطلقه ، في شعبويّة حماسة انفعالٍ لاتليق برجل الدّولة ، وإن كانت واجب محييّ الأعراس المستأجَرين ، من طبّالٍ وزمّارٍ وفرقة الردّادين و" المشوبشين " : 4 ــ المحطّة التركيّة الدّاخلية : في تلك المحطة ، تبرز بوضوحٍ لاواقعيّة وتوهّميّة السيّد ( آردوغان ) تسنّمه موقع مجترِح المعجزات ، يوزّع الوعود ذات اليمين وذات الشمال ، فيبشّر أكراد تركيّا بحلّه المدروس لأزمتهم المواطنيّة ـ ربّما بإبادتهم بطريق الخطأ ، ربّما ؟!! ـ ، تلك الأزمة التي عمرها من عمر الجمهوريّة الأتاتوركيّة العلمانيّة ، بل بعض جذورها يرجع إلى فترة الفتح العثمانيّ للديّار العربيّة الذي ابتدأ عام 1516 ، لا بهزيمته المملوكي ( قانصوه الغوري ) فقط ، بل باستمراريّة ما تبعها من انكشاريّة سياسات قمعه واستئصاله كلّ حراكٍ مجتمعيّ ، فكريّ الطابع محدوده ، أوماديّ الفعل نشيطه ، حتى ذاك المناوئ للمملوكيّة ، ومنه تلك بقايا الأيوبيّة ـ الكردويّة أصلاً إثنيّاً ـ والحركات المناوئة لكلا الدولتين المتعاقبتين من طالبيين وموحّدين ونصارى ، ممن تستعيد تصنيفهم " العصمليّ " المتخلّف ـ بعد تلك القرون ـ أغلبيّة من المعارضات ـ المتعارضات السوريّة اليوم ، بتسمية " أقليّات "!! معتمدة ومحيّية ذات المنظوميّة المفاهيميّة البائدة ، والمصنّفة حداثوياً بالإنتماء الثانوي أو الهويّة القبليّة ، نسبة للوطنيّة الجامعة ، من إثنيّة ودينيّة وطائفيّة وحتّى عرقيّة مشكوك بتاريخيتها ، ممّا يدرجها تلقائيّاً في مصفوفة بنيويّة النكوص الفكرويّ ،المغتالة لمعنى المواطنيّة وحقوقها فضلاً عن استغناءٍ غبيّ عن واجباتها !!! فماذا طبّق السيّد ( آردوغان ) على أرض الواقع في الشأن الكردي ؟ لقد تصرف بدوغمائية معتادة ، طورانيّة الطابع مزمنته ، استمراراً وتشابهاً ممتداً على ممارسات كلّ عهود الإدارات التركيّة ، فخلافاً لكلِّ معسول التوهمات ـ الوعود ، لم يكتف بقمعٍ غير مسبوق ـ مترافقاً بضجيج الوعيد والتهديد وأزيز الرصاص ـ لأنصار الـ ( ب.ك.ك ـ حزب العمّال الكردي) في الداخل التركيّ ، بل لاحق امتدادهم اللوجستي بقصف الطائرات وتوغّل ثقيل الدروع في الشمال العراقي ، مستفيداً من صمتٍ دوليّ متواطىء ، لم يتعدّ في بعض نطقه ـ الغمغمة عتباً رفيقاً وكبير تفهّمٍ ، وتبريراً لانتهاك سيادة العراق ، العاجز ماديّاً بوضعه المعروف ـ وحتى أخلاقيّاً لاغتيال كليّة سيادته بمحتلٍ أمريكيّ مقيم ـ عن احتجاجٍ فكيف بدفاع ؟!! سيّما وفي شماله إدارة مشروع دولة شبه معلنة دخلت لاعباً ـ ولو ادواتياً ذيليّاً ـ في اللعبة الجيوـ استراتيجيـا السياسيّة ، الإقليميّة المستوعَبة بإطارها الدوليّ الراعي ـ المخطِّط في معاهد دراساته وأبحاثه الصهيوـ أمريكيّة . وزاد على أفعاله تلك ، ممارساته الطورانيّة الشوفينيّة حتى ضدّ حزب المجتمع الديمقراطي " الكردي " ـ الحزب المرخّص قانونيّاً ـ والمنادي باندماج الأكراد مواطنين كامليّ المواطنة في الدولة "" العلمانيّة !!"" التركيّة ، فاعتقل بالتهمة الجاهزة ـ ( الإرهاب ودعمه ) ـ ، نوّاب الأكراد المنتخَبين شرعيّاً "" مثله "" وأبطل بقضائه النزيه ـ طبعاً !! ـ فوز بعضهم لصالح مرشحي حزبه ـ المنافسين لهم ـ لتأمين أكثريّة مريحة لحزب العدالة والتنميّة (حزبه) ، ، حيث ( توقف الكثير من المتابعين عند توقيت وملابسات صدور قرار المحكمة الدستورية التركية التي طلبت مؤخراً حظر حزب المجتمع الديمقراطي المحسوب على الأكراد في تركيا ومنع 37 قيادياً في الحزب من ممارسة العمل السياسي لمدة خمس سنوات بينهم 19 نائباً سارعوا لتقديم استقالاتهم بدل البقاء في البرلمان بصفة نواب مستقلين ) ، كلّ ذلك يحدث ، وخطاب رئيس الوزراء التركي السيّد ( رجب طيب أردوغان ) أثناء زيارته إلى ديار بكر الكردية الجريحة ، يقرّع سمع الشعوب التركيّة ، وبخاصّة الكرديّ بينها ، فهو المعنيّ الأوّل بمواقف رئيس الوزراء التركيّ ، المعلنة في تلك المدينة الكرديّة ( ديار بكر ) ، إذ قال السيّد ( أردوغان ) متوجِّهاً للجمهور الكرديّ المصغي إليه : ("نعترف بأخطائنا السياسية الماضية وسنصلحها"!!) ـ جميلة هذه الـ "وسنصلحها" تلك ، ويتابع ـ لا فُضّ ذهبي فوه (2) : ("إن القضية الكردية ليست حصرا على الأكراد بل هي قضية تركيا بالكامل" ) ، مبدياً ـ بحماسةٍ منبريّة ـ استعداده ـ الوعد المزمن ـ بحل للقضية الكرديّة في تركيّا على "أسس ديمقراطية وقانونية" !!! . لكن بقى الخطاب خلبياً مندرجاً في خانة المجاملات والوعود المناسباتيّة الطيّارة ، في سياق الظاهرة الشعبويّة الصوتيّة ، المتجاوِزة إلى سويّة مافوقها ، بنفاقٍ سياسيٍّ يُضمِر، بل وينفذ عكس ما يمزّق الحبال الصوتيّة بإعلانه من وعود ، ويترجم على أرض الواقع تكذيبها ، بتطبيق سياسات القتل والتشريد والملاحقة حتى إلى الجوار التركيّ ( العراق ) ، فبماذا اختلف السيّد ( أردوغان ) عن المسوِّفين الوعّادين ـ ممن سبقوه ـ ببذل سخيّ الوعود أيضا بالديمقراطية والحريات ، والتي بقيت حبراً على ورق في مستودع قبوٍ رطبٍ ، أو كلمات تذروها رياح سموم التقيّة السياسيّة ، نعم بماذا اختلف السيّد ( أردوغان ) عنهم جميعاً ، لو لم تميّزه ظاهرته الصوتيّة ، بل وتصعيدها ـ بالنفاق والتقيّة وازدوايّة القول والفعل ـ إلى مافوقها ؟!!! 5 ــ المحطّة السوريّة : لن أعود هنا إلى سرديّة حوادثيّة يعرفها الجميع ، ولا إلى نقاط سبق وأوردتها في مقالات سابقة إلاّ بقدر ، ولكنْ ما يستوقف المرء هو قدرة السيّد ( آردوغان ) الفائقة في قلبه معطفه بلا ذرّة من خجل ، وعلى الملإِ ، وكأنّه تعمّد اقتناء معطفه السياسي بصلاحيّة ارتداءٍ على الوجهين ( دوبل فاس ) !! ليتناسب وموهبته الحربائيّة بالتلوّن ، وبتعدد الأدوار والوجوه ، وبعضها على حديّ نقيض ، بانفصاميّة ( دكتور جيكل و مستر هايد ) ولكن في وضح النهار ـ هنا ـ ، ودون أن يرفّ له جفن !! فهو الصديق وهو الغادر ( آردوغان ـ سوريّة ) ، وهو العاشق طالب الوصال و الكاره المشمئزّ النفور ( آردوغان ـ أوروبا ) ، وهو الرأس الكبير القرم والذيل التابع المطيع ( آردوغان ـ أمريكا ) ، وهو ( وأوغلو ـ تابعه الطموح لخلافته ـ التصفيريّ المشاكل ) بائع معسول الكلام لكل الجوار التركيّ وبطل خلق المشاكل مع كلّ الجوار ، وهو بطل دافوس الغزّاوي وصاحب ( آفي مرمرة ) في اسطول الحريّة " واحد " ، والمنسحب من مشروعه المعلن بعزمه زيارة غزّة بمناسبة زيارته لمصر ، وبفاصل سنة فقط ، هو ذاته يصبح محاصِر - بموقفٍ أطلسيٍّ ـ اسطول الحريّة " إثنان " المتوجّه ، كسابقه لكسر الحصار ( الصهيونيّ ـ الأطلسيّ ) المضروب على قطاع غزّة وأهلها ، يُستطاع المضيّ في تعداد ثنائيّات التناقض رأسيّاً في تلك الشخصيّة الإشكاليّة ـ لا مديحاً ـ وتقلّبات ـ انقلابيّة سلوكيّاتها المرصودة بمفردات توصيف تصرّفات الشخصيّة الـ ( بسيكوباتيّة ) المرضيّة التي تأصّل فيها الشذوذ ، والتي برزت في علاقته المتوالية الإنكشاف في الشأن الداخيّ السوري ، فمنذ البداية نصّب من نفسه ناطقاً باسم المجتمع الدولي (وبالحقيقة : المقهى الأمريكيّ ) ، وبدأ ككل كومبارس ، أو " صبيّ المقهى بغياب معلّمه المصطنع ـ اتفاقيّاً تواطئيّاً بينهما ـ يحاول لعب كل دور متاح ، بموهبة تمثيليّة ، إشكاليّ تقييمها ، ولكن تبقى مهما كانت الإعتبارات خارج منظومة الأخلاق الكريمة وعنفوانيّة رجالها ، فما إن أطلّ الأمريكيّ ـ الرأس على الأزمة السوريّة حتى انكفأ السيّد ( آردوغان ) إلى دكّة الإحتياط الكومبارسي ، بلوعة إنتظار إشارة المخرج ، ليعود ـ حتى ـ إلى الخافت من الأضواء أخاً واعظاً ، فأبٍ مصدوم مؤنِّب ، " فآغا " ضيعة عصمليّ ، يهدد متململيّ فلاحيه بالكرباج والتجويع وكل مرارات العقاب !!! لغة خارج العصر ورهيف رقيّ الإنسانيّة ، وإنْ كانت من حقيقي مأثورسياقات سيرة " الآغا العصملّيّ " المتسلِّط ، الغبيّ ، والجَلِف ، ومن آخر مهازل محطّاتها ، والتي آمل أن تكون من مواسم أواخرها الأخيرة ، تلك التي أعلن فيها السيّد ( آردوغان ) عن زيارته المتوعدة ، المهددة بالعقوبات ، والإجراءآت النوعية الإستثنائيّة ، بحق النظام السوريّ !!! والقريبة جداً (كان ذلك منذ أشهرٍ ثلاثة تقريباً ، ويبدوأنها ـ زيارة همروجيّة ، عرقوبيّة الوعد ، مغفلة الموعد ـ سكنت النسيان ولم تر النور ) ، وإلى أين ؟ !!! إلى مخيّمات اللاجئين السوريين ـ الفبركة البروباغانديّة ، والتي تكشّفت أدوارها ، بكامل الغياب لوحيد دورها الإنسانيّ المعلن عنه ، عن خليطٍ آثمٍ آسنٍ من أشباه الممعسكرات ـ المعتقلات ـ البيوت المشبوهة ـ المافيويّة الإدارة ، بين منتسب جهاز مخابرات تركيّ وقوّادٍ مقنّع بعالي الصوت الثورجيّ ، أو بكسيره منتحل دور منتَج المظلوميّة المسكين ، في مسلسلٍ ـ بِدَوّيّ واقعٍ ـ مفاجأة ، من ساقط دراما سياسيّة ، لم نعهدها في المسلسلات التركيّة ( التي روجتها ـ مشكورة جداً ـ كوكبة من نجوم الفن السوري ، لكنْ أنّى لها علم الغيب فتلام ؟!! ) ، ثم ربّما هذا السقوط الدرامي ،كان حتميّ الوقوع !!! ، مثلاً : لأنّ البطل ( آردوغان ) ليس بسحر ووسامة البطل ( مهنّد ) ، أقول ربّما ، مع أنّ الأخير لا يمتلك المواهب الصوتيّة وما فوقها أو ماتحتها التي هي احتكارالبطل الأول الشعبويّ ، والكومبارسيّ العولميّ ـ العوالميّ ، لا المتعوس فقط ، فذلك يقصّر عن توصيفه وترصيفه فتصفيفه ، ولكنْ خائب الرجاء ـ أيضاً ـ بتضييعه دوراً إقليمياً تبحث عنه تركيا منذ سقوط السلطنة العثمانيّة ، وفتحت البوابة السورية له " الأوتوسترادات " معبّدة مُنارة مؤمّنة ، فكم هو ـ بداية ـ جاهل هذا الآردوغان ـ ومع ذلك لابدّ أنّه أدرك ، أو نُبّه لغفلته ، وبعد شهرين فقط من قسطه لخُلَّبيّ العُلى ـ عقوباته الحمقاء ضدّ سوريّة ـ لابدّ أنّه أدرك ( ثانية أرددها ) أنّ ذلك الدّور التركيّ يضيع ثمين فرصته ، وأنّه لن تكون له أبداً